أخلاق النبي محمد صلى الله علية وسلم‏



رحمة النبي - صلى الله عليه وسلم‏‎ -

قال - تعالى -: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً‎ ‎لِلْعَالَمِينَ) (الانبياء: 107‏‎)
وعندما قيل له ادع على المشركين قال - صلى‏‎ ‎الله عليه وسلم - ( إني لم أبعث لعانًا، وإنما بعثت رحمة ) - رواه مسلم‏‎.
قال‎ - ‎عليه الصلاة والسلام -: اللهم إنما أنا بشر، فأيُّ المسلمين سببته أو لعنته،‎ ‎فاجعلها له زكاة و أجراً " رواه مسلم‎.

كان من دعاء النبي - صلى الله عليه‏‎ ‎وسلم -: (اللهم من وليَ من أمرِ أمتي شيئاً، فشقَّ عليهم، فاشقُق عليه، و من ولي من‎ ‎أمر أمتي شيئاً، فرفق بهم، فارفق به‎)
قال - صلى الله عليه وسلم -: (هل ترزقون‎ ‎وتنصرون إلا بضعفائكم) رواه البخاري‎.
قال - تعالى -: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ‎ ‎اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ‎ ‎حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ.. ) (آل عمران: 159‏‎)
وقال‎ - ‎صلى الله عليه وسلم - في فضل الرحمة: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض‎ ‎يرحمكم من في السماء) رواه الترمذي وصححه الألباني‎.
وقال - صلى الله عليه وسلم‏‎ - ‎في أهل الجنة الذين أخبر عنهم بقوله: (أهل الجنة ثلاثة وذكر منهم ورجل رحيم رقيق‎ ‎القلب لكل ذي قربى ومسلم) رواه مسلم‎.‎








أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أهله‏‎:

كان صلى الله خير الناس وخيرهم لأهله وخيرهم لأمته من طيب‎ ‎كلامه وحُسن معاشرة زوجته بالإكرام والاحترام، حيث ‏قال - عليه الصلاة والسلام‏‎ -: ((‎خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)) سنن الترمذي‎.

وكان من كريم أخلاقه‎ - ‎صلى الله عليه وسلم - في تعامله مع أهله وزوجه أنه كان يُحسن إليهم ويرأف بهم‏‎ ‎ويتلطّف ‏إليهم ويتودّد إليهم، فكان يمازح أهله ويلاطفهم ويداعبهم، وكان من شأنه‏‎ - ‎صلى الله عليه وسلم - أن يرقّق اسم ‏عائشة ـ - رضي الله عنها - ـ كأن يقول لها: (يا‎ ‎عائش)، ويقول لها: (يا حميراء) ويُكرمها بأن يناديها باسم أبيها بأن ‏يقول لها: (يا‎ ‎ابنة الصديق) وما ذلك إلا تودداً وتقرباً وتلطفاً إليها واحتراماً وتقديراً لأهلها‎.
كان يعين أهله ويساعدهم في أمورهم ويكون في حاجتهم، وكانت عائشة تغتسل معه‏‎ - ‎صلى الله عليه وسلم - من إناءٍ ‏واحد، فيقول لها: (دعي لي)، وتقول له: دع لي. رواه‎ ‎مسلم‎ .

وكان يُسَرِّبُ إلى عائشة بناتِ الأنصار يلعبن معها‏. ‏ وكان إذا‏‎ ‎هويت شيئاً لا محذورَ فيه تابعها عليه، وكانت إذا شربت ‏من الإِناء أخذه، فوضع فمه‎ ‎في موضع فمها وشرب، وكان إذا تعرقت عَرقاً - وهو العَظْمُ الذي عليه لحم - أخذه‏‎ ‎فوضع ‏فمه موضع فمها، وكان يتكئ في حَجْرِها، ويقرأ القرآن ورأسه في حَجرِها، وربما‎ ‎كانت حائضاً، وكان يأمرها وهي ‏حائض فَتَتَّزِرُ ثم يُباشرها، وكان يقبلها وهو صائم،‎ ‎وكان من لطفه وحسن خُلُقه مع أهله أنه يمكِّنها من اللعب‎.
‎(‎عن الأسود قال: سألت‎ ‎عائشة ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصنع في بيته؟ قال: كان يكون في مهنة‎ ‎أهله، ‏فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج إلى الصلاة) رواه مسلم والترمذي‎.

