ارتفعت أعداد المسلمين في إسبانيا في السنوات الأخيرة، ومما ساهم في ذلك زيادة أعداد المهاجرين من شمال إفريقيا خاصة من المغرب والجزائر. وبحسب تقديرات شبه رسمية، فإن عدد المسلمين في إسبانيا يبلغ نحو 1.2 مليون مسلم، نصفهم من المهاجرين الذين حصلوا على الجنسية الإسبانية، والباقي من العرب والمسلمين المهاجرين، فيما يقدر عدد المسلمين من الأصول الإسبانية بما لا يتجاوز خمسة آلاف نسمة.

اهتمت الجالية بإقامة المساجد سواءً في المدن الكبرى أو في القرى الصغيرة، وأصبح لهذه المساجد دورها الكبير في تعليم القرآن الكريم وتدريس اللغة العربية لأبناء الجالية للحفاظ على هويتهم، بالإضافة لموائد الإفطار الجماعي في شهر رمضان والاحتفال بالعيدين.

كل تلك المظاهر لم تكن موجودة في إسبانيا منذ سقوط غرناطة قبل ما يزيد عن خمسة قرون، حيث قامت الدولة الكاثوليكية التي لا تعترف بأي دين آخر حتى الكنائس المسيحية الأخرى من أرثوذكية وبروتستانتية وغيرهما بل تم سن قانون يعاقب على ممارسة الشعائر الدينية ومصادرة أموال من يمارس ذلك.

استمر الوضع على تلك الحالة حتى عام 1978م لتتحول إسبانيا طبقا للدستور الجديد إلى النظام التعددي الديمقراطي، لتنخرط في النظام العلماني، فاعترفت بحرية ممارسة شعائر الديانات الأخرى.

وتواجه الجالية الإسلامية في إسبانيا العديد من المشكلات منها تدريس الدين الإسلامي لأبناء المسلمين في المدارس الحكومية الذي تم اعتماده رسمياً بالمركز الثقافي الإسلامي بمدريد. ومن أبرز المشكلات التي برزت للسطح أخيرا ما عنونت له صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير نشر لها بعنوان "العديد من مسلمي إسبانيا يعانون ندرة المساجد".

سلط التقرير الضوء على هذه المشكلة، حيث تقول مراسلة الصحيفة: مع اقتراب وقت صلاة الجمعة، في يوم من أيام الشتاء القارس، كان المسلمون يتوافدون على مسجد "نورث ستريت"، المكتظ بالمصلين، لكنهم كثيرًا ما يضطرون للصلاة في الشارع من كثرة الزحام.

السيد كويتين، نائب رئيس الرابطة الإسلامية للاتحاد والتعاون في ليدا، جنوب شرقي إسبانيا، أكّد أن مسلمي إسبانيا يضطرون للصلاة في مرآب السيارات، لعدم توفر المساجد الكافية لهم.

يحدث هذا في بلد مكث قروناً تصدح فيه المآذن بالأذان، وتفخر الدولة ببناء وتشييد أعظم المساجد في التاريخ التي تحول ما تبقى منها اليوم إلى متاحف لجذب السياح.

وتُرجِع الصحيفة تلك الأزمة إلى الحالة المعيشية المتردية التي يعيشها المهاجرون المسلمون في تلك البلاد، فأعدادهم تزداد، في الوقت الذي تتدنى فيه مستوياتهم المعيشية، حيث يوجد نحو مليون مسلم، بالإضافة إلى تلك الحالة المعيشية فإن محاولات المسلمين في العديد من المناطق لبناء المساجد كانت تُقابل بالرفض من قِبل غير المسلمين الذين أبدوا تخوفهم من دخول حضارة غريبة على مجتمعاتهم بحسب ما ذكرت الصحيفة.

كان لتفجيرات مدريد في مارس 2004، والتي لقي فيها 191 شخصًا مصرعهم فيها الأثر السلبي لدرجة أن السلطات المحلية في بعض المناطق، وبضغط من المجتمعات غير المسلمة الغاضبة منعت المسلمين من شراء أراضٍ بغرض بناء مساجدهم عليها.

لم يُنشأ في إسبانيا بأسرها سوى 12 مسجدًا على أكثر التقديرات، لخدمة المسلمين هناك، الذين قفز تعدادهم في السنوات العشر الأخيرة من 50 ألفًا إلى مليون مسلم.

بالمقابل فإن الكنائس في إسبانيا تناضل من أجل جلب الزوار إليها أما المساجد فمكتظة عن آخرها، ولا تكفي مسلمي البلاد.

