الصلب والتكفير

يعتبر الصلب (صلب المسيح!) للتكفير عن الخطايا من الأركان الهامة جدا" في التعاليم النصرانية. هذا الركن من النصرانية وترافقه مع مذهب من صنع الإنسان يفسره بوضوح هذا المقطع من كتاب الخلاص من خلال التوبة للكاتبة أمينة بلال فيليبس (ص. 17-15): كان التكفير في العهد القديم احتفالا" سنويا" مصمما" لتطهير الهيكل، والكهنوت، والناس من ذنوبهم

بينما كانوا يجددون علاقتهم الخاصة بالرب. وتضمنت الطقوس الصيام والتضحية. ولا تزال هذه المراسيم متبعة في اليهودية، ويتم التأكيد على أهمية الاعتراف والتوبة من الذنوب في يوم التكفير، وهو يوم ينظر إليه على أنه أقدس يوم في السنة.

ولكي يبرر بولس الاعتقاد الابتداعي بتقمص الرب لشخصية عيسى المسيح وموته الظاهري على الصليب، ادعى في رسائله إلى الجاليشانز Galatians والرومان
أن التكفير تطلّب وفقا" للقانون الطاعة التامة والتي كانت فوق مقدرة الإنسان. واقترح، عوضا" عن ذلك، أن موت المسيح كانت له قوة مخلصة تمنح التكفير للخاطئين الذين آمنوا به.

إن وجهة نظر بولس القائلة أن ذنب الإنسان يمنعه من الاقتراب من الرب وأن الطريقة الوحيدة لخلاصه هي من خلال موت التضحية للمسيح، هذه الفكرة طورها عالم اللاهوت النصراني ايرنايس (202-125 للميلاد)، أسقف مدينة ليون، والذي طور حول هذا المبدأ أول نظام للمعتقد الكاثوليكي.

وقد طور عالم لاهوتي نصراني آخر اسمه أوغستين هيبو (430-334 للميلاد) معتقدات السقوط، والخطيئة الأصلية، والتقدير، وهو يعتقد أن الإنسان ملطخ بخطيئة سقوط آدم من رحمة الرب وأن الرب قد اختار بصورة غير قابلة للتفسير بعض الناس ليتم خلاصهم، بينما يسلم الآخرين إلى لعنة أبدية. وبهذا فإن الإنسان شرير وخاطئ بالوراثة، ووحده المسيح، بتضحيته بنفسه من أجل الجنس البشري، استطاع (كما قال القديس أنسيلين) أن يفي بعقوبة الرب العادلة لأخطاء الإنسان تجاه الرب. وقد علم القديس أوغستين أيضا" أن البراءة (الخلاص من الذنوب) تحصل بواسطة رحمة تنبثق من الرب ولكنها تصبّ من خلال قنوات مقدسة. وقد أيد القديس توماس أكويناس (1274-1225)، وهو أبرز علماء اللاهوت النصارى في القرون الوسطى، وجهة نظر القديس أوغستين التي كانت قد أصبحت في ذلك الوقت مبدأ" أساسيا" لا ينازع.

قبل الحديث عن العديد من الخلافات حول الصلب، يجب القول مجددا" أن إحدى أناجيل بولس هي التي أقرت بصلب/وقيامة عيسى (عليه السلام) (II Timothy 2:8):
"تذكروا أن عيسى المسيح من ذرية داود قام (بعث) من الموت وفقا" لإنجيلي."

بالإضافة إلى هذا، إن إنجيل القيامة (البعث) في مرقس 20-16:9 كان قد أزيل من النص من قبل كتاب الإنجيل في طبعة عام 1952 من النسخة القياسية المنقحة وعندها، لأسباب ما، أعيدت في طبعة 1971. في العديد من الأناجيل، إذا لم تكن قد أزيلت، فهي مطبوعة بحروف صغيرة أو بين قوسين مع تعليق (انظر من النسخة القياسية المنقحة، الإنجيل الأمريكي الجديد، والترجمة العالمية الجديدة للكتاب المقدس).

