د. رحيل غرايبة: المسيحيون العرب والانتماء الثقافي GMT 21:45:00 2005 الخميس 29 سبتمبر

الرأي الأردنية

الجمعة: 30. 09. 2005

من خلال مشاهدة برنامج »لقاء« في التلفزيون الاردني الذي كان يستضيف الدكتور همام غصيب, وتفاعل عدد كبير من المشاهدين مع هذا اللقاء, وجدت نفسي امام مجموعة من الحقائق التي تستحق التوضيح والتجليه لما لها من أهمية كبيرة على الصعيد العربي والاسلامي أولاً وعلى الصعيد العالمي وما نشهده من مواجهة خطيرة تتخذ اشكالا حضارية وثقافية ودينية وتذهب بعيدا في اثارة الفتن على مستوى العالم كله.

الدكتور همام غصيب سليل عائلة عربية تدين بالدين المسيحي منذ قديم الزمان, جنبا الى جنب مع عائلات عربية اخرى كثيرة تدين بالدين الاسلامي, على ارض واحدة, تحمل هموما مشتركة, وامالا وآلاما موحدة, واحتراما متبادلا وتسامحا مشتركا, ولم تعرف نزاعات طائفية ولا دينية, ولا كراهية متعصبة, وفي الوقت درس الدكتور همام علوم الفيزياء في بلاد غربية, وبقي يحتفظ بثقافته الاصيلة ولغته العربية الفصيحة, يقرأ القرآن منذ صغره, ويعده حافظا للغة وآدابها وبيانها وقوتها, ويسمى ابنه »الحارث« ليكون من اصدق الاسماء كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم, وهذا الوصف لا يقتصر على هذه الشخصية وحدها التي تحظى بالاحترام والتقدير, بل استمتعت لمداخلات اخرى من الدكتور زياد المعشر والسيد عمر القسوس واخرين كثر تدل على الاقرار والمشاركة وتعبر عن الانتماء العروبي الاصيل لامتهم واوطانهم وثقافتهم الاصيلة هذه المقابلة تقودنا الى توضيح القضايا الكبيرة التالية:

- المسيحيون والمسلمون في العالم العربي والاسلامي يعيشون وحدة شعورية, ويتظللون ثقافة موحدة في اطار نموذجي لا يعرف التعصب ولا التطرف. وهذه ليست تجربة مؤقتة, بل حياة طويلة الامد استمرت مئات السنوات وعشرات القرون.

فنحن لا نحتاج دروسا في التسامح من الدول الغربية التي عاشت دهورا من الاستعمار والحياة الدموية, وتعيش فهما مغلوطا ومضللا للدين وهي تجعل منه محركا للشر والبغض والكراهية.

ان الاسلام الذي يشكل عقيدة ودينا للمسلمين, انما يمثل حضارة وثقافة للمسلمين وغير المسلمين, ويفرض على اتباعه اشاعة الحرية الدينية والثقافية واحترام عقائد الاخرين بأمر رباني }لا إكراه في الدين{.

المسيحيون العرب اسهموا في بناء الحضارة العربية الاسلامية وكان لهم ابداعات متعددة على مستوى اللغة العربية والادب والشعر وعلى مستوى العلوم الاخرى مثل الهندسة والطب وعلم الفلك والرياضيات والنبات, وكان بلاط الخلفاء يعج بالاطباء والعلماء من غير المسلمين الذين كانوا محل ثقة واطمئنان ومشاركة مما يدلل بوضوح ان الاسلام يعطي اطارا واسعا يضم كل الخيرين من جميع الاجناس والاعراق والالوان والاديان ليجعل منهم نسيجا موحدا يسعى لخير الناس واعمار الارض والكون مصداقاً لقوله تعالى }وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان{ وهذا التعاون يشمل جميع الشعوب والأمم بلا استثناء.

العالم الاسلامي في ظل الحكم الاسلامي الذي غطى معظم ساحة الكرة الارضية استطاع ان يقيم حضارة راسخة وشاملة وعادلة, وحفظ الحضارات السابقة, وكانت محل تقدير واستفادة وترجم كل كتب العلوم السابقة ونسبها لاهلها بامانة علمية منقطعة النظير, وفتح ابواب العلم في جامعاته المنتشرة لكل بني البشر, وجاء ابناء الامم الغربية لينهلوا من علم المسلمين بكل احترام وتقدير.

وانشأ المسلمون بمشاركة من معهم من المسيحيين واليهود والصائبة وغيرهم, انماطا ثقافية تقيم للقيم الانسانية وزنا كبيرا مثل العدل للجميع, والحرية للجميع, والكرامة للجميع, والمساواة في الحقوق والواجبات ومحاربة كل انواع التمييز العنصري والطائفي والديني ومحاربة العبودية والاستعباد والاحتكام على معيار واحد يقرره القرآن, يقوم على معيار الكفاءة والقوة والامانة »ان خير من استأجرت القوي الامين«.

الفتوحات الاسلامية التي تعرضت للتشويه والتحريف الحاقد, والتزييف المتعمد, ما انتشرت هذا الانتشار, وتوسعت هذا التوسع الا بفضل الركائز والغايات النبيلة التي تقوم على مبدأ الحرية والمشاركة مع الشعوب ولم تكن من اجل سلب الخيرات ولا التسلط ولا النهب والسرقة والقتل.

المسيحيون العرب هم اليوم مع اخوانهم المسلمين وغيرهم في خندق واحد للذب عن حضارتهم وارضهم وثقافتهم امام عدوان لئيم مفترس يقوم على العنصرية والدموية والكراهية والخداع والتضليل والسلب والنهب لخيرات الشعوب, واعتماد المعايير المزدوجة.
أرجوا أن تكونوا قد استوعبتم هدف هذه الرسالة بدون تكبر أو تعصب وانحياز للفكر المتطرف وأنه لاأمن ولاأمان إلا فى ظل الإسلام . أما التطاول والعناد ومحاولة السب والنفي للحقائق فلا مقابل لهذه الأفعال إلا المعاملة السيئة والعمل على محاربة الضلال والعين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم
والسلام على من اتبع الهدى