العنوسة تؤرق المجتمع وتهدد استمراره
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الزواج [ ] في نظر الإسلام شريعة وسنة، وربما وصل إلى الفريضة في بعض الأحيان، وقد شرع الزواج [ ] من أجل العفة وحفظ النسل واستقرار المجتمع، فإعفاف النفس [ ] وصونها أفضل ما تقرب به المتقربون إلى الله - تعالى -.
كما لا يخفى ما في ترك الزواج [ ] من الآثار النفسية السيئة على كل من الرجل والمرأة.
ويهيئ الزواج [ ] لكل من الرجال والنساء [ ] متعة من أعظم متع الدنيا، وهذه المتعة تنقسم إلى قسمين: سكن وراحة نفسية، وإمتاع ولذة جسدية، قال - تعالى -: (وَمِن آيَاتِهِ أَن خَلَقَ لَكُم مِن أَنفُسِكُم أَزوَاجاً لِتَسكُنُوا إِلَيهَا وَجَعَلَ بَينَكُم مَوَدَّةً وَرَحمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ, لِقَومٍ, يَتَفَكَّرُونَ) (الروم/21).
والسكن إلى المرأة [ ] يشمل سكن النفس [ ] وسكن الجسم، كما أن المودة والرحمة من أجمل المشاعر. فالمتع الجسدية والنفسية تعمل عملها في نفس الإنسان وفكره وقواه النفسية والبدنية فيشعر بالرضا [ ] والسعادة [ ] والراحة النفسية والجسدية، حيث تتصرف طاقته وغريزته بأنظف الطرق وأطهرها، أما تصريف الشهوة [ ] خلال قناة غير شرعية فتكون متعته محدودة توجد بوجود اللذائذ الحسية، وتنتهي بانتهائها، ويأتي بعد ذلك شعور بالاحتقار والازدراء والامتهان، وتلك المشاعر غالبـًا ما تولد العقد النفسية والانحلال الخلقي وضعف الوازع وهوان النفس، أما مشاعر الأزواج فإنها تورث الحب [ ] والرحمة وسمو النفس [ ] وحياة الضمير والقلب، وإحساس الزوج [ ] بالمسؤولية تجاه الأسرة ينمي قدرته على القيام بالواجب، ويجعل له هدفـًا ساميـًا، وهو إسعاد أسرته وحمايتها، والسعي من أجل متطلباتها، فيبذل جهده ويزيد من إنتاجه، مما يعود على المجتمع بالنفع.
ومن حكم الزواج [ ] وفوائده، بلوغ الكمال الإنساني، فالرجل لا يبلغ كماله الإنساني إلا في ظل الزواج [ ] الشرعي الذي تتوزع فيه الحقوق والواجبات توزيعـًا ربانيـًا قائمـًا على العدل والإحسان والرحمة لا توزيعـًا عشوائيـًا قائمـًا على الأثرة وحب الذات.
ناقوس الخطر يدق:
بالرغم مما عددناه من فوائد دينية واجتماعية ونفسية للزواج إلا أن مجتمعنا اليوم يشهد عزوفـًا ملحوظـًا عن الزواج [ ] مما أدى إلى تفشي ظاهرة العنوسة التي أصبحت تهدد استقرار المجتمع، ولكن هناك عدة عوامل أدت إلى نشوء العنوسة، يأتي في مقدمتها الجانب الاقتصادي، فبتزايد أعداد السكان في جميع البلدان مع تراجع فرص الحصول على عمل مناسب وانتشار البطالة، أصبح الشاب عاجزًا عن توفير متطلبات الزواج، إضافة إلى المبالغة في المهور وتكاليف الزواج.
فالوعي الاجتماعي غير السليم يجعل للزواج احتياجات مادية مرهقة تدفع الشاب إلى الفرار وتكون النتيجة ضررًا يلحق بالطرفينº فالشعور بالقناعة أحيانـًا يكون معدومـًا لدى الفتيات برغم تقدم أعمارهنَّ، فالزواج [ ] لا يتم عادة إلا بمصاريف باهظة بدءًا من حفل الزواج [ ] إلى الأثاث الفاخر الذي يكون مصدرًا لتباهي الزوجات بجودته وماركته المعروفة.
