-
من اسرار القران
من الايات الكونيه
في القران الكريم
بقلم الدكتور : زغلول النجار
في مطلع الحديث عن كتاب الله لابد من تحديد عدد من معالمه الثابته التي منها انه كلام الله المعجز, الموحي به الي خاتم الانبياء والمرسلين بلسان عربي مبين, والمنقول عنه( صلوات الله وسلامه عليه) نقلا متواترا بلا ادني شبهه, بنفس النص الذي نجده في المصاحف التي خطت او طبعت علي مر العصور, ومسجلا في صدور الحفاظ جيلا بعد جيل, ومن ثم علي مختلف صور الاشرطه والاسطوانات الممغنطه, والذي نزلت اياته منجمه علي مدي ثلاث وعشرين سنه,
وكتبت في حياه رسول الله( صلي الله عليه وسلم) عقب الوحي بكل مجموعه منها مباشره ثم رتبت تلك الايات في مائه واربع عشره(114) سوره بتوقيف من الله( سبحانه وتعالي) الذي تعهد بحفظ اخر كتبه المنزله فحفظه حفظا كاملا, بنفس اللغه التي نزل بها, كلمه كلمه, وحرفا حرفا, بينما تعرضت الكتب السماويه السابقه كلها اما للضياع التام, او للتحريف والتبديل والتغيير, ولذلك فالقران الكريم هو الكتاب الوحيد الذي يتعبد بتلاوته, والذي لاتصلح الصلاه الا بقراءه فاتحته وعدد من اياته, والذي لايغني عنه من الاحاديث او الاذكار او الادعيه شيء, لانه الوحي السماوي الوحيد الموجود بين ايدي الناس اليوم محفوظا بحفظ الله كلمه كلمه وحرفا حرفا بنفس اللغه التي اوحي بها وقدتحدي ربنا تبارك وتعالي كلا من الانس والجن ان ياتوا بمثل هذا القران مجتمعين متظاهرين فقال عز من قائل:
(قل لئن اجتمعت الانس والجن علي ان ياتوا بمثل هذا القران لاياتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا)( الاسراء:88)
كما سخر ربنا( تبارك وتعالي) ممن ادعي من المشركين ان الرسول صلي الله عليه وسلم قد افتراه, وهو النبي الامي الذي لايعرف القراءه او الكتابه لحكمه يعلمها الله, فقد تحدي الله تعالي العرب علي ما كانوا عليه من علم باسرار العربيه واسباب البلاغه ان ياتوا بعشر سور مثله مفتريات, او حتي بسوره من مثله, ولايزال هذا التحدي قائما دون ان يستطيع بشر مجابهته علي الرغم من مضي اكثر من اربعه عشر قرنا علي مجئ التنزيل بقول الله تعالي:
(ام يقولون افتراه قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين* فان لم يستجيبوا لكم فاعلموا انما انزل بعلم الله وان لا اله الا هو فهل انتم مسلمون)[ هود:13 و14]
وعلي قول الحق تبارك وتعالي:
(وان كنتم في ريب مما نزلنا علي عبدنا فاتوا بسوره من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم صادقين)[ البقره:23]
وقد عجزت القدرات البشريه, ولا تزال عاجزه عن ان تداني كتاب الله في روعه بيانه, او في كمال صفاته, ودقه دلالاته, وصدق انبائه, وسمو معانيه, وعداله تشريعه, او في نهجه وصياغته, وتمام احاطته بطبائع النفس البشريه, وقدرته علي التعامل معها وهدايتها, ودقه استعراضه لمسيره البشريه من لدن ابينا ادم( عليه السلام) الي بعثه خاتم الانبياء والمرسلين( عليه وعليهم اجمعين افضل الصلاه وازكي التسليم) ومن هنا كان القول( باعجاز القران)
اوجه الاعجاز في القران الكريم
تتعدد اوجه الاعجاز في كتاب الله بتعدد جوانب النظر فيه, فكل ايه من اياته فيها اعجاز لفظي وبياني ودلالي, وكل مجموعه من الايات, وكل سوره من السور طالت ام قصرت, بما فيها من قواعد عقديه, او اوامر تعبديه, او قيم اخلاقيه, او ضوابط سلوكيه, او اشارات علميه, الي شيء من اشياء هذا الكون الفسيح ومافيه من ظواهر وكائنات, وكل تشريع, وكل قصه, وكل واقعه تاريخيه, وكل وسيله تربويه, وكل نبوءه مستقبليه, كل ذلك يفيض بجلال الربوبيه, ويتميز عن كل صياغه انسانيه ويشهد للقران بالتفرد كما يشهد بعجز الانسان عن ان ياتي بشيء من مثله.
وقد افاض المتحدثون عن اوجه الاعجاز في كتاب الله, وكان منهم من راي ذلك في جمال بيانه, ودقه نظمه, وكمال بلاغته, او في روعه معانيه وشمولها واتساقها ودقه صياغتها, وقدرتها علي مخاطبه الناس علي اختلاف مداركهم وازمانهم, واشعاعها بجلال الربوبيه في كل ايه من اياته.
ومنهم من ادرك ان اعجاز القران في كمال تشريعه, ودقه تفاصيل ذلك التشريع وحكمته وشموله, او في استعراضه الدقيق لمسيره البشريه ولتاريخ عدد من الامم السابقه من لدن ابينا ادم( عليه السلام) الي خاتم الانبياء والمرسلين(عليه وعليهم اجمعين افضل الصلاه وازكي السلام), مما لم يكن يعلم تفاصيله احد من الناس.
ومنهم من راي اعجاز القران الكريم في منهجه التربوي الفريد, واطره النفسيه الساميه والعلميه في نفس الوقت, والثابته علي مر الايام, او في انبائه بالغيب مما تحقق بعد نزوله بسنوات طويله, او في اشاراته الي العديد من حقائق الكون وسنن الله فيه مما لم يكن معروفا لاحد من البشر وقت نزول القران ولالمئات من السنين بعد ذلك النزول, ومنهم من راي اعجاز القران في صموده علي مدي يزيد علي اربعه عشر قرنا لكل محاولات التحريف التي قامت بها قوي الشر المتعدده متمثله في الكفره والمشركين والملاحده علي مدي تلك القرون العديده وذلك لان الله تعالي تعهد بحفظه فحفظ قال تعالي:
(انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون
[الحجر: ايه9]
ومن العلماء من يري اعجاز القران في ذلك كله وفي غيره مما يقصر الحديث دونه.
الاعجاز النظمي للقران الكريم
كانت الكثره الكاثره من القدامي والمعاصرين علي حد سواء قد ركزوا اهتمامهم علي ناحيه نظم القران الكريم فهذا ابن عطيه الاندلسي(ت546 ه) يذكر في مقدمه تفسيره(278/1) مانصه:
ان الله قد احاط بكل شيء علما, فاذا ترتبت اللفظه من القران, علم باحاطته اي لفظه تصلح ان تلي الاولي, وتبين المعني بعد المعني, ثم كذلك من اول القران الي اخره, والبشر يعمهم الجهل والنسيان والذهول, ومعلوم ضروره ان احدا من البشر لايحيط بذلك, فبهذا جاء نظم القران في الغايه القصوي من الفصاحه, وبهذا يبطل قول من قال: ان العرب كان في قدرتهم الاتيان بمثله فصرفوا عن ذلك, والصحيح انه لم يكن في قدره احد قط, ولهذا نري البليغ ينقح القصيده او الخطبه حولا, ثم ينظر فيها فيغير منها, وهلم جرا, وكتاب الله لو نزعت منه لفظه, ثم ادير لسان العرب علي لفظه احسن منها لم يوجد... وقامت الحجه علي العالم بالعرب, اذ كانوا ارباب الفصاحه ومظنه المعارضه.
وهذا هوالاستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين احد العلماء المعاصرين يكتب فصلا في اعجاز القران( كتقديم لترجمته لكتاب الظاهره القرانيه للمفكر الاسلامي الاستاذ مالك بن نبي( يرحمه الله) يحدد فيه الاعجاز في دائره البيان والنظم حيث يقول: ان الايات القليله من القران, ثم الايات الكثيره, ثم القران كله, اي ذلك كان في تلاوته علي سامعيه من العرب, الدليل الذي يطالبه بان يقطع بان هذا الكلام مفارق لجنس كلام البشر, وذلك من وجه واحد, هو وجه البيان والنظم.
واذا صح ان قليل القران وكثيره سواء من هذا الوجه, ثبت ان ما في القران جمله, من حقائق الاخبار عن الامم السابقه, ومن انباء الغيب, ومن دقائق التشريع, ومن عجائب الدلالات علي مالم يعرفه البشر من اسرار الكون الا بعد القرون المتطاوله من تنزيله, كل ذلك بمعزل عن الذي طولب به العرب, وهو ان يستبينوا في نظمه وبيانه انفكاكه من نظم البشر وبيانهم, ومن وجه يحسم القضاء بانه كلام رب العالمين...
ولكن اذا جاز هذا التحديد علي موقف التحدي من مشركي العرب علي الرغم من عدم وجود الدليل علي ذلك فانه بالقطع لايجوز علي اطلاقه, خاصه ان العرب اليوم في جملتهم قد فقدوا الحس اللغوي الذي تميز به اسلافهم, وان التحدي بالقران للانس والجن متظاهرين هو تحد مستمر قائم الي يوم الدين, مما يوكد ان ما في القران من امور الغيب, وحقائق التاريخ, ومن فهم دقيق لمكنون النفس البشريه وحسن الخطاب في هدايتها وارشادها وتربيتها, ومن مختلف الصور التي ضربت لعجائب ايات الله في خلقه, ومن غير ذلك مما اكتشفه ولايزال يكتشفه( في كتاب الله) متخصصون في كل حقل من حقول المعرفه, لايمكن ان يبقي بمعزل عن ذلك التحدي المفضي الي الاعجاز القراني, والدال علي ان القران كلام الله.
نشاه منهج التفسير العلمي لكتاب الله
يزخر القران الكريم بالعديد من الايات التي تشير الي الكون وما به من كائنات( احياء وجمادات), والي صور من نشاتها, ومراحل تكونها, والي العديد من الظواهر الكونيه التي تصاحبها, والسنن الالهيه التي تحكمها, وما يستتبعه كل ذلك من استخلاص للعبره, وتفهم للحكمه, وما يستوجبه من ايمان بالله, وشهاده بكمال صفاته وافعاله, وهو سبحانه وتعالي الخالق الباريء المصور الذي ابدع ذلك الخلق بعلم وقدره وحكمه لاتحدها حدود, ولايفيها حقها وصف.
وقد احصي الدارسون من هذه الاشارات الكونيه في كتاب الله مايقدر بحوالي الالف ايه صريحه, بالاضافه الي ايات اخري عديده تقرب دلالاتها من الصراحه, وبدوام اتساع دائره المعرفه الانسانيه, وتكرار تامل المتاملين في كتاب الله, وتدبر المتدبرين لاياته جيلا بعد جيل, وعصرا بعد عصر لن ينفك العلماء والمتخصصون يكتشفون من حقائق الكون الثابته في كتاب الله مايوكد علي تحقق الوعد الالهي الذي يقول فيه ربنا( تبارك وتعالي):
(سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق او لم يكف بربك انه علي كل شيء شهيد)[ فصلت: ايه53]
وبدهي ان يتباين موقف العلماء من تلك الاشارات الكونيه في كتاب الله بتباين الافراد وخلفياتهم الثقافيه وازمانهم, وباتساع دائره المعرفه الانسانيه في مجال الدراسات الكونيه( التي تعرف اليوم باسم دراسات العلوم البحته والتطبيقيه) من عصر الي عصر, واول من بسط القول في ذلك الامام الغزالي(ت505ه) في كتابيه احياء علوم الدين وجواهر القران والذي رفع فيهما شعارات عديده منها ان القران الكريم يشمل العلوم جميعاو ان من صور اعجاز القران اشتماله علي كل شيء, وان كل شيء, وان كل العلوم تشعبت من القران, حتي علم الهيئه, والنجوم, والطب الي اخر ماذكر.
وتبع الامام الغزالي في ذلك كثيرون, كان من اشهرهم في القديم العلامه الشيخ الفخر الرازي( ت606 ه), وفي الحديث فضيله الشيخ طنطاوي جوهري( ت1359 ه), مما ادي الي بروزالمنهج العلمي في تفسير القران الكريم, والذي يعتمد في تفسير الاشارات الكونيه الوارده في كتاب الله علي ضوء من معطيات العلوم الحديثه, مع تفاوت في ذلك من عصر الي عصر. ويعتبر تفسير الرازي المعنونمفاتيح الغيب اول تفسير يفيض في بيان المسائل العلميه والفلسفيه, خاصه مايتعلق منها بعلم الهيئه, وغير ذلك من العلوم والفنون التي كانت معروفه في زمانه, والتي كان هو علي معرفه بها.
اما تفسير الشيخ طنطاوي جوهري والمعنون الجواهر في تفسير القران الكريم فيعتبر اضخم تفسير ينهج النهج العلمي, اذ يقع في خمسه وعشرين جزءا كبارا, حاول فيها الشيخ( يرحمه الله) تفسير القران الكريم تفسيرا يتجاوب مع روح العصر, وما وصلت اليه المعارف الانسانيه في مجال دراسات الكون ومافيه من اجرام سماويه, ومن عوالم الجمادات والاحياء, ومن الظواهر الكونيه التي تصاحبها, والسنن الالهيه التي تحكمها, ليبرهن للقاريء ان كتاب الله الخالد قد احاط بالكون في تفصيل وبيان وايضاح غفل عنه كثير من السابقين, وانه بحق ينطوي علي كل ما وصل, وماسيصل اليه البشر من معارف.
هذا, وقد نعي الشيخ الجوهري( يرحمه الله) علي علماء المسلمين اهمالهم للجانب العلمي في القران الكريم, وتركيز جهودهم علي الجوانب البيانيه والفقهيه فقط بقوله:لماذا الف علماء الاسلام عشرات الالوف من الكتب في علم الفقه, وعلم الفقه ليس له في القران الا ايات قلائل لاتصل الي مائه وخمسين ايه ؟ فلماذا كثر التاليف في علم الفقه, وقل جدا في علوم الكائنات التي لاتكاد تخلو منها سوره؟.
ولذا فاننا نجده في مطلع تفسيره يتوجه بنداء الي المسلمين يقول فيه: يا امه الاسلام, ايات معدودات في الفرائض( يقصد ايات الميراث) اجتذبت فرعا من علم الرياضيات, فما بالكم ايها الناس بسبعمائه ايه فيها عجائب الدنيا كلها... هذا زمان العلوم, وهذا زمان ظهور الاسلام... هذا زمان رقيه, ياليت شعري, لماذا لانعمل في ايات العلوم الكونيه مافعله اباونا في علوم الميراث؟ثم يضيف: ان نظام التعليم الاسلامي لابد من ارتقائه, فعلوم البلاغه ليست هي نهايه علوم القران بل هي علوم لفظه, وما نكتبها اليوم( يقصد في تفسيره), علوم معناه....
ولم يكتف الشيخ طنطاوي جوهري في تفسيره بتتبع الايات واستنتاج معانيها وفق ما ارتاه فيها من اشارات الي مختلف الدراسات الحديثه, بل انه قد استعان في هذا التفسير الفريد من نوعه بكثير من صور النباتات والحيوانات والمظاهر الكونيه, والوسائل التجريبيه, كما استخدم الاراء الفلسفيه عند مختلف المدارس الفكريه, وكذلك الارقام العدديه التي ينظمها حساب الجمل المعروف.
وقد اعتبر المفسرون من بني عصره ذلك المنهج العلمي في التفسير( كما اعتبر من قبل) جنوحا الي الاستطراد في تاويل بعض ايات القران الكريم علي غير مقاصدها التشريعيه والايمانيه, استنادا الي الحقيقه المسلمه ان القران لم يات لكي ينشر بين الناس القوانين العلميه ومعادلاتها, ولاجداول المواد وخصائصها, ولا قوائم باسماء الكائنات وصفاتها, وانما هو في الاصل كتاب هدايه, كتاب عقيده وعباده واخلاق ومعاملات, وهي ركائز الدين التي لا يستطيع الانسان ان يضع لنفسه فيها ضوابط صحيحه, والقران العظيم حين يلفت نظر الانسان الي مختلف مظاهر هذا الوجود انما يعرض لذلك من قبيل الاستدلال علي قدره الخالق العظيم وعلمه وحكمته وتدبيره ومن قبيل اقامه الحجه البينه علي الجاحدين من الكافرين والمشركين, ومن قبيل التاكيد علي احاطه القدره الالهيه بالكون وبكل مافيه وعلي حاجه الخلق في كل لحظه من لحظات الوجود الي رحمه ذلك الخالق العظيم.
فهذا هو الشيخ محمد رشيد رضا( يرحمه الله) يكتب في مقدمه تفسيره المنار مانصه:..... وقد زاد الفخر الرازي صارخا اخر عن القران هو مايورده في تفسيره من العلوم الرياضيه والطبيعيه وغيرها من العلوم الحادثه في المله علي ماكانت عليه في عهده, كالهيئه الفلكيه اليونانيه وغيرها, وقلده بعض المعاصرين(ويقصد الشيخ طنطاوي جوهري) بايراد مثل هذا من علوم العصر وفنونه الكثيره الواسعه, فهو يذكر فيما يسميه تفسير الايه, فصولا طويله بمناسبه كلمه مفرده, كالسماء او الارض من علوم الفلك والنبات والحيوان, تصد القاريء عما انزل الله لاجله القران.
وعلي الرغم من استنكار علماء التفسير لهذا المنهج العلمي قديما وحديثا, الا ان عددا كبيرا من العلماء المسلمين ظل مومنا بان الاشارات الكونيه في كتاب الله اي الايات المتعلقه ببعض اشياء هذا الكون علي اجمالها وتناثرها بين ايات الكتاب المجيد تبقي بيانا من الله, خالق الكون ومبدع الوجود, ومن ثم فهي حق مطلق, وصوره من صور الاعجاز في كتاب الله الذي لاياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وان ذلك قد لايتضح الا للراسخين في العلم من المتخصصين في مختلف مجالات العلوم البحته والتطبيقيه( كل في حقل تخصصه), وحتي هولاء يظل يتسع ادراكهم لذلك الاعجاز باتساع دائره المعرفه الانسانيه جيلا بعد جيل, وعصرا بعد عصر, مصداقا لقول الحق تبارك وتعالي:
(ان هو الا ذكر للعالمين* ولتعلمن نباه بعد حين)[ ص:87 و88]
ولقول رسول الله( صلي الله عليه وسلم) في وصفه للقران الكريم بانه لاتنقضي عجائبه, ولا يخلق من كثره الرد:.
ومن هنا كان واجب المتخصصين من المسلمين في مختلف مجالات المعرفه الانسانيه في كل عصر وفي كل جيل ان تنفر منهم طائفه للتسلح بمستلزمات تفسير كتاب الله من المام بقدر كاف من علوم اللغه العربيه وادابها, ومن الحديث وعلومه, والفقه واصوله, وعلم الكلام وقواعده, مع معرفه بعادات المجتمع العربي الاول, واحاطه باسباب النزول, وبالماثور في التفسير, وبالسيره النبويه المطهره, وباجتهاد اعلام السابقين من ائمه المفسرين, وغير ذلك من الشروط التي حددها علماء التفسير واصوله, ثم تقوم تلك الطائفه علي شرح ايات الكتاب الحكيم كل فيما يخصه حتي تستبين للناس جوانب من الاعجاز في كتاب الله, لم يكن من السهل بيانها قبل عصر العلم الذي نعيشه. وحتي يتحقق قول الله تعالي في محكم كتابه:
(لكل نبا مستقر وسوف تعلمون)[ الانعام: ايه67]
وانطلاقا من ذلك الفهم, ظهرت مولفات عديده تعالج قضيه الاعجاز العلمي في كتاب الله من اشهرها في القديم كتاب كشف الاسرار النورانيه القرانيه فيما يتعلق بالاجرام السماويه والارضيه والحيوانات والنباتات والجواهر المعدنيه لمحمد بن احمد الاسكندراني الطبيب( وهو من علماء القرن الثالث عشر الهجري).
ورساله عبد الله فكري( وهو من وزراء المعارف السابقين في مصر في مطلع هذا القرن) والتي يقارن فيها بين بعض مباحث علم الهيئه( الفلك) وبين الوارد من نصوص القران الكريم في ذلك, وكتاب الاسلام والطب الحديث لعبد العزيز اسماعيل, ورياض المختار لاحمد مختار( الغازي), وكتابا معجزه القران في وصف الكائنات و التفسير العلمي للايات الكونيه لحنفي احمد, وكتابا في سنن الله الكونيه و الاسلام في عصر العلم لمحمد احمد الغمراوي, واعجاز القران في علم طبقات الارض لمحمد محمود ابراهيم, و العلوم الطبيعيه في القران ليوسف مروه, وسلسله كتب كل من محمد جمال الدين الفندي وعبد الرزاق نوفل في نفس الموضوع, وكتاب اضواء من القران علي الانسان ونشاه الكون والحياه لعبد الغني الخطيب, والقران والعلم لاحمد محمود سليمان, ومن اشارات العلوم في القران الكريم لعبدالعزيز سيد الاهل, و محاوله لفهم عصري للقران لمصطفي محمود, وتفسير الايات الكونيه لعبد الله شحاته, والاسلام والعلم التجريبي ليوسف السويدي, والقران تفسير الكون والحياه لمحمد العفيفي, وكتاب الانجيل والقران والعلم لموريس بوكاي, وكتاب خلق الانسان بين الطب والقران لمحمد علي البار, هذا بالاضافه الي ماظهر موخرا من كتب ومجلات عديده وابواب كثيره عن الاعجاز العلمي في القران وردت مجمعه في كتب اسلاميه متعدده, او متناثره في كثير من التفاسير التي حررت في النصف الاخير من هذا القرن.
هذا من جهه, ومن جهه اخري فقد تعرض هذا المنهج بحق احيانا, وبغير ذلك في احيان اخري كثيره للمزيد من النقد والتجريح الذي اسس علي ان معجزه القران هي في الاصل معجزه بيانه الذي ادرك اساطين اللغه العربيه فيه, ومنذ سماع اولي اياته, انه علامه فارقه بين كلام الله وكلام البشر, وان علينا ان نفهم الاسلام كما بينه نبي الاسلام( صلوات الله وسلامه عليه) وكان من شواهد ذلك ومبرراته حيود عدد من الذين تعرضوا للقضايا الكونيه في القران عن جاده الطريق اما عن قصور في فهم الحقائق العلميه, او انتفاء لشروط القدره علي الاجتهاد في التفسير, او لكليهما معا,
وعلي الرغم من ذلك كله, فقد تمكن هذا السيل من الكتابات عن الاعجاز العلمي في اي القران الكريم من تهيئه النفوس لقبول ذلك المنهج, حتي قام المجلس الاعلي للشئون الاسلاميه في مصر بتشكيل عدد من اللجان العلميه التي ضمت الي علماء القران وتفسيره, والحديث ورجاله والفقه واصوله, والشريعه وعلومها, واللغه العربيه وادابها, والتاريخ الاسلامي وتفاصيله, عددا من كبار العلماء والباحثين والمفكرين في مختلف جنبات المعرفه الانسانيه, وقد قام كل هولاء بمدارسه كتاب الله في اجتماعات طالت لسنين كثيره, ثم تبلورت في تفسير موجز تحت اسم المنتخب في تفسير القران, كتب باسلوب عصري وجيز, سهل مبسط, واضح العباره, بعيد عن الخلافات المذهبيه, والتعقيدات اللفظيه والمصطلحات الفنيه, وقد اشير في هوامشه الي ماترشد اليه الايات القرانيه من نواميس الحياه واسرار الكون, ووقائعه العلميه التي لم تعرف الا في السنوات الاخيره, والتي خصها ذلك التفسير في مقدمته بانه لايمكن الا ان يكون القران قد اشار اليها لانه ليس من كلام البشر, ولكنه من كلام خلاق القوي والقدر, الذي وعد بذلك في محكم هذا الكتاب فقال
(سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق او لم يكف بربك انه علي كل شيء شهيد)[ فصلت: ايه53]
كما تمت الاشاره في مقدمه هذا التفسير الوجيز الي انه سيتلوه تفسير اخر وسيط في شيء من البسط والتفصيل يليه المفصل ان شاء الله تعالي.
حجه المعارضين لتعبير الاعجاز العلمي في القران الكريم
وقبل استعراض مواقف المفسرين في عصرنا الحاضر من الايات الكونيه في كتاب الله( اي الايات التي تحتوي علي اشارات لبعض اشياء هذا الكون من مثل السماوات والارض, والشمس والقمر, والنجوم والكواكب, والجبال والاحجار, والانهار والبحار, والرياح والسحاب والمياه, والرعد والبرق, ومراحل الجنين في الانسان, وبعض صور الحيوان ومنتجاته والنبات, ومحاصيله وثماره وغير ذلك) لابد لنا من الاشاره الي ان بعض الكتاب من القدامي والمعاصرين علي حد سواء.. قد اعترض علي استخدام لفظ معجزه ومشتقاته في الاشاره الي عجز الانسان عن الاتيان بمثل هذا القران او بشئ من مثله, او الي استعصاء تقليد القران الكريم علي الجهد البشري واستعلائه عليه, لانه كلام الله تعالي, المغاير لكلام البشر جمله وتفصيلا, ولو انه انزل باسلوب يفهمه البشر وقت نزوله وفي كل عصر من العصور التاليه لنزوله الي ان يرث الله تعالي الارض ومن عليها.
وحجه المعترضين علي لفظ معجزه ومشتقاته تقوم علي اساس من ان اللفظ لم يرد له ذكر في كتاب الله بالمعني الشائع اليوم, ولا في الصحيح من الاحاديث النبويه الشريفه وان وردت مشتقاته للدلاله علي عدد من المعاني القريبه او المغايره قليلا لذلك في سته وعشرين موضعا من القران الكريم بالفاظ اعجز, ومعجزين, ومعاجزين وعجوز واعجاز وتصريفاتها ودلالاتها في تلك المواضع قد تبعد قليلا عما اريد التعبير عنه بلفظ المعجزه عند علماء اللغه, خاصه ان القران الكريم قد اشار دوما الي مدلول المعجزه بلفظ ايه( بصيغه المفرد والمثني والجمع) في اكثر من380 موضعا منها قول الحق تبارك وتعالي:
(وقالوا لولا نزل عليه ايه من ربه)
[الانعام: ايه37]
وقوله( عز من قائل):
(وقال الذين لايعلمون لولا يكلمنا الله او تاتينا ايه)[ البقره: ايه118]
وقوله تعالي:
(ولئن اتيت الذين اوتوا الكتاب بكل ايه ماتبعوا قبلتك)[ البقره: ايه145]
وقوله:
(سل بني اسرائيل كم اتيناهم من ايه بينه)[ البقره: ايه211]
وقوله تعالي علي لسان احد انبياء بني اسرائيل:
(وقال لهم نبيهم ان ايه ملكه ان ياتيكم التابوت... ان في ذلك لايه لكم ان كنتم مومنين..)
[ البقره: ايه248]
قوله تعالي علي لسان نبيه صالح( عليه السلام) مخاطبا قومه:
(... هذه ناقه الله لكم ايه....)
[الاعراف: الايه73]
وقوله علي لسان فرعون وقومه وهم يعارضون سيدنا موسي( علي نبينا وعليه افضل الصلاه وازكي التسليم):
(وقالوا مهما تاتنا به من ايه لتسحرنا بها فما نحن لك بمومنين)[ الاعراف: ايه132]
وهذه حجه مردوده لان التعبير عن اعجاز القران قد استخدم منذ القرون الهجريه الاولي, ولم يجد علماء المسلمين من الصحابه والتابعين غضاضه في استخدام هذا التعبير علي الرغم من عدم وروده بهذا المعني في كتاب الله.
-
موقف المفسرين من الايات الكونيه في القران الكريم
القران يحض علي تدبر اياته ومعانيه والاجتهاد في تفسيره ضروره
بقلم الدكتور: زغلول النجار
طال الجدل حول جواز تفسير الاشارات الكونيه الوارده في كتاب الله علي اساس من معطيات علوم العصر وفنونه, وتفاوتت مواقف العلماء من ذلك تفاوتا كبيرا بين مضيقين وموسعين ومعتدلين مما يمكن ان نوجزه فيما يلي:
موقف المضيقين:
وهو الموقف الذي يري اصحابه ان تفسير الايات الكونيه الوارده في كتاب الله, علي ضوء ماتجمع لدي الانسان من معارف هو نوع من التفسير بالراي الذي لا يجوز استنادا الي اقوال منسوبه لرسول الله( صلي الله عليه وسلم) منها:
من قال في القران برايه فاصاب فقد اخطا
ومن قال في القران بغير علم فليتبوا مقعده من النار والي اقوال منسوبه الي كل من الخليفتين الراشدين ابي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله تعالي عنهما من قول الاول اي سماء تظلني, واي ارض تقلني ان قلت في كتاب الله برايي وقول الثاني اتبعوا ماتبين لكم من هذا الكتاب فاعملوا به, ومالم تعرفوه فكلوه الي ربه وكذلك استنادا الي قول كل من سعيد بن المسيب وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما في الصحيح المنقول عن الاول انا لا نقول في القران شيئا والي الثاني لقد ادركت فقهاء المدينه وانهم ليعظمون القول في التفسير.
والي القول المنسوب الي مسروق بن الاجدع( رضي الله عنه:) اتقوا التفسير فانما هو الروايه عن الله
الرد علي المضيقين:
فات اصحاب هذا الموقف المضيق ان المقصود بالراي في الحديث هو الهوي, لا الراي المنطقي المبني علي الحجه الواضحه والبرهان المقبول, ويوكد ذلك عباره بغير علم التي وردت في الحديث الثاني هذا بغض النظر عن كون الحديثين قد اعتبرا من ضعاف السند.
كذلك فاتهم ان ماقد ورد علي لسان بعض الصحابه والتابعين مما يوحي بالتحرج من القول في القران الكريم بالراي الاجتهادي, انما هو من قبيل الورع, والتادب في الحديث عن كلام الله, خاصه انهم كانوا قد فطروا علي فهم اللغه العربيه, وفطنوا بها وباسرارها, ودرجوا علي عادات المجتمع العربي والموا باسباب النزول, وعايشوا رسول الله صلي الله عليه وسلم عن قرب وهو الموصول بالوحي وسمعوه صلي الله عليه وسلم وهو يتلو القران الكريم ويفسره, واستعانوا به علي فهم ماوقفوا دونه, وادركوا تفاصيل سنته الشريفه في ذلك وغيره, فهل يمكن لمن توافر له كل ذلك ان يكون له مجال للاجتهاد بالراي؟ خاصه ان العصر لم يكن عصر تقدم علمي كالذي نعيشه, وانهم كانوا لايزالون قريبي عهد بالجاهليه التي كان قد خيم فيها علي شبه الجزيره العربيه, بل وعلي العالم اجمع ركام من العقائد الفاسده, والتصورات الخاطئه, والافكار السقيمه, والاوهام والاساطير... ولم يسلم من ذلك الركام احد, حتي اصحاب الحضارات البائده.
وان العصر كان عصر انتشار للاسلام, ودخول للكثيرين من اصحاب العقائد واللغات الاخري في دين الله افواجا, ومعهم خلفياتهم الفكريه الموروثه, والتي لم يتمكنوا من التخلص منها كليه بمجرد دخولهم في الاسلام, وان اعدادا غير قليله من هولاء كانوا قد دخلوا الاسلام لياتمروا به ويتامروا عليه, ويكيدوا له, بتاويل القران علي وجوه غير صحيحه, وبتفتيت وحده الصف الاسلامي, وبث بذور الفرقه فيه, وكان من نتائج ذلك كله هذا الفكر الغريب الذي دس علي المسلمين والذي عرف فيما بعد بالاسرائيليات نسبه الي السلالات الفاسده من بني اسرائيل( اي اليهود) الذين كثر النقل عنهم, وكثر دسهم علي دين الله, وعلي انبيائه ورسله( صلي الله وسلم عليهم اجمعين), وكان من نتائجه كذلك بروز الشيع والفرق والطرائق المختلفه, ومحاوله كل فرقه منها الانتصار لرايها بالقران... وهذا هو الهوي الذي عبر عنه بالراي فيما نسب من اقوال الي رسول الله صلي الله عليه وسلم والي عدد من صحابته وتابعيهم( عليهم رضوان الله اجمعين).
اللهم فقهه في الدين
كذلك فقد فات هولاء, وهم ينادون بعدم الاجتهاد بالراي في فهم كتاب الله, والوقوف عند حدود الماثور وهو مانقل عن رسول الله صلي الله عليه وسلم مباشره, او عن صحابته الكرام, او عمن عاصر الصحابه من التابعين, موكلين مالم يفسره التراث المنقول الي الله وهو ماعرف بمنهج التفسير بالماثور او التفسير بالمنقول, وكلنا يعلم ان التفسير بالماثور لم يشمل القران كله, فلحكمه يعلمها الله وقد ندرك طرفا منها اليوم لم يقم رسول الله صلي الله عليه وسلم بالتنصيص علي المراد في كل ايه من ايات القران الكريم, وان صحابته الكرام كانوا يجتهدون في فهم مالم ينص عليه, وكانوا يختلفون في ذلك ويتفقون, وان من الثابت انه( صلي الله عليه وسلم) قد صوب راي جماعه من اصحابه حين فسروا ايات من كتاب الله, وانه قد دعا لابن عباس بقوله اللهم فقهه في الدين, وعلمه التاويل, وان ذلك وغيره من الاقوال الماثوره قد اتخذ دليلا علي جواز الاجتهاد في التفسير في غير ما حدده رسول الله( صلي الله عليه وسلم فمما يروي عن علي( رضي الله عنه) حين سئل: هل خصكم رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بشيء؟ انه قال: ما عندنا غير ما في هذه الصحيفه, وفهم يوتاه الرجل في كتابه وهذا يوكد علي ان فهم المسلمين لدلاله ايات القران الحكيم وتدبر معانيها هي ضروره تكليفيه لكل قادر عليها موهل للقيام بها, وذلك يقرره الحق تبارك وتعالي في قوله وهو احكم القائلين:
كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا اياته وليتذكر اولوا الالباب( ص29)
وهذه الايه الكريمه, وكثير غيرها من الايات القريبه في المعني امر صريح من الله تبارك وتعالي بتدبر ايات القران الكريم وفهم معانيها, فالقران ينعي علي اولئك الذين لا يتدبرونه, ولا يستنبطون معانيه, وهذه اياته
افلا يتدبرون القرءان ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا واذا جاءهم امر من الامن او الخوف اذاعوا به, ولو ردوه الي الرسول والي اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم.....[ النساء الايتان83,82].
افلا يتدبرون القرءان ام علي قلوب اقفالها( محمد الايه 24)
وقد ساق الامام الغزالي( يرحمه الله) الادله علي جواز فهم القران بالراي( اي بالاجتهاد) ثم اضاف: فهذه الامور تدل علي ان في فهم معاني القران مجالا رحبا, ومتسعا بالغا, وان المنقول من ظاهر التفسير ليس منتهي الادراك فيه
وبناء علي ذلك فقد اجاز الغزالي لكل انسان ان يستنبط من القران بقدر فهمه وحد عقله, ولو ان المبالغه في استخدام تلك الرخصه قد افرزت نتاجا لم يكن كله مستساغا مقبولا لدي العلماء, مطابقا لمقاصد القران الكريم في الهدايه, فقد خرج قوم من المفسرين بالايات القرانيه( اما عن عمد واضح او جهل فاضح) الي مالا يقبله العقل القويم, والصحيح المنقول عن رسول الله( صلي الله عليه وسلم) وعن اصحابه والتابعين لهم, وعن المنطق اللغوي واساليب العرب في الاداء حقيقه ومجازا, وذلك لانطلاق الفرق المختلفه والمذاهب المتنوعه من غير اهل السنه والجماعه( من فقهيه وكلاميه, وصوفيه وباطنيه) من منطلق التعصب لمذاهبهم ومحاولاتهم اخضاع التفاسير لخدمه مللهم ونحلهم, مما ادي الي الموقف المتشدد من القول في القران بالراي, ومن ثم رفض تفسير الايات الكونيه الوارده في كتاب الله علي اساس من معطيات المعارف الانسانيه المكتسبه في حقل العلوم البحته والتطبيقيه.
الدعوه الي الاجتهاد في التفسير
هناك اعداد كبيره من علماء المسلمين الذين اقتنعوا بضروره الاجتهاد في تفسير كتاب الله, ولكنهم حصروا ذلك في مناهج محدده منها المنهج اللغوي الذي يهتم بدلاله الالفاظ, وطرائق التعبير واساليبه والدراسات النحويه المختلفه, والمنهج البياني الذي يحرص علي بيان مواطن الجمال في اسلوب القران, ودراسه الحس اللغوي في كلماته, والمنهج الفقهي الذي يركز علي استنباط الاحكام الشرعيه والاجتهادات الفقهيه, كما ان من هولاء المفسرين من نادي بالجمع بين تلك المناهج في منهج واحد عرف باسم المنهج الموسوعي( او المنهج الجمعي), ومنهم من نادي بتفسير القران الكريم حسب الموضوعات التي اشتمل عليها, وذلك بجمع الايات الوارده في الموضوع الواحد في كل سور القران, وتفسير واستنباط دلالاتها استنادا الي قاعده ان القران يفسر بعضه بعضا, وقد عرف ذلك باسم المنهج الموضوعي في التفسير.
من مبررات رفض المنهج العلمي للتفسير
اما المنهج العلمي في التفسير والذي يعتمد علي تفسير الاشارات الكونيه الوارده في كتاب الله تعالي حسب اتساع دائره المعرفه الانسانيه من عصر الي عصر وتبعا للطبيعه التراكميه لتلك المعرفه فقد ظل مرفوضا من غالبيه المجتهدين في التفسير وذلك لاسباب كثيره منها:
(1) ان الاسرائيليات كانت قد نفذت اول ما نفذت الي التراث الاسلامي عن طريق محاوله السابقين تفسير تلك الاشارات الكونيه الوارده في كتاب الله, وذلك لان الله تعالي قد شاء ان يوكل الناس في امور الكشف عن حقائق هذا الكون الي جهودهم المتتاليه جيلا بعد جيل, وعصرا بعد عصر..., ومن هنا جاءت الاشارات الكونيه في القران الكريم بصيغه مجمله, يفهم منها اهل كل عصر معني من المعاني, وتظل تلك المعاني تتسع باستمرار في تكامل لا يعرف التضاد, ومن هنا ايضا لم يقم رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بالتنصيص علي المراد منها في احاديثه الشريفه, التي تناول بها شرح القران الكريم, ولكن لما كانت النفس البشريه تواقه دوما الي التعرف علي اسرار هذا الوجود, ولما كان الانسان قد شغل منذ القدم بتساولات كثيره عن نشاه الكون, وبدايه الحياه, وخلق الانسان ومتي حدث كل ذلك, وكيف تم, وما هي اسبابه؟, وغير ذلك من اسرار الوجود.., فقد تجمع لدي البشريه في ذلك تراث ضخم, عبر التاريخ اختلط فيه الحق بالباطل, والواقع بالخيال, والعلم بالدجل والخرافه, وكان اكثر الناس حرصا علي هذا النوع من المعرفه المكتسبه هم رجال الدين في مختلف العصور, وقد كانت الدوله الاسلاميه في اول نشاتها محاطه بحضارات عديده تباينت فيها تلك المعارف وامثالها ثم بعد اتساع رقعه الدوله الاسلاميه واحتوائها لتلك الحضارات المجاوره, ودخول امم من مختلف المعتقدات السابقه علي بعثه المصطفي صلي الله عليه وسلم الي دين الله.. ووصول هذا التراث الي قيامهم علي ترجمته ونقده والاضافه اليه. حاول بعض المفسرين الاستفاده به في شرح الاشارات الكونيه الوارده بالقران الكريم فضلوا سواء السبيل لان العصر لم يكن بعصر تطور علمي كالذي نعيشه اليوم, ولان هذا التراث كان اغلبه في ايدي اليهود, وهم الذين ائتمروا علي الكيد للاسلام منذ بزوغ فجره, وان النقل قد تم عمن اسلم ومن لم يسلم منهم, علي الرغم من تحذير رسول الله صلي الله عليه وسلم بقوله: اذا حدثكم اهل الكتاب فلا تصدقوهم ولاتكذبوهم, فاما ان يحدثوكم بحق فتكذبوه, واما ان يحدثوكم بباطل فتصدقوه.