وعن‎ ‎عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في‎ ‎بيوتهم - رواه أحمد‏‎.
قال - صلى الله عليه وسلم - ( إن من أعظم الأمور أجرًا‎ ‎النفقة على الأهل) رواه مسلم‎.

عن عائشة - رضي الله عنها - قالت (خرجت مع‎ ‎رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره، وأنا جارية لم ‏أحمل اللحم ولم‎ ‎أبدن، فقال للناس: اقدموا فتقدموا، ثم قال لي: تعالي حتى أسابقك فسبقته، فسكت عني‎ ‎حتى إذا حملت ‏اللحم وبدنت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: تقدموا فتقدموا، ثم‎ ‎قال لي: تعالي أسابقك فسبقني، فجعل ‏يضحك وهو يقول هذا بتلك) رواه أحمد‎.

‎(‎وقد روي أنه - صلى الله عليه وسلم - وضع ركبته لتضع عليها زوجه صفية - رضي‏‎ ‎الله عنها - رجلها حتى تركب ‏على بعيرها) رواه البخاري‎.
ومن دلائل شدة احترامه‎ ‎وحبه لزوجته خديجة - رضي الله عنها -، إن كان ليذبح الشاة ثم يهديها إلى خلائلها‎ ‎‎(‎صديقاتها)، وذلك بعد مماتها وقد أقرت عائشة - رضي الله عنها - بأنها كانت تغير من‏‎ ‎هذا المسلك منه - رواه ‏البخاري‎.‎











عدل النبي - صلى الله عليه وسلم‏‎ -:

كان عدله - صلى الله عليه‏‎ ‎وسلم - وإقامته شرع الله - تعالى -ولو على أقرب الأقربين‎.
قال - تعالى -: (يَا‎ ‎أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءِ للّهِ وَلَوْ‎ ‎عَلَىَ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ) (النساء: ‏‏135‏‎)
كان‎ ‎يعدل بين نسائه - صلى الله عليه وسلم - ويتحمل ما قد يقع من بعضهن من غيرة كما كانت‏‎ ‎عائشة - رضي الله ‏عنها - غيورة‎.

فعن أم سلمة - رضي الله عنها - أنها أتت‏‎ ‎بطعامٍ في صحفةٍ لها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، ‏فجاءت عائشة‎... ‎ومعها فِهرٌ ففلقت به الصحفة، فجمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بين فلقتي الصحفة‏‎ ‎وهو يقول: ‏‏(كلوا، غارت أُمكم ـ مرتين ) ثم أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم‏‎ - ‎صحفة عائشة فبعث بها إلى أُم سلمة وأعطى ‏صحفة أُم سلمة عائشة. رواه النسائي وصححه‎ ‎الألباني‎

قال - عليه الصلاة والسلام - في قصة المرأة المخزومية التي سرقت‏‎: (‎‏والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد‏، ‏ ‏لقطعت يدها‏)‏‎.‎









كلام النبي - صلى الله عليه وسلم‏‎ -:

كان إذا تكلم تكلم بكلام فَصْلٍ مبين، يعده العاد ليس بسريع‎ ‎لا يُحفظ، ولا بكلام منقطع لا يُدركُه السامع، بل هديه فيه ‏أكمل الهديِّ، كما وصفته‎ ‎أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - بقولها: (ما كان رسول الله - صلى الله عليه‏‎ ‎وسلم - ‏يسرد سردكم هذا، ولكن كان يتكلم بكلام بيِّن فصل يتحفظه من جلس إليه) متفق‎ ‎عليه‎
وكان - عليه الصلاة والسلام - لا يتكلم فيما لا يَعنيه، ولا يتكلم إلا‏‎ ‎فيما يرجو ثوابه، وإذا كرِه الشيء‏: ‏ عُرِفَ في وجهه‏













أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - مع‏‎ ‎الأطفال‎

وعن انس - رضي الله عنه - قال كان - صلى الله عليه‏‎ ‎وسلم - يمر بالصبيان فيسلم عليهم - رواه البخاري واللفظ له ‏ومسلم‎.
كان - صلى‏‎ ‎الله عليه وسلم - يسمع بكاء الصبي فيسرع في الصلاة مخافة أن تفتتن أمه‏‎.

