سياحة الفراعنة الملعونين واثارهم
مشاهدة الاثار الهدف منها العبرة والعظة عند معاينة اثار حضارات اقوام ملعونة كفروا بانعم الله وتكبروا وتجبروا فى الارض بغير حق فاخذهم الله نكال الاخرة والاولى وترك اثارهم وبنيانهم شاهدا على حجم المصائب والكوارث التى دمرتهم باذن الله .. ووصف الله تلك الاقوام الغابرة بانهم كانوا مكذبين و مجرمين ومشركين فاستحقوا غضب الله وعقابه
( قل سيروا في الارض ثم انظروا كيف كان عاقبه المكذبين )
( قل سيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبه المجرمين )
( قل سيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبه الذين من قبل كان اكثرهم مشركين )
وبين سبحانه ان تكذيبهم وشركهم لم يكن عن جهل منهم ولكن استكبارا وعنادا واستحبابهم للكفر عن الايمان بالله .. وانه تعالى ارسل اليهم الرسل والانبياء لدعوتهم للايمان فاستكبروا وكذبوهم واتبعوا سبيل الغى وكفروا بوجوده واصروا على عنادهم و تكذيبهم لهم وما من امه الا وارسل الله اليها رسله وانبيائه واوليائه
( وما ارسلنا من قبلك الا رجالا نوحي اليهم من اهل القرى افلم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبه الذين من قبلهم ولدار الاخره خير للذين اتقوا افلا تعقلون )
( ولقد بعثنا في كل امه رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلاله فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبه المكذبين )
واوضح لنا الله ما كانت عليه تلك الامم والحضارات من نعم انعمها عليها تتمثل فى القوة والغنى والتقدم والعلوم وماكانت تغنى عنها من الله شيئا بعدما جحدوا بها وكفروا بالله وانكروا اسبابه ومنحه العظيمة
( اولم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبه الذين من قبلهم وكانوا اشد منهم قوه وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الارض انه كان عليما قديرا )
( اولم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبه الذين كانوا من قبلهم كانوا هم اشد منهم قوه واثارا في الارض فاخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق )
ونهى سبحانه وتعالى عن زيارة تلك الاماكن دون تأثر واعتبار بالقلب والعين والحواس لادراك عظمة الله وقوته وقدرته وان اى دولة او امة او حضارة باى زمان .. مهما بلغت من قوة وعلم وغنى ومهما طال بها هذا الحال من الرقى والتقدم فانها لن تستعصى على الله اذا استكبرت عليه وانكرت شريعته ومنهاجه واغترت بحالها واشركت بالله ايمانها بعلومها وغناها وقوتها مهما طال بها الامد ولن تكون اكثر من فتنة للشعوب والبلدان المعاصرة لها ليمحص الله العباد ولن تصبح الا عبرة وعظة لمن يخاف العذاب الاليم
( افلم يسيروا في الارض فتكون لهم قلوب يعقلون بها او اذان يسمعون بها فانها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور )
لذا فان هذه النوعية من السياحة والتى نطلق عليها فى عصرنا هذا سياحة المناطق الاثرية التى هى بقايا ابنية شاهدة على حضارات كانت عظيمة ولكنها كافرة ومستكبرة فاخذها الله اخذ عزيز مقتدر .. لا يجب ان تكون على هذا الحال الذى نراه اليوم من الفرح والمرح واللهو والفخر والتعالى بتاريخ الظالمين ولا الى ذلك من كل الافكار الضالة التى تشبعنا بها ودرسناها ورسخت بعقولنا فاصبحنا نتباهى بانتمائنا لتلك الحضارات الضاله الملعونة ونصف اصحابها الملعونين بانهم اجدادنا ونفتخر