ويفسر ابن خلدون اسباب نقل هذه الاسرائيليات بقوله: والسبب في ذلك ان العرب لم يكونوا اهل كتاب, ولاعلم, وانما غلبت عليهم البداوه والاميه, واذا تشوقوا الي معرفه شيء مما تتشوق اليه النفوس البشريه: في اسباب المكونات, وبدء الخليقه, واسرار الوجود, فانما يسالون عنه اهل الكتاب قبلهم, ويستفيدون منهم, وهم اهل التوراه من اليهود, ومن تبع دينهم من النصاري, واهل التواره الذين بين العرب يومئذ وهم باديه مثلهم ولايعرفون من ذلك الا ما تعرفه العامه من اهل الكتاب, ومعظمهم من حمير الذين اخذوا بدين اليهوديه, فلما اسلموا بقوا علي ما كان عندهم مما لاتعلق له بالاحكام الشرعيه التي يحتاطون لها...
2 ان القران الكريم هو في الاصل كتاب هدايه ربانيه, اي كتاب عقيده وعباده واخلاق ومعاملات, بمعني اخر هو كتاب دين الله الذي اوحي به الي سائر انبيائه ورسله وتعهد الله تعالي بحفظه فحفظ, فعلي ذلك لابد من التاكيد ان القران الكريم ليس كتاب علم تجريبي, وان الاشارات العلميه التي وردت به جاءت في مقام الارشاد والموعظه لا في مقام البيان العلمي بمفهومه المحدد, وان تلك الاشارات علي كثرتها جاءت في اغلب الاحيان مجمله, وذلك بهدف توجيه الانسان الي التفكير والتدبر وامعان النظر في خلق الله, لابهدف الاخبار العلمي المباشر.
3 ان القران الكريم ثابت لايتغير بينما معطيات العلوم التجريبيه دائمه التغير والتطور وان ما تسمي بحقائق العلم ليست سوي نظريات وفروض يبطل منها اليوم ما كان سائدا بالامس, وربما في الغد ماهو سائد اليوم وبالتاكيد فلا يجوز الرجوع اليها عند تفسير كتاب الله العزيز لانه لايجوز تاويل الثابت بالمتغير.
4 ان القران الكريم هو بيان من الله, بينما معطيات العلوم التجريبيه لاتعدو ان تكون محاوله بشريه للوصول الي الحقيقه, ولايجوز في ظنهم رويه كلام الله في اطار محاولات البشر, كما لايجوز الانتصار لكتاب الله تعالي بمعطيات العلوم المكتسبه لان القران الكريم بصفته كلام الله هو حجه علي البشر كافه, وعلي العلم واهله.
5 ان العلوم التجريبيه تصاغ في اغلب دول العالم اليوم صياغه تنطلق كلها من منطلقات ماديه بحت, تفكر او تتجاهل الغيب, ولا تومن بالله, وان للكثيرين من المشتغلين بالعلوم الكونيه( البحت والتطبيقيه) مواقف عدائيه واضحه من قضيه الايمان بالله تعالي وبملائكته وكتبه ورسله, وبالقدر خيره وشره, وبحياه البرزخ وبالبعث والنشور والحساب وبالحياه الخالده في الدار الاخره اما في الجنه ابدا او في النا ر ابدا.
6 ان بعض معطيات العلوم التجريبيه قد يتباين مع عدد من الاصول الثابته في الكتاب والسنه نظرا لصياغتها من منطلقات ماديه بحت منكره لكل حقائق الغيب او متجاهله لها.
7 ان عددا من المفسرين الذين تعرضوا لتاويل بعض الاشارات الكونيه الوارده في كتاب الله قد تكلفوا في تحميل الايات من المعاني مالا تحمله في تعسف واضح وتكلف مفتعل علي اعناق الكلمات والايات وتحميلها من المعاني مالا تحمله.
الرد علي الرافضين للمنهج العلمي في التفسير
ان حجج المعارضين للمنهج العلمي للتفسير والتي اوردناها في الفقرات السابقه هي كلها حجج مردوده حجه بحجه كما يلي:
1 انه لاحاجه بنا اليوم الي الاسرائيليات في تفسير ايات الكونيات, لان الرصيد العلمي في مختلف تلك المعارف قد بلغ اليوم شاوا لم يبلغه من قبل, واذا كان من استخدم الاسرائيليات في تفسيره من الاوائل قد ضل سواء السبيل, فان من يستخدم حقائق العلم الثابته, ومشاهداته المتكرره في شرح تلك الايات لابد ان يصل الي فهم لها لم يكن من السهل الوصول اليه من قبل, وان يجد في ذلك من صور الاعجاز مالم يجده السابقون, تاكيدا لوصف رسول الله صلي الله عليه وسلم للقران بانه لاتنقضي عجائبه ولايخلق من كثره الرد.
3 انه لاتعارض البته بين كون القران الكريم كتاب هدايه ربانيه, وارشادا الهيا ودستور عقيده وعباده واخلاقا ومعاملات وكتاب تشريع سماوي يشمل نظاما كاملا للحياه, وبين احتوائه علي عدد من الاشارات العلميه الدقيقه التي وردت في مقام الاستدلال علي عظمه الخالق وقدرته في ابداعه للخلق, وقدرته علي افناء ما قد خلق, واعاده كل ذلك من جديد, وذلك لان الاشارات تبقي بيانا من الله, خالق الكون ومبدع الوجود, فلابد وان تكون حقا مطلقا, لانه من ادري بالخليقه من الخالق سبحانه وتعالي) ولو ان المسلمين وعووا هذه الحقيقه منذ القدم لكان لهم في مجال الدراسات الكونيه سبق ملحوظ, وثبات غير ملحوق فنحن ندرك اليوم وفي ضوء ماتجمع لنا من معارف في مجال دراسات العلوم البحته والتطبيقيه ان ايات الكونيات في كتاب الله تتسم جميعها بالدقه المتناهيه في التعبير والشمول في المعني, والاطراد والثبات في الدلاله والسبق لكثير من الكشوف العلميه بعشرات المئات من السنين وفي ذلك شهاده قاطعه لايستطيع ان ينكرها جاحد بان القران لايمكن ان يكون الا كلام الله الخالق.
اما القول بان تلك الاشارات قد تم سردها بصوره مجمله, فانها بحق احدي صور الاعجاز العلمي والبياني في القران الكريم, وذلك لان كل اشاره علميه وردت فيه قد صيغت صياغه فيها من اعجاز الايجاز والدقه في التعبير والاحكام في الدلاله, والشمول في المعني ما يمكن الناس علي اختلاف ثقافاتهم وتباين مستويات ادراكهم وتتابع اجيالهم وازمانهم ان يدركوا لها من المعاني مايتناسب وهذه الخلفيات كلها, بحيث تبقي المعاني المستخلصه من الايه الواحده يكمل بعضها بعضا في تناسق عجيب.. وتكامل اعجب لانه تكامل لايعرف التضاد وهذا عندي من اروع صور الاعجاز في كتاب الله فالاجمال في تلك الاشارات مع وضوح الحقيقه العلميه للاجيال المتلاحقه, كل علي قدر حظه من المعرفه بالكون وعلومه هي بالقطع امر فوق طاقه البشر وصوره من صور الاعجاز لم تتوافر ولايمكن ان تتوافر لغير كلام الله الخالق, ومن هنا كان فهم الناس للاشارات العلميه الوارده بالقران الكريم علي ضوء مايتجمع لديهم من معارف, فهما يزداد اتساعا وعمقا جيلا بعد جيل, وهذا في حد ذاته شهاده للقران الكريم بانه لاتنتهي عجائبه, ولايبلي علي كثره الرد كما وصفه المصطفي( صلي الله عليه وسلم).
وقد ادرك نفر من السابقين ذلك وفي مقدمتهم الامام المزركشي الذي كتب في كتابه البرهان في علوم القران مانصه.. وما من برهان ودلاله وتقسيم, وتحديد شيء من كليات المعلومات العقليه والسمعيه الا وكتاب الله تعالي قد نطق به, لكن اورده تعالي علي عاده العرب دون دقائق طرق احكام المتكلمين لامرين: احدهما بسبب ماقاله سبحانه وتعالي:
وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم[ سوره ابراهيم:4]
والثاني ان المائل الي دقيق المحاجه هو العاجز عن اقامه الحجه بالجليل من الكلام, فان استطاع ان يفهم بالاوضح الذي يفمهه الاكثرون لم يتخط الي الاغمض الذي لايعرفه الا الاقلون, وكذلك اخرج تعالي مخاطباته في محاجه خلقه من اجل صوره تشتمل علي ادق دقيق لتفهم العامه من جليلها مايقنعهم الحجه, وتفهم الخواص من اينائها مايوفي علي ما ادركه الخطباء....
ثم يضيف: ومن ثم كان علي كل من اصاب حظا في العلم اوفر ان يكون نصيبه من علم القران اكثر, لان عقله حينئذ يكون قد استنار باضواء العلم, وهولاء الذين اهتم القران بمناداتهم كلما ذكر حجه علي الربوبيه والوحدانيه, او اضاف اليهم اولو الالباب والسامعون والمفكرون والمتذكرون تنبيها الي ان بكل قوه من هذه القوي يمكن ادراك حقيقه منها.
من هنا كان واجب المتخصصين من المسلمين في كل عصر وفي كل جيل ان ينفر منهم من يستطيع ان يجمع الي حقل تخصصه الماما بحد ادني من علوم اللغه العربيه وادابها, ومن الحديث وعلومه, والفقه واصوله, وعلم الكلام وقواعده, واحاطه باسباب النزول, وبالماثور في التفسير, وباجتهاد السابقين من ائمه المفسرين, ثم يعود هولاء الي دراسه الاشارات الكونيه الوارده في كتاب الله كل فيما يخصه محاولين فهمها في ضوء معطيات العلم وكشوفه, وقواعد المنطق واصوله حتي يدركوا ما يستطيعون من فهم لكتاب الله حتي تتحقق نبوءه المصطفي( صلي الله عليه وسلم) في وصفه لكتاب الله انه لاتنتهي عجائبه..
(3) ان القول بعدم جواز تاويل الثابت بالمتغير قول ساذج, لان معناه الجمود علي فهم واحد لكتاب الله, يناي بالناس عن واقعهم في كل عصر, حتي لايستسيغوه فيملوه ويهملوه, وثبات القران الكريم.. وهو من السمات البارزه له لايمنع من فهم الاشارات الكونيه الوارده فيه علي اساس من معطيات العلوم الكونيه البحته منها والتطبيقيه, حتي ولو كان ذلك يتسع من عصر الي اخر بطريقه مطرده, فالعلوم المكتسبه كلها لها طبيعه تراكميه, ولا يتوافر للانسان منها في عصر من العصور الا اقدار تتفاوت بتفاوت الازمنه, وتباين العصور, تقدما واضمحلالا, وهذه الطبيعه التراكميه للمعرفه الانسانيه المكتسبه تجعل الامم اللاحقه اكثر علما بصفه عامه من الامم السابقه, الا اذا تعرضت الحضاره الانسانيه باكملها للانتكاس والتدهور.
من هنا كانت معطيات العلوم الكونيه بصفه خاصه, والمعارف المكتسبه كلها بصفه عامه دائمه التغير والتطور, بينما كلمات وحروف القران الكريم ثابته لاتتغير, وهذا وحده من اعظم شواهد الاعجاز في كتاب الله.
وعلي الرغم من ثبات اللفظ القراني, وتطور الفهم البشري لدلالاته مع اتساع دائره المعرفه الانسانيه جيلا بعد جيل فان تلك الدلالات يتكامل بعضها مع بعض في اتساق لايعرف التضاد, ولايتوافر ذلك لغير كلام الله, الا اذا كان المفسر لاياخذ بالاسباب, او يسيء استخدام الوسائل فيضل الطريق....!! ويظل اللفظ القراني ثابتا, وتتوسع دائره فهم الناس له عصرا بعد عصر.. وفي ذلك شهاده للقران الكريم بانه يغاير كافه كلام البشر, وانه بالقطع بيان من الله.... ولذلك فاننا نجد القران الكريم يحض الناس حضا علي تدبر اياته, والعكوف علي فهم دلالاتها, ويتحدي اهل الكفر والشرك والالحاد ان يجدوا فيه صوره واحده من صور الاختلاف او التناقض علي توالي العصور عليه, وكثره النظر فيه, وصدق الله العظيم اذ يقول:
افلا يتدبرون القرءان ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.
[ النساء82]
واذ يكرر التساول التقريعي في سوره الرحمن احدي وثلاثين مره فباي الاء ربكما تكذبان, ويوكد ضروره تدبر القران وانه تعالي قد جعله في متناول عقل الانسان فيذكر ذلك اربع مرات في سوره القمر حيث يصدع التنزيل بقول الحق:( تبارك وتعالي)
ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر
[ القمر: الايات17 و22 و32 و40]
والذكر هنا كما يجمع المفسرون يشمل التلاوه والتدبر معا, ويشير الي استمرار تلك العمليه مع تبادل العصور وتجدد الازمان, ومن هنا يبقي النص القراني ثابتا ويتجدد, فهم الناس له كلما اتسعت دائره معارفهم ونمت حصيلتهم العلميه, وذلك بالقطع فيما لم يرد في شرحه شيء من الماثور الموثق, وليس في ذلك مقابله بين كلام الله وكلام الناس كما يدعي البعض ولكنه المحاوله الجاده لفهم كلام الله وهو الذي انزله الله تعالي للبشر لكي يفهموه ويتعظوا بدروسه, وفهمه في نفس الوقت هو صوره من صور الاعجاز في كتاب الله, لاينكرها الا جاحد.
اما القول بان مايسمي بحقائق العلم ليس الا نظريات وفروضا, يبطل منها اليوم ما كان سائدا بالامس, وربما يبطل في الغد ماهو سائد اليوم فهو ايضا قول ساذج لان هناك فروقا واضحه بين الفروض والنظريات من جهه والقواعد والقوانين من جهه اخري, وهي مراحل متتابعه في منهج العلوم التجريبيه الذي يبدا بالفروض ثم النظريات وينتهي بالقواعد والقوانين, والفروض هي تفسيرات اوليه للظواهر الكونيه, والنظريات هي صياغه عامه لتفسير كيفيه حدوث تلك الظواهر ومسبباتها, اما الحقائق الكونيه فهي مايثبت ثبوتا قاطعا في علم الانسان بالادله المنطقيه المقبوله وهي جزء من الحكمه التي نحن اولي الناس بها, وكذلك القوانين العلميه فهي تعبيرات بشريه عن السنن الالهيه في الكون, تصف علاقات محدده تربط بين عناصر الظاهره الواحده, او بين عدد من الظواهر الكونيه المختلفه, وهي كذلك جزء من الحكمه التي امرنا بان نجعلها ضاله المومن.
-
موقف المفسرين من الايات الكونيه في القران الكريم2
حرص كثير من علماء المسلمين, علي الا يتم تاويل الاشارات العلميه, الوارده في القران الكريم الا في ضوء الحقائق العلميه الموكده من القوانين والقواعد الثابته, اما الفروض والنظريات فلا يجوز تخديمها في فهم ذلك وحتي هذا الموقف نعتبره تحفظا مبالغا فيه, فكما يختلف دارسو القران الكريم في فهم بعض الدلالات اللفظيه, والصور البيانيه, وغيرها من القضايا اللغويه ولا يجدون حرجا في ذلك العمل الذي يقومون به في غيبه نص ثابت ماثور, فاننا نري انه لا حرج علي الاطلاق في فهم الاشارات الكونيه الوارده بالقران الكريم علي ضوء المعارف العلميه المتاحه, حتي ولو لم تكن تلك المعارف قد ارتقت الي مستوي الحقائق الثابته, وذلك لان التفسير يبقي جهدا بشريا خالصا بكل ما للبشر من صفات القصور, والنقص, وحدود القدره, ثم ان العلماء التجريبيين قد يجمعون علي نظريه ما. لها من الشواهد ما يويدها, وان لم ترق بعد الي مرتبه القاعده او القانون, وقد لا يكون امام العلماء من مخرج للوصول بها الي ذلك المستوي ابدا, فمن امور الكون العديده مالا سبيل للعلماء التجريبيين من الوصول فيها الي حقيقه ابدا, ولكن قد يتجمع لديهم من الشواهد مايمكن ان يعين علي بلوره نظريه من النظريات, ويبقي العلم التجريبي مسلما بانه لا يستطيع ان يتعدي تلك المرحله في ذلك المجال بعينه ابدا, والامثله علي ذلك كثيره منها النظريات المفسره لاصل الكون واصل الحياه واصل الانسان, وقد مرت بمراحل متعدده من الفروض العلميه حتي وصلت اليوم الي عدد محدود من النظريات المقبوله, ولا يتخيل العلماء انهم سيصلون في يوم من الايام الي اكثر من تفضيل لنظريه علي اخري, او تطوير لنظريه عن اخري, او وضع لنظريه جديده, دون الادعاء بالوصول الي قانون قطعي, او قاعده ثابته لذلك, فهذه مجالات اذا دخلها الانسان بغير هدايه ربانيه فانه يضل فيها ضلالا بعيدا, وصدق الله العظيم اذ يقول:
ما اشهدتهم خلق السماوات والارض ولا خلق انفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا.( الكهف51)
وذلك لانه علي الرغم من ان العلماء التجريبيين يستقرئون حقائق الكون بالمشاهده والاستنتاج, او بالتجربه والملاحظه والاستنتاج, في عمليات قابله للتكرار والاعاده, الا ان من امور الكون مالا يمكن اخضاعه لذلك من مثل قضايا الخلق: خلق الكون, وخلق الحياه وخلق الانسان. وهي قضايا لا يمكن للانسان ان يصل فيها الي تصور صحيح ابدا بغير هدايه ربانيه, ولولا الثبات في سنن الله التي تحكم الكون ومافيه ما تمكن الانسان من اكتشافها,... ولا يظن عاقل ان البشر مطالبون بما هو فوق طاقاتهم خاصه في فهم كتاب الله الذي انزل لهم, ويسر لتذكرهم لقول الحق تبارك وتعالي:
(ولقد يسرنا القران للذكر فهل من مدكر)( القمر: الايات40,32,22,17)
ففي الوقت الذي يقرر القران الكريم فيه ان الله لم يشهد الناس خلق السموات والارض ولا خلق انفسهم, نجده في ايات اخر يامرهم بالنظر في كيفيه بدايه الخلق, وهي من اصعب قضايا العلوم الكونيه البحته منها والتطبيقيه قاطبه اذ يقول( عز من قائل:
(او لم يروا كيف يبديء الله الخلق ثم يعيده ان ذلك علي الله يسير* قل سيروا في الارض فانظروا كيف بدا الخلق ثم الله ينشيء النشاه الاخره ان الله علي كل شيء قدير)( العنكبوت:20,19)
مما يشير الي ان بالارض سجلا حافلا بالحقائق التي يمكن ان يستدل منها علي كيفيه الخلق الاول, وعلي امكانيه النشاه الاخره, والامر في الايه من الله تعالي الي رسوله الكريم ليدع الناس كافه الي السير في الارض, واستخلاص العبره من فهم كيفيه ا لخلق الاول, وهي قضيه تقع من العلوم الكونيه( البحته والتطبيقيه) في الصميم, ان لم تكن تشكل اصعب قضيه علميه عالجها الانسان.
وهذه القضايا: قضايا الخلق وافنائه واعاده خلقه لها في كتاب الله وفي سنه رسوله( صلي الله عليه وسلم) من الاشارات اللطيفه مايمكن الانسان المسلم من تفضيل نظريه من النظريات او فرض من الفروض والارتقاء بها او به الي مقام الحقيقه لمجرد ورود ذكر لها او له في كتاب الله او في سنه رسوله( صلي الله عليه وسلم) ونكون بذلك قد انتصرنا بالقران الكريم والسنه النبويه المطهره للعلم وليس العكس.
وعلي ذلك فاني اري جواز فهم الاشارات العلميه الوارده بالقران الكريم علي اساس من الحقائق العلميه الثابته اولا, فان لم تتوافر فبالنظريه السائده, فان لم تتوافر فبالفرض العلمي المنطقي المقبول, حتي لو ادي التطور العلمي في المستقبل الي تغيير تلك النظريه, او ذلك الفرض او تطويرهما او تعديلهما, لان التفسير كما سبق ان اشرت يبقي اجتهادا بشريا خالصا من اجل حسن فهم دلاله الايه القرانيه ان اصاب فيه المرء فله اجران وان اخطا فله اجر واحد, ويبقي هذا الاجتهاد, قابلا للزياده والنقصان, وللنقد والتعديل والتبديل.
الرد علي القائلين بعدم جواز رويه كلام الله في اطار محاولات البشر
ان في كون القران الكريم بيانا من الله تعالي الي الناس كافه, يفرض علي المتخصصين من ابناء المسلمين ان يفهموه كل في حقل تخصصه علي ضوء ماتجمع له من معارف بتوظيف مناهج الاستقراء الدقيقه, فالقران نزل للناس ليفهموه وليتدبروا اياته. ثم ان تاويل ايات الكونيات علي ضوء من معطيات العلوم التجريبيه لا يشكل احتجاجا علي القران بالمعارف المكتسبه, ولا انتصارا له بها, فالقران بالقطع فوق ذلك كله, ولان التاويل علي اساس من المعطيات العلميه الحديثه يبقي محاوله بشريه للفهم في اطار لم يكن متوفرا للناس من قبل, ولا يمكن ان تكون محاولات البشر لفهم القران الكريم حجه علي كتاب الله, سواء اصابت ام اخطات تلك المحاولات, والا لما حفل القران الكريم بهذا الحشد الهائل, من الايات التي تحض علي استخدام كل الحواس البشريه للنظر في مختلف جنبات الكون بمنهج علمي استقرائي دقيق. وذلك لان الله تعالي قد جعل السنن الكونيه علي قدر من الثبات والاطراد يمكن حواس الانسان المتامل لها, المتفكر فيها, المتدبر لتفاصيلها من ادراك اسرارها( علي الرغم من حدود قدرات تلك الحواس), ويعين عقله علي فهمها( علي الرغم من حدود قدرات ذلك العقل),
وربما كان هذا هو المقصود من ايات التسخير التي يزخر بها القران الكريم, ويمن علينا ربنا تبارك وتعالي وهو صاحب الفضل والمنه بهذا التسخير الذي هو من اعظم نعمه علينا نحن العباد.
ومن اروع مايدركه الانسان المتامل في الكون كثره الادله الماديه الملموسه علي كل حدث وقع في الكون صغر ام كبر, ادله مدونه في صفحه الكون وفي صخور الارض بصوره يمكن لحواس الانسان ولعقله ادراكها لو اتبع المنهج العلمي الاستقرائي الصحيح, فما من انفجار حدث في صفحه الكون الا وهو مدون, ومامن نجم توهج او خمد الا وله اثر, وما من هزه ارضيه او ثوره بركانيه او حركه بانيه للجبال الا وهي مسجله في صخور القشره الارضيه, وما من تغير في تركيب الغلاف الغازي او المائي للارض الا وهو مدون في صخور الارض, ومامن تقدم للبحار او انحسار لها, ولا تغير في المناخ الا وهو مدون كذلك في صخور الارض, ومامن هبوط نيازك او اشعه كونيه علي الارض الا وهو مسجل. في صخورها. ومن هنا فان الدعوه القرانيه للتامل في الكون واستخلاص سنن الله فيه وتوظيف تلك السنن في عماره الارض والقيام بواجب الاستخلاف فيها هي دعوه للناس في كل زمان ومكان, وهي دعوه لا تتوقف ولا تتخلف ولا تتعطل انطلاقا من الحقيقه الواقعه انه مهما اتسعت دائره المعرفه الانسانيه فان القران الكريم يبقي دوما مهيمنا عليها, محيطا بها لانه كلام الله الخالق الذي ابدع هذا الكون بعلمه وقدرته وحكمته, والذي هو ادري بصنعته من كل من هم سواه.
وعلي ذلك فان مقابله كلام الله بمحاوله البشر لتفسيره واثبات جوانب الاعجاز فيه لا تنتقص من جلال الربوبيه الذي يتلالا بين كلمات هذا البيان الرباني الخالص, وانما تزيد المومنين ثباتا علي ايمانهم, وتقيم الحجه علي الجاحدين من الكفار والمشركين, وحتي لو اخطا المفسر في فهم دلاله ايه من ايات القران الكريم فان هذا الخطا يعد علي المفسر نفسه ولا ينسحب علي جلال كلام الله ابدا, والذين فسروا باللغه اصابوا واخطاوا, وكذلك الذين فسروا بالتاريخ, فليحاول العلماء التجريبيون تفسير الايات الكونيه بما تجمع لديهم من معارف لان تلك الايات لا يمكن فهم دلالاتها فهما كاملا, ولا استقراء جوانب الاعجاز فيها في حدود اطرها اللغويه وحدها.
الرد علي المدعين
بكفر الكتابات العلميه المعاصره
ان الاحتجاج بان العلوم التجريبيه في ظل الحضاره الماديه المعاصره تنطلق في معظمها من منطلقات ماديه بحته, تنكر او تتجاهل الغيب, ولا تومن بالله, وان للكثيرين من المشتغلين بالعلوم مواقف عدائيه واضحه من قضيه الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر, فمرده بعيد عن طبيعه العلوم الكونيه, وانما يرجع ذلك الي العقائد الفاسده التي افرزتها الحضاره الماديه المعاصره, والتي تحاول فرضها علي كل استنتاج علمي كلي, وعلي كل رويه شامله للكون والحياه, في وقت حققت فيه قفزات. هائله في مجال العلوم الكونيه البحته منها والتطبيقيه, بينما تخلف المسلمون في كل امر من امور الحياه بصفه عامه, وفي مجال العلوم والتقنيه بصفه خاصه, مما ادي الي انتقال القياده الفكريه في هذه المجالات علي وجه الخصوص الي امم سبق للعلماء فيها ان عانوا معاناه شديده من تسلط الكنيسه عليهم, واضطهادها لهم, ورفضها للمنهج العلمي ولكل معطياته ووقوفها حجر عثره في وجه اي تقدم علمي, كما حدث في اوروبا في اوائل عصر النهضه. فانطلق العلماء الغربيون من منطلق العداوه للكنيسه اولا ثم لقضيه الايمان بالتبعيه, وداروا بالعلوم الكونيه ومعطياتها في اطارها المادي فقط, وبرعوا في ذلك براعه ملحوظه, ولكنهم ضلوا السبيل وتنكبوه حينما حبسوا انفسهم في اطار الماده, ولم يتمكنوا من ادراك ما فوقها, او منعوا انفسهم من التفكير فيه, فاصبحت الغالبيه العظمي من العلوم تكتب من مفهوم مادي صرف, وانتقلت عدوي ذلك الي عالمنا المسلم اثناء مرحله اللهث وراء اللحاق بالركب التي نعيشها وما صاحب ذلك من مركبات الشعور بالنقص, او نتيجه لدس الاعداء, وانبهار البلهاء بما حققته الحضاره الماديه المعاصره من انتصارات في مجال العلوم البحته والتطبيقيه, وما وصلت اليه من اسباب القوه والغلبه, وما حملته معها حركه الترجمه من غث وسمين, فاصبحت العلوم تكتب اليوم في عالمنا المعاصر من نفس المنطلق لانها عاده ماتدرس وتكتب وتنشر بلغات اجنبيه علي نفس النمط الذي ارست قواعده الحضاره الماديه, وحتي ماينشر منها باللغه العربيه, او بغيرها من اللغات المحليه, لا يكاد يخرج في مجموعه عن كونه ترجمه مباشره او غير مباشره للفكر الغريب الوافد بكل مافيه من تعارض واضح احيانا مع نصوص الدين, وهنا تقتضي الامانه اثبات ان ذلك الموقف غريب علي العلم وحقائقه ومن هنا ايضا كان من واجب المسلمين اعاده التاصيل الاسلامي للمعارف العلميه اي اعاده كتابه العلوم بل والمعارف المكتسبه كلها من منطلق اسلامي صحيح خاصه ان المعطيات الكليه للعلوم البحته والتطبيقيه بعد وصولها الي قدر من التكامل في هذا العصر اصبحت من اقوي الادله علي وجود الله وعلي تفرده بالالوهيه والربوبيه وبكامل الاسماء و,الصفات, وانصع الشواهد علي حقيقه الخلق وحتميه البعث وضروره الحساب وان العلوم الكونيه كانت ولا تزال النافذه الرئيسيه التي تتصل منها الحضاره المعاصره بالفطره الربانيه وان المنهج العلمي ونجاحه في الكشف عن عدد من حقائق هذا الكون متوقف علي اتساق تلك الفطره واتصاف سننها بالاطراد والثبات.
الرد علي الادعاء بالتعارض
بين معطيات العلم والدين
ان القول بان عددا من المعطيات الكليه للعلوم التجريبيه كما تصاغ في الحضاره الماديه المعاصره قد تتباين مع الاصول الاسلاميه الثابته قول علي اطلاقه غير صحيح لانه اذا جاز ذلك في بعض الاستنتاجات الجزئيه الخاطئه, او في بعض الاوقات كما كان الحال في مطلع هذا القرن, والمعرفه بالكون جزئيه متناثره, ساذجه بسيطه, او في الجزء المتاخر منه عندما ادت المبالغه في التخصص الي حصر العلماء في دوائر ضيقه للغايه حجبت عنهم الرويه الكليه لمعطيات العلوم, فانه لا يجوز:اليوم حين بلغت المعارف باشياء هذا الكون حدا لم تبلغه البشريه من قبل وقد اصبحت الاستنتاجات الكليه لتلك المعارف توكد ضروره الايمان بالخالق الباريء المصور الذي ليس كمثله شيء, وعلي ضروره التسليم بالغيب وبالوحي وبالبعث وبالحساب, فمن المعطيات الكليه للعلوم الكونيه المعاصره ما يمكن ايجازه فيما يلي:
ان هذا الكون الذي نحيا فيه متناه في ابعاده مذهل في دقه بنائه, مذهل في احكام ترابطه وانتظام حركاته.
ان هذا الكون مبني علي نفس النظام من ادق دقائقه الي اكبر وحداته.
ان هذا الكون دائم الاتساع الي نهايه لا يستطيع العلم المكتسب ادراكها.
ان هذا الكون علي قدمه مستحدث مخلوق, كانت له في الماضي السحيق بدايه حاول العلم التجريبي قياسها, ووصل فيها الي دلالات تكاد تكون ثابته لو استبعدنا الاخطاء التجريبيه.
ان هذا الكون عارض اي انه لابد ان ستكون له في يوم من الايام نهايه تشير اليها كل الظواهر الكونيه من حولنا.
ان هذا الكون المادي لا يمكن ان يكون قد اوجد نفسه بنفسه ولا يمكن لاي من مكوناته الماديه ان تكون قد اوجدته.
ان هذا الكون المتناهي الابعاد. الدائم الاتساع, المحكم البناء, الدقيق الحركه والنظام الذي يدور كل ما فيه في مدارات محدده وبسرعات مذهله متفاوته وثابته لا يمكن ان يكون قد وجد بمحض المصادفه.
هذه المعطيات السابقه تفضي الي حقيقه منطقيه واحده موداها انه اذا كان هذا الكون الحادث لا يمكن ان يكون قد وجد بمحض المصادفه. فلابد له من موجد عظيم له من العلم والقدره والحكمه وغير ذلك من صفات الكمال والتنزيه ما لا يتوافر لشيء من خلقه بل ما يغاير صفات المخلوقات جميعا فلا تحده. حدود المكان ولا الزمان ولا قوالب الماده او الطاقه, ولا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار ولا ينسحب عليه ما يحكم خلقه من سنن وقوانين, لانه( سبحانه وتعالي)
( ليس كمثله شيء)( الشوري:11)
هذا الخالق العظيم الذي اوجد الكون بما فيه ومن فيه هو وحده الذي يملك القدره علي ازالته وافنائه ثم اعاده خلقه وقتما شاء وكيفما شاء:
يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب, كما بدانا اول خلق نعيده وعدا علينا انا كنا فاعلين.( الانبياء: ايه104)
انما قولنا لشيء اذا اردناه ان نقول له كن فيكون( النحل:40)
ان الوحده في هذا الكون تشير الي وحدانيه هذا الخالق العظيم, وحده بناء كل من الذره والخليه الحيه والمجموعه الشمسيه والمجره وغيرها, ووحده تاصيل العناصر كلها وردها الي ابسطها وهو غاز الايدروجين, ووحده تواصل كل صور الطاقه, وتواصل الماده والطاقه, وتواصل المخلوقات, هذا التواصل وتلك الوحده التي يميزها التنوع في ازواج, وتلك الزوجيه التي تنتظم كل صور المخلوقات من الاحياء والجمادات تشهد بتفرد الخالق الباريء المصور بالوحدانيه, واستعلاء هذا الخالق الواحد الاحد الفرد الصمد فوق خلقه بمقام الالوهيه والربوبيه الذي لا يشاركه فيه احد ولا ينازعه علي سلطانه منازع ولا يشبهه من خلقه شيء
ان العلوم التجريبيه في تعاملها مع المدرك المحسوس فقط, قد استطاعت ان تتوصل الي ان بالكون غيبا قد لا يستطيع الانسان ان يشق حجبه, ولولا ذلك الغيب ما استمرت تلك العلوم في التطور والنماء, لان اكبر الاكتشافات العلميه قد نمت نتيجه للبحث الدءوب عن هذا الغيب.
توكد العلوم التجريبيه ان بالاحياء سرا لا نعرف كنهه, لاننا نعلم مكونات الخليه الحيه, والتركيب المادي لجسد الانسان, ومع ذلك لم يستطع هذا العلم ان يصنع لنا خليه حيه واحده, او ان يوجد لنا انسانا عن غير الطريق الفطري لا يجاده.
ان النظر في اي من زوايا هذا الكون ليوكد حاجته بمن فيه وما فيه الي رعايه خالقه العظيم في كل لحظه من لحظات وجوده
ان العلوم الكونيه اذ تقدر ان الكون والانسان في شكليهما الحاليين ليسا ابديين, فانها وعلي غير قصد منها لتوكد حقيقه الاخره, بل وعلي حتميتها, والموت يتراءي في مختلف جنبات هذا الكون في كل لحظه من لحظات وجوده, شاملا الانسان والحيوان والنبات والجماد واجرام السماء علي تباين هيئاتها, وتكفي في ذلك الاشاره الي ما اثبتته المشاهده من ان الشمس تفقد من كتلتها بالاشعاع ما يقدر بحوالي4,6 مليون طن في كل ثانيه وانها اذ تستمر في ذلك فلابد من ان ياتي الوقت الذي تخبو فيه جذوتها, وينطفيء اوراها, وتنتهي الحياه علي الارض قبل ذلك, لاعتمادها في ممارسه انشطتها الحيويه علي اشعه الشمس وان الطاقه تنتقل من الاجسام الحاره الي الاجسام الاقل حراره بطريقه مستمره في محاوله لتساوي درجات حراره الاجرام المختلفه في الكون ولابد ان تنتهي بذلك او قبله كل صور الحياه المعروفه لنا, وليس معني ذلك انه يمكن معرفه متي تكون نهايه هذا الوجود, لان الاخره قرار الهي لا يرتبط بسنن الدنيا, وان ابقي الله تعالي لنا في الدنيا من الظواهر والسنن ما يوكد امكانيه وقوع الاخره, بل حتميتها انصياعا للامر الالهي كن فيكون وان الانسان الذي يحوي جسده في المتوسط الف مليون مليون خليه يفقد فيها في كل ثانيه ما يقدر بحوالي125 مليون خليه تموت ويتخلق غيرها بحيث تتبدل جميع خلايا جسد الفرد من بني البشر مره كل عشر سنوات تقريبا, فيما عدا الخلايا العصبيه التي اذا ماتت لا تتجدد, وتكفي في ذلك ايضا الاشاره الي ان انتقال الاليكترون من مدار الي اخر حول نواه الذره يتم بسرعه مذهله دفعت بعدد من العلماء الي الاعتقاد بانه فناء في مدار وخلق جديد في مدار اخر, كما تكفي الاشاره الي ظاهره اتساع الكون عن طريق تباعد المجرات عن بعضها البعض بسرعات مذهله تقترب من سرعه الضوء( اي حوالي ثلاثمائه الف كيلو متر في الثانيه) وتخلق الماده في المسافات الجديده الناتجه عن هذا التباعد المستمد بطريقه لايعلمها الا الله, وتباطو هذا التباعد الناتج عن ظاهره الانفجار العظيم مع الزمن مما يشير الي حتميه تغلب الجاذبيه علي عمليه الدفع الي الخارج مما يودي الي اعاده جمع ماده الكون ومختلف صور الطاقه فيه في جرم واحد ذي كثافه بالغه مما يجعله في حاله من عدم الاستقرار تودي الي انفجاره علي هيئه شبيهه بالانفجار الاول الذي تم به خلق الكون, فيتحول هذا الجرم الي غلاله من دخان كما تحول الجرم الاول, وتتخلق من هذا الدخان ارض غير الارض, وسماوات غير السماوات.
كما وعد ربنا تبارك وتعالي بقوله( عز من قائل):
يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدانا اول خلق نعيده وعدا علينا انا كنا فاعلين( الانبياء: ايه104)
وقوله( سبحانه):
يوم تبدل الارض غير الارض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار( ابراهيم:48).
وتكفي في ذلك ايضا الاشاره الي ان الذرات في جميع الاحماض الامينيه والجزيئات البروتينيه تترتب ترتيبا يساريا في اجساد كافه الكائنات الحيه علي اختلاف مراتبها, فاذا مامات الكائن الحي اعادت تلك الذرات ترتيب نفسها ترتيبا يمينيا بمعدلات ثابته محدده يمكن باستخدامها تحديد لحظه وفاه الكائن الحي اذا بقيت من جسده بقيه بعد مماته, ويتعجب العلماء من القدره التي مكنت الذرات من تلك الحركات المنضبطه بعد وفاه صاحبها وتحلل جسده!!
فهل يمكن لعاقل بعد ذلك ان يتصور ان العلوم الكونيه ومعطياتها في ازهي عصور ازدهارها تتصادم مع قضيه الايمان بالله, وهذه هي معطياتها الكليه, وهي في جملتها تكاد تتطابق مع تعاليم السماء, وفي ذلك كتب المفكر الاسلامي الكبير الاستاذ محمد فريد وجدي( يرحمه الله) في خاتمه كتابه المستقبل للاسلام ما نصه:
ان كل خطوه يخطوها البشر في سبيل الرقي العلمي, هي تقرب الي ديننا الفطري, حتي ينتهي الامر الي الاقرار الاجماعي بانه الدين الحق.
