بسم الله الرحمن الرحيم


نظرية السقوط


بين الإسلام والمعتقدات المخالفة

مقدمة:

في ظل تعدد المعتقدات المتغايرة التي يؤمن بها البشر قد يفتقر الأمر الواحد إلى حالة الاتفاق العام التي تؤهله ليدخل دائرة المسلمات.، ويظل كل حزب يناضل ويؤازر معتقده في مواجهة المعتقدات المخالفة محاولا منه الانتصار لهذا المعتقد والصعود به إلى مرتبة أعلى تمكنه من انتزاع اكبر عدد ممكن من المؤيدين له أو على الأقل الاحتفاظ بالعدد الحالي كما يفعل البعض ، فكل حزب يرى انه على الحق - مع اعتبار حسن النية - ويريد أن ينتشل كل المخالفين من مصيرهم المشئوم الحاصل لهم من جرّاء إتباعهم للباطل ، وقد يتعدى الأمر من مجرد الدفاع عن العقيدة المتبناة إلى مرحلة الهجوم على المعتقدات المخالفة، وقد رأينا هذا في حملات الهجوم الشرسة على الإسلام دين رب العالمين من أصحاب المعتقدات المخالفة وخاصة مؤمني الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد - النصارى - فلم يقتصر التبشير بالمسيحية تبيان ما تدعو إليه ولكنه تعدى إلى الهجوم على الإسلام بوجهيه، فإما أن يتم تشويه المعتقدات والتشريعات الإسلامية للتنفير منها، أو محاولة لي عنق النصوص - من القرآن والحديث الشريف - لتتناسب مع معتقدات مسيحية وهو الوجه الذي انتشر في الآونة الأخيرة بسبب فشل المحاولات التي تنتمي للوجه الأول، فأصبحنا نجد أن رجال الدين المسيحي ينادون بأن المعتقدات المسيحية موجودة ومصدق بها في الإسلام ولكن المسلمين لا يفقهون نصوصهم المقدسة،


فنجدهم يقولون بأن الإسلام يقر بألوهية المسيح عليه السلام !! ويقر بمبدأ الخطية الأصلية وتوارثها وحاجة البشرية الملحة للفداء.. إلى غير ذلك مما لا يمت للإسلام بصلة في الحقيقة ..


وللأسف أصبحنا نجد البسطاء من أتباع المسيحية يرددون هذه الأقوال بلا علم ولا هدى ،


لذا رأينا انه من الواجب علينا أن نبرأ ساحة ديننا الحنيف من هذه المعتقدات ،


نصرة للحق وتبيان تدليس الخواص وجهل العوام ، راجين الله تبارك وتعالى أن يوفقنا لهذا وأن يهدي إلى سبيل الرشاد قلوب الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا اللهم أمين.



نظرية السقوط

هذه النظرية تتلخص في الآتي :

خلق الله تبارك وتعالى آدم وحواء واسكنهما الجنة ، و أوصاهما ألا يأكلا من احد أشجار هذه الجنة ، ولكن ادم لم يلتزم بهذه الوصية ، وبهذا التعدي الذي حدث من أول البشر كان السقوط الذي لم يكن سقوطا خاصا بمرتكبي التعدي فقط بل كان سقوطا عاما لكل البشرية حيث انتقلت الخطية من ادم إلى ذريته وانفصلت البشرية جمعاء اثر هذه الخطية عن الله تبارك وتعالى بالشكل الذي يستحيل معه على أي شخص أن يعيد هذه العلاقة ثانية، مما أدى إلى تعطش البشر إلى الفادي الذي يعود فيصل ما قطع لترجع البشرية إلى حالتها الأولى و تحيا مع الله مرة أخرى.


- هذه كانت نظرية السقوط باختصار شديد والتي يدافع عنها كثيرين حتى بلغ بهم أن قالوا أن القران الكريم نفسه يقر بهذه النظرية وان رفضها المسلمون ، بمعنى أن القرآن الكريم يقر بان هناك ما يسمى بالخطية الأصلية وسقوط البشرية جميعا وانفصالها عن الله تبارك وتعالى بل وحاجة البشرية للفادي كطريق وحيد لإعادة هذه العلاقة ، وبهذا يكون رفض المسلمون لهذه الأقوال نابع من جهلهم بكتابهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وفي الكلمات القادمة سوف نبرأ ساحتنا ونظهر الحق بعون الله وقدرته ليعلم كل امرئ أن لا وجود لهذه المعتقدات في الإسلام بأي حال من الأحوال.