كل هذا يجعل تكاليف الزواج [ ] تفوق ما يمكن أن يكسبه الشاب في عشر سنوات، وبالتالي فإن الهروب من الزواج [ ] أصبح هو الحل!
الجدير بالذكر [ ] أنه انتشرت أيضـًا في الآونة الأخيرة دعوات تندد بالزواج [ ] المبكر وأضراره النفسية والاجتماعية، وعقدت الندوات والمؤتمرات الدولية، وسنت التشريعات من خلال منظمات حقوق الإنسان، وقد غالى بعضها إلى حد تجريم الزواج [ ] المبكر، وقد لاقت تلك الدعوات قبولاً في مجتمعنا.
أيضـًا وسائل الإعلام وعلى رأسها التليفزيون والسينما أثرت تأثيرًا عميقـًا في نظرة الشباب [ ] إلى الزواج، حيث كثيرًا ما تصوره على أنه قيد يعوق انطلاق الشباب [ ] وتقدمهم، فأصبح القادرون على توفير نفقات الزواج [ ] في فترة قصيرة يصرفون اهتمامهم إلى اقتناء السيارة الفاخرة، أو تغيير الهاتف النقال أو السفر والسياحة والتنزه، وأصبح الشاب يعتبر الزواج [ ] عائقـًا عن تحقيق هذه الأمور، فيدفع عن ذهنه أي تفكير في الارتباط.
كذلك الفتيات تصور لهن وسائل الإعلام أحيانـًا الزواج [ ] على أنه تبعية وقتل لقدراتهنَّ وإبداعاتهنَّ وأنهنَّ لن يستطعن أن ينجزن شيئـًا من طموحاتهنَّ في ظل مؤسسة الزواج، فتتمنع الفتاة حتى تلحق بركب العنوسة.
وكذلك تفضيل الفتاة لوثيقة الدراسة على وثيقة الزواج [ ] جعلها تنصرف إلى استكمال الدراسة والحصول على الماجستير والدكتوراه وترفض الارتباط إلا بعد الحصول على مركز علمي معين أو منصب يُناسب مؤهلاتها، مما يجعل سنوات عمرها تضيع، وما أن تفيق حتى تجد نفسها وقد أصبحت عانسـًا.
العنوسة في الإحصائيات:
بلغت نسبة العنوسة في مختلف البلدان العربية معدلات خيالية باتت مقلقة للشعوب والحكومات على حد سواء.
ففي منطقة الخليج أكدت إحصائية صادرة عن وزارة التخطيط السعودية أن ظاهرة العنوسة امتدت لتشمل حوالي ثلث عدد الفتيات السعوديات اللائي في سن الزواج، وأن عدد الفتيات اللائي لم يتزوجن أو تجاوزن سن الزواج [ ] اجتماعيـًا - وهو (30) عامـًا - قد بلغ حتى نهاية 1999م حوالي مليون و(529) ألفـًا، و(418) فتاة، وذلك بسبب غلاء المهور والتكاليف الباهظة.
جدير بالذكر [ ] أن حالات الطلاق [ ] قد ارتفعت في الخليج بنسبة كبيرة حسبما أكد تقرير لوكالة أنباء الشرق الأوسط، حيث بلغت نسبة الطلاق [ ] في البحرين (34 في المئة)، وفي الكويت (29 في المئة)، وفي قطر (38 في المئة)، وفي الإمارات (37 في المئة).
وتشير الإحصائيات الرسمية في مصر [ ] إلى أن عدد الفتيات العانسات يصل إلى أربعة ملايين فتاة، بالإضافة إلى مليون فتاة فاتهنَّ قطار الزواج!
وأكد تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء وجود نحو تسعة ملايين شاب وفتاة في عداد العوانس والعانسات، وترجع أسباب العنوسة في مصر [ ] إلى عجز معظم الشباب [ ] عن تأثيث مسكن الزوجية، وكذلك إلى انصراف الشباب [ ] إلى الزواج [ ] من أجنبيات للحصول على جنسية بلد أجنبي أو لرخص تكاليفه.
