.
إلى أخي الفاضل جمال السلفي هذه إجابة السؤال الأول فلحقنا بالثاني
__________________________________________________________
بسمك اللهم لا إله لنا سواك ، ولا نعبد إلا إياك ،
صلي على نبيك الذي أرشدتنا لخلقه بقولك ،
وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ،
بداية ً لا نتهم السائل بالكفر و الإلحاد ، لأننا لم نشقق عن قلبه !!
ولأننا في زمن الفتن ، وقد آمنا برسولنا الكريم الذي أخبرنا بقوله. .
أنه سيأتي زمان يكون القابض فيه على دينه كالقابض على جمر ٍ من نار !!
و بأن الزَمان إذا اقترب ، يُقبض الِعلم و يَسُود الجّهل ويولىَ الأمر لغير أهله . .
ووجهنا بقوله : ( من كان منكم يؤمن بالله واليوم الأخر فليقُل خيرا ً أو ليصمت )
وأمرنا أن نلتمس لإخواننا سبعين عذرا ، و وجهنا بأن الرجل إذا اتهم أخاه بالكفر فقد باء بها أحدهما !! . .
وقرأنا في كتبنا أن رجل سأل الفاروق حتى ضربه الفاروق على رأسه بجريدة كانت في يده مخافة أن يسأله
عن من خلق الله ؟ !! ولم يصلنا أن الفاروق عمر قد ضرب عنق الرجل بالسيف مثلا ً !! ..
هل قال له الفاروق أنت كافر أو ملحد أو قال لا تسألوا أبدا ًعن أي شيء ؟!!
يبدو أننا غير متيقنين بأن الدين الذي بين أيدينا ، فيه جواب لكل سؤال وأن قرآننا العظيم ، فيه شفاء لما في الصدور من جهل وشك وريبه و وسوسة شيطان
لنتجنب أن يغلظ بعضنا على السائل أيا ً كان سؤاله ، ولا نفرق بين سائل المال وسائل العلم !!
ألا نقرأ ( وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ) الذي يسألنا لملء بطنه نرأف به بينما الذي يسألنا لملء عقله ، وتثبيته على الدين ننهره وننبذه ، ونتهمه بالكبائر !!
كيف نبذل المال ما لم يكن هناك سائل محتاج . . وكيف نبذل العلم ما لم يكن هناك سائل محتار !!
أرجو من الإخوان قبل أن يغلظوا القول على الآخر . . أن يسألوا أنفسهم ألم يرد على خاطري مثل هذه الأسئلة . .
فإن كان جوابك بلى . . فكم مرة اتهمت فيها نفسك عندها بالكفر ؟!!
أما إن كنت لم تفعلها أبدا ً فأبشرك بأن قدرك في نفسك أعلى من قدر الخليل إبراهيم والعياذُ بالله . .
فلنرحم أي سائل بسعة علمنا و حلمنا إن كنا نظن في أنفسنا أننا أهل لذلك . .
أخي السائل يقول ما معناه :
كيف يمكن لمن يقع عليه ألوان العزاب المذكورة في القرءآن الكريم ، كيف يمكنه الحركة أو الكلام أو أن يأكل
ويشرب بينما هو يحترق بالنيران ، ويستبعد قيام المعذب بأي شيء مما سبق لاستحالة ذلك ؟!! . .
هذا ما فهمته من السؤال . .
أخي إن من يقرأ القرءآن يجد فيه ما هو أعجب من ذلك . . و لو تدبرنا معانيه ومقاصده لفهمنا إدراك الصورة التي لا تتخيلها لآهل النيران لأنك تحملها على صور مسبقة في خيالك ، ومن دائرة علومك وثقافتك ليس إلا . .
لنقرأ الآية الكريمة التي تقول :
حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [النمل : 18]
أتدري أخي السائل بأن النمل لا يتكلم ، ولكنها إشارات للغة تخاطب يتعارف عليها وهي عبارة عن إفرازات ذات دلالات لتحديد مساراته و لتحديد اتجاهه وكذلك للتحذير إخوانه عند الخط و يستخدم لغة الإشارة وحركات جسدية يقوم بها لإرشاد عشيرته بأشياء عرفنا منها أقل بكثير مما جهلنا وله طرق أخرى لا يعلمها إلا الله . .
إن الله يخاطبنا نحن البشر بالقرءآن ، وبما أن الله قد أحاط علما ً بكل شيء عن مخلوقاته فإنه يعلمنا ما أبدته النملة في قصتها مع سليمان النبي ، وقد من الله على ذلك النبي بمعرفة تلك الدلالات بالفهم لا بالقول الصريح . .
