دراسات سياسية
الدكتور محمد يوفــا للمؤلف
رقم النشرة أثر الفكر الأنغلوسكسوني في تشكيل الذهنية الأمريكية
رقم العدد

أثر الفكر الأنغلوسكسوني في تشكيل الذهنية الأمريكية المعاصرة وتعاملها مع الشعوب: العراق نموذجاً. أثر الفكر الأنغلوسكسوني في تشكيل الذهنية الأمريكية المعاصرة وتعاملها مع الشعوب: العراق نموذجاً.
1-إحتلال انكلترا لأمريكا والمدرسة الأنغلو- سكسونية: كان عام 1783، هو العام الذي ظهرت فيه الولايات المتحدة الأمريكية كدولة مستقلة على الساحة الدولية. عموماً لا يمكننا تجريد تاريخ أمريكا الشمالية – الشرقية من أوربا وخصوصاً من إنكلترا حتى هذه المرحلة التي عيشت بها هذه الحالة. وكانت هذه الجغرافية الاستعمارية تحت رحمة المؤسسات التعليمية والكنائس والمؤسسات السياسية المستوردة من إنكلترا والتي تُحكم بقوانين إنكلترا(1) . تستخدم المستعمرات والجماعات الموجودة في أمريكا من قبل ملكية إنكلترا وهي ملك خاص لشركات مختلفة متخصصة من قبل ملك إنكلترا. جميع الأراضي المسلوبة والثروات هي المُلكية الخاصة للملك الذي يمثل "الإله" في الأرض والملك حائز على سلطة استخدام هذه القوة بكل سخاء من أجل "رفاهية" شعبه ووطنه وأفراد عائلته. مما لاشك فيه بأن الثروة الهائلة، التي تم سرقتها من القارة الأمريكية وتم تحويلها إلى أوربا، عززت القوة الاقتصادية للطبقات الأسبانية والبرتغالية والهولندية والفرنسية والإنكليزية الحاكمة. عدا عن ذلك جعلت هذه القوة المغامرات العسكرية الجديدة وعملية التوسع ممكنة. بالرغم من عدم تحقيق القطاعات الواسعة مكاسب اقتصادية كبيرة خلال المرحلة الأولى، تم إجبار الطبقات الحاكمة على توزيع قسم من الثروات المسروقة نتيجة إرتفاع حدة الحروب الاستعمارية وانتشارها إلى أماكن واسعة. لقد كون الاشتراك "جماعياً" بالاستعمار والاستفادة "مناصفة" من المسلوبات، سياسات الاستعمار الإنكليزي _ الأوربي على أمريكا (2) هذه هي أحد الحقائق الموجودة وراء إظهار الشعب الاحتجاجات "الضعيفة" حيال الولايات المتحدة الأمريكية التي وضعت المفاهيم السياسية – العسكرية ضد الشعب المحلي والرقيق الأفريقي في الداخل والشعوب المختلفة في الخارج حيز التنفيذ وذلك منذ تأسيسها بدون استثناء. فيوجد وراء التعصب والتمييز العنصري "الأبيض" الأوربي المنشأ هذا العامل الهام الذي تطور ضد المجموعات الأجنبية والأقليات الموجودة في بنيتها(3). يجب علينا ذكر الحوادث الثلاثة الهامة لكي نفهم هذا الموقف الذي حدث بتاريخ إنكلترا قبل مغامرة أمريكا. فتقدم لنا هذه المراحل التاريخية الثلاثة معلومات مفيدة لكي نفهم المرحلة التاريخية للتربية الدينية- العنصرية التي تأسست في إنكلترا وتم تصديرها إلى أمريكا. الحادثة الأولى هي الهجرة اليهودية المنظمة الأولى إلى إنكلترا في القرن الثاني عشر. أ. مفهوم "الشعب المختار" والمدرسة البوريتانية: أقامت مجموعة يهودية قليلة العدد في الجزيرة البريطانية. كذلك مثلاً قدمت من فرنسا خلال الاحتلال الفرنسي للجزر البريطانية الذي تم عام 1066 على يد ويليام الملك النورمندي (الفرنسي). أول هجرة يهودية حدثت بشكل منظم إلى إنكلترا كانت في عهد الملك Richard ( 1189-1199) الذي سُمي "قلب الأسد". لقد حقق اليهود الذين انتقلوا إلى الأندلس (منذ القرن السابع والثامن) في عهد تطور الإمبراطورية العربية -الذين كانوا بمثابة جسر بين أوربا الشمالية – الشرقية وسوريا- مكاسب قيمة في مجال التجارة والدبلوماسية. إذ استخدموا مكاسبهم هذه في إعطاء الشكل السياسي والتحويلي لأوربا. و قد اضطر Richard ، الذي شارك بالحملات الأوربية للعودة إلى بلاده دون أن يحقق أطماعه في سوريا ليعطي اليهود امتيازات هامة بهدف الاستفادة من خبراتهم في معرفة المنطقة بشكل جيد. وقد جرت أول عمليات جدية ضد اليهود بسبب الفعاليات المناهضة للكاثوليكية وبسبب ضلوعهم في حبك "المؤامرات والدسائس" ضد البارونات المتضررين من نظام Richard "الاحتكاري". ولكن نتيجة تدخل Richard استمر اليهود بالحفاظ على وضعهم "الخاص". غير أنه تم إخراج قسم