بالانتساب اليهم وهم حطب جهنم .. لا يليق بامة مسلمة مؤمنة بالخالق ان تتباهى ولا تفتخر بتاريخ اجداد كانوا ضالين مضللين مكذبين مشركين مجرمين استكبروا فى الارض بغير الحق ونسبوا لانفسهم كل قوة ومجد وغنى ورفاهية وعزة وانكروا نعم الله عليهم وجعلوا له اندادا وكذبوا رسله ونكلوا بالمؤمنين وحاربوا كل من خالفهم وكل من تولى الله .. لا يليق باى مسلم مخلص فى ايمانه بالله ان يفتخر ولا ان يتباهى بامم الظالمين سواء من السابقين او الحاليين .. لان الانبهار بالظلم والظالمين هو مشاركة لهم فى ظلمهم حتى لو كان هذا الانبهار ليس بدافع الفخر والتعالى .. ولابد ان لا نعطى الامم الظالمة اكثر من حجمها الفعلى ونرد كل القوة والعظمة واسباب الحضارة ومقوماتها وغناها وعلومها الى الخالق الواجد القوى العظيم .. ولا نستدرج للافتتان بتلك الحضارات السالفة او الحاضرة .. والا نردد تلك العبارات التى تحمل فى طياتها كل معانى الشرك بالله والتى اطلقها المفتونيين بتلك الدول مثل القطب الاعظم.. القطب الاوحد .. الدولة العظمى .. ولا ترديد تلك الصفات التى تجسم وتكبر وتهول من حجم قدرات تلك المخلوقات التى لا تستعصى على الله ولا نتمادى فى توقير تلك الامم الظالمة ولا احترامها ولا التماس العزة والغنى والامان منها او بصحبتها حتى لا يصيبنا غضب من الله او نصيب من المكاره والكوارث التى قد تصيبهم .. وان نلتمس العزة والرفعة والغنى والرزق والامان من الله وحده لا شريك له .. ومن الحضارات الغابرة الملعونة التى مازالت آثارها ماثلة امامنا بقوة وشاهدة على ماوصلت اليه من علم وحضارة وغنى ونظم حكم عاتية هى تلك الاثار الفرعونية بمصر .. والتى مازالت باقية شاهدة على حجم تلك الحضارة التى اندثرت بعلومها واسرارها وشاهدة ايضا على فداحة الكوارث والمهالك التى طمست علوم الفراعنة ومساكنهم ولغاتهم واموالهم ومعابدهم بكوارث مريعة غيرت خريطة مصر الفرعونية القديمة وبدلت جناتها وانهارها لتصبح صحارى وقفارى جرداء .. ومع الحضارة الفرعونية الملعونة التى يهلل لها الضالين المضلين المضللين الذين يريدون من اهل مصر ان يفتخروا بالانتساب اليهم ويريدون ان نتحول من انتماءاتنا الاسلامية العربية المشرفة الى انتماءات مخزية لاجداد كانوا كافرين مشركين مجرمين كاذبين مستكبرين ..ضالين مضللين قوم فتنة وضلال ملعونين بحضارتهم .. كانوا فراعنة ..نتبرأ من الانتساب اليهم والى قبطيتهم .. نبدأ الرحلة .. والله المستعان
سياحة الفراعنة الملعونين واثارهم
بكل قوة الفراعنة ورفاهيتهم وتكبرهم لم يستطيعوا قبول او حتى تجاهل عقيدة التوحيد .. لم يجهلوها فقد عرفوها وسمعوا بها من انبياء ارسلهم الله لهم وللامم المجاورة لهم .. كانت قصص واساطير الامم الاولى من عهد نوح وعاد وثمود وماحل بهم من اهوال ونكبات وقصص عن الخلق والحساب والموت والحياه واليوم الاخر تتردد على مسامعهم بل ومزجوها بمعتقداتهم وحرفوها وسجلوها على جدران معابدهم .. وقيل ان نبى الله ادريس ارسله الله سبحانه وتعالى الى مصر فى عصورها الاولى قبل ابراهيم داعيا الى عبادة الله الواحد القهار ومبشرا ونذيرا .. ولكن دعوته قوبلت بالرفض وتركت فى قلوب وعقول كهنه الفراعنة مرارة وحقد وكراهية لكل مسمى يرمز للوحدانية .. كانت ديانة التوحيد تعنى لهم انتهاء سلطاتهم ونفوذهم على القصور والشعب المصرى القديم .. لذا حاربوها بكل قوتهم وحرضوا عليها الملوك الفراعنة .. وكانوا لا يتهاونون فى ان يمحوا ويزيلوا كل تعريف واثر وكتاب وتعاليم واى رموز تتدعو للتوحيد من قريب او بعيد .. بقاء الهتهم ومعابدهم يعنى لهم الحياة والاستمرارية والسطوة والغنى والنفوذ .. فى تعدد الالهة كل الامان والاستقرار لهم للسيطرة على الملوك وعلى مقاليد الحكم باعظم بلاد الارض واغناها فى تلك الفترة من الزمان والتاريخ وقد ذكرت الايات القرآنية حقيقة تعدد الهه الفراعنة