ولنكمل الآيات لتضح لنا الصورة جلية ، تقول الآية التالية :
فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ [النمل : 19]
ربما تقاطعني بقولك : ( ذكرت الآية الأولى قَالَتْ نَمْلَةٌ والثانية فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا ) هذا تصريح واضح بأنها تكلمت فماذا تقول ؟!! . . معك حق ولكن لنجيب أولا ًعلى هذه التساؤلات . .
كم المسافة التي بينها وبين نبي الله سليمان حتى يسمعها ؟ . . كم نملة كانت بوادي النمل عندما حدثت تلك النملة ذويها فلم تختلط أصوتهم بصوتها ؟!!
والسؤال الأهم من ذلك كله هو كيف عرفت النملة سليمان باسمه وتعرفت على جنوده ؟..
وحددت اتجاه قدومهم ؟. . وكيف حددت ما في أنفسهم فقالت وهم لا يشعرون ؟!!
وكأنها تلتمس لهم العذر إن فعلوا !! فهل النملة صاحبة إعجاز أكثر من سليمان النبي . . حتى أنه تبسم ضاحكا ً
ولكن ليس لقولها بالمعنى الظاهر ولكن .. بلسان حالها الذي يفهم تعبيره من حركاتها ..
فكيف لسليمان النبي أن يسمعها حتى ولو كانت تحت قدميه بينما صوت جحافل جيشه من حوله يصم الأذان ؟!!
الموضوع بسيط ولكننا كثيرا ً ما نلجأ لظاهر الكلام فيعينا الفهم !!
إن الله قد رفع لنبيه سليمان صورة تلك النملة فشاهد النبي حركتها وتحذيراتها لعشيرتها .. وفي الحقيقة ما شاهده إلا رؤيا حقه ومباشرة لما يحدث ، فما كان منه إلا أن يفسرها بفهمه وعلمه الذي خصه الله به !!
ورؤيا الأنبياء حق ، وليس كل رؤيا منام ، فرؤيا اليقظة إلهام ، وبفضل ما أنعم الله على سليمان النبي من تفسير حركات الطير والدواب وفهمه لطنطنة أصواتها و لغتها . . فقد مَّن الله عليه بكل هذه العلوم وكان دائم الشكر لله
نتيجة:
ليس كل ما يذكره القرءآن من كلمات مثل ( قال ، قالت ، قلنا ، كلم ، كلمات ، أسماء . . ) تحمل على ظاهرها .
إن الله قد ذكر لنا أقوال لبعض الموتى والشهداء ، بينما نعلم يقينا أن أرواحهم قد فارقت أجسادهم ،
وبما أن اللسان محل الكلم فكيف تكلموا ؟ ..
لما سؤل موسى كليم الله كيف تجد صوت الله عندما يكلمك ، أخبر بأنه أشبه بجر السلاسل على الصخر الأصم
إذن ليست معجزة موسى فقط سماع صوت الله بل القدرة على تحليله وفهمه برغم أن الصوت ليس كلمات مباشره
نتيجة:
إن الله الذي صنع كل شيء عندما يخاطبنا بلغتنا فإنه يترجم لنا عن مخلوقاته الأخرى التي لا نفهم لغتها ،
ولا تتحدث بألسنتنا ، وقد فتح الله على رسله بفهم أمور ترجمها لهم لغويا ً و بفهمها حركيا ً فقرأ قوله تعالى :
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [فصلت : 11]
وبالطبع الآن نفهم أنه ليس معنى قَالَتَا مثل قولنا نحن البشر أو بلغتنا العربية مثلا ً ولكن بمعنى مفهومنا فقط
لنعود لحال من يعذبون في جهنم ، فالله يبلغنا بمفهومنا نحن أن حال هؤلاء يكون هكذا ، ولنضرب مثل يمر علينا كثيرا ً . .
إذا نام أحدنا ثم رأى أسدا ً يطارده ، فسيحاول بالطبع الهرب منه وإن أحاط به وأدركه فإنه يصرخ ويهرول فارا ً منه خشية أن يلتهمه ويهلكه ، وينادي ويستغيث بمن حوله و هو على يقين بأنه نائم و لكنه لا يستطيع اليقظة
فهو في حاجة لمن في الخارج ليوقظه فيتخلص من كابوسه وعندما يستيقظ من نومه يلوم من حوله لأنهم لم يستجيبوا لندائه بأن يقظوه ، فيجيبوه إننا لم نسمع منك شيئا و أنك لم تقل شيئا ً ، وقد صدقوا غير أن الذي كان معه يسمع ويرى ما يرى هو الباري الذي يقول :
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [قـ : 16]
عندما يتكلم الخالق بما يدور في أذهان أهل النيران برغم أنهم يتفحمون فيها قبل أن يتنفسون ، فنعجب ونشك ولا نصدق !!