كبير منهم من إنكلترا في عهد الملك Edward الأول (1272-1307). قَبِلَ البوريتانيون(4) ، الذين سيطروا على الحياة السياسية في إنكلترا ابتداء من عام 1640، بعودة اليهود مرة أخرى وذلك بعد المحادثات التي أجروها مع زعيم التجمع اليهودي في هولندا Menasehben Israel . وتُصادف هذه المرحلة تحقيق النظام البوريتاني الإنكليزي مكاسب هامة خارج بلادهم. ولا يخفى على أحد الدور الذي لعبه الحاخامات في إنقاذ العديد من الدول الأوربية بما فيهم إنكلترا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر من ظلم كاثوليكية روما وأيضاً إسهامهم في الحركة البروتستانتية. وقد أثبتت المصادر، أنه كان لليهود إسهامات فعالة في الاحتلال الأوربي للقارة الأمريكية الذي بدأ مع رحلات Columbus وخصوصاً في الفعاليات الإنكليزية. فضلاً عن بدء اعتناق التعاليم الإيمانية العرقية، التي تؤمن بأن اليهود شعب الله "المختار" وإنهم عرق "متفوق" والسائدة في العقيدة اليهودية، والمتمثل آنذاك في المؤسسات الدينية – السياسية الإنكليزية ابتداء من القرن الثاني عشر. وقد شكل مفهوم "الشعب المختار" لليهود، الذي انسجم مع السياسات العرقية للسلطات الإنكليزية، أساساً لنشاط الاحتلال الإنكليزي لأمريكا، واستخدم كأسلوب حياة لها على نطاق واسع(5). ب. العامل الديني في المفهوم الاستعماري: وتعد المسألة الثانية من أسس الكنيسة الإنكليزية “Anglican Church” التي وُضعت تحت الرعاية المطلقة للسلطات السياسية – الاقتصادية الإنكليزية المهيمنة. إذ عملت التعاليم التاريخية التقليدية على سيادة مفهوم يؤكد أن الحركة البروتستانتية التي ظهرت على مسرح التاريخ ضد كنيسة روما الكاثوليكية بأنها تمتلك مبادئ سياسية "شعبية" و "تقدمية". بل وتقف أيضاً إلى جانب المظلومين ومع كل أسف لم يخضع هذا الموضوع لأي تقييم علمي. وقد قبلت هذه المفاهيم، التي تفتقر لأي دليل ملموس من قبل بعض الأوساط الأكاديمية بشكل مطلق شريطة أن نقبل حقيقة أن كنيسة روما مرت في مراحل تاريخية متعددة كانت فيها "ظالمة" و "توسعية" و "متعصبة". غير أن إطلاقنا كلمة "تقدمية" لكل حركة تظهر مناهضة لهذه المؤسسة "الرجعية" وضد ما تمثله من قيم سيوقعنا في أغلاط كبيرة. وقد خلق هذا المعنى بروز بعض المؤسسات البديلة ذات الصبغة السياسية الأكثر "رجعية" من سابقتها. وبالرغم من وجود مقولات "تقدمية" و "إنسانية" في لب الطرح البروتستانتي فإن الذين شجعوا الحركة ودعموها بشكل مباشر هم الفئات التي لم تستفد من برامج كنيسة روما القائمة على أساس "السلب والنهب". ومن الجدير بالذكر أن كنيسة روما الكاثوليكية كانت تتقاسم العالم بالشكل الذي تريده انطلاقاً من كونها المرجع الوحيد الأقوى لأوربا من الناحية السياسية والعسكرية والاقتصادية. ويأتي على رأس الدول المستفيدة من ذلك إسبانيا والبرتغال اللتين أثبتتا أنهما مصممتان على "مناهضة المسلمين" ولم تستطع دول شمال-غرب أوروبا بشكل عام وإنكلترا بشكل خاص المشاركة في عمليات " نهب العالم" بالطريقة التي يريدونها. ونتيجة لذلك لم يستطيعوا نيل الثراء الذي يرغبون به. ولهذا اتهموا روما بأنها سبب ذلك فدعموا سراً وعلناً كل فعالية تتشكل ضدها (روما). وكم تليق عبارة جميلة للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه "كلمة حق يراد بها باطل" لوضع إنكلترا آنذاك. وقد تم اتخاذ أول موقف إنكليزي جدي ضد روما حيث قطعت الروابط جميعها من قبل الملك Henry الثامن (1509-1547). وفي الحقيقة لم يكن Henry هذا "متديناً" بل كان مرتبطاً مادياً ومعنوياً بالخرافة الأنغلو-سكسونية التقليدية وكان يدعم الفكرة القائلة " إن السعادة والثراء لا تأتيان من الكنيسة ولا من رجال الدين، بل عن طريق قراءة الإنجيل التي تمثل وجهة نظر John Wycliffe أحد عمالقة الأدب الإنكليزي. وبالرغم من أن Henry "العلماني" الذي أخذ غضب الكاثوليك الموجودين في بلاده بعين الاعتبار، لا يزال يعد نفسه كاثوليكياً ، وتزعم الكنيسة من خلال إعلانه أن الملك هو المخلوق الوحيد الذي يمثل الإله على وجه الأرض. ويدعي