الفرع الثالث

نية الخارج


يشترط لوجود البغي أن يتوفر لدى الخارج القصد الجنائي أي قصد الخروج على الإمام مغالبة بقصد خلعه أو عدم طاعته فإذا كان الخارج لم يقصد من فعله الخروج على الإمام أو لم يقصد المغالبة فهو ليس باغيا..
وعن مسئولية الباغي أثناء المغالبة يقول الأستاذ عبد القادر عودة أن الجرائم التي تقع من البغاة أثناء المغالبة والحرب وإما أن لا تقتضيها حالة الحرب كمقاومة رجال الدولة وقتلهم والاستيلاء على البلاد وحكمها والاستيلاء على الأموال العامة وجبايتها وإتلاف الطرق والكباري وإشعال النار في الحصون وكشف الأسوار والمستودعات وغير ذلك مما تقتضيه ردعهم والتغلب عليهم فإذا ظهرت الدولة عليهم وألقوا سلاحهم عصمت دماؤهم وأموالهم وكان لولي الأمر أن يعفوا عنهم وأن يعزرهم على بغيهم لا على الجرائم والأفعال التي أتوها أثناء خروجهم. (التشريع الجنائي ج 2 ص 198).

فعقوبة البغي عند التغلب على البغاة هي التعزير أما عقوبة البغي في حالة المغالبة والحرب فهي القتال ذلك إن جاز أن نسميها عقوبة وما يستتبعه من قتل وجرح وقطع والواقع أن القتال لا يعتبر عقوبة وإنما هو إجراء دفاعي لدفع البغاة وردهم إلى الطاعة ولو كان عقوبة لجاز قتل البغاة بعد التغلب عليهم لأن العقوبة هي جزاء على ما وقع ولكن من المتفق عليه أنه إذا انتهت حالة المغالبة امتنع القتال و القتل..

والخلاف منحصر في قتل الأسير والإجهاز على الجريح حيث يجيزه البعض ولا يجيزه البعض فإذا انتهت حالة المغالبة فالباغي معصوم الدم لأن البغي هو الذي أباح دمه ولا بغي إذا لم تكن مغالبة ، فعن عبد الله ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله ابن مسعود (هل تدري يا ابن أم عبد كيف حكم فيمن بغى من هذه الأمة؟ قال: الله ورسوله أعلم قال: لا يجهز على جريحها ولا يقتل أسيرها ولا يطلب هاربها ولا يقسم فيئها) ، كذلك يجوز للسلطات مؤاخذة (قاتل الباغي) باعتباره مفتاتا على السلطات العامة وذلك إذا لم تأذن له بذلك..

خاتمة هذا الجزء


ظهر من موضوع البغي أن البغاة تختلف أحكامهم بحسب أحوالهم وأنه في أحوال يجوز للإمام تعزيرهم وفي أحوال أخرى يجوز قتلهم كما في حالة الاشتباك.. والملاحظ أنه في القتل في حالة الاشتباك لا يحتاج لحكم يصدر بالإعدام فهو نتيجة طبيعية لمسلكهم فلا يمكن القول حيال ذلك أن البغاة لهم عقوبة محددة مقدما من الشارع وهي الإعدام لأن الإعدام ليس مقصودا لذاته وإنما هو دفع لشر البغاة وإعادتهم إلى الطاعة..

ولعل طبيعة جريمة البغي هي التي جعلت لها تلك الأحكام التي تتميز عن أحكام الكفار والمرتدين من جهة وقطاع الطريق من جهة أخرى ذلك أن البغاة مفروض فيهم أنه ليس من غرضهم المال ينهبونه والأنفس يقتلونها ظلما ولا السعي في الأرض بالفساد وليست مقاومتهم لأجل الدين في ذاته لأنهم مسلمون ولكن لوقوفهم في وجه صاحب السلطة الشرعية ينازعون السلطة هادفين إلى تغييره لا بقصد الإفساد في الأرض وإنما بتأويل سائغ نحي عنهم وصف الإفساد في الأرض وكان عاملا في تكييف خروجهم تكييفا ينأى بهم عن نطاق الجريمة العادية..

وإذا نظرنا إلى ما يحدث مجرد الخروج مرتبطا بأهدافه نظريا وبعيدا عن واقع الاشتباك الفعلي وجدنا أنه يفتح بابا للفتنة والاضطراب واسعا قد يكون خطره مدمرا، وحسبنا ما تمخضت عنه الفتنة الكبرى من انقسام كلمة المسلمين ثم تناحرهم الأمر الذي أتاح لأعداء الإسلام فرص النفخ في نارها حتى هاجت واشتد هياجها وأصبح المسلمون شيعا وأحزابا..

هذا الواقع الأليم من حصاد التجربة يطمئننا إلى القول بأنه ليس ثمة ما يمنع من وضع عقوبات تعزيرية للخارجين عن السلطة الشرعية..

والمفروض أن صاحب السلطة الشرعية في الدولة الإسلامية يقيم الحكم على نحو ما أنزل الله في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والخروج عليه معصية والمعاصي تواجه بالتعزيرات الملائمة..

كما أنه من المفروض أصلا أنه إن كانت هناك مظلمة لفرد أو جماعة يجب أن تقدم وتناقش وتعالج بما يظهر أنه الحق فإذا لم ينصع الخارجون فهم في هذه الحالة عاصون..