انواع المخطوطات اليونانية

تم تقسيم المخطوطات اليونانية الى أربع أقسام ، وفى الحقيقه يبدوا التقسيم ظاهريا كأنه تقسيم حسب نوع الخط . ولكن الحقيقه هى أن كل نوع يتميز بسمات خاصة جدا لا من حيث الخط فقط ، وانما يمتد الامر الى قراءات معينة للنصوص ، وتصورات خاصة يتم تضمينها فى النص فعادة نجد كلمة معينة مستخدمة فى أحد هذه الانواع ونجد كلمة أخرى مستخدمة فى نوع اخر فى نفس الموضع ، بل ان هناك انواع منهم حاولت الجمع قدر المستطاع بين نوعين اخرين
ولابد فى البداية أن نفهم شيئا هاما وهو أن مراكز المسيحية فى عصور ما قبل الاسلام كانت متركزه فى 3-4 أماكن رئيسيه
أولا أنطاكيه
ثانيا الاسكندريه
ثالثا روما وقرطاجه
رابعا القسطنطينية
وكل مكان من هذه الاماكن اتسم فى الاساس بنوع معين من المخطوطات والخطوط والقراءات
أما التقسيم الخاص بالمخطوطات فيتم الى الاتى
أولا النوع البيزنطى
هذا النوع يشكل الغالبيه العظمى من المخطوطات التى لدينا عدديا اذ تبلغ أكثر من 90 % من المخطوطات التى لدينا وعادة تعد قرائاتها هى التى اعتمدت عليها النسخ القديمة اليونانية لارازموس واستفانوس والنص المستلم لتوفرها فى ذلك الوقت ، وفى الحقيقه فان هذا النوع نشأ فى بيزنطه (الامبراطورية البيزنطيه والتى كان عاصمتها القسطنطينيه) وبعد الفتح العثمانى للقسطنطينيه انتقل معظم الدارسين بمخطوطاتهم الى الغرب فتوفرت هذه المخطوطات للدارسين فى البلاد الغربيه من أمثال ويليام تندل (صاحب الترجمة الذائعة الصيت والقديمة ) ومارتن لوثر (مؤسس المذهب البروتستانتى) وتيودور بيزا العالم اللاهوتى ، وساعدتهم فى دراساتهم للتحلل من السيطرة الكاثوليكية الصارمة على المخطوطات وحظر تداولها فأثرت تأثيرا بالغا فى رسم تاريخ الكتاب المقدس حتى عصرنا هذا فى بلاد بعيدة عن بلاد نشأتها نفسها واصبحت الغالبية العظمى من الترجمات الشائعة فى معظم اللغات مبنيه على هذا النص البيزنطى كمرجع أول (مثل الملك جيمس و فان ديك العربية المستخدمة حتى الان) بسبب تأثر لوثر بها وكلنا يعلم فضل البروتستانت فى نشر الترجمات بعد الحظر الكاثوليكى الذى دام أكثر ألف عام
واذا انتبهنا لشىء ما فسنلاحظ أن القسطنطينية بنيت فى عهد قسطنطين الشهير الذى عقد مجمع نيقيه 325 م أى فى القرن الرابع الميلادى ، ولا شك أن هذا الطراز من الخطوط لم يظهر الا بعد ان انقسمت الامبراطورية الرومانية الى بيزنطيه شرقيه واخرى رومانية (عاصمتها روما ) غربيه وذلك بعد الدمار الذى لحق بها من جراء غزوات الهمج فى نهاية القرن التالى (الخامس) 476 م
http://en.wikipedia.org/wiki/Byzantine_Empire
فلابد أن هذا الخط والقراءة نشأ بعد هذا حتى ينسب لبيزنطه ، وهو وان كان أكثر الانواع عددا فى المخطوطات الا انه ليس أقدمها كما نرى اذ يعود فى نشأته الى القرن السادس والسابع
ويكتب بروس متزجر فى تعليقاته وشروحاته حول العهد الجديد اليونانى
A Textual Commentary on the Greek New Testament, “The framers of this text sought to smooth away any harshness of language, to combine two or more divergent readings into one expanded reading, and to harmonize parallel passages
"هيكل هذا النص يهدف الى ازالة أى عوائق لغوية خشنة و مزج اثنين او اكثر من القراءات المتباينة فى قراءة واحدة طويلة مع اضافة الانسجام اللازم فى الفقرات المتقابله"
وبامكانكم الرجوع للكتاب اذا اردتم
Bruce Metzger, Introduction to: A Textual Commentary on the Greek New Testament, Stuttgart: Biblia-Druck GmbH (German Bible Society), 1975, p. xx.

