هذا المقال مقتبس عن كتاب (إنزعوا قناع بولس عن وجه المسيح) و لمن أراد الحصول على نسخة من الكتاب فهو متوفر في الموقع www.paulsmask.net . و قد قمت باقتباس الفكرة منه بتصرف.


يبين الله تعالى كيف أسلم الحواريون لعيسى عليه السلام من بين بني إسرائيل فيقول عز من قائل :

فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) (آل عمران)

و يطلب الله عز وجل أن نكون كمثل الحواريين في نصرة دينه و نبيه فيقول:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14) (الصف)

ثم بعد ذلك يأتي كتبة الأناجيل ليقولوا لنا أن أحد حواريي المسيح قد خانه و سلمه لليهود ليصلب!

كيف ذلك ؟

يقول عز من قائل:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) (الحجرات)

و أي فاسق جاء بهذا النبأ؟ إنهم كتبة الأناجيل .. فهل يجوز لنا أن نصدق مزاعمهم و أناجيلهم تقطر كذباً بشهادة أكبر النقاد المسيحيين الغربيين؟ فلا يكاد هؤلاء الكتبة يجتمعون على أمر واحد، فهل نصدق دعواهم في خيانة يهوذا؟

تعالوا لنتدارس الموضوع سوياً محاولين استخلاص الحقيقة من براثن الأناجيل...



سننتقل معاً إلى نهاية الحفلة التي سكبت فيها الخاطئة الطيب على رأس المسيح و مسحت أرجله بشعرها، حيث كان كافة التلاميذ موجودين معه في ذلك الوقت.. دعونا من صحة أو كذب هذه الرواية و لننتقل معاً لنرى ما تقوله الأناجيل:

مرقس [14: 10-11]
و ذهب يهوذا أسخريوط، أحد التلاميذ الاثني عشر إلى رؤساء الكهنة ليسلم إليهم يسوع. ففرحوا لكلامه و وعدوه بأن يعطوه مالاً. فأخذ يترفب الفرصة ليسلمه.

متّى [26: 14-16]
و في ذلك الوقت ذهب أحد التلاميذ الثني عشر، وهو يهوذا الملقب بالإسخريوطي ، إلى رؤساء الكهنة و قال لهم: ((ماذا تعطوني لأسلم إليكم يسوع؟)) فوعدوه بثلاثين من الفضة. و أخذ يهوذا من تلك الساعة يترقب الفرصة ليسلم يسوع.

لوقا [22: 1-6]
و قَرُب عيد الفطر الذي يقال له الفصح. و كان رؤساء الكهنة يبحثون عن طريقة يقتلون بها يسوع لأنهم كانوا يخافون من الشعب. فدخل الشيطان في يهوذا الملقب بالاسخريوطي، و هو من التلاميذ الاثني عشر. فذهب و فاوض رؤساء الكهنة وقادة حرس الهيكل كيف يسلمه إليهم. ففرحوا و اتفقوا أن يعطوه شيئاً من المال. فرضي و أخذ يترفب الفرصة ليسلمه إليهم بالخفية عن الشعب.

يوحنا ؟؟ للأسف لم ينزل عليه الوحي بذلك !!


و عند قراءتنا لهذه النصوص فإننا نلاحظ التالي:

1- كان يهوذا الاسخريوطي أحد تلاميذ المسيح الاثني عشر. فلو أنه خطط لتسلميه لكان الموضوع سراً وما عرف به باقي الحواريين . فكيف لهم أن يعرفوا أين ذهب و ماجرى من حديث بينه و بين رؤساء الكهنة و ما اتفقوا عليه ، في حين أن أحداً من التلاميذ لم يخرج ليتبعه؟

2- ختم لوقا قصة الخاطئة في إصحاحه السابع دون ذكر لأي شيطان دخل في يهوذا ثم جاء بعد /16/ إصحاحاً فيتذكر ذلك و يقول أن الشيطان دخل في يهوذا قرب عيد الفصح! إن هذه حجة عليه و ليست له، فالذي أخرج الشياطين من الناس [متى 10: 1-4] ألا يعرف أن يخرج الشيطان من أحد حوارييه؟ و كيف عرف كتبة الأناجيل أن الشيطان دخل في يهوذا؟

