:bsm:
العقوبات في الإسلام
شرع الله العقوبات في الإسلام زواجر وجوابر. زواجر لزجر الناس عن ارتكاب الجرائم ، وجوابر تجبر عن المسلم عذاب الله تعالى يوم القيامة .
أما كون العقوبات في الإسلام زواجر ، فهو ثابت بنص القرآن . قال تعالى : ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ) . فكون الله تعالى جعل في القصاص الحياة معناه أن إيقاع القصاص هو الذي أبقى الحياة ، ولا يكون ذلك في إبقاء حياة من وقع عليه القصاص ، ففي القصاص يكون موته لا حياته ، بل حياة من شاهد وقوع القصاص . على أن الغالب من حال العاقل أنه إذا علم أنه إذا قتل غيره قتل هو ، فإنه لا يقدم على القتل ، وهكذا جميع الزواجر .
أما هذه العقوبات ، فلا يجوز أن توقع إلا َّبالمجرم ، لأن معنى كونها زواجر أن ينزجر الناس عن الجريمة ، أي يمتنعوا عن ارتكابها .
والجريمة هي الفعل القبيح ، والقبيح ما قبحه الشرع . ولذلك لا يعتبر الفعل جريمة إلا إذا نص الشرع على إنه فعل قبيح فيعتبر حينئذ جريمة .
وليست الجريمة موجودة في فطرة الإنسان ، ولا هي مكتسبة يكتسبها الإنسان ، كما أنها ليست مرضاً يصاب الإنسان به . وإنما هي مخالفة النظام الذي ينظم أفعال الإنسان .
وذلك أن الإنسان قد خلقه الله تعالى وخلق فيه غرائز وحاجات عضوية وهذه الغرائز والحاجات العضوية طاقات حيوية في الإنسان تدفعه لأن يسعى لإشباعها ، فهو يقوم بالأعمال التي تصدر عنه من أجل هذا الإشباع .
وترك هذا الإشباع دون نظام يؤدي إلى الفوضى والإضطراب ، ويؤدي إلى الإشباع الخاطئ أو الإشباع الشاذ .
وقد نظم الله تعالى إشباع هذه الغرائز والحاجات العضوية حين نظم أعمال الإنسان بالأحكام الشرعية . فبين الشرع الإسلامي علاج أعمال الإنسان في الخطوط العريضة التي هي الكتاب والسنة ، وجعل في هذه الخطوط العريضة محل الحكم في كل حادثة تحدث للإنسان . وشرع الحلال والحرام .
فجاء بما يستنبط منه حكم كل فعل من أفعال الإنسان وبين الأشياء التي حرمها على الإنسان . ولهذا ورد الشرع بأوامر ونواه وكلف الإنسان العمل بما أمره به ، واجتناب مانهاه عنه . فإذا خالف اإنسان ذلك فقد فعل الفعل القبيح ، أي فعل جريمة ، سواء أكان ذلك عدم القيام بما أمر به أو كان فعل مانهى عنه .
ففي كلتا الحالتين يعتبر أنه فعل الجريمة . فكان لابد من عقوبة لهذه الجرائم حتى يأتمر الناس بما أمرهم الله به ، وينتهوا عما نهاهم عنه . وإلا فلا معنى لتلك الأوامر والنواهي ، إذا لم يكن عقاب على مخالفتها ، إذ لا قيمة لأي أمر يطلب القيام به إذا لم يكن مقابله ما يعاقب به من لا يقوم بهذا الطلب ، سواء أكان طلب فعل أم طلب ترك .
وقد بين الشرع الإسلامي أن على هذه الجرائم عقوبات في الآخرة وعقوبات في الدنيا . أما عقوبة الآخرة فالله تعالى هو الذي يعاقب بها المجرم فيعذبه يوم القيامة ، قال الله تعالى : ( يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام ) . وقال تعالى : ( والذين كفروا لهم نار جهنم ) ( إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالاً وسعيرا ) .
وقد بين الله تعالى هذه العقوبات صريحة في القرآن ، فهي واقعة حتماً لأنها جاءت في آيات قطعية الدلالة ، قال تعالى : ( إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون ) ليس له اليوم ها هنا حميم ولا طعام إلا من غسلين لا يأكله إلا الخاطئون ) ( يصب فوق رؤوسهم الحميم ) ( إن المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر ) ( في سموم وحميم وظل من يحموم ) ( لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم ) ( فنزل من حميم وتصلية جحيم ) (كلا إنها لظى نزاعة للشوى ) ( خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه ) ( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب ) .
وهكذا تبين آيات كثيرة عذاب الله بياناً قطعياً بإسلوب معجز ، وأن الإنسان حين يسمعها ليأخذه الهول ، ويتولاه الفزع ، ويهون عليه كل عذاب في الدنيا ، وكل مشقة مادية ، إذا تصور عذاب الآخرة وهوله ، فلا يقدم على مخالفة أوامر الله ونواهيه إلا إذا نسي هذا العذاب وهوله .
هذه عقوبة الآخرة ، أما عقوبة الدنيا فقد بينها الله في القرآن والحديث مجملة ومفصلة . وجعل الدولة هي التي تقوم بها . فعقوبة الإسلام التي بين إيقاعها على المجرم في الدنيا يقوم بها الإمام أو نائبه أي تقوم بها الدولة الإسلامية بتنفيذ حدود الله وما دون الحدود من التعزير والكفارات .
وهذه العقوبة في الدنيا على ذنب معين من قبل الدولة تسقط عن المذنب عقوبة الآخرة . فتكون بذلك العقوبات زواجر وجوابر ، فتزجر الناس عن فعل الذنوب وارتكاب الجرائم والآثام ، وتجبرعقوبة الآخرة فتسقط عن المسلم عقوبة الآخرة . والدليل على ذلك ما رواه البخاري عن عبادة بن الصامت :radia-ico قال : قال لنا رسول اللهفي مجلس : تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف . فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله فأمره إلى الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه . فبايعناه على ذلك .
وهذا صريح في أن عقوبة الدنيا من الإمام أو نائبه على ذنب معين تسقط عقوبة الآخرة ، ولذلك كان كثير من المسلمين يأتون إلى رسول اللهفيقرون بالجرائم التي فعلوها ليوقع عليهم الحد في الدنيا حتى يسقط عنهم عذاب الله يوم القيامة فيحتملون آلام الحد والقصاص في الدنيا لأنه أهون من عذاب الآخرة.
وهذا أهداء لكل متعظ ولكل نصراني كي يعلموا حقيقة العقوبات في الاسلام
منقول بتصرف
المفضلات