التوحيد فى القرآن والتوراة والعهد الجديد( الإنجيل )
الجزء الأول
تمهيد
تعالوا إلى كلمة سواء
هذه دعوة يوجهها القرآن الكريم إلى أهل الكتاب مناديا إياهم إلى كلمة سواء بعث بها النبى صلى الله عليه وسلم وسائر النبيين ,طلبها من قريش فيملكوا بها العرب وتدين لهم بها العجم ويكونون بذلك أئمة فى الدين .
إنها كلمة تحمل أفضل المعانى وأسماها وهى كلمة التوحيد ,إنها كلمة ( لا اله الا الله ) كان يبد أبها النبى صلى الله عليه وسلم كتبه إلى الملوك ومن ذلك كتابه إلى هرقل والذى كتب فيه :
بسم الله الرحمن الرحيم : من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فان عليك إثم الأريسيين و( يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ).
ولا شك أن الخطاب موجه لليهود والنصارى خاصة وان وجه للناس عامة والآية الكريمة توضح معنى هذه الكلمة التى يدعو القرآن إليها ومعناها : أن نترك عبادة غير الله تعالى من بشر أو أوثان أو غير ذلك ونفرده سبحانه وحده بالعبادة ونقول جميعا ( لا اله الا الله ) نملأ بها أفواهنا .
قال ابن رجب : لا اله الا هو الذى يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالا ومحبة وخوفا ورجاء وتوكلا عليه وسؤالا منه ودعاء له ولا يصلح كل ذلك الا لله عز وجل فمن أشرك مخلوقا فى شىء من هذه الأمور التى هى من خصائص الإلهية كان ذلك قدحا فى إخلاصه فى قول لا اله الا الله ونقصا فى توحيده وكان فبه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك وهذا كله من فروع الشرك .
وبذلك تعلم ان لا تدعوا الا الله تعالى ولا ترجو الا إياه ولا تتوكل الا عليه فلا اله الا الله وحده لا شريك له .
وقال البقاعى : لا اله الا الله أن أنتفى انتفاء عظيما أن يكون معبود بحق غير الملك الأعظم فان هذا العلم هو أعظم الذكرى المنجية من أهوال الساعة وإنما يكون علما إذا كان نافعا وإنما يكون نافعا إذا كان الاذعان والعمل بما تقتضيه وإلا فهو جهل صرف .
هذا وليعلم كل أن التوحيد دعوة إلى الراحة التامة وهذا ما يبينه ربنا سبحانه وتعالى فى قوله ( ضرب رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا ) بالطبع لا يستويان فهذا عبد لسيد واحد وهذا آخر لسيدان أو أكثر هذا يطلبه وهذا يطلبه أيهما يعيش فى راحة وأبهما فى تعب ؟ إن الإجابة ظاهرة وواضحة كالشمس فى كبد السماء لا يحجبها غيم عن أى ناظر ولو ضعف له بصر .
وليس التوحيد هو صرف العبادة فقط إلى الله تعالى وإنما أن يترك التشريع له سبحانه وتعالى فلا نعبده الا بما شرعه وأن يكون شعار كل إنسان منا ( إياك أريد بما تريد ) لأن هناك من الناس من أخذ شرعه من غير الله فسمى الله تعالى هذا العمل عبادة من دون الله تعالى وهذا ما جاء فى قوله ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا الا ليعبدوا إلها واحدا سبحانه عما يشركون ) وعن هذه الآية يقول النبى صلى الله عليه وسلم : أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه ) رواه الترمذى وحسنه .
فالعبادة لا تكون إلا لله والشرع لا يكون إلا من الله ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله )؟؟.
والدعوة إلى التوحيد هى الدعوة التى من أجلها أرسل الله تعالى الرسل جميعا فليست خاصة بمحمد صلى الله عليه وسلم ( ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) النحل 36.أى تذللوا له بالعبادة التى هى اسم جامع لكل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة وابتعدوا عن كل طاغوت بأن تكونوا فى جانب وهو فى جانب آخر , فما من رسول الا قال لامته ذلك .
ولقد وضح القرآن أن الإسلام هو دين الأنبياء جميعا فقال عن نوح عليه السلام ( فان توليتم فما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجرى الا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين ) يونس 72وقال عن يوسف عليه السلام ( توفنى مسلما ) يوسف101وعن موسى عليه السلام ( أن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين ) يونس 84.
وعن بلقيس أنها قالت ( وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ) النمل 44فدل قولها على أن سيدنا سليمان عليه السلام كان مسلما .وفى رسالته إليها قال ( ألا تعلوا على وأتونى مسلمين ).
وقال عن سيدنا عيسى أن الحواريين قالوا له ( آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ) آل عمران ولا يعقل أن يكونوا مسلمين وهو غير ذلك وإنما كان مسلماً كإخوانه من الرسل .
فالأنبياء عليهم السلام اجتمعوا على هذه الكلمة وان اختلفت شرائعهم فالأصل الذى يجمعهم هو التوحيد وهو واحد . ولذا يقول الله تعالى ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) ويقول : (إن الدين عند الله الإسلام ) .