ثم يضيف:.. نعم ان العالم بفضل تحرره من الوراثات والتقاليد, وامعانه في النقد والتمحيص, يتمشي علي غير قصد منه نحو الاسلام,بخطوات متزنه ثابته, لاتوجد قوه في الارض ترده. عنه الا اذا انحل عصام المدنيه, وارتكست الجماعات الانسانيه عن وجهتها العلميه.
وقد بدات بوادر هذا التحول الفكري تظهر جليه اليوم, وفي مختلف جنبات الارض, باقبال اعداد كبيره من العلماء والمتخصصين وكبار المثقفين والمفكرين علي الاسلام, اقبالا لم تعرف له الانسانيه مثيلا من قبل, واعداد هولاء العلماء الذين توصلوا الي الايمان بالله عن طريق النظر المباشر في الكون, واستدلوا علي صدق خاتم رسله وانبيائه( صلي الله عليه وسلم) بالوقوف علي عدد من الاشارات العلميه البارقه الصادقه في كتاب الله, هم في تزايد مستمر, وهذا واحد منهمموريس بوكاي الطبيب والباحث الفرنسي يسجل في كتابه الانجيل والقران والعلم مانصه:.. لقد اثارت هذه الجوانب العلميه التي يختص بها القران دهشتي العميقه في البدايه, فلم اكن اعتقد قط بامكان اكتشاف عدد كبير الي هذا الحد من الدعاوي الخاصه بموضوعات شديده التنوع ومطابقه تماما للمعارف العلميه الحديثه, وذلك في نص دون منذ اكثر من ثلاثه عشر قرنا.
-
الاشارات الكونيه في القران الكريم
ومغزي دلالتها العلميه
ان فهم الاشارات الكونيه في كتاب الله, علي ضوء ما تجمع للبشريه اليوم من معارف, وتقديمها للعالم كواحد من الادله العديده علي ان القران الكريم هو كلام الله الذي انزله بعلمه والذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, والذي حفظ بحفظ الله, بنفس اللغه التي اوحي بها, بدقائق حروفه وكلماته واياته وسوره, يعتبر فتحا جديدا للاسلام, وانقاذا للبشريه من الهاويه التي تتردي فيها اليوم بسبب تقدمها العلمي والتقني المذهل وتضاول روح الايمان بالله, وانعدام الخشيه من عذابه في نفوس القطاع الاكبر من الناس خاصه في اكثر المجتمعات البشريه المعاصره اخذا باسباب التقدم العلمي والتقني, فاغلب المجتمعات البشريه في الدول غير المسلمه تعاني اليوم من انفراط عقد الاسره, والتقنين للممارسات الجنسيه بدون ادني رباط, فكثر حمل المراهقات, وابناء الزنا, والاسر ذات العائل الواحد, وتفشت الامراض والاوباء والعلل مما لم يكن معروفا من قبل, وقننت الحكومات والتشريعات للعلاقات الشاذه, وصرحت بتبني الاطفال وتنشئتهم في وسط الشواذ, وهي عمليه مدمره للفطره الانسانيه فكثرت الازمات النفسيه وامراضها, وتضاعفت معدلات كل من الادمان والجريمه والانتحار, وملئت اكثر المجتمعات البشريه ثراء وتطورا ماديا باخطر مشاكل المجتمعات الانسانيه علي الاطلاق...!!!
ومن هولاء الذين لايعرفون لهم ابا, والذين خرجوا الي الحياه بطرق غير مشروعه, ونشئوا في بيئات فاسده وبين سلوكيات منحطه وضيعه من يمكن ان يصل الي مقام السلطه في دول تملك من تقنيات ووسائل الغلبه الماديه, من مختلف اسلحه الدمار الشامل ما يعينه علي البطش بالخلق, وافشاء الظلم, وتدمير الحياه علي سطح الارض, وافساد بيئاتها والقضاء علي مختلف صور الحياه فيها...!!! ولا يجد من دين او خلق او منطق اي رادع يمكن ان يرده عن ذلك...!!!
واغلب وسائل الاعلام في العالم قد وقعت اليوم في ايدي اليهود, في موامره خسيسه علي الانسانيه واليهود هم اشد الناس عداوه للذين امنوا بصفه خاصه وللانسان غير اليهودي بصفه عامه فوظفوا كافه تلك الوسائل الاعلاميه في تدمير البقيه الباقيه من عقائد واخلاقيات وسلوكيات المجتمعات الانسانيه, وفي تشويه صوره الاسلام في اذهان الناس, وذلك لان مما يسوءهم ان يروا الاسلام ينتشر في مجتمعاتهم المريضه في الوقت الذي يتصورون فيه انهم قد احاطوا بالاسلام والمسلمين احاطه كامله. ويقبل علي الاسلام في الغرب والشرق قمم الفكر والعلم والراي لانهم يرون فيه المخرج الوحيد من الوحل النتن الذي غاصت فيه مجتمعاتهم والذي يعيشون فيه الي اذقانهم في غالبيتهم الساحقه, ووسيلتنا في تحسين صوره الاسلام في العالم هي حسن الدعوه اليه بالكلمه الطيبه, والحجه الواضحه, والمنطق السوي. وخير ما نقدمه في ذلك المضمار مما يتناسب مع طبيعه العصر ولغته هو الاعجاز العلمي للقران الكريم, لاننا نعيش في زمن ادار غالبيه الناس ظهورهم فيه للدين, ولم تعد قضايا الغيب المطلق من بعث بعد الموت, وعرض اكبر امام الله الخالق, وخلود في حياه قادمه: اما في الجنه ابدا, او في النار ابدا
وغيرها من قضايا الدين لم تعد تحرك فيهم ساكنا, ولكنهم في نفس الوقت قد فتنوا بالعلم ومعطياته فتنه كبيره, فاذا اشرنا الي سبق للقران الكريم في الاشاره الي عدد من حقائق الكون قبل ان يصل الانسان الي شيء منها بعشرات المئات من السنين, وهو الكتاب الذي انزل علي نبي امي( صلي الله عليه وسلم) في امه كانت غالبيتها الساحقه من الاميين, فان ذلك سوف يحرك عقولهم وقلوبهم, وسوف يحضهم علي الاطلاع في كتاب الله الذي ما اطلع عليه عاقل الا ويشهد له انه لا يمكن ان يكون كلام احد غير الله الخالق( سبحانه وتعالي), وفي ذلك تحييد لحجم الكراهيه الشديده التي غرستها وسائل الاعلام الدوليه للاسلام والمسلمين في قلوب الملايين, ودعوه مستنيره الي دين الله وما احوجنا للدعوه لهذا الدين الخاتم في زمن التحدي بالعولمه الذي نعيشه, والذي يتهدد كافه شعوب الارض بالذوبان في بوتقه الحضاره الماديه الجارفه...!!!
ولا يمكن ان يصدنا عن ذلك دعوي ان عددا من المفسرين السابقين الذين تعرضوا لتاويل بعض الايات الكونيه في كتاب قد تكلفوا في تحميل تلك الايات من المعاني مالا تحتمله وذلك بسبب نقص في وفره المعلومات العلميه او جهل بها, وذلك لما سبق وان اوضحناه بان التفسير لاي القران الكريم هو محاوله بشريه لحسن فهم دلاله تلك الايات ان اصاب فيها المرء فله اجران, وان اخطا فله اجر واحد, والمعول في ذلك النيه, وان الخطا في التفسير لا ينال من جلال القران الكريم, ولكنه ينعكس علي المفسر, خاصه وان الذين فسروا باللغه اصابوا واخطاوا والذين فسروا بالتاريخ اصابوا واخطاوا ولم ينل ذلك من قدسيه القران الكريم ومكانته في قلوب وعقول المومنين شيئا اما اليوم وقد توافر للانسان من المعرفه بحقائق الكون وسننه ما لم يتوافر لجيل من البشر من قبل, فان توظيف ذلك الكم من المعلومات من اجل حسن فهم دلاله الايه القرانيه, واثبات سبقها التاريخي لكافه البشر يعتبر ضروره اسلاميه لتثبيت ايمان المومنين, ولدعوه الضالين من الكفار والمشركين والذي سوف يسالنا ربنا( تبارك وتعالي) عن تبليغهم بهذا الدين, ودعوتهم اليه بالحكمه والموعظه الحسنه.
والاخطاء التي وقع فيها عدد من المفسرين الذين تعرضوا للايات الكونيه في كتاب الله, او تكلفهم في تحميل الايات من المعاني ما لا تحمله, في تعسف واضح, وتكلف جلي, يحملونه هم, ولا تتحمله ايات الكتاب المبين, لان التاويل يبقي جهدا بشريا منسوبا لمووله, بكل ما للبشر من نقص وبعد عن الكمال, واذا كان عدد منهم قد جاوز الصواب في تاويله, فان اعدادا اوفر قد وفقت في ذلك ايما توفيق.
ولم تكن اخطاء المفسرين محصوره في محاولات تاويل الاشارات الكونيه فقط, فهنالك عدد من كتب التفسير التي تمتليء بالاسرائيليات الموضوعه, والعصبيات المذهبيه الضيقه, وغير ذلك مما لا يقبله العقل القويم, والصحيح المنقول عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وعن اصحابه المكرمين والتابعين, ولا يرتضيه المنطق اللغوي السليم. فالمعتزله علي سبيل المثال لا الحصر قد حاولوا في تفاسيرهم اخضاع الايات لمبادئهم في العدل والتوحيد وحريه الاراده والوعد والوعيد وانكار الرويه وغيرها, وتعسفوا في ذلك ايما تعسف.
والشيعه علي اختلاف فرقهم قد دفعتهم المغالاه في حب ال البيت الي التطرف في تاويل الايات القرانيه تاويلا لا يحتمله ظاهر الايات. ولا السياق القراني. ولا القرائن المنطقيه المختلفه.
وكذلك المتصوفه والاشاريون فهم علي الرغم من تسليمهم بالماثور من التفسير, وقبولهم للمعني الذي يدل عليه اللفظ العربي يسمحون لانفسهم باستنباط معان للايات تخطر في اذهانهم عند التلاوه وان لم تدل عليها الايات القرانيه الكريمه بطريق من طرق الدلالات المعروفه في الاستعمال العربي للغه وطرائق التعبير فيها.
اما المنحرفون من اتباع الفرق الباطنيه وافرازاتها القديمه والحديثه( كالقرامطه والبابيه, والبهائيه, والعلويه النصيريه, والقاديانيه الاحمديه, والاسماعيليه, والدرزيه وغيرها) فتمتليء تفاسيرهم بالانحرافات التي تنطق بالتعسف والافتعال, ومحاولات تطويع القران لمبادئهم المضلله في تكلف ملحوظ.
فهل معني ذلك ان يتوقف علم التفسير عند حدود جهود السابقين من المفسرين؟ويتوقف فهم الناس لكتاب الله الذي انزل اليهم ليتدبروا اياته, ويعيشوا في معانيه, ويتخذوا منها دستورا كاملا لحياتهم عند جهود قدامي المفسرين علي فضلهم, وفضل ما قدموه لخدمه فهم القران الكريم في حدود المعرفه المتاحه في ازمنتهم؟ بالقطع لا, علي الرغم من التسليم بان هذه الانحرافات وامثالها كانت من وراء الدعوه الي الوقوف بالتفسير عند حدود الماثور, فكتب التفسير علي تباينها تحوي تراثا فكريا وتاريخيا لهذه الامه لايمكن التضحيه به, حتي ولو كانت به بعض الاخطاء او التجاوزات, الا اذا كان القصد الواضح هو التحريف, وهو امر لايصعب علي عاقل ادراكه.
من كل ما سبق يتضح لنا ان حجج المضيقين في رفض تفسير الاشارات الكونيه في كتاب الله علي ضوء ما تجمع اليوم لدي الانسان من معارف بالكون وعلومه هي كلها حجج مردوده, فالكون صنعه الله, والقران هو كلام خالق الكون وواضع نواميسه, ولا يمكن ان يتعارض كلام الله الخالق مع الحقائق التي قد اودعها في خلقه, اذا اتبع الناظر في كليهما المنهج السليم, والمسلك الموضوعي الامين, فمن صفات الايات الكونيه في كتاب الله انها صيغت صياغه معجزه يفهم منها اهل كل عصر معني من المعاني في كل ايه من تلك الايات الداله علي شيء من اشياء الكون او ظواهره او نشاته او افنائه واعاده خلقه, وتظل تلك المعاني تتسع باتساع دائره المعرفه الانسانيه في تكامل لايعرف التضاد, وهذا عندي من اعظم جوانب الاعجاز في كتاب الله, ومن هنا كانت ضروره استمراريه النظر في تفسير تلك الايات الكونيه, وضروره مراجعه تراجمها الي اللغات الاخري بطريقه دوريه.
اما ايات العقيده والعباده والاخلاق والمعاملات فقد صيغت صياغه محكمه يفهم دلالتها كل مستمع اليها مهما قلت ثقافته او زادت, لان تلك الايات تمثل ركائز الدين الذي هو صلب رساله القران الكريم.
وكذلك الايات المتعلقه بصفات الله, وبالاخره وبالملائكه والجن وغير ذلك من الامور الغيبيه غيبه مطلقه فلا يملك المسلم الا الايمان بها, والتسليم في فهمها لنص القران الكريم او للماثور من تفسير المصطفي( صلي الله عليه وسلم) لان الانسان لايمكن له ان يصل الي عالم الغيب المطلق الا ببيان من الله الخالق, وذلك لان قدرات عقل الانسان المحدوده, وحواسه المحدوده لايمكن لهما اجتياز حدود عوالم الغيوب المطلقه مهما اوتي الانسان من اسباب الذكاء والفطنه, ومن هنا كان امتداح القران الكريم للذين يومنون بالغيب...!!!
موقف الموسعين: في التفسير العلمي
ويري اصحاب هذا الموقف ان الاشارات الكونيه في القران الكريم قد قصدت لذاتها اي لدلالاتها العلميه المحدده, مع التسليم بوجوب استخلاص الحكمه والعبره منها, والوصول الي الهدايه عن طريقها, وانطلاقا من ذلك فقد قام اصحاب هذا الموقف بتبويب ايات الكونيات في كتاب الله, وتصنيفها حسب مختلف التصانيف المعروفه في مختلف مجالات العلوم البحته والتطبيقيه, ثم اندفعوا في حماسهم لهذا الاتجاه الي المناداه بان القران الكريم يشتمل علي جميع العلوم والمعارف.
ولابد لحسن فهم تلك الاشارات الكونيه في كتاب الله من تفسيرها علي ضوء اصطلاحات تلك العلوم والمعارف, ثم زاد البعض بمحاوله اثبات ان جميع حقائق العلوم البحته والتطبيقيه التي استخلصها الانسان بالنظر في جنبات هذا الكون هي موجوده في القران الكريم استنادا الي قوله تعالي:
(.. ما فرطنا في الكتاب من شيء...)
(الانعام: ايه38)
وقوله...
( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء..)
(النحل: ايه89)
وهذا في راينا موقف مبالغ فيه لان السياق القراني في الايتين السابقتين لايتمشي مع ما وصلوا اليه من استنتاج, لانهما يركزان علي رساله القران الاساسيه وهي الدين بركائزه الاربع الاساسيه: العقيده, والعباده, والاخلاق والمعاملات, وهي القضايا التي لا يمكن للانسان ان يضع فيها لنفسه ضوابط صحيحه. وهي التي استوفاها القران استيفاء لايقبل اضافه, اما قصص الامم السابقه والاشارات الي الكون ومكوناته فقد جاء القران الكريم بنماذج منها تشهد لله الخالق بطلاقه القدره علي الخلق وافنائه واعادته من جديد. وربما كان هذا الموقف وامثاله من الاسباب الرئيسيه التي ادت الي تحفظ المتحفظين من الخوض في تفسير الايات الكونيه الوارده في كتاب الله علي اساس من معطيات العلوم البحته والتطبيقيه, او التعرض لاظهار جوانب الاعجاز العلمي فيها.
موقف المعتدلين في التفسير العلمي
ويري اصحاب هذا الموقف انه مع التسليم بان القران الكريم هو في الاصل كتاب هدايه ربانيه, اساسها الدعوه الي العقيده الصحيحه والامر بالعبادات المفروضه والحث علي الالتزام بمكارم الاخلاق وعلي التعامل بالعدل, اي انه دستور كامل للحياه في طاعه خالق الكون والحياه.
ومع التسليم كذلك بان الاشارات الكونيه الوارده في كتاب الله قد جاءت في معرض التذكير بقدرته المطلقه, وبديع صنعه في خلقه, وشمول علمه, وكمال صفاته وافعاله, الا انها تبقي بيانا من الله, خالق الكون ومبدع الوجود, ومن اعلم بالكون من خالقه...؟
من هنا كانت تلك الاشارات الكونيه كلها حق, وكانت كلها منسجمه مع قوانين الله وسننه في الكون, وثابته في دلالاتها مهما اتسعت دائره المعرفه الانسانيه فلا تعارض ولا تناقض ولا اضطراب وصدق الله العظيم القائل:
(ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)( النساء:82).
ومن هنا ايضا كان واجب علماء المسلمين في مدارسه تلك الايات الكونيه مستفيدين بكل انواع المعارف المتاحه في تفسيرها واظهار جوانب الاعجاز بها, في حجه واضحه ومنطق سوي وذلك تاكيدا لايمان المومنين, ودحضا لافتراءات المفترين, وتثبيتا للحقيقه الراسخه ان القران كلام الله العزيز الرحمن الرحيم.
ومن هنا كذلك كان التسليم بان تلك الاشارات الكونيه لم ترد في القران الكريم بهدف التبليغ بالحقيقه العلميه, لان الحكمه الالهيه قد تركت مجالا مفتوحا لاجتهاد المجتهدين, يتنافس فيه المتنافسون, ويتباري المتبارون, امه بعد امه, وجيلا بعد جيل, الي ان يرث الله تعالي الارض ومن عليها, فلولا ان الاراده الالهيه قد ارتضت بسط الكون بكل حقائقه كامله امام الانسان, لانتفت الغايه من الحياه الدنيا, وهي دار ابتلاء واختبار, ولاختفي ذلك الغيب الذي يشد الانسان اليه, ويشحذ جميع حواسه وكل قواه العقليه والفكريه, ولتبلدت تلك الحواس والقدرات ولمضت حياه الانسان علي الارض رتيبه كئيبه بائسه, جيلا بعد جيل, وعصرا بعد عصر, بغير تجديد او تنويع او ابداع, وسط عالم يتميز بالتغير في كل امر من اموره, وفي كل لحظه من لحظات وجوده, هذا فضلا عن ان العقل البشري عاجز عن تقبل الحقائق الكونيه الكليه دفعه واحده, وانه يحتاج في فهمها الي شئ من التدرج في الكشف, وفي استخراج الادله, وفي اثباتها وتكامل معطياتها علي مدي اجيال متعاقبه.
ويستدل اصحاب هذا الموقف بالحشد الهائل من الاشارات الكونيه في كتاب الله, وبمطالبه القران الكريم للانسان دوما بتحصيل المعرفه النافعه علي اطلاقها, وهذه اولي ايات القران العظيم تامر بذلك وتحدد وسائله, وتحض علي التامل في الخلق, بل وتشير الي حقيقه علميه لم تكتشف الا بعد ذلك بقرون طويله الا وهي... خلق الانسان من علق... وهي حقيقه لم يتوصل اليها الانسان الا بعد اكتشاف حقيقه المجاهر المكبره, وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالي:
(اقرا باسم ربك الذي خلق. خلق الانسان من علق. اقرا وربك الاكرم. الذي علم بالقلم. علم الانسان ما لم يعلم).( العلق:1 5)
ويستدل اصحاب هذا الموقف المعتدل علي ذلك بما يقرره القران من مسئوليه الانسان عن حواسه وعقله, وما يفرضه من حسن استخداماتها في التعرف علي الكون, واكتساب المعارف النافعه منه, وتخديمها في حسن فهم كتاب الله, حيث يقرر الحق( تبارك وتعالي) ذلك بقوله في محكم كتابه:
(ان السمع والبصر والفواد كل اولئك كان عنه مسئولا..)( الاسراء:36).
كما يستدلون برفض القران للتقليد والجمود علي الاراء الموروثه الخاطئه, والحكم بالظن والهوي, ومطالبته الانسان دوما بتاسيس الاحكام علي الدليل العقلي الذي لا يقبل النقض, وهذه كلها من اخص خصائص المنهج التجريبي في دراسه الكون وما فيه, كذلك يستشهدون بتكريم القران الكريم للعلم والعلماء بمن فيهم من علماء الكونيات في العديد من اي الذكر الحكيم نختار منها قول الحق( تبارك وتعالي):
(هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)
( الزمر:9)
وقوله( عز من قائل):
(يرفع الله الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات)( المجادله:11)
وقوله( سبحانه وتعالي):
(شهد الله انه لا اله الا هو والملائكه واولو العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم)( ال عمران:18)
وقوله:
(انما يخشي الله من عباده العلماء)( فاطر:28).
والايه الاخيره قد وردت بعد استعراض لكثير من المشاهد الكونيه, مما يوكد ان الايه تشمل علماء الكونيات, ان لم يكونوا هم المقصودين بها مباشره, فالايه تنطق:
(الم تر ان الله انزل من السماء ماء فاخرجنا به ثمرات مختلفا الوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف الوانها, وغرابيب سود, ومن الناس والدواب والانعام مختلف الوانه كذلك انما يخشي الله من عباده العلماء ان الله عزيز غفور)( فاطر:28,27).
كذلك يستشهد اصحاب هذا الموقف المعتدل بمطالبه القران الكريم للانسان في تشديد واضح بالنظر في كل ما خلق الله, وهذه اوامره صريحه جليه نختار منها قول الحق( تبارك وتعالي):
(قل انظروا ماذا في السموات والارض)( يونس:101)
( او لم ينظروا في ملكوت السموات والارض وما خلق الله من شئ)( الاعراف:185)
( قل سيروا في الارض فانظروا كيف بدا الخلق)( العنكبوت:20)
( وفي الارض ايات للموقنين وفي انفسكم افلا تبصرون)( الذاريات:21,20)
( افلا ينظرون الي الابل كيف خلقت, والي السماء, كيف رفعت, والي الجبال كيف نصبت, والي الارض كيف سطحت)( الغاشيه17 20).
وينتصر اصحاب هذا الموقف المعتدل لموقفهم بما ينعاه القران علي الغافلين في التفكير في ايات السماوات والارض في كثير من اياته التي منها قول الحق( تبارك وتعالي):
(وكاي من ايه في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون)( يوسف:105)
ووصفه لهولاء الغافلين بانهم كالانعام بل هم اضل, وتقديره بان جزاءهم جهنم عقابا لهم علي اهمالهم نعم الله التي انعم بها عليهم, وذلك في مثل قول الله( تعالي):
(ولقد ذرانا لجهنم كثيرا من الجن والانس, لهم قلوب لا يفقهون بها, ولهم اعين لا يبصرون بها, ولهم اذان لا يسمعون بها, اولئك كالانعام بل هم اضل, اولئك هم الغافلون)( الاعراف:129).
ويستشهدون علي ضروره توظيف المعارف العلميه المتاحه لفهم دلاله الايات الكونيه في كتاب الله بربط القران دوما بين الايمان بالله والنظر فيما خلق الله, من مثل قوله( تعالي):
(ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما انزل الله من السماء من ماء فاحيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل دابه, وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض لايات لقوم يعقلون)( البقره:164)
وقوله( عز من قائل):
(ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لايات لاولي الالباب, الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلي جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار)
(ال عمران:191,190).
وقوله( سبحانه وتعالي):
(وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين)( الانعام:75).
وقوله:
(لخلق السموات والارض اكبر من خلق الناس ولكن اكثر الناس لا يعلمون)( غافر:57)
ويستشهد المنادون بضروره توظيف المعارف العلميه في تفسير الايات الكونيه في كتاب الله بالاشاره الي ان القران الكريم في استعراضه لامور الكون يتناول كليات الاشياء, تاركا التفاصيل لاجتهاد الانسان, ولكنه في نفس الوقت ينبه باستمرار الي جوانب مهمه في اشياء مثل الكم والكيف وهما من اسس العلوم التجريبيه, الكم الذي يتعلق بالحجم والكتله وبالزمان والمكان, وبدرجات النمو والاندثار وغيرها يتمثل في كثير من الايات القرانيه التي نختار منها قول الحق( تبارك وتعالي):
(وكل شئ عنده بمقدار)( الرعد:5)
وقوله( سبحانه):
(قد جعل الله لكل شئ قدرا)( الطلاق:3)
وقوله( عز من قائل):
(انا كل شئ خلقناه بقدر)( القمر:49)
وقوله( تعالي):
(وخلق كل شئ فقدره تقديرا)( الفرقان:2)
وقوله( سبحانه وتعالي):
(وانزلنا من السماء ماء بقدر فاسكناه في الارض..)( المومنون:18).
وبخصوص الكيف بمعني هيئه الاشياء وتركيبها ومسبباتها, ومجري الظواهر الكونيه وحدوثها والسنن الالهيه وجريانها, فان القران يشدد التنبيه عليها في مواضع كثيره منها قول الله( تعالي):
(فانظر الي اثار رحمه الله كيف يحيي الارض بعد موتها)( الروم:50)
وقوله( سبحانه):
( الم تر الي ربك كيف مد الظل, ولو شاء لجعله ساكنا, ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه الينا قبضا يسيرا)( الفرقان:46,45).
وقوله عز من قائل:
(افلم ينظروا الي السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج..)( ق:6)
وقوله( تعالي):
( افلا ينظرون الي الابل كيف خلقت والي السماء كيف رفعت والي الجبال كيف نصبت والي الارض كيف سطحت)( الغاشيه:17 20)
ويستشهد اصحاب هذا الموقف المعتدل كذلك علي ضروره توظيف المعارف العلميه في تفسير الايات الكونيه بتاكيد القران الكريم علي ان لكل شيء في هذا الكون فطرته السويه التي فطره الله عليها, والتي تخصه وتميزه, وهي قاعده اساسيه من قواعد المنهج العلمي التجريبي في الكشف عن حقائق هذا الكون ومكوناته وسنن الله فيه, ونقرا في ذلك قول الحق( تبارك وتعالي):
ربنا الذي اعطي كل شيء خلقه ثم هدي..( طه:50)
وقوله( سبحانه)
( الذي خلق فسوي والذي قدر فهدي)( الاعلي:3,2)
وان هذه الفطره ثابته, لا تتغير ولا تتبدل لقول الحق( تبارك وتعالي):
(... لا تبديل لخلق الله)( الروم: ايه30)
وانها خاضعه لقوانين مطرده, لا تتخلف ولا تتوقف الا باذن الله, وانه لولا ثبات تلك الفطره واطراد القوانين التي تحكمها ماتمكن الانسان من اكتشاف اي من امور هذا الكون, وان القران يصر علي تسميه تلك القوانين بالحق, وعلي ان الكون ومافيه خلق بالحق, ويطالب الانسان بالتعرف علي ذلك الحق والتزامه, فالتنزيل ينطق بقول الله( تعالي):
( ماخلقنا السموات والارض ومابينهما الا بالحق واجل مسمي)( الاحقاف: ايه3)
وقوله( سبحانه):
( او لم يتفكروا في انفسهم ماخلق الله السموات والارض ومابينهما الا بالحق واجل مسمي وان كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون).( الروم:8)
وقوله( عز من قائل):
( خلق السموات والارض بالحق, يكور الليل علي النهار, ويكور النهار علي الليل, وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمي الا هو العزيز الغفار)( الزمر: ايه5)
وقوله( تعالي):
( هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب, ماخلق الله ذلك الا بالحق يفصل الايات لقوم يعلمون)( يونس: ايه5)
وقوله( سبحانه):
( وماخلقنا السموات والارض ومابينهما لاعبين ماخلقناهما الا بالحق ولكن اكثرهم لا يعلمون)
(الدخان: الايتان39,38)
كذلك فان الذين يرون ضروره توظيف المعارف العلميه في تفسير الايات الكونيه الوارده في كتاب الله, وفي الاستشهاد علي الاعجاز العلمي لتلك الايات ينتصرون لذلك بان اكثر من اربعين سوره من سور القران الكريم البالغ عددها114 سوره تحمل اسماء لبعض اشياء الكون وظواهره, ويستشهدون بعرض القران للعديد من القضايا التي هي صميم العلوم التجريبيه من مثل خلق السماوات والارض, واختلاف الليل والنهار, واتساع الكون, ورتق السماوات والارض وفتقهما, وبدء السماء بدخان, وخلق الحياه من الماء وفي الماء واستعراض مراحل الجنين في الانسان وغير ذلك كثير مما لا يوفيه في هذا المقام حصر ولكن تكفي الاشاره الي ايات قليله منها من مثل قول الحق تبارك وتعالي:
( او لم ير الذين كفروا ان السموات والارض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي افلا يومنون)( الانبياء:30)
وقوله( عز من قائل):
( ثم استوي الي السماء وهي دخان, فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها, قالتا اتينا طائعين)( فصلت:11)
وايات الكتاب الحكيم في كل ماعرضت له من امور الكون تتميز بمنتهي الدقه في التعبير, والشمول في المعني والدلاله, وبالسبق الاخباري بحقائق لم يتيسر للانسان المام بها الا في العقود المتاخره من القرن العشرين. وهذا بالقطع يشكل صوره من صور الاعجاز لم تتوافر لجيل من الاجيال من قبل. وسافصل الحديث في الاعجاز العلمي للاشارات الكونيه في كتاب الله في المقالات القادمه ان شاء الله( تعالي).
وخلاصه القول ان القران الكريم يزخر بالعديد من الايات التي تشير الي الكون ومابه من كائنات( احياء وجمادات) والي صور من نشاتها ومراحل تكوينها, والي العديد من الظواهر الكونيه التي تصاحبها, وقد احصي الدارسون من مثل هذه الايات حوالي الالف ايه صريحه, بالاضافه الي ايات اخري عديده تقرب دلالاتها من الصراحه. مما يبلغ بالايات الكونيه الي سدس ايات القران الكريم تقريبا. ويقف المفسرون من هذه الايات الكونيه مواقف متعدده, فمنهم المضيقون والموسعون والمعتدلون, فالمضيقون يرون ان تلك الاشارات لم ترد في القران لذاتها, وانما وردت من قبيل الاستدلال علي قدره الله تعالي, وابداعه في خلقه, وقدرته علي افناء الخلق واعادته من جديد, ومن ثم فلا يجوز تفسيرها في ضوء من معطيات العلوم الحديثه وذلك بدعوي انطلاق الكتابات العلميه من منطلقات ماديه, منكره لكل ماهو فوق المدرك المحسوس.
اما الموسعون فيرون ان القران الكريم يشتمل علي جميع العلوم والمعارف, ولابد لحسن فهم ذلك من تفسيره علي ضوء ماتجمع لدي الانسان من رصيد علمي خاصه في مجال العلوم البحته والتطبيقيه, ومن ثمن فقد قاموا بتبويب ايات الكونيات في كتاب الله وتصنيفها حسب التصانيف المعروفه في مختلف مجالات تلك; العلوم, وقد تميز ذلك بشيء من التكلف الذي ادي الي رفض المنهج والوقوف في وجهه.
اما المعتدلون فيرون انه مع التسليم بان الاشارات الكونيه في القران الكريم قد وردت في معرض التذكير بقدره الله, وبديع صنعه, فانها تبقي بيانا من الله, خالق الكون ومبدع الوجود, ومن ثم فهي كلها حق مطلق. ولا غرابه اذن من انسجامها مع قوانين الله وسننه في الكون, ومع معطيات العلوم الحديثه عن حقائق هذا الكون, كذلك فانهم يرون انه مع التسليم بان تلك الاشارات لم ترد في القران الكريم بهدف التبليغ بالحقيقه العلميه, لان الحكمه الالهيه قد اقتضت ترك ذلك لاجتهاد الانسان علي مر الزمن, الا انها تتميز بالدقه المتناهيه في التعبير, والثبات في الدلاله, والشمول في المعني بحيث يدرك فيه كل جيل مايتناسب ومستوياتهم الفكريه, وماوصلوا اليه من علوم عن الكون ومافيه, ثم ان تلك الدلالات تتميز كلها بالسبق الي الحقيقه الكونيه قبل ان تدرك الكشوف العلميه شيئا منها بقرون طويله, وهذا في حد ذاته يمثل الاعجاز العلمي للقران الكريم الذي هو احد اوجه الاعجاز العديده في كتاب الله, ولكنه يبقي من انسبها لعصر التقدم العلمي والتقني الذي نعيشه لتثبيت ايمان المومنين, ودعوه الجاحدين من مختلف صور المشركين والكافرين والضالين, في زمن تحول فيه العالم الي قريه كبيره, مايحدث في احد اركانها يتردد صداه في بقيه ارجائها, ولا يامن اهل الحق ان يصيبهم مااصاب الامم الضاله من عقاب, او ان يجرفهم تيار الحضاره الماديه فيذيبهم في بوتقتها فيخسرون بذلك الدنيا والاخره, وطوق النجاه في الجالتين الاعتزاز بالاسلام العظيم, والتمسك بالقران الكريم الذي يتجلي اعجازه العلمي في عصر العلم الذي نعيشه.
-
الاشارات الكونيه في القران الكريم ومغزي دلالتها العلميه 2
اولم ير الذين كفروا ان السماوات والارض كانتا رتقا ففتقناهما... الانبياء:30
في الوقت الذي ساد فيه الاعتقاد الخاطئ بازليه الكون بلا بدايه ولا نهايه, وعدم محدوديته الي ما لا نهايه, وسكونه وثباته( اي عدم حركته, علي الرغم من حركه بعض الاجرام فيه), بمعني ان هذا الكون اللانهائي الساكن كان موجودا منذ الازل, وسيبقي الي الابد, وهي فريه اطلقها الكفار والملحدون من بني البشر في محاوله يائسه لنفي الخلق, والتنكر للخالق سبحانه وتعالي, في هذا الوقت نزل القران الكريم موجها انظار هولاء الجاحدين من الكفار والمشركين والوثنيين الي طلاقه القدره الالهيه في ابداع خلق الكون من جرم ابتدائي واحد, وذلك في صيغه استفهام توبيخي, استنكاري, تقريعي يقول فيه ربنا تبارك وتعالي:
اولم ير الذين كفروا ان السماوات والارض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شئ حي افلا يومنون( الانبياء:30).
وهذه الايه الكريمه واضحه الدلاله علي ان الكون الذي نحيا فيه كون مخلوق له بدايه, بدا الله تعالي خلقه من جرم ابتدائي واحد مرحله الرتق, وهو القادر علي كل شيء, ثم امر الله تعالي بفتق هذا الجرم الابتدائي فانفتق مرحله الفتق وتحول الي غلاله من الدخان مرحله الدخان, وخلق الله تعالي من هذا الدخان كلا من الارض والسماء اي جميع اجرام السماء وما ينتشر بينها من مختلف صور الماده والطاقه مما نعلم وما لا نعلم وتعرف هذه المرحله باسم مرحله الاتيان بكل من الارض والسماء, وقد جاء وصف المرحلتين الاخيرتين في الايه الحاديه عشره من سوره فصلت, والتي يقول فيها ربنا تبارك وتعالي موبخا كلا من الذين كفروا بالله تعالي فانكروا الخلق, او اشركوا مع الله تعالي معبودا اخر:
قل ائنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وتجعلون له اندادا ذلك رب العالمين, وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها اقواتها في اربعه ايام سواء للسائلين, ثم استوي الي السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين, فقضاهن سبع سماوات في يومين واوحي في كل سماء امرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم.( فصلت:9 11).
وهذه الايات القرانيه الكريمه في كل من سورتي الانبياء وفصلت تعرض لخلق السماوات والارض في اجمال وشمول وايجاز, كما تعرض لعدد من الحقائق الكونيه الاخري, وتربط بينها وبين عقيده الايمان بالله الخالق, الواحد الاحد, الفرد الصمد, لان عقيده التوحيد تقوم علي اساس من الحق الذي قامت به السماوات والارض, وكل ما فيهما من صور الخلق, ولكننا سوف نقصر حديثنا هنا علي الاشارات الوارده في تلك الايات عن خلق السماوات والارض, وقبل ان نفعل ذلك لابد من تاكيد حقيقه الدلاله العلميه للايات الكونيه الوارده في كتاب الله الخالق.
الدلاله العلميه للايات الكونيه في القران الكريم
من المسلمات ان الايات الكونيه لم ترد في كتاب الله الخالد من قبيل الاخبار العلمي المباشر للانسان, وذلك لان التحصيل العلمي قد ترك لاجتهاد الناس, يجمعون شواهده جيلا بعد جيل, وامه بعد امه, نظرا للطبيعه التراكميه للمعارف المكتسبه, ولمحدوديه حواس الانسان وقدرات عقله, ومحدوديه كل من مكانه في بقعه محدده من الارض وزمانه اي عمره.
ومع تسليمنا بهذا الفهم, وتسليمنا كذلك بان الايات الكونيه التي اشار اليها ربنا تبارك وتعالي في محكم كتابه جاءت في مقام الاستدلال علي طلاقه القدره الالهيه في ابداع الخلق, وللاستشهاد علي ان الله تعالي الذي ابدع هذا الخلق قادر علي افنائه, وعلي اعاده خلقه من جديد, كما تاتي هذه الايات الكونيه في مقام الاستدلال علي وحدانيه الخالق العظيم بغير شريك, ولا شبيه, ولا منازع, وتتراءي هذه الوحدانيه لكل ذي بصيره في جميع جنبات الكون, وفي كل امر من اموره, في السماوات وفي الارض, في الانفس وفي الافاق, في كل سنه من سنين الكون, وفي كل ناموس من نواميسه, وفي كل جزئيه من جزئياته من الذره الي الخليه الحيه الي المجره, كما تتراءي في وحده بناء الكون, ووحده لبناته وتاصل عناصره التي ترد كلها الي غاز الايدروجين وفي وحده كل من الماده والطاقه, وفي تواصل كل من المكان والزمان, وفي وحده بناء الخليه الحيه, وفي وحده الحياه والممات والمصير, لكل حي.
وتتراءي وحدانيه الخالق سبحانه وتعالي في تعميم الزوجيه علي جميع المخلوقات من الاحياء والجمادات, حتي يبقي الخالق في علاه, متفردا بالوحدانيه فوق جميع خلقه.
ومع تسليمنا بكل ذلك فان القران الكريم يبقي كلام الله الخالق, الذي اوحي به الي خاتم انبيائه ورسله صلي الله عليه وسلم, وتعهد سبحانه وتعالي بحفظه باللغه نفسها التي اوحاه بها اللغه العربيه فحفظ كلمه كلمه, وحرفا حرفا تحقيقا للوعد الالهي الذي قطعه ربنا تبارك وتعالي علي ذاته العليه فقال عز من قائل:
انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون( الحجر:9)
ولما كان القران الكريم هو كلام الله الخالق, وكان الكون من صنعته وابداع خلقه, فلابد ان يكون كل حرف وكلمه وايه في القران الكريم حقا مطلقا, وان تكون كل الاشارات الكونيه فيه ناطقه بالحقيقه المطلقه للكون ومكوناته, ولو وعي المسلمون ذلك حق الوعي لكان لهم قصب السبق في الكشف عن العديد من حقائق هذا الكون قبل غيرهم من الامم بقرون عديده, وكان هذا السبق من افضل وسائل الدعوه الي دين الله الخاتم في زمن التقدم العلمي والتقني الذي نعيشه.