3- لقد كان يهوذا الاسخريوطي أحد التلاميذ الاثني عشر الذين قال فيهم المسيح ((متى 10: 19-20 = لا تهتموا حين يسلمونكم كيف أو بماذا تتكلمون، لأنكم ستعطون في حينه ما تتكلمون به، فما أنتم المتكلمون بل روح أبيكم السماوي يتكلم فيكم)) فكيف يزعم لوقا بعد ذلك أن الشيطان دخل يهوذا؟؟ هل روح الآب قد أصبحت شيطاناً الآن؟ و هل انتصر الشيطان على روح الآب و دخل قلبه الممتلئ بالإيمان؟

4- لقد كان يهوذا الاسخريوطي أحد التلاميذ الذين قال فيهم يسوع ((متى 19: 28 = متى جلس ابن الإنسان على عرش مجده، تجلسون أنتم الذين تبعوني على اثني عشر عرشاً لتندينوا عشائر إسرائيل الإثني عشر)) فهل يبشر يسوع التلاميذ بدخول الفردوس و من ثم يخونه أحدهم بعد ذلك حسبما زعموا؟ أولم يعلم ذلك مسبقاً؟

5 – لقد كان يهوذا الاسخريوطي أحد التلاميذ الذين قال فيهم يسوع ((أنتم أعطيتم أن تعرفوا أسرار ملكوت السماوات)) فهل بعد ذلك يخون المسيح؟ أولم يعلم المسيح خيانته بلاهوته المزعوم؟

6- كان يهوذا أمين صندوق المسيح، و قد ائتمنه على أموال الجماعة. فزعم لنا يوحنا أنه كان يختلس باستمرار من هذا الصندوق.. مع أن موضوع الصندوق هذا منقض لما قاله المسيح ((متى 10: 9 = لاتحملوا نقوداً من ذهب ولا فضة ولا من نحاس في جيوبكم)) و قوله: ((متى 6: 34 = لا يهمكم أمر الغد، فالغد يهتم بنفسه)) .. فهل من كان بعهدته صندوق الجماعة يبيع معلمه و نبيه من أجل حفنة من المال (أو ثلاثين من الفضة كما زعم متّى) وهو الذي كان بمقدوره أن يأخذ من صندوق الجماعة ما هو أكثر من ذلك!

7- لقد كان يهوذا من بين التلاميذ الذين اختارهم يسوع بنفسه فيقول يوحنا في ذلك ((يوحنا 15: 19 = .. أنا اخترتكم من العالم..)) فلو كان هو الذي اختارهم لنفسه، فهل أخطأ في اختياره؟ و هل يخطئ الإله؟ ثم يأتي يوحنا ليناقض نفسه فيقول ((يوحنا 18: 9 = ما خسرت أحداً من الذين وهبتهم لي)) فإن كان الله قد اختار له التلاميذ، فهل يختار له خائناً و يغش نبيه؟

8- و السؤال الذي يرمي بثقله على الموضوع: ما حاجة يهوذا ليتفق مع الكهنة و يدلهم على المسيح؟ أولم يقل المسيح عند إلقاء القبض عليه: ((متى 26: 55 = أعلى لص خرجتم بسيوف و عصي لتأخذونني؟ كنت كل يوم أجلس معكم في الهيكل أعلّم فما أخذتموني)) أي أن المسيح كان معروفاً لديهم ولا حاجة ليهوذا و لغيره ليدلهم عليه.

و هكذا نرى أنه لا يوجد سبب واحد مقنع يجعل يهوذا يخون المسيح، و لو أننا قلّبنا الأناجيل صفحة بصفحة فإننا لن نجد منه بادرة واحدة تفيد بأنه يكره المسيح أو يكن له العداء إلى الدرجة التي يخونه فيها و يسلمه للكهنة.

و للحديث بقية..