فاعلية برنامج ارشاد جمعي لتحسين التوافق النفسي ومفهوم الذات لدى الاطفال المساء اليهم



المقدمة

تعد مشكلة اساءة معاملة الاطفال Children abuse وعدم تلبية حاجاتهم الاساسية والنفسية والاجتماعية والاهمال Neglect من المشكلات الاساسية التي لها آثارها الخفية على الفرد وتنتقل معه في مراحل حياته اللاحقة .فقد ذكر ولسون وجيمس (Wilson & James,1999 ) ان الاساءة تنتقل مع الطفل الى ان يصبح فرداً عاملاً في المجتمع وقد تجعله يمارس اشكال الاساءة على اطفالهفي المستقبل وانه غالباً ما يواجه مشكلات في علاقاته الاجتماعية سواء اكان مع اقاربه ام مع ممن هم اكبر منه سناً من المحيطين به . وتاثير الاساءة على سلوك الفرد يتمثل بالنشاط الزائد او العدوانية وتقدير ذات متدن ومشكلات دراسية وانسحاب اجتماعي كما انها تؤثر في مستقبله ومستقبل اسرته كما تؤثر في انتاجه للمجتمع وفي موارده ونفقاته.


تكاثفت الجهود العالمية والعربية والمحلية للمطالبة بحقوق الطفل وحمايته من الاساءة بكافة اشكالها من خلال مجموعه من القرارات والاتفاقيات التي تبنتها الامم المتحدة دولياً فكانت الدورة الخاصة التي عقدتها الامم المتحدة عام 2001, والتي هدفت الى حث دول العالم لاستكمال ما لم يتم تنفيذه من اهداف الاعلان العالمي لحقوق الطفل وكذلك اجتماع الدورة الاستثنائية للامم المتحدة في شهر آيار من عام 2002, والذي صدر عنه مشروع الوثيقة الختامية بعنوان "عالم يليق بالاطفال". وقد حضر هذاً الاجتماع عدد من زعماء العالم وممثلي المنظمات غير الحكومية ومناصري قضايا الاطفال (بدران,2002). اما على المستوى العربي فتمثلت الجهود الصادرة عن جامعة الدول العربية لحماية الطفولة من الاساءة "بميثاق الطفل العربي عام 1983", ووثيقة الاطار العربي للطفل عام 2001(جامعة الدول العربية,2002). وبعد مصادقة الاردن على اتفاقية حقوق الطفل باشرت عدة منظمات حكومية وغير حكومية بتطوير برامج تهدف لحماية الاطفال من الاساءة وتوفير المراكز الآمنه لهم من خلال حملات التوعية الوطنية.


ان الاساءة للطفل غالباً ما تؤثر في كيفية تعامله مع المحيط من حوله وتؤثر في مستقبله ومستقبل الاسرة والحديث هنا لا يقصد به تلك الاثار التي نراها بالعين المجردة كالخدوش والكسور والرضوض بل الاثار الخفية التي تحفر في وجدانهم وتنتقل معهم في صباهم وفي حياتهم بوصفهم افراداً عاملين في المجتمع وهي بالضرورة لها اثر ما على انتاجية المجتمع من جهة وعلى موارده ونفقاته المالية من جهة اخرى وانه مما يجدر ذكره ان نواتج الاساءة على سلوك وشخصية الطفل سواء على المدى القريب او البعيد تتوقف على المرحله النمائية للطفل وطول وشدة الاساءة ونوعية البيئة ونوع الدعم المجتمعي المقدم للطفل والاساءة (Wilson & James , 1999) .


وفي دراسة لمفهوم الذات بين الاطفال المعرضين للخطر والعاديين حاولت سمرين (2002) التعرف على مفهوم الذات لدى عينه من الاطفال المعرضين للخطر تكونت من 202 من الاطفال منهم 100 عاديون و102 معرضون للخطر , وقد اشارت الى ان مفهوم ذاتهم يقع بين مرتفع ومتوسط على مقياس مفهوم الذات بالنسبة للاطفال العاديين ومستوى دون متوسط بالنسبة للمعرضين للخطر وهذاً يؤكد ان الطفل الذي يتعرض للاساءة يكتسب مفهوماً متدنياً عن ذاته ويواجه مشكلات في تفاعله مع الآخرين سواء مع اقاربه او الاكبر منه سناً وتاخذ شكل زيادة في النشاط او العدوانية ومشكلات دراسية وانسحاب اجتماعي واكدت نتائج دراسة لوزارة التربية والتعليم (2003) ان الاساءة الجنسية تؤثر في نمط شخصية الطفل المساء اليه وانها تؤدي الى سيطرة الشعور بالخوف والقلق والاكتئاب وكذلك تؤدي الى سلوك تدمير الذات والغضب والعدوانية بالاضافة الى الشعور بالذنب والخجل وعدم الثقة بالآخرين واشار التقرير ايضاً الى الانتقام الجنسي والسلوك الجنسي غير الملائم والمشكلات المدرسية من هروب وغياب وضعف تحصيل بالاضافة الى الاثار طويلة المدى للاساءة مثل الميل للانتحار والخوف والانعزال.


