ثم ان الخلق ميتون بآجالهم، فأرواح أهل السعادة باقية منعمة إلى يوم القيامة، وأرواح أهل الشقاء في سِجِّين معذّبة إلى يوم القيامة، وأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، وأن عذاب القبر حق، وأن المؤمنين يفتنون في قبورهم، ويضغطون ويسألون، وُيثَبِّت اللَّهُ منطق من أحب تثبيته، وأنه ينفخ في الصور فَيُصْعَقُ مَنْ في السموات ومن في الأرض إلا من شاء اللّه، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون، كما بدأهم يعودن: حفاةَ عراةً غُرْلاً، وأن الأجساد التي أطاعت أو عصت هي التي تبعث يوم القيامة لتجازى، والجلود التي كانت في الدنيا والألسنة والأيدي والأرجل التي تشهد عليهم يوم القيامة على من تشهد عليه منهم.

وتنصب الموازين لوزن أعمال العباد، فأفلح من ثقلت موازينه، وخاب وخسر من خَفَّتْ موازينه.
ويؤتون صحائفهم: فمن أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً، ومن أوتي كتابه بشماله فأولئك يصلون سعيراً، وأن الصراط جسر مورود يجوزه العبادُ بقدر أعمالهم. فناجون متفاوتون في سرعة النجاة عليهم من نار جهنم، وقوم أوْبَقَتْهم أعمالهُم فيها يتساقطون، وأنه يخرج من النار مَنْ في قلبه شيء من الإيمان، وأن الشفاعة لأهل الكبائر من المؤمنين، ويخرج من النار بشفاعة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قوم من أمّته بعد أن صاروا فيها حمماً يطرحون في نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل.

والإيمان بحوض رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ترده أمته لا يظمأ من شرب منه، وُيذاد عنه من غيَّر وبَدَّلَ، والإيمان بما جاء من خبر الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السموات على ما صحت به الروايات، وأنه صلى الله عليه وسلم رأى من آيات ربه الكبرى، وبما ثبت من خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام حَكَماً عدلاً يقتل الدجالَ، وبالآيات التي بين يدي الساعة من طلوع الشمس من المغرب، وخروج الدابة، وغير ذلك مما صحت به الروايات.

ونصدق بما جاءنا عن اللّه تعالى في كتابه، وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخباره، ونوجب العمل بمحكمه، ونؤمن ونقرُّ بِمُشْكَلِهِ ومتشابهه، ونَكِلُ ما غاب عَنا من حقيقة تفسيره إلى الله تعالى، والله يعلم تأويلَ المتشابه من كتابه، والراسخون في العلم يقولون: آمنا به وكل ما غاب عنا من حقيقة تفسيره، كلّ من عند ربنا.

وقال بعض الناس: الراسخون في العلم يعلمون مشكله، ولكم الأول قول أهل المدينة، وعليه تدل الكتب. وأن أفضل القرون قرن الصحابة رضي الله عنهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وأن أفضل الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم علي.
وقيل: ثم عثمان وعلي، ويكف عن التفضيل بينهما. روي ذلك عن مالك.
(المصدر السابق, ص 39 ).

يتبع..........