وننتقل من مصر [ ] إلى العراق، حيث أفادت إحصائية نشرت في العراق أن مليون امرأة تتراوح أعمارهن بين (35) و (43) عامـًا غير مرتبطات في مجتمع يعاني من ظروف اقتصادية صعبة، فبسبب الحظر المفروض على الشعب العراقي منذ أكثر من عشر سنوات، تشكل نفقات الزواج [ ] عبئـًا كبيرًا على الشباب [ ] العراقيين، خصوصـًا مع ارتفاع أجور السكن وغلاء المهور.
وفي سوريا [ ] تشير الإحصائيات إلى أن نصف الشباب [ ] السوريين في سن الزواج [ ] عازفون عنه أو تأخروا بسبب ضعف قدراتهم المادية وعدم توافر المساكن وغير ذلك، وأصبح موضوع الزواج [ ] في سوريا [ ] صعبـًا للغاية بسبب ارتفاع أسعار الشقق السكنية مقارنـًا بدخل الفرد الذي يبلغ متوسطه (42) دولارًا شهريـًا، في حين وصل أعلى راتب شهري في الدولة إلى ما يوازي (210) دولارات شهريـًا.
وفي لبنان نجد أن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة منذ سنوات تسببت في هجرة ثلث الشباب [ ] اللبناني أو أكثر، ومن تبقى منهم يعاني أزمات السكن والعمل والبطالة، وهذا كله يؤدي إلى ازدياد أعداد الشباب [ ] غير المتزوجين.
وفي ليبيا يمر الزواج [ ] في المجتمع الليبي بمراحل مختلفة وفق عادات وتقاليد تتطلب صرف أموال طائلة لإتمامها، يعجز الكثير من الشباب [ ] عن القيام بتلبيتها، علاوة على الغلاء في المهور الذي يصل إلى (15 ألف دولار)، بالإضافة إلى تحمل كافة تكاليف إعداد المسكن وتجهيزه مما يثقل كاهل الشاب بمسؤولية تجعله يحجم عن الزواج، مما يؤدي إلى تفشي العنوسة.
وفي المغرب تجاوز الشباب [ ] والفتيات سن الزواج، ويعزى الكثير من السلبيات والانحرافات هناك إلى العنوسة.
وقفة للمراجعة والحسابات:
لا يخفى على أحد ما تؤدي إليه العنوسة من أخطار جسيمة تحيط بالمجتمع، مما يستدعي بالمقابل تضافر الجهود والتعاون بين الأطراف لتقليص نسبة العنوسة المرتفعة.
فأولاً تكون المبادرة على مستوى الأفراد بحيث تكون لديهم قناعة بأهمية التيسير في الزواج [ ] وعدم التمسك بالعادات والتقاليد، فالآباء والأمهات في الوقت [ ] الذي يشكون فيه من تقدم أعمار بناتهن، عندما يأتيهم خاطب يفرضون عليه شروطـًا تكاد تكون تعجيزية بالنسبة له، مما يدفعه إلى الفرار، ولكن إذا تفهمت الأسر الوضع الحقيقي للشباب وغلاء المعيشة وصعوبة الحصول على سكن فسيسود نوع من التعاون بين الطرفين ويستطيع الشاب تأسيس أسرة.
وقد أدركت الدول والمؤسسات مدى خطورة هذه الظاهرة، وبدأت في إيجاد الحلول لتقليص العنوسة.
ففي الكويت قامت مجموعة من رجال الأعمال ومسؤولي الجمعيات الخيرية والأهلية بالإعلان عن تأسيس صندوق للزواج يستهدف التوفيق بين الراغبين من الجنسين في الزواج، وتقديم القروض المالية اللازمة على أن تكون بدون فوائد، وعلى أقساط قليلة ومريحة.
وفي الإمارات تم إنشاء مشروع برعاية الدولة يُمنح من خلاله الشاب الإماراتي (70) ألف درهم عند زواجه من مواطنة إماراتية تحفيزًا للشباب، وقد تمت آلاف الزيجات من خلال هذا المشروع.
ونظم الاتحاد العام لشباب العراق في منتصف شهر أكتوبر الماضي حفل زواج جماعيـًا شمل (974) من الشباب [ ] والشابات.
