بسم الله الرحمن الرحيم


الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين






﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾
التكاثر: 8.









روى أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال:
( خَرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ أو لَيْلَةٍ فإذا هو بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فقال:
ما أَخْرَجَكُمَا من بُيُوتِكُمَا هذه السَّاعَةَ؟ قالا: الْجُوعُ يا رَسُولَ الله، قال: وأنا وَالَّذِي نَفْسِي بيده لَأَخْرَجَنِي الذي أَخْرَجَكُمَا، قُومُوا فَقَامُوا معه فَأَتَى رَجُلًا من الْأَنْصَارِ فإذا هو ليس في بَيْتِهِ فلما رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ قالت مَرْحَبًا وَأَهْلًا فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أَيْنَ فُلَانٌ؟ قالت: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لنا من الْمَاءِ إِذْ جاء الْأَنْصَارِيُّ فَنَظَرَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وَصَاحِبَيْهِ ثُمَّ قال: الْحَمْدُ لله، ما أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي، قال: فَانْطَلَقَ فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فيه بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ فقال: كُلُوا من هذه، وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ، فَذَبَحَ لهم فَأَكَلُوا من الشَّاةِ وَمِنْ ذلك الْعِذْقِ وَشَرِبُوا، فلما أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: وَالَّذِي نَفْسِي بيده لَتُسْأَلُنَّ عن هذا النَّعِيمِ يوم الْقِيَامَةِ أَخْرَجَكُمْ من بُيُوتِكُمْ الْجُوعُ ثُمَّ لم تَرْجِعُوا حتى أَصَابَكُمْ هذا النَّعِيمُ)

رواه مسلم.



وفي حادثة أخرى قال جَابِرٌ رضي الله عنه:
(أتاني النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَأَطْعَمْتُهُمْ رُطَباً وَأَسْقَيْتُهُمْ مَاءً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا مِنَ النَّعِيمِ الذي تُسْأَلُونَ عنه)
رواه أحمد.




وعن الزُّبَيْرِ بنِ الْعَوَّامِ رضي الله عنه قال:
(لَمَّا نَزَلَتْ: ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عن النَّعِيمِ، قال الزُّبَيْرُ: يا رَسُولَ الله، فَأَيُّ النَّعِيمِ نُسْأَلُ عنه وَإِنَّمَا هُمَا الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ؟ قال: أَمَا إنه سَيَكُونُ)
رواه الترمذي وحسنه.




فإذا كان أفاضل هذه الأمة الذين أقاموا الإسلام، ونصروا الدين، وهاجروا في سبيل الله تعالى، وأخرجوا من ديارهم، يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يُسألون عن تمر سدُّوا به جوعهم، فعن ماذا سَنُسأل وقد أغرقتنا النعم من رؤوسنا إلى أقدامنا؟! وأسرفنا فيها وبطرنا وقلَّ فينا شكرها، والرضا بها، بل نطلب المزيد والمزيد؛ فنسأل الله تعالى أن يرحمنا برحمته، وأن يعاملنا بعفوه ولطفه، وأن يرزقنا شكر نعمته وحسن عبادته..



وإذا كان الناس يسألون عن نعيمهم ولو لم يسرفوا فيه فكيف بنعيم من توسعوا في المآكل والمشارب والمراكب والمساكن والأثاث والمتاع وأنواع الرفاهية واللهو المباح وغير المباح؟!

ثم كيف سيكون سؤال الناس عن نعيم قد بالغوا في التمتع به، وتوسعوا فيه توسعا تعدى الكماليات إلى السرف والبطر، وفي الأرض جوعى لا يجدون بلغة من عيش، وفيها لمن يحتاجون لما يرمى في النفايات من بقايا الطعام واللباس والأثاث وغيره؟!

انظروا إلى أحوال إخوانكم المحاصرين في غزة، وانظروا إلى إخوانكم في العراق وفي الصومال وفي بلاد الأفغان وفي الشيشان وفي غيرها.

لا يجدون أمنا كما نجد نحن، ولا يأكلون كما نأكل، ولا ينامون كما ننام، ولا يتهنون بعيش كما نتهنأ، قد استباحتهم جيوش الظلمة المحتلين فسلبت أمنهم، ونهبت خيراتهم، وأحلت الفوضى في بلادهم، من سلم من نيران غدرهم تسلط عليه وباء مهلك، أو جوع مفترس، فإن تجاوز ذلك عاش عيشة بئيسة يتمنى معها الموت كل يوم مئة مرة.

أين شكرنا لنعم ربنا علينا؟! وأين إحساسنا بمصاب إخواننا؟! ألا نخاف أن تسلب نعمنا كما سلبت من غيرنا؟! ثم كيف نقابل ربنا للحساب وهذه نعمه تترا علينا، ونحن لا زلنا في سرفنا ولهونا وغفلتنا، وقد رأينا النذر من بين أيدينا ومن خلفنا؟!

ألا نقتصد في سرفنا ولهونا؛ شكرا لربنا، ومواساة لإخواننا، وإحساسا بمصاب غيرنا، فإن هذه الغفلة المطبقة مع كثرة النعم، وتتابع النذر؛ مؤذنة بعقوبات الدنيا، وإذا حلت العقوبة فلات حين مندم، وسؤال الآخرة أعظم وأشد [ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ] {التَّكاثر:8} [فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ] {الأنعام:44}.

وصلوا وسلموا على خاتم المرسلين ..




يا رب لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ....

إخواني أخواتي :

هذه الصورة تحمل ألف معنى
فأي المعاني دار في خلدك وأنت ترى تلك العجوز تشرب من ماء آسن !!!



قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:


(لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم)



منقولة من خطبة الجمعة
الشيخ / إبراهيم بن محمد الحقيل ..