قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى –

فصل : (( وأما قوله : أين مسكن العقل فيه [ أي في الإنسان ] ؟


فالعقل قائم بنفس الإنسان التي تعقل ، وأما البدن فهو متعلق بقلبه ، كما قال تعالى : { أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها }.


وقيل لابن عباس : بماذا نلت العلم ؟
قال : ( بلسان سؤول وقلب عقول ).


لكن لفظ ( القلب ) قد يراد به:


1- المضغة الصنوبرية الشكل التي في الجانب الأيسر من البدن ، التي جوفها علقة سوداء ، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد ، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ).


2- وقد يراد بالقلب باطن الإنسان مطلقا ، فإن قلب الشيء باطنه ، كقلب الحنطة ، واللوزة والجوزة ، ونحو ذلك ، ومنه سمي القليب قليبا ، لأنه أخرج قلبه وهو باطنه ، وعلى هذا فإذا أريد بالقلب هذا فالعقل متعلق بدماغه أيضا ، ولهذا قيل: إن العقل في الدماغ. كما يقوله كثير من الأطباء ، ونقل ذلك عن الإمام أحمد ، ويقول طائفة من أصحابه: ( إن أصل العقل في القلب فإذا كمل انتهى إلى الدماغ ).


والتحقيق: أن الروح التي هي النفس لها تعلق بهذا وهذا ، وما يتصف من العقل به يتعلق بهذا وهذا ، لكن:


مبدأ الفكر والنظر في الدماغ.
ومبدأ الإرادة في القلب.


والعقل يراد به العلم ، ويراد به العمل ، فالعلم والعمل الاختياري أصله الإرادة ، وأصل الإرادة في القلب ، والمريد لا يكون مريدا إلا بعد تصور المراد ، فلابد أن يكون القلب متصورا ، فيكون منه هذا وهذا ، ويبتدئ ذلك من الدماغ وآثاره صاعدة إلى الدماغ ، فمنه المبتدأ وإليه الانتهاء.
وكلا القولين له وجه صحيح )) انتهــــــى.

من: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ( 9 / 303-304 )