يوسف (آية:39): ( يا صاحبي السجن اارباب متفرقون خير ام الله الواحد القهار )
.. ويسجل تاريخ الفراعنة الملعونين ما اصاب الداعيين الى عبادة التوحيد عهد اخناتون من مصائب وعداء ادى الى الفتك بهم وبملكهم اخناتون الذى تبنى فكرة التوحيد .. وايضا ماحدث عهد تلك الملكة الملعونة التى تسمى بحتشبسوت صاحبة المعبد الغربى البحرى بالاقصر والتى غنى لها مشاهير الفن الحديث ورقصوا لها على نغمات اغنيتها الشهيرة ( حتشبسوت ياحتشبسوت قفلوا عليكى يا حلوة تابوت ) .. تلك الحلوة التى غنى لها الجهلة بامور عقيدتهم كانت من اشد واشهر الكارهين والناقمين على ديانة التوحيد .. بل كادت ان تفوق فرعون عهد موسى فى عدائها وكراهيتها لاى لفظ يشير الى عبادة اله واحد حتى لو كان اى معبود .. اى دعوة لديانة التوحيد فى عصرها كانت تلقى بصاحبها الى المهالك حتى هؤلاء ممن دعوا لعبادة اتون (الشمس ) واطلقوا عليه المعبود الواحد .. نكلت بهم وشتتهم وعذبتهم بشتى الطرق وابشعها والتى سجلها تاريخهم الملعون .. كانت اكثر الملوك واشدهم وحشية واجراما للفظ التوحيد وعبادة اله واحد .. وعودة الى العهود الاولى للاسر الفرعونية المستكبرة على الخالق والكارهة بملوكها وكهنتها لاى لفظ او دعوة او رمز او مجرد تلميح لعبادة اله واحد لا شريك له .. ونبدأ اول مواجهة حقيقية عرفتها مصر بين رسل الله الداعيين الى عبادة الله الواحد القهار وبين هؤلاء الفراعنة الملعونين المشركيين المستكبرين والمتعاليين على اى عبودية وخضوع لله العلى القدير ..
سياحة الفراعنة الملعونين واثارهم
بظهور خليل الله ابراهيم ودعوته بارض العراق وارتحاله الى ارض كنعان والشام داعيا الى عبادة الله الواحد القهار ونبذ ماعداها من عبادات مشركة مضلة ومضللة .. بدأت مخاوف الكهنة هى الاخرى فى الظهور لاقتراب تلك الدعوة من ارض مصر وبكل الحيل حرضوا ملوكهم على قتل اى دعوة تدعو الى التوحيد وجعلوها نبوءة فرعونية متوارثة عبر الاجيال تنص على ان ظهور اله واحد يعنى زوال عرش فرعون وملوكه من بعده .. وتعلقت تلك النبوءة التى توارثوها ايضا من الانبياء الاوائل والرسل الذين نزلوا بارض مصر قديما منذرين ومبشرين بقدوم رسل من البدو بارض العراق وكنعان يدعون الى عبادة اله واحد لا شريك له .. كانت تلك النبوءة بمثابة هاجس وكابوس مفزع يهدد عروش ملوك وفراعنة مصر .. بل وكل ملوك الارض .. واصرارا من الفراعنة فى التعاظم والتعالى على فكرة وجود خالق واحد ابتدعوا تحنيط الجسد حيث كان المصرى القديم يأبى ان تأكل الارض جسدة وان يتحول الى تراب .. و مافسره احباء الفراعنة من ان تحنيط القدماء للاجساد لايمانهم بالبعث .. نعم هم توارثوا من الانبياء من عهد آدم الى زمنهم ان هناك بعث بعد الموت ولكن تعاليا منهم وانتقاصا لقدرة اى اله على امكانية احياء الموتى من تراب بمفرده ابتدعوا التحنيط ليظهر الكهنة مدى اهميتهم فى مساعدة الالهه للتعرف على الموتى عند حفظ اشكالهم وملامحهم ورسم صورهم على التوابيت