قال أنجيل روس، عمدة مدينة ليدا، في مقابلة صحفية: "واقع هذه البلاد تغيّر بسرعة أكبر مما حدث في غيرها من الدول. فالعملية التي كانت تستغرق 30 عامًا في إيطاليا أو فرنسا استغرقت 10 سنوات فقط في إسبانيا". وتذكر الصحيفة أن عطلة السبت والأحد تمّ استبدال الجمعة بهما، يوم عيد المسلمين، في كثير من المدن الإسبانية.

ويحاول المواطنون من غير المسلمين وقف ما يرونه "المدّ الإسلامي الذي يهدّد هوية بلادهم الكاثوليكية"، لذلك تجدهم يسعون لتأجير أي مرآب للسيارات في محيط المناطق التي يقطنونها، حتى لا يعطوا المسلمين فرصة تأجيرها واستخدامها حتى ولو لصلاة الجمعة، ولما لم تفلح محاولتهم تلك، انتقلوا لوسيلة أخرى أكثر دهاءً، ألا وهي رفع الشكاوى للمجالس المحلية يطالبونهم فيها بإغلاق هذه الأماكن التي يستأجرها المسلمون بحجة الحفاظ على الصحة العامة، وتجنب الأخطار التي ربما تنجم عن ذلك!

ونقلت الصحيفة عن امرأة اسمها "رويجي" قولها: "زادت التوترات مع زيادة أعداد المهاجرين الوافدين"، ويبدو أن نجاح المهاجرين من المسلمين لم يعجبها، فقالت: "لقد أنشؤوا محلات للحوم، ومراكز خاصة بهم، ومطاعم"، لكنها لم تكتفِ بذلك بل قالتها صراحة: "إنهم متطرفون، ومتعصبون، ولا يريدون الاندماج".

المسجد هو الحل!

يقول أئمة المسلمين في إسبانيا: إن نقص المساجد يعتبر أحد الأسباب التي تحول دون الاندماج. وحتى من وجهة النظر الأمنية، يوجد شبه إجماع بين السلطات الإسبانية وقادة الجالية المسلمة على أنه من الأسهل متابعة ما يجري داخل مساجد قليلة لكنها تتسع لكثيرين، من متابعة 600 قاعة أو مرآب أو شقة صغيرة متناثرة في أنحاء البلاد يضطر المسلمون استخدامها لأداء صلواتهم يصل عددها نحو 300.

ورغم هذه الغيوم ما زال المسلمون يؤمنون بإمكانية تحقيق مطالبهم العادلة في أن تعلو المآذن ثانية في سماء تلك البلاد، وفق معاهدة بين الرابطة الإسلامية في مدينة ليدا، بحلول ديسمبر القادم، وبذلك تكون ليدا هي المدينة الأولى في كتالونيا التي تسمح ببناء المساجد.

ليس هذا هو الفتح الوحيد في إسبانيا، لكن كثيرًا من التجمعات الإسلامية الأخرى في البلاد في طريقهم لنفس البشرى، ولم يأت ذلك إلا بعد سنوات من النضال المرير، ففي عام 2005 قام غير المسلمين بإلقاء رأس خنزير في إحدى الأماكن التي اختارها المسلمون لتدشين مسجد.

في هذه الأثناء، تقدم الائتلاف الحاكم في كتالونيا بمشروع قرار إلى البرلمان في ديسمبر الماضي، يلزم الحكومات المحلية بتخصيص أراضٍ للمساجد وأماكن العبادة الأخرى، ويأمل ممثلو الجالية الإسلامية أن يتحول هذا المشروع لقانون قومي.

لكن الرهبان الكاثوليك كان لهم رأي آخر، فالكاردينال لويس مارتينيز سيستاتش، رئيس أساقفة برشلونة، عارض مشروع القانون، الذي يقضي بالمساواة بين الأديان في أحقية الحصول على أراضٍ لأماكن العبادة، مطالبًا بمعاملة خاصة للكاثوليكية.

نقلت صحيفة "ABC" الإسبانية عن "سيستاتش" قوله: "الكنيسة والمعبد والمسجد ليسوا سواء"، كما اعتبر مشروع القانون بمنزلة "الاعتداء على حقنا في ممارسة شعائرنا الأساسية، وهذه تعتبر حرية شخصية".

لكن خبراء القانون والأديان يعارضون هذا الزعم؛ لأن الكنيسة الكاثوليكية الثرية لا تواجه مشكلة في شراء الأراضي لبناء الكنائس.

وما زال أمام المسلمين في أوروبا إجمالاً وفي إسبانيا الكثير من التحديات والصعوبات، كما أن عليهم الكثير من الواجبات لإيضاح رسالة الإسلام الخالدة النقية الصافية ولتعلوا المآذن من جديد في ربوع الأندلس المفقود.

http://www.islammessage.com/articles...id=91&aid=1818