فلما كان العام المقبل قدم من الأوس والخزرج اثنا عشر رجلا ، عشرة من الخزرج واثنان من الأوس ، وقيل كانوا أحد عشر رجلا ،
منهم خمسة من الستة أو الثمانية الذين اجتمعوا به صلى الله عليه وسلم عند العقبة أولا في العام الماضي . فاجتمع بهم صلى الله عليه وسلم عند العقبة أيضا ،
فبايعهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وفي هذه البيعة : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لمن حضر من الأنصار :
أبايعكم على أن تمنعوني ما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم ، فبايعوه على ذلك ، وعلى أن يرحل إليهم هو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه ،
وعلى السمع والطاعة في اليسر والعسر والمنشط والمكره ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، وأن نقول الحق حيث كنا ، لا نخاف في الله لومة لائم .
ثم قال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ومن وفى فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئا عوقب به في الدنيا ، فهو – أي العقاب – طهرة له ،
وإن سترتم عليه فأمركم إلى الله ، وإن شاء عذب وإن شاء غفر .
فلما انصرفوا راجعين إلى بلادهم بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معهم عبد الله ابن أم مكتوم ، ومصعب بن عمير ، رضي الله عنهما : يعلمان القرآن من أسلم منهم ،
ويعلمان الإسلام من أراد أن يسلم ، ويفقهانه في الدين ، ويدعوان من لم يسلم منهم إلى الإسلام . وهذه المبايعة يقال لها بيعة العقبة الأولى ، لوجود هذه المبايعة عندها .
وأسلم من رجالات المدينة : سعد بن معاذ ، وابن عمه أسيد بن حضير رضي الله عنهما .
وفي كلام ابن الجوزي : أن أول دار أسلمت من دور الأنصار دار بني عبد الأشهل .
ثم ذهب مصعب إلى دار أسعد بن زرارة ، رضي الله تعالى عنه ، فأقام عنده يدعو إلى الإسلام حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا فيها رجال ونساء مسلمون ،
إلا ما كان من سكان عوالي المدينة ، أي قراها من جهة نجد .
قال كعب : ثم خرجنا إلى الحج وواعدنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العقبة : أي إلى أن يوافوه في الشعب الأيمن ، وأمرهم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ألا ينبهوا نائما ولا ينتظروا غائبا ، وذلك ليلة النفر الأول .
قال : فلما فرغنا من الحج وكانت الليلة التي واعدنا لها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين ،
وكان من جملة المشركين أبو جابر عبد الله بن عمرو بن حرام ، وهو سيد من ساداتنا فكلمناه وقلنا له : يا أبا جابر إنك سيد من ساداتنا وشريف من أشرافنا ،
وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا ، ثم دعوناه للإسلام فأسلم ، وأخبرناه بميعاد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فشهد معنا العقبة .
فمكثنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد هدءة ،
يتسلل الرجل والرجلان تسلل القطا مستخفين ، حتى اجتمعا في الشعب عند العقبة ، ونحن ثلاث وسبعون رجلا وامرأتان، قال :
فلا زلنا ننتظر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى جاءنا ، وفي رواية أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبقهم وانتظرهم ،
فلما تأخروا ذهب ثم جاء بعد مجيئهم ومعه عمه العباس بن عبد المطلب ليس معه غيره وهو يومئذ على دين قومه ، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له ،
وكان معه أيضا أبو بكر وعلي إلا أن العباس أوقف عليا على فم الشعب ، عينا له ، وأوقف أبا بكر على فم الطريق الآخر عينا ، فلم يكن معه عندهم إلا العباس والله اعلم .
فلما جلسوا كان العباس أول من تكلم فقال : يا معشر الخزرج – قال ذلك لأن العرب كانت تطلق الخزرج على ما يشمل الأوس ،
وكانت تغلب الخزرج على الأوس ويقولون " الخزرجيين" .
قال : إن محمدا منا حيث علمتم ، وقد منعناه من قومنا ، ممن هو على مثل رأينا ، فهو في عز من قومه ، ومنعة من بلده ،
وقد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم ، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه وما نعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك ،
وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن تدعونه .. فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده .
فقال البراء بن معرور : إنا والله لو كان في أنفسنا غير ما تنطق به لقلناه ، ولكنا نريد الوفاء والصدق وبذل أنفسنا دون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وفي رواية أن العباس قال : قد أبى محمد الناس كلهم غيركم ، فإن كنتم أهل قوة وجلد وبصر بالحرب واستقلال بعداوة العرب قاطبة ترميكم
عن قوس واحدة فأروا رأيكم وائتمروا بينكم ولا تفرقوا إلا عن اجتماع ، فإن أحسن الحديث أصدقه .
ولا يصح أن يفهم من قول العباس ( قد أبى محمد الناس كلهم غيركم ) أن الناس غير الأنصار وافقوه على مناصرته فأباهم ، ولا أن المراد بالناس
قبيلة شيبان بن ثعلبة الذين قالوا له ننصرك بما يلي مياه العرب دون ما يلي مياه كسرى فأبى ، لكن المراد بالناس الذين أباهم : أهله وعشيرته ،
لأنه إنما أراد نصرة كاملة في الدين والدنيا والله أعلم .
وعندما تكلم العباس بما ذكر قالوا له : قد سمعنا مقالتك ، فتكلم يارسول الله فخذ لنفسك ولربك ما أحببت ، وفي رواية خذ لنفسك ما شئت واشترط لربك ما شئت .
فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أشترط لربي عز وجل أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، ولنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وآباءكم .
فقال ابن رواحة : فإذا فعلنا فما لنا ؟.
فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لكم الجنة .
قالوا : ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل .
لم تكن صفقة دنيوية إذن . وما كان فيها شيء من مساومة .
وفي رواية : فتكلم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتلا القرآن ودعا إلى الله عز وجل ورغب في الإسلام ثم قال :
أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم .
وفي رواية أنهم قالوا له : يا رسول الله نبايعك . قال : تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل ، والنفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
وأن تقولوا في الله ، لا تخافوا في الله لومة لائم وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم ، وأزواجكم ، وآباءكم ، ولكم الجنة .
فأخذ البراء بن معرور بيده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال : نعم والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع به أزرنا – أي نساءنا – وأنفسنا - وكانت العرب
تكني بالإزار عن المرأة والنفس – فنحن والله أهل الحرب ، وأهل الحلقة – أي السلاح – ورثناها كابرا عن كابر .
وبينا البراء يكلم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال أبو الهيثم بن التيهان – بتشديد المثناة وتخفيفها – نقبله على مصيبة المال وقتل الأشراف .
فقال العباس : اخفوا جرسكم – أي صوتكم – فإن علينا عيونا.
ثم قال أبو الهيثم : يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال – يعني اليهود – حبالا – أي عهودا – وإنا قاطعوها ،
فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا ؟.
فتبسم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ثم قال : بل الدم الدم ، والهدم الهدم – والهدم إهدار دم القتيل - ، دمي دمكم فدمي ودمكم واحد،
هدمي وهدمكم واحد – أي وإذا أهدرتم الدم أهدرته – وذمتي وذمتكم واحد ، ورحلتي مع رحلتكم ، أنا منكم وأنتم مني ، أحارب من حاربتم ، وأسالم من سالمتم .
وعند ذلك قال لهم العباس : عليكم بما ذكرتم ذمة الله مع ذمتكم وعهد الله مع عهدكم ، في هذا الشهر الحرام ، والبلد الحرام ،
يد الله فوق أيديكم ، لتجدًّن في نصرته ولتشدن من أزره .
قالوا جميعا : نعم .
قال العباس : اللهم إنك سامع شاهد ، وإن ابن أخي قد استرعاهم ذمته ، واستحفظهم نفسه ، اللهم كن لابن أخي شهيدا .
ثم قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أخرجوا إليَّ منكم اثنيى عشر نقيبا ، فلا يحدث أحد في نفسه أن يؤخذ غيره ، فإنما يختار لي جبريل.
فلما تخيرهم وهم سعد بن عبادة ، وأسعد بن زرارة ، وسعد بن الربيع ، وسعد بن خثيمة ،والمنذر بن عمرو ، وعبد الله بن رواحة ، والبراء بن معرور ،
وأبو الهيثم بن التيهان ، وأسيد بن حضير ، وعبد الله بن عمرو بن حرام ، وعبادة بن الصامت، ورافع بن مالك : كل واحد على قبيلة ، رضي الله تعالى عنهم أجمعين .
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأولئك النقباء : انتم كفلاء على غيركم ، ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم ن وأنا كفيل على قومي : يعني المهاجرين .
وفي رواية أن الذي تولى الكلام من الأنصار وشد العقدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أسعد بن زرارة ، وهو من أصغرهم ،
فإنه اخذ بيد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال : رويدا يا أهل يثرب ، إنا لن نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وإن إخراجه اليوم مفارقة لجميع العرب ، وقتل خياركم ، وأن تعطكم السيوف ، فإما انتم قوم تصبرون عليها إذا مستكم بقتل خياركم ، ومفارقة العرب كافة ،
فخذوه وأجركم على الله تعالى ، وإما تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو عذر لكم عند الله تعالى .
فقالوا : يا سعد أمط عنا يدك ، فوالله لا نذر – أي نترك هذه البيعة – ولا نستقيلها ، أي لا نطلب الإقالة منها .
وفي رواية أن العباس بن عبادة بن نضلة تكلم مع الأنصار وشد العقدة ، فقال : يا معشر االخزرج هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل ؟
إنكم تبايعونه على حرب الأحمر ، والأسود من الناس –أي على من حاربه منهم – ثم ذكر مثل ما تقدم عن أسعد بن زرارة
ثم توافقوا على ذلك .
وقالوا
: يا رسول الله ما لنا بذلك إن نحن قضينا ؟
هنا يظهر جوهر الرسالة
قال : رضوان الله والجنة
قالوا : رضينا ابسط يدك
فبسط يده صلى الله عليه وسلم فبايعوه .
وأول من بايعه صلى الله عليه وسلم البراء بن معرور ، وقيل اسعد بن زرارة ، وقيل أبو الهيثم بن التيهان ، ثم بايعه السبعون كلهم ،
وبايعه المرأتان المذكورتان من غير مصافحة ، لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يصافح النساء ، إنما كان يأخذ عليهن ، فإذا أحرزن قال اذهبن فقد بايعتكن .
ويروى أن أبا الهيثم قال : أبايعك يا رسول الله على ما بايع عليه الاثنا عشر نقيبا من بني إسرائيل موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام .
وقال أسعد بن زرارة : أبايع الله عز وجل يا رسول الله ، فأبايعك على أن أتم عهدي بوفائي وأصدق قولي بفعلي في نصرك .
وقال النعمان بن حارثة : أبايع الله عز وجل يا رسول الله ، وأبايعك على الإقدام في أمر الله عز وجل ، لا أرأف فيه القريب ولا البعيد .,
وقال عبادة بن الصامت : أبايعك يا رسول الله على أن لا تأخذني في الله لومة لائم .
وقال سعد بن الربيع : أبايع الله وأبايعك يا رسول الله على أن لا أعصى لكما أمرا ولا أكذبكما حديثا .
وهذه البيعة هي ما يقال لها بيعة العقبة الثانية
.
فلما قدم الأنصار المدينة أظهروا الإسلام إظهارا كليا وتجاهروا به .
وأمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كان معه من المسلمين بالهجرة إلى المدينة .
وكان ذلك تمهيدا للهجرة الغرض منها : لم يكن لمجرد السلامة ، لكنه التحفز لمرحلة جديدة من مراحل الدعوة الإسلامية وانتقالا من مشقة إلى مشقة .
وبدءا لجهاد تتابعت غزواته .
وكانت بزوغا لشمس الإسلام بعد أن ظهر فجره بمكة .
وكانت ظهورا للمجتمع الإسلامي بعد أن تكون أفراده في مرحلة الدعوة المكية
وكانت حجر الأساس في ظهور الدعوة الإسلامية التي حملت الدعوة ونشرت الإسلام في الجزيرة العربية كلها ، ثم في أرجاء العالم من بعد ،
ليتحقق للإسلام عالميته التي لا بد أن تصطدم بأية دعوة للعالمية أو العولمة ، تنطلق من غير داره : دار الهجرة في المدينة .
إنه في هذا النوع من الهجرة- والذي قبله - جاء الحكم باستمرارها ما استمر الجهاد أو استمرت فرصة الحياة المشروطة بقبول التوبة ،
وذلك فيما رواه الإمام أحمد بمسنده بسنده عن أبي هند البجلي قال:
«كنا عند معاوية وهو على سريره، وقد غمض عينيه، فتذاكرنا الهجرة ، والقائل منا يقول: قد انقطعت، والقائل منا يقول: لم تنقطع،
فاستنبه معاوية فقال: ما كنتم فيه؟ فأخبرناه، وكان قليل الرد على النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقال: تذاكرنا عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال:
لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها».وجاء مثله في سنن أبي داود والدارمي وغيرهما.
وفي هذا النوع من الهجرة جاءت الآيات الكثيرة التي ترفع من قدر المهاجرين. (ظ±لَّذِينَءَامَنُواغںوَهَاجَرُواغںوَجَـظ°هَدُواغںفِى سَبِيلِ ظ±للَّهِ بِأَمْوَظ°لِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَظ±للَّهِ غڑ
وَأُوغںلَـظ°ظ“ئِكَ هُمُ ظ±لْفَاظ“ئِزُونَ)التوبة: ظ¢ظ
(إِنَّ ظ±لَّذِينَءَامَنُواغںوَظ±لَّذِينَ هَاجَرُواغںوَجَـظ°هَدُواغںفِى سَبِيلِ ظ±للَّهِ أُوغںلَـظ°ظ“ئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ ظ±للَّهِ غڑ وَظ±للَّهُ غَفُورٌغ*رَّحِيمٌغ*) البقرة: ظ¢ظ،ظ¨
(فَظ±سْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّى لَاظ“أُضِيعُ عَمَلَ عَـظ°مِلٍغ¢ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍأَوْأُنثَىظ° غ– بَعْضُكُم مِّنغ¢ بَعْضٍغ¢ غ– فَظ±لَّذِينَ هَاجَرُواغںوَأُخْرِجُواغںمِن دِيَـظ°رِهِمْ وَأُوذُواغںفِى سَبِيلِى
وَقَـظ°تَلُواغںوَقُتِلُواغںلَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّـظ”َاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّـظ°تٍغ¢ تَجْرِى مِن تَحْتِهَاظ±لْأَنْهَـظ°رُثَوَابًامِّنْ عِندِظ±للَّهِ غ— وَظ±للَّهُ عِندَهُغ¥حُسْنُ ظ±لثَّوَابِ) آل عمران: ظ،ظ©ظ¥
( وَمَن يُهَاجِرْفِى سَبِيلِ ظ±للَّهِ يَجِدْفِى ظ±لْأَرْضِ مُرَظ°غَمًغ*اكَثِيرًغ*اوَسَعَةًغ* غڑ وَمَن يَخْرُجْ مِنغ¢ بَيْتِهِغ¦مُهَاجِرًاإِلَى ظ±للَّهِ وَرَسُولِهِغ¦
ثُمَّ يُدْرِكْهُ ظ±لْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُغ¥عَلَى ظ±للَّهِ غ— وَكَانَ ظ±للَّهُ غَفُورًغ*ارَّحِيمًا) النساء: ظ،ظ ظ
وفي هذا النوع من الهجرة جاءت الإشارة إلى شرط قبولها عند الله في الحديث الصحيح ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، من كانت هجرته
إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ). متفق عليه .
أما النوع الثالث من الهجرة
فتكون من دار يمكن لإنسان أن يحتفظ فيها بعقيدته ودينه وشعائره إلى دار أخرى تفضلها في ذلك كله ، تكون من دار يحدث للإنسان فيها شيء من الأذى ،
يناله من المنافقين أو من أعداء الدين ، لكنه أذى محتمل ، إلى دار أخرى .. يستريح فيها من ذلك كله ، ويستمتع فيها بقوة المجتمع الإسلامي وغلبة الدولة الإسلامية .
مثل هذه الهجرة لا فائدة منها للدين ، إنما هي تستهدف الراحة والدعة ، وفيها راحة من تبعات الدعوة والجهاد في بيئة تفيد فيها الدعوة ويفيد فيها الجهاد .
مثل هذه الهجرة هي ما كان يستأذن فيه بعض المسلمين بعد فتح مكة ، كانوا يطلبون الهجرة من موطنهم إلى المدينة ، فلم يأذن لهم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وإنما طلب إليهم الاستمرار في أماكنهم مستمسكين بدينهم ، عاملين على نشره وتوكيده فيمن حولهم ، مستعدين للقتال عندما يدعون إليه .
في هذا النوع من الهجرة جاء قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وفي صحيح البخاري بسنده عن عن مُجاشِعِ بن مسعودٍ قال: «جاءَ مُجاشعٌ بأخيهِ مُجالِدِ بنِ مسعودٍ إلى النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال:
هذا مُجالدٌ يُبايعُكَ على الهجرِة. فقال: لا هِجرةَ بعدَ فتح مكةَ، ولكنْ أبايعهُ على الإسلام».
و قول عائشة رضي الله عنها فيما جاء بصحيح البخاري بسنده عن عطاء بن أبي رباحٍ قال: " زُرتُ عائشةَ مع عبيدِ ين عمير الليثيّ، فسألناها عن الهجرةِ فقالت:
لا هجرةَ اليوم ، كان المؤمنونَ يَفِرّ أحدُهم بدينهِ إِلى اللّه تعالى وإلى رسولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مخافةَ أن يُفتنَ عليه، فأما اليومَ فقد أظهرَ اللّه الإِسلام،
واليومَ يَعبُدُ ربّهُ حيث شاء، ولكن جهادٌ ونيّة».وقول ابن عمر فيما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن مجاهد مثله : «قلتُ لابن عمرَ، فقال:
لا هجرةَ اليوم ـ أَو بعدَ رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ».
وما جاء فيما رواه البخاري في صحيحه بسنده عنِ ابنِ عبّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما قال: «قال النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومَ افتَتَحَ مكةَ: لا هِجرةَ،
ولكِنْ جِهادٌ ونيّة، وإِذا استُنفِرتُم فانفِروا، فإنّ هذا بلدٌ حَرّمَ اللهُ يومَ خَلَقَ السماواتِ والأرضَ، وهو حَرامٌ بحُرمةِ اللهِ إلى يومِ القيامَةِ،
وإِنهُ لم يَحِلّ القِتالُ فيهِ لأحدٍ قبلي، ولم يَحِلّ لي إلاّ ساعةً من نهارٍ، فهوَ حرامٌ بحرمةِ اللهِ إلى يومِ القِيامةِ، لا يُعضَدُ شَوكِه، ولا يُنَفّرُ صَيدُهُ،
ولا يَلتقِطُ لُقَطتَهُ إلاّ مَن عَرّفَها، ولا يُختلى خَلاها. قال العبّاسُ: يا رسولَ اللهِ إلاّ الإِذخِرَ، فإِنه لِقَينِهم ولِبُيوتهم. قال: قال: إلاّ الإِذخِرَ».
ومن هنا جاء رده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على من سأله متخوفا من ضياع الثواب على من لم يهاجر كما جاء في سنن النسائي بسنده عن عَنْ صَفْوَانَ بْنِ اُمَيّةَ قَالَ:
( قُلْتُ يَا رَسُولَ الله إنّهُمْ يَقُولُونَ إنّ الْجَنّةَ لا يَدْخُلُهَا إلاّ مَنْ هَاجَرَ قَالَ: لا هِجْرَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكّةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيّةٌ فَإذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا.)
وقد روي مثله في سنن أبي داود والبيهقي والترمذي الذي قال فيه : حديث حسن صحيح .
وللعلماء أقوال في تضعيف بعض روايات هذا الحديث، ففي كتاب الجهاد لأحمد بن عمرو ابن أبي عاصم الضحاك ( ت 287 ﻫ) روى الحديث بسنده عن ابن عباس
ثم قال : إسناده ضعيف والحديث صحيح .
وقال عبد الرحمن الرازي (ت 327 ﻫ) : سألت أبي عن حديث رواه الوليد عن شيبان عن الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" لاهجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية " فقال أبي : هذا وهم – أي في السند – وإنما هو الأعمش عن مجاهد عن طاووس عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفي تفسير ابن كثير قال : ( وقال الإمام أحمد بسنده عن أبي سعيد الخدري أنه قال : لما نزلت هذه السورة " إذا جاء نصر الله والفتح
" قرأها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى ختمها فقال الناس : حيز وأنا وأصحابي حيز ، وقال – أي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –
" لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية " يقول ابن كثير : وهذا الحديث الذي أنكره مروان على أبي سعيد الخدري ليس بمنكر ، فقد ثبت من رواية ابن عباس ،
وأخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.)
وقال السيوطي في الديباج على صحيح مسلم " لا هجرة بعد الفتح " ( قال العلماء الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامة ،
وفي تأويل هذا الحديث قولان :
الأول : لا هجرة بعد الفتح لأنها صارت دار إسلام ، وإنما تكون من دار الحرب.
والثاني : معناه لا هجرة بعد الفتح أي نفي أن يكون فضلها بعد الفتح كفضلها ما قبل الفتح كما(وَمَالَكُمْ أَلَّاتُنْفِقُوافِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ غڑ لَايَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ غڑ أُولَظ°ئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوامِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا غڑ
وَكُلًّا وَعَدَاللَّهُ الْحُسْنَىظ° غڑ وَاللَّهُ بِمَاتَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) الحديد: ظ،ظ
وقال الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى : (وَدُّواغںلَوْتَكْفُرُونَ كَمَاكَفَرُواغںفَتَكُونُونَ سَوَاظ“ءًغ* غ– فَلَا تَتَّخِذُواغںمِنْهُمْ أَوْلِيَاظ“ءَحَتَّىظ° يُهَاجِرُواغںفِى سَبِيلِ ظ±للَّهِ غڑ
فَإِن تَوَلَّوْاغںفَخُذُوهُمْ وَظ±قْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ غ– وَلَاتَتَّخِذُواغںمِنْهُمْ وَلِيًّغ*ا وَلَانَصِيرًا)النساء: ظ¨ظ©
قال القرطبي
: ( والهجرة أنواع :
منها الهجرة إلى المدينة لنصرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وكانت هذه واجبة أول الإسلام حتى قال : لا هجرة بعد الفتح "
وهجرة المنافقين مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الغزوات.
وهجرة من أسلم من دار الحرب فإنها واجبة [ أقول بشروطه التي ذكرناها في النوع الأول والثاني مما قدمناه ].
وهجرة المسلم ما حرم الله عليه كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " والمهاجر من هجر ما حرم الله عليه " وهاتان الهجرتان ثابتتان الآن
وهجرة أهل المعاصي حتى يرجعوا تأديبا لهم ، فلا يكلمون ولا يخالطون حتى يتوبوا كما فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع كعب وصاحبيه )
والخلاصة أن الحكم يختلف باختلاف المقصود من الهجرة وظروفها
:
إذا كانت تستهدف الفرار بالدين من دار يتحقق فيها الخطر عليه فهي واجبة، وهكذا كانت هجرة المسلمين إلى الحبشة
وإذا كانت تستهدف الإعداد لحال جديد من الجهاد في سبيل الله والتمهيد لنصر حاسم على الأعداء فهي واجبة، وهكذا كانت هجرة المسلمين إلى المدينة
.
وإذا كانت تستهدف الراحة والتخلص من مشقة الجوار مع المنافقين أو من هم أقل درجة في الإسلام فتلك هي الهجرة التي منعها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هذه الهجرة غير المشروعة إسلاميا هي التي تكون في مثل ظروف المسلمين بعد فتح مكة حيث قد توفر لهم شيء من القوة والمنعة :
تحميهم وتدافع عنهم ، هي تلك الهجرة التي تكون من أجل التخلص من أذى محتمل إلى دار أخرى يستمتع فيها المسلم بالدعة ، والراحة ،
أو يتخلص فيها من متاعب الدعوة وتبعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو يفلت فيها من مشقات الجهاد في بيئة تفيد فيها الدعوة ويفيد فيه الجهاد .
م€€
ونحن اليوم ندفع ثمن
" الهجر " عندما تركنا سنن الهجرة:
يتساءلون: لماذا ننهزم في معاركنا جميعا: عسكرية، واقتصادية، وتربوية، و.. على جميع المستويات، هزائم في أدنى المستويات ؟.
والجواب
: لأننا ندفع فاتورة الحساب، ولابد أن تدفع بعد أن تأجلت. ولأن فاتورة الحساب هذه هي من وارد ما أقمنا عليه البناء من قبل .
أهملنا السنة – أو هجرناها – سواء في القيام بواجب الهجرة عند ما تقتضي مراغمة للمشركين ونصرا للمهاجرين المسلمين كما كان الحال
في هجرة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو النوع الثاني الذي قدمناه ، أو في عدم القيام بها إذ يقتضي ذلك تشبثا بالأرض واستعدادا ليوم الكريهة " جهاد ونية "
نحن اليوم ندفع ثمن هجرنا لسنة الرسول
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد كان علينا أن نهاجر معه أو إليه : إلى سنته فنعمل بها .
كان علينا أن نهاجر إلى سنته ولكننا هجرناها
.
هجرنا سنته في سنن الحرب والجهاد ،
فخسرنا فتح فرنسا : نعم خسرنا فتح فرنسا على يد عبد الرحمن الغافقي ، خسرناها بمخالفة استمرارنا على الجهاد ، خسرنا فتح فرنسا
بمخالفة شبيهة بمخالفة بعض المسلمين في غزوة أحد ، وخسرنا فرنسا بمخالفة سنته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الاهتمام بأمر المسلمين ،
بمعرفة أحوال المسلمين ، بمعرفة تاريخ الإسلام ، وليسأل القارئ عمن يعرف شيئا عن هذه القضية.
وخسرنا الأندلس ، وخسرنا الهند ، وخسرنا شرق أوربا ، وخسرنا فلسطين ، وخسرنا المسجد الأقصى ، وها نحن نخسر العراق ، ثم نخسر أمن الشرق الأوسط ،
ثم نخسر أمن المسجد الحرام .
وهجرناها في سنة الوحدة
هجرنا سنته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الاهتمام بأمر المسلمين – وهو أقل درجات الوحدة – فأسقطنا المسلمين المضطهدين من حسابنا خوفا من تهمة الإرهاب.
وهجرنا سنته صلى الله عليه وسلم عند ما هاجرنا حيث لا تجوز الهجرة
، حيث منعها الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: في الأندلس مثلا ( النوع الثالث )، وقد يتساءل البعض: وكيف كانوا لا يهاجرون وقد انصب عليهم العذاب.
نقول :
يستعدون لهذا اليوم قبل أن يقع فربما - أو أغلب الظن - أنه كان لا يقع ، " جهاد ونية " ، "جهاد ونية " نستعد له لا بالاستمتاع بالدنيا وعيش النعومة ،
والأخذ من الدنيا بأقصى ما يأخذه أهلها منها .
إنه ليس من طبيعة الأشياء بالنسبة للمسلم أن يأخذ من الدنيا بأقصى ما يأخذه أهلها منها، لأن أرضه التي يقف عليها إنما فتحت له بالجهاد والنية ،
فإذا تخلى عن الجهاد والنية وشرع يأخذ من الدنيا بأقصى ما يأخذه منها أهلها كان لا بد من أن ينفصل عن فيزيائيته الخاصة،
وكان من ثم لابد من أن تتزلزل أرضه تحت قدميه
.
إن أفقر الفقراء فينا اليوم يأخذون بدين هذه الحياة الدنيا فيتقاتلون بعضهم مع بعض ، ويتقاتلون بالانضمام إلى صفوف أعدائهم الذين يعملون
على إبادة المسلمين ، يتقاتلون هكذا للأخذ من هذه الدنيا بأقصى ما يأخذه أهلها منها ، بينما كان أغنى الأغنياء في جيل الصحابة والسلف الصالح
يأخذون بدين الآخرة فيأخذون من الدنيا بتواضع ، يأخذون ما يوصلهم لثواب الآخرة . وهذه هي المفارقة .
أنظروا إلى بعض الأقليات في بعض البلاد الإسلامية : لقد أصبحت سرا ترسانات أسلحة ..هكذا الرجال ،
واليوم نبكي كما تبكي النساء ملكا لم نحافظ عليه كما يحافظ الرجال .
إن المسلمين
– في قضية الهجرة – إنما يقيمون على أرضهم بتأشيرة إقامة إلهية باسم الإسلام،
فإذا فقدوا هذه التأشيرة أو تنازلوا عنها لم يكن لهم أرض ولا وطن ولا هجرة.
المفضلات