وفى هذا النص نقرأ أن من قابله أولا وأخبر التلاميذ بقيامه من الأموات هو هذان الرجلان لا مريم. هذه واحدة، والثانية أن هذين الرجلين وصفا عيسى، وعلى مسمع منه، بأنه "إنسان نبى"! يسلم فمك يا رجل أنت وهو! إن هذا ما نقوله من الصبح، لكن القوم يشتموننا نحن ورسولنا. والثالثة أن المسيح يطلب منهما أن يجسّاه حتى يطمئنا إلى أنه هو المسيح، مع أنه سبق أنْ نهى أمه عن لمسه مجرد لمس بذريعة أنه لم يصعد بعد إلى أبيه الذى فى السماوات. طيب، فهو حتى الآن لم يصعد أيضا إلى أبيه الذى فى السماوات، فلماذا هذه التفرقة؟ والرابعة أنه رغم قوله لهم إنه لم يعد من لحم ودم نراه لا يجد طريقة يؤكد لهما من خلالها أنه هو المسيح إلا أن يناولاه بعض الطعام فيأكله، مع أن هذا الدليل هو فى نظرى آخر دليل يمكن أن يصلح هنا، إذ الروح لا تستطيع أن تأكل أكلنا ولا أن تشرب شرابنا. وهذا هو ما يعترضون به على جنة الإسلام رغم أن الإسلام لم يقل قط إن طعام الجنة أو شرابها أو نساءها ستكون كمثيلاتها فى الدنيا، بل ستكون شيئا آخر لا عين رأته من قبل ولا سمعت به أذن ولا خطر على قلب بشر. والخامسة أن السجود للمسيح إنما تم بعد صعوده للسماء وليس أول ما رأوه عند خروجه من القبر. ودعنا من مسألة التناقض، وإلا فلن ننتهى إلى الأبد! والسادسة أننا هنا أمام حدوتة مختلفة تماما، وهى حدوتة تليق بعشاق "ألف ليلة وليلة" وما فيها من خيال عجائبى خِصْب من النوع الذى يسمى هذه الأيام بــ"الواقعية السحرية"! والسابعة أنه أمرهم أن يَبْقَوْا فى أورشليم حتى يفيض الله عليهم نعمته ويعطيهم القدرة على التحكم فى الشياطين والمقدرة على شفاء الأمراض، وهذا عكس ما فعل مع التلاميذ فى رواية متى ومرقس. وبالمناسبة فمن الواضح أنه نسى أنه كان أعطاهم هذا السلطان من قبل فى حياته. ولكن معلهش، فزيادة الخير خيران!
وهنا يأتى دور يوحنا (ف 20- 21)، فلنسع روايته هو أيضا: "19وَلَمَّا كَانَتْ عَشِيَّةُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَهُوَ أَوَّلُ الأُسْبُوعِ، وَكَانَتِ الأَبْوَابُ مُغَلَّقَةً حَيْثُ كَانَ التّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ، جَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ فِي الْوَسْطِ، وَقَالَ لَهُمْ: سلاَمٌ لَكُمْ! 20وَلَمَّا قَالَ هَذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ، فَفَرِحَ التّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوُا الرَّبَّ. 21فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا: سلاَمٌ لَكُمْ! كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا. 22وَلَمَّا قَالَ هَذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. 23مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَت. 24أَمَّا تُومَا، أَحَدُ الاِثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِي يُقَالُ لَهُ التَّوْأَمُ، فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ حِينَ جَاءَ يَسُوعُ. 25فَقَالَ لَهُ التَّلاَمِيذُ الآخَرُونَ: قَدْ رَأَيْنَا الرَّبَّ! فَقَالَ لَهُمْ: إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ، لاَ أُومِن.26وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَانَ تَلاَمِيذُهُ أَيْضًا دَاخِلاً وَتُومَا مَعَهُمْ. فَجَاءَ يَسُوعُ وَالأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ، وَوَقَفَ فِي الْوَسْطِ وَقَالَ: سلاَمٌ لَكُمْ! 27ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنا. 28أَجَابَ تُومَا وَقَالَ لَهُمْ: رَبِّي وَإِلَهِي! 29قَالَ لَهُ يَسُوعُ: لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا.30وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هَذَا الْكِتَابِ. 31وَأَمَّا هَذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ. 