(1) العلوم المكتسبه وخلق السماوات والارض
للعلوم المكتسبه شواهد تويد فكره الانفجار العظيم منها ما يلي:
(1) توسع الكون كدليل علي الانفجار العظيم:
علي الرغم من تاكيد القران الكريم الذي انزل قبل اكثر من الف واربعمائه من السنين حقيقه توسع الكون يقول الحق تبارك وتعالي:
والسماء بنيناها بايد وانا لموسعون
(الذاريات:47)
فقد بقي الفلكيون الي مطلع العشرينيات من القرن الماضي مصرين علي ثبات الكون وعدم تغيره
وفي السنوات من1914 1925 م اثبت الفلكي الامريكي ف.م سلايفر
ان معظم المجرات التي قام برصدها خارج مجرتنا درب اللبانه تتباعد عنا وعن بعضها بعضا بسرعات كبيره.
وفي سنه1929 م تمكن الفلكي الامريكي الشهير ادوين هبل من تاكيد ظاهره توسع الكون, وتوصل الي الاستنتاج الصحيح ان سرعه تباعد المجرات الخارجيه عن مجرتنا تتناسب تناسبا طرديا مع بعدها عنا, وفي سنه1934 م اشترك هو واحد من مساعديه في قياس ابعاد وسرعات تحرك32 من تلك المجرات الخارجيه بعيدا عن مجرتنا وعن بعضها بعضا.
من جانب اخر استطاع علماء كل من الفيزياء النظريه والفلكيه تاكيد حقيقه توسع الكون بتوظيف القوانين الرياضيه في عدد من الحسابات النظريه, ففي سنه1917 م اطلق البرت اينشتاين نظريه النسبيه العامه لشرح طبيعه الجاذبيه كقوه موثره في الكون المدرك, واشارت المعادلات الرياضيه المستنتجه من تلك النظريه الي ان الكون الذي نحيا فيه كون غير ثابت, فهو اما ان يتمدد واما ان ينكمش وفقا لعدد من القوانين المحدده له, وجاءت هذه النتيجه علي عكس ما كان يعتقد اينشتاين وجميع معاصريه من الفلكيين وعلماء الفيزياء النظريه, ولقد اصاب اينشتاين الذعر حينما ادرك ان معادلاته تنبئ رغم انفه بان الكون في حاله تمدد مستمر, فعمد الي ادخال معامل من عنده اطلق عليه اسم الثابت الكوني ليلغي به تمدد الكون, ويوكد ثباته واستقراره برغم دوران الاجرام التي يحتويها, وحركاتها المتعدده, ثم عاد اينشتاين ليعترف امام سيل ملاحظات الفلكيين عن تمدد الكون بان تصرفه هذا كان اكبر خطا علمي اقترفه في حياته.
في السنوات1917 1924 م قام الروسي اليكساندر فريدمان بادخال عدد من التحسينات علي معادلات اينشتاين, وقدم نموذجين لتفسير نشاه الكون يبدا كل منهما بحاله متفرده تتميز بكثافه لا نهائيه, وتتمدد منها الي حالات ذات كثافه اقل.
وتحدث فريدمان عن انحناء الكون, وعن تحدبه تبعا لكميه الماده الموجوده فيه, فان كانت تلك الماده اقل من قدر معين كميه حرجه وجب ان يستمر تمدد الكون الي الابد, وفي هذه الحاله يكون نظام الكون مفتوحا, اما اذا كانت كميه الماده بالكون اقل من الكميه الحرجه غدت الجاذبيه علي قدر من القوه بحيث تحدب الكون الي درجه تتوقف عندها عمليه التمدد في لحظه معينه من المستقبل, عندها يبدا الكون في الانطواء علي ذاته ليعود الي حاله الكثافه اللانهائيه الاولي التي بدا بها الكون, وفي هذه الحاله يكون نظام الكون مغلقا.
وقد اثبت كل من وليام دي سيتر في سنه1917 م وارثر ادنجتون في سنه1930 م ان الكون كما صورته معادلات اينشتاين هو كون غير ثابت, ولكن تصور كل منهما للكون كان تصورا بدائيا, فبينما كان نموذج اينشتاين للكون نموذجا ماديا دون حركه, ونموذج دي سيتر حركيا دون ماده, جاء نموذج ادنجتون وسطا بين النموذجين بمعني ان الكون بدا بحاله ساكنه, ثم اخذ في التمدد نظرا لطغيان قوي الدفع للخارج علي قوي الجاذبيه, ولكن انطلاقا من فكر الالحاد السائد في عصره اضطر ادنجتون الي فرض ماض لا نهائي للكون ليتخلص من حقيقه الخلق, وشبح الانفجار الكبير والذي سماه بالبدايه الكارثه.
في السنوات1934,1932 م اقترح ريتشارد تولمان نموذجا متذبذبا للكون يبدا وينتهي بعمليه الانفجار الكبير. واخيرا اقترح الان جوت نموذج الكون المتضخم, والذي يقترح فيه ان الكون المبكر تمدد في اول الانفجار تمددا راسيا سريعا جدا مع سطوع فائق. ثم اخذت معدلات التوسع في التباطو الي معدلاتها الحاليه,
ومن منطلق انكار الخلق ينادي الفلكيون المعاصرون بفكره الكون المفتوح اي الذي يتمدد الي ما لا نهايه ولكن حسابات الكتل المفقوده
توكد انغلاق الكون, هذا الانغلاق الذي سيقف بتمدده عند لحظه في المستقبل يعود الكون فيها الي الانكماش والتكدس علي ذاته ليعاود سيرته الاولي.
وبالتدريج بدات فكره تمدد الكون الي حد ما في المستقبل تلقي القبول من الغالبيه الساحقه من علماء الفلك والفيزياء الفلكيه والنظريه, وان بقيت اعداد منهم يدعون الي ثبات الكون حتي مشارف الخمسينيات من القرن العشرين, ومن هذه الاعداد جامعه كنبردج المكونه من كل من هيرمان بوندي, وتوماس جولد, وفريد هويل. وقد قام هذا الفريق بنشر سلسله من المقالات والبحوث في السنوات1946 م,1949,1948 م دفاعا عن النموذج الثابت للكون
ثم اضطروا الي الاعتراف بحقيقه تمدده بعد ذلك بسنوات قليله, ومن عجائب القدر بهولاء الجاحدين لحقيقه الخلق, المتنكرين لجلال الخالق سبحانه وتعالي المنادين كذبا بازليه العالم, ان يكون احد زعمائهم وهو فريد هويل الذي حمل لواء الادعاء بثبات الكون واستقراره وازليته
لسنوات طويله هو الذي يعلن بنفسه في سخريه لاذعه تعبير الانفجار الكبير للكون
وذلك في سلسله احاديث له عبر الاذاعه البريطانيه في سنه1950 م ينتقد فيها ظاهره تمدد الكون, ويحاول اثبات بطلانها, ثم جاء بعد ذلك بسنوات ليكون من اشد المدافعين عنها.
وكانت نظريه خلق الكون من جرم اولي واحد عالي الكثافه قد توصل اليها البلجيكي جورج لوميتر في سنه1927 م وذلك في رساله تقدم بها الي معهد ماشوسيتس للتقنيه, دافع فيها وفي عدد من بحوثه التاليه عن حقيقه تمدد الكون, ولم تلق ابحاثه اي انتباه الي ان جاء ادنجتون في سنه1930 م ليلفت اليها الانظار ومن هنا اطلق علي لوميتر لقب صاحب فكره الانفجار الكبير في صورتها الاولي.
(2) بقايا الاشعاع الكوني كدليل علي الانفجار العظيم:
في سنه1948 م اعلن كل من جورج جامو وزميله رالف الفر ان تركيز العناصر في الجزء المدرك من الكون يشير الي ان الجرم الاولي الذي بدا به الكون كان تحت ضغط وفي درجه حراره لا يكاد العقل البشري ان يتصورهما, وعند انفجاره انتقلت تلك الحراره الي سحابه الدخان الكوني التي نتجت عن ذلك الانفجار, وسمحت بعدد من التفاعلات النوويه التي ادت الي تكون العناصر الاوليه من مثل الايدروجين والهيليوم.
وفي السنه نفسها1948 م قدم كل من الفر وهيرمان اقتراحا بان الجرم الابتدائي للكون كان له اشعاع حراري يشابه اشعاع الاجسام المعتمه, وان هذا الاشعاع تناقصت شدته مع استمرار تمدد الكون وتبرده, ولكن لابد ان تبقي منه بقيه في صفحه السماء, اذا امكن البحث عنها وتسجيلها, كانت تلك البقيه الاشعاعيه من اقوي الادله علي بدء خلق الكون بعمليه الانفجار الكبير.
وفي سنه1964 م تمكن اثنان من علماء مختبرات بل للابحاث وهما ارنو بنزياس وروبرت ويلسون بمحض المصادفه من اكتشاف تلك البقايا الاثريه للاشعاع الحراري الكوني علي هيئه ضوضاء لاسلكيه محيره تفد بانتظام الي الهوائي الذي كانا قد نصباه لغايه اخري من جميع الجهات في السماء حيثما وجه الهوائي, وقدروها بثلاث درجات مطلقه 270 درجه مئويه .
في الوقت نفسه كان كل من روبرت دايك وتلميذه بيبلز قد استنتجا من معادلاتهما الرياضيه الفلكيه ان النسب المقدره لغازي الايدروجين والهيليوم في الكون توكد الكميه الهائله من الاشعاع التي نتجت عن الانفجار الكبير وتدعم نظريته, ومع تمدد الكون ضعف هذا الاشعاع بالتدريج وانخفضت درجه حرارته الي بضع درجات قليله فوق الصفر المطلق 273 درجه مئويه.
في سنه1965 م قام كل من بنزياس وولسون بتصحيح قيمه البقايا الاثريه للاشعاع الحراري الكوني الي2.73 من الدرجات المطلقه, واثبتا انها من الموجات الكهرومغناطيسيه المتناهيه في القصر, وتقدر قيمتها اليوم باقل قليلا من قيمتها السابقه2.726 من الدرجات المطلقه.
في سنه1989 م ارسلت موسسه ناسا الامريكيه الي الفضاء قمرا صناعيا لجمع المعلومات حول الاشعاع الحراري الكوني اطلق عليه اسم كوب وزود باجهزه فائقه الحساسيه اثبتت وجود تلك الاشعه الاثريه المتبقيه عن عمليه الانفجار العظيم.
وكان في هذا الاكتشاف التفسير المنطقي لسبب الازيز اللاسلكي المنتظم الذي يعج به الكون والذي ياتي الينا من مختلف اطراف الكون المدرك, والذي بقي علي هيئه صدي لعمليه الانفجار الكبير, وقد منح كل من بنزياس وولسون جائزه نوبل في سنه1978 م علي اكتشافهما الذي كان فيه الدليل المادي الملموس لدعم نظريه الانفجار الكبير, والارتقاء بها الي مقام الحقيقه شبه الموكده, ودفع بالغالبيه الساحقه من علماء الفلك والفيزياء الفلكيه الي الاعتقاد بصحتها, وسبحان الخالق الذي انزل في محكم كتابه من قبل اكثر من الف واربعمائه سنه قوله الحق:
اولم ير الذين كفروا ان السماوات والارض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي افلا يومنون( الانبياء:30).
وبدء خلق الكون بعمليه انفجار كبري هو من دلائل طلاقه القدره الالهيه لانه من المعروف ان الانفجار بطبيعته يودي الي تناثر الماده وبعثرتها ولا يخلف وراءه الا الدمار, اما هذا الانفجار الكوني الفتق بعد الرتق فقد ادي الي ابداع نظام كوني له تصميم دقيق محكم الابعاد والعلاقات والتفاعلات, منضبط الكتل والاحجام والمسافات, منتظم الحركه والجري والتداخلات, مبني علي الوتيره نفسها من ادق دقائقه الي اكبر وحداته علي الرغم من تعاظم ابعاده, وكثره اجرامه, وتعقيد علاقاته, وانفجار هذه نتائجه لا يمكن ان يكون قد تم بغير تدبير حكيم وتقدير مسبق عظيم لا يقدر عليه الا رب العالمين, وقد اشار العالم البريطاني المعاصر ستيفن وهوكنج الي شيء من ذلك في كتابه المعنون تاريخ موجز للزمن الذي نشره في كندا سنه1988 م ولكن اشاراته جاءت علي استحياء شديد نظرا لجو الالحاد الذي يسود الغرب بصفه عامه في زمن العلم والتقنيه الذي نعيشه, والكتاب مملوء بالاستنتاجات الموكده لحقيقه الخلق, وعظمه الخالق سبحانه وتعالي.
القران الكريم وخلق السماوات والارض
في الوقت الذي ساد فيه الاعتقاد الخاطئ بان الكون الذي نحيا فيه كان منذ الازل, وسيبقي الي الابد, وانه كون لا نهائي, اي لا تحده حدود, وانه كون ساكن, ثابت في مكانه, لا يتغير, وان النجوم مثبته في السماء التي تدور بنجومها كقطعه واحده حول الارض, وان الكون شامل للعناصر الاربعه: التراب, والماء, والهواء, والنار, وحول هذه الكرات الاربع تدور السماء بنجومها, وغير ذلك من الخرافات والاساطير, في هذا الوقت جاء القران الكريم موكدا ان الكون مخلوق له بدايه, ولابد انه ستكون له في يوم من الايام نهايه, وكل مخلوق محدود بحدود لا يتجاوزها, وموكدا ان جميع اجرام السماء في حركه دائبه, وجري مستمر الي اجل مسمي, وان السماء ذاتها في توسع دائب الي اجل مسمي, وان السماوات والارض كانتا في الاصل جرما واحدا ففتقهما الله( تعالي) فتحولت ماده هذا الجرم الاول الي الدخان الذي خلقت منه الارض والسماء, وان هذا الكون سوف يطوي ليعود كهيئته الاولي جرما واحدا مفردا ينفتق مره اخري الي غلاله من الدخان تخلق منها ارض غير ارضنا الحاليه, وسماوات غير السماوات التي تظلنا في حياتنا الدنيا, وهنا تتوقف رحله الحياه الاولي وتبدا رحله الاخره.
وقد لخص لنا ربنا( تبارك وتعالي) عمليه خلق السماوات والارض وافنائهما, واعاده خلقهما في صياغه كليه شامله من قبل اكثر من الف واربعمائه سنه, وذلك في خمس ايات من اي القران الكريم علي النحو التالي:
(1) والسماء بنيناها بايد وانا لموسعون( الذاريات:47).
(2) اولم ير الذين كفروا ان السماوات والارض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي افلا يومنون( الانبياء:30).
(3) ثم استوي الي السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين( فصلت:11).
(4) يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدانا اول خلق نعيده وعدا علينا انا كنا فاعلين( الانبياء:104).
(5) يوم تبدل الارض غير الارض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار( ابراهيم:48).
وهذه الايات القرانيه الكريمه تشير الي عدد من حقائق الكون الكبري والتي منها:
(1) توسع الكون منذ اللحظه الاولي لخلقه والي ان يشاء الله.
(2) ابتداء خلق الكون من جرم اولي واحد( مرحله الرتق الاول).
(3) فتق هذا الجرم الاولي اي انفجاره( مرحله الفتق الاول).
(4) تحول الماده في الجرم الاولي عند فتقه الي الدخان( مرحله الدخان).
(5) خلق كل من الارض والسماوات من الدخان الكوني( مرحله الاتيان بكل من الارض والسماء).
(6) حتميه عوده الكون بكل ما فيه ومن فيه الي جرم ابتدائي واحد مشابه للجرم الاولي الذي ابتدا منه الخلق( مرحله الرتق الثاني او طي السماء او الانسحاق الشديد للكون).
(7) حتميه فتق هذا الجرم الثاني اي انفجاره( مرحله الفتق للرتق الثاني).
(8) حتميه تحول الرتق الثاني بعد فتقه الي غلاله من الدخان الكوني.
(9) اعاده خلق ارض غير ارضنا الحاليه وسماوات غير السماوات التي تظللنا اليوم وبدايه رحله الاخره.
وهذه الحقائق الكونيه لم يستطع الانسان ادراك شيء منها الا في القرن العشرين, حين توصل العلم الحديث الي اثبات توسع الكون
في الثلث الاول من ذلك القرن, ثم اندفع بهذه الملاحظه الصحيحه الي الاستنتاج المنطقي اننا اذا عدنا بهذا الاتساع الي الوراء مع الزمن, فلابد ان تلتقي جميع صور الماده والطاقه المنتشره في الكون, كما يلتقي كل من المكان والزمان, وجميع ما في الكون من موجودات في نقطه واحده تكاد تقترب من الصفر اي العدم علي هيئه ابتدائيه للكون
او( مرحله الرتق), وان تلك الهيئه الاوليه كانت متناهيه في الصغر, كما كانت بالقطع في مستوي من الكثافه ودرجه الحراره لا يكاد العقل البشري ان يتصورهما فانفجرت( مرحله الفتق), ونتج عن هذا الانفجار الكوني العظيم( الفتق بعد الرتق) تحول هذا الجرم الاولي للكون المتناهي في ضاله الحجم وضخامه الكثافه وشده الحراره الي غلاله من الدخان( مرحله الدخان الكوني) الذي خلق الله( تعالي) منه الارض والسماء( مرحله الاتيان بكل من الارض والسماء).
ويتوقف العلم المكتسب عند ملاحظه ان عمليه التوسع الكوني لا يمكن لها ان تستمر الي ما لا نهايه, وذلك لان قوه الدفع الي الخارج الناتجه عن الانفجار الكوني التي بدات بعنف بالغ حتي اليوم في تناقص مستمر, وسوف يودي هذا التناقص التدريجي في سرعه توسع الكون الي الوصول به الي مرحله تتغلب فيها قوي الجاذبيه علي قوي الدفع الي الخارج, فيبدا الكون في الانكماش والتكدس علي ذاته حتي يعود الي حاله مشابهه تماما لحالته الاولي التي ابتدا منها خلق الكون( مرحله الرتق الاولي), وتعرف هذه المرحله المستقبليه باسم مرحله الرتق الثانيه[ او الرتق بعد الفتق او طي السماء او مرحله الانسحاق الشديد للكون
كما يحلو لبعض الفلكيين المعاصرين تسميتها].
وقد اخبرنا ربنا( تبارك وتعالي) من قبل اكثر من الف واربعمائه سنه انه( سبحانه) قد تعهد باعاده السماوات والارض الي سيرتها الاولي وذلك بقوله في محكم كتابه( عز من قائل):
يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدانا اول خلق نعيده وعدا علينا انا كنا فاعلين( الانبياء:104),
وليس من قبيل المصادفه ان ترد الايتان رقم(30) وهي المتعلقه بخلق الكون( الفتق بعد الرتق), ورقم(104) وهي المتعلقه بافناء الكون( الرتق بعد الفتق) في سوره واحده وهي سوره الانبياء.
ولولا ان الله( تعالي) قد تعهد باعاده خلق ارض غير ارضنا, وخلق سماء غير سمائنا, واخبرنا بذلك من قبل اكثر من الف واربعمائه سنه في محكم كتابه وذلك بقوله( عز من قائل):
يوم تبدل الارض غير الارض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار( ابراهيم:48).
ما كان امام العلوم المكتسبه من سبيل الي معرفه ذلك.
هذه الحقائق الكونيه الكبري في خلق السماوات والارض, لم يستطع الانسان الوصول الي ادراك شيء منها الا في منتصف القرن العشرين او بعد ذلك, حين تبلورت نظريه فلكيه باسم نظريه الانفجار العظيم
وهذه النظريه هي الاكثر قبولا عند علماء الفلك وعلماء الفيزياء الفلكيه والنظريه في تفسير نشاه الكون, وقد سبق القران الكريم بالاشاره اليها من قبل اكثر من الف واربعمائه سنه وذلك بقول الحق تبارك وتعالي.
او لم ير الذين كفروا ان السماوات والارض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي افلا يومنون( الانبياء:30).
والرتق: في اللغه عكس الفتق, لان الرتق هو الضم والالتحام والالتئام سواء كان ذلك طبيعيا او صناعيا, يقال رتقت الشيء فارتتق اي فالتام والتحم.
والفتق: لغه هو الفصل والشق والانشطار.
والمعني الواضح لنا من هذه الايه الكريمه ان السموات والارض كانتا في الاصل شيئا واحد متصلا, ملتئما, وملتحما, ففتقه ربنا تبارك وتعالي بامر منه سبحانه الي الارض التي نحيا عليها, والي سبع سماوات من فوقنا.
والقران الكريم هنا يعطي الصوره الكليه الجامعه لهذا الحدث الكوني العظيم, ويترك التفاصيل لجهود العلماء والمفكرين الذين يتفكرون في خلق السموات والارض, والذين تجمعت ملاحظاتهم العلميه الدقيقه في صفحه السماء لتوكد في منتصف القرن العشرين صدق ما قد انزله الله تعالي في اخر كتبه, وعلي خاتم انبيائه ورسله( عليه وعليهم اجمعين افضل الصلاه وازكي التسليم من قبل الف واربعمائه من السنين.
هذا السبق القراني بحقيقه الفتق بعد الرتق يجعلنا نرتقي بنظريه الانفجار الكوني العظيم الي مقام الحقيقه, ونكون هنا قد انتصرنا بالقران الكريم للعلم المكتسب, وليس العكس, والسبب في لجوئنا الي تلك النظريه لحسن فهم دلاله الايه القرانيه رقم30 من سوره الانبياء هو ان العلوم المكتسبه لايمكن لها ان تتجاوز مرحله التنظير في القضايا التي لاتخضع لحس الانسان المباشر او ادراكه المباشر من مثل قضايا الخلق والافناء واعاده الخلق خلق الكون, خلق الحياه, وخلق الانسان وصدق الله العظيم اذ يقول:
ما اشهدتهم خلق السماوات والارض ولاخلق انفسهم وماكنت متخذ المضلين عضدا( الكهف:51).
كذلك فان نظريه الانسحاق الكوني العظيم
يرتقي بها الي مقام الحقيقه قول ربنا تبارك وتعالي:
يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدانا اول خلق نعيده وعدا علينا انا كنا فاعلين( الانبياء:104).
هذا السبق القراني بالاشاره الي حقيقه الفتق بعد الرتق او ما يعبر عنه بالانفجار الكوني العظيم, والي حقيقه توسيع السماء او تمدد الكون, والي حقيقه الخلق من الدخان, والي حقيقه الرتق بعد الفتق طي المساء او الانسحاق الكوني العظيم, والي حقيقه اعاده خلق ارض غير الارض وسماوات غير السماوات الحاليه, والي العديد غيرها من الحقائق التي صاحبت خلق السماوات والارض او التي تلازمهما اليوم, او التي سوف تحدث عند افناء الكون, هو من اعظم الشهادات بان القران الكريم هو كلام الله الخالق, ولايمكن له ان يكون كلام احد غير الله, كما يشهد لهذا النبي الخاتم صلي الله عليه وسلم بانه كان موصولا بوحي السماء, ومعلما من قبل خالق السماوات والارض, حيث انه لم يكن لاحد من الخلق علم بهذه الحقائق الكونيه الكبري في زمن الوحي, ولا لقرون متطاوله من بعد نزوله:
وتشهد هذه الايات الكونيه الوارده في كتاب الله وامثالها من الايات القرانيه الاخري المتعلقه بالكون وظواهره وبعض مكوناته بالدقه والشمول والكمال, وبالصياغه المعجزه التي يفهم منها اهل كل عصر معني من المعاني يتناسب مع المستوي العلمي للعصر, وتظل هذه المعاني تتسع باستمرار مع اتساع دائره المعرفه الانسانيه في تكامل لايعرف التضاد, وهذا عندي من ابلغ جوانب الاعجاز في كتاب الله.
-
لاشارات الكونيه في القران الكريم ومغزي دلالتها العلميه
بقلم الدكتور: زغلول النجار
الثلث الاول من القرن العشرين لاحظ الفلكيون عمليه توسع الكون التي دار من حولها جدل طويل حتي سلم العلماء بحقيقتها, وقد سبق القران الكريم بالاشاره الي تلك الحقيقه قبل الف واربعمائه سنه بقول الحق( تبارك وتعالي):
والسماء بنيناها بايد وانا لموسعون( الذاريات:47)
وكانت هذه الايه الكريمه قد نزلت والعالم كله ينادي بثبات الكون, وعدم تغيره, وظل هذا الاعتقاد سائدا حتي منتصف القرن العشرين حين اثبتت الارصاد الفلكيه حقيقه توسع الكون, وتباعد مجراته عنا, وعن بعضها البعض بمعدلات تقترب احيانا من سرعه الضوء( المقدره بنحو ثلاثمائه الف كيلو متر في الثانيه), وقد ايدت كل من المعادلات الرياضيه وقوانين الفيزياء النظريه استنتاجات الفلكيين في ذلك.
وانطلاقا من هذه الملاحظه الصحيحه نادي كل من علماء الفلك, والفيزياء الفلكيه والنظريه باننا اذا عدنا بهذا الاتساع الكوني الي الوراء مع الزمن فلابد ان تلتقي كل صور الماده والطاقه الموجوده في الكون( المدرك منها وغير المدرك) وتتكدس علي بعضها البعض في جرم ابتدائي واحد يتناهي في الصغر الي ما يقرب الصفر او العدم, وتنكمش في هذه النقطه ابعاد كل من المكان والزمان حتي تتلاشي( مرحله الرتق).
وهذا الجرم الابتدائي كان في حاله من الكثافه والحراره تتوقف عندهما كل القوانين الفيزيائيه المعروفه, ومن ثم فان العقل البشري لا يكاد يتصورهما, فانفجر هذا الجرم الاولي بامر الله( تعالي) في ظاهره يسميها العلماء عمليه الانفجار الكوني العظيم
ويسميها القران الكريم باسم الفتق فقد سبق القران الكريم كل المعارف الانسانيه بالاشاره الي ذلك الحدث الكوني العظيم من قبل الف واربعمائه من السنين بقول الحق( تبارك وتعالي):
اولم ير الذين كفروا ان السماوات والارض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي افلا يومنون
(الانبياء:30)
وتشير دراسات الفيزياء النظريه في اواخر القرن العشرين الي ان جرما بمواصفات الجرم الابتدائي للكون عندما ينفجر يتحول الي غلاله من الدخان الذي تخلقت منه الارض وكل اجرام السماء,وقد سبق القران الكريم بالف واربعمائه سنه كل المعارف الانسانيه وذلك باشارته الي مرحله الدخان في قول الحق( تبارك وتعالي):
قل ائنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وتجعلون له اندادا ذلك رب العالمين* وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها اقواتها في اربعه ايام سواء للسائلين* ثم استوي الي السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين* فقضاهن سبع سماوات في يومين واوحي في كل سماء امرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم( فصلت:9 12)
وفي8 نوفمبر سنه1989 م اطلقت وكاله الفضاء الامريكيه
مركبه فضائيه باسم مكتشف الخلفيه الاشعاعيه للكون
وذلك في مدار علي ارتفاع ستمائه كيلومتر حول الارض بعيدا عن تاثير كل من السحب والملوثات في النطق الدنيا من الغلاف الغازي للارض, وقد قام هذا القمر الصنعي بارسال ملايين الصور والمعلومات الي الارض عن اثار الدخان الاول الذي نتج عن عمليه الانفجار العظيم للكون من علي بعد عشره مليارات من السنين الضوئيه, وهي حاله دخانيه معتمه سادت الكون قبل خلق الارض والسماوات, فسبحان الذي انزل من قبل الف وابعمائه سنه قوله الحق:
ثم استوي الي السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين( فصلت:11).
دخانيه السماء بعد الانفجار الكوني العظيم( اي بعد فتق الرتق):
بعد التسليم بحقيقه توسع الكون, وبرد ذلك التوسع الي الوراء مع الزمن حتي الوصول الي جرم ابتدائي واحد متناه في الضاله حجما الي الصفر او ما يقرب من العدم, ومتناه في الكثافه والحراره الي حد لا يكاد العقل الانساني ان يتخيله, لتوقف كل قوانين الفيزياء المعروفه عنده( مرحله الرتق), وبعد التسليم بانفجار هذا الجرم الابتدائي( مرحله الفتق) في ظاهره كونيه يسميها العلماء الانفجار الكوني الكبير بدا كل من علماء الفلك والفيزياء الفلكيه والنظريه في تحليل مسار الاحداث الكونيه بعد هذا الحدث الكوني الرهيب.
ومع ايماننا بان تلك الاحداث الموغله في تاريخ الكون تقع في صميم الغيب الذي اخبر ربنا( تبارك وتعالي) عنه بقوله( عز من قائل):
ما اشهدتهم خلق السماوات والارض ولا خلق انفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا( الكهف:51)
الا ان السنن التي فطر الله( تعالي) الكون عليها لها من الاطراد, والاستمرار, والثبات, ما يمكن ان يعين الانسان علي الوصول الي شيء من التصور الصحيح لتلك الاحداث الغيبيه الموغله في ابعاد التاريخ الكوني علي الرغم من حس الانسان المحدود, وقدرات عقله المحدوده, ومحدوديه كل من زمانه ومكانه.
كذلك فان التقنيات المتطوره من مثل الصواريخ العابره لمسافات كبيره في السماء, والاقمار الصنعيه التي تطلقها تلك الصواريخ, والاجهزه القياسيه والتسجيليه الدقيقه التي تحملها قد ساعدت علي الوصول الي تصوير الدخان الكوني الاول الذي نتج عن عمليه الانفجار العظيم, والذي وجدت بقايا اثريه له علي اطراف الجزء المدرك من الكون, وعلي ابعاد تصل الي عشره مليارات من السنين الضوئيه لتثبت دقه التعبير القراني بلفظه دخان التي وصف بها حاله الكون قبل خلق السماوات والارض.
الفيزياء الفلكيه ودخانيه الكون:
بعد الانفجار العظيم تحول الكون الي غلاله من الدخان الذي خلقت من الارض والسماوات
http://www.ahram.org.eg/Archive/2001/6/4/818Y_1M.JPG
تشير الحسابات الفيزيائيه الي ان حجم الكون قبل الانفجار العظيم كاد يقترب من الصفر, وكان في حاله غريبه من تكدس كل من الماده والطاقه, وتلاشي كل من المكان والزمان, تتوقف عندها كل قوانين الفيزياء المعروفه( مرحله الرتق), ثم انفجر هذا الجرم الابتدائي الاولي في ظاهره كبري تعرف بظاهره الانفجار الكوني العظيم مرحله الفتق وبانفجاره تحول الي كره من الاشعاع والجسيمات الاوليه اخذت في التمدد والتبرد بسرعات فائقه حتي تحولت الي غلاله من الدخان.
فبعد ثانيه واحده من واقعه الانفجار العظيم تقدر الحسابات الفيزيائيه انخفاض درجه حراره الكون من تريليونات الدرجات المطلقه الي عشره بلايين من الدرجات المطلقه[ ستيفن و. هوكنج1988 م
وعندها تحول الكون الي غلاله من الدخان المكون من الفوتونات
والالكترونات
والنيوترينوات
واضداد هذه الجسيمات
مع قليل من البروتونات
والنيوترونات
ولولا استمرار الكون في التوسع والتبرد بمعدلات منضبطه بدقه فائقه لافنت الجسيمات الاوليه للماده واضدادها بعضها بعضا, وانتهي الكون, ولكنه حفظ بحفظ الله الذي اتقن كل شيء خلقه. والنيوترونات
يمكن ان توجد في الكون علي هيئه ما يسمي باسم الماده الداكنه
وينادي الان جوث
بان التمدد عند بدء الانفجار العظيم كان بمعدلات فائقه التصور ادت الي زياده قطر الكون بمعدل2910 مره في جزء من الثانيه
, وتشير حسابات الفيزياء النظريه الي الاستمرار في انخفاض درجه حراره الكون الي بليون( الف مليون) درجه مطلقه بعد ذلك بقليل, وعند تلك الدرجه اتحدت البروتونات
والنيوترونات
لتكوين نوي ذرات الايدروجين الثقيل او الديوتريوم
التي تحللت الي الايدروجين او اتحدت مع مزيد من البروتونات والنيوترونات لتكون نوي ذرات الهيليوم(HeliumNuclei)
والقليل من نوي ذرات عناصر اعلي مثل نوي ذرات الليثيوم
ونوي ذرات البريليوم
, ولكن بقيت النسبه الغالبه لنوي ذرات غازي الايدروجين والهيليوم, وتشير الحسابات النظريه الي انه بعد ذلك بقليل توقف انتاج كل من الهيليوم والعناصر التاليه له, واستمر الكون في الاتساع والتمدد والتبرد لفتره زمنيه طويله, ومع التبرد انخفضت درجه حراره الكون الي الاف قليله من الدرجات المطلقه حين بدات ذرات العناصر في التكون والتجمع وبدا الدخان الكوني في التكدس علي هيئه اعداد من السدم الكونيه الهائله.
ومع استمرار عمليه الاتساع والتبرد في الكون بدات اجزاء من تلك السدم في التكثف علي ذاتها بفعل الجاذبيه وبالدوران حول نفسها بسرعات متزايده بالتدريج حتي تخلقت بداخلها كتل من الغازات المتكثفه, ومع استمرار دوران تلك الكتل الكثيفه في داخل السدم بدات كميات من غازي الايدروجين والهيليوم الموجوده بداخلها في التكدس علي ذاتها بمعدلات اكبر, مما ادي الي مزيد من الارتفاع في درجات حرارتها حتي وصلت الي الدرجات اللازمه لبدء عمليه الاندماج النووي فتكونت النجوم المنتجه للضوء والحراره.
وفي النجوم الكبيره الكتله استمرت عمليه الاندماج النووي لتخليق العناصر الاعلي في وزنها الذري بالتدريج مثل الكربون والاوكسيجين وما يليهما حتي يتحول لب النجم بالكامل الي الحديد فينفجر هذا النجم المستعر(Nova) علي هيئه فوق المستعر
وتتناثر اشلاء فوق المستعرات
وما بها من عناصر ثقيله في داخل المجره لتتكون منها الكواكب والكويكبات, بينما يبقي منها في غازات المجره ما يمكن ان يدخل في بناء نجم اخر باذن الله.
وتحتوي شمسنا علي نحو2% من كتلتها من العناصر الاثقل في اوزانها الذريه من غازي الايدروجين والهيليوم, وهما المكونان الاساسيان لها, وهذه العناصر الثقيله لم تتكون كلها بالقطع في داخل الشمس بل جاءت اليها من بقايا انفجار بعض من فوق المستعرات.
وعلي الرغم من تكدس كل من الماده والطاقه في اجرام السماء( مثل النجوم وتوابعها) فان الكون المدرك يبدو لنا متجانسا علي نطاق واسع, في كل الاتجاهات, وتحده خلفيه اشعاعيه متساويه حيثما نظر الراصد.
كذلك فان توسع الكون لم يتجاوز بعد الحد الحرج الذي يمكن ان يودي الي انهياره علي ذاته,وتكدسه من جديد, مما يوكد انه محكوم بضوابط بالغه الدقه والاحكام, ولا يزال الكون المدرك مستمرا في توسعه بعد اكثر من عشره مليارات من السنين( هي العمر الادني المقدر للكون) وذلك بنفس معدل التوسع الحرج, ولو تجاوزه بجزء من مئات البلايين من المعدل الحالي للتوسع لانهار الكون علي الفور, فسبحان الذي حفظه من الانهيار..!! والنظريه النسبيه لا يمكنها تفسير ذلك لان كل القوانين الفيزيائيه, وكل الابعاد المكانيه والزمانيه تنهار عند الجرم الابتدائي للكون قبل انفجاره( مرحله الرتق) بكتلته, وكثافته وحرارته الفائقه, وانعدام حجمه الي ما يقرب من الصفر, ولا يمكن لعاقل ان يتصور مصدرا لخلق هذا الكون بهذا القدر من الاحكام غير كونه امرا من الخالق( سبحانه وتعالي) الذي انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون( يس:82)
فعلي سبيل المثال لا الحصر يذكر علماء الفيزياء انه اذا تغيرت الشحنه الكهربائيه للاليكترون قليلا, مااستطاعت النجوم القيام بعمليه الاندماج النووي, ولعجزت عن الانفجار علي هيئه ما يسمي بفوق المستعر
اذا تمكنت فرضا من القيام بعمليه الاندماج النووي.
والمعدل المتوسط لعمليه اتساع الكون لابد وانه قد اختير بحكمه بالغه لان معدله الحالي لا يزال قريبا من الحد الحرج اللازم لمنع الكون من الانهيار علي ذاته.
ويقرر علماء الفيزياء النظريه والفلكيه ان الدخان الكوني كان خليطا من الغازات الحاره المعتمه التي تتخللها بعض الجسيمات الاوليه للماده واضداد الماده
حتي تشهد هذه الصوره من صور الزوجيه السائده في الكون لله وحده بالتفرد بالوحدانيه فوق كافه خلقه, ولا توجد كلمه توفي هذه الحاله حقها من الوصف مثل كلمه دخان فسبحان الذي انزلها في كتابه من قبل الف واربعمائه من السنين.
وقد تكونت من تلك الجسيمات الاوليه للماده في الدخان الكوني الاولي نوي ذرات غازي الايدروجين والهيليوم, وبعد ذلك وصلت الي الحد الذي يسمح بتكوين ذرات ثابته لعناصر اكبر وزنا وذلك باتحاد نوي ذرات الايدروجين والهيليوم. وظل هذا الدخان المعتم سائدا ومحتويا علي ذرات العناصر التي خلق منها بعد ذلك كل من الارض والسماء.
وتفيد الدراسات النظريه ان الكون في حالته الدخانيه كان يتميز بقدر من التجانس مع تفاوت بسيط في كل من الكثافه ودرجات الحراره بين منطقه واخري, وذلك نظرا لبدء تحول اجزاء من ذلك الدخان بتقدير من الله( تعالي) الي مناطق تتركز فيها كميات كبيره من كل من الماده والطاقه علي هيئه السدم. ولما كانت الجاذبيه في تلك المناطق تتناسب تناسبا طرديا مع كم الماده والطاقه المتمركزه فيها, فقد ادي ذلك الي مزيد من تكدس الماده والطاقه والذي بواسطته بدا تخلق النجوم وبقيه اجرام السماء في داخل تلك السدم, وتكونت النجوم في مراحلها الاولي من العناصر الخفيفه مثل الايدروجين والهيليوم, والتي اخذت في التحول الي العناصر الاعلي وزنا بالتدريج مع بدءعمليه الاندماج النووي في داخل تلك النجوم حسب كتله كل منها.
تصوير الدخان الكوني
في الثامن من نوفمبر سنه1989 م اطلقت وكاله الفضاء الامريكيه مركبه باسم مكتشف الخلفيه الاشعاعيه للكون
ارتفعت الي مدار حول الارض يبلغ ارتفاعه ستمائه كيلومتر فوق مستوي سطح البحر, وذلك لقياس درجه حراره الخلفيه الاشعاعيه للكون, وقياس كل من الكثافه الماديه والضوئيه والموجات الدقيقه
في الكون المدرك, بعيدا عن تاثير كل من السحب والملوثات في النطق الدنيا من الغلاف الغازي للارض, وقام هذا القمر الصنعي المستكشف بارسال قدر هائل من المعلومات وملايين الصور لاثار الدخان الكوني الاول الذي نتج عن عمليه الانفجار العظيم للكون, من علي بعد عشره مليارات من السنين الضوئيه, واثبتت تلك الصور ان هذا الدخان الكوني في حاله معتمه تماما تمثل حاله الاظلام التي سادت الكون في مراحله الاولي.