بأن "الذات" التي تتزعم الكنيسة روما ليست أكثر من مجرد راهب مسؤول يستولي على ممتلكات الكنيسة الكاثوليكية ويتقاسم المال المسلوب من الكنيسة بين البارونات الإنكليز و"الرهبان" الجدد الذين عينهم Henry في الكنيسة. في الحقيقة ما نشاهده في تاريخ إنكلترا من علاقات بين الدولة والدين يوضح لنا أن الدين استخدم كوسيلة استعمارية وضغط هام بيد السلطة السياسية التي أكدت إفراغ محتوى مفهوم "الدين المسيحي" السماوي، التي قامت به كنيسة روما الكاثوليكية قبل 1200 عام وتحويله إلى عنصر بيد الدولة ضد المجتمع. أما المرحلة التي بدأت مع Henry فهي مرحلة عدم فصل المؤسسات الدينية عن السلطات السياسية خشية تحولها إلى مؤسسات جانبية تعمل على إظهاره وتدافع فيه عن جميع ممارساته بالوساطة والأقاويل الدينية. هذا التاريخ هو في الوقت ذاته تاريخ سرقه ونهب القراصنة الإنكليز أو بعبارة أخرى "الكلاب البحرية الإنكليز" الذين استخدموها بكل فخر واعتزاز ضد السفن الأسبانية التي كانت تنقل ثروات القارة الأمريكية. المسألة الثالثة هي تحويل الفعاليات التجارية الخارجية إلى شركات لفرض السيطرة الاحتكارية. ج. الهيمنة الاحتكارية والقومية البوريتانية في أمريكا: إن الملكة Elizabeth التي تربعت على عرش إنكلترا في الخامسة والعشرين من عمرها (1558-1603) كانت بمثابة مؤسسة للكنيسة الإنكليزية “Anglican Church” . الملكة هي أهم ممثلة للفعاليات الاستعمارية التي خُبزت بسياسات "التعاليم الدينية الإنكليزية " و "الوطن" و"الشعب" و "إنكلترا". هذا المفهوم سيشكل بعد ذلك حجر أساس المستعمرات الإنكليزية في أمريكا. الأسطول الأسباني الذي تحرك من أجل معاقبة إنكلترا في عام 1588م وعودته منهزماً من مغامرة إنكلترا، خلق لإنكلترا الإمكانات الاستعمارية الجديدة ما وراء البحار. فقد قامت الدولة الإنكليزية وإليزابيث كرأس الكنيسة بتنظيم جميع الفعاليات التجارية الخارجية والداخلية بوساطة الشركات الخاصة التي تأسست بإذن منها والتي كانت هي مساهمة فيها.لقد تبنت إليزابيث خطوات أسبانيا ، من مرحلة "الاحتكار" والتحول إلى شركات للتجارة والمؤسسات المالية فمثلت أم الرأسمالية التجارية الإنكليزية. لقد تم تأسيس جميع المستعمرات من دون استثناء من قبل الشركات الخاصة. حيث عدّت جميع الأراضي المحتلة و الأشياء المغتصبة هي ملك الشركات الخاصة وملكية إنكلترا و لا يحق لأي شركة التدخل بشؤون الشركة الأخرى ولا يتم استخدام المنتجات التجارية التي تمثلها هذه الشركة كَ "سلعة" من قبل الآخرين. وهذا ما يذكرنا بأن الشركات الدولية الكبيرة الإنكليزية الأكثر تأثيراً في تلك الفترة: British East Indian Company التي احتكرت تجارة الشاي السيلاني واكتسبت حق نهب الهند، Moscavy Company إذ راقبت الفعاليات الموجودة في منطقة البلطيق وأوروبا الشرقية-الشمالية وآسيا الوسطى و Royal Exchange التي حولت الحياة الاقتصادية الداخلية والخارجية بالقروض و John Cabot مما أسفر عن ذلك ازدهار تجارة الرق و Frankis Drake وقد كان المسؤول عن إدارة عمليات القرصنة و Walter Raleigh المكلف بتأسيس المستعمرات الأولى في شمال أمريكا. وهذه المرحلة هي التاريخ الذي نفذ فيه "الإرهاب" و "التخريب" على يد الدولة وتم التشجيع على ذلك بشكل علني في تاريخ إنكلترا(6). بالرغم من الثروة الهائلة التي جمعتها إنكلترا طوال حكم الملكة Elizabeth ، لقد كان الشعب الإنكليزي يعيش أسوأ الحروب مع الفقر والأمراض الشائعة، ولهذا قامت إليزابيث بإصدار فرمان يتضمن تحويل دعم المنازل الفقيرة من قبل الدولة إلى قانون بغية تحاشي التمرد. فقد قامت الأرستقراطية الإنكليزية، التي زادت غناها ، بتقديم اقتراح ذات صبغة غريبة وذلك كونهم رفضوا تقديم إمكاناتهم للجماهير الفقيرة، من هنا نمت فكرة تصدير "الفقراء" و "المجرمين" إلى مستعمرات خارجية وقد أسفر عن عملية تصدير المشاكل التي مازالت سارية المفعول في يومنا هذا إلى الخارج، بغية الحفاظ على رفاهية "ديمقراطية" الطبقة الحاكمة وإزالة الفقر من الجذر. وقد أسهمت عملية تصدير