وكان - صلى الله عليه وسلم - يحمل ابنة ابنته وهو يصلي بالناس إذا قام‎ ‎حملها وإذا سجد وضعها وجاء الحسن ‏والحسين وهما ابنا بنته وهو يخطب الناس فجعلا‎ ‎يمشيان ويعثران فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - من المنبر ‏فحملهما حتى ووضعهما‎ ‎بين يديه ثم قال صدق الله ورسوله(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ‎ ‎وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ ‏عَظِيمٌ) (لأنفال: 28‏‎) ‎نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان فيعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما‎.

خلقه - صلى الله عليه وسلم - في معاملة الصبيان فإنه كان إذا مر بالصبيان‏‎ ‎سلم عليهم وهم صغار وكان يحمل ابنته ‏أمامه وكان يحمل ابنة ابنته أمامه بنت زينب بنت‎ ‎محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي بالناس وكان ينزل من ‏الخطبة ليحمل الحسن‎ ‎والحسين ويضعهما بين يديه









أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - مع‏‎ ‎الخدم‎:


ومع هذه الشجاعة العظيمة كان لطيفا رحيماً‎ ‎فلم يكن فاحشاً ولا متفحشا ولا صخاباً في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن‎ ‎يعفو ويصفح‎.
عن أنس - رضي الله عنه - قال( خدمت النبي - صلى الله عليه وسلم‏‎ - ‎عشر سنين، والله ما قال أف قط، ولا قال لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا); - رواه‏‎ ‎الشيخان وأبو داود و الترمذي‎.

عن عائشة رضي الله - تعالى -عنها قالت ما ضرب‎ ‎رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خادما له ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئا قط إلا أن‏‎ ‎يجاهد في سبيل الله‎.
وفي رواية ما ضرب رسول الله شيئًا قط بيده ولا امرأة ولا‎ ‎خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله - رواه مالك والشيخان وأبو داود‏‎.

عن‎ ‎عائشة - رضي الله عنها - قالت ( ما خير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين‏‎ ‎قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه وما انتقم‎ - ‎صلى الله عليه وسلم - لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله ‏فينتقم‎ )








عفو النبي - صلى الله عليه وسلم‏‎ -:

عن أنس - رضي الله عنه - قال ( كان النبي - صلى الله عليه‏‎ ‎وسلم - من احسن الناس خلقًا، فأرسلني يومًا لحاجة، فقلت له والله لا أذهب وفي نفسي‏‎ ‎أن أذهب لما أمرني به - صلى الله عليه وسلم -، فخرجت حتى أمر على ‏صبيان وهم يلعبون‎ ‎في السوق، فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قبض بقفاي من ورائي، فنظرت إليه‏‎ ‎وهو يضحك فقال يا أنس أذهبت حيث أمرتك؟ قلت نعم، أنا أذهب يا رسول الله فذهبت‎ ) ‎رواه مسلم وأبو داود‎.

فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: بينما نحن في‎ ‎المسجد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد،‏‎ ‎فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مَه مَه، قال: قال رسول الله - ‏صلى‎ ‎الله عليه وسلم -: (لا تزرموه، دعوه)، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله - صلى الله‏‎ ‎عليه وسلم - دعاه فقال له: (إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر،‎ ‎إنما هي لذكر الله، والصلاة، وقراءة القرآن) قال: فأمر ‏رجلاً من القوم فجاء بدلو من‎ ‎ماء فشنّه عليه. رواه مسلم‎

تواضعه - صلى‏‎ ‎الله عليه وسلم‎ -:

وكان - صلى الله عليه وسلم - يجيب دعوتهم‏‎ ‎دعوة الحر والعبد والغني والفقير ويعود المرضى في أقصى المدينة ويقبل عذر المعتذر‎.
وكان - صلى الله عليه وسلم - سيد المتواضعين، يتخلق ويتمثل بقوله - تعالى‏‎ -: ((‎تِلْكَ الدّارُ الاَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي‎ ‎الأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ)) [القصص 83‏‎].

