و تحت عنوان ( الحاسم في الأتيان بمثله ) كتب احد المنصرين داعيا إسمه Sure مقالا مطولا فحواه ان التحدى القرآنى :  وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مّمّا نَزّلْنَا عَلَىَ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّن مّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَآءَكُم مّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( البقرة : 23 ) أنه ليس ذو معنى ، فهناك بعض الكلام المحاكى لأسلوب القرآن مثل ما أسماه بسورتي الحفد و الخلع ، و كذا سورة التراب . و يورد بعض الأحاديث ليدعم بها كلامه و يثبت لقرائه أن السور الوهمية السابق ذكرها من القرآن فعلا و لكن لم تضمّن ضمن المصحف المتداول بين أيدى المسلمين حاليا فقال :-
( و عن بن عباس  انه قال : سمعت رسول الله  يقول : لو كان لأبن أدم واديان من مال لتمنى واديا ثالثا ، و لا يملأ عين ابن أدم إلا التراب و يتوب الله على من تاب . فلم ندرى أهو من القرآن أم لا ..... الخ الحديث ). و يعلق على عدم معرفة ابن عباس فيقول انه اذا كان القرآن معجزة فسوف يتضح مدى الأعجاز من عدمه و لا يترك ذلك للتخمين أهو من القرآن ام لا؟!!
و في الواقع و المؤكد أن الكلمات الواردة في حديث النبى صلى الله عليه و سلم عند كافة ائمة المسلمين ليست من القرآن ، فلو كانت منه لأمر النبى الكريم صلوات الله عليه بكتابتها ضمن الوحى ، و لو كانت من القرآن لسمعها بقيه الصحابة في تلاوة القرآن ضمن الصلاة ، و لو كانت من القرآن لضمها زيد بن ثابت الى المصحف الذى جمعه على عهد الخليفة ابو بكر الصديق رضى الله عنه أمام الصحابة جميعا و بعلمهم دون أن يراجعه أحد منهم .
و حتى انها لو كانت ضمن الوحى الذى نسخ تلاوة كآية الرجم مثلا و رضاعة الكبير لصار معروفا ذلك بين الصحابة ، و لوصلنا عن طريق الخبر المتواتر ، وهكذا فإن دعوى كاتب المقال غير صحيحة بالمرة .
و بالنسبه لسورتى الحفد والخلع و التى ورد ذكرهما في كتاب ( الإتقان في علوم القرآن ) لجلال الدين السيوطى فيقول كاتب المقال أن أبى بن كعب قد أوردهما في مصحفه ، وكذا قد قنت بهما عمر بن الخطاب بعد الركوع ..!
فنقول إن ورودهما في مصحف أبى بن كعب  ليس دليلا على أنهما من القرآن ؛ فيجوز أنهما كانا من القرآن ثم نسخا تلاوة كآية الرجم السابق ذكرها ، ثم أن أبى بن كعب كان معاصرا لزيد بن ثابت شاهدا على جمع القرآن ، فلو كانا من ضمن القرآن لآتى له بهما وشهد عليه اثنين من المسلمين و هذا لم يحدث !! بل إن أكبر دليل على أنهما ليسا من القرآن قد أورده الكاتب بين طيات كلامه دون أن ينتبه لمعناه ألا و هو : قنوت عمر بن الخطاب  بهما بعد الركوع !... و هل يُسنَّ عن النبى  تلاوة آيات من القرآن بعد الركوع ؟.. بالطبع لا! ولكن يُسنَّ القنوت بالدعاء ، فلو كانا من القرآن لما قنت بهما عمر بن الخطاب ذلك  بعد قيامه من الركوع !
أما عن اعجاز القرآن الكريم فهل يحتاج كلام الخالق إلى شهادة البشر لأنه معجزة ؟.....
إن المعجزة في حد ذاتها أنه من عند الله و هذا يكفي ... فقد لبث الرسول الكريم  في قومه أربعون عاما فما لاحظ أحد عليه بلاغه في القول أو ذكر القريض أو غيره من وسائل النبوغ في البيان ، ثم يذهب بعد ذلك إلى الجبال و الخلاء حيث لا معلم و لا جليس و يعود فيتلو آيات بينات ذات رصانه في الاسلوب و قوة في المدلول و جمال في البلاغة !!.. فاذا قلنا أن أحد علمه .. فمن يكون ؟ و لمَ لمْ يشتهر أمره في صراع النبى  مع قومه ؟.. فيكون هو أولى بشرف النبوة و الحكمه و ذياع الصيت من تلميذه .
و اذا قلنا إن محمّد  قد انتحل ذلك القرآن من شعر الأقدمين فلمَ لمْ يظهر ذلك في قريش ، و قد كانت عندها المعلقات السبعة مشهورة متواترة قبل الأسلام بكثير ، فلو انتحل أحدهم أحد الابيات و نسبها لنفسه لوجد من يثبت عليه ذلك ، و خاصه اذا كان في صراع مع قومه !
