افتقـاركَ .. سرُ افتخـاركَ ..



كلما استشعرتَ حقيقةَ افتقاركَ إلى اللهِ سبحانه ، وشدةَ حاجتكَ


إليهِ ،،

شعوراً يملأُ عليكَ حنايا قلبكَ ، ويصبح هاجساً يشغلك في كل


أوقاتك ، وحيثما كنتَ ..

فهناكَ تنهلّ على قلبكَ شوارقُ أنوارٍ تحسها إحساساً واضحاً لا


لبسَ فيه ..


ولذا قالوا :

من أرادَ أن يغمرَ اللهُ قلبهُ بألوانِ العطاءِ ، فليتحققْ بالافتقار التام


بين يدي الله سبحانه ..

فإنما الصدقاتُ للفقراءِ والمساكين ..فافهم ..!!



وقالوا :

من أرادَ ورودَ المواهبَ إليهِ .. فليحققِ الفقرَ والحاجةَ لديهِ ..

وفي الأثر الإلهي يقولُ الرب جل جلاله : أنا عند المنكسرة


قلوبهم ..

وهو معنى عجيبٌ يلهبُ القلبَ الحيّ ويزلزله ، ليبقى في حالة


انكسار مستمرٍ ،

ما دام هذا الانكسار ثمرته : أن يكون اللهُ جلّ في علاه قريبا منه ،


حبيبا إليه ، لطيفاً

به ..!!

وهناكَ معنى خفي عجيب آخر ..هذا المعنى يكمن في الحقيقة


التالية :

كلما حققتَ افتقاركَ لله سبحانه ،، أغناكَ الله سبحانه من واسع


كرمه ..!!

وكلما تحققتَ بروحِ الذلِ بينَ يديه ، ملأ قلبكَ بشعورِ العزةِ على


الدنيا كلها

وأهلها..!!

( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) ..



وللهِ در القائل : ... وأستعلي بإيماني على الدنيا وما فيها ..!!

هذه العزة إنما تتجلى بوضوح في كلّ قلبٍ ، استطاع صاحبه أن


يذللـه بين يدي الله .

وعلى قدر قوة افتقاركَ وذلّك له سبحانه ، تكونُ قوةُ شعورك بهذه


العزة ، المتكسبة

من الله جل في

علاه ..





وشيء آخر يُضاف إلى كل ما تقدم ..

اعلم رحمك الله ، وبارك الله فيك ..

أن الافتقارَ إلى الله في جوهرهِ ، إنما هو تحقيقٌ لروحِ العبودية لله


سبحانه ،

وهل يريدُ الله منكَ ، إلا أن تتحققَ بمعانيَ العبوديةِ بين يديه في


كل أوقاتك ..؟!!

وكلما كنتَ متحققاً بعبودتك لهُ سبحانه ، على الوجه الذي يريد :

كانَ لك ، ومعكَ . حافظاً ومؤيداً ونصيرا ومعيناً ..


( قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ) ..

( قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ ) ..

( فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن


يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُم )

( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) ..




والآيات كثيرة في كتاب الله ..

إنما يربيك الله سبحانه بها ، على هذا المعنى وأمثاله :

لتملأ قلبك ثقةً ويقيناً وإشراقاً وأنتَ تواجه طوفانَ فتنِ الحياةِ من


حولكَ ..!!

ثم ... وهذه لطيفةٌ أرجو أن لا تفوتكَ ، فاقرأ وتأمل هذا المعنى :

لأن السجودَ أجلى مظهرٍ للافتقارِ بين يدي الله عز وجل :

فإنك في لحظةِ السجودِ تكونُ أقربَ ما تكونُ من الله سبحانه ..


فافهم ..




في الحديث الشريف يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" أقرب ما يكونُ العبدُ من ربه وهو ساجدٌ ، فأكثروا الدعاء" ..


رواه مسلم

و في هذا تهييجٌ لنا لنكثرَ من السجود بين يدي الله ، لنكون في


أكثر أوقاتنا في مقام

قربٍ منه سبحانه ..!

بل في هذا تعليم لنا أن نكونَ في حالة سجودٍ دائمٍ بين يدي الله ،


لنكونَ في حالة

قربٍ

من الله مستمر .. ومن كان مع الله في كل أنفاسه ، فلن يضيعهُ ،


ولن يخيبه ..




سئل أحد العارفين : أيسجدُ القلب ؟

قال : نعم ،، سجدة لا يرفعُ رأسه منها أبداً ..!!

ولذا قالوا : من فهمَ سرّ السجود ، وذاقَ قلبهُ حلاوة الأنس فيه :

سحبَ هذا الافتقار الذي تحققَ به في سجودهِ ، وذاقَ حلاوته ،


سحبهُ على بقية

حياتهِ ، ليبقى في حالةِ

قربٍ من ربه في ليله ونهاره ، وبهذا تهبّ على قلبه نسائمُ


سماويةٌ ، ونفحاتٌ

ربانية حيثما كان .

ومثل هذا الإنسان يصبحُ ويمسي وهو متميزٌ بلا شك .. أعني


يصبحُ مباركاً أينما

كان .

فاجهدْ جهدكَ لتتحققَ بفقركَ التام بين يدي الله ، على كل حالٍ


تكونُ فيها ،

فمن تحقق بالافتقار إليهِ سبحانه ، أغناهُ الله بغير مال .. وأعزهُ


الله بغير جاه ..

وهل هذا قليل ..؟!!




ولقد كان بعض الصالحين يكثر أنْ يقول في مناجاته :

اللهم أغننا بالافتقار إليك ، ولا تفقرنا بالاستغناء عنك .
.
فالافتقار إليكَ وحدكَ ، هو عينُ الغنى بكَ .. والاستغناء عنكَ موتٌ


محقق.. !!

وجزاكم الله خيرا