21- 1بَعْدَ هَذَا أَظْهَرَ أَيْضًا يَسُوعُ نَفْسَهُ لِلتَّلاَمِيذِ عَلَى بَحْرِ طَبَرِيَّةَ. ظَهَرَ هَكَذَا: 2كَانَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ، وَتُومَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ التَّوْأَمُ، وَنَثَنَائِيلُ الَّذِي مِنْ قَانَا الْجَلِيلِ، وَابْنَا زَبْدِي، وَاثْنَانِ آخَرَانِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ مَعَ بَعْضِهِمْ. 3قَالَ لَهُمْ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: أَنَا أَذْهَبُ لأَتَصَيَّد. قَالُوا لَهُ: نَذْهَبُ نَحْنُ أَيْضًا مَعَك. فَخَرَجُوا وَدَخَلُوا السَّفِينَةَ لِلْوَقْتِ. وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ لَمْ يُمْسِكُوا شَيْئًا. 4وَلَمَّا كَانَ الصُّبْحُ، وَقَفَ يَسُوعُ عَلَى الشَّاطِئِ. وَلَكِنَّ التَّلاَمِيذَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَسُوعُ. 5فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: يَا غِلْمَانُ أَلَعَلَّ عِنْدَكُمْ إِدَامًا؟ أَجَابُوهُ: لاَ! 6فَقَالَ لَهُمْ: أَلْقُوا الشَّبَكَةَ إِلَى جَانِبِ السَّفِينَةِ الأَيْمَنِ فَتَجِدُوا. فَأَلْقَوْا، وَلَمْ يَعُودُوا يَقْدِرُونَ أَنْ يَجْذِبُوهَا مِنْ كَثْرَةِ السَّمَكِ. 7فَقَالَ ذَلِكَ التِّلْمِيذُ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ لِبُطْرُسَ: هُوَ الرَّبُّ! فَلَمَّا سَمِعَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ أَنَّهُ الرَّبُّ، اتَّزَرَ بِثَوْبِهِ، لأَنَّهُ كَانَ عُرْيَانًا، وَأَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ. 8وَأَمَّا التَّلاَمِيذُ الآخَرُونَ فَجَاءُوا بِالسَّفِينَةِ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا بَعِيدِينَ عَنِ الأَرْضِ إِلاَّ نَحْوَ مِئَتَيْ ذِرَاعٍ، وَهُمْ يَجُرُّونَ شَبَكَةَ السَّمَكِ. 9فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى الأَرْضِ نَظَرُوا جَمْرًا مَوْضُوعًا وَسَمَكًا مَوْضُوعًا عَلَيْهِ وَخُبْزًا 10قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: قَدِّمُوا مِنَ السَّمَكِ الَّذِي أَمْسَكْتُمُ الآن. 11فَصَعِدَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَجَذَبَ الشَّبَكَةَ إِلَى الأَرْضِ، مُمْتَلِئَةً سَمَكًا كَبِيرًا، مِئَةً وَثلاَثًا وَخَمْسِينَ. وَمَعْ هَذِهِ الْكَثْرَةِ لَمْ تَتَخَرَّقِ الشَّبَكَةُ. 12قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: هَلُمُّوا تَغَدَّوْا!. وَلَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ مِنَ التَّلاَمِيذِ أَنْ يَسْأَلَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ إِذْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ الرَّبُّ. 13ثُمَّ جَاءَ يَسُوعُ وَأَخَذَ الْخُبْزَ وَأَعْطَاهُمْ وَكَذَلِكَ السَّمَكَ. 14هَذِهِ مَرَّةٌ ثَالِثَةٌ ظَهَرَ يَسُوعُ لِتَلاَمِيذِهِ بَعْدَمَا قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ. 15فَبَعْدَ مَا تَغَدَّوْا قَالَ يَسُوعُ لِسِمْعَانَ بُطْرُسَ: يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِنْ هَؤُلاَءِ؟ قَالَ لَهُ: نَعَمْ يَا رَبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّك. قَالَ لَهُ: ارْعَ خِرَافِي. 16قَالَ لَهُ أَيْضًا ثَانِيَةً: يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟ قَالَ لَهُ: نَعَمْ يَا رَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّك. قَالَ لَهُ: ارْعَ غَنَمِي. 17قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟ فَحَزِنَ بُطْرُسُ لأَنَّهُ قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: أَتُحِبُّنِي؟ فَقَالَ لَهُ: يَا رَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. أَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّي أُحِبُّك. قَالَ لَهُ يَسُوعُ: ارْعَ غَنَمِي. 18اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: لَمَّا كُنْتَ أَكْثَرَ حَدَاثَةً كُنْتَ تُمَنْطِقُ ذَاتَكَ وَتَمْشِي حَيْثُ تَشَاءُ. وَلَكِنْ مَتَى شِخْتَ فَإِنَّكَ تَمُدُّ يَدَيْكَ وَآخَرُ يُمَنْطِقُكَ، وَيَحْمِلُكَ حَيْثُ لاَ تَشَاء. 19قَالَ هَذَا مُشِيرًا إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يُمَجِّدَ اللَّهَ بِهَا. وَلَمَّا قَالَ هَذَا قَالَ لَهُ: اتْبَعْنِي. 20فَالْتَفَتَ بُطْرُسُ وَنَظَرَ التِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ يَتْبَعُهُ، وَهُوَ أَيْضًا الَّذِي اتَّكَأَ عَلَى صَدْرِهِ وَقْتَ الْعَشَاءِ، وَقَالَ: يَا سَيِّدُ، مَنْ هُوَ الَّذِي يُسَلِّمُكَ؟ 21فَلَمَّا رَأَى بُطْرُسُ هَذَا قَالَ لِيَسُوعَ: يَا رَبُّ، وَهَذَا مَا لَهُ؟ 22قَالَ لَهُ يَسُوعُ: إِنْ كُنْتُ أَشَاءُ أَنَّهُ يَبْقَى حَتَّى أَجِيءَ، فَمَاذَا لَكَ؟ اتْبَعْنِي أَنْتَ!. 23فَذَاعَ هَذَا الْقَوْلُ بَيْنَ الإِخْوَةِ: إِنَّ ذَلِكَ التِّلْمِيذَ لاَ يَمُوتُ. وَلَكِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ يَسُوعُ إِنَّهُ لاَ يَمُوتُ، بَلْ: إِنْ كُنْتُ أَشَاءُ أَنَّهُ يَبْقَى حَتَّى أَجِيءَ، فَمَاذَا لَكَ؟ 24هَذَا هُوَ التِّلْمِيذُ الَّذِي يَشْهَدُ بِهَذَا وَكَتَبَ هَذَا. وَنَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ حَقٌّ.25وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ، إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ. آمِينَ".
ونحن هنا مع حكاية أخرى. ولم لا، والتسلية لا تضر، وبخاصة هذه الأيام النحسات، فها هو ذا المسيح يأتى بنفسه دون سابق إنذار فيقف بين التلاميذ ويعرّفهم بنفسه. والثالثة أن المسيح قد أخذ يد توما وجعله يَجُسّ يده وجنبه حتى يطمئن ويؤمن، ثم لم يتركه دون أن يغمزه غمزة من إياها فينعته بضعف الإيمان كالعادة!
ومن ضمن ما قالته تلك المسكينة أن الإسلام يسمى البشر: عباد الله، أما فى النصرانية فهم أبناؤه وبناته كما أفهمها القساوسة. وهى ترفض أن تكون أَمَة لله، وتريد أن تكون ابنة له حرة تتمتع بشخصية مستقلة. وتعليقا على هذا نقول إن هناك فرقا بين لفظ "العبد" حين يضاف إلى الله، ولفظ "العبد" هو ذاته لدن إضافته إلى أحد من البشر: الأول يُجْمَع على "عِبَاد"، أما الثانى فعلى "عبيد" أو عُبْدَان". وهذا الفرق فى الصيغة الجمعية يعكس فرقا فى المعنى، إذ عبد البشر يعنى أنهم قد اشتروه وأنهم من ثم يملكونه، وعليه أن يصدع بالأمر الذى يصدرونه إليه دون مناقشة فيخدمهم ويلبى لهم مطالبهم دون تذمر، ووقته ملك لهم فى المقام الأول لا له، وهو أدنى منهم فى الدرجة الاجتماعية، وربما الإنسانية أيضا. وإذا كانت أنثى فيحق لسيدها أن يعاشرها... إلى آخر ما نعرف عن العبد والعبدة (أو الأَمَة) بهذا المعنى. أما عبد الله فإن الله لا يشتريه ولا يملكه كما يملك البشر شخصا أو شيئا، بل هو خالقه ورازقه الذى ينبغى للبشر أن يؤدوا له واجب العبادة. أم ترى النصرانية ليس فيها عبادة؟ أرأى القراء كيف يتلاعب الأباليس بالألفاظ ويلبّسون على السذّج دينهم؟ كما أنه سبحانه لا يعاشر أحدا من خلقه. ومن ثم فإن "عبد الله" أقرب إلى أن يكون معناه خلق الله الذى ينبغى له أن يعبده سبحانه تأدية لواجب الحمد والتمجيد. ثم إنه سبحانه حين يأمرنا بشىء أو ينهانا عن شىء فإنه عز شأنه لا يريد منا أن نفعل ذلك عن إجبار وكراهية ودون فهم، بل عن تعقل وتدبر واقتناع وحب. لقد وهبنا سبحانه العقل والإرادة الحرة، وعلينا الاستعانة بهما فى التدبر والقبول أو الرفض، وعلينا كذلك تحمل مسؤولية الطاعة والمعصية، والإيمان والكفر.