وفي سوريا [ ] شارك (24) شابـًا وشابة في عرس جماعي أقيم برعاية وزارة الثقافة في أول بادرة من نوعها لتشجيع الشباب [ ] على الزواج.
وفي مصر [ ] أشار الدكتور \" أحمد محمود \" الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر إلى ضرورة إعمال آليات التكافل الاجتماعي في الإسلام عن طريق الأثرياء ورجال الأعمال.
ويشدد الشيخ \"منصور الرفاعي \" وكيل الأوقاف السابق على ضرورة إنشاء صندوق للزواج في مصر [ ] أسوة بصندوق التكافل الاجتماعيº ومن المتصور أن يسير عمل الصندوق في ثلاثة محاور:
المحور الأول: محور التوعية في المساجد ونوادي الشباب [ ] ووسائل الإعلام، وفي المصانع والاتحادات العمالية.
أما المحور الثاني: فيتمثل في البحث الاجتماعي ودراسة الأسباب الاجتماعية للمشكلة، واقتراح الأساليب الملائمة للعلاج.
ومن خلال المحور الثالث يتم إنشاء المساكن وتشكيل لجنة لوضع تخطيط وتصميم لمساكن المتزوجين حديثـًا بأقل تكلفة.
فبجهود الحكومات والمؤسسات والأفراد أيضـًا يمكن تقليص العنوسة وتفادي آثارها الخطيرة على المجتمع.
فالعوانس في الغالب يسيطر عليهنَّ شعور بالتمزق والطيش وضعف الوازع والرغبة في الهدمº لأنهنَّ حرمن من نعمة الزواج [ ] والأولاد، ولذلك جاء الإسلام بالقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة فأمر بتزويج العوانس والأرامل، حيث قال الله - تعالى -: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُم وَالصَّالِحِينَ مِن عِبَادِكُم وَإِمَائِكُم إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (النور/32).
والأيم هي التي مات عنها زوجها، والأمر هنا للمسلمين عامة وأولي الأمر خاصة، فحرمان المرأة [ ] من نعمة الزوج [ ] ربما يخلق منها امرأة ناقصة عقليـًا وخلقيـًا وفكريـًا، ويكون هذا بظلم من المجتمع والمجتمع هو الذي يجني ثمار هذا ا
الحل العلمي لمشكلة العنوسة
بسم الله الرحمن الرحيم
العنوسة آفة خطيرة أصابت كل المجتمعات، وإن اختلفت درجة ظهورها وحدتها وخطورتها من مجتمع لآخر تبعا لظروفه الاقتصادية والاجتماعية وتركيبته السكانية وعاداته وتقاليده.
ونلقي الضوء على نسبة العنوسة في بعض المجتمعات من خلال ما نشرته جريدة عكاظ لندرك حجم الخطر الذي يمثله هذا المرض [ ] الاجتماعي كما يلي:
في فرنسا: أكد تقرير المعهد الفرنسي للإحصاء تراجع نسب الزواج [ ] بين الفرنسيين للعام الثاني على التوالي وكانت النسبة قد سجلت انخفاضا عام 1992 م- حيث تدنت بمقدار 3%، وارتفعت نسب رفض الزواج [ ] في الثلث الأول من عام 1993م حيث بلغ الانخفاض 7% عن الفترة نفسها من عام 1992م كما أن نسبة 50% من الزيجات التي تمت عام 1993 م كانت غير فرنسية خالصة، وإنما زيجات مختلطة، أغلبها لرجال من شمال أفريقيا \"تونس، المغرب، الجزائر\" وسيدات فرنسيات.
ولم تمثل نسب زواج الفرنسيين من أوربيين أكثر من 25% من مجموع الزيجات. كما أن ثلث النساء [ ] اللائي بلغن الخامسة والعشرين عازبات في مقابل امرأة واحدة من كل بلغن الخامسة والثلاثين لم تتزوج، بعد وتبذل الحكومة الفرنسية جهودا كبيرة لتشجيع الشبان والشابات على الزواج، حيث تخصص لهم إعانات للطفلين الأول والثاني بشكل تصاعدي ولكن لم تفلح هذه المجهودات في إقناع الفرنسيين بالإقبال على الزواج.
