نصيحة لي من شيخي الموصلي حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماوات وملء الأرض وملء مابينهما وملء ماشئت من شيء بعد أحق ماقال العبد وكلنا لك عبد اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولاينفع ذا الجد منك الجد ،اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك سبحانك لانحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ، والصلاة والسلام على خير الأنام إمام المتقين و سيد الخلق أجمعين وخاتم الأنبياء المرسلين بعثه ربي رحمة للعالمين ليخرج الناس جميعا من الظلمات إلى النور ف صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :
فإني قد أرسلت إلى شيخي الحبيب الشيخ محمد الموصلي جزاه عني خير الجزاء طالبا النصح والنصيحة فيما فيه خير نحو مستقبلٍ مشرق بنور العلم والمعرفة فأجابني جزاه خيرا وإني أضعها هنا لتعم الفائدة راجيا من الله أن يجزي شيخنا الحبيب عنا خير الجزاء وأن يكتب نصيحته هذه في ميزان حسناته وأن يظله في عرشه يوم لاظل إلا ظله وأن يبلغه منازل الصديقين والشهداء في الفردوس الأعلى _ إن شاء الله_ وأن يكرمه بكرمه اللائق به في الدارين وأن يمتعه بالصحة والعافية والمعافاة في الدنيا ولذة النظر إلى وجهه الكريم في الآخرة وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه سبحانه سميع قريب مجيب .
أجاب شيخي الحبيب محمد الموصلي _حفظه الله _ قائلا:
حفظك الله أخي في الله سليمان أبو ماجد ابن الأماجد الحبيب الطيب قد سألتني النصيحة حيث إنني لها أحوج! وفيها أعرج! وكأني; أداوي الناس واسأل على الي يداويني! ولما كان نهر السائل منهيا عنه كما في قوله : {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} أجيبك بقول الغزالي : (إن النصيحة سهل والمشكل قبولها...لا تكن من الأعمال مفلسا ولا من الأحوال خاليا وتيقن أن العلم المجرد لا يأخذ باليد) .
أخي سليمان : در حيث دار القرآن فدورانه مع الهداية قال تعالى : {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} واعلم أن الإنسان متقلب بين الشيطان والرحمن فإن تخلى عن الرحمن سلبه وجلبه وأغواه وأغراه الشيطان، وإن تخلى عن الشيطان هداه الرحمن لطاعته ورضوانه، وأذكرك بقوله تعالى : {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} فإن قلت كيف وقد وجد من أهل الإيمان فقراء؟ فعندها سأقول لك : إن فقرهم هذا لم يحوجهم للناس فقال تعالى عنهم : {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ} فكن فقيرا بعينك; غنيا بأعين الناس، وكن فقير المعاصي شحيح الآثام; غني الطاعات كريم الخيرات ...واعلم أن ليس كل من ضحكت وتكلمت وتسامرت معه هو الصاحب الصديق بل الصاحب من صحبك بغيابك وصدقك بقولك وفعلك بلا تقرير ،فميز وصنف -باطنا- المعارف عن الأصحاب ... وإن حذرت من عدوك مرة; فاحذر من صديقك ألف مرة; فطعنته مؤلمة موجعة لقربه منك! وطعنة عدوك بعيدة باردة موجعة فلذا قال أخوك الموصلي عن بعض أصدقائه :
طعن العدا لا بد يوما يبرؤ*** وطعون خلي في فؤادي توجع
ومع هذا فحاول مداراة الناس ببصيرة ولا تكن كالشيخ علاء الدين الموصلي شيخ العلامة الآلوسي حينما وصفه الآلوسي بعد أن أثنى عليه أجمل ثناء قال (إلا أنه لضيق ذات يده ضاق صدره، ولمزيد كلف في نجم سعده كلف بدره ولذلك ساءت أخلاقه وشائت فراقه رفاقه "كان لا يدري مداراة الورى*** ومداراة الورى أمر مهم")
ووصف الدكتور أكرم عبد الوهاب الموصلي حالة وحدة طبع الشيخ علاء الدين الموصلي مع الآلوسي وغيره فقال :
وكان ذا حدة بالطبع *** قد أورث الطلاب هم القطع
ولم يفد منهم لدى الدروسي*** إلا قليل منهم الآلوسي
عموما أخي الحبيب ومما مر من حالة الشيخ علاء الدين الموصلي مع الآلوسي وطلابه وأناسه; هو خير نصح لما طلبته مني سائلا : (كيف أكون مع الطلاب مستقبلا ؟) فكن بهم كما كان قدوتنا صلى الله عليه وسلم {حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } .
وكذا اعتمد معهم أسلوب المحاورة والنقاش واحرص على أن تسمع منهم لا أن تتكلم فقط وفي النفس حديث إلا أنه قد ضاقت بي الكتابة لا لضيق الصدر بل لضيق الموبايل والوقت .
نفعنا الله وإياكم ، ونسألك اللهم حسن الاستماع وحسن القول وحسن العمل .
اللهم آمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