وعلى أية حال فإن الإسلام لا ينفرد باستخدام هذا اللفظ للبشر، ففى العبرية نجد كلمة "عابد"، ومعناها حسبما نجد فى "دائرة المعارف الكتابية" هو "عبد"، وهذا نص ما جاء فى الموسوعة المذكورة تحت عنوان "عابد": "عابد: اسم عبري معناه "عبد"، ولعله اختصار لاسم "عبد إيل"، أي عبد الله". وفى كثير من أسفار العهد القديم يتكرر وصف الله سبحانه لإبراهيم ويعقوب وموسى وداود وأيوب ونبوخذنصر وزربّابل بـ"عَبْدِى"، أو "عَبْده". وفى "أخبار الأيام الأول" و"دانيال" و"رؤيا يوحنا اللاهوتى" وُصِف موسى عليه السلام بأنه "عبد الله"، وهو ذات اللقب الذى وُصِف به النبى دانيال فى السفر الأخير. أما فى أسفار "التثنية" و"يشوع" و"أخبار الأيام الثانى" فقد تكرر وصف موسى مرات بأنه "عَبْد الرب"، وكذلك وُصِف يشوع فى السفر الأخير بنفس اللقب أكثر من مرة. ومن أسماء النصارى: "عبد الله" و"عبد الأحد" و"عبد المسيح" و"عبد الفادى"، بل كذلك "عبد الصليب" و"عبد الشهيد". أى أن النصارى يستعملون هم أيضا كلمة "عبد" مضافة إلى الرب، وإلى المسيح، بل وإلى الصليب والشهيد. وفى "رسالة بولس إلى أهل رومية" نراه يلقب نفسه بأنه "بُولُسُ، عَبْدٌ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ". وفى "رسالته إلى أهل كورنثس" يقول: "الْحُرُّ الْمَدْعُوُّ هُوَ عَبْدٌ لِلْمَسِيحِ"، وهو نفس ما قاله فى "رسالته إلى أهل كولوسى" عن إنفراس. وفى "رسالته إلى تيطس" يسمى نفسه بأنه "عَبْدُ اللهِ". وفى الرسالة المنسوبة إلى يعقوب نجد كاتبها يلقبه بأنه "عَبْدُ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ". وفى كل من الرسالتين المنسوبتين إلى بطرس ويهوذا يلقَّب كل منهما على التوالى بأنه "عبد يسوع المسيح". وفى إنجيل لوقا تسمى مريم نفسَها بـ"أَمَة الله": "46فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، 47وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي، 48لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي". وقبل ذلك كله هناك عيسى، وقد تحدث عن نفسه فقال إنه يعبد الله، والله وحده. وهو ما يعنى أنه "عبد الله" لأن العبودية هنا معناها كما وضحنا آنفا أن الإنسان يمجد الله ويعبده. ذلك أنه، حين حاول الشيطان إغراءه بالسجود وتقديم واجب العبادة له أجابه قائلا حسبما قص علينا متى ولوقافى إنجيليهما: «اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ، وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ». ويوصف المسيح فى مواضع متعددة من العهد الجديد بأنه "عبد الله"، وهذه بعض تلك المواضع فى الترجمة الكاثوليكية واليسوعية: ففى الفقرة الثامنة عشرة من الإصحاح الثانى عشر فى الإنجيل الذى ألفه متى يقول الله عن المسيح إنه "عبدى": "هو ذا عبدي الذي اخترته، حبيبي الذي عنه رضيت. سأجعل روحي عليه فيبشر الأمم بالحق". وفى "أعمال الرسل (3/ 13): "إن إله إبراهيم وإسحق ويعقوب، إله آبائنا، قد مجد عبده يسوع الذي أسلمتموه أنتم وأنكرتموه أمام بيلاطس، وكان قد عزم على تخلية سبيله". وفى "أعمال الرسل" أيضا (3/ 26): "فمن أجلكم أولا أقام الله عبده وأرسله ليبارككم، فيتوب كل منكم عن سيئاته". وفى أعمال الرسل كذلك (4/ 27): "تحالف حقا في هذه المدينة هيرودس وبنطيوس بيلاطس والوثنيون وشعوب إسرائيل على عبدك القدوس يسوع الذي مسحته". وفى أعمال الرسل للمرة الرابعة (4/ 30): "باسطا يدك ليجري الشفاء والآيات والأعاجيب باسم عبدك القدوس يسوع" (واللفظ بالإنجليزية: "servant"، وبالفرنسية: "serviteur"). فمن تكون ريهام عبد العزيز بالنسبة إلى هؤلاء الرسل والأنبياء، بل بالنسبة إلى عيسى الإله ومريم أم الإله لدى النصارى المثلِّثين الذين ضحكوا على المسكينة وأوهموها أن وصف المسلم بأنه "عبد الله" والمسلمة بأنها "أمة الله" هو مما يشينهما ويحقرهما؟


يتبع....