وعلى جدران القبور .. بل والاحتفاظ بمتعلقات المتوفى من بعض الاكل والحبوب و المقتنيات الشخصية التى تلزمه حين البعث والتى تساعد اله الموت واله الحياه على التعرف عليه وتحفظه من الارواح الشريرة لعجز الالهه على حماية كل الموتى .. وهذا الاعتقاد امتزج بعقيدة الاقباط المسيحين حيث توارثوها عن الفراعنة ومزجوها بالمسيحية وكانوا يرسمون صورة تفصيلية لملامح المتوفى على التابوت الذى يدفن به ويضعون متعلقاته المحببة اليه معه داخل التابوت .. وهو ما استنكره عليهم ملل الكنائس المسيحية الاخرى واعتبروها خروجا على المسيحية .. ولم تقتصر تحنيط الجثث على الطبقات الغنية والمميزة فى الشعب المصرى القديم ولكن حتى الفقراء كانوا يسعون طيلة حياتهم لتوفير المال اللازم دفعه للكهنة لتحنيط جثثهم وقت الموت .. حيث كان طقوس الموت وتكاليفه من اكفان وتوابيت وتحنيط ومقبرة كلها تحتاج اموالا طائلة .. استكبر الفراعنة ان تأكل الارض اجسادهم فأبت الارض ان تأكلها او تختلط بها .. استكبروا على الارض ان تصير اجسادهم ترابا فسكنتها الافاعى والعقارب والحيات .
سياحة الفراعنة الملعونين واثارهم
وتوجه خليل الله ابراهيم الى مصر داعيا الى عبادة الله الخالق الواحد .. دخل ابراهيم مصر وهو يعلم بمكانتها وعظمتها وقوة ملوكها وسطوتهم .. ولكنه وهو نبى الله ورسوله لم يكن ليدخر جهدا ولا سعة للهجرة والدعوة الى صراط الله المستقيم .. لم تخيفه ملوك الارض وهو الذى تولى ملك الملوك الله العلى القدير .. لم يكن ليترك خلافة الارض لاهل الشرك والكفر يحكمونها باباطيلهم وشركهم مفتتنين الناس بالمال والعلم والرفاهية .. دخل مصر ليس طامعا فى جاه ولا مال ولا سلطان .. ولكن مبشرا بحلاوة الايمان و اخلاص العبودية لله وحده ونبذ ماعداه من شرك واوثان .. ونذيرا من مخالفة الخالق والكفر به .. لم يكن ملك مصر اول الملوك الذى دعاهم ابراهيم للايمان بالله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له بل سبقه ملوك وامراء بارض العراق والشام .. ولكن الفراعنة كانوا اشد تجبرا وبطشا .. كانت مصر الفراعنة التى بهرت زمانها وكل الازمنة الى يومنا هذا .. دخل ابراهيم مصر آملا ان تلقى دعوته استجابة وتزداد مكانة مصر رفعة وقوة باخلاص عبوديتها وتوحيدها لله .. مثل أمام ملكها وكهنتها داعيا اياهم الى دين التوحيد بعبادة الله الواحد القهار .. استمع له الملك باستخفاف ولم يعيره اهتمام .. وبتعالى شديد وكبر استخف بدعوته ولم يجيبه .. من منظوره دعوة ابراهيم لا تستحق اى تعليق او اجابة .. وكعادة الملحدين واهل الشرك عندما يتظاهرون بابتساماتهم الصفراء الحاقدة المزيفة بالتعالى والكبر على المؤمنين .. ناظرين له مستهزئين ولسان حالهم يقول له انه راعى غنم من البدو جدير بمكانته وفقره ان يكون رسولا لاله .. وامعانا فى الاستكبار والظلم رد ملك مصر على دعوته باعطائة بعض الغنم والانعام وجارية قبطية ( حيث كان يطلق على المصريين القدماء اقباط ) مصرية تسمى هاجر وامر جنوده باخراجه وزوجته وجاريته وغنمه من ارض مصر وحرمانه من دخولها .. اراد ملك مصر ان يجيب ابراهيم عمليا ويوصل له نظرته له على انه بدوى راعى غنم بسيط لا يرتقى فكره ولا دعوته عن الحال التى هو عليها .. لذا فهو من منظوره لا يستحق اكثر من بعض الغنم والانعام وجارية تلاطفه .. هو بمنظوره لا يرتقى بدعوته الى فهم طريق الفراعنة المثلى ونظمهم فى ادارة البلاد .. هو