يريد البعض أن يوهمنا "سواء عن جهل أو عن مكر" أن أكلمندس الإسكندري كان لديه تصور واضح لأسفار الكتاب تجعله قادر على التفريق بين الأسفار الإلهية من غيرها ، ويحاول أن يوهمنا بأن هذه الشهادة ذكرها يوسابيوس في كتابه تاريخ الكنيسة نأخذ مثالاً على ذلك ما جاء في كتاب " الكتاب المقدس يتحدى نقاده والقائلين بتحريفه" صفحة 142 يقول الكاتب: (كان القديس اكليمندس الإسكندري مديراً لمدرسة الإسكندرية اللاهوتية وتلميذاً للعلامة بنتينوس ومعلماً لكل من العلامة أوريجانوس وهيبوليتوس وكان كما يصفه يوسابيوس القيصري " متمرساً في الأسفار المقدسة " وينقل يوسابيوس عن كتابه وصف المناظر أنه أستلم التقليد بكل دقة من الذين تسلموه من الرسل فقد كان هو نفسه خليفة تلاميذ الرسل أو كما يقول هو عن نفسه إنه من أجل الأجيال المتعاقبة التقاليد التي سمعها من الشيوخ الأقدمين)..
ولكن تأتي الصاعقة الكبرى والطامّة العظمى بالرجوع إلى كلام يوسابيوس القيصري الذي تحاشى القس _ الأمين في النقل!ـ أن يذكر نص كلامه ، لندرك أن أكلمندس الإسكندري ـ ويا للعجب ! ـ كان يؤمن بالعديد من الأسفار الغير موجودة الآن في الكتاب المقدس مثل رسالة برنابا ورؤيا بطرس ورسائل اكلمندس الروماني وإليكم نص كلام يوسابيوس القيصري كاملاً دون بترٍ (إذا كان بترهم للكلام هو سيمتهم في النقل من كتبهم فما ظنك بهم عندما ينقلون من كتب خصومهم):
( وبالاختصار لقد قدم في مؤلفه وصف المناظر وصفاً مؤجزاً عن جميع الأسفار القانونية ، دون أن يحذف الأسفار المتنازع عليها أعني رسالة يهوذا والرسائل الجامعة الأخرى ، ورسالة برنابا والسفر المسمى رؤيا بطرس) ( تاريخ الكنيسة ك6 ف 14 فقرة 1).
ويشهد يوسابيوس أيضاً على أن أكلمندس الإسكندري كان يقتبس في كتاباته من أسفار لا توجد الآن في الكتاب المقدس فيقول : (( ويستخدم أيضاً في هذه المؤلفات شهادات من الأسفار المتنازع عليها مثل حكمة سليمان ، وحكمة يشوع ابن سيراخ، ورسالة العبرانيين ، ورسائل برنابا ، وأكلمندس ، ويهوذا )) ( تاريخ الكنيسة ك 6 ف 13فقرة 6).
وتأتي شهادة أخرى تؤكد هذا الكلام من داخل الكنيسة الأرثوذكسية في كتاب "فكرة عامة عن الكتاب المقدس" الصادر من دير الأنبا مقار والذي نُشر كمقالات في مجلة مرقس فيقول في صفحة 73 ما نصه : (( شهدت السنين الأخيرة من القرن الثاني حتى بداية القرن الثالث الميلادي نشاطاً كبيراً في مدرسة الإسكندرية الشهيرة التي كان يرأسها حينذاك العلامة كليمندس الإسكندري . ويتبين من كتاباته أنه كان يعترف بعدد كبير من أسفار العهد الجديد أكثر مما كانت تعترف به كنيسة روما . فقد ذكر الأناجيل الأربعة ورسائل بولس الأربع عشرة وسفر أعمال الرسل ورسائل : بطرس الأولى ويوحنا الأولى والثانية ويهوذا ، وسفر الرؤيا . ولكنه أضاف إليها أيضاً رسائل كلمندس الروماني وبرنابا الرسول بإعتبارها كتابات ذات سلطان رسولي) .
والأخطر من ذلك هو أن أكلمندس كان يعتقد بأن كتاب الديداخي هو سفر إلهي من أسفار الكتاب المقدس..ففي كتاب "الديداخي أي تعليم الرسل" وهو من سلسلة مصادر طقوس الكنيسة وهو من تصنيف أحد رهبان الكنيسة القبطية يذكر ذلك صراحة صفحة 85 فيقول: ( والقديس كليمندس الإسكندري 216 م يذكر صراحة وجود هذا الكتاب ليس فقط لأنه اقتبس منه الكثير ، بل لأنه يذكر في كتابه" المتفرقات ـ ستروماتا" ما ورد في نص الديداخي 3 : 5 حرفياً : " يا بني لا تكن كذاباً لأن الكذب يقود إلى السرقة " وينسب هذه العبارة إلى الكتاب المقدس ) .