ويقدر العلماء كتله هذا الدخان المعتم بحوالي90% من كتله الماده في الكون المنظور, وكتب جورج سموت
احد المسئولين عن رحله المستكشف
تقريرا نشره سنه1992 م بالنتائج المستقاه من هذا العدد الهائل من الصور الكونيه كان من اهمها الحاله الدخانيه المتجانسه التي سادت الوجود عقب الانفجار الكوني العظيم, وكذلك درجه الحراره المتبقيه علي هيئه خلفيه اشعاعيه اكدت حدوث ذلك الانفجار الكبير, وكان في تلك الكشوف ابلغ الرد علي النظريات الخاطئه التي حاولت من منطلقات الكفر والالحاد تجاوز الخلق, والجحود بالخالق( سبحانه وتعالي) فنادت كذبا بديمومه الكون بلا بدايه ولا نهايه من مثل نظريه الكون المستمر
التي سبق ان اعلنها ودافع عنها كل من هيرمان بوندي
وفريد هويل في سنه1949 م, ونظريه الكون المتذبذب
التي نادي بها ريتشارد تولمان
من قبل.. فقد كان في اثبات وجود الدخان الكوني والخلفيه الاشعاعيه للكون بعد اثبات توسع الكون ما يجزم بان كوننا مخلوق له بدايه ولابد ان ستكون له في يوم من الايام نهايه, وقد اكدت الصور التي بثتها مركبه المستكشف للخلفيه الاشعاعيه والتي نشرت في ابريل سنه1992 م كل تلك الحقائق.
انتشار مختلف صور الطاقه بالكون
http://www.ahram.org.eg/Archive/2001/6/4/818Y_2.JPG
تكوين نوي المجرات من الدخان الكوني
كان الجرم الابتدائي للكون مفعما بالماده والطاقه المكدسه تكديسا رهيبا يكاد ينعدم فيه الحجم الي الصفر, وتتلاشي فيه كل ابعاد المكان والزمان, وتتوقف كل قوانين الفيزياء المعروفه لنا كما سبق وان اشرنا( مرحله الرتق), وبعد انفجار هذا الجرم الاولي وبدء الكون في التوسع, تمدد الاشعاع وظل الكون مليئا دوما بالطاقه الكهرمغناطيسيه, علي انه كلما تمدد الكون قل تركيز الطاقه فيه, ونقصت كثافته, وانخفضت درجه حرارته.
واول صوره من صور الطاقه في الكون هي قوه الجاذبيه
وهي قوي كونيه بمعني ان كل جسم في الكون يخضع لقوي الجاذبيه حسب كتلته او كميه الطاقه فيه, وهي قوي جاذبه تعمل عبر مسافات طويله, وتحفظ للجزء المدرك من الكون بناءه وابعاده ولعلها هي المقصوده بقول الحق( تبارك وتعالي):
الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها...( الرعد:2)
وقوله( عز من قائل):
الم تر ان الله سخر لكم ما في الارض, والفلك تجري في البحر بامره, ويمسك السماء ان تقع علي الارض الا باذنه ان الله بالناس لرءوف رحيم( الحج:65).
وقوله( سبحانه وتعالي):
ومن اياته ان تقوم السماء والارض بامره ثم اذا دعاكم دعوه من الارض اذا انتم تخرجون( الروم:25).
وقوله( تبارك اسمه):
خلق السماوات بغير عمد ترونها...( لقمان:10).
وقوله( تعالي):
ان الله يمسك السماوات والارض ان تزولا ولئن زالتا ان امسكهما من احد من بعده انه كان حليما غفورا( فاطر:41).
ويقسم ربنا( تبارك وتعالي) وهو الغني عن القسم في مطلع سوره الطور ب السقف المرفوع وهذا القسم القراني جاء بالسماء المرفوعه بغير عمد مرئيه..!!
والصوره الثانيه من صور الطاقه المنتشره في الكون هي القوي الكهربائيه/المغناطيسيه( او الكهرومغناطيسيه
وهي قوي تعمل بين الجسيمات المشحونه بالكهرباء, وهي اقوي من الجاذبيه بملايين المرات( بحوالي4110 مره), وتتمثل في قوي التجاذب بين الجسيمات التي تحمل شحنات كهربيه مختلفه( موجبه وسالبه), كما تتمثل في قوي التنافر بين الجسيمات الحامله لشحنات كهربيه متشابهه, وتكاد هذه القوي من التجاذب والتنافر يلغي بعضها بعضا, وعلي ذلك فان حاصل القوي الكهرومغناطيسيه في الكون يكاد يكون صفرا, ولكن علي مستوي الجزيئات والذرات المكونه للماده تبقي هي القوي السائده.
والقوي الكهرومغناطيسيه هي التي تضطر الاليكترونات
في ذرات العناصر الي الدوران حول النواه بنفس الصوره التي تجبر فيها قوي الجاذبيه الارض( وغيرها من كواكب المجموعه الشمسيه) الي الدوران حول الشمس, وان دل ذلك علي شيء فانما يدل علي وحده البناء في الكون من ادق دقائقه الي اكبر وحداته, وهو ما يشهد للخالق( سبحانه وتعالي) بالوحدانيه المطلقه بغير شريك ولا شبيه ولا منازع.
ويصور الفيزيائيون القوي الكهرومغناطيسيه علي انها تنتج من تبادل اعداد كبيره من جسيمات تكاد تكون معدومه الوزن تسمي بالفوتونات
والقوي الثالثه في الكون هي القوي النوويه القويه
وهي القوي التي تمسك باللبنات الاوليه للماده في داخل كل من البروتونات
والنيوترونات
في نواه الذره, وهذه القوي تصل الي اقصي قدرتها في المستويات العاديه من الطاقه, ولكنها تضعف مع ارتفاع مستويات الطاقه باستمرار.
والقوه الرابعه في الكون هي القوي النوويه الضعيفه
وهي القوي المسئوله عن عمليه النشاط الاشعاعي
وفي الوقت الذي تضعف فيه القوي النوويه القويه في المستويات العليا للطاقه, فان كلا من القوي النوويه الضعيفه والقوي الكهرومغناطيسيه تقوي في تلك المستويات العليا للطاقه.
وحده القوي في الكون
http://www.ahram.org.eg/Archive/2001/6/4/818Y_3.JPG
تخلق احدي النجوم من الدخان الكوني
يوحد علماء الفيزياء النظريه بين كل من القوي الكهرومغناطيسيه, والقوي النوويه القويه والضعيفه فيما يسمي بنظريه التوحد الكبري
والتي تعتبر تمهيدا لنظريه اكبر توحد بين كافه القوي الكونيه
في قوه عظمي, واحده تشهد لله الخالق بالوحدانيه المطلقه, وعن هذه القوه العظمي انبثقت القوي الكبري الاربع المعروفه في الكون: قوه الجاذبيه, القوه الكهرومغناطيسيه وكل من القوتين النوويتين الشديده والضعيفه مع عمليه الانفجار الكوني الكبير مباشره( الفتق بعد الرتق).
وباستثناء الجاذبيه فان القوي الكونيه الاخري تصل الي نفس المعدل عند مستويات عاليه جدا من الطاقه تسمي باسم الطاقه العظمي للتوحد,
ومن هنا فان هذه الصور الثلاث للطاقه تعتبر ثلاثه اوجه لقوه واحده, لا يستبعد انضمام الجاذبيه اليها, باعتبارها قوه ذات مدي طويل جدا, تتحكم في اجرام الكون وفي التجمعات الكبيره للماده ومن ثم يمكن نظريا غض الطرف عنها من قبيل التبسيط عندما يقصر التعامل علي الجسيمات الاوليه للماده, او حتي مع ذرات العناصر.
وهذه الصوره من وحده البناء في الكون, ووحده صور الطاقه فيه, مع شيوع الزوجيه في الخلق كل الخلق هي شهاده الكون لخالقه( سبحانه وتعالي) بالتفرد بالوحدانيه المطلقه فوق كافه خلقه بغير شبيه ولا شريك ولا منازع, وصدق الله العظيم اذ يقول:
ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون( الذاريات:49).
ويقول:
لو كان فيهما الهه الا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون( الانبياء:22).
وسبحانه وتعالي اذ انزل من قبل الف واربعمائه سنه قوله الحق: ثم استوي الي السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين( فصلت:11).
-
لاشارات الكونيه في القران الكريم ومغزي دلالتها العلميه 4
هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا ثم استوي الي السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم
اجمل القران الكريم خلق السماوات والارض في ثلاثه مواضع, يقول فيها ربنا( تبارك وتعالي):
(1) والسماء بنيناها بايد وانا لموسعون( الذاريات:47)
(2) اولم ير الذين كفروا ان السماوات والارض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي افلا يومنون(الانبياء:30)
(3) قل ائنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وتجعلون له اندادا ذلك رب العالمين, وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها اقواتها في اربعه ايام سواء للسائلين, ثم استوي الي السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين, فقضاهن سبع سماوات في يومين واوحي في كل سماء امرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم( فصلت:9 12)
اجمل القران الكريم خلق السماوات والارض في ثلاثه مواضع, يقول فيها ربنا( تبارك وتعالي):
(1) والسماء بنيناها بايد وانا لموسعون( الذاريات:47)
(2) اولم ير الذين كفروا ان السماوات والارض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي افلا يومنون(الانبياء:30)
(3) قل ائنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وتجعلون له اندادا ذلك رب العالمين, وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها اقواتها في اربعه ايام سواء للسائلين, ثم استوي الي السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين, فقضاهن سبع سماوات في يومين واوحي في كل سماء امرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم( فصلت:9 12)
وقد ثبت علميا منذ الثلث الاول للقرن العشرين, ان من صفات الكون الذي نحيا فيه, انه كون دائم الاتساع الي ما شاء الله, بمعني ان المجرات فيه تتباعد عن مجرتنا وعن بعضها البعض بسرعات تقترب احيانا من سرعه الضوء.
كذلك ثبت ان هذا الكون الشاسع الاتساع, الدقيق البناء, المحكم الحركه, والمنضبط في كل امر من اموره, قد بدا خلقه من جرم واحد متناه في ضاله الحجم الي مايقرب الصفر اي العدم, ومتناه في تعاظم كثافته ودرجه حرارته الي حد تتوقف عنده جميع القوانين الفيزيائيه, كما تتلاشي كل ابعاد المكان والزمان, وان من هذه النقطه المتناهيه في الضاله بدا خلق الكون بالامر الالهي كن في عمليه اطلق عليها كل من علماء الفلك والفيزياء الفلكيه اسم الانفجار الكوني العظيم.
وقد ادي هذا الانفجار الكوني الي غلاله من الدخان الذي خلق منه كل من الارض والسماء وما بينهما.
السماوات والارض في القران الكريم
وردت لفظه السماء بالافراد والجمع في القران الكريم في ثلاثمائه وعشره(310) مواضع, منها مائه وعشرون(120) مره بالافراد, ومائه وتسعون(190) مره بالجمع, وتعبير السماء مستمد من السمو اي الارتفاع والعلو, ولذا قالت العرب: كل ما علاك فاظلك فهو سماء.
كذلك وردت لفظه الارض بمشتقاتها في كتاب الله( تعالي) في اربعمائه واحدي وستين(461) موضعا.
وفي الغالبيه الساحقه من تلك المواضع, نجد ان لفظه السماء( بالجمع او بالمفرد) قد ذكرت قبل الارض, وفي عدد قليل من الايات قد جاء ذكر الارض قبل السماء, من مثل قوله( تعالي):
هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا ثم استوي الي السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم( البقره:29).
وقوله( عز من قائل):
الذي جعل لكم الارض فراشا والسماء بناء....( البقره:22).
وقوله( سبحانه وتعالي):
تنزيلا ممن خلق الارض والسماوات العلي, الرحمن علي العرش استوي, له ما في السماوات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثري( طه:4 6).
وقوله( سبحانه):
قل ائنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وتجعلون له اندادا ذلك رب العالمين... الي ان قال( عز من قائل):
ثم استوي الي السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين...( فصلت:9 11).
http://www.ahram.org.eg/Archive/2001/6/11/825_25M.JPG
المجموعه الشمسيه من نماذج نجوم السماء
وقد احتار العلماء والمفسرون في تحديد ايهما كان الاسبق بالخلق, الارض ام السماوات؟ ام انهما قد خلقا في وقت واحد؟ وينسون ان الزمن من خلق الله, وان القبليه والبعديه اصطلاحات بشريه, لا مدلول لها بالقياس الي الله( تعالي), الذي لا يحده الزمان ولا المكان.
ففي تفسير الايه رقم(29) من سوره البقره, راي العديد من المفسرين ان معناها ان الله( تعالي) قد خلق جميع النعم الموجوده في الارض لمنفعه الناس, ثم توجهت ارادته( تعالي) الي السماء فجعل منها سبع سماوات, وهو تعالي محيط بكل شيء, عالم بتفاصيله.
والاستواء الالهي رمز للسيطره الكليه, والقصد باراده الخلق, والتكوين, والتسويه للكون بارضه وسمائه, وهو تعالي خالق هذا الكون ومدبره, ربه ومليكه, وياتي ذلك في معرض الاستنكار والاستهجان لكفر الكافرين من الناس بالخالق, المبدع, المهيمن, المسيطر علي الكون, الذي سخر لهم الارض بكل مافيها, وسخر لهم السماوات بما يحفظ الحياه علي الارض ويجعلها ممكنه لهم.
وقال ابن جزي في كتابه المعنون التسهيل في علوم التنزيل الجزء الاول ص43 ما نصه: وهذه الايه:[ خلق لكم ما في الارض جميعا ثم استوي الي السماء...] تقتضي انه( سبحانه) خلق السماء بعد الارض, وقوله( تعالي): والارض بعد ذلك دحاها... ظاهره خلاف ذلك, والجواب من وجهين: احدهما ان الارض خلقت قبل السماء, ودحيت بعد ذلك, فلا تعارض, والاخر تكون ثم لترتيب الاخبار.
وقال ابن كثير:[... والاستواء هنا يتضمن معني القصد والاقبال لانه عدي بالي,( فسواهن) اي فخلق السماء سبعا, والسماء هنا اسم جنس, فلهذا قال:( فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم), اي وعلمه محيط بجميع ما خلق...
ففي هذا دلاله علي انه( تعالي) ابتدا بخلق الارض اولا ثم خلق السماوات سبعا...., وقد صرح المفسرون بذلك كما سنذكره, فاما قوله( تعالي): اانتم اشد خلقا ام السماء بناها, رفع سمكها فسواها, واغطش ليلها واخرج ضحاها, والارض بعد ذلك دحاها, فقد قيل: ان ثم هنا انما هي لعطف الخبر علي الخبر, لا لعطف الفعل علي الفعل...] واضاف ابن كثير( يرحمه الله):[ وقيل ان الدحي كان بعد خلق السماوات والارض رواه علي بن ابي طلحه عن ابن عباس( رضي الله تبارك وتعالي عنهما).
وقال مجاهد في قوله تعالي:( هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا) قال: خلق الله الارض قبل السماء.... فهذه وهذه دالتان علي ان الارض خلقت قبل السماء, وهذا ما لا اعلم فيه نزاعا بين العلماء الا ما نقله ابن جرير عن قتاده انه زعم ان السماء خلقت قبل الارض, وقد توقف في ذلك القرطبي في تفسيره لقوله تعالي:( والارض بعد ذلك دحاها, اخرج منها ماءها ومرعاها, والجبال ارساها) قالوا: فذكر خلق السماء قبل الارض, وفي صحيح البخاري ان ابن عباس سئل عن هذا بعينه, فاجاب بان الارض خلقت قبل السماء, وان الارض انما دحيت بعد خلق السماء, وكذلك اجاب غير واحد من علماء التفسير قديما وحديثا....]
وقال عدد من المفسرين المحدثين ان لفظ خلق في هذه الايه الكريمه[ رقم(29) من سوره البقره] يعني التقدير دون الايجاد, بمعني ان جميع مكونات الارض من نوي العناصر كانت جاهزه في الدخان الكوني الناتج عن عمليه فتق الرتق( الانفجار العظيم), ولو ان كوكب الارض لم يكن قد تم تشكيله بعد, ثم توجهت اراده الله الي السماء وهي دخان فخلق منها سبع سماوات كما خلق الارض, ويتضح ذلك من قوله( تعالي):
قل ائنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وتجعلون له اندادا ذلك رب العالمين, وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها اقواتها في اربعه ايام سواء للسائلين, ثم استوي الي السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين, فقضاهن سبع سماوات في يومين واوحي في كل سماء امرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم( فصلت:9 12).
ويستنتج من هذه الايات الكريمه, ان الارض قد خلقت من السماء الدخانيه علي مراحل اربع متتاليه, بينما تم تشكيل السماء الدخانيه علي هيئه سبع سماوات علي مرحلتين, وتم دحو الارض بمعني تكوين كل من اغلفتها الغازيه, والمائيه, والصخريه بعد ذلك استنادا الي قوله( تعالي):
اانتم اشد خلقا ام السماء بناها, رفع سمكها فسواها, واغطش ليلها واخرج ضحاها, والارض بعد ذلك دحاها, اخرج منها ماءها ومرعاها, والجبال ارساها متاعا لكم ولانعامكم( النازعات:27 33).
وهذه الايات الكريمه جاءت في مقام الاحتجاج علي منكري البعث, فيسالهم ربنا( تبارك وتعالي) هل خلقكم اكبر من خلق السماء التي بنيناها بهذه السعه المبهره, والنظام الدقيق, والانضباط في الحركه, والاحكام في العلاقات, والارتباط بتلك القوي الخفيه, والاشعاعات غير المرئيه التي تتحرك كامر كوني واحد, بسرعات كونيه عظمي لتربط بلايين النجوم والكواكب والكويكبات والاقمار والمذنبات في داخل المجرات, كما تربط مئات البلايين من المجرات مع بعضها البعض في ركن من السماء الدنيا التي لا يستطيع العلم ادراك ابعادها, ولا تحقيق ما فوقها.
واما قوله( تعالي) رفع سمكها فمعناه جعل ارتفاعها عظيما, اشاره الي المسافات الفلكيه المذهله, التي تقدر بعشرات البلايين من السنين الضوئيه.
وقوله( تبارك وتعالي): اغطش ليلها واخرج ضحاها اي اظلم ليلها, وجعله حالك السواد, واخرج ضحاها اي انار نهارها, بخلق النجوم مثل شمسنا وسط ظلام السماء الحالك, فارسلت بضيائها الي ارضنا في وضح النهار فقامت هباءات الغبار, وبخار الماء في الجزء السفلي من الغلاف الغازي للارض بتشتيت ضوء الشمس, واظهاره بهيئه النور الابيض الذي نراه في نهار الارض.
وبعد ذلك تذكر الايات الكريمه انه قد تم دحو الارض, الابتدائيه الي شكلها الحالي باغلفتها المختلفه, والدحو لغه هو المد والبسط والالقاء, وهو كنايه عن الثورانات البركانيه العنيفه التي اخرج بها ربنا( تبارك وتعالي) من جوف الارض كل غلافها الغازي والمائي والصخري.
وهذه كلها مراحل متتاليه في تهيئه الارض لاستقبال الحياه, وقد تمت بعد بناء السماوات السبع من الدخان الكوني الناتج عن عمليه فتق الرتق( الانفجار الكوني العظيم).
علوم الكون وخلق السماوات والارض
من بديع القدره الالهيه, ومن الشهادات الناطقه لله بالوحدانيه المطلقه بغير شريك, ولا شبيه, ولا منازع ان يلتقي الكون في اكبر وحداته مع الكون في ادق دقائقه, فيلتقي علم الكون الحديث
(ModernCosmology)
بعلم الفيزياء الجزئيه او فيزياء الجسيمات الاوليه للماده
(ParticlephysicsOrElementaryParticlePhysics)
فدراسات الجسيمات الاوليه في داخل الذره بدات تعطي ابعادا مبهره لتفهم عمليه خلق الكون, ومراحله المختلفه.
ففي الثلث الاول من القرن العشرين, تساءل علماء الفلك عن مصدر الطاقه في النجوم واقترحوا امكانيه كونها عمليه معاكسه للانشطار النووي
(NuclearFission)
واطلقوا عليها اسم عمليه الاندماج النووي
(NuclearFusion),
وهي عمليه يتم بها اندماج نوي العناصر الخفيفه لتكوين عناصر اعلي في وزنها الذري.
وفي الثلاثينيات اقترح هانز بيته
(HansBethe)
عددا من سلاسل التفاعلات النوويه داخل النجوم, التي تتحد فيها اربع نوي لذرات الايدروجين
(HydrogenNuclei)
لتكون نواه واحده من نوي ذرات الهيليوم
(HeliumNuclei)
وذلك في قلب نجم كشمسنا تصل درجه الحراره فيه الي15 مليون درجه مطلقه, اما في النجوم الاشد حراره من ذلك, فان نوي ذرات الهيليوم تتحد لتكون نوي ذرات الكربون 12, وربما تستمر عمليه الاندماج النووي لتخليق نوي ذرات اعلي وزنا بسلاسل اقوي من التفاعلات النوويه.
وفي سنه1957 م تمت صياغه نظريه تخليق نوي العناصر المختلفه في داخل النجوم
(SynthesisoftheElementsinStars)
بواسطه اربعه من الفلكيين المعاصرين هم: مارجريت وجفري بيربردج, وليام فاولر, فرد هويل بتاريخ اكتوبر سنه1957 م
(MargaretandGeoffreyBurbridge,WilliamA-FowlerandFredHoyle).
وذلك في بحث قدموه الي مجله الفيزياء الحديثه
(ReviewsofModernPhysics,no4.,vol29.,October,1957)
وقد تمكن علماء الفلك من تفسير التوزيع النسبي للعناصر المختلفه في الجزء المدرك من الكون بناء علي هذه النظريه, كما تمكنوا من تفسير تطور الكون المدرك من دخان يغلب علي تركيبه غاز الايدروجين مع قليل من ذرات الهيليوم الي الكون الحالي, الذي يضم في تركيبه اكثر من مائه من العناصر المعروفه والتي تندرج خواصها الطبيعيه والكيميائيه بناء علي ما تحتويه ذره كل منها من اللبنات الاوليه للماده, بحيث تم ترتيبها في جدول دوري حسب اعدادها الذريه, بدءا من اخفها وابسطها بناء( وهو غاز الايدروجين), الي اثقلها واعقدها بناء وهو اللورنسيوم
(Lawrencium,Lw),
وفق نظام محكم دقيق ينبيء بخواص العنصر من موضعه في الجدول الدوري للعناصر.
تخليق العناصر منذ بدايه خلق الكون
يبدو ان تخليق العناصر المختلفه بعمليه الاندماج النووي لنظائر, كل من غازي الايدوجين والهيليوم, قد بدات منذ اللحظات الاولي للانفجار الكوني الكبير( او فتق الرتق), وبدات بتدرج يتفق مع ترتيب العناصر في الجدول الدوري, بمعني ان العناصر الخفيفه بدات في تخلقها قبل العناصر الثقيله, وان العناصر الثقيله لابد انها قد تكونت في داخل النجوم الشديده الحراره من مثل المستعرات وفوق المستعرات(NovaeandSupernovae), او في اثناء انفجارها.
ومن الاكتشافات الحديثه ان الماده
(Matter)
لها اضدادها
(Antimatter)
وان كل جسيم من الجسيمات الاوليه المكونه لذرات المواد له جسم مضاد بنفس الكتله ولكنه يحمل صفات مضاده,
(ParticleandAntiparticle),
وذلك من مثل البروتون واضداد البروتون
(ProtonandAntiproton),
والنيوترون واضداد النيوترون
(NeutronandAntineutron),
والاليكترون وضده او البوزيترون
(ElectronandAnti-electronorPositron),
وان نوي الذرات تتكون من جسيمات دقيقه تسمي الباريونات
(Baryons),
من مثل البروتونات والنيوترونات, وان هذه ايضا لها اضدادها
(Antibaryons),
وهكذا.
وعند التقاء اي جسيم من جسيمات الماده وضده فانهما يفنيان ويتحولان الي طاقه علي هيئه اشعه جاما حسب القانون:
الطاقه الناتجه= الكتله* مربع سرعه الضوء.
وقد ثبت علميا ان الماده واضدادها علي مختلف المستويات قذ خلقت بكميات متساويه عقب عمليه الانفجار الكوني مما يوكد حقيقه الخلق من العدم, وامكان الافناء الي العدم.
وفي سنه1980 م منح كل من جيمس و. كرونين, فال فيتش
(Jamesw.CroninandValFitch)
جائزه نوبل في الفيزياء لاثباتهما بالتجربه القابله للتكرار والاعاده, ان افناء بعض الجسيمات الاوليه للماده بواسطه اضدادها لا يتم بتماثل كامل, ومن هنا كان بقاء الماده في الكون وعدم فنائها بالكامل.
وفي سنه1983 م حصل وليام فاولر
(WilliamA.Fowler)
علي جائزه نوبل في الفيزياء مناصفه مع اخرين لجهوده في تفسير عمليه تخليق نوي ذرات العناصر المختلفه بواسطه الاندماج النووي.
مراحل خلق الكون عند كل
من الفلكيين والفيزيائيين
باستخدام الحسابات التي وظفت فيها الحواسيب العملاقه, تمكن كل من الفلكيين والفيزيائيين المعاصرين من وضع تصور لمراحل خلق الكون علي النحو التالي:
(1) بعد لحظات من عمليه الانفجار الكوني العظيم( تقدر بنحو10 35 من الثانيه), كان بالكون تساو بين الباريونات واضدادها من جهه, وبين فوتونات الضوء
(photons)
من جهه اخري, وكانت الباريونات واضدادها يفني بعضها بعضا منتجه الطاقه التي يعاد منها تخليق الجسيمات الاوليه للماده واضدادها.
وهذه النظريه التي تشير الي تساوي كميات الماده واضدادها في الكون المدرك, توكد ان اختلافا في هذا التساوي لا تتعدي نسبته واحدا في المائه مليون, يمكن ان يفسر غلبه نسبه الماده علي نسبه اضدادها في الكون الراهن, وذلك بتحول نسبه من الفوتونات الناتجه عن افناء الاضداد لبعضها البعض الي باريونات( اللبنات الاوليه المكونه لنوي ذرات العناصر), وتتم هذه العمليه عن طريق انتاج باريون واحد عن كل مائه مليون فوتون, كما يوكد ذلك الخلفيه الاشعاعيه الحاليه للكون المنظور, وبعد فناء اغلب البروتونات واضدادها بدا الكون في الاتساع, ويحتمل وجود كميه من النيوترينوات
(Neutrinos)
باقيه في كوننا المدرك, نظرا لضعف تفاعلها مع اضدادها فلم تفن بالكامل.
(2) بعد مضي ثانيه واحده علي الانفجار الكوني العظيم, تقدر الحسابات النظريه ان كميه الطاقه المتوافره في الكون اصبحت تسمح بتكون جسيمات ادق مثل الاليكترون, الذي يحمل شحنه سالبه وضده البوزيترون الذي يحمل شحنه موجبه
(ElectronandAntielectronorPosifron)
وقد افنت هذه الجسيمات بعضها بعضا, تاركه وراءها محيطا من الاشعاع الحار علي هيئه فوتونات الضوء التي انتشرت في كل الكون, والتي تدرك اثارها اليوم فيما يعرف باسم الخلفيه الاشعاعيه للكون, والتي تشير الي تناقص كل من كثافه الكون ودرجه حرارته باستمرار مع الزمن.
(3) بعد نحو خمس ثوان من عمليه الانفجار الكوني, تشير الحسابات النظريه الي ان درجه حراره الكون انخفضت الي عده بلايين من الدرجات المطلقه, ولم يكن موجودا بالكون سوي عدد من الجسيمات الاوليه لكل من الماده والطاقه من مثل البروتونات
(Protons),
والنيوترونات
(Neutrons),
والاليكترونات
(Electrons),
والنيوترينوات
(Neutrinos),
والفوتونات
(photons).
(4) بعد نحو مائه ثانيه من الانفجار الكوني( فتق الرتق) تقدر الحسابات النظريه, ان درجه حراره الكون قد انخفضت الي نحو البليون درجه مطلقه, فبدات البروتونات والنيوترونات في الاتحاد بعمليه الاندماج النووي لتكون نوي ذرات نظائر كل من الايدروجين والهيليوم والليثيوم علي التوالي.
وتشير كل من الحسابات الرياضيه والتجارب المختبريه, الي ان اول النوي الذريه تكونا كانت نوي ذره نظير الايدروجين الثقيل المعروف باسم ديوتيريوم
(Deuterium),
ثم تلته نوي ذرات نظائر الهيليوم.
(5) بعد دقائق من الانفجار الكوني العظيم, تشير الحسابات النظريه الي ان درجه حراره الكون قد انخفضت الي مائه مليون درجه مطلقه, مما شجع علي الاستمرار في عمليه الاندماج النووي, حتي تم تحويل25% من كتله الكون المدرك الي غاز الهيليوم, وبقيت غالبيه النسبه الباقيه(75%) غاز الايدروجين, وينعكس ذلك علي التركيب الحالي للكون المدرك, الذي لايزال الايدروجين مكونه الاساسي بنسبه تزيد قليلا علي74%, يليه الهيليوم بنسبه تبلغ24%, وباقي المائه وخمسه من العناصر المعروفه تكون اقل من2%.
ولذلك يعتقد الفلكيون المعاصرون ان تخلق العناصر في كوننا المدرك, قد تم علي مرحلتين متتاليتين تكون في الاولي منهما العناصر الخفيفه عقب عمليه الانفجار الكوني مباشره, وتكونت في المرحله الثانيه العناصر الثقيله, بالاضافه الي كميات جديده من معظم العناصر الخفيفه, وذلك في داخل النجوم خاصه الشديده الحراره منها, مثل المستعرات, او في مراحل انفجارها علي هيئه فوق المستعرات.
دعوه قرانيه لاعاده التفكير
http://www.ahram.org.eg/Archive/2001/6/11/825_26M.JPG
سديم ديمبل وبداخله نجوم نجوم في مرحله التخلق
اشرنا في الاسطر السابقه الي ان كلا من الحسابات النظريه في مجالي علمي الفلك والفيزياء, تدعو الي الاعتقاد بان تخلق العناصر المعروفه لنا في الكون قد تم بعمليه الاندماج النووي علي مرحلتين كما يلي:
المرحله الاولي: وقد تكونت فيها العناصر الخفيفه عقب عمليه الانفجار الكوني مباشره.
المرحله الثانيه: وقد تكونت فيها العناصر الثقيله بالاضافه الي كميات جديده من العناصر الخفيفه, ولاتزالان تتكونان في داخل النجوم, وفي مراحل استعارها وانفجارها المختلفه.
ولكن الايه التاسعه والعشرين من سوره البقره تقرر ان الله( تعالي) قد خلق لنا ما في الارض جميعا قبل تسويه السماء الدخانيه الاولي الي سبع سماوات.
ويويد ذلك ما جاء في الايات(9 12) من سوره فصلت, ومعني هذه الايات مجتمعه ان كل العناصر اللازمه للحياه علي الارض, بل ان الارض الابتدائيه ذاتها كانت قد خلقت قبل تمايز السماء الدخانيه الاولي الي سبع سماوات.
فهل يمكن لكل من علماء الفلك, والفيزياء النظريه, والارض المسلمين مراجعه الحسابات الحاليه انطلاقا من هذه الايات القرانيه الكريمه, لاثبات ذلك, فيخلصون الي سبق قراني كوني معجز يثبت المومنين علي ايمانهم, ويكون دعوه مقنعه لغير المسلمين في زمن فتن الناس بالعلم ومعطياته فتنه كبيره؟ كما يكون في ذلك تصحيح للوضع الخاطيء الذي ننتظر فيه قدوم الكشوف العلميه من غير المسلمين حتي ندرك وجودها في كتاب الله او في سنه رسوله( صلي الله عليه وسلم), فندرك الدلاله العلميه لذلك, ونلمح شيئا من الاعجاز فيه!!!
ترتيب خلق السماوات والارض:
سبق ان اشرنا مرارا, الي ان عمليه الخلق( خلق الكون, خلق الحياه وخلق الانسان), هي من الامور الغيبيه التي لا تخضع مباشره لادراك الانسان, كما قال ربنا( تبارك وتعالي) في محكم كتابه:
ما اشهدتهم خلق السماوات والارض ولا خلق انفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا( الكهف:51).
ولكن من رحمه الله( تعالي) انه قد ابقي لنا في صفحه السماء, وفي صخور الارض من الشواهد الحسيه, ما يمكن ان يعيننا علي استقراء ذلك, كما ابقي لنا في محكم كتابه وفي سنه خاتم انبيائه ورسله من الايات والاحاديث, ما يمكن ان يدعم هذا الاستقراء او ان يهذبه.
وفي ذكره لايات خلق السماوات والارض, يقدم القران الكريم السماء/ السماوات علي الارض في الغالبيه العظمي من الايات, التي تشير اليهما, فيما عدا خمس ايات قدم فيها ذكر الارض علي ذكر السماء, وهي علي التوالي, قول الحق( تبارك وتعالي):
(1) الذي جعل لكم الارض فراشا والسماء بناء...( البقره:22)
(2) هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا ثم استوي الي السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم( البقره:29)
(3) تنزيلا ممن خلق الارض والسماوات العلي( طه:4)
(4) الله الذي جعل لكم الارض قرارا والسماء بناء....( غافر:64)
(5) قل ائنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وتجعلون له اندادا ذلك رب العالمين, وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر اقواتها في اربعه ايام سواء للسائلين, ثم استوي الي السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتنا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين, فقضاهن سبع سماوات في يومين واوحي في كل سماء امرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم( فصلت:9 12).
والايتان الاولي والرابعه( البقره:22, غافر:64) هما من الايات الوصفيه التي لا تتعرض لترتيب الخلق, والايه الثالثه( طه:4) جاء الترتيب فيها لموافقه النظم في السوره التي ذكرت فيها السماء قبل الارض بعد ايه واحده.
اما الايه الثانيه( البقره:29) فواضحه الدلاله علي خلق جميع العناصر اللازمه لبناء الارض قبل خلق السماوات السبع, وذلك لانه من الثابت علميا والراجح منطقيا ان خلق العناصر سابق علي خلق الارض وخلق جميع اجرام السماء, وان خلق الوحدات الكونيه الكبري كالسدم والمجرات سابق علي ما يتخلق بداخلها من نجوم وتوابع تلك النجوم, من الكواكب والكويكبات, والاقمار والمذنبات.
واما الايات الخامسه( فصلت:9 12) فتشير الي ان خلق الارض الابتدائيه كان سابقا علي تمايز السماء الدخانيه الاولي الي سبع سماوات, وان دحو الارض الابتدائيه( بمعني تكون اغلفتها الغازيه والمائيه والصخريه) جاء بعد ذلك, ويدعم هذا الاستنتاج ما جاء في سوره( النازعات) من قول الحق( تبارك وتعالي):
اانتم اشد خلقا ام السماء بناها, رفع سمكها فسواها, واغطش ليلها واخرج ضحاها, والارض بعد ذلك دحاها, اخرج منها ماءها ومرعاها, والجبال ارساها متاعا لكم ولانعامكم( النازعات:27 33).
وفي الايات(9 12) من سوره فصلت, يخبرنا ربنا( تبارك وتعالي) بانه قد خلق الارض في يومين( اي علي مرحلتين), وجعل لها رواسي, وبارك فيها, وقدر فيها اقواتها في اربعه ايام( اي اربع مراحل), ثم خلق السماوات في يومين( اي مرحلتين), وهو القادر علي ان يقول للشيء كن فيكون, ولكن هذا التدرج كان لحكمه موداها ان يفهم الانسان سنن الله في الخلق.
وقد يلتبس علي القاريء لاول وهله, ان خلق الارض وحدها قد استغرق سته ايام( اي ست مراحل), وان خلق السماء قد استغرق يومين( اي مرحلتين), فيكون خلق السماوات والارض قد استغرق ثمانيه ايام( ثماني مراحل), والايات القرانيه التي توكد خلق السماوات والارض في سته ايام( اي ست مراحل) عديده جدا, ولكن الايات من سوره( فصلت) تشير الي ان يومي خلق الارض, هما يوما خلق السماوات السبع, وذلك لان الامر الالهي كان للسماء وللارض معا, لقول الحق( تبارك وتعالي): ثم استوي الي السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين( فصلت:11), وان كان بعض المفسرين يرون خلاف ذلك, الا ان غالبيتهم تري ان حرف العطف ثم لايدل هنا علي الترتيب والتراخي, ولكنه يدل علي بعد عمليه الاستواء والتسويه للسماوات السبع من السماء الدخانيه الاولي, لان من معاني ثم= هناك, وهو اشاره للبعيد بمنزله هنا للقريب.
وعلي ايه حال, فاذا كان الزمان والمكان مقيدين لنا في هذه الحياه الدنيا, فان الله( تعالي) هو مبدع كل من الزمان والمكان وخالقهما, وهو( تعالي) بالقطع فوق قيودهما.
وعلماء الفيزياء الفلكيه يقولون ان الذي يتحكم في سلوك الجرم السماوي, هو كم الماده والطاقه التي ينفصل بهما هذا الجرم عن غلاله الدخان الكوني, فالذي يجعل الارض كوكبا ذا قشره صلبه, له غلاف غازي, وغلاف مائي يجعلانها صالحه للعمران, هو كتله الماده وكم الطاقه التي انفصلت بهما عن الشمس او عن السديم الذي تكونت منه الشمس وكواكبها, والامر الذي يجعل القمر تابعا صغيرا, ليس له غلاف غازي ولا غلاف مائي, وغير صالح لحياه شبيهه بحياتنا الارضيه, هو الكتله التي انفصل بها, والذي يجعل الشمس نجما مضيئا, متوهجا بذاته هي الكتله, وهكذا.
والسوال الذي يفرض نفسه هو: من الذي قدر تلك الكتل؟ والجواب المنطقي الوحيد هو: الله خالق الكون, ومبدع الوجود...!!!
ونعود مره اخري, الي تلك الايه القرانيه المبهره التي بدانا بها, والتي يقول فيها الحق( تبارك وتعالي):
هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا ثم استوي الي السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم( البقره:29).
ونتساءل: هل من علماء الكون والفيزياء النظريه المسلمين, من يمكنه ان ينطلق من هذه الايه القرانيه الكريمه ليثبت سبق القران الكريم بالاشاره الي حقيقه خلق جميع العناصر اللازمه للحياه علي الارض, قبل تسويه السماء الدخانيه الاولي الي سبع سماوات؟ في وقت يجمع فيه اهل هذا الاختصاص علي ان العناصر الثقيله في الكون لم تتخلق الا في داخل النجوم؟ هذا موقف تحد عظيم ارجو ان يتقدم له قريبا احد علماء المسلمين في هذا الاختصاص.
-
الاشارات الكونيه في القران الكريم ومغزي دلالتها العلميه
5 الله الذي خلق سبع سماوات ومن الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن لتعلموا ان الله علي كل شيء قدير وان الله قد احاط بكل شيء علما
بقلم الدكتور:زغلول النجار
نزلت رساله الله الخالق( سبحانه وتعالي) علي فتره من الرسل, وتكاملت في بعثه النبي الخاتم, والرسول الخاتم, سيد الاولين والاخرين من بني ادم, سيدنا محمد بن عبدالله( صلي الله عليه وسلم), الذي حفظت رسالته باللغه نفسها التي اوحيت بها اللغه العربيه حفظا كاملا( كلمه كلمه, وحرفا حرفا) تحقيقا للوعد الالهي الذي قطعه ربنا( تبارك وتعالي) علي ذاته العليه فقال( عز من قائل): انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون( الحجر:9).
