هذه الرواية من تأليفى وأرجو أن تحوز إعجابكم
وأرحب بالنقد البناء

إهداء ..


إلى كل من علمني حرفا ، أو غرس بداخلي قيمة سامية ..
إلى الأحباء الراحلين ...
الذين لطالما افتقدتهم في حياتي ..
إلى كل صابر ومحتسب ..
أهدي هذه الرواية ..
المأخوذة من ...
واقع الحياة ...
********************
























كلمة ..

الإنسان ..
عجيب هو ذلك الكائن .. عجيبة هي مشاعره المختلفة والمتضاربة تبعا لاختلاف الظروف .. والأعجب هو صبره وتحمله لمآسي الحياة وصدماتها ، أو دفن نفسه ليغرق فيها فيزهد
الحياة بأسرها ..
دائما ما تشدني التجارب الإنسانية والأحداث الحياتية للبشر..
أستمع إليها وأندهش .. أحللها بعيني خبير تارة ، وأدهش لها بعيني طفل بريء قليل
الخبرة تارة أخرى ..
وبين ما رأيته وما سمعته أنقل إليكم منها ما أظنه قد يفيدكم
أو يضيف إلى خبرتكم في ذلك البحر الهائل المتلاطم الأمواج.. الحيـــــــاة ..

************************











خطوات امرأة حديدية ..

************************
1 ) (

جذبتني هذه السيدة من الوهلة الأولى وجذبني فيها ما سمعته عن كفاحها الطويل و صبرها على الأقدار..
فلقد أنجبت الكثير من الأبناء وحرصت على تعليمهم والوصول بهم لبر الأمان رغم سفر والدهم الدائم ثم وفاته بعد ذلك ..
كان أكبر ابن لها يريد السفر للخارج بل ويصر عليه بعد خطبته لإحدى الفتيات وذلك لإتمام الزواج بصورة لائقة، ولتوفير حياة كريمة لأسرة تخطو خطواتها الأولى في عالم الزواج..
ولم يكن أمام الأم - التي لم تكن قليلة الحيلة- إلا الموافقة .. فقط لعلمها بصعوبة الحياة في ظل الظروف الراهنة ومشاكل البطالة و...........
لا ..لم تكن أما عاملة مثقفة ،تعلمت في المدارس الأجنبية ،أو حتى الحكومية ؛ بل كانت ربة بيت من أصل صعيدي ، تعلمت اليسير من القراءة والكتابة ثم كفت عن ذلك بعد أن جرفها تيار الحياة ومشاكل الأبناء..
إنها واحدة من تلكم السيدات المتشبعات بالفطرة ، بوجه أسمر محبب وطرحة سوداء منسدلة ، أخذت من النيل الكثير .. العطاء ، الجمال وإنكار الذات .. خط الزمن على وجهها المتغضن خطوطا عميقة ..غائرة ، أعطت للحياة أكثر مما أخذت ..
كانت تكره السفر، الغربة .. تلك الكلمة الجافة الباردة ، كرهت بعد الإنسان عن أهله وأحبائه، من أقوالها التي دائما ما أعجبتني " الغربة تربة"..
ما أصدق تلك المقولة .. فعلا .. إنها تربة المشاعر والعواطف ، لن تشعر بذلك الإحساس إلا بعد أن تسافر بعيدا .. بعيدا عن أهلك وأسرتك ، بعيدا عن منزلك الدافئ ووجه طفلك الممتلئ بالبراءة ويده الصغيرة التي تمتد إليك ، ترجوك ألا تذهب ..
تفاصيل صغيرة لا نهتم بها كثيرا ، يدركها جيدا ويفتقدها ذلك الطير المسافر " المغترب" ..
وجه البقال الطيب الذي دائما ما يداعب صغيرك ويعطيه الحلوى دون أن يأخذ الثمن ،
كانت امرأة قوية الشخصية ذو إرادة صلبة وحماس لا يفتر - لم أجده في أكثر الشباب تحمسا في الواقع - ، سمحت لابنها بالسفر وتحملت لوعة وألم الفراق لتواسيها بعض رسائله التي كان يرسلها من وقت لآخر ..
ولم تكن تملك رفاهية الحزن فقد التفتت إلى باقي الأبناء لتشاركهم حياتهم وتحل مشكلاتهم بحكمة لا تعرفها أكثر النساء العاملات ..
كانت مدرستها : الحياة ، ومعلمها: الزمن ، واستعانتها : بالخالق وتوكلها عليه سبحانه ..
وبعد مرور السنين ، ووفاة الأب وتزوج البنات لم يبق لها إلا شابين هما قرة عينها ظلت تحلم بيوم عرسهما ، كما لم تنس الابن الأكبر – الذي قلت رسائله نوعا في الواقع - ..
وهاهي تستعد لزفاف ابنها الأوسط " إمام " بزغاريد الفرحة المنطلقة من قلبها ، وطيور السعادة تحفر في ملامح وجهها لوحة بديعة مبهجة، بعد أن ظنت أن الحزن والشقاء قد ولّوا عنها أخيرا ..
ولكن..
هل ولّوا حقا؟؟
من يدرى؟؟
*********************************