في الإمارات العربية المتحدة: أظهرت دراسة حديثة عن أسباب تأخر سن الزواج [ ] في دولة الإمارات نشرت في إحدى المحلية أن نحو 50% من الشباب [ ] يرون أن الشروط التعجيزية التي يضعها الأهل تقف حجر عثرة في طريق إتمام زواجهم المبكر، وهي السبب في عزوفهم عن الزواج.
وأوضحت الدراسة التي أعدتها إحدى الجمعيات النسائية بالإمارات أن مطالبة أهل الفتاة بمهر كبير، ومكان متسع، وسيارة حديثة تعطل الشباب [ ] عن التقدم للزواج في سن صغيرة حتى يتمكن من جمع مبلغ ضخم يغطي هذه المطالبة.
كما أن 40% من الفتيات يرين أن الشباب [ ] حريصون على الزواج [ ] من مواطنات مهما كانت الظروف الاقتصادية.
و65% من الشباب [ ] يقولون: إن الفتاة تؤجل الموافقة على الزواج [ ] انتظارا لتقدم الأفضل.
وجاء في الدراسة أن الحل العملي لهذه المشكلة هو في سن قوانين تحدد المهور وتكاليف الزواج، وقد أيد هذا الحل 55% من الشباب [ ] و 50% من الفتيات.
ومن الحلول العملية لمشكلة العنوسة في الإمارات إنشاء صندوق للزواج برأسمال مائة مليون درهم من تبرعات التجار ورجال الأعمال والأثرياء لتقديم المساعدات للشباب الراغب في الزواج [ ] من مواطنات، كما أجمعت القبائل بدولة الإمارات على ضرورة تخفيض المهور وتكاليف الزواج [ ] واتخذت قرارات إلزامية للمنع الإسراف في الحفلات، والعودة للتقاليد الإسلامية والعربية الأصيلة، وفي هذا الصدد أكد الشيخ محمد عبد الله الخطيب كبير الوعاظ والرئيس السابق للجنة الفتوى بوزارة الأوقاف بدولة الإمارات العربية أن ارتفاع سن الزواج [ ] مشكلة يعاني منها العالم الإسلامي كله نتيجة ارتفاع المهور، وعدم إدراك الآباء لخطورة هذا الأمر، رغم أن الأصل في الإسلام هو التيسير في كل شيء، فعلى كل أب سواء للشاب أو الفتاة أن يساعد وييسر حتى تقترب وجهات النظر، والتخلي عن توافه الأمور، وعدم التقيد ببعض التقاليد التي لا أساس لها، وترك ما من شأنه أن يؤثر أثرا سيئا في حياة الزوج [ ] حتى لو تم الزواج [ ] كالاستدانة وغيرها من الضغوط التي تصيب العلاقات الاجتماعية والأسرية بالفتور والضعف فيما بعد.
وعن حكم الدين في الفتاة التي تبحث لنفسها عن زوج يرى الشيخ محمد الخطيب في جريدة المسلمون أنه لا يوجد مانع، لكن هذه الظاهرة غير معهودة، وفي المملكة العربية السعودية أظهرت دراسة ميدانية- تتعلق بالشباب [ ] ومشكلاتهم ووضعهم وما يعانون ويحسون به وما يريدونه من المجتمع الذي يعيشون فيه قام بها الدكتور حمود ضاوي القثامي كما ذكرت جريدة اليوم 13/12/1993م أن للزواج أثرا على نفسية الفتاة خصوصا هذه الأيام، وأن الزواج [ ] أصبح همها الأول، كما أن الفتاة السعودية تعاني من عزوف الشباب [ ] عن الزواج [ ] منها، وترفض بشدة غلاء المهور وما يطلبه أولياء الأمور من شروط.
وتعتقد الفتاة السعودية أن حظها في الزواج [ ] قد تعثر، ففي حين كانت جدتها وأمها تتزوج في سن مبكرة، وكانت لديها الفرص المتاحة للاختيار تجد نفسها في وضع مختلف اختلافا كليا، ولا داعي لكثرة الشروط التي تنفر من الزواج.