ونفس الشهادة يذكرها الدكتور أسد رستم ..إضافة إلى إنه كان يؤمن بسفر إسدراس الثالث وبالطبع هذا السفر غير معترف به الآن سواء عند البروتستانت أو الأرثوذكس أو الكاثوليك إضافة لأنه كان يؤمن بسفر باروخ الذي لا يؤمن به البروتستانت. (دكتور أسد رستم : آباء الكنيسة ،1، الآباء الرسوليون والمناضلون ، ص 55
(d. 203 CE): B. F. Westcott, The Bible In The Church: A Popular Account Of The Collection And Reception Of The Holy Scriptures In The Christian Churches, 1879, Macmillan & Co.: London, pp. 126-127; B. F. Westcott, A General Survey Of The History Of The Canon Of The New Testament, 1896, Seventh Edition, Macmillan & Co. Ltd., London, pp. 360-363.)
بابياس أسقف هيرابوليس ( القرن الثاني)
لست أدري بأي وجه يستدل القساوسة بشهادة بابياس بل وصل بأحدهم وهو القس منيس عبد النور بأن يصفه بالنبوغ فهو يقول ما نصه:
(بابياس: أسقف هيرابوليس في آسيا ، نبغ بين 110 و 116 م واجتمع ببوليكاربوس ، وربما اجتمع بيوحنا الرسول).
وهو نفس الكلام الذي نقله " نقل مسطرة " الدكتور داود رياض في كتابه من يقدر على تحريف كلام الله ؟ (من يقدر على تحريف كلام الله ص 14).
فهل يتجاهل هؤلاء القساوسة والدكاترة حقيقة هذا الرجل ، أم هي مصيبة النقل بدون تمحيص وتحقيق للأقوال ؟؟؟! فإن هذا " النابغة " الذي يتكلم عنه القساوسة وأساتذة اللاهوت الدفاعي ، هو إنسان عديم الإدراك وحتى لا أخوض أكثر في وصف هذا البابياس سأكتفي بما ذكره أبو التأريخ الكنسي يوسابيوس القيصري فيقول ما نصه:
(ويدون نفس الكاتب روايات أخرى يقول أنها وصلته من التقليد غير المكتوب وأمثالاً وتعاليم غريبة للمخلص، وأمور أخرى خرافية).. (تاريخ الكنيسة ك3 ف39 فقرة11)..
ويستمر أبو التأريخ الكنسي الذي يعرف عن الرجل أكثر مني وأكثر من ناعسي القساوسة والدكاترة إذ يقول عنه (إذ يبدو أنه كان محدود الإدراك جداً كما يتبين من أبحاثه . وإليه يرجع السبب في أن الكثيرين من أباء الكنيسة من بعده اعتنقوا نفس الآراء مستندين في ذلك على أقدميه الزمن الذي عاش فيه ، كإيريناوس مثلاً وغيره ممن نادوا بآراء مماثلة)). (تاريخ الكنيسة ك 3 ف 39 فقرة 13).
قلت : ـ ولَعمري ـ متى ينصف القوم ويتحرروا من محدودية الإدراك التي ورثوها ممن سبقهم ؟؟
تأتي هذه الشهادة من يوسابيوس القيصري بالرغم من أن بابياس كان يزعم أن كل ما يقوله هو صحيح تماماً وأنه تسلمها ممن سبقه من الشيوخ فهو يقول بالنص(لا أتردد في أن أضيف ما تعلمته وما أتذكره جيداً من تفاسير تسلمتها من الشيوخ، لأني واثق من صحته تماماً . أنا لم أفرح ، كمعظم الناس ، بالذين قالوا أشياء كثيرة ، بل بمن يعملون الحق، ولا أفرح بمن يرددون وصايا الآخرين ، بل بأولئك الذين أعادوا ما أعطاه الرب للإيمان واستقوا من الحق نفسه . وإذا جاءني أحد ممن تبع القسوس نظرت في كلام الشيوخ مما قاله اندراوس أو بطرس أو فيلبس أو توما أو يعقوب أو يوحنا أو متى أو أحد تلاميذ الرب ، أو أريستون أو يوحنا الشيخ . فإنني ما ظننت أن ما يٌسقى من الكتب يفيدني بقدر ما ينقله الصوت الحي الباقي) (تاريخ الكنيسة ك3 ف 39 فقرات 3،4 أنظر أيضاً Irenaeus: Adv.Haer.5:32 ).
ويكفي أن نعرف أن القديس أغسطينوس اعتبر من يعتقد بعقيدة بابياس هو منحرف عن الإيمان" في أنه بعد قيامة الأجساد من الموت سيكون هناك ألف سنه على الأرض عبارة عن مملكة يعود فيها المسيح إلى الأرض وفي هذه المملكة توجد 10.000 كرمة كل كرمة بها 10.000 غصن ، وكل غصن به 10.000 عنقود ، وكل عنقود يحوي 10.000 حبة من العنب ، وكل حبة عصيرها يملأ 25 مكيالاً من الخمر".(المدخل في علم الباترولوجي ـ 1 الآباء الرسوليين ـ القمص تادرس يعقوب ملطي صفحة 148).. إذاً بشهادة القديس أغسطينوس فإن بابياس كان منحرف عن الإيمان !! ويبدو أن القائلين بعدم تحريف الكتاب المقدس يريدون أن يعودوا بعقارب الساعة إلى الوراء حينما كان آباء الكنيسة ساقطين وغارقين في خدعة بابياس الذي ضلل آباء الكنيسة لقرون طويلة حتى أفاقوا على الحقيقة المرّة وهي أن بابياس لم تكن شهادته تساوي جناح بعوضه وإليكم شهادة أحد رهبان الكنيسة القبطية يقول: (( ولم تعد لآراء بابياس أهميتها التي ظلت قرون طويلة تؤثر على فكر آباء الكنيسة وتوجه آراءهم . بل إن يوسابيوس كان سباقاً في هذا الشأن عندما قال " إن بابياس كان محدود الإدراك جداً كما يتبين من أبحاثه" )) ( مصادر طقوس الكنيسة الديداخي ـ صفحة 65 ).
