السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله خير ما بُدئ به الكلام وخُتِم , وصلى الله على النبي وآله وصحبه وسلم

كثير ما يُحاجج المُسلم النصراني بقول يسوع: «اِصْعَدُوا أَنْتُمْ إِلَى هَذَا الْعِيدِ. أَنَا لَسْتُ أَصْعَدُ بَعْدُ إِلَى هَذَا الْعِيدِ لأَنَّ وَقْتِي لَمْ يُكْمَلْ بَعْدُ» ويُتبعها بقول الكاتب: «وَلَمَّا كَانَ إِخْوَتُهُ قَدْ صَعِدُوا حِينَئِذٍ صَعِدَ هُوَ أَيْضاً إِلَى الْعِيدِ لاَ ظَاهِراً بَلْ كَأَنَّهُ فِي الْخَفَاءِ» .. فيقول أن يسوع قد كذَب على إخوته بأن قال لهم أنه لن يصعد إلى العيد ثم ما لبث أن صعد أخوته فصعد هو الآخر .. والأنكى أنه صعد في الخفاء لا ظاهرًا .. فالقارئ للنص في هكذا صورة يرى وبوضوح أن كاتب الإنجيل ألصق بيسوع تُهمة بشعة إذ أنه كذب على أقرب الناس إليه .. على إخوته .. صحيح أنه أنكرهم عندما أتوا إليه مع أمهم فقال أن تلاميذه «هم أمي وأخوتي!» .. عمومًا يحاول النصراني الرد .. فيجد الرد مثلاً في تفسير القمص تادرس ملطي وينقل فيه عن أوغسطينوس:

عالج القديس أغسطينوس ما يُثار من البعض، لأن السيد المسيح قال لاخوته أنه لا يصعد إلى العيد وتركهم يذهبون دونه إلى أورشليم، لكنه عاد فذهب. يوضح القديس بأن السيد لم يقل أنه لا يصعد إلى العيد وإنما "اليوم". لما كان العيد يحتفل به إلى أيامٍ كثيرةٍ، بقى في الجليل ذلك اليوم ثم صعد إلى أورشليم بعد ذلك. أما غاية ذلك فهو أن اخوته لم يطلبوا أن يذهب معهم في صحبة مشتركة، بل أن يصعد هو أولاً. لكنه كما يقول القديس ظهر كإنسانٍ ضعيفٍ يهرب من المقاومين كما هرب إلى مصر من وجه هيرودس. هكذا تركهم يصعدون إلى أورشليم، وبعد ذلك صعد هو في يومٍٍ تالٍ. يرى القديس أغسطينوس أن السيد المسيح صعد في منتصف العيد بعد أيام كثيرة.
عجيب هو أمر أوغسطينوس هذا!! .. من أين جاء بأن يسوع قال أنه لن يصعد اليوم؟!

يبدو أنه يقصد مقولة يسوع «لست أصعد بعد ουπω إلى هذا العيد» ..

ثم يُكمل ويقول أن يسوع تأخر بضعة أيام ولا أدري أيضًا من أين جاء بهذا .. فالسياق يُخالف هذا المفهوم .. فلا توجد أي إشارة إلى صعود يسوع إلى العيد في مُنتصفه .. وإنما الإشارة إلى ظهور يسوع في منتصف العيد في الهيكل أمام الجميع (يو 7/14)!! ..

وكذلك قد يذهب لتفسير القس أنطونيوس فكري .. فيجده يقول:

والمسيح يقول لإخوته إصعدوا أنتم لتحتفلوا بالعيد كما تريدوا أنا لا أصعد بعد= أي أنا لا أصعد الآن معكم فهو صعد بعدهم لكن لا ليُعَيِّدْ مثلهم أو ليظهر نفسه كما يريدوا بل صعد في الخفاء فهو لا يستعرض قوته ولا يريد إثارة اليهود فوقت الصليب لم يأتي بعد ولاحظ دقة المسيح فهو لم يقل أنا لن أصعد بل أنا لا أصعد بعد= أي لن أصعد الآن.
ثُم يُضيف سيناريو جديد للحكاية من عِندياته محاولاً التوفيق بين أحداث متى التي لم يذكرها يوحنا! وجدير بالذكر هنا أن رواية متى لم يُذكر فيها شيء عن العيد أصلاً .. كما أنه يُذكر فيها حادثة تطهير الهيكل (متى 21/ 12-13) .. تلك هي الحادثة التي ذكرها يوحنا في بداية كرازة يسوع (يو 2/ 14-15) !!! فتأمل تضاربات البايبل المُقدس!!!

