مفتي الديار المصرية " علي جمعة " : حق الردة مكفول ولا عقاب إلا إذا هددت أسس المجتمع. ء
تصريحات علي جمعة تفجّر جدلاً في مصر
دبي-العربية.نت، القاهرة-ا ف ب
جدد مفتي مصر الشيخ علي جمعة التأكيد على حق كل إنسان في اختيار دينه وذلك بعد نشر وسائل الإعلام معلومات متضاربة في هذا الشأن، ما أثار جدلا بين العلماء وأساتذة العقيدة في الجامعة الأزهرية، حيث أجازها البعض مشيرا إلى اتفاقها مع الثوابت الشرعية بينما عارضها البعض الآخر وقالوا إنها تمثل تهاونا وتشجيعا على الردة.وقال المفتي في بيان إن "الله قد كفل للبشرية جمعاء حق اختيار دينهم دون إكراه أو ضغط خارجي, والاختيار يعني الحرية والحرية تشمل الحق في ارتكاب الأخطاء والذنوب طالما ان ضررها لا يمتد إلى الآخرين
". المزيد
قال الحارث بن همّام : ء
وتلقى المفتي ما تلقاه من تفسيق وتضليل وتسفيه واتهامات تمس نيّته , ورسم بعضهم علامات الاستفهام على ولائه لدينه , ومنهم من وجّه له رداً شديد اللهجة , ومنهم من كان له رد عشوائي , ومنهم من كتب ما أسماه " اللمعة .. في الرد على فتوى علي جمعة !" .. و تمنيت لو كلّف البعض نفسه قليلاً ليناقش الرأى ويتفهمه وينظر إليه من زاوية أخرى .. عموماً .. أذكر أنني كنت مقتنعاً وبشدة برأي من الآراء حول هذه المسألة , ثم مع الأيام , تبيّن لي أمراً آخر .. ربما يكون أكثر صواباً .. ء

***
حرية الاعتقاد أصل أصيل في الإسلام , ورد ذلك في الآيات بكثرة .. " لا إكراه في الدين " .. "لكم دينكم ولي دين " .." لمن شاء منكم أن يستقيم " .. بل إن الله سبحانه عاتب النبي صلى الله عليه وسلم على حرصه الشديد على إسلام عمه أبوطالب , فقال :" أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ؟ " .. ء
طيّب .. إذا كان القرآن يشير بكل اتجاهاته إلى حرية الاعتقاد , وأن الدين لا ينشر عنوة ولا إكراهاً .. إذاً فمابال النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي يقول : "من بدّل دينه فاقتلوه " ؟ .. ألا يعارض ذلك الآيات الداعية لحرية الاعتقاد ؟وحاشا للنبي صلى الله عليه وسلم مخالفة القرآن .. لكن ماذا على من دخل الاسلام ثم لم يقتنع به .. هل يلزمه الاسلام بالاستمرار به بغير قناعة ؟ وماذا على من وُلِدَ مسلماً ثم اقتنع بدين آخر .. أيمنعه الإسلام من أن يدين به ؟

ظاهر الأمر .. أن هناك تعارض بالنصوص .. لكنني على يقين أن هناك حلّ لفك هذا التعارض .. وهذا ما سأفصل به الآن باذن الله .. ء

النبي صلى الله عليه وسلم يتصرف أحياناً بصفته نبياً مُرسلاً يوحى إليه , ويتصرف أحياناً بصفته قائد دولة .. والصحابة الكرام رضوان الله عليهم كانوا يميّزون ذلك منه .. فإذا كان تصرفه صلى الله عليه وسلم نابعاً من أمر إلهي وعن طريق الوحي , فلا جدال ولا نقاش ولا شورى , أما إذا تصرف بصفته قائد دولة .. أي أن تصرفه لم يكن من وحي .. فلهم ان يشيروا عليه ويناقشوه .. كما فعل عمر بن الخطاب عندما جادل النبي صلى الله عليه وسلم في مصير أسرى بدر والصلاة على المنافقين .. ء

وأحياناً يلتبس على الصحابه تصرف النبي صلى الله عليه وسلم .. فلا يعلمون ما إذا كان تصرفه هذا بصفته نبياً أم بصفته قائداً .. فيضطرون إلى سؤاله .. فيقولون : يارسول الله .. أهو منزل أنزلك الله إياه ؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ كما قال الحباب بن منذر في غزوة بدر .. فلما قال صلى الله عليه وسلم : " لا بل هي الحرب والرأي والمكيدة " .. أي أنه اجتهاد شخصي من النبي .. قال الحباب :" إذاً ليس هذا بمنزل" وأشار الحباب على النبي بمكانٍ آخر .. ولو كان منزلاً أنزله الله إياه , لتوقف الحباب بن منذر وما أشار عليه .. ء
طبعاً هذا مثال .. والشواهد في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة .. ء