أوروبا عموماً وإنكلترا خصوصاً، الناس إلى نيوزلندا واستراليا وأمريكا وأفريقيا الجنوبية وفلسطين واليوم إلى قواعد إنكلترا والولايات المتحدة الأمريكية، التي يفوق عددها الثمانمائة قاعدة المنتشرة في العالم، وذلك من اجل مواصلة "الديمقراطية الليبرالية" (!) و "الاستقرار" السياسي الموجود في بلدهم لأنهم يدركون تماماً بأنهم سيضطرون لتحويل سياساتهم اللاديمقراطية وسياسة "السلب والنهب" التي مارسوها في الخارج على شعوبهم في حال فقدوا مستعمراتهم وأسواقهم. نؤكد: إن الحكم الإنكليزي على أمريكا قام على هذين العنصرين الرئيسيين: الرجعية الدينية والسيطرة الاقتصادية الاحتكارية إن ممثلي المدرسة الأنغلو-سكسونية(7)، الذين هم العنصر القائد في تنميط تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، يدافعون عن إله وعد المجتمع الإنكليزي بأمريكا. والتي تمثل إليهم أرض "كنعان". ولهذا استخدم John Winthrop والي ولاية المستعمرة الإنكليزية Massachusetts الكائنة في شمال-شرق أمريكا مفهوم "شعب بلا أرض وأرض بلا شعب" والذي سيستخدم من قبل الصهاينة الأوربيين ضد فلسطين بعد مدة طويلة من الزمن، نفذت من أجل أمريكا وسكانها المحليين في أوائل القرن السابع عشر، حيث قام بالدفاع عن المفهوم التالي : أن السكان المحليين ليسوا مسيطرين على الأرض ولهذا السبب عدّوا بأنهم مرتبطون برباط "طبيعي" بهذه الأراضي وليس برباط قانوني مدني (!) وادّعوا بأن الإله وعد اليهود ببلد "كنعان" (سوريا، لبنان، فلسطين، ومنطقة البحر الأبيض المتوسط الشرقية التركية) وقوة أرض "كنعان الجديدة" الأمريكية للإنكليز نفسها. وقد يتباهى المفهوم "البوريتاني " علناً بأن الإله خلق الأمريكي لكي يكون مسيطراً على العالم وأنه يريد أن يراه "ثرياً" دون غيره. "القوي والثري يكون باقياً دائماً. الرب قوي وأقرب إلى هؤلاء ، ومن يبقى في الأسفل يسحق" وقد اعتمد هذا المبدأ بشكل أساسي دعاة المدرسة البوريتانية. وثبت بعض المؤرخين ممن سعى لإقامة توازنات هامة بين البروتستانتية البوريتانية، والرأسمالية الاحتكارية(8). لقد ظهرت المدرسة البوريتانية في شمال-شرق أمريكا بعدما أخذت المستعمرات الإنكليزية مكانها بشكل مكثف في القرن السابع عشر، إذ ادعت بأنه تم توظيفهم من أجل تأسيس "نظام عالمي جديد" في أمريكا. وقد زعموا بأن المجازر التي قاموا بها ضد الشعب المحلي هي خطوة "تقدمية" ومن أجل تأسيس "حضارة عالمية" جديدة، وكتبوا بأن ما قاموا بفعله هو ضرورة "إلهية" لأن جميع المصادر والمذكرات التي كتبت في ذلك الحـين من دون اســتثناء ، خاصـــة كتـــاب “Of Plymouth Plantation” الذي كتب خلال عام 1630 والذي يعد مرجعاً تاريخياً هاماً عن تلك المرحلة ، يشكل مثالاً هاماً للمشاريع الدينية المتعصبة والتوسعية والعنصرية(9). قام (البوريتانيون) الأنغلو-سكسونيون منذ أن وطأت أقدامهم أرض أمريكا باستخدام الأديان السماوية كورقة بأيديهم معتمدين الإرهاب وسيلة وغاية لتحقيق مآربهم ضد السكان المحليين. لقد تم تنفيذ أبشع الاعتداءات ضد شعوب Cherokee, Narraganset, Peqouts الأكثر حضارة آنذاك في شمال أمريكا. فاعتمدوا سياسة الإبادة متسترين خلف برابرة الدين انطلاقاً من المقولة الواردة في التوراة "إن من يعارض القوة يكون قد عارض إرادة الرب وبهذا يكونوا قد جلبوا اللعنة إلى أنفسهم."(10) إن أول حادثة "وحشية" جرت في منطقة Long Island الواقعة في شمال أمريكا بتاريخ 1630 . حيث تم تخصيص أراض زراعية للقوافل المهاجرة الجديدة التي وصلت من إنكلترا, مطالبين البوريتانيين ترك قراهم ومناطقهم والهجرة إلا أن المحليين قاوموا مطالبيهم فتعرضوا من جراء ذلك إلى مجزرة دموية نفذها John Mason. ولكي يتجنب Mason تعريض مؤيديه لخسائر، عمد إلى حرقه قرية Mistik River بشكل كامل. ومما أكد ذلك ما قاله William Bradfort والي Plymouth المستعمرة الإنكليزية الذي اعتز وبكل فخر بنفي "400 رجل وإمرأة وطفل" و "تقطيع" كل من فر من الحريق بالسيوف الحادة الذي كان الإنكليز يستخدمونها بمهارة عالية: "عملية