الآن ما يهُمنا هو أن الإشارة إلى كلمة «بعد» في النص هامة جدًا إذ أنها المَخرج الذي يريده النصارى للتخلص من هذا المأزق الذي يجعل من رب الأرباب كاذِبًا!! .. ولكن ما رأي مخطوطاتنا العظيمة في هذا الموضوع؟!

هل تُوافق المخطوطات المتوافرة لدينا على هذه القراءة أم أن هناك من يعترض عليها؟

الحقيقة أن هناك الكثير!

فنجد مثلاً المخطوطة السينائية .. تقرأ النص كما هو موّضح في هذه الصورة:



أي تقرأ الكلمة «أوك ΟΥΚ ουκ» بدلاً من «أوبو ΟΥ΅ΠΩ ουπω» .. فتجعل النص يقول: « لن أصعد إلى هذا العيد » بدلاً من « لست أصعد بعد إلى هذا العيد » ..

المخطوطة السينائية تجعل من الرب يسوع كذّابًا مُخادعًا .. فهل تقبل بها عزيزي المسيحي؟!


وكذلك المخطوطة بيزا فتقرأ:



وهكذا أخي الكريم فإن المخطوطة بيزا تفعل نفس الشيء .. فجعلت من يسوع كاذبًا وحاشاه أن يكون كذلك!!!

وهاتان مخطوطتان تنتميان لعائلتين مختلفين من المخطوطات ..

وبالمثل فعلت عدة مخطوطات أخرى .. وهي:

المخطوطة K والمخطوطة باي والمخطوطة إم والمخطوطات 1071 و 1241 و اللاتينية والسيريانية السينائية والسيريانية الكوريتونية والقبطية البحيرية والأرمينية .. وينبغي ههنا أن نقول أن كل من جريسباخ وتشاندروف وترجليس وألفورد ونستل وآلاند أقرّوا القراءة «لن أصعد إلى هذا العيد» أما ويستكوت وهورت فأكتفيا بوضعها كقراءة مُختلف عليها!!

وعلى الجانب الآخر المخطوطات التي حسّنت الوضع المزري .. وبعضها في الحقيقة أقدم .. ولكن يبدو أن القراءة الأحدث لدينا ههنا هي الأصح للأسباب التي ستأتي:

المخطوطات هي البرديتان 66 و 75 و والمخطوطة الفاتيكانية وL وT وواشنطن وX وثيتا وابساي و070 و 070و 0105و 0250و f1وf13و1071 وf وq والسيريانية البسيطة والفلسطينية والقبطية الصعيدية والترجمات القوطية.

ويقول بروس متزجر أن القراءة «أوبو» ظهرت في وقت متقدم (تُصدق عليها البرديتان 66و75) لتُسكِّن (تخفف) التضارب بين العددين 8 و 10. [A TCGNT, Bruce M. Metzger, 4th revised Ed. P. 185]

لكن ما الذي يجعلنا نقول بأن القراءة الموجودة في المخطوطات الأحدث - لا أقصد بالأحدث هنا بأنها متأخرة كثيرًا .. بل إن منها ما يعود للقرن الرابع وإنما هي أحدث بالنسبة للبردية 66 مثلاً - هي القراءة الأصح والأدق؟!