إن الرواية الإنجيلية التقليدية لصلب عيسى (عليه السلام) أنه تم توقيفه وصلبه بأوامر وتخطيط الحاخام الأكبر وشيوخ اليهود. هذه الرواية تم نفيها في الستينات من هذا القرن من قبل أعلى سلطة نصرانية كاثوليكية، البابا. لقد قام بإصدار تصريح قال فيه أن اليهود ليس لهم أي علاقة بصلب المسيح.

هل رأى أي من الحواريين أو كتاب الأناجيل الصلب أو القيامة (البعث)؟ لا! يقول مرقس 14:50 أن الحواريين خذلوا عيسى (عليه السلام) وفروا. وحتى بطرس تخلى عن عيسى (عليه السلام) بعد أن صاح الديك ثلاث مرات كما تنبأ عيسى (عليه السلام) (متّى 26:75): وتذكر بطرس كلمة عيسى، والتي قال له فيها، "قبل أن يصيح الديك، أنت سوف تنكرني ثلاث مرات." وخرج، وبكى بمرارة."

إن أكثر الأشخاص الذين يحتمل أنهم شهدوا هذه اللحظة في حياة عيسى (عليه السلام) كانوا مريم المجدلية، ومريم أم جيمس، وجوسيس أم أبناء زيبيدي، ونساء أخريات (متّى 56-27:55). وعلى أية حال، ليس هناك بيان أو رواية في الأناجيل من هذه النساء حول ما رأوه أو سمعوه.

وجد الحواريون القبر حيث سجّي عيسى (عليه السلام) فارغا"، واستنتجوا أنه قام (بعث) لأن الحواريين وشهود آخرون رأوه حيا" بعد الصلب المزعوم. لم ير أحد اللحظة التي قام فيها. عيسى (عليه السلام) بنفسه صرح أنه لم يمت على الصليب في لوقا 41-24:36، كما هو مبين في الفقرات التالية.
يوم الأحد باكرا" ذهبت مريم المجدلية إلى القبر، الذي كان فارغا". رأت شخصا" يبدو عليه أنه بستاني واقفا". وتعرفت عليه بعد محادثة على أنه عيسى (عليه السلام) وأرادت أن تلمسه. فقال عيسى (عليه السلام) (يوحنا 20:17): "لا تلمسيني؛ فلم أصعد بعد إلى والدي …"

والآن اقرأ لوقا 41-24:36: "وبينما كانوا (الحواريين) يتحدثون، وقف عيسى بنفسه وسطهم وقال لهم، السلام عليكم. ولكنهم كانوا خائفين ومرتاعين، واعتقدوا أنهم رأوا روحا". وقال لهم، لماذا أنتم قلقون؟ ولماذا تنشأ أفكار مثل هذه في قلوبكم؟ انظروا إلى يدي والى قدمي، انه أنا بنفسي: امسكوني، و سترون؛ فليس للروح لحما" وعظاما"، كما ترون لدي. وعندما قال ذلك، أراهم يديه وقدميه. وعندما بقوا غير مصدقين لفرحتهم، وتساءلوا، قال لهم، هل لديكم لحما" هنا؟ فأعطوه قطعة سمك مسلوقة وقطعة من قرص عسل. وأخذها وأكل فعلا"أمامهم."

هل يحتاج جسم روحاني أو ميت إلى أن يأكل الطعام؟ عيسى (عليه السلام) بأكله الطعام أراد أن يثبت لحوارييه أنه لم يكن روحا"، ولكنه كان لم يزل حيا" لم يمت.