الشاهد من الموضوع .. هل كان حديث النبي صلى الله عليه وسلم : " من بدل دينه فاقتلوه " هل كان حداً شرعياً , أم حكماً سياسياً ؟ بمعنى آخر .. هل هو حكمٌ أنزله الله عن طريق الوحي كحد السارق وحد الزاني ؟ أم هو حد سياسي كان من اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم ؟
سأجيب على هذا السؤال في نهاية المقال .. أما السؤال الآن هو لماذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل المرتد ؟
أقول - والله أعلم- أن سبب ذلك كان لرد حيلة من حيَل اليهود في المدينة لفتنة المسلمين عن دينهم , ووجه هذه الحيلة أن يتظاهر اليهود بدخولهم الإسلام ثم يرتدوا عنه فيتزعزع إيمان المسلمين ويصدوا الناس عن الإسلام "وقالت طائفة من أهل الكتاب ءامنوا بالذي أنزل على الذين ءامنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون " .. وبالفعل , قد استطاع اليهود أن يحدثوا فتنة بسيطة في أوساط المسلمين .. وفطن لذلك النبي صلى الله عليه وسلم , وأراد أن يضع حداً لهذا اللعب .. فأصدر حكماً - بصفته رئيس دولة المسلمين - يقتضي بقتل المرتد " من بّدل دينه فاقتلوه " ء

فهذا الحكم أرى أنه كان لسبب مخصوص .. وهو زعزعة المسلمين وخيانة الدولة .. وإلا .. فإن الأصل في الإسلام حرية الاعتقاد .. ولمّا كان المسلمون في المدينة لا يتجاوزون الألف .. فإن ارتداد الرجل الواحد من شأنه أن يحدث فتنة .. أما اليوم وقد بلغ عدد المسلمين ما بلغ .. فإن ارتداد الرجل لا يشكل نقصاً نسبياً في عدد المسلمين ولا يحقق زيادة في الدين الآخر .. إلا إذا كان المرتد ينوي مكراً بالمسلمين .. فإنه يُقتل جزاءاً لخيانته للدولة وليس لتغييره لدينه . ولا نختلف أن المرتد عقابه شديد في الآخرة , خصوصاً وأنه عرف طريق الحق ثم كفر. ء ء

ثم لو نظرنا لواقع النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده .. لرأينا أنهم تعاملوا مع المرتد بغير ما جاء به الحديث .. فقد روى جابر بن عبدالله أن أعرابياً بايع الرسول صلى الله عليه وسلم فأصاب العرابي وعك بالمدينة فأتي النبي فقال : يا محمد , أقلني بيعتي , فأبي رسول الله ثم جاءه فقال : أقني بيعتي , فأبى , ثم جاءه فقال : أقلني بيعتي , فأبى , فخرج الأعرابي , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما المينة كالير , تنفي خبثها , وينصع طيبها " وتركه النبي صلى الله عليه وسلم وما قتله .. كذلك لم يقتل النبي عبدالله بن أبي بن سلول وقد قال لئن رجعنا إلى المدينة لنخرجن الأعز منها الأذل .. ولم يقتل الأعرابي الذي قال له : إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله .. وهذه الألفاظ يرتد قائلها قطعاً لأنها اتهام للنبي صلى الله عليه وسلم وتكذيب لأمانته وعدله .. لما لم يقتل هؤلاء قد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم ؟
وفي عهد عمر بن الخطاب روي أن أنساً عاد من ( تستر ) فقدم على عمر فسأله : ما فعل الستة الرهط من بكر بن وائل الذين ارتدوا عن الاسلام ولحقوا بالمشركين ؟ قال : يا أمير المؤمنين , قوم ارتدوا عن الإسلام ولحقوا بالمشركين , قُتلوا بالمعركة , فقال عمر : إنا لله وإنا إليه راجعون ! فقال أنس : وهل كان سبيلهم إلا القتل ؟ قال : نعم , كنت اعرض عليهم الإسلام , فإن أبوا أودعتهم السجن . ء
خلاصة القول .. أنه يبدو لي - ولست من أهل العلم - أن قتل المرتد , هو حد سياسي وليس حدّ شرعي .. فرضه رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليهود الذين كانوا يدخلون في الاسلام أول النهار ثم يكفرون آخره ليردوا المسلمين عن دينهم .. وذلك فيه خيانة للمسلمين وتفريق لجمعهم .. فكان عقابهم القتل .. وقتل المرتد اليوم لا ينطبق على من ارتد من الاسلام بسبب اقتناعه بدين آخر أو بكفره , إلا إذا حاول بعد ردته خيانة المسلمين وفتننهم .. والله أعلم



منقووووووووووووووووول