" طلوع الشمس من مغربها " (البخاري)
رواه البخاري كتاب تفسير القرآن ، حديث رقم: 4269
حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِد حَدَّثَنَا عُمَارَةُ حَدَّثَنَا أبُو زُرْعَةَ حَدَّثَنَا أبُو هُرَيْرَةَ رَضِى اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنَ مَن عَلَيْهَا فَذَاكَ ( حِينَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَم تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ) " .

روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في العلامات الكبرى للساعة:
" إن أول الآيات خروجًا طلوع الشمس من مغربها, وخروج الدابة على الناس ضحى ، وأيهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريبا "
(صحيح مسلم) :5234
وكان أعداء الإسلام من الدهريين عربًا وعجمًا ومستشرقين يستبعدون طلوع الشمس من مغربها ، قائلين : إن الشمس منذ أن أدركها الإنسان وهي تطلع عليه من المشرق وتغيب في المغرب ، وكانوا لا يتخيلون قوة على وجه الأرض ، أو في صفحة الكون يمكنها إحداث مثل ذلك التغيير الهائل في شروق الشمس وغروبها.
ولكن منذ سنوات قليلة بدأ علماء الأرض في استقراء مناخات الأرض في الأزمنة الغابرة كما هي مدونة في جذوع النباتات ، وفي هياكل الحيوانات ، وفي رسوبيات كتل الجليد التي زحفت على اليابسة من قطبي الأرض ، ومن قمم الجبال ، وفي مختلف أنواع الرسوبيات البحرية والقارية ، وفي بقية صخور الأرض ، وما تحتويه من بقايا الحياة خاصة حبوب اللقاح الخاصة بالنباتات والتي تحفظ بأعداد هائلة في كافة الرسوبيات والصخور الرسوبية ، وتكثر بشكل واضح في رسوبيات البحيرات ودالات الأنهار وشواطئ البحار ، وكثيرًا ما يقطع تلك الرسوبيات أسطح جفاف انحسرت عنها المياه لتراجع البحار أو ندرة الأمطار، وتحتفظ تلك الأسطح بمعادن تعكس صورة كاملة عن تركيب كل من الغلافين الغازي والمائي المحيطين بالأرض ، ودرجة حرارة كل منهما ، ودرجة حموضته ، وكل من الحلقات السنوية في سيقان النباتات ، وخطوط النمو في هياكل الحيوانات تمثل سجلاً رائعًا للتغيرات المناخية التي تدون فورًا وبدقة بالغة في كل منهما .

وفي دراسة حديثة للتغيرات المناخية كما هي مدونة على الحلقات السنوية مكونة من أعداد كثيرة من الحلقات تمثل الفصول المناخية الأربع ( الربيع ، والصيف ، والخريف ، والشتاء ) وشهور السنة الاثنى عشر ، وهي شهور قمرية ، وعدد الأسابيع في كل شهر قمري ، والأيام السبع من كل أسبوع ، والليل والنهار في كل يوم .
وفي غمار هذا المبحث لاحظ الدارسون زيادة عدد أيام السنة زيادة تقادمها ، وأدركوا أن التفسير الوحيد لتلك الزيادة في عدد أيام السنة مع تقادم الزمن هو تزايد سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس ، هذه السرعة التي تزيد من عدد كل من الأيام والأسابيع في السنة ، وتقصر من طول اليوم (بليله ونهاره) مع بقاء عدد الفصول والشهورفي السنة ثابتًا. وبرسم أعداد كبيرة للمنحنيات الدالة على عدد أيام السنة في العصور الجيولوجية المختلفة مع الزمن اتضح أن عدد أيام السنة عند بدء خلق الأرض كان أكثر من ألفي يوم ، وأن طول الليل والنهار معًا كان أقل من أربع ساعات ، ويعجب الإنسان من هذه الإشارة القرآنية المبهرة إلى تلك الحقيقة الكونية الثابتة من قبل ألف وأربعمائة من السنين ، والإنسان لم يصل إلى إدراك شيء عنها إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين ، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى :
" إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً " .... (الأعراف: 54)
وقد اتضح هذا التناقص المستمر في سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس من دراسة خطوط النمو في هياكل العديد من الحيوانات مثل الشعاب المرجانية القديمة ، وبقاياها في صخور العصور الجيولوجية المتقدمة ، وقد فسر هذا التناقص المستمر في سرعة دوران الأرض حول محورها بالاحتكاك الناتج عن عملية المد والجذر، وهبوب الرياح في الاتجاه المعاكس لاتجاه الدوران, وكلاهما يعمل عمل الكابح (الفرامل) الذي يبطئ من سرعة دوران الأرض حول محورها جزءًا من الثانية في كل قرن من الزمن . وبرسم منحنيات مستقبلية لعملية تباطؤ سرعة دوران الأرض حول محورها اتضح أنه لابد لتلك العملية من أن تجبر الأرض على تغيير اتجاه دورانها الحالي (من الغرب إلى الشرق فتبدو الشمس طالعة من الشرق, وغائبة في الغرب) إلى أن تدور بعكس اتجاهها الحالي فيصبح دورانها من الشرق إلى الغرب فتطلع الشمس من مغربها وهذا من العلامات الكبرى للساعة ومن نبوءات المصطفى صلى الله عليه وسلم. التي كان كثير من أعداء الإسلام يستبعدون حدوثها ، فإذا بالعلوم الكونية تثبت إمكانية ، بل حتمية حدوثها !!!!
وهنا يلزم التنبيه إلى أن الآخرة لها من السنن والقوانين ما يغاير سنن الدنيا ، ولكن من رحمة الله بنا أن يبقى لنا في سنن الدنيا وشواهدها المادية ما يؤكد على إمكانية حدوث الآخرة بكل مقدماتها وعلاماتها والظواهر المصاحبة لها ، فلا يجوز لعاقل أن يتصور إمكانية حساب وقت طلوع الشمس من مغربها بواسطة معرفة معدلات تباطؤ سرعة دوران الأرض حول محورها ، لأن وقوع الآخرة أمر إلهي لا يحاج إلى سنن أو ظواهر أو تباطؤ في معدلات حركة الأرض ، وصدق الله العظيم إذ يقول:
" يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِ لاَ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ" . .... ( الأعراف : 187)
وصلى الله وسلم وبارك على خاتم الأنبياء والمرسلين الذي أخبرنا عن حتمية طلوع الشمس من مغربها كإحدى العلامات الكبرى للساعة ، وذلك من قبل ألف وأربعمائة سنة ، ثم تأتي العلوم الكونية باستقراء ذلك حقيقة مدونة في أحافير الحيوانات والنباتات ، وهياكل الأحياء منها ، وذلك منذ عشرات قليلة من السنين ، ولا يمكن لعاقل أن يتخيل مصدرًا لتلك المعلومة الكونية المستقبلية من قبل أربعة عشر قرنًا غير وحي الله الخالق الذي أنعم الله تعالى به على خاتم أنبيائه ورسله ، وخيرته من خلقه ، سيدنا محمد بن عبد الله (صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين ).

( منقول )