

-
وثمة ملاحظات حول دور العمال في أحداث العنف السياسي
:
أولا: أن انخراط العمال في أعمال العنف المضادة للنظام يعتبر محدودا عند مقارنته بدور الطلبة والجماعات الإسلامية وإن كان يمكن أن يكون أكثر تأثيرا من الناحية الاقتصادية نظرا لدور العمال في العملية الإنتاجية .
ثانيا: أن أحداث العنف التي مارسها العمال غالبا ما جاءت محدودة ومتفرقة وارتبطت ببعض المصالح والمطالب الفئوية ، مثل المطالبة بأجر عن أيام الأجازات وتحسين الأجور والمرتبات والحوافز والخدمات العلاجية وصرف منحة المدارس وذلك خلال عام (1988) ، وإلى جانب ذلك فقد ندد العمال في بعض الأحيان بالسياسات الحكومية وطالبوا بالحد من الغلاء وتوفير السلع ... إلخ.
ثالثا: إن أغلب أحداث العنف التي قام بها العمال جاءت متجاوزة للتنظيمات النقابية المسئولة وخارج إطارها الأمر الذي يعكس ضعف هذه التنظيمات في التعبير عن مطالب العمال وتوصيلها ومن ثم تدني ثقتهم في فاعليتها ويرتبط ذلك بعدم استقلالية هذه التنظيمات وخضوعها للسلطة التنفيذية .
رابعا: أنه يمكن فهم دور العمال في أحداث العنف انطلاقا من ظروف الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بأبعادها المختلفة ( التضخم ، البطالة ، الديون ، اتساع الفجوة بين الطبقات .. إلخ) وما ترتب عليها من مساس خطير بمستويات معيشة قطاعات واسعة من الطبقات العاملة بمصر الأمر الذي أدى إلى تزايد الإحساس بأن بعض المكاسب التي حققها العمال في فترات تاريخية سابقة تتآكل وأن خطط وبرامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي لم يترتب عليها تحسن ملموس في أحوال العمال .
4 ـ بعض القوى والتنظيمات اليسارية
بالرغم من عمليات الاعتقال الجزئية التي تمت ضد بعض القوى والعناصر اليسارية مثل التنظيم الناصري المسلح والتنظيم الشيوعي (المؤتمر) والتنظيم (التروتسكي) تارة بتهم التآمر لقلب نظام الحكم وتارة بتهم التخابر مع دول أجنبية وتارة ثالثة بتهم التحريض والإثارة في صفوف العمال والطلبة .. إلخ .
إلا أنه باستثناء اشتراك بعض العناصر اليسارية في بعض التظاهرات وأحداث الشغب إلى جانب قوى أخرى وباستثناء العمليات التي نفذتها منظمة (ثورة مصر) في القاهرة فإن دور القوى اليسارية لم يبرز في أحداث العنف الشعبي نظرا لضعف قواعدها الاجتماعية فتنظيمات اليسار عبارة عن جماعات محدودة من الطلبة والمثقفين وبعض العمال بالإضافة إلى المحاصرة والمطاردة الأمنية والإعلامية المستمرة لها والتي دفعتها إلى العمل تحت الأرض باستمرار ناهيك عن تشرذم هذه القوى وتعددها وعدم وضوح أطرها الفكرية وأزمة القيادة والتنظيم فيها .
والواضح أن (جبهة اليسار) لم تتجسد في صورة واضحة في الساحة السياسية وهو أمر يرجعه أحد قادة (الحزب الشيوعي المصري) إلى الظروف الخاصة بالناصريين وكذلك ظروف (الحزب الشيوعي المصري) والذي يرى أن التعاون مع أحزاب المعارضة وجماعة الإخوان لا يتناقض مع تحديد الطبيعة الطبقية لكل طرف وانتقاد مواقفه. فحزب الوفد وقمم التيار الديني السلفي (تنتمي إلى البرجوازية الكبيرة التابعة وشريحتها الطفيلية) ومع ذلك فإن الجماعات الدينية والنظام يمتلكان قدرا من التناقض فيما بينهما هو في جوهره نوع من المنازعة على السلطة السياسية في إطار المجتمع الرأسمالي الذي يسعيان لاستمراره .