وتطالب الفتاة وسائل الإعلام بتوعية أولياء الأمور، وحثهم على التساهل، وتزويج من يتقدم لهم طالبا يد الفتاة التي لا تمانع اليوم في قبول من يرغب فيها زوجة، كما أن الفتاة السعودية لا تمانع أيضا في تعدد الزوجات [ ] الذي يحل مشكلة العنوسة إلى حد ما، ولديها اعتقاد بأن انتظار الفتاة الطويل قد يتحول إلى كابوس، ورد فعل يسبب لها الكثير من المشكلات.
وعلى الرغم من شكوى الشباب [ ] من غلاء المهور إلا أن اهتمام الشباب [ ] بالزواج [ ] كان أقل بكثير من اهتمام الفتاة التي جعلته مشكلتها الأولى، والمحور الأساسي في حياتها، وأن شكوكها في فوات القطار أصبحت تزداد حتى أن الشك يراودها ويجعلها تفكر بجدية حول مرور هذا القطار من أمامها دون اللحاق به، وتظل حبيسة شبح العنوسة.
في المغرب: كشفت الإحصاءات التي أجرتها اللجنة الخيرية للزواج بجدة على الرسائل والمكالمات الهاتفية الواردة من المغرب أن أكثر من 99% من طلبات الزواج [ ] التي تأتي من المغرب لنساء، وأكثر من نصف هذه الطلبات تريد صاحباتها عرسانا يعيشون خارج المغرب، ولا يشترطن شروطا معينة مثل الجنسية، أو كون الشاب لم يسبق له الزواج، أو صغر السن.
وأغلب صاحبات الطلبات موظفات، ومنهن من تخرجت في التعليم ورفضت العمل لأن المؤسسة التي تقدمت لها تشترط عليها أن تخلع حجابها، وأن تبدي زينتها كما ذكرت جريدة المسلمون في 8 ربيع الآخر 1414 هـ.
وتدل هذه الرسائل على أن صاحباتها على درجة طيبة من التعليم بالإضافة إلى ثقافة عالية وخلق طيب، ومن عائلات كريمة بعضها ذو مستوى مادي لا بأس به، فتيات في سن الزواج [ ] وآنسات فوق الأربعين، ومنهن المطلقات والأرامل والجميع يعرضن أنفسهن للزواج بدون شروط مجحفة أو مبالغ فيها.
في الكويت: ارتفع إجمالي عدد العوانس والمطلقات والأرامل إلى نحو 40 ألف امرأة كما جاء في الإحصائية الرسمية التي نشرتها اللجنة الاجتماعية لمشروع الزواج [ ] بالكويت في جريدة الأمة الإسلامية.
وتصرف الدولة رواتب شهرية للمطلقات والعوانس والأرامل إلا أنهن مهضومات الحقوق، ولا تقدم لهن خدمات اجتماعية ونفسية لتخفيف الضغط النفسي عليهن.
وتشكل نسبة العوانس والمطلقات والأرامل نحو 40% من إجمالي عدد النساء [ ] في سن الزواج [ ] \"فوق العشرين عاما\". وأكدت الإحصائية الرسمية على ضرورة الاهتمام بهذه الظاهرة، وبحثها ودراستها، ووضع الحلول العملية والعلمية لها، لما تشكله من أخطار اجتماعية ونفسية، وما تمثله من عبء على ميزانية الدولة، كما أكدت على الهدف الأساسي للجنة الاجتماعية لمشروع الزواج، وهو تكوين أسر قوية متماسكة، تنهل من القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة.
في الأردن: زادت نسبة العنوسة نتيجة العديد من العقبات التي تقف في طريق الزواج [ ] كما ذكر عدد من أعضاء مجلس النواب الأردني في جريدة ((المسلمون)) وأثار النواب الأردنيون موضوع الإسكان كعقبة يشكو منها الراغبون في الزواج [ ] الذين يصطدمون بعدم القدرة على شراء أو استئجار بيوت أو شقق للسكن بسبب ارتفاع أسعار الأجور.
وطالب أعضاء البرلمان بتسهيلات عامة لتمكين الشباب [ ] المقبلين على الزواج [ ] من دفع الأثمان أو الأجور بأقساط مريحة، حيث إن معدل الراتب مابين 120 و 150 دينارا، فكيف يستطيع الشاب تأمين منزل الزوجية؟ فقد لا يكفي الراتب لدفع الأقساط والإيجارات، ويؤخر عدم الحصول على المساكن الزواج، حتى أصبح معدل العمر للرجل الأعزب يزيد على خمسة وعشرين عاما.