قواعد لابد منها



قبل أي شئ لابد وان نرسي مجموعة من القواعد التي سوف تساعد كل باحث عن الحق ليحكم حكما صائبا لا يشوبه أي شك حول هذه القضية محل البحث ،



1- خلق السماوات والأرض وما فيهن بشكل عام ((لأجل مسمى)):


عندما تتصفح القرآن الكريم لتأتي بالآيات المبينات التي تحدث فيها رب العزة سبحانه وتعالى عن خلق السماوات والأرض تجد خطا يسير بك إلى الحقيقة التالية وهي أن الله تبارك وتعالى لم يخلق السماوات والأرض بما فيهن على سبيل الأبدية بل خلقهن لأجل مسمى ،


وتأمل معي أنه قرر هذا الأمر قبل أن يخطئ آدم عليه السلام

قال تعالى:

(أَوَلَمْ يَتَفَكّرُواْ فِيَ أَنفُسِهِمْ مّا خَلَقَ اللّهُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاّ بِالْحَقّ وَأَجَلٍ مّسَمّى وَإِنّ كَثِيراً مّنَ النّاسِ بِلِقَآءِ رَبّهِمْ لَكَافِرُونَ)


[سورة: الروم - الآية: 8]

قال تعالى:

(مَا خَلَقْنَا السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاّ بِالْحَقّ وَأَجَلٍ مّسَمًى


وَالّذِينَ كَفَرُواْ عَمّآ أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ)


[سورة: الأحقاف - الآية: 3]


قال تعالى:

(خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقّ يُكَوّرُ اللّيْـلَ عَلَى النّهَـارِ وَيُكَوّرُ النّـهَارَ عَلَى اللّيْلِ وَسَخّـرَ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ كُـلّ يَجْرِي لأجَـلٍ مّسَـمّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفّارُ)


[سورة: الزمر - الآية: 5]



إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن خلق السماوات والأرض ما بينهما


لم يكن على سبيل التأبيد ابتداء


وبالرجوع لتفسيرات القرآن الكريم للآية الأولى على سبيل المثال نجد ما يؤكد المعنى المفهوم:

الطبري في "جامع البيان في تفسير القرآن":
{ وأجل مسمى } يقول: وبأجل مؤقت مسمى، إذا بلغت ذلك الوقت أفنى ذلك كله،

الزمخشري في "الكشاف":
{ إِلاَّ بالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًى } أي ما خلقها باطلاً وعبثاً بغير غرض صحيح وحكمة بالغة،
ولا لتبقى خالدة: إنما خلقها مقرونة بالحق مصحوبة بالحكمة، وبتقدير أجل مسمى لا بد لها من أن تنتهي إليه، وهو قيام الساعة ووقت الحساب والثواب والعقاب.

ابن كثير في "تفسير القرآن الكريم":
يقول تعالى منبهاً على التفكر في مخلوقاته الدالة على وجوده، وانفراده بخلقها، وأنه لا إله غيره، ولا رب سواه، فقال: { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِىۤ أَنفُسِهِمْ } يعني به: النظر والتدبر والتأمل لخلق الله الأشياء من العالم العلوي والسفلي، وما بينهما من المخلوقات المتنوعة، والأجناس المختلفة، فيعلموا أنها ما خلقت سدى ولا باطلاً، بل بالحق، وأنها مؤجلة إلى أجل مسمى، وهو يوم القيامة، ولهذا قال تعالى: { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ لَكَـٰفِرُونَ }


البيضاوي في "أنوار التنزيل وأسرار التأويل":
{ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى } تنتهي عنده ولا تبقى بعده.

ابن الجوزي في "زاد المسير في علم التفسير":
{ وأجلٍ مسمّىً } وهو وقت الجزاء.


إلى غير ذلك من أقوال المفسرين التي توضح أن المقصود بالأجل المسمى هو الأجل التي تنتهي فيه السماوات والأرض وما فيهن ، وهذا يؤكد أن الخلق لم يقدر لهم الأبدية في الابتداء.


2- خلق الإنسان على وجه الخصوص:
في النقطة الأولى تكلمنا عن خلق السماوات والأرض بما فيهن ، وأن الخلق لم يكن للتأبيد بل قدر له اجل مسمى عن الله تبارك وتعالى للفناء،وفي النقطة الثانية سوف نشير إلى خلق الإنسان بوجه خاص وان كان قد تم توضيح انه أيضا من ضمن المخلوقات الفانية ، ولكن سوف نفرد لهذا الأمر نقطة منفصلة لتتضح الأمور لكل ذي لب بصير ،


وهذه النقطة سوف تنقسم إلى ثلاثة نقاط فرعية :
1- أن الإنسان خلق خليفة في الأرض.
2- أن الإنسان خلق ليعبد الله تبارك وتعالى.
3- أن الإنسان محتم عليه الموت .
وسوف يتم مناقشة هذه النقاط الثلاثة تباعا بشيء من التفصيل بإذن الله تعالى،

أولا: أن الإنسان خلق خليفة في الأرض:

تعلن لنا الآيات القرآنية بوضوح شديد أن الإنسان لم يخلق في بداية الأمر ليحيى في الجنة ، بل كان مقدرا له قبل أن يخلق أن يعيش في الأرض ،
قال تعالى:

(وَإِذْ قَالَ رَبّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ قَالَ إِنّيَ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)


[سورة: البقرة - الآية: 30]


هذه الأرض التي كان قد خلقها الله تبارك وتعالى وسخر كل ما فيها لخدمة الإنسان ليست مجرد المكان الصغير الذي سمي بجنة عدن في الكتاب المقدس ليوضع فيه آدم بعد خلقه ،
لأنه قال " في الأرض" ولم يقل " في الجنة " وبهذا يقصد الأرض وكل ما فيها بوجه عام والذي تم تسخيره لخدمة الإنسان،
قال تعالى:

(وَسَخّرَ لَكُمْ مّا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً مّنْهُ إِنّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ)


[سورة: الجاثية - الآية: 13]



- وبهذا يكون الإنسان مخلوق ليحيى في الأرض التي لم يقدر لها الأبدية مما يشير أن حياته على الأرض ليست حياة أبدية.


