بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين

إخواني و أخواتي في الله.. أحييكم بخير تحية وأقول .. السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
احترت كثيرا قبل وضع هذا الموضوع في أي قسم أضعه من المنتدى.. هل في القسم العام، أم الإسلامي، أم النصراني أم أين.. ولكن حيث أضعه فإنه سيجد القراء المهتمين من المسلمين الصادقين وحتى النصارى المحترمين.. وإنني أرحب هنا بكل المشاركين على اختلاف أديانهم، رغم أنني أتمنى أن يكون للإخوة المسلمين الدور الريادي في هذا الحوار.. وأعتذر للاخوة المشرفين لو وضعت الموضوع في غير مكانه الصحيح..

كيف يجب أن نحاور النصارى وأهل الديانات الأخرى؟؟؟ نحن كمسلمين.. كيف يجب أن نحاور الآخر.. رغم انه يكرهنا ويحتقر ديننا ولا يعترف به ويسخر منه ويعمل دائما على التقليل من شأنه بين الأمم؟؟؟
أسئلة مهمة جدا.. مهمة أكثر مما يعتقد الكثيرون يا إخواني.. بعضنا يأخذ الأمر بسطحية وببساطة ولا يفكر ويتعمق كثيرا في نتائج طريقته في الحوار مع الآخر.. بعضنا فقط يتصرف وفق ما تمليه عليه عاطفته.. إن أساء له الآخر عليه أن يرد بالمثل فقط.. لأنه تألم وشعر برغبة في الانتقام لدينه أو لنفسه أو ربما لهما الاثنين معا.. وهو بالانقياد وراء عاطفته ينسى أنه خسر الكثير.. والأهم أنه أبعد خصمه أكثر وأكثر عن الحق وأغرقه أكثر وأكثر في جهنم..
ما فائدتنا من شتم من شتمنا؟؟؟؟ هل نصرنا الإسلام برد الشتيمة بمثلها أم نصرنا أنفسنا فقط؟؟؟ فكروا وأجيبوا بكل عدل وحيادية.. هل انتقمنا للإسلام أم انتقمنا لأنفسنا فقط؟؟ ما فائدتنا من وصف من شتمنا بأنه "خنزير"؟؟ هل ساعدناه على إتباع طريق الحق؟؟ أم ساعدناه على كرهنا وكره ديننا أكثر وأكثر؟؟ ما يعني أننا ساعدناه على أن يغرق في نار جهنم أكثر وأكثر..
يقول البعض، سامحهم الله، أنه علينا أن نغلظ عليهم بالقول إن أساؤوا لنا حتى يتوقفوا عن الإساءة!!! أقول لكم ها قد فعل بعضنا ذلك وردوا الشتيمة بمثلها وأساؤوا لهم كما أساؤوا لنا ولديننا.. فهل توقف هؤلاء عن السب والشتم؟؟ طبعا لا.. لأن ذلك ليس هو الحل الصحيح. ألا يقول رب العزة في محكم تنزيله: "وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ." [الأنعام: 108].. أليس الأمر من الله صريح هنا بأن لا نسبهم حتى لا يسبوا الله؟؟؟ فلماذا يصر بعضنا سامحهم الله على مواصلة هذا الأسلوب الذي يرفضه الله في مخاطبة الآخرين؟؟؟ ما هي فوائد رد الشتيمة بمثلها؟؟ صراحة يا إخواني إنني أتألم عندما يُسب أو يُشتم نصراني في منتدى إسلامي.. يؤلمني ذلك جدا.. لأن الرسالة التي وصلت إلى ذلك النصراني ليس أن مجرد شخص شتمه .. بل أن الإسلام دين سيء والمسلمون شتامون وعنصريون وقساة ووووو.. وكل هذا غير صحيح. إن كل ما نفعله يراه الآخر على أنه انعكاس لتعاليم الإسلام.. ومسؤوليتنا أن لا نريهم صورة خاطئة عن ديننا.. بل أن نصبر عليهم وعلى أذاهم ونعاملهم بالتي هي أحسن حتى يهديهم الله إلى الحق وهو على ذلك قدير.. قد يقول البعض.. ولكنهم يسبوننا ويسبون ديننا ويعتدون على مقدساتنا... أقول تذكروا قول الله السابق والتالي أيضا، إذ قال ربي سبحانه وتعالى: " لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ" [آل عمران: 186]...