إن مقولة أن عيسى (عليه السلام) كان حيا" وليس ميتا" تدعمها أيضا" نبوءته (متّى 12:40): "وكما بقي يونس ثلاثة أيام وثلاثة ليال في بطن الحوت؛ كذلك سيبقى ابن الإنسان ثلاثة أيام وثلاثة ليال في قلب الأرض."
هل حقق عيسى (عليه السلام) هذه المعجزة؟ سيقول النصارى "نعم"، لأن عيسى (عليه السلام) مات وقا
م بعد ثلاثة أيام وفقا" للوقا 24:26 ومتّى 20:19، من بين نصوص أخرى. وعلى أية حال، وتماشيا" مع معجزة يونس ووفقا" للكتاب المقدس، أمضى عيسى (عليه السلام) يوما" واحدا" فقط وليلتين في القبر، وليس ثلاثة أيام وثلاثة ليال كما تنبأ.
وضع عيسى (عليه السلام) في القبر قبل غروب يوم الجمعة (الجمعة الحزينة) مباشرة، وقد اكتشف اختفاؤه قبل شروق شمس الأحد (الفصح). وحتى لو مددنا الوقت قليلا"، يمكن لنا أن نقول أن عيسى (عليه السلام) أمضى ثلاثة أيام في باطن الأرض، ولكن لا يمكن بأي حال من الأحوال، وأكرر بأي حال من الأحوال، القول بأنه أمضى ثلاثة ليال. علينا أن لا ننسى هنا أن الأناجيل صريحة بإخبارنا أن مريم المجدلية ذهبت إلى ضريح عيسى (عليه السلام) "قبل شروق" يوم الأحد ووجدته فارغا".

وبالتالي فإن هناك تناقض حول ما إذا كان عيسى (عليه السلام) قد حقق نبوءته الخاصة، وفيما إذا كان صلب بالفعل، أو أن يوم (الجمعة الزينة) صلبه المزعوم نقل إلينا خطأ". وهناك نقطة أخرى يجدر ذكرها هنا وهي أن يونس عليه السلام بقي حيا" طوال الفترة التي قضاها في بطن الحوت، ويقول النصارى أن عيسى (عليه السلام) كان ميتا" في باطن الأرض القبر، وهذا يناقض نبوءة عيسى (عليه السلام) نفسها. يذكر سفر لوقا 11:30 أن عيسى (عليه السلام) قال: كما كان يونس … كذلك سيكون ابن الإنسان."

فإذا كان يونس عليه السلام بقي حيا"، من المفروض أن عيسى (عليه السلام) بقي حيا" أيضا".

هناك حدث هام وقع قبل الصلب المزعوم. هذا الحدث هو دعاء عيسى (عليه السلام) للرب من أجل مساعدته. جاء في سفر لوقا 22:42 أن عيسى (عليه السلام) خاطب الرب "قائلا"، أيها الأب إذا شئت ارفع عني هذا الكأس (كأس الموت): ومع ذلك فليست إرادتي هي التي ستنفذ، ولكن إرادتك أنت."

وقد استجاب الرب لدعاء عيسى (عليه السلام) في أن لا يموت على الصليب وفقا" لسفر لوقا 22:3 و كذلك وفقا" لسفر اليهود Hebrews 5:7 . لذلك، إذا كان الرب قد استجاب لكل صلوات عيسى (عليه السلام)، بما في ذلك عدم الموت على الصليب، فكيف يمكن القول أنه مات على الصليب؟

ينص سفر متّى 27:46 أن عيسى (عليه السلام) قال وهو على الصليب: "ربّ، ربّ، لم خذلتني؟"

لو أن عيسى نطق فعلا" بهذه الكلمات، لكان ذلك دليلا" واضحا" على الكفر كما تنص على ذلك جميع السلطات اللاهوتية. هذه شتيمة كبيرة، ومثل هذه الكلمات لا يمكن أن تصدر إلا من غير المؤمنين بالله. فالأولى إذا" أن لا تصدر مثل هذه الكلمات عن رسول لله –وهي فعلا" لم تصدر- لأن الله لا يخلف وعده مطلقا"، ولم يتذمر أي من أنبياء الله من وعده مطلقا". يمكن القول إذا" ، أنه كائنا" من كان ذلك الذي نسب هذه العبارة إلى عيسى (عليه السلام)، فإن هذا الشخص نفسه كافر.

يؤمن المسلمون، كما يؤكد القرآن الكريم، أن عيسى (عليه السلام) لم يصلب. لقد كان في نية أعدائه أن يقتلوه صلبا"، ولكن الله عز وجل أنقذه من مكيدتهم. يقول القرآن الكريم (4:157): "وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا (157)" (النساء)