ثانيا: أن الإنسان خلق ليعبد الله تبارك وتعالى:

قال تعالى:

(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ)


[سورة: الذاريات - الآية: 56]

قال الزمخشري في الكشاف:
أي: وما خلقت الجن والإنس إلا لأجل العبادة، ولم أرد من جميعهم إلا إياها. فإن قلت: لو كان مريداً للعبادة منهم لكانوا كلهم عباداً؟ قلت: إنما أراد منهم أن يعبدوه مختارين للعبادة لا مضطرين إليها، لأنه خلقهم ممكنين، فاختار بعضهم ترك العبادة مع كونه مريداً لها، ولو أرادها على القسر والإلجاء لوجدت من جميعهم.

انتهى النقل

فالعبادة هي الخضوع والتذلل لله تبارك وتعالى بفعل ما يرضيه وترك ما يغضبه ، والإنسان لا يفعل هذا قهرا أو جبرا ، وإنما باختياره ، قال تعالى:

(فَذَكّرْ إِن نّفَعَتِ الذّكْرَىَ* سَيَذّكّرُ مَن يَخْشَىَ* وَيَتَجَنّبُهَا الأشْقَى)


[سورة: الأعلى – الآية9: 11]


فالله تبارك وتعالى قد أظهر طريق الحق وطريق الباطل للإنسان ثم أعطى له كامل الحرية في اختيار أي الطريقين يسلك ،فهو سبحانه أراد له العبادة ولكنه لم يجبره عليها بل أعطاه كامل الحرية أن يختار بين الطاعة والمعصية ، بين البركة و اللعنة ، بين الخير والشر .


فالإنسان خلق وله الإرادة الحرة لفعل الخير أو الشر .


ثالثا: أن الإنسان محتوم عليه الموت:
قال تعالى:

(كُلّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ثُمّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)


[سورة: العنكبوت - الآية: 57]


خلق الله تبارك وتعالى الإنسان محتم عليه أن يموت، ولن تهرب من هذا المصير أي نفس على وجه الأرض بل إن كل إنسان مهما طال به العمر فإنه كادح إلى ربه كدحا فملاقيه،
وقد قدر الله تبارك وتعالى هذا الأمر على الإنسان من الابتداء ، فلم يكن الإنسان خالدا ثم أصبح فانيا بخطية آدم ، بل إن الإنسان قد خلق مقدرا عليه الموت قبل أن تحدث خطية آدم أصلا،
قال تعالى:

(نَحْنُ قَدّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ)


[سورة: الواقعة - الآية: 60]


قال الطبري في " جامع البيان":
وقوله: { نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ المَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } يقول تعالى ذكره: نحن قدرنا بينكم أيها الناس الموت، فعجَّلناه لبعض، وأخَّرناه عن بعض إلى أجل مسمى

الزمخشري في " الكشاف " :
{ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ } تقديراً وقسمناه عليكم قسمة الرزق على اختلاف وتفاوت كما تقتضيه مشيئتنا، فاختلفت أعماركم من قصير وطويل ومتوسط.


البغوي في " معالم التنزيل " :
{ بَيْنَكُمُ ٱلمَوْتَ } ، قال مقاتل فمنكم من يبلغ الهرم ومنكم من يموت صبياً وشاباً. وقال الضحاك: تقديره: إنه جعل أهل السماء وأهل الأرض فيه سواء, فعلى هذا يكون معنى " قدَّرنا ": قضينا.


ابن الجوزي في " زاد المسير" :
وفي معنى الكلام قولان.أحدهما: قضينا عليكم بالموت،والثاني: سوّينا بينكم في الموت.

والقارئ المتأمل للقرآن الكريم يعلم يقينا أن الله تبارك وتعالى قد خلق الإنسان ضمن دورة حياة محتومة تسير في مراحل ولابد للإنسان أن يمر بهذه المراحل كلها ،
قال تعالى:

(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمّ يُمِيتُكُمْ ثُمّ يُحْيِيكُمْ ثُمّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)


[سورة: البقرة - الآية: 28]

قال تعالى:

(وَهُوَ الّذِيَ أَحْيَاكُمْ ثُمّ يُمِيتُكُمْ ثُمّ يُحْيِيكُمْ إِنّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ)


[سورة: الحج - الآية: 66]

]