أبو نسيبة كتب في : May 12 2005, 12:09 AM
..هل قيامة المسيح حقيقة تاريخية أم .. هي مجرّد وهم التبست حقيقته على النصارى ؟؟
الإخوة الأحبة في منتدانا العزيز .. أهديكم هذا الفصل من كتاب لنا بعنوان " سقوط النصرانية " و هو في نقد عقيدة قيامة المسيح من الموت .. أدعو الله أن تكون فيه فائدة للقراء .. و أن ييسر خلاصه في دار النشر
"إنّ المتابع لكتابات النصارى منذ ظهور الإسلام و إلى الآن, في موضوع نقاشهم مع المسلمين حول القضايا العقدية و التاريخية و الأخلاقية و التشريعية,ليلاحظ أنّ النصارى يعمدون دائما , عند محاولتهم إثبات صدق مزاعمهم, إلى القفز فوق المقدمات الأولية الضرورية , و أهمها إثبات كون هذا النص المختلف في شأن متنه قد كتبه فلان المعيّن ,و كون فلان قد كتب ما كتب بوحي من الله أو بإلهام منه.
و يعلم,حتى من أوتي حظا قليلا من العلم و الفهم,أنه لا توجد حجة واحدة لصالح ربانية نصوص النصارى التي لم يثبتها القرآن و لم تثبتها السنة . كما لا توجد براهين عند هؤلاء تثبت صدق نسبة ما عندهم من أسفار إلى من زعموا أنهم أصحابها.
ليس موضوع حديثنا في هذا المقام إبطال مزاعم النصارى حول صدق ما يدّعونه من أنّ الأناجيل قد كتبت بوحي من الله, و إنما حديثنا هنا هو عن الزعم الباطل بأنّ قصة قيامة المسيح من الموت لها أصل في هذه الأناجيل, أو بعبارة أوضح:هل قصة القيامة كما جاءت في هذه الأناجيل,هي قصة وجدت فيها في صورتها البدائية أم هي قصة مقحمة عليها من طرف كتّاب آخرين؟
يحمل هذا السؤال ثقلا كبيرا في موضوع قصة القيامة , لأنّ ثبوت هذه التداعيات اللاهوتية لهذه القصة هو فرع عن ثبوت أصالة التفاصيل التي جاءت فيها.
لقد جاءت قصة القيامة هذه في الأناجيل الأربعة كما هي بين أيدينا اليوم في هذه الأسفار منذ قرون بعيدة , و مع ذلك يكشف البحث المتأني أنّ الجزء الأكبر من هذه القصة قد أضيف إلى هذه الأناجيل بعد تأليفها في صورتها الأولى.
فيما يتعلق بالأناجيل الثلاثة الأولى فإنّه, و كما هو مذهب السواد العظم من الباحثين,نصارى و غير نصارى,فإنّ مؤلفي إنجيل متّى و إنجيل لوقا قد اعتمدا اعتماداً أساسيا في تأليف إنجيليهما , على إنجيل مرقس*, وهذا هو مذهب جمهور النقاد الغربيين.
و قد تقرر في أيامنا,بل و قبلها,أنّ قصة قيامة المسيح لا وجود لها في إنجيل مرقس لأنّ الأعداد 9- 20 من الفصل 16 ,هي أعداد مزيّفة ليس لها أصل في أقدم النسخ.. و زيف هذه القصة في هذا الإنجيل"المرجع"يطرح إشكالا حاداً حول المصدر الذي اعتمده كل من "مرقس"و "لوقا" في كتابتهما لهذه القصة التي اختلفا في تفاصيلها اختلافا كبيرا!
أما إنجيل يوحنا 21 , فقد قرر أئمة النقد الحديث أنه فصل ملحق بصورة متأخرة في هذا الإنجيل..
و هاك شيء من التفصيل حول أصالة مرقس 16 :9- 20 و يوحنا 21 لتعلم مقدار ثبوت إنجيلية هذه قصة القيامة المفتراة.
*مما قيل في هذا الشأن..تصريح الباحث د. هـ.فان دالن D.H. Van Daalan أنّ:"رواية متّى لقصة الدفن,معتمدة بصورة واضحة على مرقس,و لا تحتوي على أيّ شيء من الممكن أن يكون المؤلف قد أخذه من الإنجيل الأقدم.المعلومة الجديدة الحية الوحيدة, و هي القول بأنّ يوسف كان تلميذا لعيسى(متّى 27 : 57 ),هي في الحقيقة تفسير من متّى لعبارة"كان ينتظر ملكوت الله"(مرقس 15 :43 ).
