بعض ميزات العقيدة الواسطية
هذه العقيدة اتسمت وتميزت عن غيرها من العقائد بأنها عقيدة مستندة إلى الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم؛ ولذلك قال الشيخ رحمه الله -في المناظرة التي عقدت له حول هذه العقيدة-: تحريت في هذه العقيدة الكتاب والسنة، وقال رحمه الله -في جملة ما قال-: إنه ما من لفظ في هذه العقيدة إلا وله دليل من الكتاب أو السنة أو إجماع السلف، وهذا يدلك على أن هذه العقيدة منبثقة وصادرة عما تضمنه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومما تميزت به هذه العقيدة أيضاً: أنها عقيدة استقرأت أقوال السلف، وتتبعت ما قاله أئمة الأمة من الصحابة ومن بعدهم من أهل القرون المفضلة، وأجملت واختصرت بعبارة واضحة؛ ولذلك قال الشيخ رحمه الله -في المناظرة التي عقدت له حول هذه العقيدة-: ما جمعت إلا عقيدة السلف الصالح جميعهم.
يعني: لم تكن هذه العقيدة خاصة بإمام من الأئمة، أو عالم من العلماء، بل هي مجمل ما اعتقده سلف هذه الأمة، على اختلاف مذاهبهم العملية، وإن كانوا لا يختلفون في المذهب الاعتقادي والمنهج الاعتقادي، فالمنهج الاعتقادي لأهل السنة والجماعة واحد.
ومما تميزت به هذه العقيدة أيضاً: تحرير ألفاظها تحريراً بالغاً دقيقاً، حتى إن الشيخ رحمه الله تحدى خصومه الذين ناظروه ووشوا به إلى السلطان، وأمهلهم ثلاث سنوات ليأتوا بشيء في هذه العقيدة يخالف ما عليه سلف الأمة، وهذا يدلك على بلاغة التحرير، وعظم التدقيق في هذه العقيدة.
ومما تميزت به هذه العقيدة أيضاً: أنها من العقائد الشاملة لكثير من مسائل الأصول، فليست معتنية بجانب من جوانب العقيدة، بل انتظمت أكثر مسائل الاعتقاد: فيما يتعلق بالأسماء والصفات، وفيما يتعلق بالمعاد، وفيما يتعلق بالإيمان، وفيما يتعلق بالقدر، وفيما يتعلق بالمسلك العملي لأهل السنة والجماعة، وهذه إضافة على سائر العقائد، فإن كثيراً من العقائد تذكر صفات أهل السنة والجماعة في الأصول، وتذكر ما تميزوا به في الفروع، لكن يغفلون الجانب العملي، وهذه العقيدة أولت الجانب العملي اهتماماً، فأفرد الشيخ رحمه الله في هذه العقيدة توضيحاً في فصل أو فصلين في آخرها، بين فيه المسلك العملي الذي يسير عليه أهل السنة والجماعة.
ومما تميزت به هذه العقيدة: أنها حضيت باهتمام وثناء العلماء قديماً وحديثاً، فالثناء عليها موصول، فأثنى عليها الذهبي، وأثنى عليها ابن رجب، والأول من تلاميذ شيخ الإسلام رحمه الله ومن معاصريه، والثناء عليها موصول إلى يومنا هذا؛ ولذلك كثر الحفاظ لها، والدارسون لها والمدرسون، فاهتم بها أهل العلم تعلماً وتعليماً، حفظاً وتدريساً، وهذا لما تضمنته من المزايا السابقة، وهي عقيدة مباركة سلفية واضحة، لا يملك الخصم إلا أن يسلم لما احتوته؛ لكونها مليئة بالدلائل الواضحة الساطعة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقراءتنا لهذه الرسالة -إن شاء الله تعالى- ستكون تنبيهاً على القواعد والجمل والأصول في اعتقاد أهل السنة والجماعة، وسنترك الاستطراد فيما لا صلة له مباشرة بما نحن فيه من دراسة العقائد المضمنة في هذه الرسالة.
أسأل الله عز وجل أن يرزقنا السداد، وأن يعيننا على الصواب، وأن يوفقنا إليه، إنه ولي ذلك والقادر عليه