أقول وبالله التوفيق أن الإتجاه العام لمحاولة النُساخ تصليح أخطاء السابقين لهم يتجه إلى تغيير القراءات الصعبة التي تجعل النص مُزعِجًا للقارئ - كما هي الحالة في هذا النص- وتحويلها إلى قراءة مألوفة لا يستغربها القارئ .. فيحاول الناسخ أن يعيد تشكيل النص ليوافق ما يراه صالحًا .. كأن يُغير صيغة الصلاة الربانية التي في لوقا لتوافق صيغة الصلاة الربانية في متى .. أو يغيّر كلمة «أشعياء» في إفتتاحية مرقس بكلمة «الأنبياء» حتى لا يضع كاتب الإنجيل في موقف حرِج .. وعلى هذا الدرب قد ساروا .. لكن لا يحدث مثلاً أن أحد النُساخ يُقدم على تغيير قراءة صحيحة هي في واقع الأمر تحُل الإشكالية القائمة .. ليضع مكانها قراءة جديدة تجعل من معبوده كاذبًا!!!

ألا تروا أن هذه الحجة أقوى من كون بعض البرديات أقدم من القراءة التي تجعل من يسوع كذابًا؟!

وهذه الحُجة ليست بالمُبتدعة في هذا المجال .. بل يحتج بها بارت إرمان على صحة قراءة مُرقس 1/41 في المخطوطة بيزا .. إذ يقول النص في التراجم العربية: فَتَحَنَّنَ يَسُوعُ وَمَدَّ يَدَهُ وَلَمَسَهُ وَقَالَ لَهُ: «أُرِيدُ فَاطْهُرْ».

غير أن المَخطوطة بيزا تقرأ النص «فغضب يسوع» أو لنقل «فاستشاط غضبًا» !!!

واستدل أولاً على صحة هذا الرأي بأن الناسخ في الغالب لا يُغير القراءة السهلة مثل «فتحنن» ليجعلها «فغضب» .. بل قد يحدث العكس .. ولذلك رجّح كون هذه القراءة مُقدمة على المخطوطات الأقدم من بيزا!!

كما قال أنها تتفق مع السياق التالي من حيث إنتهار يسوع لهذا الرجل!! .. فلا يستوي التحنن عليه مع الإنتهار فجأة هكذا .. وإلا كان هذا المُتحدث مُصابًا بمرض عصبي عافانا الله وإياكم!!!

وللمزيد حول هذا الأمر والعديد من الإثباتات الأخرى يُراجع الفصل الخامس في كتاب «تحريف أقوال يسوع: من حرّف الكتاب المقدس ولماذا؟ » ترجمة الحبيب كرم

كما يحتج بها الذين يريدون إثبات أصولية مقولة «الذي هو في السماء» في يو 3/13 .. إذ أنها القراءة الأصعب .. ولكن هذا لا يستقيم في هذا الوضع إذ أن القراءة هنا تتعلق بشيء كَثُر فيه التحريف وثبت بما لا يدع مجالاً للشك .. وهو التحريف من أجل تأليه يسوع! .. فالأمر ظاهر واضح جلي .. فإن كانت صعبة إلا أنها مُضافة كما صرّح بذلك بروس متزجر وقال أن غالبية اللجنة قد فضّلت حذف «الذي هو في السماء» واعتبرتها إضافة تفسيرية تُقدم تعليمًا كريستولوجيًا متطورًا!!! [A TCGNT, Bruce M. Metzger, 4th revised Ed. P. 175]

هكذا أحبتي في الله نرى أن هذه الحجة من حيث كون القراءة الأصعب في الغالب تكون هي الأوثق وإن كانت متأخرة بعض الشيء - وأكرر لا أقصد بالتأخير هنا أن يأتي أحدٌ ما بقراءة لم تظهر إلا في القرن التاسع مثلاً ليقول هذا الكلام فهذا غير مقبول إطلاقًا وكذلك إن كان الموضوع يتعلق بالكريستولوجي!!!

فهل تؤمن عزيزي المسيحي بالمخطوطات التي تستدل بها على عصمة كتابك المُقدس وهي تقول بأن معبودك كاذِب؟!!!!