وإذا كان القرآن الكريم قد دعا الناس إلى التوحيد فليس بدعا فى ذلك فالكتب السماوية كلها دعت إلى التوحيد وأقربها لنا زمنا التوراة والإنجيل :
فأما التوراة ودعوتها إلى التوحيد فهذا ما ورد فى سفر التثنية ( فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك لأن الرب إلهكم هو اله الآلهة ....وهو اله واحد لا شريك له الرب الهنا رب واحد لا تسيروا وراء آلهة أخرى من آلهة الأمم التى حولكم لأن الرب إلهكم اله غيور فى وسطكم ).
كما أن التوراة تظهر الشرك والنهى عنه بصورة ترهب بها كل من تسول له نفسه أن يكون مشركا فتبين عاقبة ذلك بوضوح ليظهر للجميع إلى أى قدر تنهى التوراة عن الشرك وقد ورد فى ذلك ( والرجل أو المرآة الذى يذهب ويعبد آلهة أخرى ويسجد لها أو للشمس أو للقمر أو كل من جند السماء يخرج ويرجم بالحجارة حتى يموت والقرية التى تعبد آلهة أخرى يضرب سكانها بحد السيف).
وبذلك يظهر لنا تحريم الشرك فى التوراة والدعوة إلى التوحيد وتقبح التوراة بذلك من حال المشركين الذين يرتكبون هذه الجريمة وترفع من شأن التوحيد والموحدين فلا إله الا الله .
وأما عن الإنجيل ودعوته إلى التوحيد فهذا ما ورد فى انجيل مرقس فى الإصحاح الثامن عشر منه أن رجلا تقدم وقال ( أيها المعلم الصالح ماذا أفعل لأرث الحياة الأبدية فقال له يسوع لماذا تدعوني صالحا ليس أحد صالحا إلا واحد وهو الله ).
وفى يوحنا فى الإصحاح الخامس عشر منه ( كيف تقدرون أن تؤمنوا وأنتم تقبلون مجد بعضكم من بعض والمجد الذى من الإله الواحد لستم تطلبونه ). فهذه النصوص السابقة الذكر تعلن أن المسيح عليه السلام دعا قومه إلى التوحيد حتى أنه نهاهم أن ينادوه بالصالح لأنه كما قال ليس أحد صالحا الا الله تعالى .
ولأن التوراة والإنجيل والقرآن يخرجون من مشكاة واحدة فكلهن أعلنوا هذه الدعوة ورغم ما نال التوراة والإنجيل من تحري الا أن بقايا حق لا تزال بين طيات هذين الكتابين .
وستظل هذه الدعوة إلى هذه الكلمة الطيبة دائمة بدوام هذه الحياة يدعوا إليها القرآن ويحملها الدعاة إلى الناس كما حملها الأنبياء من قبل وستظل كذلك أولى الأمور التى يدعى إليها الناس لأنها أساس كل خير فى الدارين ولذلك أمر النبى صلى الله عليه وسلم سيدنا معاذاً أن يبدأ بها دعوته فى اليمن فعن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له ( انك تأتى قوماً من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا اله الا الله وفى رواية ( إلى أن يوحدوا الله ) ...الحديث فهى القاعدة والأصل الذى يبنى عليه كل شىء من العبادات وهى الفارق بين المسلم وغيره ولأجلها قامت هذه الدنيا ولإكرام أهلها وخزى منكريها تقوم سوق الآخرة بأذن الله تعالى .
والخلاصة من ذلك :
أن التوحيد هو مراد الله تعالى من العباد وبه أرسل رسله أجمعين فمن أجابهم فله الكرامة فى الدنيا والآخرة فأما كرامته فى الدنيا فمنها أن يحرم ماله ودمه كما جاء فى الحديث ( من قال لا اله الا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل ) رواه مسلم ,ومن إكرامه فى الآخرة أن يكون من أهل الجنة وإن دخل النار فانه لا يخلد فيها بل يحاسب ثم يخرج إلى الجنة .
أما من أشرك بالله تعالى بتثليث أو غيره فهو خالد فى النار لا يخرج منها وهذا ما قاله السيد المسيح لقومه ( انه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار ) .فليحمد الله كل موحد على توحيده ولينظر كل مشرك فى أمره وليعلم أن الله تعالى واحد لا شريك وليس واحد وواحد وواحد فهذا تثليث ليس توحيدا والقول بالتثليث توحيدا ضد العقل .
فإذا قال إنسان بجواز أن يكون الواحد ثلاثة والثلاثة واحداً مستدلا بما لا يقبل بأن يقول 1x1x1يساوى واحداً فليقل 1x1x1x1x1x1يساوى أيضا ثلاثة فتعالى الله عما يشركون .
والآن لننتقل سريعاً إلى موضوع ذلك البحث وهو التوحيد فى القرآن والتوراة والعهد الجديد ، أترككم مع هذه النصوص التى تحمل على عاتقها الدعوة إلى التوحيد بكل صوره ثم مع تعليق بسيط فنيتى فهذا العمل أن تصل الرسالة المرجوة بغير كثير من الكلام والله المستعان .
المفضلات