وما أعطاهم الطعام إلا كنوع أخر من العزاب لا لإشباع جوعهم ، وإن سقاهم فلعزابهم لا ليرويهم ، ذلك لصبره عليهم في الدنيا ،
يخلقهم فينكرونه ، ويرزقهم فيشكرون غيره ، يشفيهم ويعبدون سواه
والله ليس بظلام للعباد فلنقرأ قوله تعالى :
ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ [آل عمران : 182]
مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً [النساء : 147]
ونختم حديثنا بهذه القصة المثيرة:
رجل مسلم له صديق حميم وكما نقول في يومنا هذا ( أنتيم )
ذلك الصديق متردد ومتشكك في كل الغيبيات التي أخبرتنا بها جميع رُسل الله ،
وكاد يشكك صديقه المسلم فيها وفي دينه كله ، إلا أن المسلم صبر واستعان بالله ليثبته على دينه ، وقد كان
ومات الاثنان وحوسبا ، فدخل المسلم الجنة على وعد ربه له وتذكر بعد حين صديقه ( الأنتيم ) ،
وأخذ يسأل عنه أهل الجنة . . وبينما هو جالس مع إخوان له في الجنة يذكر صديقه فيرى عجبا ً!!
ربما سألتني أخي من أين عرفت بهذا وهو لم يحدث بعد فأقول إقراء معي تلك الآية الكريمة التي تخبرنا عن أحوال أهل الجنة:
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ [ 50]
قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ [ 51]
يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ [ 52]
أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِينُونَ [ 53]
قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ [ 54]
فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ [ 55]
قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ [ 56]
وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ [ 57]
أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ [ 58]
إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ [59]
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [60]
لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ [61] الصافات
فاحظر أخي أن تكون مثل هذا الصديق ( الأنتيم ) ،
نتيجة:
إن الناجي في الجنة عندما ذكر صاحبه ، أراه الله موضعه في دهاليز الجحيم ، كما حدث وتجلت صورة النملة لسليمان على رغم بعد المسافات ودقة حجمها بين ذويها ، وكأنه بث مباشر عبر الأثير إلا أنه بواسطة الباري جل في علاه ،
فلا حاجة لشاشة عرض أو أجهزة استقبال !! . .ويتكرر مثل هذا المشهد مع الصالحين والأنبياء في الدنيا ، فما بالنا بأهل الجنة ،
إن وجود جدار فاصل بين الجنة والنار ، وظلمة الجحيم و كثرة أهلها وعمق دركاتها يحول دون العثور من غير شك على شخص ما تسأل عنه ،
إلا أن يأتيك الله بها حيثما أنت وتحضرك رؤيتها عيانا ً بيانا ً ، لذلك كان تعليق المسلم بقوله :
وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ أي يحضر ربي صورتي للجالسين أينما كانوا . .
نتيجة:
إن الشخص الناجي لابد من أن يكون مسلما ً ذلك لقوله تعالى:
وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران : 85]
أن تكون مسلما ً على دين الله ، أولا تكون و أقراء سورة
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون : 1] . . . حتى قوله تعالى:
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون : 6] . فجعل الإسلام دين وما خلا ذلك
دينا ً واحدا ً ، في سورة (الْكَافِرُونَ) انظر لمن توجهت الآيات ؟!!
و كيف جمعت كل الأديان و الأفكار و المعتقدات في خندق واحد
ودين واحد يمهد الطريق إلى جهنم دين (الْكَافِرُونَ) .
أخي السائل اختر لك طريقا ً ، واسلكه فربما عاجلك أجل فأنت في زمن المهلة ، ولا مرد بعد موتك لما أنت عليه الآن . .
حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ [99]
لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [100] المؤمنون
قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف : 108]
واسأل ما شئت ، فكلام ربنا الذي بين أيدينا فيه جواب لكل سؤال ولا حرج في الدين ، فالجهل داء و البراءة منه بالسؤال . .
وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [الأنبياء : 7]
هذا هو ديننا واضح وضوح الشمس في كبد السماء ، فلا يخجل أحد من السؤال ، كما لا يخجل المريض من الطبيب ، ولا نعين الشيطان على إخواننا ، برد أيديهم في أفواههم . .
أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ [الزمر : 9]
و سلامٌ على المرسلين و الحمد لله رب العالمين.
وما توفيقي إلا من عند الله ، وما لم أوفق فيه فمن نفسي ومن الشيطان ،
.
المفضلات