وقد حدث خلال عام (1988) تطور هام في موقف (الحزب الشيوعي المصري) من جماعات الإسلام السياسي إذ أعلن ضرورة التصدي لنفوذ هذه الجماعات خاصة في النقابات المهنية وبين الشباب بدلا من التهرب من مواجهتها كما كان يحدث من قبل أي أن الحزب الشيوعي المصري انتقد موقفه السابق وأشار مقال منشور في الوعي عدد شهر مارس (1988) إلى أن بعض القوى الاجتماعية والسياسية تلجأ إلى الانحناء أمامه ـ يقصد تيار الإسلام السياسي ـ والرضوخ له والعيش في ظله (حزبي الأحرار والعمل) أو ممالأته ومجاورته ( النظام الحاكم) أو التهرب من مواجهته (الوفد والحزب الشيوعي) .
وأكد المقال أن المواجهة الصحيحة لتيار الإسلام السياسي قد أثبتت أنها ممكنة وقادرة على دفعه للانكماش كما حدث في انتخابات النقابات العمالية .
5 ـ جنود الأمن المركزي
كما سبقت الإشارة كان تمرد جنود الأمن المركزي في فبراير (1986) من أخطر التحديات التي واجهت نظام الرئيس مبارك نظرا لاتساع نطاقها الجغرافي حيث شملت عدة محافظات (القاهرة والجيزة وسوهاج وأسيوط والقليوبية والإسماعيلية) واتساع حجم المشاركين فيها وزيادة حدة أعمال العنف المستخدمة خلالها ويظهر ذلك من خلال أعداد القتلى والمصابين وحجم الخسائر التي نجمت عن هذه الأحداث والأهم من ذلك هو ظان هذه القوات هي المسئولة عن حماية النظام وتأمينه تتمرد عليه .
ونظرا لخطورة هذه الأحداث فقد تم إعلان حظر التجول بالقاهرة وعطلت الدراسة بالمدارس والجامعات ولأول مرة منذ تولي الرئيس مبارك السلطة تم استدعاء وحدات من الجيش لإنهاء التمرد والسيطرة على الموقف .
ولقد كانت هذه الأحداث بمثابة تعبير عن الاحتجاج والغضب لدى جنود الأمن المركزي كشريحة اجتماعية ينتمي أغلب أفرادها إلى الطبقة الدنيا وكلهم أميون ويعانون من سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية (فالمرتبات ضعيفة والعمل شاق والمعاملة سيئة من قبل الضباط) ناهيك عن التناقضات والإحباطات التي يشعرون بها لدى مشاهدتهم بعض رموز الثراء والبذخ وبالرغم من ذلك فإن النظام تمكن من احتواء هذه الأحداث وبدأ في المراجعة الموضوعية للظروف الاقتصادية والاجتماعية لهم .
6 ـ يلاحظ غياب دور الجيش في أحداث العنف الشعبي
فلم تحدث أية محاولات انقلابية بل كان الجيش هو الدرع الذي حمى النظام خلال أحداث الأمن المركزي ولهذا عدة دلالات :
أولها: طبيعة ونمط العلاقة بين النظام السياسي والقوات المسلحة فهي علاقة قوامها الولاء والمصادقة خاصة في ظل حقيقة أن كبار ضباط الجيش هم من الفئات غير المتضررة من الوضع القائم (المرتبات والامتيازات والتسهيلات إلخ) .
ثانيهاً: الحرص على تطهير الجيش من كافة الاتجاهات السياسية وغالبا ما تتم هذه العملية من المنبع حيث يستغنى عن خدمة كافة العناصر من ذوي الفكر والنشاط السياسي ويتم استبعاد مثل هذه العناصر في حالة اكتشافها بعد التجنيد .
ثالثها: حرص النظام على ترسيخ وظيفة الجيش المحترف وذلك بإبعاده عن الشؤون السياسية.
7 ـ وأخيرا باستثناء بعض التظاهرات المحدودة التي قام بها الفلاحون في محافظة كفر الشيخ لأسباب اقتصادية فئوية لم تورد الدراسة أي أعمال عنف مارسها الفلاحون خلال الفترة المعينة وليس هنا مجال التفصيل في أسباب ذلك ولكن بصفة عامة يمكن إرجاعه إلى عدة اعتبارات تتعلق بطبيعة المجتمعات الريفية بصفة عامة .