هو يعنى ببساطة أن هذا النوع توفيقى فى المقام الاول ولا يبحث عن الأصل بقدر ما يبحث عن توفيق القراءات لجعلها واحده منسجمة بل إنه يهدف لما هو أبعد من هذا وهو أن يصل فى النهاية الى الانسجام والتوحد بين الفقرات المتوازية والمتقابله فى الكتاب المقدس وخصوصا الاناجيل حيث يتم توحيد وتقريب الجمل فى الاناجيل ما دامت قيلت فى نفس الموضع بحيث أن من يقرأها يتصور فى النهاية انها تكاد تكون واحده والاختلاف بينها لا يذكر
هذا هو شرح ما قاله متزجر الذى عرفنا به فى المقاله السابقة
وطبعا نحن نرى ان النص البيزنطى ليس نسخا لمخطوطات سابقه بل هو عمل طويل الامد ومنظم للغاية من القيادات الكنسيه لتحقيق انسجام (لابد أنه كان مفقودا فى المخطوطات السابقة والا فلم يحاولون جعلها منسجمة)فى هذا النوع من الخطوطات الذى يعد حديث العهد نسبيا اذ يرجع تاريخه الى مابعد المسيح بأكثر من 6 قرون
وفى الحقيقه فان الغالبية العظمى من الدارسين الان يرون وبصورة لا تدع مجالا للشك أن هذا النص توفيقى كما أنه وبوضوح هو الاطول بين جميع الانواع
ولمزيد من التوضيح سأعطى مثالا لهذا النوع من التوفيق :
يوحنا الاصحاح العاشر آية 19
19. فحدث ايضا انشقاق بين اليهود بسبب هذا الكلام. (SVD)
وللمقارنة باليونانية سنحتاج الترجمة النجليزية KJV لان اللغه الانجليزية اقرب لليونانية
There was a division therefore again
وفى اليونانية
النص الغربى : سكيزما هون ويعنى a division therefore
النص السكندرى: سكيزما بالن ويعنى a division again
النص البيزنطى : سكيزما هون بالن ويعنى a division therefore again

ونرى هنا كيف قام النص البيزنطى بالجمع بين الاثنين وطبعا فان الترجمة العربيه غير دقيقه حيث أن الدقة تعنى هنا
"فحدث لذلك انشقاق مرة أخرى بين اليهود بسبب هذا الكلام"
وليس
"فحدث ايضا انشقاق بين اليهود بسبب هذا الكلام "
والذى يبدوا أقرب للقراءة السكندرية واستخدم أيضا بدلا من مرة أخرى أو بدل ثانية رغم ان المترجم فى ترجمة SVD كان يعتمد اساسا على النص البيزنطى وسنلاحظ أن النص السكندرى أقصر طبعا من النص البيزنطى
وليس المثال السابق شديد الاهمية ولكنه توضيح للاسلوب التوفيقى ، وتوضيح لماذا نقول أن النص البيزنطى أطول
ولا يعنى هذا أن العمل الذى قام به البيزنطيون هو جمع الكلمات فوق بعضها فقط ، وانما فى الحقيقه كان البحث عن المصادر التى تستخدم نفس الاسلوب التوفيقى والتى تذكر أطول نص توفيقى ممكن ، وهو ما ذكره هارى ستيرز فى كتابه عن المخطوطات البيزنطيه حول نفس هذا المثال
in The Byzantine Text-Type: New Testament Textual Criticism: “In the John 10:19 passage, while P45 and P75 support the Alexandrian reading, P66, the earliest papyrus, reads SCHISMA OUV PALIN
وهذا هو المرجع لمن يريد
Harry Sturz, The Byzantine Text-Type & New Testament Textual Criticism, New York: Thomas Nelson Publishers, p. 84.