تأديب العدو ونفيه عن الوجود عملية جلبت معها نتائج إيجابية عسكرياً. إذ تنقلنا هذه العملية للأهداف التي نتمناها بأقل خطورة. لقد كسب Mason نصراً إلهياً. متذرعاً بأن الرب قبل دعاءنا وذّوقنا نصراً معجلاً وبتعبير آخر الرب قهر العدو"(11). ج. التربية البوريتانية العنصرية: يشكل الموقف اللاإنساني الذي اتخذه الأنغلو_سكسونيين عموماً والكنائس الإنكليزية خصوصاً حيال الأفارقة وتجارة الرق المخجلة التي نفذت في أمريكا مئات السنين، مثالاً ذو معنى في فهم التربية العنصرية لهذه المدرسة. إن "ثورة " الولايات المتحدة الأمريكية سقطت من حيث الاعتبار هذا. لقد استمرت العبودية في الولايات المتحدة الأمريكية رسمياً حتى تاريخ 1863 . ومن بعد ذلك تحصنت العنصرية الأمريكية بالقوانين حتى تاريخ 1964. وما زال هناك في الولايات المتحدة الأمريكية منظمة Klu klux klan الإرهابية تشكل خطورة وتهديداً جدياً ضد أي قوى بشرية تعارضها. أصبح المسيح الذي نشر رسالة "السلام" و "المحبة" و "الأخوة"، وتعاليمه قيماً طوبائية في نظر الحركة البروتستانتية الإنكليزية. كذلك فقد رفض البوريتانيون، الذين رددوا الآيات المقدسة والرب باستمرار وبكل فرصة متاحة، قبول جميع الذين ليسوا أنغلو_سكسونيين بأنهم بشر. حملت اسبانيا الكاثوليكية وإنكلترا البروتستانتية، اللتان ما استطاعتا ترقيق المحليين في أمريكا منذ عام 1503 ، ملايين الأفارقة كبديل إلى القارة الجديدة. وبعد تاريخ 1606 قامت المستعمرات الإنكليزية الموجودة في شمال أمريكا باستغلال الرقيق الأسود بشكل منظم في حقول التبغ والقطن بشروط وظروف لا يتقبلها الحيوان. قام Gary Nash المؤرخ الأمريكي الباحث المخضرم في هذا المجال بتثبيت عدد السود الذين تم جلبهم إلى القارة الأمريكية خلال عام 1619 بما يزيد عن مليون. إذ قال Nash إن المحليين كانوا في وطنهم والأوربيون كانوا ضمن بيئتهم الثقافية التي حملوها إلى أمريكا، إلا أن السود الذين خطفوا من إفريقيا حُرموا من جميع هذه الإمكانات وتعرضوا إلى صدمة ثقافية وتخريب نفسي كبير(12) . توفي 50 مليون أفريقي في المستعمرات الأمريكية في مرحلة تأسيس "الحضارة الغربية الحديثة" وذلك في بداية القرن التاسع عشر. ثم اتخذ أعضاء الكنيسة مواقف متناقضة فيما يخص تجارة الرقيق التي تأسست في الولايات المتحدة الأمريكية. وبالرغم من معارضة بعض رجال الدين وبعض المؤسسات الدينية للرق باعتباره "مكروهاً" و "غير مقبول" فإن الكنيسة المهيمنة كانت ضمن هذا العمل قد دافعت عنه(13). وفي شهر شتوي قارص من عام 1741 تم إعدام رجلين وامرأتين من البيض وثمانية عشر رقيقاً أسوداً و حرق ثلاثة عشر آخرين بسبب العمليات المشتركة التي نظمها السود بالاشتراك مع فقراء البيض. من أجل نسف التضامن السياسي الذي بدأ بين الأوربيين البيض "الفقراء" و "الرقيق" الأفريقي قامت السلطات السياسية الإنكليزية المهيمنة على شمال-شرق أمريكا بإصدار قانون خاص يخول الأثرياء الأوربيين البيض تقديم مساعدات مادية للمحتاجين البيض.(14) هـ. ثورة أم ثورة مضادة؟ تعد حروب السنين السبعة، التي انتهت بمعاهدة باريس عام 1763 من أهم الحوادث التي حققتها إنكلترا آنذاك، وفي الوقت ذاته كانت بداية النهاية في تاريخ أمريكا الشمالية حيث قام الإنكليز الذين خرجوا منتصرين من جميع المعارك التي شنوها في أوروبا والهند وأمريكا الشمالية وكندا ضد الفرنسيين، ببسط سيطرتهم على جميع الولايات الشمالية-الشرقية من أمريكا وعلى كامل الضفة الغربية من نهر Mississippi. ويالتراجيدية الأحداث إذ أنه كان للسكان المحليين إسهام كبير في أن تكون هذه الحروب لصالح إنكلترا. فقد ألزمت الضمانات، التي قدمها الملك الإنكليزي George، السكان المحليين بالوقوف إلى جانب "الشر" وبعد الحرب لم تأخذ إنكلترا الوعود التي قطعتها بعين الاعتبار، غير أن التمرد المسلح الذي بدأ بقيادة Pontiac (15) أجبر الإنكليز على العودة إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى. وأصبحت جبال Appalachion التي تفصل بين الولايات المستعمرة الإنكليزية