فقير معدم بدوى متخلف عن علوم الفراعنة وتقدمهم لذا ابراهيم من رؤية الملك لا يستحق اجابة على دعوته بل غنم وامرأة وبعض الانعام التى عجز الهه الواحد ان يوفرها له .. هى ذاتها نظرة الملحدين والمشركين والمستكبرين بكل زمان ومكان تشابهت قلوبهم واقوالهم وافعالهم الى يومنا هذا .. وكان ان اشار بعض الكهنة على ملكهم ان يقتل ابراهيم ويبيد دعوة التوحيد من بدايتها .. وكاد ان يفعل لولا الرؤيا التى افزعته حين احتجازه لسارة زوجة ابراهيم .. والتى على اثرها اطلق سراحهما وامر جنوده بابعادهما عن ارض مصر وحرمانهم من دخولها .. وخرج ابراهيم بزوجته وهدايا الملك حزينا وقلبه يعتصر ألما لاستخفاف الفراعنة بدعوته .. ولكن الله اوحى له ان هلاك فراعنة مصر لم يأتى بعد .. وكل شىء عنده بقدر وميعاد .. والله عزيز مقتدر ذو انتقام ولم يكن ليأخذ فراعنة مصر الا وهم فى اشد واقوى عصورهم غنى وعلما وبطشا وقوة ليجعلهم عبرة وعظة على مر تاريخ الانسانية .. وخرج ابراهيم من مصر و تمضى الاحداث
سياحة الفراعنة الملعونين واثارهم
لم يعلم ملك فراعنة مصر حين سخر من دعوة ابراهيم واهدائه له جارية ردا واجابة على تلك الدعوة انه اهداه افضل مافى مصر الخصب والخير والنماء والملاحة .. لم يعى ملك الفراعنة بكل ماامتلك من علوم وحضارة عظيمة وكهنة ومال ورفاهية ان من تلك المرأة ستكون خير أمة اخرجت للناس .. وهكذا دائما وابدا نظرة الكفرة المستكبرين على عبادة الله الواحد الاحد المشركين بالله عبادتهم لعلومهم واموالهم وسطوتهم وقوتهم .. هو نفس منهج الملحدين المجادلين بالباطل فى كل زمان ومكان نظرنهم للامور محدودة بالوقت .. رؤيتهم المستقبلية لا تتعدى توقع احوال غير التى هم عليها .. دائما مطمئنين لاموالهم وعلومهم وحضاراتهم وتقدمهم .. دائما نظرتهم للاشخاص لا تتعدى المظهر غافلين عن جوهر الايمان وقيمة الولاء والعبودية لله الواحد القهار .. لم يفطن كهنه الفراعنة وعلمائهم وعظماء القوم الى ان من هذا البدوى البسيط ستكون ذرية عظيمة اعزها الله برسالاته السماوية اليهودية والمسيحية والاسلام ستحكم الارض ومن عليها .. وان اسماء ابراهيم وذريتة هى الباقية فى كل ذاكرة الى ان يرث الله الارض وماعليها وتمحى اسماء الفراعنة وكهنتهم وذرياتهم .. وحتى هؤلاء ممن اشربوا فى قلوبهم حب الفراعنة كما اشرب اليهود فى قلوبهم حب العجل .. حتى هؤلاء الباحثين من علماء الاثار والمولعين بالفراعنة يجدون صعوبة ومشقة ويبذلون الجهد فى حفظ اسماء ملوك الفراعنة الملعونين .. بينما يعلق باذهان الجميع حتى البسطاء اسماء الانبياء من ذرية ابراهيم وسبحان الله فى قوله ( انا اخلصناهم بخالصة ذكرى الدار ).. بل حتى الملحدين والمعادين للاسلام والتوحيد والكافرين بالله يعلمون من هو ابراهيم وذريته ويجهلون اسماء قدوتهم من عمالقة الكفر والشرك فى التاريخ الانسانى .. لم يخطر ببالهم ولو لطرفة عين من الوقت ان العزة لمنهج الله السماوي وماعداه من كتب الفراعنة وطرقهم المثلى كما يسمونها وعلومهم الدنيوية التى فتنوا بها العباد ستطمس جميعها بمعالمها ولغتها ستذهب الى غير رجعة وان العلم لله وحده سبحانه علم الانسان مالم يعلم وفوق كل ذى علم عليم .. لم يعلم ملك الفراعنة حين رفض الاسلام لله وحده لا شريك له ان مصر والدنيا كلها بمشارق الارض ومغاربها ستسلم طوعا او كرها لله الواحد القهار .. اعماه استكباره على الحق وفخره باحواله واحوال بلاده وضيق افقه وكفره عن الاستماع لابراهيم .. اغلق التعالى سمعه و قلبه وقلوب كهنته فلم يدركوا ان من كان يريد العزة فان لله العزة جميعا .. ومن هذا البدوى راعى الغنم ابراهيم وهديتهم اليه هاجر المصرية سيكون اسماعيل جد المصطفى صلى الله عليه وسلم والذى سينير مصرهم وبلاد الارض مشارقها ومغاربها بنور الاسلام وتمضى الاحوال بالفراعنة ويسير بهم الزمان ..