والسؤال هو لماذا يصر المبصرُ أن يُغمض عينيه ؟ أما آن للقساوسة والدكاترة أن يُصغوا للمنهج العلمي الرصين ، وألا يسيروا على خطى أقوال بابياس بعدما ضيّع آباء الكنيسة أمثال إيريناوس وغيره ؟، وهل تُقبل شهادة رجل كهذا ـ محدود الإدراك جداً ـ في نسبة كلام إلى الله عزَّ وجلَّ ؟ .
أكلمندس الروماني ( بعد سنة 96)
وإستمراراً في التخبط ـ أقصد الاستشهاد بآباء الكنيسة ـ ذكروا أكلمندس الروماني، فعلى سبيل المثال ما ذكره الدكتور القس منيس عبد النور " أكليمندس: أسقف روما وعمل مع الرسول بولس ( فيلبي 4 : 3 ) وكتب رسالة إلى كنيسة كورنثوس استشهد فيها بكثير من أقوال المسيح الواردة في الإنجيل ، ومن رسائل الرسل " .( شبهات وهمية ـ صفحة 26).
ولو أن الدكتور القس وغيره من عشرات القساوسة الذين يرددون نفس الكلام قد كلّفوا أنفسهم عناء قراءة هذه الرسالة لعلموا أن أكلمندس الروماني كان يقتبس كلاماً على أنه من الكتب المقدسة ولا نجد له أي أثر في الكتاب المقدس الذي بين أيدينا الآن ، على سبيل المثال لا الحصر يقول ( فخليق بنا أيها الأخوة إذن أن نلتصق بهذه الأمثلة ، لأنه مكتوب : التصقوا بالقديسين لأن الذين يلتصقون بهم يصيرون قديسين)) (رسالة اكلمندس الروماني إلى الكورنثيين ـ 46 : 2). ويعلق الدكتور وليم سليمان قلادة على هذا النص في الهامش قائلاً : "غير موجودة في الكتاب المقدس" ، أفتونا هداكم الله هل ينطبق على القديس أكلمندس الروماني نص الكتاب في رؤية يوحنا اللاهوتي (لأني اشهد لكل من يسمع أقوال نبوة هذا الكتاب إن كان احد يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب ) (رؤية 22 : 18)..
يا ليتهم كلّفوا أنفسهم عناء قراءة هذه الرسالة حتى يعلموا أن الرجل كان محدود الإدراك جداً ولا يوجد لديه الحد الأدنى من منهجية البحث والتحقيق في صحة الأقوال التي يسمعها ، فإنه يخبرنا في رسالته أن في نواحي المشرق أي بلاد العرب وما حولها يوجد طائر العنقاء وطبعاً الدكاترة والقساوسة يعلمون أن طائر العنقاء طائر خرافي أسطوري لا حقيقة له ـ ولكننا لا نتوقع مراجعةً من الآباء المطارنة ولا عظمائنا من البطاركة والأساقفة لأن فاقد الشيء لا يعطيه ـ تعالوا ننقل كلام اكلمندس الروماني في رسالته التي يتغنى بها هؤلاء:
(( فلنتأمل الأعجوبة الغريبة التي تحدث في نواحي المشرق، أي بلاد العرب والأقاليم المحيطة بها . هناك طائر يسمى العنقاء : هو وحيد في نوعه ويعيش خمسمائة عام ، وعندما تقترب نهايته ليموت ـ يقيم لنفسه باللبان والمر وغيرهما من الأطياب عشاً يدخله عندما تكمل أيامه حيث يموت ، ومن جسمه المتحلل تولد دودة تغتذي من بقايا الطائر الميت وتتغطى بالريش . ثم إذ تصبح قوية ، تحمل العش الذي تستقر فيه عظام أبيها ، وبهذا الحمل تواصل رحلتها من العربية إلى مصر حتى مدينة هليوبوليس ، هناك في وضح النهار وعلى مرأى من الجميع تمضي طائرة لتضعه على مذبح الشمس وبعد ذلك تسرع عائدة إلى مقرها الأول ، حينئذ يفتش الكهنة سجلات تواريخهم ، ويجدون أنها عادت بالضبط بعد تمام الخمسمائة عام )). (رسالة اكلمندس الروماني إلى الكورنثيين 25 : 1 – 5).