وتشكل قضية السكن مشكلة اجتماعية لمن لا يرغبون في السكن في بيت العائلة، كما تعد المغالاة في المهور مشكلة كبيرة وتجهيز الزوجة [ ] والسكن وأيضا المغالاة في نفقات الأعراس والحفلات التي تقام بمناسبة الزواج.
وحث الأعضاء في مجلس النواب الموسرين على أن يكونوا القدوة في اختصار النفقات، وعدم البذخ فيها، لأن المشاكل الزوجية التي تشهدها المحاكم الشرعية سببها عدم القدرة على الوفاء [ ] بالديون الناشئة عن الحفلات في أول الحياة الزوجية.
في مصر: توصلت دراسة مهمة أجرتها الباحثة نوال أبو الفضل الخبيرة الاجتماعية إلى أن سن الخامسة والعشرين بالنسبة للرجل، وسن الثانية والعشرين بالنسبة للفتاة هي بداية مرحلة الشعور بالخوف من الحرمان من الزواج، وهي بداية هم العنوسة عند الفتاة المتعلمة، وأن هذه السن تقل بنسبة سبع سنوات عند غير المتعلمات والمتعلمين، كما أن تفاعل الظروف الاجتماعية والاقتصادية مع معيار تأخر سن الزواج [ ] يؤدي بالضرورة إلى القلق [ ] النفسي وعدم النضج الاجتماعي كما ذكرت \"جريدة المسلمون\".
وانتهت الدراسة إلى عدة نتائج علمية ذات دلالة هامة منها:
1- أن الزواج [ ] المبكر يدفع الزوج [ ] إلى العمل والكد وتكون الفرصة في النجاح أكبر.
2- الزواج [ ] المبكر يجعل الزوجين أكثر ارتباطا ببعضهما البعض ويجعل كل طرف أدنى إلى مسايرة الطرف الآخر، بعكس الزواج [ ] بعد الثلاثين حيث يتمسك كل واحد برأيه أكثر.
3- أن 80% من مجموعة الأسر التي تم زواجها بعد العشرين أبدت سعادتها من القرار، ورغبتها في أن يتكرر ذلك مع الأبناء و 60% من الأسر التي تزوجت في حدود الثلاثين أبدت رغبتها في الزواج [ ] المبكر.
4- أن المرأة [ ] أكثر سعادة بالزواج [ ] المبكر من الرجل، حيث كانت النسبة 5: 3 لمن في سن العشرين، و 4: 3 لمن في سن الثلاثين، وأن المسئولية المادية على الزوج [ ] هي السبب الأول وراء ذلك، و 80% ممن أجري عليهم البحث اعترفوا بذلك وشملت العينة 40 أسرة، 20 منها تزوجت في سن 25 عاما والـ 20 الأخرى تزوجت في سن الثلاثين.
كما تظهر النسب والأرقام من خلال الملفات والاستمارات التي توزعها جمعية أنصار السنة المحمدية للواقعين تحت وطأة العنوسة التي تزداد يوما بعد يوم بسبب الظروف الاقتصادية التي يمر بها الشباب، والتباعد وضعف العلاقات الاجتماعية بين الأقارب والجيران، واللهث الدائم وراء متطلبات الحياة المتزايدة تظهر هذه الملفات والاستمارات وما تحتويه من الأمور السرية للغاية بعض الحقائق كما ذكرت جريدة \"المسلمون \" منها:
- 95% من الراغبات يؤكدن على شرط الالتزام والتدين في الاختيار.
- يمثل المتقدمون كل فئات المجتمع من الناحية الثقافية والاجتماعية، ويمثل المثقفون إلى المهنيين نسبة أربعة إلى واحد.
- 35% يشيرون إلى شرط الجمال عند الاختيار، وتشير النسبة الغالبة إلى أن يكون الجمال متوسطا.
- نحو 56% من المتقدمين فوق سن الثلاثين و 47% من المتقدمات فوق الثلاثين.