الثلاثة عشر الواقعة في شمال-شرق أمريكا عن منطقة وسط وغرب أمريكا كحدود رسمية. وقد ضمنت إنكلترا ذلك باتفاق رسمي يخولها إنشاء أي وحدة استيطانية "بيضاء" خلف هذه الحدود. إنني أرمي من ذكر هذه الحادثة تقديم تفسير استراتيجي لتلك التناقضات التي شهدتها أمريكا آنذاك. لم تكن التعهدات الإنكليزية التي أعطيت للسكان المحليين هي التي تقف وراء العمليات العسكرية والسياسية التي بدأت ضد إنكلترا من قبل سكان المستعمرات في شمال-شرق أمريكا في عام 1776. إذ طالبت من جديد بالمساحات التي يقطنها السكان المحليين من أجل بناء وحدات استيطانية جديدة لتلبية حاجات مالكي الأراضي الذين يريدون سلب هذه الأراضي الجديدة وكذلك حاجات المغامرين والتجار الذين يبحثون عن الذهب والمهاجرين الجدد القادمين من أوروبا. وطبعاً لا يتم ذكر هذه الحادثة أبداً في الكتب التي تُدَّرس في الجامعات والمدارس الأمريكية. بل أن ما تركز عليه معظم هذه الكتب هو التمجيد بأجدادهم الذين قدموا من أجل خوض نضال مشرف ضد النظام الإنكليزي "الطغياني" ومن أجل "الحرية" و "الديمقراطية" و "الاستقلال" و "حق الشعوب في تقرير مصيرها بحرية". ويتم شرح قصص الأبطال والقيم "الثورية" و "التقدمية" التي كانوا يمثلونها وكأنها حقائق مثبتة. ولم يكن يتجاوز عدد الذين يحاكمون هذا التاريخ محاكمة منطقية أصابع اليد.ومما لا شك فيه فقد كان باستطاعتنا العثور على شعارات "الحرية" و "الثورية" وعلى التأثير العميق للفلاسفة الفرنسيين في التمرد الأمريكي. وأول إجراء هام اتخذته هذه الدولة هو إهمالها لكافة المعاهدات التي أجريت مع السكان المحليين. وبعد أن رفضت أمريكا الحدود المرسومة لها شجعت من جديد على "التوسع" باتجاه الغرب وعلى "الاستيلاء" على الأراضي الجديدة. وأجبر السكان المحليون الذين تعرضوا لمجازر جديدة على الهجرة للمرة الثانية وكانوا ضحايا للممارسات "الوحشية". وباختصار نرى أن المجتمعات المحلية والرقيق الأفارقة والنساء وحتى الأوربيين البيض "الفقراء" لم يستفيدوا من هذه الثورة. ونؤكد بأن "الثورة" الأمريكية أكثر رجعية من السياسات القمعية التي طبقها الإنكليز على المستعمرات. إن هذه الحادثة التي تسوَّق على أنها "ثورة" ليست أكثر من احتجاج الفئات التي لم تحقق مكاسب كبيرة من برامج "النهب والسلب" الإنكليزي. وهي ردة فعل الأرستقراطية الموجودة في المستعمرات والتي تريد المشاركة في الثروات "المنهوبة". إن أكثر من عبر عن ردة الفعل بشكل جميل وصادق هو الشاعر الأمريكي Vechel Lindsay (1879-1931). ففي قصيدته In Praise of Johnny Appleseed التي كتبها في ذكرى John Chapman الذي عبر جبال Appalichian في عام 1921 وتحدى السكان المحليين يقول: حققت الأمة الأمريكية نصرها الحقيقي بعد أن اجتازت جبال Appalichian(16). ويعرف المؤرخ الأمريكي Henry Demarest Lloyd بأن المرحلة التي مرت بها أمريكا بعد الثــورة هي مرحلــة إنشــاء الثراء الاحتكاري ضـد الثراء الجمعي (17)ويؤكــد Mathew Josephson في كتابه الذي نشره عام 1934 والذي تناول فيه تاريخ عائلة Rockefeller التي تعد واحدة من الشركات العالمية الهامة التي أسست الرأسمالية الاحتكارية في أمريكا، على أن عمالقة الصناعة الاحتكارية قد ظهروا على المسرح السياسي-الاقتصادي بعد الحرب الأهلية الأمريكية التي جرت في أمريكا بين عامي (1859-1861) مؤكداً بأن هؤلاء العمالقة لازالوا حتى الآن يقررون مصير البلد. وأما الكاتب الأمريكي Allen Nevins الذي دافع عن عائلة Rockefeller في السِّجالات الحادة التي أجراها مع Josephson الذي وصف هذه الشركات الصناعية بأنها عبارة عن بارونات "لصوص"، فإنه يقول بأن "الوطنيون" أمثال Rockefeller هم الذين "أنقذوا العالم من خطر الشيوعية المستبدة". وهم الذين حولوا المجتمع الأمريكي إلى المجتمع "الأكثر رفاهية" في العالم(18). غير أن Nevins لم يذكر أن المجتمع الأمريكي قد أباد العديد من المجتمعات واستولى على ثرواتها لكي يصبح "ثرياً" بل ولم يريد ذكر ذلك. و. المدرسة البطركية والولايات المتحدة