وتتم عادة مساعدة الاطفال المساء اليهم من خلال برامج الارشاد النفسي التي تعتمد على نظريات الارشاد المختلفة وهي تهدف الى مساعدتهم لاعادة تاهيلهم وتقديم تدخلات علاجية مناسبه لهم من اجل التخفيف من الآثار السلبية للاساءة باشكالها المختلفة(الجسمية والنفسية والجنسية والاهمال) وتساعد العاملين في الارشاد او القائمين على رعاية هؤلاء الاطفال بتقديم التدخل او الارشاد وفق اسس علمية. فقد ذكر ريمر وبريجر (Rimer & Prager , 1998) انه على المرشد او من يقوم برعاية المساء اليه ان يساعده من خلال برامج ارشاد تتضمن: تطوير مفهوم ذات ايجابي,بناء الثقة بالاخرين,السماح له بالتعبير عن انفعالاته ومشاعره والسماح له بالتواصل مع الاخرين وتعليمه على كيفية تحديد الموقف المشكل والبحث من خلال بدائل وخيارات وتنمية مهاراته اللغويه والحركية.
ان البرامج الارشادية العلاجية تؤدي الى تحسين التوافق النفسي ومفهوم الذات لدى الاطفال المساء اليهم فقد وضحت دراسة القاسم (1991) على عينه من سبعة اطفال تعرضوا للاهمال والقسوة في التعامل وتم متابعتهم بالمستشفى الجامعي في القاهرة من عمر 7-12سنة بهدف مساعدتهم على تحقيق التوافق النفسي والاجتماعي من خلال اسلوب التدخل المعرفي المواجهة واظهرت نتائج الدراسة اهمية التدخل من خلال برامج الارشاد النفسي في تحقيق التوافق النفسي لديهم. وفي دراسة السيد(1993) عن اساءة معاملة الاطفال التي هدفت الى علاج المشكلات النفسية التي تركتها صدمات الاساءة والاهمال على ثلاث حالات من الاطفال الذين تعرضواً للاساءة من قبل الاباء وهم في دار الرعاية الاجتماعية في عين شمس وذلك باستخدام اسلوب العلاج باللعب والملاحظة واشارت النتائج الى فاعلية البرنامج الارشادي المكون من اللعب والملاحظة في التقليل من المشكلات النفسية للاطفال المساء اليهم وكذلك في طريقة استجابة الاطفال المساء اليهم لخبرة الاساءة والاهمال وتحقيق توافق افضل اما نتائج دراسة عبدالعزيز(1993)لارشاد فتاة عمرها "18"عاماً تعرضت للاساءة والموجودة في مستشفى القاهرة فقد اكدت دور الارشاد في تقوية مفهوم الذات وتحسين التوافق ومواجهة القلق لدى الفتاة.

ودراسة البحيري (1994) على عينة من "23" طفلاً مساء اليهم تتراوح اعمارهم ما بين (4-18) سنة في احدى مدارس اسيوط في مصر التي هدفت الى تدريب الاطفال على مجموعه من المهارات السلوكية كالنمذجة والتعزيز واطفاء السلوك غير المرغوب فيه وتشكيل السلوك الايجابي. واظهرت النتائج فاعلية استخدام التدريب على المهارات السلوكية في التقليل من صور الذات السلبية والشعور بالوحدة والرفض الاجتماعي لدى هؤلاء الاطفال .

اما دراسة حتر (1995) على عينة من قرى الاطفال ال(SOS) في عمان تكونت من" 28" طفلاً تراوحت اعمارهم ما بين 8-13سنة يتصفون بمفهوم ذات منخفض تم توزيعهم عشوائياً الى مجموعتين ضابطة وتجريبية باستخدام مقياس بيرس هارس لمفهوم الذات والاختبار القبلي والبعدي وتم اخضاع افراد المجموعة التجريبية الى برنامج ارشاد اعتمد فيه على استخدام اللعب بالدمى ولعب الادوار وتمارين الاسترخاء وسرد القصص لمدة ثمان جلسات بواقع جلستين في الاسبوع . وقد اظهرت النتائج وجود اثر ايجابي لبرنامج الارشاد في تحسين مفهوم الذات لدى الاطفال موضوع الدراسة .

واكدت نتائج دراسة غبريال (1997) على فاعلية التدخل الوظيفي في تعديل مفهوم الذات لدى"20"طفلاً تتراوح اعمارهم ما بين 8-12 سنة من الاطفال المحرومين من الرعاية الاسرية (اهمال) والموجودين في احدى مؤسسات الرعاية في القاهرة واعتمد في دراسته على مقياس التوافق النفسي وتقدير الذات اظهرت النتائج ان الارشاد الوظيفي يؤدي الى تحسين مفهوم الذات لدى الاطفال المحرومين من الرعاية الاسرية . اما نتائج دراسة طشطوش (2002) على عينة من الاطفال بلغ عددهم 60طفلاً من المرحلتين العمريتين (9-10),(14-15) وجميعهم من الذكور يتصفون بالسلوك العدواني وتدني مفهوم الذات . طبق عليهم مقياس السلوك العدواني ومقياس السلوك التوكيدي لتقسيمهم الى مجموعتين ضابطة و تجريبية متكافئتين .وطبق برنامج ارشاد تضمن 14 جلسة ارشادية على المجموعه التجريبية للتدرب على المهارات الاجتماعية . اظهرت النتائج وجود اثر لبرنامج الارشاد في خفض مستوى السلوك العدواني وزيادة مستوى السلوك التوكيدي لدى افراد المجموعه التجريبية .

وفي دراسة قامت بها حماد (2003) لمشروع منهج الفنون في حماية الطفل من الاساءة للمرحلة العمرية من 5-8سنوات اشارت الى ان الاطفال الذين يخضعون لبرنامج ارشاد نفسي يتضمن مهارات توكيد الذات والشعور بالانجاز والتدريب على المهارات الاجتماعية وحل المشكلات يؤدي الى حماية الاطفال من الوقوع في الاساءة وتقليل آثارها في حالة وقوعها.





د. سهام درويش ابو عيطة و د. احمد عطا محمود احمد