" فى يوحنا 19:10 نجد أنه بينما البرديتان 45 ، 75 تدعم القراءة السكندرية ، الا ان البردية 66 وهى من اقدم البرديات تقرأها بالصورة البيزنطيه" وهنا نرى أن البيزنطيين ربما وفقوا الكلمات الى هذه الصورة وربما وجدوا بعد المخطوطات مثل البرديات تذكر هذه القراءة الطويله فوجدوها متوافقه مع اسلوبهم وتدعمه فدونوها
ولا يظن أحدكم أن النص البيزنطى ليس توفيقى مادام هناك بعض البرديات السابقة على فترته تذكر بعض قرائاته ، اذ ان الفكرة التوفيقيه كانت قديمه للغاية ، كما أن النص البيزنطى دائما يحتوى على كلمات اكثر من النص السكندرى والغربى ومجموع كلماته يفوق النوعين الاخرين كثيرا واذا كان مثالنا هذا ، وانا حرصت على وضعه تحديدا دون غيره ، به ما يشير لبرديات قديمه ، الا أن الغالبيه فى القراءات البيزنطيه ليست مدعومه بنفس القوه على الاطلاق
وفى الحقيقه من الصعب تصور لماذا يحذف الكتاب فى المخطوطات السكندرية كلمة هون OUN ويحذف الكتاب فى النص الغربى كلمة بالن Paln ؟
تبقى أن نذكر أن النص البيزنطى عادة ما يشار له بنص الأغلبية لكثرة مخطوطاته عددا Majority text
النص السكندرى
هذا النص يمثل فقط 4% من مجموع ما نملك من مخطوطات ونشأ فى الاسكندرية وفى الحقيقه فرغم قلة هذه النسبة الا أن له الاهمية القصوى وله الاولوية قبل النص البيزنطى ، والسبب بسيط وهو أنه يرجح أنه يسبق النص البيزنطى فى الوجود تاريخيا ، كما أن أهم المخطوطات على الاطلاق مكتوبة بهذا النوع من النصوص مثل المخطوطة السينائية والمخطوطة الفاتيكانية
ويذكر متزجر فى نفس المرجع السابق عن صفات هذا النص
“Characteristics...are brevity and austerity. That is, it is generally shorter than the text of other forms, and it does not exhibit the degree of grammatical and stylistic polishing that is characteristic of the Byzantine...”