نزلت رساله الله الخالق( سبحانه وتعالي) علي فتره من الرسل, وتكاملت في بعثه النبي الخاتم, والرسول الخاتم, سيد الاولين والاخرين من بني ادم, سيدنا محمد بن عبدالله( صلي الله عليه وسلم), الذي حفظت رسالته باللغه نفسها التي اوحيت بها اللغه العربيه حفظا كاملا( كلمه كلمه, وحرفا حرفا) تحقيقا للوعد الالهي الذي قطعه ربنا( تبارك وتعالي) علي ذاته العليه فقال( عز من قائل): انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون( الحجر:9).
وعلي ذلك فان كل ما جاء بالقران الكريم هو حق مطلق, وقد جاء في هذا الذكر الحكيم المحفوظ بحفظ الله تاكيد حقيقه السماوات السبعوالارضين السبع, ولما كانت قدرات الانسان قاصره عن ادراك سوي جزء يسير من السماء الدنيا وجزء ايسر من قشره الارض, وان هذا الجزء من السماء الدنيا الذي ادركه علماء الفلك علي ضخامه ابعاده دائم الاتساع, بمعني انه كلما طور الانسان اجهزته وجد هذا الجزء المدرك من الكون قد تضاعفت ابعاده الي حدود لا تصلها اجهزه الانسان ولا حواسه, فقد حار غير المومنين بهذا الدين الخاتم في قبول الحقيقه القاطعه بان فوقنا سبعسماوات طباقا, وليست سماء واحده, وان تحتنا سبعا من الارضين, كلها في داخل ارضنا التي نحيا علي سطحها, وذلك لان الانسان في عصر العلم والتقنيه الذي نعيشه لم يستطع باجهزه الحفر العملاقه التي بناها ان يصل الي اكثر من واحد علي خمسمائه من نصف قطر الارض( فقد وصلت اعمق بئر حفرها الانسان الي عمق لم يتعد الاثني عشر كيلو مترا الا قليلا, واذا قورن ذلك بنصف قطر الارض المقدر باكثر من6370 كيلو مترا لاتضحت ضاله الجزء المحفور في قشره الارض).
من هنا حاول بعض الكتاب الهروب من التسليم بتلك الحقيقه القرانيه القاطعه بالقول بان العرب كانوا قد اعتادوا استخدام الرقمين7 و70 لما يفيد بالتعدد والكثره لا الحصر, وقد قبل عدد من رجال التفسير ذلك فقالوا ان الاشاره القرانيه الكريمه الي السماوات والارضين السبع; معناها عده سماوات وعده ارضين, دون تحديد, وذلك استنادا الي اشاره قرانيه اخري يقول فيها ربنا( تبارك وتعالي) مخاطبا خاتم انبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم) بخصوص عدد من المنافقين:
استغفر لهم او لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مره فلن يغفر الله لهم ذلك بانهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين( سوره التوبه: الايه80).
ووجه المقارنه هنا بعيد بعد المشرقين, لانه لا وجه للتاكيد او المبالغه في تقرير حقيقه من حقائق الكون بوصف السماوات والارضين بانهن سبعا, كما هو الحال في تاكيد عدم قبول الاستغفار للمنافقين من الكفار والمشركين.
فما حقيقه السماوات السبع والارضين السبع في دين الله, كما قررها القران الكريم والسنه النبويه المطهره; وهل استطاع العلم المكتسب من النظر في السماوات والارض ان يصل الي شيء من تلك الحقيقه؟
السماوات السبع والارضين السبع في القران الكريم
http://www.ahram.org.eg/Archive/2001/6/18/832_25M.JPG
الارضون السبع كلها في ارضنا
جاء ذكر السماوات السبع في القران الكريم في سبع ايات يقول فيها ربنا( تبارك وتعالي):
1 تسبح له السماوات السبع والارض ومن فيهن وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم انه كان حليما غفورا( الاسراء:44).
2 قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم( المومنون:86).
3 فقضاهن سبع سماوات في يومين واوحي في كل سماء امرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم( فصلت:12).
4 الله الذي خلق سبع سماوات ومن الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن لتعلموا ان الله علي كل شيء قدير وان الله قد احاط بكل شيء علما( الطلاق:12).
5 الذي خلق سبع سماوات طباقا ما تري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور( الملك:3).
6 الم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا, وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا( نوح:15 16).
7 وبنينا فوقكم سبعا شدادا( النبا:12).
كذلك جاءت الاشاره القرانيه الي سبع طرائق في ايه واحده اعتبرها عدد من المفسرين اشاره الي السماوات السبع, وان كان الاشتقاق اللفظي يحتمل معني اخر, والايه الكريمه يقول فيها ربنا( تبارك وتعالي):
ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين( المومنون:17).
هذا التكرار القراني في الاشاره الي سبع سماوات, في سبع ايات( وهو امر معجز في حد ذاته), لابد ان يكون القصد منه هو التحديد والحصر, لا مجرد التعبير عن التعدد والكثره والله تعالي اعلم بما خلق كذلك فان الاشاره في ختام سوره الطلاق بمثليه الارض الي السماوات في قول الحق( تبارك وتعالي):
الله الذي خلق سبع سماوات ومن الارض مثلهن...
تاكيد ان الارض سبع متطابقه كما ان السماوات سبع متطابقه.
اراء المفسرين
في السماوات والارضين السبع:
في شرح هذه الايه الكريمه في ختام سوره الطلاق ذكر ابن كثير( يرحمه الله): ان الله تعالي يقول مخبرا عن قدرته التامه, وسلطانه العظيم, ليكون ذلك باعثا علي تعظيم ما شرع من الدين القويم:( الله الذي خلق سبع سماوات) كقوله تعالي: الم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا, وقوله تعالي: ومن الارض مثلهن اي سبعا ايضا.
كما ثبت في الصحيحين قول المصطفي( صلي الله عليه وسلم): من ظلم قيد شبر من الارض طوقه من سبع ارضين, وفي صحيح البخاري: خسف به الي سبع ارضين.
هذا, وقد ورد ذكر السماوات السبع والارضين السبع في عدد غير قليل من احاديث رسول الله( صلي الله عليه وسلم) منها قوله الشريف: ما السماوات السبع وما فيهن وما بينهن, والارضون السبع وما فيهن وما بينهن في الكرسي الا كحلقه ملقاه بارض فلاه.
والواضح انه لا خلاف بين العلماء علي ان السماوات سبع, واما الارض فاختلف فيها فقيل: انها سبع ارضين لظاهر الايه( رقم12 من سوره الطلاق) والحديثين الشريفين اللذين سبقت الاشاره اليهما, وقيل انها ارض واحده, وان المماثله ليست في العدد وانما هي في الخلق والابداع, اي مثلهن في الابداع والاحكام. اما صاحب الظلال( يرحمه الله) فقد ذكر ان السماوات السبع لا علم لنا بحقيقه مدلولها, وابعادها, ومساحاتها, وكذلك الاراضي السبع, فقد تكون ارضنا هذه التي نعرفها واحده منهن, والباقيات في علم الله, وقد يكون معني مثلهن ان هذه الارض من جنس السماوات فهي مثلهن في تركيبها وخصائصها, وعلي ايه حال فلا ضروره لمحاوله تطبيق هذه النصوص علي ما يصل اليه علمنا, لان علمنا لا يحيط بالكون, حتي نقول علي وجه التحقيق: هذا ما يريده القران, ولن يصح ان نقول هكذا الي يوم يعلم الانسان تركيب الكون كله علما يقينيا... وهيهات...!
ما نراه في السماوات السبع والارضين السبع
اننا في زمن العلم والتقنيه الذي نعيشه لا ندرك من السماوات السبع التي اخبرنا بها ربنا( تبارك وتعالي), واخبر بها خاتم انبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم) الا جزءا محدودا من السماء الدنيا التي خصها الخالق( سبحانه) بالنجوم والكواكب, والنجوم هي وسيله الانسان للتعرف علي الجزء المدرك من الكون, وفي ذلك يقول الحق( تبارك وتعالي):... وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم( فصلت:12).
ويقول( عز من قائل):
ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين واعتدنا لهم عذاب السعير( الملك:5).
ويقول( جل وعلا):
افلم ينظروا الي السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج( ق:6).
ويقول( سبحانه وتعالي):
انا زينا السماء الدنيا بزينه الكواكب( الصافات:6).
وذكر السماء في هذه الايات المباركه بالافراد, وتخصيصها بالزينه الموصوفه بالنجوم والكواكب, وتحديدها بوصف السماء الدنيا, يوكد حقيقه السماوات السبع, وعدم التخصيص باضافه وصف الدنيا الي السماء في الايه السادسه من سوره ق استعيض عنه بالسوال افلم ينظروا لان السماء الدنيا هي السماء الوحيده التي يمكن للانسان ان ينظر اليها.
اما بالنسبه للسماوات الست الباقيه فلولا ان الله( تعالي) قد اخبرنا عنها في محكم كتابه, وان خاتم انبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم) قد ارتادها في ليله الاسراء والمعراج, واخبرنا عنها في العديد من احاديثه, ما كان في وسع الانسان ان يصل الي خبرها, وكل ما نفهمه من وصف القران الكريم لها انها متطابقه مع السماء الدنيا, ومحيطه بها احاطه كامله, انطلاقا من قول الحق( تبارك وتعالي):
الذي خلق سبع سماوات طباقا...
(الملك:3).
وقوله( عز من قائل):
الم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا. وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا( نوح:15 و16).
ويتضح من هاتين الايتين الكريمتين ان السماوات السبع متطابقه حول مركز واحد, يغلف الخارج منها الداخل, والا ما كان جميع ما في السماء الدنيا واقعا في داخل باقي السماوات, فيكون كل من القمر والشمس وهما من اجرام السماء الدنيا واقعين في جميع السماوات السبع.
والقران الكريم يصف الحركه في السماء الواحده وفي السماوات السبع بالعروج, والعروج لغه هو سير الجسم في خط منعطف منحن, وقد ثبت علميا ان حركه الاجسام في الجزء المدرك من الكون لا يمكن ان تكون في خطوط مستقيمه, بل لابد لها من الانحناء نظرا لانتشار الماده والطاقه في كل الكون, وتاثير كل من جاذبيه الماده( باشكالها المختلفه) والمجالات المغناطيسيه للطاقه( بصورها المتعدده) علي حركه الاجسام في الجزء المدرك من الكون. وسبحان القائل:
ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون..( الحجر:14).
والقائل:
يدبر الامر من السماء الي الارض ثم يعرج اليه في يوم كان مقداره الف سنه مما تعدون( السجده:5)
والقائل: يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور( سبا:2).
وفي مطلع القرن العشرين اثبتت الدراسات الفلكيه والفيزيائيه تحدب الجزء المدرك من الكون, وتحدب كل من المكان والزمان( وهما امران متواصلان), فان فرضنا جدلا امكان تحرك الانسان حول الجزء المدرك من السماء الدنيا( وهذا مستحيل في حدود الامكانات المتاحه اليوم لضخامه هذا الجزء من الكون, وقصر عمر الانسان وقصور امكاناته في زمن الانفجار العلمي والتقني الذي نعيشه) في اتجاه محدد فانه لابد ان يعود الي النقطه نفسها التي بدا منها, وهذا مما يثبت كرويه السماء الدنيا, ولما كانت السماوات السبع متطابقه بنص القران الكريم, فلابد ان تكون كلها كرويه بالهيئه نفسها وحول مركز واحد.
واذا كان الانسان قد توصل الي تحقيق سرعه الافلات من جاذبيه الارض فارتاد الفضاء, فان سرعه الافلات من الجزء المدرك من السماء الدنيا لا تطيقها القدره الانسانيه, ولا يمكن منها قصر عمر الانسان, وعليه فلا يمكن للانسان الخروج عن السماء الدنيا الا باذن الله.
اما بالنسبه لكل من الملائكه وقد خلقوا من نور, والجن وقد خلقوا من نار, فالامر مختلف تماما, لان الله( تعالي) قد اعطي كلا منهما من القدره علي الحركه في الكون بالقدر الذي يتواءم مع دوره فيه, وهي قدرات لا تطيقها الطبيعه البشريه المحبوسه في قوالب الطين, فاذا انطلقت الروح من عقال الطين وهي من امر الله زادت سرعاتها الحركيه في كون الله الخالق زياده فائقه لقوله( تعالي):
من الله ذي المعارج, تعرج الملائكه والروح اليه في يوم كان مقداره خمسين الف سنه( المعارج:3 و4).
من ذلك يتضح ان القران الكريم يوكد حقيقه ان السماوات سبعا متطابقه, يغلف الخارج منها الداخل, وانها جميعا قد تمايزت عن السماء الدخانيه الاولي في بدء خلق الكون, وان الارضين سبع متطابقه كذلك يغلف الخارج منها الداخل, وانها قد تمايزت عن الارض الابتدائيه, وعلي ذلك فانها كلها في ارضنا التي نحيا عليها, ويوكد هذا الاستنتاج ختام سوره الطلاق( الايه رقم12), كما يوكده ذكر الارض بالافراد دوما في كتاب الله, بينما ذكرت السماوات بالافراد والجمع لاننا لا نري من فوق هذه الارض الا جزءا من السماء الدنيا, ولا سبيل الي تعرفنا علي السماوات الاخري الا باخبار من الله ورسوله( صلي الله عليه وسلم), بينما يعلم ربنا بعلمه المحيط ان الانسان سوف يصل في يوم من الايام الي ادراك الارضين السبعتحت اقدامه, فاكتفي ربنا( تبارك وتعالي) بذكرها في محكم كتابه بالافراد في اربعمائه وواحد وستين موضعا, وبالاشاره الي مثليتها بالسماوات السبع في العدد والتطابق حول مركز واحد كما جاء في ختام سوره الطلاق.
السماوات السبع في علوم الكون
يقدر قطر الجزء المدرك من الكون باكثر من عشرين الف مليون( اي عشرين بليونا) من السنين الضوئيه, وتقدر السنه الضوئيه بنحو9.5 مليون مليون( تريليون) كيلو متر.
وهذا الجزء المدرك من الكون مستمر في الاتساع منذ لحظه الخلق الاولي للكون والي ان يشاء الله, وذلك بمعدلات فائقه تتباعد بها المجرات عن مجرتنا( درب اللبانه) وعن بعضها البعض بسرعات تكاد تقترب احيانا من سرعه الضوء( المقدره بنحو ثلاثمائه الف كيلو متر في الثانيه), وعلي ذلك فاننا كلما طورنا من اجهزه الرصد والقياس, وجدنا هذا الجزء من اطراف الكون المدرك قد تباعد واختفي عن ادراكنا, ولذا فان الانسان سوف يظل محصورا في حيز محدد من السماء الدنيا, ولا سبيل له الي معرفه ما فوق ذلك الا ببيان من الله.
ويحصي علماء الفلك بالجزء المدرك من الكون مائتي الف مليون مجره من امثال مجرتنا( درب اللبانه), بعضها اكبر كثيرا, وبعضها اصغر قليلا منها, ومجرتنا علي هيئه قرص مفلطح يبلغ قطره مائه الف سنه ضوئيه, ويبلغ سمكه عشر هذه القيمه( اي عشره الاف من السنين الضوئيه).
وتتخذ المجرات اشكالا متعدده: فمنها ما يبدو حلزوني الشكل, ومنها ما يبدو علي هيئه شبه الكره الي بيضاوي الشكل, ومنها ما هو غير منتظم الشكل, والمجرات شبه الكرويه البيضاويه تمثل ثلث المجرات المعروفه لنا تقريبا, وبعضها من العماليق, وبعضها دون ذلك, وبعضها يستطيل استطاله ملحوظه.
اما المجرات الحلزونيه فتمثل اكثر المجرات اضاءه في الجزء المدرك من الكون, وتمثل الاغلبيه في اعداد كبيره من التجمعات المجريه, وتحتوي الواحده من تلك المجرات الحلزونيه علي عدد من النجوم يتراوح بين البليون( الالف مليون) والتريليون( الالف بليون اي المليون مليون).
ويحصي علماء الفلك ان بمجرتنا( سكه التبانه او درب اللبانه او الطريق اللبني)
(MilkyWay)
نحو التريليون نجم كشمسنا( الف بليون او مليون مليون نجم), وكما ان لشمسنا توابع فبالقياس لابد ان يكون لكل نجم من تلك النجوم توابع.
ويقدر علماء الفلك ان مركز مجرتنا عباره عن ثقب اسود
(BlackHole)
او اكثر من ثقب اسود واحد, بكتله تقدر بمئات الي الاف مرات كتله الشمس.
وتوجد اغلب المجرات في مجموعات او تجمعات تعرف باسم التجمعات المجريه
(GalacticGroups,GalacticClustersorClustersofGalaxies)
ويتراوح عدد المجرات في مثل هذه التجمعات من العشرات الي عشرات الالاف, ويحصي علماء الفلك الافا من مثل هذه التجمعات في الجزء المدرك من الكون, وهناك تجمعات للتجمعات المجريه تعرف باسم التجمعات العظمي للمجرات
(GalacticSuperclusters),
والتجمع الاعظم الذي تنتمي اليه مجرتنا يضم اكثر من مائه تجمع مجري علي هيئه قرص مفلطح يبلغ قطره مائه مليون من السنين الضوئيه, وسمكه عشره ملايين من السنين الضوئيه, علي هيئه مشابهه لشكل مجرتنا( درب اللبانه) وبابعاد مضاعفه الف مره.
وقد اكتشف اخيرا مائه من تجمعات المجرات في حيز عظيم, يبلغ طول قطره بليونا ونصف البليون من السنين الضوئيه, وطول اقل ابعاده مائتا مليون من تلك السنين الضوئيه.
ويري بعض الفلكيين وجود تجمعات اعلي من التجمعات العظمي للمجرات الي نهايه لا يعلمها الا الله.
وقد اكتشف الفلكيون في سنه1987 م ظاهره تعرف باسم اقواس المجرات
(GalacticArcs),
واتضح ان هذه الاقواس العملاقه تنتج عما يعرف باسم التكدس التجاذبي علي هيئه عدد من العدسات
(GravitationalLensing),
وتنتج عن انحناء الضوء في حقل من حقول الجاذبيه الشديده.
وتبدو المجرات عاده بهيئه كرويه كفقاعه الهواء, ولكن بالنظر اليها في قطاع من قطاعاتها فانها تبدو كجدار عظيم ابعاده تقدر بنحو150 مليونا*100 مليون*15 مليونا من السنين الضوئيه, ويبدو اضخم تلك القطاعات بطول يزيد علي250 مليون سنه ضوئيه(250 مليونا*9.5 تريليون كيلو متر) ويعرف عند الفلكيين باسم الحائط العظيم
(TheGreatWall),
واين يقع هذا الحائط الكوني العظيم من السماء الدنيا, والسماوات السبع؟ غيب لا يعلمه الا الله, وكل ما نستطيع استنتاجه من بعض ايات القران الكريم ومن بعض احاديث المصطفي( صلي الله عليه وسلم) ان كل ما نشاهده في الكون المدرك هو جزء محدود من السماء الدنيا, وصدق الله العظيم الذي انزل من قبل الف واربعمائه سنه قوله الحق:
...وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم( فصلت:12).
وقوله( عز من قائل):
لخلق السماوات والارض اكبر من خلق الناس ولكن اكثر الناس لا يعلمون
(غافر:57).
وهنا يقف العلم البشري وهو في قمه من قممه عاجزا كل العجز عن ادراك حدود السماء الدنيا, فضلا عما فوقها, وعاجزا كل العجز عن اثبات او نفي وجود سماوات فوق السماء الدنيا, لقصور قدراته, وقصور عمره عن ذلك, وهنا تتضح ضروره وحي السماء لا في امور الدين وضوابطه من عقيده وعباده واخلاق ومعاملات فحسب ولكن في قضيه من اهم قضايا الوجود وهي قضيه خلق السماوات والارض, وتعدد السماوات والارضين, وهنا ايضا يتميز موقف المسلم الذي امن بالله وملائكته وكتبه ورسله,واليوم الاخر دون ان يري شيئا من ذلك الحق. لان الله تعالي قد تعهد بحفظ دينه في القران الكريم, وفي سنه النبي الخاتم والرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم), وانزل في هذا الوحي الخاتم قوله الحق: الله الذي خلق سبع سماوات ومن الارض مثلهن فيومن المسلم بصدق اخبار الله عن السماوات السبع دون ان يراها هو, لانه يومن بان القران الكريم هو كلام الله الخالق, ومن ادري بالخلق من الله؟ ويومن المسلم بان سيدنا ونبينا محمدا( صلي الله عليه وسلم) هو خاتم انبياء الله ورسله, وانه( صلي الله عليه وسلم) كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السماوات والارض, وانه( صلي الله عليه وسلم) قد وصفه ربه بالقول الحق:
وما ينطق عن الهوي, ان هو الا وحي يوحي, علمه شديد القوي( النجم:3 5).
فاذا وصلنا عن الله( تعالي) او عن رسوله( صلي الله عليه وسلم) خبر من الاخبار, او امر من الاوامر فلا نملك حياله الا التسليم التام, والخضوع الكامل, خاصه اذا كان هذا الخبر عن عوالم الغيب, او كان الامر من امور العقيده او العباده او ضوابط الاخلاق والسلوك او احكام المعاملات, وهي امور لا يمكن للانسان ان يضع لنفسه بنفسه فيها تصورا صحيحا...!!!
الارضون السبع في العلوم المكتسبه
الارض هي احد كواكب المجموعه الشمسيه التسعه, وهي الثالثه بعدا عن الشمس, وتفصلها عنها مسافه تقدر بنحو مائه وخمسين مليونا من الكيلو مترات, والارض عباره عن كوكب شبه كروي, له غلاف صخري, وتتلخص ابعاده في النقاط التاليه:
متوسط نصف قطر الارض=6371 كيلو مترا.
متوسط قطر الارض=12742 كيلو مترا.
متوسط محيط الارض=40042 كيلو مترا.
مساحه سطح الارض=510 ملايين كيلو مترا مربعا.
حجم الارض=108 ملايين كيلو مترا مكعبا.
متوسط كثافه الارض=5,52 جم/سم3.
كتله الارض=6000 مليون مليون مليون طنا.
مساحه اليابسه=148 مليون كيلو مترا مربعا.
مساحه المسطحات المائيه=362 مليون كيلو مترا مربعا.
اعلي ارتفاع علي اليابسه=8848 مترا.
متوسط ارتفاع اليابسه=840 مترا.
متوسط اعماق المحيطات=3729 مترا.
اعمق اعماق المحيطات=11033 مترا.
ولما كانت اعمق عمليات الحفر التي قام بها الانسان في الارض لم تتجاوز بعد عمق12 كم اي اقل من(1 علي500 من نصف قطر الارض) فان الانسان لم يستطع التعرف علي التركيب الداخلي للارض بطريقه مباشره نظرا لابعادها الكبيره, ومحدوديه قدرات الانسان امام تلك الابعاد, ولكن بدراسه الموجات الزلزاليه وبعض الخواص الطبيعيه والكيميائيه لعناصر الارض تمكن الانسان من الوصول الي عدد من الاستنتاجات غير المباشره عن التركيب الداخلي للارض التي من اهمها:
1 ان للارض نواه صلبه عباره عن كره مصمطه من الحديد وبعض النيكل, مع قليل من عناصر اخف مثل الكبريت والفوسفور والكربون او السيليكون, ويبلغ قطر هذه النواه2400 كيلو متر تقريبا, وتعرف باسم لب الارض الصلب.
2 يلي هذا اللب الصلب الي الخارج نطاق له التركيب الكيميائي نفسه تقريبا ولكنه منصهر( يتكون من الحديد وبعض النيكل المنصهرين مع قليل من العناصر الخفيفه), ويعرف باسم لب الارض السائل ويبلغ سمكه نحو الفي كيلو متر.
ويوجد بين لبي الارض الصلب والسائل منطقه انتقاليه يبلغ سمكها450 كيلو مترا.
3 يلي لب الارض السائل الي الخارج نطاق يعرف باسم وشاح الارض ويبلغ سمكه نحو2765 كيلو مترا( من عمق120 كم الي عمق2885 كم تحت سطح الارض), ويفصله الي ثلاثه نطق مميزه, مستويان من مستويات انقطاع الموجات الاهتزازيه الناتجه عن الزلازل, يقع احدهما عند عمق400 كيلو متر من سطح الارض, بينما يقع الاخر علي عمق670 كيلو متر من سطح الارض, ويستخدم هذان المستويان في تقسيم وشاح الارض الي وشاح سفلي ومتوسط وعلوي( من عمق1885 كم الي عمق670 كم, ومن670 كم الي400 كم, ومن عمق400 كم الي عمق120 كم, ويضم هذان النطاقان فيما يعرف عاده باسم نطاق الضعف الارضي.
4 يلي وشاح الارض الي الخارج الغلاف الصخري للارض ويصل سمكه الي65 كيلو مترا تحت قيعان المحيطات والي120 كيلو مترا تحت القارات, ويقسمه خط الانقطاع الاهتزازي المسمي باسم الموهو(Moho) الي قشره الارض ويتراوح سمكها بين5 8 كيلو مترات تحت قيعان المحيطات, وبين20 80 كيلو مترا تحت القارات( بمتوسط35 كم).
وتقسم هذه النطق الداخليه للارض حسب تركيبها الكيميائي او حسب صفاتها الميكانيكيه باختلافات طفيفه بين العلماء, ولكن من الواضح انه يمكن جمعها في سبعه نطق متتاليه من الخارج الي الداخل كما هو مبين بالشكل المرفق.
فهل يمكن ان تكون هذه النطق هي المقصوده بالسبعارضين؟ فتكون هذه الارضون السبع كلها في ارضنا نحن, وتكون متطابقه كما ان السماوات السبعمتطابقه في نطق متتاليه حول مركز واحد يغلف الخارج منها الداخل؟ هذا ما اراه متطابقا مع قول الحق( تبارك وتعالي):
الله الذي خلق سبع سماوات ومن الارض مثلهن...( الطلاق:12).
وقوله( عز من قائل):
الذي خلق سبع سماوات طباقا...
(الملك:3).
وقوله( سبحانه):
الم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا, وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا( نوح:15 و16).
وهذا ما اراه ايضا متطابقا مع حديث المصطفي( صلي الله عليه وسلم) الذي يروي عنه انه قال فيه: من ظلم قيد شبر من الارض طوقه من سبع ارضين وجاء في صحيح البخاري قوله( صلي الله عليه وسلم): خسف به الي سبع ارضين.
واراه متطابقا كذلك مع المعطيات الكليه لعلوم الارض والفيزياء الارضيه, مع اختلافات طفيفه بين العلماء في تحديد الفواصل بين تلك الارضين, فهلا نهض من ابناء المسلمين من يحسم تلك الخلافات القياسيه, ويثبت سبق القران الكريم وسبق احاديث المصطفي( صلي الله عليه وسلم) بالاشاره الي احدي حقائق الارض الرئيسيه التي لم يدرك الانسان طرفا منها الا في اوائل القرن العشرين, ولم يحسمها بعد, ونحن في بدايات القرن الحادي والعشرين, وسوف يكون ذلك انتصارا للعلم وللدين الخاتم معا, في زمن فتن الناس فيه بالعلم ومعطياته فتنه كبيره, وتركوا الدين وراء ظهورهم منسيا, فضلوا ضلالا بعيدا, وشقوا واشقوا غيرهم من خلق الله...!! فهل من مجيب؟ اللهم قد بلغت, اللهم فاشهد وانت خير الشاهدين...!!!
-
الاشارات الكونيه في القران الكريم ومغزي دلالتها العلميه
6 ان ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في سته ايام ثم استوي علي العرش* الاعراف:54*
جاءت الاشاره الي خلق السماوات والارض في سته ايام في ثماني ايات قرانيه كريمه يقول فيها ربنا( تبارك وتعالي):
1 ان ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في سته ايام ثم استوي علي العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بامره الا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين.( الاعراف:54)
2 ان ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في سته ايام ثم استوي علي العرش يدبر الامر ما من شفيع الا من بعد اذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه افلا تذكرون( يونس:3)
3 وهو الذي خلق السماوات والارض في سته ايام وكان عرشه علي الماء ليبلوكم ايكم احسن عملا..( هود:7)
4 الذي خلق السماوات والارض وما بينهما في سته ايام ثم استوي علي العرش الرحمن فاسال به خبيرا( الفرقان:59)
5 الله الذي خلق السماوات والارض وما بينهما في سته ايام ثم استوي علي العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع افلا تتذكرون( السجده:4)
6 قل ائنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وتجعلون له اندادا ذلك رب العالمين, وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها اقواتها في اربعه ايام سواء للسائلين, ثم استوي الي السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين, فقضاهن سبع سماوات في يومين واوحي في كل سماء امرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم
(فصلت:9 12)
7 ولقد خلقنا السماوات والارض وما بينهما في سته ايام وما مسنا من لغوب
(ق:38)
8 هو الذي خلق السماوات والارض في سته ايام ثم استوي علي العرش يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء ومايعرج فيها وهو معكم اينما كنتم والله بما تعملون بصير.( الحديد:4)
وقد اتفق جمهور المفسرين علي ان ايام خلق السماوات والارض السته هي ست مراحل, او وقائع, او اطوار, او احداث كونيه متتابعه, لايعرف مداها الا الله تعالي, وانها لايمكن ان تكون من ايام الارض, لان الارض لم تكن قد خلقت بعد, ولذلك لم توصف ايام خلق السماوات والارض بالوصف القراني مما تعدون الذي جاء في ايات اخري عديده بمعني اليوم الارضي.
مدلول لفظه اليوم في القران الكريم
وردت لفظه يوم بمشتقاتها في القران الكريم475 مره, منها349 مره بلفظ اليوم,16 مره بلفظ يوما ومجموعهما365 مره( وهو نفس عدد ايام السنه في زماننا), كذلك جاءت التعبيرات القرانيه يومكم, يومهم, يومين, ايام, واياما109 مرات لتحديد وقائع محدده, او عددا محددا من الايام, كما جاء التعبيران يومئذ, ويومئذ لتحديد وقت معين.
وفي اللغه العربيه يقال يوم( وجمعه ايام) ليعبر به عن الفتره من طلوع الشمس الي غروبها, اي فتره النور بين ليلين متتاليين, وقد يعبر به عن النهار والليل معا( او مايعرف باليوم الكامل او بيوم الارض الشمسي) وهو الفتره التي تتم فيها الارض دوره كامله حول محورها امام الشمس, او بالفتره الزمنيه بين شروقين متتاليين او بين غروبين متتاليين للشمس ويساوي اربعا وعشرين ساعه كامله.
ويقال في اللغه العربيه من اول يوم اي من اول ايام تاريخ محدد, وربما عبروا باليوم عن الشده التي يمر بها الفرد او الجماعه من الناس, مثل قولهم يوم كيوم عاد او يوم كيوم ثمود, او يوم من ايام العرب او من ايام الدهر.
وقد يعبر باليوم عن مده من الزمان ايا كان طولها, ومعني ذلك ان مصطلح يوم من الناحيه اللغويه هو مصطلح عام يختلف مدلوله حول ما يقصد به في سياق الكلام.
ولفظه يوم جاءت في القران الكريم بهذه المعاني كلها, فجاءت بمعني النهار كما في قوله تعالي:
...فمن لم يجد فصيام ثلاثه ايام في الحج....[ البقره196)
وقوله سبحانه:
سخرها عليهم سبع ليال وثمانيه ايام حسوما..( الحاقه:7)
وجاءت بمعني اليوم الارضي المطلق( اي زمن دوره الارض حول محورها امام الشمس في اربع وعشرين ساعه). كما في قوله تعالي:
واذكروا الله في ايام معدودات فمن تعجل في يومين فلا اثم عليه ومن تاخر فلا اثم عليه لمن اتقي..( البقره:203).
وجاءت لفظه يوم في القران الكريم بمعني يوم محدد من ايام الاسبوع من مثل ما جاء في قوله تعالي:
ياايها الذين امنوا اذا نودي للصلاه من يوم الجمعه فاسعوا الي ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون.( الجمعه:9)
وقوله( عز من قائل):
واسالهم عن القريه التي كانت حاضره البحر اذ يعدون في السبت اذ تاتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لايسبتون لاتاتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون.( الاعراف:163)
وجاءت لفظه يوم في كتاب الله بمعني يوم محدد من السنه كيوم الحج الاكبر وهو يوم عرفه او التاسع من ذي الحجه.
كما جاءت بمعني واقعه محدده في التاريخ كيوم الزينه ويوم الظله, ويوم الفرقان, ويوم حنين, ويوم الاحزاب, ويوم الفتح.
وجاءت بمعني بعض علامات تدمير النظام الكوني قبل البعث من مثل قوله تعالي: يوم ترجف الارض, و يوم تاتي السماء بدخان مبين, و يوم تمور السماء مورا, وامثالها.
وجاءت بمعني يوم من ايام الله التي لايعلم مداها الا هو( سبحانه وتعالي) ولكي يقرب ذلك الي اذهاننا قارنها بعدد من سنيننا مضافا اليها الوصف القراني مما تعدون وذلك من مثل قوله تعالي:
ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وان يوما عند ربك كالف سنه مما تعدون
( الحج:47)
وقوله( عز من قائل):
يدبر الامر من السماء الي الارض ثم يعرج اليه في يوم كان مقداره الف سنه مما تعدون( السجده:5)
وجاءت لفظه يوم في كتاب الله بمعني طور او مرحله, او واقعه, او حدث كوني وذلك من مثل الايات:(7 من سوره الاعراف),(3 من سوره يونس),(7 من سوره هود),(59 من سوره الفرقان),(4 من سوره السجده),(38 من سوره ق),(4 من سوره الحديد).
وجاءت بمعني الاخره: يوم الدين, يوم القيامه, يوم الساعه, يوم البعث, يوم الفصل, يوم الحساب, يوم الجمع, يوم التلاق, يوم التناد, يوم الازفه, يوم الاشهاد, يوم الحسره, يوم التغابن, يوم الوعيد, يوم الخروج, يوم الخلود, وغيرها من التعبيرات عن ايام البعث والحساب والخلود في الاخره.
مدلول لفظه اليوم في العلوم الكونيه
http://www.ahram.org.eg/Archive/2001/6/25/839_50M.JPG
يعرف يوم الارض الشمسي بالفتره التي تتم فيها الارض دوره كامله حول محورها امام الشمس, وتقدر هذه الفتره في زماننا الحالي باربع وعشرين ساعه يتقاسمها ليل ونهار باختلاف طفيف في طول كل منهما.
اما يوم الارض النجمي( ويقل في مداه عن يوم الارض الشمسي بثلاث دقائق وست وخمسين ثانيه) فيقدر بالمده الزمنيه الواقعه بين رويه نجم ثابت في السماء من فوق نقطه محدده علي سطح الارض مرتين( اي حتي تعود نفس النقطه المحدده علي سطح الارض الي رويه هذا النجم الثابت من جديد), والفارق الزمني الطفيف بين اليومين سببه ان الارض عندما تتم دوره كامله حول محورها تكون قد جرت في مدارها حول الشمس مسافه تقدر بحوالي365/1 من طول هذا المدار.
ولما كانت الارض وكل مافي السماء يجري في فسحه الكون بسرعات متعدده, حول مراكز عديده, ولما كان لكل جرم من تلك الاجرام دوره محوريه كامله ضمن عدد من الدورات المداريه والانتقاليه, فان اطوال تلك الدورات المحوريه والمداريه تختلف من جرم الي اخر, وبالتالي فان طول يوم وسنه كل جرم من هذه الاجرام يختلف اختلافا كبيرا, فيتراوح يوم كواكب المجموعه الشمسيه بين88 يوما ارضيا في اقرب الكواكب الي الشمس وهو كوكب عطارد, الي بضعه اسابيع في كوكب الزهره الي24 ساعه مقسمه الي ليل ونهار في كوكب الارض, الي24 ساعه,37 دقيقه,23 ثانيه في كوكب المريخ, الي9 ساعات,53 دقيقه في كوكب المشتري, الي10 ساعات,14 دقيقه,24 ثانيه في زحل, الي10 ساعات,48 دقيقه في يورانوس, الي15 ساعه,,40 دقيقه في كوكب نبتيون.
كذلك يختلف طول سنه كل جرم من اجرام المجموعه الشمسيه باختلاف طول مداره, وسرعه دورانه فيه, فالحركه الانتقاليه السنويه حول الشمس لكوكب عطارد تقدر بحوالي88 يوما ارضيا, ولكوكب الزهره بحوالي224,7 يوم ارضي, وللارض باثني عشر شهرا قمريا( او365,256 يوما ارضيا), وتصل في المريخ الي686,98 يوم ارضي, وفي المشتري الي11,86 سنه ارضيه, وفي زحل الي29,46 سنه ارضيه, وفي يورانوس الي84,07 سنه ارضيه, وفي نبتيون الي164,81 سنه ارضيه, وفي بلوتو الي248,53 سنه ارضيه, بينما تتم الشمس دورتها حول محورها( اي يومها) في زمن قدره25 يوما من ايام الارض, وفي مدارها حول مركز المجره( اي سنتها) في225 مليون سنه من سني الارض.
والمجموعه الشمسيه هي جزء ضئيل من مجره درب اللبانه والتي تشكل بدورها جزءا من التجمع المجري, الذي يشكل بدوره جزءا من التجمع المجري الاعظم, ثم تظل تنسب الي وحدات اكبر باستمرار الي نهايه الكون المدرك, وكل ذلك في حركه دائبه في صفحه السماء الدنيا التي زينها ربنا( تبارك وتعالي) بالنجوم, والتي تدور بدورها في داخل السماوات الست العلا, وصدق الله العظيم اذ يقول:
... وان يوما عند ربك كالف سنه مما تعدون( الحج:47)
واذ يقول( عز من قائل):
... في يوم كان مقداره الف سنه مما تعدون( السجده:5)
واذ يقول( سبحانه وتعالي):
تعرج الملائكه والروح اليه في يوم كان مقداره خمسين الف سنه( المعارج:4).
النسبيه والزمن
منذ القدم استخدم العرب المساقه للتعبير عن الزمن بصيغ مثل مسيره شهر, او مسيره اسبوع, او مسيره يوم( عاده باستخدام الجمال او بالسير علي الاقدام), وفي النظريه النسبيه يستخدم الزمن كالبعد الرابع للابعاد المساحيه الثلاث وقد سبق بعض متصوفه المسلمين من امثال محيي الدين بن العربي, البرت اينشتاين بمئات السنين في الاشاره الي حقيقه ان الكون وجود مادي في كل من المكان والزمان, كما سبقه يالاشاره الي تحدب الكون بتحدب الزمان, وهي قضيه تعتبر اليوم من اهم نتائج النظريه النسبيه العامه, بل ان في اشاره القران الكريم الي يوم كالف سنه, ويوم كخمسين الف سنه ليمثل اساس النسبيه, ليس هذا فقط بل ان القران الكريم قد اشار الي سرعه الضوء وذلك بقول الحق( تبارك وتعالي):
قال الذي عنده علم من الكتاب انا اتيك به قبل ان يرتد اليك طرفك...( النمل:40) وقد استخدم ابن عربي السنه الضوئيه بنفس المفهوم الذي تستخدم به اليوم في علم الفلك انطلاقا من هذه الايه القرانيه الكريمه, وفي مطلع القرن العشرين اعلن البرت اينشتاين نظريتي النسبيه العامه والخاصه في سنتي1905 م,1915 م علي التوالي.