مرقــــــس 16: 9- 20
جاء في إنجيل مرقس 9: 16- 20 :"
وبَعدَما قامَ يَسوعُ في صَباحِ الأحدِ، ظَهرَ أوَّلاً لِمَريَمَ المَجدَليَّةِ التي أخرَجَ مِنها سَبعةَ شياطينَ.
فذَهَبَت وأخبَرَت تلاميذَهُ، وكانوا يَنوحونَ ويَبكونَ،
فما صَدَّقوها عِندَما سَمِعوا أنَّهُ حيُّ وأنَّها رأتْهُ.
وظهَرَ يَسوعُ بَعدَ ذلِكَ بِهَيئَةٍ أُخرى لاَثنَينِ مِن التلاميذِ وهُما في الطَّريقِ إلى البرِّيَّةِ.
فرَجَعا وأخبرا الآخرينَ، فما صدَّقوهُما.
وظهَرَ آخِرَ مرَّةٍ لِتلاميذِهِ الأحَدَ عشَرَ، وهُم يتَناولونَ الطَّعامَ، فلامَهُم على
قِلَّةِ إيمانِهِم وقَساوَةِ قُلوبِهِم، لأنَّهُم ما صَدَّقوا الذينَ شاهَدوهُ بَعدَما قامَ.
وقالَ لهُم: «اَذهَبوا إلى العالَمِ كُلِّهِ، وأعلِنوا البِشارةَ إلى النـاسِ أجمعينَ.
كُلُّ مَنْ يُؤمِنُ ويتَعَمَّدُ يَخلُصُ، ومَنْ لا يُؤمِنُ يَهلِكُ.
والذينَ يُؤمِنونَ تُسانِدُهُم هذِهِ الآياتُ: يَطرُدونَ الشَّياطينَ باَسمي، ويَتكلَّمونَ بِلُغاتٍ جَديدةٍ،
ويُمسِكونَ بأيديهِم الحيّاتِ. وإنْ شَرِبوا السُمَّ لا يُصيبُهُم أذًى، ويَضعونَ أيديَهُم على المَرضى فيَشفونَهُم".
.وبَعدَما كَلَّمَ الرَّبُّ يَسوعُ تلاميذَهُ، رُفِـعَ إلى السَّماءِ وجلَسَ عَنْ يَمينِ الله.
وأمَّا التلاميذُ، فذَهَبوا يُبشِّرونَ في كُلِّ مكانٍ، والرَّبُّ يُعينُهُم و يؤيد كلامهم بما يسانده من الآيات."
يعتقد عوام النصارى أنّ ما خاتمة مرقس,نصّ قد ألّفه يوحنا مرقس, وأنه حجّة قائمة بذاتها على صدق قصة ظهور "المسيح المتألّم" "القائم من الموت" .و قبل أن نخوض في موضوع التدليل على وهمية الأصل النصي لهذا الإعتقاد لا بدّ أن نؤكد أنّ حذف هذا النص من إنجيل مرقس , يفقد هذا الإنجيل الصلة بقصة القيامة المزعومة و ما يرتبط بها من ظهور متكرر للمسيح أمام شيعته.
و الآن لنقرأ ما يقول النقاد.. و ما تقول المخطوطات حول الخاتمة الحالية لهذا الإنجيل.
تُعرف الأعداد من 9 إلى 20 من الفصل من إنجيل مرقس في الدوائر العلمية ب "ملحق مرقس" " marcan appendix " لأنّ كل الدلالات تؤكد على أنها نص مزيف مضاف إلى أصل إنجيل مرقس الذي ينتهي عند العدد 8 من الفصل الأخير.
لا تتورع الكنائس عن الاستشهاد بهذا النص في "مواعظها" و مجلاتها و دورياتها و رسائلها و كتبها و موسوعاتها و معاجمها و تفاسيرها للكتاب المقدس و تعاليقها عليه , حتى أنه ليخيل إلى النصراني العامي"المبرمج" أنّ أصالة هذا النص هي فوق الشك و الشبه,رغم أنّ حقيقة الحال على خلاف ذلك.