فكان‎ ‎أبعد الناس عن الكبر، كيف لا وهو الذي يقول - صلى الله عليه وسلم -: (لا تطروني كما‎ ‎أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ فقولوا عبد الله ورسوله) رواه البخاري‎.
كيف لا وهو الذي كان يقول - صلى الله عليه وسلم -: (آكل كما يأكل العبد وأجلس‎ ‎كما يجلس العبد) رواه أبو يعلى وحسنه الألباني‎.
كيف لا وهو القائل بأبي هو وأمي‎ - ‎صلى الله عليه وسلم - (لو أُهدي إليَّ كراعٌ لقبلتُ ولو دُعيت عليه لأجبت) رواه‎ ‎الترمذي وصححه الألباني‎.
كيف لا وهو الذي كان - صلى الله عليه وسلم - يحذر من‏‎ ‎الكبر أيما تحذير فقال: (لا يدخل في الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر) رواه‎ ‎مسلم‎

ومن تواضعه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يجيب‏‎ ‎الدعوة ولو إلى خبز الشعير ويقبل الهدية‎.

عن انس - رضي الله عنه‏‎ - ‎قال كان - صلى الله عليه وسلم - يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السنخة فيجيب - رواه‏‎ ‎الترمذي في الشمائل‎.

الإهالة السنخة: أي الدهن الجامد المتغير الريح من‎ ‎طوال المكث‎.

مجلسه - صلى الله عليه وسلم‏‎ -

كان يجلِس على الأرض، وعلى الحصير، والبِساط،‎
عن أنس‎ - ‎رضي الله عنه - قال ( ;كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا استقبله الرجل فصافحه‏‎ ‎لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل ينزع يده، ولا يصرف وجهه من وجهه حتى يكون الرجل‎ ‎هو يصرفه، ولم ير مقدمًا ركبتيه بين يدي ‏جليس له) - رواه أبو داود والترمذي بلفظه‏‎.

عن أبي أمامة الباهلي قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم‏‎ - ‎متوكئًا على عصا، فقمنا إليه، فقال لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضًا‎ - ‎رواه أبو داود أبن ماجة وإسناده حسن‎.


زهده - صلى الله عليه وسلم‏‎ -

كان - صلى الله عليه‏‎ ‎وسلم - أزهد الناس في الدنيا وأرغبهم في الآخرة خيره الله - تعالى -بين أن يكون‎ ‎ملكا نبيا أو يكون عبدا نبيا فاختار أن يكون عبدا نبيا‎.
كان ينامُ على الفراش‎ ‎تارة، وعلى النِّطع تارة، وعلى الحصير تارة، وعلى الأرض تارة، وعلى السرير تارة بين‎ ‎رِمَالهِ، وتارة على كِساء أسود‏‎.
قال أنس بن مالك - رضي الله عنه -: (دخلت على‎ ‎النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو على سرير مزمول بالشريط وتحت رأسه وسادة من أدم‏‎ ‎حشوها ليف ودخل عمر وناس من الصحابة فانحرف النبي - صلى الله عليه وسلم - ‏فرأى عمر‎ ‎أثر الشريط في جنبه فبكى فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما يبكيك يا عمر قال‎: ‎ومالي لا أبكي وكسرى وقيصر يعيشان فيما يعيشان فيه من الدنيا وأنت على الحال الذي‎ ‎أرى فقال يا عمر: أما ترضى أن تكون لهم ‏الدنيا ولنا الآخرة قال: بلى قال: هو كذلك‎)

وكان من زهده - صلى الله عليه وسلم - وقلة ما بيده أن النار لا توقد في‏‎ ‎بيته في الثلاثة أهلة في شهرين‎.

عن عروة - رضي الله عنه - قال: عن عائشة ـ‎ - ‎رضي الله عنها - ـ أنها كانت تقول: والله يا ابن أختي كنا لننظر إلى الهلال ثم‎ ‎الهـلال ثـلاثة أهله في شهرين ما أوقـد في أبيـات رسـول الله - صلى الله عليه وسلم‏‎ - ‎نار، قلت: يا خالة ‏فما كان عيشكم؟ قالت: الأسودان ـ التمر والماء ـ) متفق عليه‎.
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبيت‏‎ ‎الليالي المتتابعة طاوياً وأهله لا يجدون عشاءاً، وكان أكثر خبزهم الشعير) رواه‎ ‎الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني‎.