والرسالة واضحة هنا.. قال ربنا أن ذلك الآخر سيُسمعنا أذى كثيرا.. وهو ما يحصل اليوم.. ولم يقل ربي "وإن تردوا بالمثل فإن ذلك من عزم الأمور" بل قال جل وعلا "وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور".. يا إخواني اصبروا واتقوا الله في ردودكم فإن ذلك من عزم الأمور..
ومصداقا لقول الله سبحانه وتعالى قال رسوله وحبيبنا صلى الله عليه وسلم: "من ظلم معاهدًا، أو انتقصه حقًا، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس منه؛ فأنا حجيجه يوم القيامة" [1] ولو تدبرتم يا إخواني في حديث رسول الله هذا لاكتشفتم أشياء مهمة جدا.. إذ يتضح من هذا الحديث النبرة الصارمة والحازمة لرسول الله، وهو يحذر كل مسلم آمن بالله وبنبيه من أمور معينة وهي:
- ظلم غير المسلمين في الدولة الإسلامية.
- انتقاصهم حقوقهم، بمعني أن لا يمنحوا حقوقهم كاملة.
- تكليفهم فوق طاقتهم.
- أخذ شيء منهم بدون طيب نفس.
وأزيدكم ما قاله الإمام القرافي المالكي عن أهل الذمة: " فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة، فقد ضيَّع ذمة الله، وذمة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وذمة دين الإسلام" [2]
فهل مازال بعد كل هذا لنا عذر في رد الشتيمة بمثلها؟؟ لا والله.. لن يكون الشتم إلا انتقاما شخصيا لكل واحد منا تعرض للشتيمة.. ولن يكون انتقاما للإسلام أبدا..
إخواني.. دعوني أعدد لكم الأسباب التي تجعلنا نكون حريصين في تعاملنا مع أهل الذمة من نصارى ويهود وغيرهم.. هناك أسباب كثيرة مهمة جدا تجعلنا نحسن إليهم.. ففضلا عن أوامر نبينا الصريحة هناك فوائد تقتضيها الظروف التي نعيشها والأوضاع المحيطة بنا:
1- هؤلاء قوم يحسبون أنهم على الحق كما نحسب نحن أنفسنا على الحق.. ويحسبوننا نحن على ضلال كما نحسبهم نحن على ضلال.. فإن أسأنا لهم فهم يرون أن قوما على ضلال أساء لهم .. فيزيدهم ذلك تشبثا بدينهم اعتقادا منهم أنهم على الحق وأن ربهم هو أملهم الوحيد في تخليصهم من اعتداءات المسلمين "الضالين".. افهموا هذه النقطة رجاءا فهي نقطة مركزية وغاية في الخطورة.. ولديها تفسيرات في علم النفس.. فكلما شعر أحد أنه مظلوم ومعتدى عليه تشبث أكثر بمعتقداته وتمسك بها فاستحال بعدها إقناعه بغيرها.. بل هذا قد يجعله أكثر تطرفا وتعصبا لموقفه ومعتقده ضد الآخر.. وهذا لن يساعدنا على إنارة بصائر من ضلوا عن الحق. وردنا بالشتيمة سيقنعهم بأننا على دين الباطل ويطمئنهم على أنهم على الحق.
2- النصارى وأهل الديانات الأخرى في بلادنا هم قلة ونحن كثرة.. وإن اعتدوا علينا بفحش القول لا يجب أن نقتدي بهم ونفعل مثلهم.. لأنهم قلة وأي اعتداء عليهم لن يكون عملا شجاعا من طرفنا.. بل إن أي رد منا على اعتداءاتهم قد يرونه عظيما لأنهم قلة وسوف يشعرهم بأنهم مضطهدون ومسلوبي الحقوق والحرية وهذا ما سيجعلهم ينعزلون عن بقية المجتمع العربي، وتتعاظم الهوة بيننا أكثر وأكثر.. وهنا ينقسم مجتمعنا إلى فئات متناحرة ومتناقضة المصالح والأهداف.. كل هذا قد ينعكس سلبا على المسلمين في المجتمعات المسيحية حيث يكونون هم قلة ويتعرضون للمضايقة والاعتداء..