وبإيجاز يمكن القول أن القوى السياسية التي مارست العنف السياسي في ظل حكم الرئيس مبارك هي بالأساس الطلبة والجماعات الإسلامية وإلى حد ما العمال وبعض القوى والتنظيمات اليسارية هذا إلى جانب تمرد جنود الأمن المركزي .
ويطغى عنصر الشباب على التركيب الاجتماعي لكافة القوى السابقة فالطلبة يمثلون القطاع المتعلم من الشباب كما أن متوسط عمر أعضاء اغلب الجماعات الإسلامية النشطة حركيا يتراوح ما بين (20 ـ 35) سنة ولا يشذ عن ذلك قطاعات العمال التي شاركت في أعمال الإضراب والتظاهر كما أنها تمتلك درجة من الوعي السياسي تمكنها من القدرة على التقييم .
ويلاحظ أن أغلب هذه القوى غير مستوعبة في إطار المؤسسات والتنظيمات السياسية والنقابية القائمة ، لذلك فإنها تعمل خارج نطاق هذه المؤسسات وتأتي حركتها متجاوزة تلك الطر المؤسسية .
الفرع السادس
العنف السياسي وأسبابه
بداية لابد من التمييز بين الأسباب الجزئية والمباشرة التي تكون بمثابة الشرارة التي تؤدي إلى اندلاع أحداث العنف والأسباب الهيكلية الكامنة التي تخلقها ويمكن اتخاذ الأسباب المباشرة كمؤشرات للبحث عن الأسباب الهيكلية الأعمق للظاهرة وإذا كان العنف قد ارتبط في بعض الأحيان ببعض المطالب والمصالح الفئوية الضيقة التي تهم قوى سياسية واجتماعية بعينها كالطلبة أو العمال أو جنود الأمن المركزي ..إلخ وبالرغم من أن أسباب العنف في مثل هذه الحالات قد تكون جزئية إلا أنه لا يمكن فهمها إلا في إطار السياق المجتمعي الأكبر .
وانطلاقا من الأسباب الجزئية والمباشرة التي أوردتها مصادر الدراسة لأحداث العنف السياسي في مصر خلال الفترة المعنية يمكن القول بأن هذه الأحداث ارتبطت بمجموعة من القضايا والأسباب العامة التي تعد بمثابة الإطار الأكبر الذي ينتظم الأسباب الجزئية والمباشرة.
ويمكن تقسيمها إلى :
1 ـ أسباب اقتصادية اجتماعية (أزمة التنمية).
2 ـ أسباب سياسية مؤسسية (مشكلة الديمقراطية).
3 ـ أسباب ثقافية قيمية (التغريب القيمي والسلوكي).
4 ـ أسباب تتعلق بالسياسة الخارجية .
1 ـ أسباب اقتصادية اجتماعية
وتتمثل بالأساس في أزمة التنمية بأبعادها المختلفة وإبرازها التضخم والبطالة وتدني مستوى معيشة قطاعات واسعة من المواطنين وعدم التناسب بين الزيادة في الأجور وارتفاع الأسعار وتفاقم مشكلات المواصلات والإسكان.. إلخ ، وأتساع الفجوة بين الطبقات وبروز أنماط استهلاكية استفزازية لدى قلة من المجتمع في الوقت الذي تعاني فيه الأغلبية من المتاعب وزيادة موجة الهجرة من الأرياف إلى القاهرة والمدن الكبرى وفشل الجهاز الإنتاجي والخدمي في المدن في استيعاب المهاجرين الجدد الأمر الذي يدفعهم إلى التجمع على حواف المدن في مناطق الإسكان العشوائي وبذلك يعيشون في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية بائسة ويمثلون ماده خام للعمل السياسي العنيف هذا إلى جانب مظاهر للفساد السياسي والإداري، كما برزت بعض أشكال الانحراف الاجتماعي التي تشكل تحديا للتعاليم الدينية والفضائل الأخلاقية .
2 ـ أسباب سياسية مؤسسية
وتدور أساسا حول مشكلة الديمقراطية وتتخذ عدة أشكال أبرزها استمرار العمل بقانون الطوارئ والقوانين الاستثنائية والتي تشكل قيودا على حقوق وحريات المواطنين، وذلك على الرغم من عدم توافر اتفاق عام بين مختلف القوى السياسية ووجود ما يبرر استمرار العمل بهذه القوانين إلى جانب وجود اختلاف بين الإطار المؤسسي من جانب والحد الاجتماعي والسياسي من جانب آخر.
