الرد على من يقول نسيان آدم عليه السلام العهد المراد به نسيان الميثاق

و إن قيل الأقرب في نسيان آدم عليه السلام في قوله تعالى : ﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ﴾
[1] نسيان الميثاق الذي أخذه الله على بني آدم و ليس نسيان الأكل من الشجرة و يدل على ذلك أمرين :
الأمر الأول : وجود الواو الفاصلة بين الآيتين، حيث يظهر أنها واو الإستئناف، فقد قال تعالى : ﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما وَ إِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى ﴾[2] فالفصل بالواو يشير إلى البدء بكلام جديد ، و أن الكلام عن الملائكة غير متفرع على ما قبله، ولا هو من توابعه التي ترتبط به.
الأمر الثاني : لو أن آدم عليه السلام قد نسى النهي عن الأكل من الشجرة فإبليس اللعين قد أزال هذا النسيان حين ذكَّر آدم عليه السلام بنهي الله له عن الأكل من الشجرة .
و الجواب من عدة وجوه منها :
الوجه الأول : أن الميثاق أخذه الله على آدم و ذريته آدم و ليس آدم فقط قال تعالى : ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴾[3] ،أما الآية في سورة طه فقد ذكرت العهد لآدم لا العهد لآدم و ذريته .
الوجه الثاني : أن آيات الميثاق دلت على توحيد الربوبية، وعلى أن توحيد الربوبية أمر فطري فطر الله تعالى الخلق عليه ، و قد ألهم الله البشرية كلها بأنه هو ربها وإلهها، وأنه ليس لها رب ولا إله غيره، وأنه أخذ عليها ميثاقاً بذلك: ( قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا )، فلم يعد يقبل منهم أن يقولوا يوم القيامة: نسينا وكنا غافلين عن هذا الميثاق أو يحتجوا بأن آباءهم أشركوا وأنهم اتبعوهم في شركهم لأنهم من ذريتهم ،و الأنبياء معصومون من الكفر سواء عمدا أو سهوا فكيف ينسى آدم الميثاق ؟!!
و لايصح أن يكون آدم قد نسي الميثاق الذي أخذه الله على الأنبياء كما في قوله تعالى :﴿وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ [4] فمعنى الآية واذكر -أيها الرسول- إذ أخذ الله سبحانه العهد المؤكد على جميع الأنبياء: لَئِنْ آتيتكم من كتاب وحكمة, ثم جاءكم رسول من عندي, مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنَّه. فهل أقررتم واعترفتم بذلك وأخذتم على ذلك عهدي الموثق ؟ قالوا: أقررنا بذلك, قال: فليشهدْ بعضكم على بعض, واشهدوا على أممكم بذلك, وأنا معكم من الشاهدين عليكم وعليهم. وفي هذا أن الله أخذ الميثاق على كل نبي أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم, وأخذ الميثاق على أمم الأنبياء بذلك[5] فميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضا و أن يؤمنوا بمحمد عليه السلام وينصروه إن أدركوه, وأمرهم أن يأخذوا بذلك الميثاق على أممهم فهل يمكن لآدم عليه السلام أن ينسى هذا الميثاق ؟!!!
و قوله تعالى ﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً واضح في عدم إرادة الميثاق الذي أخذه الله عز وجل على آدم وذريته و على عدم إرادة الميثاق الذي أخذه الله على النبيين فالعزم الإرادة الصلبة القوية، و عقد القلب على إمضاء الأمر مما يوحي بتطلب فعل أمر و اجتناب نهي و هذا يصدق على أكل آدم من الشجرة لا إقراره بربوبية الله أو تصديقه للأنبياء أو إيمانه بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم فلم يستمر آدم على أمر الله بعدم الأكل من الشجرة .
وقولهم : ( الفصل بالواو دل أن الكلام عن الملائكة غير متفرع على ما قبله، ولا هو من توابعه التي ترتبط به )) يجاب عليه بأنه لو سلمنا بأن الكلام عن الملائكة غير مرتبط بما قبله فهذا لا يقدح في كون نسيان العهد نسيان النهي عن الأكل من الشجرة فنسيان آدم عليه السلام العهد شيء و سجود الملائكة لآدم بأمر الله وعدم سجود إبليس شيء آخر .
وقولهم بتذكير إبليس لآدم بعدم الأكل من الشجرة لا يقدح في نسيان آدم النهي عن الأكل من الشجرة لكون الخطئية حدثت بعد تذكيره لا حال تذكيره و لعدم عهد آدم عليه السلام بأنه يوجد من يحلف بالله كاذبا و الاغترار بلحن القول لم يعاف منه أحد .
فنسيان آدم عليه السلام العهد أي نسيان عهد الله الذي وصاه به حين ارتكب ما نهاه عنه من الأكل من الشجرة , ولم يوجد له عزم على فعل ما نهي عنه .






[1] - طه الآية 115
[2] - طه الآية 115 - 119
[3] - الأعراف الآية 172
[4] - ال عمران الآية 81
[5] - التفسير الميسر
__________________