عبادته‎ :

كان - عليه الصلاة والسلام - أعبد الناس، و‏‎ ‎من كريم أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان عبداً لله شكوراً‏‎.
فإن من تمام‎ ‎كريم الأخلاق هو التأدب مع الله رب العالمين وذلك بأن يعرف العبد حقّ ربه - سبحانه‏‎ ‎وتعالى - عليه فيسعى لتأدية ما أوجب الله - عز وجل - عليه من الفرائض ثم يتمم ذلك‏‎ ‎بما يسّر الله - تعالى -له من النوافل، وكلما ‏بلغ العبد درجةً مرتفعةً عاليةً في‎ ‎العلم والفضل والتقى كلما عرف حق الله - تعالى -عليه فسارع إلى تأديته والتقرب إليه‎ - ‎عز وجل - بالنوافل‏‎.

فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رب‏‎ ‎العالمين في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه إن الله - تعالى -قالى: (... وما يزال‎ ‎العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي‎ ‎يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني‎ ‎لأعيذنه... ) رواه البخاري‎.

فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يعرف حق ربه‏‎ - ‎عز وجل - عليه وهو الذي قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر على الرغم من ذلك‏‎ ‎كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ ويسجد فيدعو ويسبح ويدعو‎ ‎ويثني على الله- تبارك وتعالى -ويخشع لله - عز وجل - حتى يُسمع لصدره أزيز كأزيز‏‎ ‎المرجل‎.

فعن عبدالله بن الشخير ـ - رضي الله عنه - ـ قال: (أتيت رسول الله‎ - ‎صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي ولجوفه أزيزٌ كأزيز المرجل من البكاء) رواه أبو‎ ‎داود وصححه الألباني‎.
وعن عائشة ـ - رضي الله عنها - ـ: أن نبي الله - صلى الله‏‎ ‎عليه وسلم - كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول‎ ‎الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: (أفلا أكون عبداً شكوراً‏‎) ‎رواه ‏البخاري‎.
وكان مـن تـمثله - صلى الله عليه وسلم - للقـرآن أنه يذكر الله‏‎ - ‎تعالى -كثيراً، قال - عز وجل -: ((.... وَالذّاكِـرِينَ اللّهَ كَثِيراً‎ ‎وَالذّاكِرَاتِ أَعَدّ اللّهُ لَهُـم مّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيـماً)) [الأحزاب‎ 35].
وقال - تعالى -: ((... فَاذْكُرُونِيَ أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي‎ ‎وَلاَ تَكْفُرُونِ)) [البقرة 152‏‎].
ومن تخلقه - صلى الله عليه وسلم - بأخلاق‏‎ ‎القرآن وآدابه تنفيذاً لأمر ربه - عز وجل - أنه كان يحب ذكر الله ويأمر به ويحث‏‎ ‎عليه، قال - صلى الله عليه وسلم -: (لأن أقول - سبحانه - الله والحمد لله ولا إله‏‎ ‎إلا الله والله أكبر أحب إليَّ ‏مما طلعت عليه الشمس) رواه مسلم‎.
وقال - صلى‏‎ ‎الله عليه وسلم -: (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره، مثل الحي والميت) رواه‎ ‎البخاري‎.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (ما عمل ابن آدم عملاً أنجى له من عذاب‎ ‎الله من ذكر الله) أخرجه الطبراني بسندٍ حسن‎.
كان - عليه الصلاة والسلام - أكثر‏‎ ‎الناس دعاءً، وكان من أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقول: (اللهم ربنا‎ ‎آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) متفق عليه‎.
وعن عائشة ـ‎ - ‎رضي الله عنها - ـ أنه كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل موته‏‎: (‎اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل) رواه النسائي وصححه الألباني‎.

دعوته‎

كانت دعوته‎ - ‎عليه الصلاة والسلام - شملت جميع الخلق، كان رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم‏‎ - ‎أكثر رسل الله دعوة وبلاغـًا وجهادًا، لذا كان أكثرهم إيذاءً وابتلاءً، منذ بزوغ‎ ‎فجر دعوته إلى أن لحق بربه - جل وعلا‏‎ -.