الأمريكية: ظهرت المدرسة البطركية (19)، التي بدأت دخولها إلى الحياة العملية في القرن التاسع عشر، كبديل عن تعاليم الطرائق التقليدية وبديل عن الكنيسة التي لم تلبِ احتياجات السادة الإقطاعيين التوسعية التي بدأت فعاليتها في مستعمرات ما وراء البحار ولكي تلبي حاجات الأرستقراطية التجارية. وراحت تفسر ما لم تستطع التعاليم "المقدسة" تفسيره باستخدام المعطيات العلمية-المادية، بتشجيع الإصلاحات الهامة في الحياة العلمية والاقتصادية والصناعية. ولكن لم يكن في برامجها أي مكان للمرأة أو للزنوج الرقيق أو للسكان المحليين أو للآسيويين أو للأوربيين "البيض" الفقراء. وتدافع عن ضرورة امتلاك الطغمة التجارية المسلحة بالعلم لكافة الوسائل والإمكانات . وتسيطر على مقولاتها عبارة تفوق العرق الأنغلو-سكسوني. ويؤمن George Bankraft الذي درس التاريخ في ألمانيا عام 1920 بأنه يقع على عاتق العرق الأنغلو-سكسوني مهمة تاريخية خاصة. لقد كُلِّفت الشعوب الأنغلو-سكسونية بمهمة نشر الديمقراطية في العالم. إذ أن المؤسسات الديمقراطية التي ستقام بقيادة الأنغلو-سكسونيين ستؤمن تدريجياً الحرية الكاملة لكافة أنحاء العالم. وقد أعد الرب مشروعاً لهذه الغاية. وتنص هذه الخطة على خلق الشعب المتفوق على يد الشعوب الأنغلو-سكسونية والديمقراطية الأمريكية. (20) ويدعي المؤرخ الأمريكي Frankis Parkman الذي يدافع عن فكرة مفادها أن الجماهير "كسولة وبليدة" بإصرار على أن الأنغلو-سكسونيين الممثلين للقيم البروتستانتية ويؤمنون بالديمقراطية والنزعة الفردية متفوقين في كافة المجالات على الفرنسيين الكاثوليك المستبدين الاشتراكيين الذين يؤمنون بالنـزعة المركزية.(21) لا ترفض هذه المدرسة الكنيسة والطرائق الدينية بل تؤكد على عدم إهمالها كأساليب جيدة لتحقيق الأهداف الاقتصادية. ويؤمن المنطق الذي تمثله هذه المدرسة بعمق برجال العلم مثل Galileo الإيطالي و Johnnes Kepler الفلكي الألماني والفلاسفة الفرنسيين Descartes و Rousseau و Voltaire ورجال العلم الإنكليز Newton و Darwin والفيلسوف الإنكليزي John Lock . الإدارة الأمريكية في يومنا هذا ليست إلا صورة عن هذه المدرسة في القرن الواحد والعشرين. نشاهد بأن السياسات الأمريكية لم تعد تتجاوز هذا المفهوم وما زلنا نشاهد تأثيراته العميقة. بالرغم من تعرض المفهوم الاقتصادي الاجتماعي السائد، الذي تمثله هذه السلطات ومعظم الإدارات الأمريكية، إلى انقطاعات في بعض المراحل بالداخل والخارج، بقيت معظم السلطات الأمريكية تحت تأثير تعبيرها الاقتصادي والتربية الإيديولوجية للمدارس "الانغلو-سكسونية " و "البوريتانية" و "البطركية". إن معظم القوى الاقتصادية-السياسية المسيطرة في الولايات المتحدة الأمريكية بما فيها إدارة George W. Bush ينطبق عليها هذا المفهوم الأكثر رجعية والأكثر تعصباً في الطرائق اليهودية والبروتستانتية ويجب أن لا نستغرب الوضع الذي هم فيه الآن. ومن إحدى المواضيع التي يجب علينا ذكرها بأن التعاليم الأنغلو-الأمريكية كعناصر متممة للمدرسة الأنغلو-سكسونية تسلطت على الساحة الدولية قبل وبعد الحرب العالمية الأولى ولكن خاصة عشية وخلال الحرب العالمية الثانية(22). تم مناقشة مفهوم التاريخ "الرسمي-(التقليدي)" و "التعديلي" و "الواقعي" الذي أخذ مكانة المدارس التقليدية والمؤسسات الأكاديمية في القرن العشرين، بجدل حاد عملت الولايات المتحدة الأمريكية على تسويق خطة "حق الشعوب في تقرير مصيرها" التي أعلن عنها الرئيس Wilson بأسلوب يتناسب مع سياساتها التوسعية خلال الحرب العالمية الأولى. ووضعتها على جدول أعمالها من أجل تصفية الإمبراطوريات الأخيرة التي شهدها العالم. لقد قدمت الولايات المتحدة الأمريكية بديلاً واحداً ضد "الفاشية" أولاً وضد "الشيوعية" بعد ذلك للعالم فور انتهاء الحرب العالمية الثانية . كما أوصى المفهوم المعروف بتعاليم ترومان شعوب العالم إما أن يكونوا بجانب الولايات المتحدة الأمريكية التي تقدم أسس "الحرية والديمقراطية" و "السوق الحر" أو إما أن يعيشوا تحت قبضة مجموعة