وتقوم نظريه النسبيه العامه علي اساس من افتراض ان الجاذبيه مكافئه لمفهوم التسارع, ووصفتها بانها انحناء تحدثه الكتله او الطاقه( وهما وجهان لعمله واحده) في متصل رباعي الاضلاع من الزمان والمكان بابعاده الثلاثه وتقوم نظريه النسبيه الخاصه علي اساس من فرضين اساسيين:
اولهما: ان القوانين الفيزيائيه تبقي ثابته في اي جسم ثابت او متحرك بسرعه ثابته.
وثانيهما: ان سرعه الضوء في الفراغ تبقي ثابته باستمرار بغض النظر عن سرعه المصدر الذي انطلقت منه, او سرعه الراصد لها, وعلي ذلك فهي سرعه مطلقه. فضوء مصباح مثبت في قطار يقترب منا ينتشر بنفس السرعه التي ينتشر بها اذا كان يبتعد عنا.
ويهدف هذان الفرضان الي تثبيت القوانين الفيزيائيه( الميكانيكيه والكهرومغناطيسيه) سواء كان الجسم الذي تقاس فيه تلك القوانين ساكنا او متحركا بسرعه ثابته, وذلك لان كلا من الحركه والسكون ليسا مطلقين في الكون المدرك, بمعني ان كافه العلاقات فيه نسبيه, ماعدا سرعه الضوء لانها ثابته للمشاهد, ولا تتاثر بحركه اي من الراصد او مصدر ضوء وقد قدرت تجريبيا في الفضاء بحوالي299792,5 كيلو متر في الثانيه.
وقد تم رصد عروج الضوء( انحناء مساره) بين السماء والارض في سنه1919 م, وثبت بذلك ان الكون كله بما فيه من ماده وطاقه في حاله انحناء تام, وان ايا من مختلف صور الماده او الطاقه لا يمكنه التحرك في الكون في خطوط مستقيمه ابدا, وسبحان الذي انزل في محكم كتابه قبل الف واربعمائه من السنين وصف الحركه في السماء بالعروج في سبع ايات متفرقات.
ويترتب علي ثبات سرعه الضوء الغاء الادعاء الباطل بان الزمان مطلق( مطلقيه الزمان), وافراغ مفهوم الانيه من معناه, مما يفرغ الكون المدرك من ايه مرجعيه ذاتيه فيه, بمعني انه اذا كان في الكون من مرجعيه مطلقه فلابد وان تاتينا من خارج الكون المدرك, وليس من داخله, وهي مرجعيه الوحي الالهي المنزل من الخالق( سبحانه وتعالي). فقد ثبت لنا منذ الثلث الاول للقرن العشرين ان الكون الذي نحيا فيه دائم الاتساع, واننا اذا عدنا بهذا الاتساع الي الوراء مع الزمن فلابد ان تلتقي ماده الكون في نقطه متناهيه في الصغر, عديمه الابعاد, لا نهائيه في الكتله والطاقه, وان هذه الحاله القريبه من العدم( مرحله الرتق) انفجرت بامر من الله( تعالي) فنشا عن انفجارها كل من الماده والطاقه( وهما وجهان لعمله واحده), والمكان والزمان( وهما امران متواصلان), وكل ذلك مترابط مع بعضه البعض وبالكون وما فيه من المخلوقات في الايجاد من العدم والافناء الي العدم ثم اعاده الخلق من جديد, والخالق( سبحانه وتعالي) فوق ذلك كله, محيط بالكون وما فيه, وبالزمن ماضيه وحاضره ومستقبله, لا يحده المكان ولا الزمان لانه( تعالي) خالقهما, ولا تشكله الماده ولا الطاقه لانه( تعالي) مبدعهما, وليس في خلقه شئ يشبهه( سبحانه وتعالي) كما وصف ذاته العليه بقوله( عز من قائل):
.. ليس كمثله شئ وهو السميع البصير( الشوري:11).
وتفيدنا النظريه النسبيه ان كتله الاجسام الماديه المتحركه تزداد بازدياد سرعتها, وتنكمش هذه الاجسام( اي يقل طولها) في اتجاه الحركه, وعندما تصل سرعتها الي سرعه الضوء ينكمش طولها الي الصفر اي تتلاشي وتتحول الي طاقه حسب المعادله التاليه:
الطاقه الناتجه= كتله الجسم المتحرك بسرعه الضوء* مربع سرعه الضوء.
وتوكد النظريه النسبيه انه فيما عدا سرعه الضوء فكل زمن في الجزء المدرك لنا من الكون هو زمن نسبي يعتمد علي سرعه تحرك الجسم, فكلما زادت سرعته( بالنسبه الي جسم اخر) قل احساسه بالزمن, فالنسبه بين زمن صاروخ متحرك في فسحه السماء والزمن علي الارض تزداد بزياده سرعه الصاروخ حتي اذا وصلت سرعته الي99,995% من سرعه الضوء اصبحت سنته تعادل مائه سنه علي الارض, فالزمن علي الارض زمن خاضع لقياساتنا, ومرتبط بالمكان والسرعه اي بالحركه, وهو زمن نسبي, لان كل جسم متحرك يحمل زمنه معه, وكل ما في الكون من اجرام يجري الي اجل مسمي( الرعد:2, يس:38).
وبتحويل ايتي سوره السجده(5), الحج(47) الي معادله رياضيه. حصلنا علي سرعه الضوء حسب الجدول المرفق وهي من المعجزات العلميه للقران الكريم ان يشير الي مثل هذه السرعات الفائقه قبل الف واربعمائه سنه.
وتتطابق القيمه المستقاه من هاتين الايتين القرانيتين الكريمتين مع القيمه المحسوبه لسرعه الضوء في الفراغ والمتفق عليها دوليا( في حدود الخطا المسموح به في الحساب) وسبحان الذي انزل في محكم كتابه قبل الف واربعمائه سنه قوله الحق:
يدبر الامر من السماء الي الارض ثم يعرج اليه في يوم كان مقداره الف سنه مما تعدون.
(السجده:5)
وقوله( عز من قائل):
.... وان يوما عند ربك كالف سنه مما تعدون.
(الحج:47)
ايام الخلق السته كما جاءت في القران الكريم
جاءت هذه الايام السته مجمله في سبع ايات قرانيه كريمه ومفصله في اربع ايات من السوره رقم(41) والتي سماها ربنا( تبارك وتعالي) باسم فصلت, وهو اسم معجز لتفصيل السوره مراحل خلق السماوات والارض والاستشهاد بذلك علي طلاقه القدره الالهيه, وصدق القران الكريم والرساله المحمديه الخالده وما جاءت به من قواعد العقيده واركان الايمان, وحقيقه الوحي, ومن التحذير بمصارع بعض الامم البائده حينما كذبوا رسلهم, وتمادوا في معصيه الله, وفي الافساد بالارض, كما جاءت بذكر اجر المتقين الذين امنوا بربهم وبرسالته ورسله, وقد احتوت السوره الكريمه علي احدي عشره ايه كونيه تعتبر من ايات الاعجاز العلمي المبهره في كتاب الله, ثم ختمت السوره بوعد من الله( تعالي) للبشريه كافه, وللكافرين بخاصه بانه سوف يفتح لهم في اخر الزمان بعض اسرار هذا الكون التي تشهد بصدق ما جاء به القران العظيم, وما اجراه الله( تعالي) علي لسان خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم).
والايات الاربع(9 12) من سوره فصلت تشير الي ان خلق الارض الابتدائيه كان سابقا علي تمايز السماء الاولي الدخانيه الي سبع سماوات, ولذلك يخبرنا ربنا( تبارك وتعالي) بانه خلق الارض في يومين اي علي مرحلتين( هما يوم الرتق ويوم الفتق), وانه( تعالي) قد جعل لها رواسي من فوقها, وبارك فيها وقدر فيها اقواتها في اربعه ايام( اي اربع مراحل متتاليه), ثم خلق السماوات في يومين( اي علي مرحلتين) وهو( تعالي) القادر علي ان يقول للشئ كن فيكون, ولكن هذا التدرج لحكمه بالغه يفهم منها الانسان سنن الله في الخلق فيحسن توظيفها في عماره الارض وفي القيام بواجبات الاستخلاف فيها.
وقد يلتبس علي قارئ تلك الايات لاول وهله ان خلق الارض وحدها قد استغرق سته ايام( اي ست مراحل), وان خلق السماء قد استغرق يومين, فيكون خلق السماوات والارض قد استغرقا ثمانيه ايام, وهو ما يتعارض مع الايات العديده التي توكد ان خلق السماوات والارض قد تم في سته ايام( اي ست مراحل), ولكن لما كان خلق السماء والارض عمليه واحده متداخله فان يومي خلق الارض هما يوما خلق السماوات السبع, وذلك لان الامر الالهي في ختام تلك الايات الاربع كان للسماء وللارض معا:
ثم استوي الي السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين( فصلت:11).
وان كانت غالبيه المفسرين تري خلاف ذلك لاعتبارهم يومي خلق الارض داخلين في الايام الاربعه لجعل الرواسي, والمباركه, وتقدير الاقوات, الا انهم مجمعون علي ان حرف العطف ثم لا يدل هنا علي الترتيب مع التراخي, ولكنه يدل علي بعد عمليه الاستواء والتسويه للسماوات السبع من السماء الدخانيه الاولي لان من معاني ثم هنا انها اشاره الي البعيد بمعني هناك في مقابله هنا للقريب.
والشاهد علي ذلك ما جاء في سوره النازعات من قول الحق( تبارك وتعالي):
اانتم اشد خلقا ام السماء بناها, رفع سمكها فسواها, واغطش ليلها واخرج ضحاها, والارض بعد ذلك دحاها, اخرج منها ماءها ومرعاها, والجبال ارساها, متاعا لكم ولانعامكم.( النازعات:27 33).
مما يوكد ان المراحل الاربع من جعل الرواسي, والمباركه وتقدير الاقوات يقصد بها دحو الارض الابتدائيه بمعني اخراج مائها ومرعاها اي تكوين اغلفتها المائيه والغازيه, وان يومي خلق الارض وهما نفس يومي خلق السماء يقصد بهما خلق العناصر المكونه للارض الابتدائيه في داخل السماء الدخانيه بدليل قوله تعالي:
ثم استوي الي السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين, فقضاهن سبع سماوات في يومين واوحي في كل سماء امرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم(فصلت:12,11)
وبدليل قوله( سبحانه وتعالي):
هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا ثم استوي الي السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شئ عليم( البقره:29).
ولفظ خلق هنا معناه التقدير لمكونات الارض
ايام الخلق السته في منظور العلوم المكتسبه
يري اهل العلوم المكتسبه مراحل خلق الكون علي النحو التالي:
(1) مرحله الجرم الابتدائي الاولي الذي بدا منه الخلق( مرحله الرتق).
(2) مرحله انفجار الجرم الابتدائي الاولي( مرحله الفتق او المرحله الدخانيه) وبدء توسع الكون.
(3) مرحله تخلق العناصر المختلفه في السماء الدخانيه, عبر تخلق الماده والماده المضاده, وتكون نويات الايدروجين والهيليوم وبعض الليثيوم.
(4) مرحله انفصال دوامات من الغلاله الدخانيه وتكثفها علي ذاتها بفعل الجاذبيه لتكوين كل من الارض وباقي اجرام السماء.
(5) مرحله دحو الارض, وتكوين اغلفتها الغازيه والمائيه والصخريه, وبدء تحرك الواح الغلاف الصخري للارض وتكون كل من المحيطات والقارات والجبال, وتكون التربه وبدء دوره المياه حول الارض وتسويه سطحها وخزن المياه تحت السطحيه.
(6) مرحله خلق الحياه من ابسط صورها الي مختلف مستوياتها.
والله( تعالي) اعلم بما قد خلق.
ويقدر علماء كل من الفلك والفيزياء الفلكيه عمر الكون بحوالي10 15 بليون سنه, بينما يقدر علماء الارض عمر ذلك الكوكب بحوالي4,6 بليون سنه, وهو نفس العمر الذي توصل اليه العلماء بتحليل صخور وتراب سطح القمر, وعمر النيازك العديده التي نزلت الي الارض.
ويبدو ان الفارق الكبير بين العمرين المقدرين لكل من الارض والكون سببه ان العمر المقدر للارض هو عمر تيبس قشرتها الخارجيه, وان هذا العمر لايشمل ايا من مراحل الارض الابتدائيه, ولا مراحل تخلق العناصر التي كونت تلك الارض الابتدائيه.
وتشير الايات القرانيه في كل من سوره البقره(29), وفصلت(9 12) الي سبق خلق الارض لعمليه تسويه السماء الدخانيه الاوليه الي سبع سماوات, ويبدو ان المقصود هنا هو خلق عناصر الارض, ثم تلي المرحله خلق الارض نفسها علي هيئه الكوكب الابتدائي الذي تم دحوه وتشكيله الي صورته الراهنه, وذلك لان خلق السماوات والارض عمليتان متلازمتان, ولا يمكن لاحداهما ان تنفصل عن الاخري.
فسبحان الذي انزل من فوق سبع سماوات, وقبل الف واربعمائه من السنين قوله الحق في صيغه استفهام استنكاري تقريعي للمشركين والكافرين: قل ائنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وتجعلون له اندادا ذلك رب العالمين, وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها اقواتها في اربعه ايام سواء للسائلين, ثم استوي الي السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين, فقضاهن سبع سماوات في يومين واوحي في كل سماء امرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم.( فصلت:9 12).
وقوله( عز من قائل):
ان ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في سته ايام ثم استوي علي العرش....
( الاعراف:54).
-
الاشارات الكونيه في القران الكريم ومغزي دلالتها العلميه
7 يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدانا اول خلق نعيده وعدا علينا انا كنا فاعلين
يعتبر مجال الخلق, وافنائه, واعاده خلقه, من المجالات الغيبيه التي لا يستطيع الانسان ان يصل فيها الي تصور صحيح بغير هدايه ربانيه, ومن هنا فان العلوم التجريبيه لا يمكن لها ان تتجاوز في تلك المجالات مرحله التنظير بمعني وضع نظريه من النظريات او اقتراح فرض من الفروض.
وتتعدد الفروض والنظريات بتعدد خلفيه واضعيها العقديه والثقافيه والتربويه والنفسيه, ويبقي للمسلم في هذا المجال نور من الله الخالق في ايه من كتابه الكريم, او في حديث مروي بسند صحيح عن خاتم انبيائه ورسله( صلي الله وسلم عليه وعليهم اجمعين) يمكن ان يعينه علي الارتقاء باحدي تلك النظريات العلميه الي مقام الحقيقه لمجرد ورود اشاره لها في اي من هذين المصدرين من مصادر وحي السماء اللذين حفظا بحفظ الله باللغه نفسها التي نزل الوحي بها( اللغه العربيه) علي مدي اربعه عشر قرنا او يزيد دون نقص او زياده, ونكون في هذه الحاله قد انتصرنا للعلم بالوحي الثابت من كتاب الله المحفوظ بحفظه, او بسنه رسوله( صلي الله عليه وسلم) وهي من الوحي, ولم ننتصر لهما بالعلم المكتسب لانهما فوق ذلك واعظم واجل..!!
فمجرد ورود اشاره في كتاب الله او في حديث مروي بسند صحيح عن خاتم انبيائه ورسله( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم اجمعين) الي ما يدعم احدي النظريات العلميه التي لم يتوصل اليها العلم المكتسب الا بعد مجاهده كبيره, عبر سنوات طويله, استغرقت جهود الاف من العلماء يرقي بهذه النظريه الي مقام الحقيقه, ويعتبر اعجازا علميا في كتاب الله او في سنه رسوله( صلي الله عليه وسلم) لمجرد السبق بالاشاره الي تلك الحقيقه العلميه قبل وصول الانسان اليها بفتره زمنيه طويله تقدر باكثر من ثلاثه عشر قرنا من الزمان, وفي ذلك يقول ربنا( تبارك وتعالي) في محكم كتابه:
ما اشهدتهم خلق السماوات والارض ولا خلق انفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا
(الكهف:51)
والقران الكريم الذي يقرر ان احدا من الانس او الجن لم يشهد خلق السماوات والارض, هو الذي يامرنا بالنظر في قضيه الخلق( خلق السماوات والارض, خلق الحياه, وخلق الانسان) بعين الاعتبار والاتعاظ فيقول( عز من قائل):
اولم ينظروا في ملكوت السماوات والارض وما خلق الله من شئ..( الاعراف:185)
ويقول( سبحانه):
لخلق السماوات والارض اكبر من خلق الناس ولكن اكثر الناس لا يعلمون
(غافر:57)
ويقول( سبحانه وتعالي):
افلا ينظرون الي الابل كيف خلقت
(الغاشيه:17)
ويقول( تبارك وتعالي):
اولم يروا كيف يبديء الله الخلق ثم يعيده ان ذلك علي الله يسير. قل سيروا في الارض فانظروا كيف بدا الخلق ثم الله ينشيء النشاه الاخره ان الله علي كل شيء قدير
(العنكبوت:19 و20)
وبالنظر في السماء توصل علماء الفلك والفيزياء الفلكيه الي عدد من النظريات المفسره لنشاه الكون وافنائه, واكثر هذه النظريات قبولا في الاوساط العلميه اليوم هما نظريتا الانفجار العظيم
(TheBigBangTheory)
والانسحاق العظيم
(TheBigCrunchTheory)
وكلاهما يستند الي عدد من الحقائق المشاهده.
الشواهد العلميه علي صحه نظريه الانفجار العظيم
(1) التوسع الحالي للكون المشاهد:
وهي حقيقه اكتشفت في الثلث الاول من القرن العشرين, ثم اكدتها حسابات كل من الفيزيائيين النظريين والفلكيين, والتي لاتزال تقدم مزيدا من الدعم والتاييد لتلك الحقيقه المشاهده بان المجرات تتباعد عنا وعن بعضها البعض بسرعات تكاد تقترب احيانا من سرعه الضوء( المقدره بحوالي300000 كيلو متر في الثانيه), وقد سبق القران الكريم كل تلك المعارف باكثر من ثلاثه عشر قرنا اذ يقول الحق( تبارك وتعالي):
والسماء بنيناها بايد وانا لموسعون
( الذاريات:47)
واذا عدنا بهذا الاتساع الكوني الراهن الي الوراء مع الزمن فان كافه ما في الكون من صور الماده والطاقه والمكان والزمان لابد ان تلتقي في جرم واحد, متناه في ضاله الحجم الي ما يقترب من الصفر او العدم, فيتلاشي كل من المكان والزمان, ومتناه في ضخامه الكتله والحراره الي الحد الذي تتوقف عنده قوانين الفيزياء النظريه, وهذا الجرم الابتدائي انفجر بامر من الله تعالي فنشر مختلف صور الطاقه, والماده الاوليه, للكون في كل اتجاه, وتخلقت من تلك الطاقه الماده الاوليه, ومن المواد الاوليه تخلقت العناصر علي مراحل متتاليه, وبدا الكون في الاتساع, ومع اتساعه تعاظم كل من المكان والزمان, وتحولت ماده الكون الي سحابه من الدخان الذي خلقت منه الارض وكل اجرام السماء, وما يملا المسافات بينها من مختلف صور الماده والطاقه, وظل الكون في التمدد والتوسع منذ لحظه الانفجار العظيم الي يومنا الراهن, والي ان يشاء الله( تعالي).
والانسحاق الشديد هو عمليه معاكسه لعمليه الانفجار الكوني الكبير تماما.
(2) اكتشاف الخلفيه الاشعاعيه للكون المدرك:
وقد اكتشفها بمحض المصادفه باحثان بمختبرات شركه بل للتليفونات بمدينه نيوجرسي هما ارنو ا. بنزياس
(ArnoA.Penzias)
وزميله روبرت و. ويلسون
(RobertW.Wilson)
في سنه1965 م علي هيئه اشارات راديويه منتظمه وسويه الخواص, قادمه من كافه الاتجاهات في السماء, وفي كل الاوقات دون ادني توقف او تغير, ولم يمكن تفسير تلك الاشارات الراديويه, المنتظمه, السويه الخواص الا بانها بقيه الاشعاع الذي نتج عن عمليه الانفجار الكوني العظيم, وقد قدرت درجه حراره تلك البقيه الاشعاعيه بحوالي ثلاث درجات مطلقه( اي ثلاث درجات فوق الصفر المطلق الذي يساوي 273 درجه مئويه)
وفي نفس الوقت كانت مجموعه من الباحثين العلميين في جامعه برنستون تتوقع حتميه وجود بقيه للاشعاع الناتج عن عمليه الانفجار الكوني الكبير, وامكانيه العثور علي تلك البقيه الاشعاعيه بواسطه التليسكوبات الراديويه, وذلك بناء علي الاستنتاج الصحيح بان الاشعاع الذي نتج عن عمليه الانفجار تلك قد صاحب عمليه التوسع الكوني, وانتشر بانتظام وسويه عبر كل من المكان والزمان في فسحه الكون, ومن ثم فان بقاياه المنتشره الي اطراف الجزء المدرك من الكون لابد ان تكون سويه الخواص, ومتساويه القيمه في كل الاتجاهات, ومستمره ومتصله بلا ادني انقطاع, وبالاضافه الي ذلك فان هذا الاشعاع الكوني لابد ان يكون له طيف مماثل لطيف الجسم المعتم, بمعني ان كميه الطاقه الناتجه عنه في مختلف الموجات يمكن وصفها بدرجه حراره ذات قيمه محدده, وان هذه الحراره التي كانت تقدر ببلايين البلايين من الدرجات المطلقه عند لحظه الانفجار الكوني لابد ان تكون قد بردت عبر عمر الكون المقدر بعشره بلايين من السنين علي الاقل, الي بضع درجات قليله فوق الصفر المطلق. وانطلاقا من تلك الملاحظات الفلكيه والنظريه كان في اكتشاف الخلفيه الاشعاعيه للكون دعم عظيم لنظريه الانفجار الكوني, وقضاء مبرم علي نظريه ثبات الكون واستقراره التي اتخذت تكوه لنفي الخلق, وانكار الخالق( سبحانه وتعالي) منذ مطلع القرن العشرين.
ولم تكن مجموعه جامعه برنستون بقياده كل من روبرت دايك
(RobertDicke)
, ب.ج. ا. بيبلز
(P.J.E.Peebles)
, ديفيد رول
(DavidRoll)
وديفيد ولكنسون
(DavidWilkinson)
هي اول من توقع وجود الخلفيه الاشعاعيه للكون, فقد سبقهم الي توقع ذلك كل من رالف الفر
(RalphAlpher)
وروبرت هيرمان
(RobertHerman)
في سنه1948 م وجورج جامو
(GeogeGamow)
في سنه1953 م ولكن استنتاجاتهم اهملت ولم تتابع بشيء من الاهتمام العلمي فطويت في عالم النسيان.
(3) تصوير الدخان الكوني علي اطراف الجزء المدرك من الكون:
في سنه1989 م ارسلت وكاله الفضاء الامريكيه ناسا
(NASA)
مركبه فضائيه باسم مستكشف الخلفيه الكونيه او( كوبي
)CosmicBackgroundExplorer(orCOBE)
وذلك لدراسه الخلفيه الاشعاعيه للكون من ارتفاع يبلغ ستمائه كيلو متر حول الارض, وقد قاست تلك المركبه درجه الخلفيه الاشعاعيه للكون وقدرتها باقل قليلا من ثلاث درجات مطلقه( اي بحوالي2,735+0,06 من الدرجات المطلقه) وقد اثبتت هذه الدراسه تجانس ماده الكون وتساويها التام في الخواص قبل الانفجار وبعده اي من اللحظه الاولي لعمليه الانفجار الكوني العظيم, وانتشار الاشعاع في كل من المكان والزمان مع احتمال وجود اماكن تركزت فيها الماده الخفيه التي تعرف باسم الماده الداكنه
(DarkMatter)
بعد ذلك
كذلك قامت تلك المركبه الفضائيه بتصوير بقايا الدخان الكوني الناتج عن عمليه الانفجار العظيم علي اطراف الجزء المدرك من الكون( علي بعد عشره مليارات من السنين الضوئيه), واثبتت انها حاله دخانيه معتمه سادت الكون قبل خلق السماوات والارض, وقد سبق القران الكريم جميع المعارف الانسانيه بوصف تلك الحاله الدخانيه منذ اكثر من الف واربعمائه سنه بقول الحق( تبارك وتعالي):
ثم استوي الي السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين
( فصلت:11)
وكان في اكتشاف هذا الدخان الكوني ما يدعم نظريه الانفجار الكوني العظيم.
(4) عمليه الاندماج النووي وتاصل العناصر:
http://www.ahram.org.eg/Archive/2001/7/2/846_31M.JPG
فتق الرتق الاول ثم طيه ثم فتق الثاني كي تبدل الارض غير الارض والسماوات
تتم عمليه الاندماج النووي في داخل الشمس وفي داخل جميع نجوم السماء بين نوي ذرات الايدروجين لتكوين نوي ذرات اثقل بالتدريج وتنطلق الطاقه, وقد ادت هذه الملاحظه الي الاستنتاج الصحيح بتاصيل العناصر بمعني ان جميع العناصر المعروفه لنا والتي يبلغ عددها اكثر من مائه عنصر قد تخلقت كلها في الاصل من غاز الايدروجين بعمليه الاندماج النووي, فاذا تحول لب النجم المستعر الي حديد انفجر النجم وتناثرت اشلاوه في صفحه السماء حيث يمكن لنوي الحديد تلقي اللبنات الاساسيه للماده من صفحه السماء فتتخلق العناصر الاعلي في وزنها الذري من الحديد.
وقد جمعت هذه الملاحظات الدقيقه بين فيزياء الجسيمات الاوليه للماده وعلم الكون, وايدت نظريه الانفجار العظيم التي بدات بتخلق الماده واضدادها مع اتساع الكون, وتخلق كل من المكان والزمان, ثم تخلق نويات كل من الايدروجين والهيليوم والليثيوم, ثم تخلق بقيه العناصر المعروفه لنا, ولذا يعتقد الفلكيون في ان تخلق تلك العناصر قد تم علي مرحلتين, نتج في المرحله الاولي منهما العناصر الخفيفه, وفي المرحله الثانيه العناصر الثقيله, والتدرج في تخليق العناصر المختلفه بعمليه الاندماج النووي في داخل النجوم او اثناء انفجارها علي هيئه فوق المستعرات هو صوره مبسطه لعمليه الخلق الاول يدعم نظريه الانفجار العظيم ويعين الانسان علي فهم الياتها, والحسابات النظريه لتخليق العناصر بعمليه الاندماج النووي تدعمها التجارب المختبريه علي معدلات تفاعل الجسيمات الاوليه للماده مع نوي بعض العناصر, وقد بدا هذه الحسابات هانز بيته
(HansBethe)
في الثلاثينات من القرن العشرين, واتمها وليام فاولر
(WilliamFowler)
الذي منح جائزه نوبل في الفيزياء مشاركه مع اخرين في سنه1983 تقديرا لجهوده في شرح عمليه الاندماج النووي, ودورها في تخليق العناصر المعروفه, ومن ثم المناداه بتاصل العناصر, وهي صوره مصغره لعمليه الخلق الاول.
(5) التوزيع الحالي للعناصر المعروفه في الجزء المدرك من الكون:
تشير الدراسات الحديثه عن توزيع العناصر المعروفه في الجزء المدرك من الكون الي ان غاز الايدروجين يكون اكثر قليلا من74% من مادته, ويليه في الكثره غاز الهيليوم الذي يكون حوالي24% من تلك الماده, ومعني ذلك ان اخف عنصرين معروفين لنا يكونان معا اكثر من98% من ماده الكون المنظور, وان باقي105 من العناصر المعروفه لنا يكون اقل من2%, مما يشير الي تاصل العناصر, ويدعم نظريه الانفجار العظيم, لان معظم النماذج المقترحه لتلك النظريه تعطي حوالي75% من التركيب الكيميائي لسحابه الدخان الناتجه من ذلك الانفجار غاز الايدروجين,25% من تركيبه غاز الهيليوم, وهي ارقام قريبه جدا من التركيب الكيميائي الحالي للكون المدرك, كما لخصها عدد من العلماء من مثل:
Alpher,Gamow,Wagonar,Fowler
,Hoyle,Schramm,
Olive,Walker,Steigman,Rang,etc.
هذه الشواهد وغيرها دعمت نظريه الانفجار الكوني العظيم وجعلتها اكثر النظريات المفسره لنشاه الكون قبولا في الاوساط العلميه اليوم, ونحن المسلمين نرقي بهذه النظريه الي مقام الحقيقه الكونيه لورود مايدعمها في كتاب الله الذي انزل من قبل الف واربعمائه من السنين يخبرنا بقول الخالق( سبحانه وتعالي):
او لم ير الذين كفروا ان السماوات والارض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي افلا يومنون( الانبياء:30)
وهذه الايه القرانيه الكريمه التي جاءت بصيغه الاستفهام التوبيخي للكافرين والمشركين والملاحده تشد انتباههم الي قدره الله التامه, وسلطانه العظيم اللذين يتضحان من ابداعه في خلقه, ومن صور ذلك الابداع خلق السماوات والارض من جرم ابتدائي واحد سماه ربنا( تبارك وتعالي) باسم مرحله الرتق, والرتق في اللغه الضم والالتئام والالتحام, وهو ضد الفتق( يقال رتقت الشيء فارتتق اي التام والتحم), ثم امر الله( تعالي) بفتق هذا الجرم الابتدائي فانفتق وهي مرحله يسميها القران الكريم باسم مرحله الفتق, وتحول الي سحابه من الدخان( مرحله الدخان) الذي خلق منه ربنا( تبارك وتعالي) كلا من الارض والسماء, وماينتشر بينهما من مختلف صور الماده والطاقه مما نعلم ومالا نعلم, ثم ياتي العلم المكتسب في منتصف القرن العشرين ليكتشف شيئا من معالم تلك الحقيقه الكونيه, ويظل يجاهد في اثباتها حتي يتمكن من شيء من ذلك بنهايات القرن العشرين, حيث نادي بحتميه انعكاس تلك النظريه تحت مسمي نظريه الانسحاق الكبير, ويبقي هذا السبق القراني بالاشاره الي الفتق بعد الرتق, او مايسميه علماء الفلك بالانفجار العظيم, وما ادي اليه من تحول الجرم الابتدائي الي سحابه دخانيه خلقت منها الارض والسماوات, والي توسع الكون الي عصرنا الراهن والي ان يشاء الله, ثم طي ذلك كله مره اخري الي جرم واحد وانفجاره وتحوله الي دخان وخلق ارض غير الارض وسماوات غير السماوات, يبقي ذلك كله من اعظم الشهادات علي ان القران الكريم هو كلام الله الخالق, وعلي ان هذا النبي الخاتم( صلي الله عليه وسلم) كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والارض.
ماذا بعد اتساع الكون؟
ادت الملاحظات العلميه الدقيقه عن توسع الكون, واكتشاف اشباه النجوم
(Quasars),
كما ادي اكتشاف الخلفيه الاشعاعيه للكون المدرك, وتصوير الدخان الكوني علي اطراف هذا الجزء المدرك من الكون, واستنتاج عمليه الاندماج النووي وتخلق العناصر من غاز الايدروجين في داخل الشمس, وفي داخل غيرها من النجوم, والتوزيع الحالي للعناصر المعروفه في الجزء المدرك من الكون ادي ذلك كله الي دعم نظريتي الانفجار الكوني العظيم, والانسحاق الكوني الكبير والي دحض غيرهما من النظريات وفي مقدمتها نظريه الكون الثابت والتي نادي بها كل من هيرمان بوندي
(HermannBondi),
وتوماس جولد
(ThomasGold),
وفريد هويل
.(FredHoyle)
في الاربعينات من القرن العشرين, والتي طرحت انطلاقا من الاعتقاد الخاطيء بازليه الكون والذي ساد الغرب طوال النصف الاول من القرن العشرين, واستمر معه الي اليوم علي الرغم من دحض المعطيات الكليه للعلوم لتلك الفريه الكبيره..!!!
ونحن كمسلمين نرتقي بنظريتي الانفجار الكوني الكبير والانسحاق الكوني الشديد الي مقام الحقيقه لوجود اشاره لهما في كتاب الله, علي الرغم من وجود بعض المعارضين, والرافضين لقبول كلتا النظريتين من الغربيين انفسهم, وحتي الذين اقتنعوا بالنظريتين ودافعوا عنهما انقسموا حيالهما الي مجموعات في غيبه اتباعهم للهدايه الربانيه في امر مستقبلي من امور الغيب, ومقدره العلوم المكتسبه علي التنبو بالامور المستقبليه محدوده جدا.
الاحتمالات المتوقعه لعمليه توسع الكون:
(1) الاحتمال الاول: ويقترح فيه علماء الفلك والفيزياء الفلكيه ان يستمر الكون في التمدد والتوسع الي مالا نهايه( هروبا من الاعتراف بالخلق وبالاخره), وذلك بافتراض استمرار قوه الدفع الي الخارج بمعدلات اقوي من قوي الجاذبيه التي تشدالكون الي الداخل في اتجاه مركزه, وهذا افتراض خاطيء تماما في ضوء الملاحظات الراهنه علي الجزء المدرك من الكون, ومن ابسطها ان استمرار تمدد الكون واتساعه يودي الي خفض درجه حرارته بالتدريج حتي تنطفيء جذوه نجومه بانفجارها, او بتحولها الي اجسام بارده كالكواكب, او الي ثقوب سود تبتلع كل مايدخل في دائره جذبها من مختلف صور الماده والطاقه, ومن هنا كان تمدد الكون الي مالانهايه( وهو مايسمي بنموذج الكون المفتوح) امرا مستبعدا في ضوء ماتفقده النجوم عن طريق اشعاعها من طاقه, والطاقه والماده امران متكافئان, واستمرار فقدان النجوم من طاقتها ينفي امكانيه استمرار الكون في الاتساع الي مالا نهايه.
فشمسنا علي سبيل المثال تفقد في كل ثانيه من عمرها من الطاقه مايقدر بحوالي4,6 مليون طن من الماده, وبافتراض استمرار الكون في التمدد سوف يستمر انتقال الطاقه من الاجسام الحاره كالنجوم الي الاجسام البارده كالكواكب والكويكبات, والاقمار والمذنبات حتي تاتي علي الكون لحظه تتساوي فيها درجه حراره جميع الاجسام فيه فيتوقف الكون عن التمدد ان لم يكن عن امكانيه الوجود, فالاستمرار في توسع الكون مرتبط بالقوه الدافعه للمجرات الي التباعد عن بعضها البعض وهي القوه الناتجه عن عمليه الانفجار العظيم, واذا كانت الحراره التي نتجت عن تلك العمليه والتي تقدرها الحسابات الرياضيه والفيزيائيه ببلايين البلايين من الدرجات المطلقه في لحظه الانفجار قد انخفضت اليوم الي اقل قليلا من ثلاث درجات مطلقه فلابد ان القوه الدافعه, الي الخارج والموديه الي توسع الكون قد تناقصت بنفس المعدل, خاصه ان الحسابات الرياضيه تشير الي ان معدلات التمدد عقب عمليه الانفجار العظيم مباشره كانت اعلي بكثير من معدلاتها الحاليه, وهذا هو الذي دفع بفلكي مثل الان جوث
(AlanGuth)
الي وضع نظريه الكون المتضخم
(TheInflationaryUniverse)
التي تقرر انه في وقت مبكر جدا من تاريخ الكون كان نموه نموا اسيا فائق السرعه, فائق التمدد, وهذا ايضا هو الذي دفع بكل من روبرت دايك
(R.H.Dicke)
وب.ج.ا.بيبلز
(P.J.E.Peebles)
الي القول بان الارصاد الحاليه للكون توحي بان عصرنا الحالي اما ان يكون عصرا فريدا في التمدد عقب عمليه الانفجار الكبير, او ان الشروط الاساسيه للتمدد يجب ان يتم تعديلها بشكل يحقق قدرا من التوافق مع هذه الارصاد التي تثير تساولا عما اذا كان الكون الان مفتوحا( اي مستمرا في التمدد الي مالا نهايه) او مغلقا( اي سوف يتمدد الي اجل محدد ثم يبدا في التكدس علي ذاته) او مستويا بمعني انتفاء تحدب الكون, وقد اشارت اليه كل الحسابات الرياضيه كالتي قام بها اليكساندر فريدمان
(AlexanderFreidmann),
والبرت اينشتاين
(AlbertEinstein)
وغيرهما من الفيزيائيين النظريين والفلكيين.
والاستمرار في توسع الكون مرتبط بالقوه الدافعه بالمجرات للتباعد عن بعضها بعضا وهي مايعبر عنها احيانا بسرعه الافلات من قوي الجاذبيه
(EscapeVelocity),
ولكل جرم سماوي مهما كانت كتلته سرعه افلات محدده من قوه جاذبيته, فسرعه الافلات من جاذبيه الارض تقدر بحوالي11 22 كيلومترا في الثانيه, بمعني انه اذا اطلق صاروخ من الارض بهذه السرعه او باعلي منها فانه يستطيع التغلب علي الجاذبيه الارضيه, ولكن هل سرعه توسع الكون الحاليه تبلغ سرعه الافلات من الجاذبيه الكونيه حتي يستمر في التوسع؟
يعتقد المشتغلون بكل من علمي الكون والفيزياء النظريه ان الامر مرتبط بكثافه الكون, فان كانت كثافته في حدود مايعرف بالكثافه الحرجه
(CriticalDensity)
فمعني ذلك ان قوه الجاذبيه الكونيه تكفي لايقاف توسع الكون في المستقبل الذي لايمكن لاحد ان يعلمه الا الله, اما اذا كانت كثافه الكون اقل من الكثافه الحرجه فمعني ذلك ان الكون سيبقي متوسعا الي مالا نهايه, وهذا مالايمكن اثباته لان الانسان في زمن تفجر المعارف العلميه الذي نعيشه لايدرك اكثر من10% من ماده الكون المنظور, فاني له ان يصل الي معرفه كثافه هذا الجزء من الكون المليء بصور الماده غير المرئيه من مثل الثقوب السود, والماده الداكنه, وجسيمات النيوترينو
(Neutrino)
وغيرها, فضلا عن معرفه كثافه الكون غير المدرك؟ ولذلك يتحدث علماء الفلك عما يسمونه باسم الكتله المفقوده
(TheMissingMass)
في الجزء المدرك من الكون, والتي يعللون وجودها بان كميات الماده والطاقه المشاهده فيه اقل بكثير عن الكميه اللازمه لابقاء اجزائه متماسكه مع بعضها بعضا بفعل الجاذبيه, بل يحتاج ذلك الي عشره اضعاف الكميه المدركه من الماده لكي يبقي الجزء المدرك من الكون في تماسك واتزان, ومن هنا كان التقدير بان90% من ماده الجزء المدرك من الكون غائبه عن ادراكنا.
(2) الاحتمال الثاني: ويقترح فيه علماء الكون نموذجا للكون المتذبذب
(TheOscillatingUniverse)
بغير بدايه ولا نهايه هروبا من الاعتراف بالخلق وجحودا بالخالق( سبحانه وتعالي) ويبقي الكون في هذا النموذج متذبذبا بين التكدس والانفجار اي بين الانكماش والتمدد في دورات متتابعه ولكنها غير متشابهه الي مالا نهايه تبدا بمرحله التكدس علي الذات ثم الانفجار والتمدد ثم التكدس مره اخري وهكذا.