وقد ذكر‎ ‎كتاب زاد المعاد حيث قال أن دعوة النبي - عليه الصلاة والسلام - كانت على مراتب‏‎:

المرتبة الأولى‏: ‏ النبوة‏. ‏ الثانية‏: ‏ إنذار عشيرته‏‎ ‎الأقربين‏. ‏ الثالثة‏: ‏ إنذار قومه‏. ‏ الرابعة‏: ‏ إنذار قومٍ ما أتاهم من نذير‏‎ ‎من قبله وهم العرب قاطبة‏. ‏ الخامسة‏: ‏ إنذارُ جميع مَنْ بلغته دعوته من الجن‏‎ ‎والإِنس إلى آخر الدّهر‏‎
وقد قال الله - جل وعلا - لنبيه - صلى الله عليه وسلم‏‎ -: (‎قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ‎ ‎اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ‎).

وهذا أيضا من أخلاقه - عليه الصلاة والسلام -، ومن أخلاق أهل العلم‎ ‎جميعا، أهل العلم والبصيرة أهل العلم والإيمان أهل العلم والتقوى‎.
ومن‎ ‎ذلك شفقته بمن يخطئ أو من يخالف الحق وكان يُحسن إليه ويعلمه بأحسن أسلوب، بألطف‎ ‎عبارة وأحسن إشارة، من ذلك لما جاءه الفتى يستأذنه في الزنى‎.

فعن أبي‎ ‎أُمامة - رضي الله عنه - قال: إن فتىً شاباً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم‏‎ - ‎فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه فقال‎ ‎له: (ادنه)، فدنا منه قريباً، قال: (أتحبّه لأمّك؟) قال: لا والله، ‏جعلني الله‎ ‎فداءك، قال: (ولا الناس يحبونه لأمهاتهم) قال: (أفتحبه لابنتك؟) قال: لا والله يا‎ ‎رسول الله، جعلني الله فداءك. قال: (ولا الناس جميعاً يحبونه لبناتهم) قال: (أفتحبه‎ ‎لأختك؟) قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: (ولا الناس ‏جميعاً يحبونه لأخواتهم‎). ‎قال: (أفتحبه لعمتك؟) قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: (ولا الناس جميعاً‎ ‎يحبونه لعماتهم). قال: (أفتحبه لخالتك؟) قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: (ولا‎ ‎الناس جميعاً يحبونه لخالاتهم) قال: فوضع يده ‏عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر‎ ‎قلبه، وحصّن فرجه) فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. رواه أحمد‎.

وقد‎ ‎انتهج النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك في دعوته ولطيف أسلوبه للناس كلهم حتى شملت‏‎ ‎الكافرين، فكان من سبب ذلك أن أسلم ودخل في دين الله - تعالى -أفواجٌ من الناس‎ ‎بالمعاملة الحسنة والأسلوب الأمثل، كان ‏يتمثل في ذلك - صلى الله عليه وسلم - قول‏‎ ‎الله - عز وجل -: ((ادْعُ إِلِىَ سَبِيــلِ رَبّــكَ بِالْحِكْـمَةِ‎ ‎وَالْمَـوْعِظَـةِ الْحَسَنَـةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ... )) [النحل‎: 12]

إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أُسيء إليه يدفع بالتي هي‏‎ ‎أحسن يتمثل ويتخلق بقوله - تعالى -: ((... ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا‎ ‎الّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنّهُ وَلِيّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقّاهَا‎ ‎إِلاّ الّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يلقاها إِلاّ ذُو حَظّ ‏عَظِيم)) [فصلت 34-35‏‎]


مزاح النبي - صلى الله عليه وسلم‏‎ -

وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - أن يمازح العجوز، فقد‏‎ ‎سألته امرأة عجوز قالت: يا رسول الله! ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال لها النبي‎ - ‎صلى الله عليه وسلم -: (يا أُم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز، فولت تبكي، فقال‎: ‎أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله - تعالى -يقول: ((إِنّآ أَنشَأْنَاهُنّ‎ ‎إِنشَآءً * فَجَعَلْنَاهُنّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً)) [الواقعة 35 37‏‎] ‎رواه الترمذي في الشمائل وحسنه الألباني‎.
وكان جُلُّ ضحكه التبسم، بل كلُّه‎ ‎التبسم، فكان نهايةُ ضحكِه أن تبدوَ نواجِذُه‏. ‏‎