الدول السوفيتية التي تمثل "الديكتاتورية" و "الظلام" وذلك بأسلوب "التهديد". إن إدارة الولايات المتحدة الأمريكية في يومنا هذا تفرض على العالم أضيق أشكال هذا المفهوم ألا وهو "إما أن تكون بجانبي أو إما أن تكون بجانبي". من الملاحظ أنه تم إعداد مشاريع "نظام جديد للعالم" التي بدأت مع الاستيلاء على أمريكا، بشكل أكثر تخطيطاً وأكثر نظاماً وأكثر فعالية بغية تشكيل رأي عام في الولايات المتحدة الأمريكية وبغية التوجه نحو التطلعات الخارجية. وقد تم تعزيز الأسلوب، الذي لم يتغير من حيث المبدأ، بوسائل جديدة، ولقد تم تأسيس المؤسسات التعليمية الخاصة التي تمثل نظرتهم الكونية، وشبكة إعلامية قوية وقوة عسكرية مزودة بأحدث منتجات التكنولوجيا ووحدات استخباراتية مدعومة بميزانية تقدر بمليارات الدولارات وطرائق كنائس دينية جديدة وبالنشاطات التبشيرية، والأهم من ذلك، تم إنشاء مراكز أبحاث استراتيجية لبحث الأسس السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي تربي وتوجه الرأي العام والتي ضمت في بنيتها السياسيين والدبلوماسيين والأكاديميين والصحفيين الأكثر فعالية وكل ذلك من أجل استمرارية سيطرة الشركات الاحتكارية التي بدأت سيطرتها بالتبلور بعد الحرب العالمية الأولى، وكذلك من أجل نقل مراكز الدراسات الاستراتيجية إلى أرض الواقع. ويأتي على رأس هذه المؤسسات التي تستند عليها المدرسة الأمريكية "الرسمية" في قراراتها الداخلية والخارجية: أ.Project for New American Century (PNAC), ب. Council of Foreign Relations (CFR) ج. Washington Institute of Near East Policy (WINEP) د. Rand Corporation هـ. AIPAC الشهيرة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ · مشروع من أجل العصر الأمريكي الجديد ( PNAC ): هي من أهم المؤسسات اللوبية الأمريكية التي تتمتع بعلاقة متينة مع أكبر الشركات الاحتكارية في مجال السلاح والنفط، وتعمل لدى البنتاغون والكونغرس الأمريكي والبيت الأبيض من أجل تبني قرارات مناسبة لمشاريعهم الداخلية والخارجية. وإن نائب الرئيس بوش ديك تشيني والمستشارة السياسية كونزاليزا رايز ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد هم من أهم ناشطي هذه المنظمة. لقد لعبت هذه المؤسسات الناطقة باسم سادة الاحتكارات النفطية والصناعية التي تعد السلاح الأقوى بيد الولايات المتحدة الأمريكية، دوراً أساسياً في الإعداد لمشاريع احتلال العراق وفي توجيه الرأي العام. وتعد هذه المؤسسات التي تعكس المشاريع الاستراتيجية للشركات المتعدد الجنسيات، بخطوتها العريضة مركزاً لإنتاج الحجج والمسوغات المستخدمة في إعادة صياغة الشرق الأوسط بما يتناسب مع احتياجات إسرائيل في بقعتنا الجغرافية. وسنسلط الضوء هنا، بتركيز، على (مشروع العصر الأمريكي الجديد) Project for New American Century الذي له علاقة مباشرة مع العراق. 2. الإمبريالية الأمريكية والفعاليات اللوبية: ظهرت الولايات المتحدة الأمريكية على مسرح التاريخ بشكل فعال عام 1898 . ففي عام 1776 أنشئ الأمريكيون الذين قيموا على أنهم عائق أمام "تطور" النظام الإنكليزي، دولتهم الجديدة. وكان الموقف العدواني الذي اتخذته أمريكا "الثورية" ضد الثورة الفرنسية 1789 مثالاً للطريقة الجيدة (!) التي سددت فيها الدين الذي بذمتها لفرنسا التي أدت دوراً هاماً في نيلها استقلالها. وتفهم هذه الدولة "الشابة" التي عاشت أول تجربة إمبريالية ضد الدول الأوروبية عام 1812 "ولو بشكل متأخر"، لأن المحيط الأطلسي مازال تحت سيطرة القوات الإنكليزية والفرنسية والإسبانية ولهذا فلن تستطيع أن تنشب مخالبها في أوروبا "القديمة " دون أن تدفع ثمناً باهظاً. (23) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مجلس العلاقات الخارجية (CFR ): هو من أهم المنظمات الصهيونية الأمريكية والمؤثرة على صنع القرار السياسي الخارجي الأمريكي ويدافع بقوة عن مصالح إسرائيل وهو مصدر مركزي لتشويه الحقائق حول قضايا ساخنة في الشرق الأوسط ومعادية للقضايا الأمنية العربية.

يتبع