و اذا قلنا أن محمّد  قد أنتحل ذلك القرآن من أسفار اليهود و النصارى فأيضا لمْ يثبت عليه ذلك واحداً منهم و قد ناظره يهود المدينة و نصارى نجران دون أن يظفر أحد منهم بشئ ، و لو امعننا النظر في رواية القرآن الكريم و رواية التوراة لأي من القصص المشتركة لوجدنا بعض الإختلافات في سياق الرواية تنفي تماما على القرآن شبهة الإنتحال فمن أين أتى بهذه التفاصيل غير المذكورة في التوراة ؟!، و قد رد عليهم القرآن بقوله تعالى : وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنّهُمْ يَقُولُونَ إِنّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ لّسَانُ الّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مّبِينٌ  ( النحل : 103 ) و معنى هذا أن تلك الأسفار كانت باللسان العبرانى أو السريانى و لم يتم ترجمتها الى العربية بعد ، فقد تم ذلك فيما بعد على يد يهود الأندلس في القرن الثامن الميلادى ، أما لسان القرآن فهو عربي واضح جلي لا تشوبه عجمة و لا ركاكة أسلوب و لا ضعف بيان فمن الذي ترجمه و من الذى صاغه في هذا الكتاب الكريم ؟؟!
و بعد ذلك يورد الكاتب ما معناه أن حـكم المسلمين على القرآن بالبلاغه و الأعجاز هو من قبيل المعيار الشخصي ! فقد يكون بليغا رصينا بالنسبه لك و لكنه ضعيفا ركيكا بالنسبه لى !.. مثله كمثل قصيدة لنذار قبانى مثلا فقد يرى تلاميذه انه خير من كتب بالعربية ، و أن أحدا من الشعراء لا يطاوله في جمال التعبير و جلاء البيان ! في حين أنه غير ذلك عند بعض الأدباء و خاصة انصار الشعر التقليدى الموزون المقفي .
و يالبئس ما شبّه به !!
و لا نجد ما نقوله هنا إلا أن حكمه على القرآن حكما مسبقا كمن يحكم على قصيدة شعر كتبها عدوا قديما له ؛ فقطعا أنه سوف يصدر حكمه دون تلاوة القصيدة و لا بيتا واحدا ، و أذا قرأها سوف تبحث عيناه عن دواعي النقص و مكامن الأنتقادات ليوضح صحه حكم !!
فالقرآن الكريم حبل الله المتين الذى يتمسك به ملايين المسلمين في كافة أرجاء المعمورة ، و قد كانت العرب قبل الأسلام قوم بلاغة و نظم و إبداع و اشتهروا بين الأمم بأن الشاعر فيهم يقرض الشعر من بطن أمه ، و مع ذلك فقد أدركوا بلاغة القرآن و إعجاز بيانه و أنه ليس من قول البشر و من أشهر الأمثال قول الوليد بن المغيرة و هو عدو الأسلام اللدود : ( لقد سمعت من محمّدٍ قولاً لم أسمع مثله من قبل ؛ و الله إن له لحلاوة و ان عليه لطلاوة ، و إن أعلاه لمثمر ، و إن أسفله لمغدق ، و إنه يعلو و لا يُعلى عليه ، و ما هو من قول البشر ) .
و إن قال بعض السفهاء من عرب الجاهلية عن القرآن إنه أساطير الأولين ، و أن محمّداً  شاعرا و ساحرا و كذاب و مفترئ عافاه الله من اقوالهم فقد كان ذلك أقوال سفهائهم لا عامتهم و قد رد عليهم القرآن من قبل و نصر دينه و أعلاه فوق جميع الأمم . و قد يحاول الأدباء العرب كأبن المقفع و أبن عقيل الاندلسي معارضه القرآن و بعد عدة محاولات منهم شهدوا بأن ذلك القرآن لا يعارض ، و ليس من قول البشر .
ثم أن القرآن ليس في بلاغته فقط ، و لكنه أيضا في إخباره بقصص الأولين و أنباء الزمن القادم ، و أن تفسيره لكل الأزمان فلا يكون لقوم بعينهم و لكنه للناس كافه . و أيضا قد حوى بين دفتيه كافه العلوم من الطب للجيولوجيا للجغرافيا و خلافه و ذلك بشهاده أئمه هذه العلوم و أربابها .
أما عن تهكم الكاتب من فواتيح السور مثل ( آلـم ) فيدّعي إنه قد آتى بمثلها و هى ( س ص ع ) أو ( ك ل م ) ! و هذا بالطبع إندفاع في القول دون علم ! فهذه الحروف قد قالها الله  و هو أعـلم بمراده ، و إن لم يعلِّمها أحد من عباده ! فهناك فرق بين علم الخالق و علم المخلوق ، و قد يأتى زمن و يظهر فيه من يعلِّمه الله بمدلول هذه الحروف و لكن بالنسبه للكاتب فنحن نسأله : ما معنى ( س ص ع ) أو (ك ل م ) و ما هو مدى ارتباطها بما بعدها من الكلام ؟ لتكون آية مشابهه لآيات القرآن و هو بالطبع لا يعلم ؟ !
و أخيرا و ليس أخراً فان القرآن الكريم كتاب الله المكنون سيظل دائما و أبدا صخرة صلبة عنيفة تتحطم عليها أهواء الطامعين للنَيل منه ، فستظل أقوال أعداءه دعوة لتثبيته في قلوب أحباءه و قد تكفل الله  بحفظه إلى أن يرث الأرض و من عليها فلن يزول أبدا و لن تتبدل منه كلمةً و لا حرف لو كره الكافرون .
و رغم المحاولات العديدة و الملايين التى تنفق في هذا المضمار فلن يستطيع أحد من العالمين أن يأت بسورة و لا حرف واحد من أحرف القرآن الكريم .
فَإِن لّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتّقُواْ النّارَ الّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدّتْ لِلْكَافِرِينَ ( البقرة : 24 )
صدق الله العظيم
كتبه الأخ / طارق