سياحة الفراعنة الملعونين واثارهم
وسلاما على ابراهيم فى الاولين والاخريين .. وسلاما على ذريته من الرسل والانبياء .. ويضع ابراهيم وابنه اسماعيل الذى انجبه من هاجر المصرية القواعد لاول بيت وقلعة ينطلق منها الاسلام لشتى بقاع الارض
البقرة (آية:127): ( واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم )
وبينما يقبع فراعنة مصر وكهنتها فرحين فاكهين فخورين بكفرهم وشركهم و بعظمة بلادهم وخيراتها التى ارجعوا اسبابها لطريقتهم المثلى فى الحكم وادارة البلاد .. واذا ابراهيم يدعو الله مسبب الاسباب والرزاق ذو القوة المتين ومالك الملك ان يجلب لتلك البقعة الجرداء من الصحراء الرزق والخير فهو الله القادر على كل شىء وهو وحده الذى ندعوه ونتوسل اليه ونتذلل اليه فيجيب دعوة الداعى والمضطر والسائل
ابراهيم (آية:37) ربنا اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاه فاجعل افئده من الناس تهوي اليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ) .. ويسبح ابراهيم بحمد ربه ويشكره على نعمه ويسأل الله ان يجعل فى ذريته الامامة .. فيستجيب الله له ولكن ليس لكل ذريته فهو العالم بمن كان ومن سيكون من المغضوب عليهم من اليهود ومن النصارى الضالين .. ومن اشربوا فى قلوبهم المناهج الفكرية المنحرفة عن شريعة الله ومنهجه مثل هؤلاء المنتمون الان الى التيارات الباطلة العلمانية والشيوعية والديمقراطية وغيرها
البقرة (آية:124): ( واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين )
ويطمئن ابراهيم لامامة ابنه اسماعيل فى قومه بتلك البقعة من الارض التى عمرت بنور الايمان وتشرفت باقامة اسماعيل وامه هاجر المصرية وباركوها جميعا والذى شرفه الله بالنبوة والرساله لصدقه واخلاصه فى الايمان والتقوى والمعاملات
مريم (آية:54) واذكر في الكتاب اسماعيل انه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا )
مريم (آية:55): ( وكان يامر اهله بالصلاه والزكاه وكان عند ربه مرضيا )
ويستقر ابراهيم بارض الشام و يزيد الله الكريم رسوله ابراهيم كرما وعلوا فيهب له من زوجته سارة اسحق ومن ذريته يعقوب ويبارك له فى اولاده جميعا
ص (آية:45): (واذكر عبادنا ابراهيم واسحق ويعقوب اولي الايدي والابصار )
الصافات (آية:113): ( وباركنا عليه وعلى اسحق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين )
وهكذا مكن الله لابراهيم وذريته وجعل منهم الانبياء والرسل الذين سيفتحون مشارق الارض ومغاربها بنور الاسلام والتوحيد والعبودية لله وحده لا شريك له .. وسبحان الله الوارث من رحم مصر يخرج لابراهيم ابنه اسماعيل وغيره من الانبياء الذين سيرثون بلاد الفراعنة ويمكنوا فيها الاسلام .. من رحم مصر التى استكبر ملوكها الفراعنة على عبادة الله سيخرج خير جنود الارض داعيين الى مله ابراهيم بكل زمان ومكان ولا يسمع للفراعنة ودياناتهم صوتا ولا حسيسا ويمضى ابراهيم للقاء ربه .. ويموت ملك مصر وتتوالى الملوك الى عهد يوسف ...
