------


بوفاة الداعية الشهير أحمد ديدات تخسر الدعوة الإسلامية أحد أهم رجالاتها في التاريخ الحديث، والذي اشتهر بصولاته وجولاته مع المنصرين الذين ينتشرون في القارة الافريقية. وكان ديدات الذي يتحدث الانجليزية بطلاقة قد ذاع صيته عقب محاورته الشهيرة التي لا تزال تتداول على أشرطة فيديو وكاسيت مع القس جيمي سواجارت، وقد اسلم على يديه عدد كبير من المنصرين الذين دخلوا معه في حوارات ومساجلات عديدة.

وعبر حياته الحافلة بالترحال والنشاط الدعوي تقدَّم الشيخ الراحل بنحو 235 مناظرة ومحاضرة فكرية ودعوية، كذلك عقد لقاءات كبيرة مع المبشرين والمنصرين الغربيين لمناقشتهم في أمور دينهم وفتح نقاط القصور والضعف الموجودة في عقيدتهم وكتبهم، ومع تعمقه في دراسة أصول الديانة المسيحية للتمكن من الرد على ما يُروجونه حول الإسلام ولضرب الأسس العقدية لديهم، ولذلك كان شديد الحرص على اقتناء نسخ الأناجيل المختلفة ودراستها.

وقد ركَّز في دراساته هذه على مجموعة من الأصول العقيدية لدى الديانة المسيحية بعد تحريفها على أيدي «بولس الرسول» و«بطرس الرسول» و غيرهما من الآباء الأوائل للمسيحية في صورتها الحالية، ومن بين ما ركَّز عليه قضية «الثالوث المقدس» لدى المسيحيين ومسألة «صلب المسيح»، وهذه المسألة بالذات كانت محل مناظرة ساخنة له جرت وقائعها في بريطانيا مع المبشر الجنرال «واكفيلد».

وكانت فكرة تحريف الإنجيل كتاب الله تعالى المقدس على أيدي رجال الدين المسيحيين الأوائل محل اهتمام من جانب الشيخ الراحل، حيث دخل في مناظرة مهمة حول هذه المسألة التي أوردها في كتابه الموسوم «هل الكتاب المقدس كلام الله..؟»، وكان مناظره هو القس «ستانلي سجوبرج» في العاصمة السويدية استوكهولم، وجرت وقائعها في 27 أكتوبر (تشرين الأول) من العام 1991. وبلغ عدد مناظراته 120 .

وإلى جانب هذه القضية فإنَّ مسألة التنصير والنشاط المحموم للغرب في هذا المجال كان أحد أهم المجالات التي اهتمَّ بها الداعية الراحل على مستويين; الأول وهو التصدي لأساليب المستشرقين والمنصرين والكشف عنها والعمل على التحذير منها، والجانب الثاني هو الجانب المتعلق بالاتصال بالأقليات والشعوب الإسلامية الموجودة في العالم، وبالذات تلك التي تكون عرضة أكثر من غيرها للنشاط التبشيري ومن بينها الشعوب الإسلامية في جنوب شرقي آسيا والأقليات الإسلامية في كل من أستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا.

ومع الأهمية الثقافية والدعوية التي يمثلها ديدات وحجم الانتشار الذي حققه فإنَّ مكتبه في مدينة (ديربان) الجنوب أفريقية كان يصله حتى وفاته أكثر من 500 رسالة يوميًّا يطلب مرسلوها في غالبية الأحوال نسخًا من مناظراته وكتبه، كما أنَّ زوار مسجده الكبير في المدينة من الأجانب كان يصل تعدادهم في بعض الأحيان إلى أربعمائة سائح أجنبي يوميًّا ويتم استقبالهم وضيافتهم من قبل طلبة الشيخ وتلاميذه، كما يتم إهداؤهم كتبه ومحاضراته ومناظراته التي جاءوا يطلبونها.
وفيما يخص منهجه حاول قبل وفاته أن يقوم بـ«توريث» هذا المنهج لضمان استمرار العملية الدعوية والفكرية الإسلامية بالمناظرة على أهمية هذا الأسلوب فأنشأ 6 وقفيات في (ديربان) من بينها (المركز العالمي للدعوة الإسلامية)، كما أنَّ هناك وقفية أخرى لتشغيل معاهد مهنية لتدريب المهتدين الجدد إلى الإسلام على حرف جديدة مثل النجارة والكهرباء. وتلقى منزل وأسرة الشيخ ديدات التعازي من قبل عدد من القساوسة والحاخامات جراء فقدهم عالما يتحاور معهم ولا يقاتلهم, إلا أنه رغم ذلك كانت هناك محاولات لتنصيره وهو على فراش مرضه عام 1997 من قبل القس كلارك عقب قدومه من الولايات المتحدة. وكما ذكر صهر الشيخ ديدات عصام مدير فقد اتصل أحد القساوسة عقب وفاته ليوضح أن «غضب الرب عيسى هو السبب في موته وهو من قتله انتقاما منه».

وأشار مدير الى أن أكثر ما أثر في حياة الشيخ هو وفاة والدته دون رؤيتها عقب رحيله مع والده ووفاة ابنته الكبرى عقب مرض شديد الم بها.

ولازمت الشيخ في حياته اتهامات له بكونه قاديانيا نفاها مرارا وتكرارا مؤكدا أنه على تقيده والتزامه بنهج السنة والجماعة. وأوضح صهره أن تلك الاتهامات مجرد إشاعات من قبل بعض المنصرين، مضيفا كيف لمن يأتي لزيارته الشيخ ابن عثيمين ويثني عليه في إحدى كتيباته والشيخ ابن باز وإمام الحرم المكي الشيخ السديس ومفتي فلسطين الشيخ عكرمة صبري أن يكون قاديانيا ومنحرفا
.

نقلاً عن جريدة الشرق الأوسط