- 76% من الشباب [ ] طلبوا أن تكون الفتاة مرتدية الخمار، و44% طلبوا أن تكون منقبة ونحو 17% لم يحددوا.
-63% من الفتيات لا يطلبن التعجيل بالزواج [ ] فيما يطلب 72% من الشباب [ ] التعجيل.
في باكستان: تزداد نسبة العنوسة يوما بعد يوم بسبب التقاليد البالية التي تفرض على المرأة [ ] تجهيز بيت الزوجية، وهي عادة قديمة منذ أن كانت باكستان والهند وبنجلاديش بلدا واحدا، ورغم حصول الاستقلال لباكستان عام 1947م إلا أن رواسب التقاليد الهندية مسيطرة على أغلب شعب باكستان المسلم، ولا يستطيع أحد الفكاك منها، فهي تقاليد اجتماعية موروثة، وبذلك تتحمل الفتاة كل شيء في تأثيث المنزل من الوسادة إلى السيارة، ودون أن يدفع العريس روبية واحدة، ونظرا لصعوبة الحياة المختلفة، والازدياد المستمر في أثاث المنزل بحيث تحولت الكماليات في الماضي إلى شيء أساسي في الوقت [ ] الحاضر لابد منه، زادت الضغوط والأعباء على كاهل الفتاة وأهلها من أجل توفير كل شيء حتى يتم الزواج، وهذا يجعل سن الزواج [ ] متأخرا، بل أن هذه الظاهرة إلى حدوث العديد من الحوادث والقصص المثيرة كما ذكرت جريدة المسلمون في \"29 رمضان [ ] 1414 هـ \" نعرض منها:
- قتل زوج زوجته بإيعاز من أمه بعد أشهر من الزواج [ ] بسبب عدم إيفائها بمتطلبات المنزل.
- رفض طبيب باكستاني إتمام الزفاف حتى توفر زوجته سيارة تليق بمقامه، وعندما عجزت الفتاة اضطر شقيقها لإعطاء العريس سيارته، ورفضت العروس وزوجها والدها رغما عنها وبعد أيام وقع الطلاق.
وقد أظهرت الإحصائيات التي قامت بها إحدى الصحف الباكستانية ارتفاع نسبة الانتحار بين النساء [ ] الباكستانيات، والسبب هو عدم قدرة المرأة [ ] على تجهيز منزل الزوجية، وإحساسها بالفشل في طريق الزواج، وشعورها بالإثقال على أهلها.
ويرى موظف باكستاني أن تجهيز المرأة [ ] لبيت الزوجية هو احترام للزوج، ودليل على أن الزوجة [ ] تقدم كل ما عندها إرضاء لزوجها.
وجهة نظر المرأة [ ] الباكستانية ترى أن هذه الظاهرة ضررها أكبر من نفعها، ومن أضرارها لجوء الأب أو الأخ إلى طرق محرمة أو شاقة لكسب المال، ولجوء المرأة [ ] للعمل ساعات طويلة يوميا لعدة سنوات حتى توفر ثمن الجهاز، وقد يفوتها قطار الزواج [ ] لهذا السبب ومن الأضرار أيضا سوء العلاقة بين الزوجة [ ] وأهلها بسبب إثقالها عليهم، وسوء العلاقة بين الزوجين لشعور الزوجة [ ] أنها صاحبة كل شيء في المنزل، وأنها تستطيع أن تجعل زوجها يعيش على الحصير فإما أن يرضى الزوج [ ] بنصيبه، وإما أن يقع أبغض الحلال.
فالأصل في الزواج [ ] هو السكن والطمأنينة، وأن شروط الاختيار هي الدين والجمال والمال والنسب، فلماذا تترك هذه الشروط ويكتفى بالمال والجهاز.
في هذا الصدد يرى د. محمد عبد التواب عميد كلية الدعوة [ ] وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بإسلام أباد أن الشرع لا يمنع أن تشارك الزوجة [ ] في تجهيز بيت الزوجية، ولكن أن يصل الأمر إلى حد النزاع والخلاف والقتل والطلاق [ ] فهذا أمر يرفضه الشرع، ولابد من إيقاف هذه العادة، لأن ضررها كبير وبالغ، ويلزم التمسك بتعاليم ديننا السمحة.