سياحة الفراعنة الملعونين واثارهم
مات ابراهيم ولم تمت دعوته الى الله التى حملها ابناءه اسماعيل بالجزيرة العربية واسحق بارض كنعان والشام .. وولد لنبى الله اسحق ابناء منهم ابنه نبى الله يعقوب ( اسرائيل ) والذى حمل رساله النبوة ورسالة التوحيد ملة جده ابراهيم خليل الله وابيه اسحق وعمه اسماعيل .. ومعلما ومرشدا فى قومه واهله واماما لهم فى الصلوات والعبادات .. حفظ يعقوب العهد وربى ابنائه على عباده الواحد الاحد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد .. وكان يعمل مثل جده ابراهيم وابيه اسحق يمتلك قطيع من الاغنام والانعام يرعاها على ارض بحيازته .. وكان له من الابناء اثنا عشر ابنا من الذكور .. منهم عشرة ابناء من زوجته الاولى واثنين هما يوسف وبنيامين من زوجته الصغرى .. وكان يوسف بفطرته السمحه وشفافيته وطاعته لوالده وذكائه وايمانه الفطرى بالتوحيد والاسلام لله وكره وبغضه للشرك منذ حداثة سنه هو الاقرب الى ابيه والمحبب اليه ( قيل انه فى حداثه سنه اخذ احد الاصنام الصغيره لجده من امه وكسرها وحطمها ) .. كان رؤوفا ورحيما بوالده وانيسا له حيث ان اغلب اخوته كانوا يكبرونه فى العمر وتزوجوا .. فكان يوسف حنانا ورحمة وهدية من الله ليعقوب ولم يكن اخيه الصغير بنيامين قد ولد او ربما كان مازال صغيرا .. وتمضى الاحداث كما فى سورة يوسف حيث ينزغ الشيطان بين اخوته وبينه فيغاروا منه لحب ابيه له ويجتمعوا على ان يلقوه فى غيابات الجب ( البئر ) ثم يبيعوه بثمن بخس دراهم معدودة لبعض السيارة الذين كانوا بطريقهم الى مصر بعد ان اخرجوه من البئر .. ويدخل يوسف ابن يعقوب ابن اسحق ابن ابراهيم ارض مصر .. دخل حفيد ابراهيم مصر بعد عقود قليلة من موت جده .. دخل مصر بقدر الله وهى التى طرد ملوكها وكهنتها جده ابراهيم وسخروا من دعوته وحرموا عليه وعلى اهله ان يطئوها بقدميهم .. دخل دون اذن او دعوة او تشاور او تحرى عن اصله ومنشأه وقد كان جده ابراهيم ألد اعداء ملك مصر وكهنتها .. ودعوته للتوحيد ابغض اليهم من الموت .. دخل يوسف نبى الله مصر من اوسع ابوابها ليشتريه عزيز مصر ويتخذه ولدا له .. دخل يوسف الى اكبر قصور مصر دون اى مشقة وهو لا حول له ولا قوة فتى دون الخامسة عشر لتنطلق دعوته لله من اكبر بيوتها واعظمها .. دخل حفيد ابراهيم مصر رغم انف الفراعنة لتسلم مصر وملوكها وفراعنها وارضها وقصورها لله رب العالمين ..