كرم النبي - صلى الله عليه وسلم‏‎ -
من‎ ‎كرمه - صلى الله عليه وسلم - أنه جاءه رجل يطلب البردة التي هي عليه فأعطاه إياها‏‎ - ‎صلى الله عليه وسلم‎ -

صبر النبي - صلى الله عليه وسلم‏‎ -
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصبر على الأذى فيما يتعلق بحق نفسه‏‎ ‎وأما إذا كان لله - تعالى -فإنه يمتثل فيه أمر الله من الشدة.. وهذه الشدة مع‎ ‎الكفار والمنتهكين لحدود الله خير رادع لهم وفيها تحقيق للأمن والأمان‎..
قال‎ - ‎تعالى -: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى‎ ‎الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ) الفتح: 29‏‎

ومن صبر النبي - صلى الله عليه‏‎ ‎وسلم - أنه عندما اشتد الأذى به جاءه ملك الجبال يقول: يا محمد إن شئت أن أطبق‎ ‎عليهم الأخشبين، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: بل أرجو أن يخرج الله من‎ ‎أصلابهم من يعبد الله وحده لا ‏يشرك به شيئا، والأخشبان: جبلا مكة أبو قبيس‎ ‎وقعيقعان‎.

فقد أخرج ابن سعد عن أنس - رضي الله عنه - قال: [رأيت إبراهيم‎ ‎وهو يجود بنفسه بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدمعت عينا رسول الله‎ - ‎صلى الله عليه وسلم -، فقال: [تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما ‏يرضي ربنا،‎ ‎والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون‎]

تعاون‎ ‎النبي - صلى الله عليه وسلم‏‎ -

قال - عليه الصلاة والسلام‏‎ - ‎‏: ‏ ‏(‏مَنْ اسْتطاع منكم أَنْ يَنْفَعَ أَخاه فَلْيَنْفَعْه‏)‏‏‎.
‎(‎عن ابن أبي‎ ‎أوفى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يأنف ولا يستكبر أن يمشي مع‏‎ ‎الأرملة والمسكين والعبد حتى يقضي له حاجته) رواه النسائي والحاكم‎.



نصيحة لنفسي ولأخوتي‎:

قال - تعالى -: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم‎ ‎الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً *ذلك الفضل‎ ‎من الله وكفى بالله عليماً) [سورة النساء: 69-70‏‎].
وقال - تعالى -: (لقد كان‎ ‎لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً)[سورة‎ ‎الأحزاب: 21‏‎].

فأكمل المؤمنين إيماناً بالنبي - صلى الله عليه وسلم‏‎ -‎،‎ ‎وأعظمهم اتباعا، له وأسعدهم بالاجتماع معه: المتخلقون بأخلاقه المتمسكون بسنته‎ ‎وهديه، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن ‏خلقه‎)).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة‎ ‎أحاسنكم أخلاقا‎)).
وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن من‎ ‎خياركم أحسنكم خلقا‎)).

قال - عليه الصلاة والسلام -: ((ما من شيء أثقل في‎ ‎ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن؛ وإن الله يبغض الفاحش البذيء)). وفي رواية‎: ((‎وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة‎)).

وقال - صلى الله‏‎ ‎عليه وسلم -: ((أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لأهله)). وفي‎ ‎رواية: ((لنسائهم)). وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أحب عباد الله إلى‎ ‎الله أحسنهم خلقا‎)).

وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إن هذه‎ ‎الأخلاق من الله تعالى؛ فمن أراد الله به خيراً منحه خلقا حسنا)). وروي عنه - صلى‏‎ ‎الله عليه وسلم -: ((إن الخلق الحسن يذيب الخطايا كما يذيب الماء الجليد‎)).





‎-------------------------------------
بعض المصادر‎:
‎* ‎مجموع فتاوى ومقالات الجزء الرابع للشيخ ابن باز‎ - ‎رحمه الله‎ -
‎* ‎موقع الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله‏‎ -
شرح الشيخ للحديث‎: ‎السابع والعشرون الأربع النووية‎
كتاب: زاد المعاد
صيد الفوائد‎ ‎