"السمات هى الاختصار والصرامة حيث أنه بصورة عامة أقصر من الانواع الاخرى ولا يظهر الصقل اللغوى والبلاغى المميز للنوع البيزنطى"
وهذه السمات هى التى جعلت الدارسين يولونه الاهمية القصوى والاولوية فى ترتيب المخطوطات حيث أن التدخل من الكتبة فى النص كان فى أقل حالاته ويظهر هذا فى قصر العبارات واسلوبها المباشر دون اساليب بلاغية براقة والتى يزخر بها النص البيزنطى لكثرة ما جرى له من صقل وتغيير من الكتاب والمراجعين
وقد سبق أن اوردنا عددا من الاحصاءات حول المخطوطات السينائية والفاتيكانية ومدى اختلافهما عن ما لدينا الان (الاقرب للنص البيزنطى) بل وعن بعضهما البعض
بل ومن أغرب السمات فى هذا النص هو أن كلمة المسيح Christ نادرا ما تذكر فيه فكان الاكتفاء الغالب على ذكر يسوع دون كلمة المسيح فى مواضع كثيرة للغاية وهو ما يظهر فى كثير من الترجمات الحديثة التى اعتمدت على النص السكندرى ، مما أثار حفيظة الكنيسة وعامة الناس حتى صوروها انها خيانة ونقص ايمان دون وعى بان النصوص الاقدم والادق لا تذكر هذه الكلمات وانها مجرد اضافات
ويذكر فى الختام كارسون حول أقدمية النص السكندرى والبيزنطى
“The question is whether or not the Byzantine text-type existed before the fourth century, not whether or not Byzantine readings existed before the fourth century.”
السؤال هو هل النص البيزنطى وجد قبل القرن الرابع أم لا ؟ وليس اذا ما كانت القراءات البيزنطية وجدت قبل القرن الرابع ؟
أما النص السكندرى فلا شك فى وجوده قبل هذا ، كما أنك لو لاحظت انه حدد التاريخ بالقرن الرابع وهو تاريخ مجمع نيقيه
وما أراه أنا مما سبق أنه تم بعد القرن الخامس عملية دائبة فى نسخ المخطوطات وتحويلها الى النص البيزنطى التوافقى والذى يمثل رؤية الكنيسه الامبراطورية فى ذلك الوقت وسواء تم هذا باختراع قراءات معينة (وهناك أدلة على ذلك وكثيرة جدا) او باعتماد قراءات معينة تخدم الهدف المطلوب وهو توحيد وتوفيق النصوص وبمرور الوقت اندرس النوع السكندرى لقرون حتى ظهر مؤخرا حاملا هذا الكم الهائل من الاختلافات
أى انها كانت عملية تحريف دائبة لاغراض سياسية (سيطرة بيزنطه على الكنائس السكندرية والشرقيه عموما) وأغراض عقائدية خاصة باختلافات هذه الكنائس ، ولتصبح فى النهاية الغلبة للنصوص البيزنطية الاكثر عددا والاكثر توافقا وهو ما يريح الكهنة السطحيين فى الاستخدام ومن اسئلة عديده حول تناقضات واخطاء كانت واضحه فى النصوص الأقدم الاقرب للاصل

النص الغربى
نشأ هذا النص فى الغرب فى روما وقرطاجه وهو أقل فى عدد المخطوطات المستخدمة بين أيدى الباحثين (ومن المرجح أن الفاتيكان تخفى الكثير من هذا النوع ولا تظهرها للبحث العام فلا يعقل أن روما وقرطاجه لم تنسخ سوى حوالى 1-2 % من المخطوطات)
ويقول متزجر عن سمات هذا النوع
The chief characteristic of Western readings is fondness for paraphrase. Words, clauses, and even whole sentences are freely changed, omitted, or inserted.”
السمات الرئيسية للقراءات الغربية هى الولع الشديد باعادة الصياغة للكلمات والعبارات وحتى الجمل باكملها والتى كان يتم التعامل معها بالتغيير والحذف والاضافة بمنتهى الحرية
وما يذكره متزجر هو نوع واضح مما يسميه القران تحريفا
وأهم مخطوطات هذا النوع مخطوطة بيزا فى الاناجيل ، وكلارمونتانوس فى رسائل بولس

النص القيصرى
وهو فى الحقيقه نوع فرعى من النوع السكندرى ويتسم بزخارف ذات طراز غربى ويصفه متزجر
characterized by a distinctive mixture of Western readings and Alexandrian readings. One may also observe a certain striving after elegance of expression
يتسم بمزيج مميز من القراءات الغربية والسكندرية ، ويستطيع الانسان ان يلاحظ جهدا واضحا فى التعبيرات الرشيقه
وهو تحريف بأسلوب مهذب
وهذا النوع استخدمه المؤرخ الكنسى الشهير يوزيبيوس (معاصر لقسطنطين فى القرن الرابع الميلادى) وان كان يعتقد انه تم استخدامه فى قيصريه قبل هذا من قبل اوريجن عندما هاجر من الاسكندريه
ويرمز له اختصار بالرمز اليونانى ثيتا
انظر المراجع فى
B.H. Streeter, The Four Gospels, London: Macmillan, 1924, p. 57.

وبنهاية هذا الجزء من السلسله نكون اقتربنا كثيرا من التعريف بالمخطوطات بصورة معقولة ويتبقى جزء او اثنين ونبدأ فى استخدام ما ذكرناه فى التحليل
أخوكم
د/شريف حمدى