يوسف (آية:21): ( وقال الذي اشتراه من مصر لامراته اكرمي مثواه عسى ان ينفعنا او نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الارض ولنعلمه من تاويل الاحاديث والله غالب على امره ولكن اكثر الناس لا يعلمون )
سياحة الفراعنة الملعونين واثارهم
وتكشف الايات بسورة يوسف عن احوال الفراعنة تلك الفترة من الزمن وتفضح قناعاتهم فى التعامل مع مباهج الحياة الدنيا وزينتها وانتماءاتهم الفكرية المنحلة اخلاقيا والمنحرفة عن الفطرة الايمانية السليمة والتى تماثل تلك الاخلاقيات والحريات المنحرفة خلقيا التى تسود الان بلاد الغرب المشركة .. تشابهت قلوبهم .. عرف يوسف حياة الرفاهية والقصور وعاشها واحاطته الدنيا بكل مفاتنها وخيراتها وامسكها بيده ولكنها لم تتملك من قلبه وفكره ووجدانه الذى كان يعمر بالايمان بالله وكل تعاليم تقوى الواحد الخالق ومداومة ذكره والتى تعلمها من ابيه نبى الله يعقوب والتى تملكت من كل كيانه .. لم ينبهر بحياة الفراعنة ولا باسباب حضاراتهم ورفاهيتهم ولا بأديانهم وآلهتهم .. هو على يقين ان الله وحده هو واهب العلم والمال .. هو على يقين ان مظاهر الحضارات والرفاهية ان لم تكن محفوظة بالايمان والاسلام لخالقها وواجدها لن تكون اكثر من فتنة من فتن الدنيا .. هو على يقين من تلك الامور الايمانية بفطرتة الشفافة الصافيه وبعلم من الله .. ولكن امرأة العزيز كانت ترى غير ذلك .. هى على فكر ومناهج قومها لا ترى من الدنيا الا ظاهرها ولا يعنيها منها الا الاستمتاع بكل مباهجها .. هى لا تعرف الله حق المعرفة وليس فى قناعتها ولا عقلها ولا قلبها ما يحول بينها وبين الاستمتاع بكل ما اوتيت من اسباب التعلق والاستمتاع بالحياه .. هى مثل قومها ليس هناك حدود ولا نواهى ولا اوامر تمنعها او تحد من رغباتها وحبها للدنيا .. هى امرأة تتمتع بكل مقومات الانوثة والمال والفتنة والحياة الرغدة والروح الفاكهة المقبله على كل متع الحياه اختارت ان تظل زوجة لعزيز مصر اقرب المقربين لملك مصر والقائم باعماله .. اختارت ان تظل محاطة بالمال والسطوة والسلطان رغم علمها بحقيقة زوجها وزهده فى النساء .. لكن كعادة المنتمين للمجتمعات المادية المرفهة .. المال والسلطان من الضروريات للحياه الكريمة .. اما بالنسبة للامور التى تشبع احتياجاتها الانسانية والعاطفية كأمرأة فالحلول الاخرى كثيرة وليس هناك حدود او قيود لممارستها .. الشرف والعفة والطهارة لا مكان له فى مجتمع سجد للمادة والدنيا مستمتعا بكل مفاسدها واغراءاتها .. هى على دين الفراعنة المستكبرين على الله والرافضين للخضوع لتعاليمه وشريعتة .. هى متحررة الفكر والسلوك لا تسمع الا لاهواءها وميولها طالما لا تؤذى ولا تمس حريات الاخريين .. هى تؤمن بان الحياه واحدة قصيرة مهما طالت سنواتها يجب الاستمتاع بكل اوقاتها قدر استطاعتها .. هى مستكبرة على اى منهج او قيم او دين يحدها او يلزمها بغير ماتهوى او تحب .. هى علمانية الفكر ..