كما أن ضعف وعدم فاعلية الأحزاب السياسية والتنظيمات النقابية والمهنية والاتحادات الطلابية القائمة وعدم قدرتها على التعبير عن مصالح ومطالب القوى التي تمثلها وضعف قدرتها على التأقلم مع الظروف والمتغيرات الجديدة..إلخ.. كل هذه العوامل تؤدي إلى عجز هذه المؤسسات للقيام بدور الوسيط بين الحاكم والمحكوم بل هي كثيرا ما تكون أدوات تستعملها بعض القوى الرسمية لضبط حركة بعض القوى الاجتماعية ومن هنا تتآكل كل ثقة المواطنين في هذه المؤسسات ولا يكون هناك من طريق أما القوى الفاعلة لتوصيل مطالبها والتعبير عن مصالحها سوى اللجوء للعنف، كما أن الممارسات الاستفزازية لبعض أجهزة ورجال الأمن أحيانا في إطار قانون الطوارئ كلها مثلت عاملا هاما لاندلاع أعمال العنف الشعبي .
3 ـ أسباب ثقافية قيمية
وتتمثل أساسا في زيادة موجة التغريب الفكري والسلوكي في المجتمع الأمر الذي يخلق رد فعل عنيفا من قبل الجماعات الإسلامية المتشددة إلى جانب اهتزاز بعض القيم الأصلية وذيوع قيم دخيلة في سنوات الانفتاح الاستهلاكي تبنتها بعض الفئات الاجتماعية التي حققت مكاسب كبيرة بالإضافة إلى انتشار بعض صور الفساد الاجتماعي والانحراف السلوكي التي كانت موضع نقد وعدم تقبل من قبل بعض التيارات الإسلامية وفي هذا الإطار يمكن فهم اتجاه بعض الجماعات لحرق بعض أندية الفيديو والملاهي الليلية وخروج المظاهرات للمطالبة بمنع الاختلاط ..إلخ.
4 ـ أسباب تتعلق بالسياسة الخارجية
ارتبطت بعض أعمال العنف السياسي ببعض المسائل المتعلقة بعلاقات مصر الخارجية وخاصة علاقاتها مع كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ، فعلى سبيل المثال خرجت مظاهرات طلابية وجماهيرية لتحتج على الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان في عام (1982) وعلى ضرب إسرائيل لمقر منظمة التحرير الفلسطينية بتونس ونددت هذه المظاهرات بالسلوك الإسرائيلي العدواني وطالبت بقطع العلاقات ووقف التطبيع مع إسرائيل..إلخ، وكذلك خرجت مظاهرات احتجاجية على الموقف الأمريكي بخصوص إجبار إحدى الطائرات المدنية المصرية على الهبوط في إيطاليا.. وكان جزء من العنف موجها إلى النظام السياسي المصري لحثه على اتخاذ موقف أكثر صلابة إزاء الولايات المتحدة، وتضمنت الكثير من أعمال العنف والاحتجاج التي مارسها الطلبة وبعض الجماعات الإسلامية خلال عام (1988) تنديدا بالممارسات الإسرائيلية ضد الانتفاضة الفلسطينية وتضامنا مع الشعب الفلسطيني وتضمنت هذه الأعمال في بعض جوانبها احتجاجا على موقف النظام المصري إزاء الانتفاضة.
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة فريد عبد العليم في المنتدى المنتدى الإسلامي العام
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 02-11-2009, 09:49 PM
-
بواسطة فريد عبد العليم في المنتدى المنتدى الإسلامي العام
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 02-11-2009, 09:49 PM
-
بواسطة دفاع في المنتدى المنتدى التاريخي
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 19-08-2008, 03:52 PM
-
بواسطة دفاع في المنتدى المنتدى الإسلامي
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 19-08-2008, 03:52 PM
-
بواسطة *فتاة الإسلام* في المنتدى منتدى الأسرة والمجتمع
مشاركات: 4
آخر مشاركة: 31-01-2008, 11:57 AM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات