" آنوك" و" سعيد" .. دين واحد وثقافتان
" لنا دين واحد ، ولكنْ نملك ثقافتين " .. هكذا بدأت " آنوك" ـ الفتاة الهولندية الهادئة البالغة من العمر 22 عاما ـ حديثها ، حول كونها مسلمة مثل صديقها المغربي الهولندي " سعيد".
ومثل هذه العلاقة ليس أمرًا غريبًا هذه الأيام في هولندا، حيث يعيش فيها نحو مليون مسلم. وفي المدن الهولندية الكبرى ـ على وجه الخصوص ـ من الشائع أن تنشأ علاقات عاطفية بين طرفين مختلفي الديانة ، وقد يحدث ـ في بعض الأحيان ـ أن يعتنق أحدهما عقيدة الآخر.
ولكن غير العادي أو التقليدي بالنسبة لـ" آنوك" هو أنها اعتنقت الإسلام قبل أن تقابل " سعيدا".
نشأت " آنوك" في أسرة هولندية غير متديّنة ، وتقول ـ مبتسمة ـ : " إن أبي كان يقول دائمًا إن الحروب تنشب بسبب الدين ، وتستطيع أن ترى برهان هذا في أي مكان في العالم ". وما يزال أبوها غير سعيد مطلقا بقرارها اعتناق الدين الإسلامي ، وتقول إنهما اتفقا على تجنب الخوض في هذا الموضوع أثناء لقاءاتهما.
وقد بدأ انجذاب " آنوك" للإسلام وتعاليمه عندما كانت في الرابعة عشر من عمرها ، فكانت تصوم شهر رمضان. وقبل أن تتم عامها الثامن عشر قررت النطق بالشهادة – وهي أول ركن أساسي لاعتناق الإسلام ـ ولكنها لم تقم بالإجراءات الرسمية لإعلان إسلامها إلا عندما بلغت التاسعة عشرة، وهو ما تفسّره قائلة :" انتظرت حتى أصبح راشدة، لعدم رغبتي في إيذاء وجرح مشاعر عائلتي ".
ثقافتان
كان والدا " سعيد" يعملان في إحدى مزارع المغرب ، وكان عمر " سعيد" ستة أشهر فقط ، عندما هاجر أبوه إلى هولندا للعمل في أحد مصانع الصلب. ونشأ " سعيد" وإخوته ـ البنين والبنات ـ وهم يتحدثون الهولندية في المدرسة ، والعربية في المنزل.
وكان الوالد يخطط لكسب المال في هولندا ثم العودة مع عائلته إلى المغرب، حتى يعيش أطفاله هناك، ويكبرون حيث ينتمون.
ومن جانبها، لم تكن لدى الحكومة الهولندية أية مشاريع لمساعدة العمال المهاجرين إليها على الاندماج في المجتمع ، ولهذا لم ينخرط العديد من أفراد الجيل الأول للمهاجرين في المجتمع الهولندي. وقام والدا " سعيد" بتربية أبنائهما السبعة حسب ثقافتهما المغربية التي تربّيا عليها. ورأى الأب أن قرار العودة إلى المغرب لن يكون صائبًا ، فاستقر بهم المُقام جميعا في وطنهم الثاني.
مواعدة فتاة هولندية
ويُبدى " سعيد " فرحته بقرار والده بالبقاء في هولندا ، ويعلق قائلا:" أنا مستريح في حياتي هنا، وأشعر بالرضا، لذا فأنا سعيد بقرار أبي ". ولا يزال والدا "
سعيد" محتفظين بثقافتهما الموروثة وآرائهما الخاصة.
ولم يقبل وال " سعيد" ـ في بداية الأمر ـ أن تكون له علاقة بفتاة هولندية ، ولم يكن لديهما اقتناع بإمكانية أن يعتنق أجنبي الدين الإسلامي. ولكن " آنوك " استطاعت ـ بمجرد أن التقتهما ـ إقناعهما بصدق إسلامها ، فحظيت بترحيبهما وأصبحت فردا من العائلة ، وهو أمر الذي لم يكن في منتهى السهولة.
وتقول " آنوك" ـ التي كانت تعاني من رفض المجتمع لها بعد بدء علاقتها الغرامية : " في الحادي عشر من سبتمبر ، كنت أشاهد وأتابع كل ما يحدث على شاشة التليفزيون، وكنت أبكي وأحدّث نفسي بأن كل شئ سوف يصبح أكثر صعوبة بالنسبة لنا ". وتضيف : " كان الناس يشعرون بالصدمة عندما أخبرهم أن لي صديقا مغربيا ، ودائما ما كانوا يسألونني عمّا إذا كان يقوم بضربي ، وأسئلة أخرى غبية على هذه الشاكلة .. وكانوا يخبرونني بأنه إذا كان شعره أسود فسوف يضربني ".
تفرقة عنصرية
وتتذكر " آنوك " يوم أن اصطحبت " سعيدا" معها إلى حفل عيد ميلاد أحد أصدقائها ، وكان الحفل يضم عددا كبيرا من الشباب الهولنديين من ذوي الأصول الريفية . وتقول : " عندما دخلت مع " سعيد" إلى عيد الميلاد ، سيطر الصمت على كل الموجودين .. وخلال عشر دقائق فقط رحل الجميع .. لقد أصبت بصدمة كبيرة ، وشعرت بخيبة الأمل ".
ويؤكد " سعيد" أنه عاش في هولندا وهو يشعر بدرجات متفاوتة من التفرقة العنصرية ، ويشير إلى أن المرة الوحيدة التي خرج فيها عن شعوره وأصيب بالجنون ، عندما بصق أحد الأشخاص ـ أثناء قيادة دراجته ـ على وجه أمه أثناء عودتها من أحد المحال التجارية ، وكانت تحمل حقيبة بها بعض أنواع البقالة. ويقول " سعيد" بصوته الهادئ : " ليست هذه هي الوسيلة المناسبة التي يجب التعامل بها مع شخص مسالم لا يسبب أية أضرار .. من واجبي أن أدافع عن ديني ، ولكن هذا الأمر يؤخذ دائما بشكل خاطئ ، لذا لم أعد أتحدث في هذا الموضوع مطلقا ".
وقد نشأ سعيد في هولندا ، وأصبح يتحدث الهولندية بطلاقة كأنها لغته الأصلية، كما اندمج تمامًا في المجتمع الهولندي. ولكنه يشكو من أنه يعانى بعض المشاكل مع الهولنديين، ويقول : " هذه هي الطريقة التي يتحدث ويتعامل بها الهولنديون معك. إنهم يعنيهم كيف أبدو، لا من أكون.. إنهم يقيّمون الشخص بلون عينيه، وليس بأفكاره ".
الحكم النهائي
وتتمنى " آنوك" ارتداء الحجاب ذات يوم ، وهو ما تعلله قائلة:" إنها طريقة جميلة لكي أقول للجميع ، انظروا أنا مسلمة. وبالنسبة لي، فهي طريقة لأعبر عمّا
أؤمن به ، إنه شئ نابع من الداخل، من القلب ".
ولكن " آنوك" ليست مستعدة بعد للقيام بمثل هذه الخطوة، لعلمها بأنها ستلقى معارضة من المجتمع، ولكنها تراه هدفا تسعى إلى تحقيقه.
وتضيف " آنوك" قائلة : " أعتقد ـ في بعض الأحيان ـ أني وُلدت في المكان الخطأ ، لشعوري بالانجذاب إلى الإسلام والمواطنين المغاربة والأتراك .. ولا أحس بأني هولندية ، ربما كان يجب أن أولد في دولة أخرى ".
وقد أجابت ـ عند سؤالها ما الذي يعنيه كونها مسلمة ـ قائلة: " أن أحاول أن أكون شخصا جيدا، لأن الإسلام ـ من وجهة نظري ـ دين جميل، يأمرنا بأن نتقبل الجميع بغض النظر عن دياناتهم أو كنههم ، فنحن لسنا الحكم أو القاضي، فالله وحده هو الذي يحكم في النهاية ".
المفضلات