إنّ تمييز أصيل النصوص من دخيلها هو عمل علمي يحتاج إلى دقة و صرامة و صواب نظر بعد استجماع أدوات البحث ,للاستنباط و الاستدلال.و هو بذلك عمل يخرج عن دائرة المعارف الذوقية السالكة في طريق التلقي الإشراقي الحدسي,وهذا ما يجعل لنتائج البحث فيه مصداقية مستوفاة باستيفاء البحث أدواته الموضوعية و استيفاء الباحث شروط النزاهة النقدية المطلوبة.
و نحن وإن كنّا نقر بأنّ الأمر ليس :" أبيض" أو " أسود " , و إنّما هناك تدرجات قيميّة تمرّ عبر الرمادي الداكن و الرمادي الباهت ..فإننا نقرر أيضا أنّ هذا الأمر لا ينفي وجود اللون الأسود الذي يعنينا إثباته في هذا المقام ..و بعبارة تطبيقية نقول: نحن نقر بأنّ الحكم على النصوص من ناحية الأصالة من عدمها لا يكون دائما بالقطع بالثبوت أو العدم , و إنما الحكم يتدرج بين القطع بأصالة النص , و القطع بزيفه عبر ترجيح الأصالة , و ترجيح الإلحاق التزييفي..و هذا لا ينفي ,كما يوهم البعض,و جود نصوص يمكن القطع بأنها قد ألحقت بصورة متأخرة بالأصل,إذا ما توافرت الأدلة و القرائن الكاشفة لهذا الأمر.
و قد كتب في أمر تمييز الزيوف عن الأصول الكثير , و ظهرت في هذا الباب مناهج عدة, منها ما اعتمد على المسلك الأسلوبي البحت, أو الأسلوبي التفكيكي, أو أي منهج آخر من مناهج المدارس اللسانية الحديثة. ومنها ما اعتمد على أصول و مقررات علم الإنثروبولوجيا,ومنها ما جعل الثوابت الفطرية و الحقائق العقلية و المتفق عليه من الحوادث التاريخية بالإضافة إلى الوحي الإلهي المحصّل في الأسفار المقدّسة المحكّ الذي توضع عليه النصوص لغربلتها تاريخيا(و هذا هو منهج النقد الإسلامي العظيم).. و قد أدّت هذه المناهج إلى تحصيل كثير من الحقائق في هذا المبحث الخطير.
و حتى لا يعتقد المخالف أننا نلزم موضوع البحث لاعتقادات سالفة كامنة في صدر الكاتب,فإننا سوف لن نعتمد سوى المعايير التي لا يمكن أن يخالفنا فيها أحد حتى من رجال الكنيسة.
شهادة المخطوطات:
نبدأ بالحديث عن شهادة المخطوطات.. فنقول أنّ المخطوطة السينائية codex sinaiticus هي من أقدم المخطوطات,و هي مع ذلك لا تتضمن هذه الخاتمة.و قد بيّن الباحث المعروف جيمس بنتلي James Bentley في كتابه عن اكتشاف هذه المخطوطة" Secrets of MT.Sinai " ص 139 أنّ مؤلف هذه المخطوطة كان واثقا من أنّ العدد الثامن هو آخر الأعداد , و الدليل على ذلك أنّه قد وضع سطرا تحت العدد 8 و كتب "إنجيل مرقس" , و كتب بعد ذلك مباشرة "إنجيل لوقا".
المخطوطة السينائية هي أقدم مخطوطة يونانية تضمّنت جميع أسفار العهد الجديد. و غياب هذا الملحق من هذه النسخة دليل قاطع على أنّ ناسخ هذه المخطوطة لم ير "خاتمة "بعد العدد الثامن.
المخطوطة "ب 45 " " 45P " و فيها أقدم ترجمة لإنجيل مرقس (و هي مخطوطة غير مكتملة) , لا تتضمن هذه الخاتمة.
و أشار جيمس بنتلي في كتابه السابق الذكر أنّ الباحث المرموق في المخطوطات جيمس ه.شارلزورث James H. Charlesworth أشار إلى أنّ المخطوطة السورية Codex Syriacus, وهي ترجمة تعود إلى القرن الخامس ميلادي, و المخطوطة الفاتيكانية Codex Vatican’s, منتصف القرن الرابع ميلادي, و المخطوطة البوبيانية Codex Bobiensis ,ترجمة لاتينية في القرن الرابع أو الخامس ميلادي,لا تحتوي أي واحدة منها على ملحق هذا الإنجيل.