3- هذا الشعور "التلقائي" بأنهم مضطهدون سيجعلهم يبحثون عن منقذ.. أجنبي.. غربي.. سيُفرحه أن يجد الحجج لدخول بلادنا من أجل "إنقاذ" إخوانهم.. ولا تنسوا أن الحروب الصليبية كان من بين حججها إنقاذ المسيحيين العرب من اضطهاد غير موجود من المسلمين لهم.. لا نريد أن يتكرر هذا.
4- هذه الفرقة والكراهية التي ستُخلق لدى الذين يشعرون بأنهم مضطهدون ومظلومون من النصارى العرب ستشجع العمالة والخيانة.. وستحولهم إلى جواسيس يخترقون بلادنا ووحدتنا وينقلون أسرارنا إلى العدو.. هذا ما علينا أن نحرص على عدم حدوثه.
5- هؤلاء الشتامون الذين يعتدون على مقدساتنا.. ليسو أبدا قدوة لنا.. وهذا كاف جدا حتى لا نرد عليهم بالمثل..
6- نحن كمسلمين، ما هو هدفنا؟ ما هي رسالتنا؟؟ ألسنا أصحاب رسالة؟؟ إذن فلا يجب أن نحيد أبدا عن هدفنا ورسالتنا الدعوية، دعهم يسبوا ويشتموا.. ودعونا نصبر ونتقي الله كما أمرنا.. ونحسن إليهم رغم إساءتهم لنا.. وقتها فقط ستتحرك عواطفهم وقلوبهم.. وسيذوب ذلك الجليد الذي أحاط بها.. ويشعرون بدفء أخلاقنا وسيفهمون أن الإسلام هو من جعلنا نعاملهم بلطف.. وقتها ستتم رسالتنا لأنهم سيحبون ديننا.. الأمر الذي سيسهل علينا دعوتهم إلى الإسلام.
7- نحن كمسلمين، ماذا نريد من أهل الذمة؟؟ أن يكونوا معنا أم ضدنا؟؟ هل ساعدناهم على أن يكونوا معنا لو رددنا إساآتهم بمثلها؟؟ هل نسينا أن هناك من يتربص بأمتنا ويتصيد الفرص لتدميرها؟؟ هل من الذكاء أن نوفر لهم الذرائع؟؟ ليس هذا جبنا بل حكمة وذكاء..

إخواني في الله، إنني أشعر بمسؤولية كبرى كمسلم تجاه ديني وأمتي، وإنني لا أستطيع أن أجامل أي مسلم على حساب الإسلام.. لهذا كتبت هذا الموضوع وأسأل الله سبحانه أن يكون خالصا لوجهه وأن يغفر لي أي خطأ... فنيتي نصرة ديني في المقام الأول.. فما كان من التوفيق فهو من الله .. وما كان من خطأ أو تقصير فمني ومن الشيطان..
أشكركم لسعة صدوركم.. ولتفهمكم الرسالة التي أريد أن تصلكم.. وأتمنى أن أجد منكم نقاشا قيما ومفيدا يكون لنا أساسا في التعامل مع الذين يسيئون لنا ولديننا.. هم ليسو قدوتنا ونحن ارفع من أن نرد بالسب والشتيمة..
والسلام عليكم
--------
المراجع:


[1] رواه أبو داود في سننه حديث (3052) في (3/170) ، وصححه الألباني حديث (2626)، و نحوه في سنن النسائي حديث (2749) في (8/25). وعنه أيضًا: "من آذى ذميًا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله" (رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن).
[2] الإمام القرافي، الفروق، ج 3 ص 14 الفرق التاسع عشر والمائة.