" أسرعي يا أحلام .. المدعوون على وشك الوصول "
" نبيلة .. هل أنهيت صنع الطعام ؟؟"
" نادية .. أحضري بذلة أخيك"
" أحمد .. اذهب لأخيك ،لعله يحتاج شيئا و خذ المزيد من الشربات لتوزيعه على المدعوين"

ألقت الأم بتعليماتها وهي تتحرك كالمكوك لإنهاء ما يجب إنهاؤه ، وذهبت كل بنت من بناتها لتنفيذ ما أمرت به الأم بهمة ونشاط ، وفرح ومزاح ، تعالت الضحكات في البيت الكبير و..........
انحدرت دمعة من عيني الأم وهي تجهز فطائر العرس لترسله للعروسين .. تذكرت الابن الغائب .. ليته كان معنا ؛ ليشهد فرحتنا ويشاركنا فيها ، ليأكل من الفطائر المتنوعة التي صنعتها بيديها والتي لطالما أحبها .. كم افتقدته وكم تشعر بالحنين إليه.. إنها دائما ما شعرت أنه سندها في الحياة ؛ بعد موت زوجها و .......
" لماذا تبكين يا أماه ؟؟"
مسحت دموعها بسرعة قبل أن يربت "أحمد" على خدها بحنان ، وبابتسامة مشفقة قال :
- " أهذا وقت البكاء؟؟"
أجابت :
- " لو أن أخاك معنا الآن.........
قاطعها قائلا:
- هذه ظروف عمله يا أمي ، ثم إنه قد اتصل بنا وكلمنا فردا فردا وبارك لــ"إمام" واعتذر له عن عدم الحضور لظروف خارجة عن إرادته ..
قالت وقد عادت الدموع لتنساب من بين أهدابها :
- كيف تسعد الأم وتكتمل فرحتها وابنها غائب ؟؟
فأجاب مازحا :
- ألا نكفيك إذا … رجلان وثلاث بنات وأولادهن ، صدقيني لن يتسع البيت لأكثر من هذا ..
ابتسمت قائلة :
- بارك الله فيكم يا أبنائي وحفظكم من كل سوء ولكني أشعر بالألم لغيابه عن عرس أخيه.
" هل تتسامرون هنا كيمامتين والبيت مقلوب رأسا على عقب ؟؟ "
هتفت بها أحلام وهي تجذب يد والدتها قائلة :
- " كل شيء جاهز .. تعالي لتطمئني بنفسك "
لاحظت أن هناك شيء ليس على ما يرام ولكنها تجاهلت الموقف لتمازح أخيها قائلة :
- " هل افتقدت أمك إلى هذا الحد ؟؟ لقد جاء أصدقائك من الجامعة هيا لترحب بهم .."
************************
يتبع
انتظر تعليقاتكم