واقترح ريتشارد تولمان
(RichardTolman)
في سنه1934 م ان كل دوره من دورات تذبذب الكون لاتتشابه مع ماقبلها من الدورات بافتراض ان النجوم تنشر اشعاعها في الكون فتتزايد اعداد فوتونات الطاقه ببطء فياتي كل انفجار كوني اعلي حراره من سابقيه علي الرغم من التدمير الكامل الذي يعم الكون في كل مرحله, وهو افتراض ساذج ينسي انطواء الكون علي ذاته بكل مافيه من مختلف صور الماده والطاقه والمكان والزمان, وانغلاق ذلك كله في كل عمليه تكدس يمر بها الكون, ولذلك لم يستطع هذا النموذج المقترح الصمود في ضوء معطيات علم الفلك الحديثه.
(3) الاحتمال الثالث: ويتوقع فيه العلماء تباطو سرعه توسع الكون مع الزمن وهي القوه الناتجه عن عمليه الانفجار العظيم, فكما ان الحراره التي نتجت عن تلك العمليه والتي تقدر حسابيا ببلايين البلايين من الدرجات المطلقه لحظه الانفجار قد انخفضت اليوم الي اقل قليلا من الثلاث درجات مطلقه( اي الي 270 درجه مئويه), فلابد ان القوه الدافعه الي الخارج والموديه الي توسع الكون قد تناقصت بنفس المعدل, خاصه ان الحسابات الرياضيه تشير الي ان معدلات التمدد الكوني عقب عمليه الانفجار العظيم مباشره كانت اعلي بكثير من معدلاتها الحاليه( الكون المتضخم بسرعات فائقه).
ومع تباطو سرعه توسع الكون تتفوق قوي الجاذبيه علي قوه الدفع بالمجرات للتباعد عن بعضها بعضا فتاخذ المجرات في الاندفاع الي مركز الكون بسرعات متزايده, لامه مابينها من مختلف صور الماده والطاقه فيبدا الكون في الانكماش والتكدس علي ذاته, ويطوي كل من المكان والزمان حتي تتلاشي كل الابعاد او تكاد, وتتجمع كل صور الماده والطاقه المنتشره في ارجاء الكون حتي تتكدس في نقطه متناهيه في الضاله, تكاد تصل الي الصفر او العدم, ومتناهيه في الكثافه والحراره الي الحد الذي تتوقف عنده كل قوانين الفيزياء المعروفه, اي يعود الكون الي حالته الاولي( مرحله الرتق) ويسمي هذا النموذج باسم نموذج الكون المنغلق
(TheClosedUniverse)
وتسمي عمليه تجمع الكون بنظريه الانسحاق الكبير
(TheBigCrunchTheory),
وهي معاكسه لعمليه الانفجار الكبير. ونحن المسلمين نومن بتلك النظريه لقول الحق( تبارك وتعالي) في محكم كتابه:
يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدانا اول خلق نعيده وعدا علينا انا كنا فاعلين.
(الانبياء:104)
ولايستطيع اي انسان كائنا من كان ان يتوقع شيئا وراء ذلك الغيب المستقبلي بغير بيان من الله الخالق, والقران الكريم يخبرنا فيه بقول الحق( تبارك وتعالي):
يوم تبدل الارض غير الارض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار.( ابراهيم:48)
وبقوله( عز من قائل):
او لم يروا ان الله الذي خلق السماوات والارض قادر علي ان يخلق مثلهم وجعل لهم اجلا لا ريب فيه فابي الظالمون الا كفورا.( الاسراء:99)
ومعني هذه الايات الكريمه ان الله( تعالي) سوف يطوي صفحه الكون جامعا كل مافيها من مختلف صور الماده, والطاقه, والمكان والزمان, علي هيئه جرم ابتدائي ثان( رتق ثان) شبيه تماما بالجرم الابتدائي الاول( الرتق الاول) الذي نشا عن انفجاره الكون الراهن, وان هذا الجرم الثاني سوف ينفجر بامر من الله( تعالي) كما انفجر الجرم الاول, وسوف يتحول الي سحابه من الدخان كما تحول الجرم الاول, وسوف يخلق الله( تعالي) من هذا الدخان ارضا غير ارضنا الحاليه, وسماوات غير السماوات التي تظلنا, كما وعد( سبحانه وتعالي), وهنا تبدا الحياه الاخره ولها من السنن والقوانين مايغاير سنن الحياه الدنيا, فهي خلود بلا موت, والدنيا موت بعد حياه, وسبحان القائل مخاطبا اهل الجنه:
ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود( ق:34)
وصلي الله وسلم وبارك علي خاتم الانبياء والمرسلين الذي يروي عنه قوله: والله مابعد الدنيا من دار الا الجنه او النار, وانها لجنه ابدا او نار ابدا.
ومن الامور المعجزه حقا ان يشير القران الكريم الذي انزل قبل الف واربعمائه من السنين الي اهم نظريتين في خلق الكون وافنائه وهما نظريتا الانفجار الكبير والانسحاق الكبير ونحن نرتقي بهاتين النظريتين الي مقام الحقيقه لمجرد ورود اشاره اليهما في كتاب الله الخالد الذي لاياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ومن المعجز ايضا ان ترد الايتان المشيرتان الي كلتا النظريتين في سوره واحده من سور القران الكريم وهي سوره الانبياء( الايتان:30 و104).
ومن المعجز حقا تلك الاشاره القرانيه المبهره باعاده خلق ارض غير الارض الحاليه, وسماوات غير السماوات الحاليه, وهو غيب لايمكن للانسان ان يصل اليه ابدا بغير هدايه ربانيه, وهي الهدايه. التي تحسم الجدل المحير في امر من امور الغيب المطلق, حار فيه علماء العصر, فسبحان الذي انزل القران بعلمه فقال مخاطبا خاتم انبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم)
لكن الله يشهد بما انزل اليك انزله بعلمه والملائكه يشهدون وكفي بالله شهيدا
(النساء:166).
-
8 ان ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في سته ايام ثم استوي علي العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا....
بقلم الدكتور:زغلول النجار
في الوقت الذي ساد اعتقاد الناس بثبات الارض وسكونها, جاء القران الكريم بالتاكيد علي جريها وسبحها, وعلي جري كافه اجرام السماء وسبحها في فسحه الكون الرحيب, ولكن لما كانت هذه الحقائق خافيه علي الناس في زمن تنزل الوحي فقد جاءت الاشارات القرانيه اليها بصياغه لطيفه, رقيقه, غير مباشره حتي لاتصدهم عن قبوله فيحرموا نور الرساله الخاتمه, ويكون ذلك سببا في حرمان البشريه من هديها..!!
من هنا جاءت الاشارات القرانيه الي عدد من الحقائق الكونيه التي كانت غائبه عن علم الناس في زمن الوحي ومنها حركات الارض بصياغه مجمله, غير مباشره, ولكنها في نفس الوقت صياغه بالغه الدقه في التعبير, والشمول في الدلاله, والاحاطه بالحقيقه الكونيه, لتبقي مهيمنه علي المعرفه الانسانيه مهما اتسعت دوائرها, وشاهده للقران الكريم بانه كلام ا لله الخالق, وللنبي الخاتم الذي تلقي الوحي به( صلي الله عليه وسلم) بانه كان معلما من قبل خالق السماوات والارض, وموكده علي وصفه( صلي الله عليه وسلم) للقران الكريم بانه لاتنتهي عجائبه, ولايخلق علي كثره الرد.
الاشارات القرانيه الي حركات الارض:
استعاض القران الكريم في الاشاره الي حركات الارض بغشيان( او بتغشيه) كل من الليل والنهار للاخر, واختلافهما, وتقلبهما, وولوج كل منهما في الاخر, وبسلخ النهار من الليل, وبمرور الجبال مر السحاب, وبالتعبير القراني المعجز عن سبح كل من الليل والنهار كنايه عن الحركات الانتقاليه للارض, وذلك علي النحو التالي:
اولا: ايات غشيان الليل النهار:
وجاء ذكرها في ايتي الاعراف رقم(54), والرعد رقم(3) كما سوف يفصل بعد ذلك بقليل.
http://www.ahram.org.eg/Archive/2001/7/9/853_13M.JPG
ثانيا: ايات اختلاف كل من الليل والنهار:
تباطو سرعه دوران الارض حول محورها مع الزمن مدون في اجساد النباتات وغيرها من الكائنات الحيه والبائده
وهي خمس ايات كريمه توكد كرويه الارض ودورانها حول محورها امام الشمس يقول فيها الحق تبارك وتعالي:
(1) ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار........ لايات لقوم يعقلون
(البقره:164)
(2) ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لايات لاولي الالباب
(ال عمران:190)
(3) ان في اختلاف الليل والنهار وماخلق الله في السماوات والارض لايات لقوم يتقون
(يونس:6)
(4) وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار افلا تعقلون( المومنون:80)
(5) ان في السماوات والارض لايات للمومنين* وفي خلقكم وما يبث من دابه ايات لقوم يوقنون* واختلاف الليل والنهار وما انزل الله من السماء من رزق فاحيا به الارض بعد موتها وتصريف الرياح ايات لقوم يعقلون
(الجاثيه:2 5)
ويوكد القران الكريم اختلاف الليل والنهار بتعبير اخر يقول فيه ربنا( تبارك وتعالي):
(6) وهو الذي جعل الليل والنهار خلفه لمن اراد ان يذكر او اراد شكورا
(الفرقان:62)
وبتعبير ثالث يقول فيه( سبحانه وتعالي):
(7) والليل اذ ادبر* والصبح اذا اسفر*( المدثر:34,33)
وبتعبير رابع يقول فيه ربنا( تبارك وتعالي):
(8) والليل اذا عسعس* والصبح اذا تنفس( التكوير:18,17)
ثالثا: ايه تقليب الليل والنهار:
وقد جاءت في سوره النور حيث يقول الخالق( سبحانه وتعالي):
يقلب الليل والنهار ان في ذلك لعبره لاولي الابصار( النور:44)
وفيها اشاره واضحه الي دوران الارض حول محورها امام الشمس.
رابعا: ايات ايلاج الليل في النهار وايلاج النهار في الليل:
وهي خمس ايات يقول فيها ربنا( تبارك وتعالي):
(1) تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل.( ال عمران:27)
(2) ذلك بان الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وان الله سميع بصير
(الحج:61)
(3) الم تر ان الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل....( لقمان:29)
(4) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل...( فاطر13)
(5) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور
(الحديد:6)
والولوج لغه هو الدخول, ولما كان من غير المعقول دخول زمن في زمن اخر, اتضح لنا ان المقصود بكل من الليل والنهار هنا هو المكان الذي يتغشيانه اي الارض, بمعني ان الله( تعالي) يدخل نصف الارض الذي يخيم عليه ظلام الليل بالتدريج في مكان النصف الذي يعمه النهار, كما يدخل نصف الارض الذي يعمه النهار بالتدريج في مكان النصف الذي تخيم عليه ظلمه الليل, وهو مايشير الي كل من كرويه الارض ودورانها حول محورها امام الشمس بطريقه غير مباشره, ولكنها تبلغ من الدقه والشمول والاحاطه مايعجز البيان عن وصفه.
خامسا: ايه سلخ النهار من الليل:
ويقول فيها ربنا( تبارك وتعالي):
وايه لهم الليل نسلخ منه النهار فاذا هم مظلمون( يس:37)
ومعني ذلك ان الله( تعالي) ينزع نور النهار من اماكن الارض التي يتغشاها الليل بالتدريج كما ينزع جلد الذبيحه عن كامل بدنها بالتدريج, ولايكون ذلك الا بدوران الارض حول محورها امام الشمس, وفي هذا النص القراني سبق بالاشاره الي رقه طبقه النهار في نصف الكره الارضيه المواجه للشمس, وهي حقيقه لم يدركها الانسان الا بعد رياده الفضاء في النصف الثاني من القرن العشرين حيث ثبت ان سمك طبقه النهار حول الارض لايتعدي المائتي كيلو متر فوق سطح البحر, واذا نسب ذلك الي المسافه التي تفصل بيننا وبين الشمس( والمقدره بحوالي المائه والخمسين مليونا من الكيلو مترات) فانها لاتتجاوز الواحد الي سبعمائه وخمسين الفا تقريبا, واذا نسب الي نصف قطر الجزء المدرك من الكون( والمقدر باكثر من عشره الاف مليون من السنين الضوئيه*9.5 مليون مليون كيلو متر) اتضحت ضالته, واتضحت كذلك لمحه الاعجاز القراني في تشبيه انحسار طبقه النهار الرقيقه عن ظلمه الليل بسلخ جلد الذبيحه الرقيق عن كامل بدنها, وفي التاكيد علي ان الظلام هو الاصل في الكون, وان نور النهار ظاهره رقيقه عارضه لاتظهر الا في الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي للارض في نصفها المواجه للشمس.
سادسا: ايتا سبح كل من الليل والنهار كنايه عن سبح الارض في مداراتها المختلفه:
ويقول فيهما ربنا( تبارك وتعالي:)
(1) وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون( الانبياء:33)
(2) لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون
(يس:40)
سابعا: ايه مرور الجبال مر السحاب:
وفيها يقول الخالق( سبحانه وتعالي):
وتري الجبال تحسبها جامده وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي اتقن كل شئ انه خبير بما تعملون( النمل:88)
ومرور الجبال مر السحاب هو كنايه عن دوران الارض حول محورها, وعن جريها وسبحها في مداراتها, وذلك لان الغلاف الغازي للارض الذي يتحرك فيه السحاب مرتبط بالارض برباط الجاذبيه, وحركته منضبطه مع حركه كل من الارض, والسحاب المسخر فيه.
غشيان( تغشيه) الليل النهار:
جاء ذكر هذه الحقيقه الكونيه في ايتين كريمتين من ايات القران العظيم يقول فيهما ربنا( تبارك وتعالي):
(1) ان ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في سته ايام ثم استوي علي العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بامره الا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين*)( الاعراف:54)
(2) وهو الذي مد الارض وجعل فيها رواسي وانهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون( الرعد3)
كذلك جاء ذكر تجليه النهار للشمس, وتغشيتها بالليل في قول الحق( تبارك وتعالي): والشمس وضحاها* والقمر اذا تلاها* والنهار اذا جلاها* والليل اذا يغشاها( الشمس:1 4)
وجاء ذكر تغشيه الليل وتجليه النهار دون تفصيل في قول ربنا( تبارك وتعالي):
والليل اذا يغشي* والنهار اذا تجلي
(الليل:2,1)
والفعل( يغشي) مستمد من( الغشاء) وهو الغطاء, يقال غشي بمعني غطي وستر, ويقال( غشاه) و( تغشاه)( تغشيه) اي غطاه تغطيه, و(اغشاه) اياه غيره, و( الغشوه) بفتح الغين وضمها وكسرها و( الغشاوه) مايتغطي او يغطي به الشيء, ويقال( غشيه)( غشيانا) و( غشاوه) و(غشاء) اي جاءه مجيء ما قد غطاه وستره, و(استغشي) بثوبه و( تغشي) به اي تغطي به, و(الغاشيه) كل مايغطي الشيء كغاشيه السرج, و(الغاشيه) تستخدم كنايه عن القيامه التي( تغشي) الخلق باهوالها وجمعها( غواش), و(غاشيه تغشاهم) اي امر يعمهم سواء كان شرا ام خيرا من مثل نائبه تجللهم او فرح يعمهم.
من ذلك يتضح ان من معاني يغشي الليل النهار ان الله( تعالي) يغطي بظلمه الليل مكان نور النهار علي الارض بالتدريج فيصير ليلا, ويغطي بنور النهار مكان ظلمه الليل علي الارض بالتدريج فيصير نهارا, وهي اشاره لطيفه الي كل من كرويه الارض ودورانها حول محورها امام الشمس دوره كامله في كل يوم مدته24 ساعه, يتقاسمها بتفاوت قليل الليل والنهار, في تعاقب تدريجي ينطق بطلاقه القدره الالهيه المبدعه, فلو لم تكن الارض كرويه الشكل مااستطاعت الدوران حول محورها, ولو لم تدر حول محورها امام الشمس ماتبادل الليل والنهار.
والقران الكريم يستخدم تعبير الليل والنهار في مواضع كثيره استخداما مجازيا للاشاره الي كوكب الارض, كما يشير بهما الي كل من الظلمه والنور علي التوالي والي العديد من المظاهر المصاحبه لهما من مثل قوله( تعالي):
والشمس وضحاها* والقمر اذا تلاها* والنهار اذا جلاها* والليل اذا يغشاها
(الشمس:1 4)
وفي هذه الايات الكريمه يقسم ربنا تبارك وتعالي( وهو الغني عن القسم) بالنهار الذي يجلي الشمس اي يظهرها واضحه جليه لسكان الارض, وهي حقيقه لم يدركها العلماء الا من بعد رياده الفضاء في النصف الاخير من القرن العشرين, حين اكتشفوا ان نور النهار المبهج لا يتعدي سمكه مائتي كيلو متر فوق مستوي سطح البحر في نصف الكره الارضيه المواجه للشمس, وان هذا الحزام الرقيق من الغلاف الغازي للارض يصفو من الملوثات وتقل كثافته بالارتفاع علي سطح الارض, بينما تزداد كثافته ونسب كل من بخار الماء وهباءات الغبار فيه كلما اقترب من سطح الارض, ويقوم ذلك التركيز وتلك الهباءات من الغبار بالمساعده علي تشتيت ضوء الشمس, وتكرار انعكاسه مرات عديده حتي يظهر لنا باللون الابيض المبهج الذي يميز النهار كظاهره نورانيه مقصوره علي النطاق الاسفل من الغلاف الغازي للارض في نصفها المواجه للشمس, بينما يعم الظلام الكون المدرك في غالبيه اجزائه, وتبدو الشمس بعد تجاوز نطاق نور النهار قرصا ازرق في صفحه سوداء, ومن هنا فهمنا المعني المقصود من ان النهار يجلي الشمس, بينما ظل كل الناس الي اواخر القرن العشرين وهم ينادون بان الشمس هي التي تجلي النهار, فسبحان الذي انزل تلك الحقيقه الكونيه من قبل الف واربعمائه سنه, والتي لم يكتشفها العلم التجريبي الا في النصف الاخير من القرن العشرين...!!!
كذلك يقسم ربنا( تبارك وتعالي) في سوره الليل وهو( تعالي) غني عن القسم بقوله عز من قائل: والليل اذا يغشي والنهاراذا تجلي( الليل:2,1) وهو قسم بالليل( اي ليل الارض) الذي يغشي اي يغطي نصف الكره الارضيه البعيد عن الشمس بالظلام لعدم مواجهته للشمس, وقسم بالنهار( اي نهار الارض) الذي تشرق فيه الشمس علي نصف الكره الارضيه المواجه لها فيعمه نور النهار, وبتعاقبهما تستقيم الحياه علي الارض, ويتمكن الانسان من ادراك مرور الزمن والتاريخ للاحداث.
وحينما يغشي الليل بظلمته نصف الارض, البعيد عن الشمس تتصل ظلمه الارض بظلمه السماء فيعم الظلام, وفي نفس الوقت يتجلي النهار في نصف الارض المواجه للشمس بنوره المبهج فاصلا الارض عن ظلمه الكون بحزام رقيق من النور الابيض لا يكاد يتعدي سمكه المائتي كيلو متر.
ويمن علينا ربنا( تبارك وتعالي) بتبادل كل من الليل والنهار فيقول( سبحانه): قل ارءيتم ان جعل الله عليكم الليل سرمدا الي يوم القيامه من اله غير الله ياتيكم بضياء افلا تسمعون* قل ارءيتم ان جعل الله عليكم النهار سرمدا الي يوم القيامه من اله غير الله ياتيكم بليل تسكنون فيه افلا تبصرون* ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون( القصص:71 73)
ويقول( عز من قائل):
وجعلنا الليل لباسا, وجعلنا النهار معاشا( النبا:11,10)
يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا
يتساءل قاريء القران الكريم عن الوصف حثيثا الذي جاء في الايه( رقم54) من سوره الاعراف ولم يذكر في بقيه ايات تغشيه الليل النهار, او التغشيه بغير تحديد, وللاجابه علي ذلك اقول ان ايه سوره الاعراف مرتبطه بالمراحل الاولي من خلق السماوات والارض, بينما بقيه الايات تصف الظاهره بصفه عامه.
واللفظه( حثيثا) تعني مسرعا حريصا, يقال( حثه) من باب رده و(استحثه) علي الشيء اي حضه عليه( فاحتث), و(حثثه تحثيثا وحثحثه) بمعني حضه, و(تحاثوا) بمعني تحاضوا.
والدلاله الواضحه للايه الكريمه( رقم54) من سوره الاعراف ان حركه تتابع الليل والنهار( اي حركه دوران الارض حول محورها امام الشمس) كانت في بدء الخلق سريعه متعاقبه بمعدلات اعلي من سرعتها الحاليه والا ما غشي الليل النهار يطلبه حثيثا, وقد ثبت ذلك اخيرا عن طريق دراسه مراحل النمو المتتاليه في هياكل الحيوانات وفي جذوع الاشجار المعمره والمتاحفره, وقد انضوت دراسه تلك الظاهره في جذوع الاشجار تحت فرع جديد من العلوم التطبيقيه يعرف باسم علم تحديد الازمنه بواسطه الاشجار او
(Dendrochronology)
وقد بدا هذا العلم بدراسه الحلقات السنويه التي تظهر في جذوع الاشجار عند عمل قطاعات مستعرضه فيها وهي تمثل مراحل النمو المتتاليه في حياه النبات( من مركز الساق حتي طبقه الغطاء الخارجي المعروفه باسم اللحاء), وذلك من اجل التعرف علي الظروف المناخيه والبيئيه التي عاشت في ظلها تلك الاشجار حيث ان الحلقات السنويه في جذوع الاشجار تنتج بواسطه التنوع في الخلايا التي يبنيها النبات في فصول السنه المتتابعه( الربيع, والصيف, والخريف, والشتاء) فترق رقه شديده في فترات الجفاف, وتزداد سمكا في الاونه المطيره.
وقد تمكن الدارسون لتلك الحلقات السنويه من متابعه التغيرات المناخيه المسجله في جذوع عدد من الاشجار الحيه المعمره مثل اشجار الصنوبر ذات المخاريط الشوكيه المعروفه باسم
(Pinusaristata)
الي اكثر من ثمانيه الاف سنه مضت, ثم انتقلوا الي دراسه الاحافير عبر العصور الارضيه المتعاقبه, وطوروا تقنياتهم من اجل ذلك فتبين لهم ان الحلقات السنويه في جذوع الاشجار
(AnnualRings)
وخطوط النمو في هياكل الحيوانات
(LinesofGrowth)
يمكن تصنيفها الي السنوات المتتاليه, بفصولها الاربعه, وشهورها الاثني عشر, واسابيعها السته والخمسين, وايامها, ونهار كل يوم وليله وان عدد الايام في السنه يتزايد باستمرار مع تقادم عمر العينه المدروسه, ومعني ذلك ان سرعه دوران الارض حول محورها امام الشمس كانت في القديم اسرع منها اليوم, وهنا تتضح روعه التعبير القراني يطلبه حثيثا عند بدء الخلق كما جاء في الايه رقم(54) من سوره الاعراف.
تزايد عدد ايام السنه بتقادم عمر الارض وعلاقتها بالسرعه الفائقه لدوران الارض حول محورها عند بدء الخلق
في اثناء دراسه الظروف المناخيه والبيئيه القديمه كما هي مدونه في كل من جذوع النباتات وهياكل الحيوانات القديمه اتضح للدارسين انه كلما تقادم الزمن بتلك الحلقات السنويه وخطوط النمو زاد عدد الايام في السنه, وزياده عدد الايام في السنه هو تعبير دقيق عن زياده سرعه دوران الارض حول محورها امام الشمس.
وبتطبيق هذه الملاحظه المدونه في الاحافير( البقايا الصلبه للكائنات البائده) بدقه بالغه اتضح ان عدد ايام السنه في العصر الكمبري
CambrianPeriod))
اي منذ حوالي ستمائه مليون سنه مضت كان425 يوما, وفي منتصف العصر الاوردوفيشي
(OrdovicianPeriod)
اي منذ حوالي450 مليون سنه مضت كان415 يوما, وبنهايه العصر التراياسي
(TriassicPeriod)
اي منذ حوالي مائتي مليون سنه مضت كان385 يوما, وهكذا ظل هذا التناقص في عدد ايام السنه( والذي يعكس التناقص التدريجي في سرعه دوران الارض حول محورها) حتي وصل عدد ايام السنه في زماننا الراهن الي365,25 يوم تقريبا(365 يوما,5 ساعات,49 دقيقه,12 ثانيه). وباستكمال هذه الدراسه اتضح ان الارض تفقد من سرعه دورانها حول محورها امام الشمس واحدا من الالف من الثانيه في كل قرن من الزمان بسبب كل من عمليتي المد والجزر وفعل الرياح المعاكسه لاتجاه دوران الارض حول محورها, وكلاهما يعمل عمل الكابح( الفرامل) التي تبطيء من سرعه دوران الارض حول محورها. وبمد هذه الدراسه الي لحظه تيبس القشره الخارجيه للارض( اي قريبا من بدايه خلقها علي هيئتها الكوكبيه) منذ حوالي4,600 مليو
ن سنه مضت وصل عدد الايام بالسنه الي2200 يوم تقريبا, ووصل طول الليل والنهار معا الي حوالي الاربع ساعات, ومعني هذا الكلام ان سرعه دوران الارض حول محورها امام الشمس كانت سته اضعاف سرعتها الحاليه..!! فسبحان الله الذي انزل في محكم كتابه من قبل الف واربعمائه سنه قوله الحق:
ان ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في سته ايام ثم استوي علي العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا...( الاعراف:54)
وسبحان الله الذي ابقي لنا في هياكل الكائنات الحيه والبائده ما يوكد تلك الحقيقه الكونيه, حتي تبقي هذه الاشاره القرانيه الموجزه يطلبه حثيثا مما يشهد بالاعجاز العلمي للقران الكريم, وبانه كلام الله الخالق, وبان خاتم الانبياء والمرسلين الذي تلقاه عن طريق الوحي كان موصولا برب السماوات والارض, وانه( صلي الله عليه وسلم) ما كان ينطق عن الهوي...!!
ارتباك دوران الارض قبل
طلوع الشمس من مغربها
بمعرفه كل من سرعه دوران الارض حول محورها امام الشمس في ايامنا الراهنه, ومعدل تباطو سرعه هذا الدوران مع الزمن, توصل العلماء الي الاستنتاج الصحيح ان ارضنا سوف ياتي عليها وقت تجبر فيه علي تغيير اتجاه دورانها بعد فتره من الاضطراب, فمنذ اللحظه الاولي لخلقها الي اليوم والي ان يشاء الله تدور ارضنا من الغرب الي الشرق, فتبدو الشمس طالعه من الشرق, وغاربه في الغرب, فاذا انعكس اتجاه دوران الارض طلعت الشمس من مغربها وهو من العلامات الكبري للساعه ومن نبوءات المصطفي( صلي الله عليه وسلم)
فعن حذيفه بن اسيد الغفاري( رضي الله عنه) انه قال:
اطلع النبي( صلي الله عليه وسلم) علينا ونحن نتذاكر, فقال: ما تذاكرون؟, قلنا: نذكر الساعه,
فقال: انها لن تقوم حتي تروا قبلها عشر ايات
فذكر: الدخان, الدجال, والدابه, وطلوع الشمس من مغربها, ونزول عيسي بن مريم, وياجوج وماجوج, وثلاثه خسوف: خسف بالمشرق, وخسف بالمغرب, وخسف بجزيره العرب, واخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس الي محشرهم
وعن عبدالله بن عمرو( رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله( صلي الله عليه وسلم) يقول: ان اول الايات خروجا طلوع الشمس من مغربها, وخروج الدابه علي الناس ضحي, وايهما ما كانت قبل صاحبتها, فالاخري علي اثرها قريبا.
وفي حديث الدجال الذي رواه النواس بن سمعان( رضي الله عنه) قال: ذكر رسول الله( صلي الله عليه وسلم) الدجال.. قلنا يا رسول الله: وما لبثه في الارض؟ قال( صلي الله عليه وسلم): اربعون يوما, يوم كسنه, ويوم كشهر, ويوم كجمعه, وسائر ايامه كايامكم, قلنا يارسول الله فذلك اليوم الذي كسنه اتكفينا فيه صلاه يوم؟ قال( صلي الله عليه وسلم): لا, اقدروا له...
ومن الامور العجيبه ان ياتي العلم التجريبي في اواخر القرن العشرين ليوكد انه قبل تغيير اتجاه دوران الارض حول محورها امام الشمس ستحدث فتره اضطراب نتيجه لتباطو سرعه دوران الارض حول محورها, وفي فتره الاضطراب تلك ستطول الايام بشكل كبير ثم تقصر وتنتظم بعد ذلك.
ويعجب الانسان لهذا التوافق الشديد بين نبوءه المصطفي( صلي الله عليه وسلم) وما اثبته العلم التجريبي في اواخر القرن العشرين, والسوال الذي يفرض نفسه: من الذي علم ذلك لهذا النبي الامي( صلي الله عليه وسلم)؟ ولماذا اشار القران الكريم الي مثل هذه القضايا الغيبيه التي لم تكن معروفه في زمن الوحي؟ ولا لقرون من بعده؟ لولا ان الله( تعالي) يعلم بعلمه المحيط ان الانسان سيصل في يوم من الايام الي اكتشاف تلك الحقائق الكونيه فتكون هذه الاشارات المضيئه في كتاب الله وفي احاديث خاتم انبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم) شهاده له بالنبوه وبالرساله, في زمن التقدم العلمي والتقني الذي نعيشه.
خطا شائع يجب تصحيحه:
يظن بعض الناس اننا اذا ادركنا في صخور الارض او في صفحه السماء عددا من معدلات التغيير الانيه في النظام الكوني الذي نعيش فيه فانه قد يكون من الممكن ان نحسب متي ينتهي هذا النظام, وبمعني اخر متي تكون الساعه...!!
وهذا وهم لا اساس له من الصحه لان الاخره لها من السنن والقوانين مايغاير سنن الدنيا, وانها تاتي فجاه بقرار الهي كن فيكون, دون انتظار لرتابه السنن الكونيه الراهنه التي تركها لنا ربنا( تبارك وتعالي) رحمه منه بنا, اثباتا لامكان حدوث الاخره, وقرينه علميه علي حتميه وقوعها والتي جادل فيها اهل الكفر والالحاد عبر التاريخ, والذين كانت حجتهم الواهيه الادعاء الباطل بازليه العالم, وهو ادعاء اثبتت العلوم الكونيه في عطاءاتها الكليه بطلانه بطلانا كاملا...!!!
فعلي سبيل المثال لا الحصر تفقد شمسنا من كتلتها في كل ثانيه علي هيئه طاقه مايساوي4,6 مليون طن من الماده( اي نحو اربعه بلايين طن في اليوم), ونحن نعرف كتله الشمس في وقتنا الحاضر فهل يمكن لعاقل ان يتصور امكان استمرار الشمس حتي اخر جرام من مادتها؟ وحينئذ يمكن بقسمه كتله الشمس علي ما تفقده في اليوم ان ندرك كم بقي من عمرها؟
هذا كلام يرفضه العقل السليم, لان الساعه قرار الهي غير مرتبط بفناء ماده الشمس, وان ابقي لنا ربنا( تبارك وتعالي) هذه الظاهره من الافناء التدريجي للشمس, ولغيرها من نجوم السماء دليلا ماديا ملموسا علي حتميه الاخره, اما متي تكون؟ فهذا غيب مطلق في علم الله, لا يعلمه الا هو( سبحانه وتعالي).
وبالمثل فان الحراره تنتقل في كوننا المدرك من الاجسام الحاره الي الاجسام البارده, ويفترض قانون انتقال الحراره استمرارتلك العمليه حتي تتساوي درجه حراره كل اجرام الكون وينتهي كل شئ, فهل يمكن لعاقل ان يتصوراستمرار الوجود حتي تتساوي درجه حراره كل الاجرام في الكون, ام ان هذا قرار الهي: كن فيكون غير مرتبط بانتقال الحراره من الاجسام الحاره الي الاجسام البارده, وان ابقاها الله( تعالي) قرينه ماديه ملموسه علي حتميه الاخره؟ وعلي ان الكون الذي نحيا فيه ليس ازليا ولا ابديا, فقد كانت له بدايه, ولابد ان ستكون له في يوم من الايام نهايه؟ وهذا ما اثبتته جميع الدراسات العلميه في عصر تفجر المعرفه الذي نعيشه, وان تلك النهايه لن تتم برتابه الاحداث الدنيويه في الجزء المدرك من الكون, بل هي قرار الهي فجائي لا يعلم وقته الا الله سبحانه وتعالي ولذلك انزل لنا في محكم كتابه قوله الحق مخاطبا خاتم انبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم):
يسالونك عن الساعه ايان مرساها قل انما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها الاهو ثقلت في السموات والارض لا تاتيكم الا بغته يسالونك كانك حفي عنها قل انما علمها عند الله ولكن اكثر الناس لا يعلمون) الاعراف:187)
كما انزل( سبحانه وتعالي) كذلك في المعني نفسه:
يسالونك عن الساعه ايان مرساها* فيم انت من ذكراها* الي ربك منتهاها* انما انت منذر من يخشاها* كانهم يوم يرونها لم يلبثوا الا عشيه او ضحاها( النازعات:42 46)
وعلي ذلك جاء رد المصطفي( صلي الله عليه وسلم) علي جبريل( عليه السلام) حين ساله في جمع من الصحابه: فاخبرني عن الساعه؟ بقوله الشريف: ما المسئول عنها باعلم من السائل.
فسبحان الله الذي انزل القران الكريم بالحق, انزله بعلمه, وجعله معجزه خاتم انبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم) الي قيام الساعه, وجعله مهيمنا علي المعرفه الانسانيه مهما اتسعت دوائرها في كل امر ذكر فيه, وجعل كل ايه من اياته, وكل كلمه من كلماته, وكل حرف من حروفه, وكل اشاره, ودلاله, ووصف فيه مما يشهد بانه كلام الله الخالق, ويشهد للنبي الخاتم( صلي الله عليه وسلم) بالنبوه والرساله الخاتمه.
-
9 فلا اقسم بمواقع النجوم. وانه لقسم لو تعلمون عظيم
بقلم الدكتور: زغلول النجار
في هاتين الايتين الكريمتين يقسم ربنا تبارك وتعالي وهو الغني عن القسم بمواقع النجوم, ثم ياتي جواب القسم:
انه لقران كريم* في كتاب مكنون* لا يمسه الا المطهرون* تنزيل من رب العالمين( الواقعه:77 80)
والمعني المستفاد من هذه الايات الكريمه ان الله تعالي يخبرنا بقوله( عز من قائل): اقسم قسما مغلظا بمواقع النجوم وان هذا القسم جليل عظيم لو كنتم تعرفون قدره ان هذا القران كتاب كريم, جم الفوائد والمنافع, لاشتماله علي اصول الدين من العقيده والعباده والاخلاق والمعاملات, وغير ذلك من امور الغيب وضوابط السلوك وقصص الانبياء واخبار الامم السابقه والعبر المستفاده منها, وعدد من حقائق ومظاهر الكون الداله علي وجود الله وعلي عظيم قدرته, وكمال حكمته واحاطه علمه.
وياتي جواب القسم: ان الله تعالي قد تعهد بحفظ هذا الوحي الخاتم في كتاب واحد مصون بقدره الله( تعالي), محفوظ بحفظه من الضياع او التبديل والتحريف, وهو المصحف الشريف, الذي لا يجوز ان يمسه الا المطهرون من جميع صور الدنس المادي( اي المتوضئون الطاهرون), ولا يستشعر عظمته وبركته الا المومنون بالله, الموحدون لذاته العليا, المطهرون من دنس الشرك, والكفر, والنفاق, ورذائل الاخلاق, لان هذا القران الكريم هو وحي الله الخاتم, المنزل علي خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم), وهو معجزته الخالده الي يوم الدين, انزله الله تعالي بعلمه وهو الاله الخالق, رب السماوات والارض ومن فيهن, وقيوم الكون ومليكه( سبحانه وتعالي), ولذلك يقول( عز من قائل):
فلا اقسم بمواقع النجوم* وانه لقسم لو تعلمون عظيم* انه لقران كريم* في كتاب مكنون* لا يمسه الا المطهرون* تنزيل من رب العالمين*
( الواقعه:75 80)
تفسير القسم بمواقع النجوم
http://www.ahram.org.eg/Archive/2001/7/16/860_18M.JPG
الفاء حرف عطف, يعطف بها فتدل علي الترتيب والتعقيب مع الاشتراك, او يكون ما قبلها عله لما بعدها, وتجري علي العطف والتعقيب دون الاشتراك, وقد تكون للابتداء, ويكون مابعدها حينئذ كلاما مستانفا, واغلب الظن انها هنا للابتداء.
ولا احد حروف الهجاء, اعتبرها نحاه البصريين حرفا زائدا في اللفظ لا في المعني, بينما اعتبرها نحاه الكوفيين اسما لوقوعها موقع الاسم, خاصه اذا سبقت بحرف من حروف الجر, وهي تاتي نافيه للجنس, او ناهيه عن امر, او جوابيه لسوال, او بمعني غير او زائده, وتاره تعمل عمل ان, او عمل ليس, او غير ذلك من المعاني.
ومن اساليب اللغه العربيه ادخال لا النافيه للجنس علي فعل القسم: لا اقسم من اجل المبالغه في توكيد القسم, بمعني انه لا يقسم بالشيء الا تعظيما له, كانهم ينفون ما سوي المقسم عليه فيفيد تاكيد القسم به, وقيل: هي للنفي, بمعني لا اقسم به اذ الامر اوضح من ان يحتاج الي قسم اصلا فضلا عن هذا القسم العظيم.
ومواقع النجوم هي الاماكن التي تمر بها في جريها عبر السماء وهي محتفظه بعلاقاتها المحدده بغيرها من الاجرام في المجره الواحده, وبسرعات جريها ودورانها, وبالابعاد الفاصله بينها, وبقوي الجاذبيه الرابطه بينها, واللفظه مواقع جمع موقع يقال: وقع الشيء موقعه, من الوقوع بمعني السقوط. والمسافات بين النجوم مذهله للغايه لضخامه ابعادها, وحركات النجوم عديده وخاطفه, وكل ذلك منوط بالجاذبيه, وهي قوه لا تري, تحكم الكتل الهائله للنجوم, والمسافات الشاسعه التي تفصل بينها, والحركات المتعدده التي تتحركها من دوران حول محاورها وجري في مداراتها المتعدده, وغيرذلك من العوامل التي نعلم منها ولا نعلم....!!!
وهذا القسم القراني العظيم بمواقع النجوم يشير الي سبق القران الكريم بالاشاره الي احدي حقائق الكون المبهره, والتي تقول انه نظرا للابعاد الشاسعه التي تفصل نجوم السماء عن ارضنا, فان الانسان علي هذه الارض لا يري النجوم ابدا, ولكنه يري مواقع مرت بها النجوم ثم غادرتها, وعلي ذلك فهذه المواقع كلها نسبيه, وليست مطلقه, ليس هذا فقط بل ان الدراسات الفلكيه الحديثه قد اثبتت ان نجوما قديمه قد خبت او تلاشت منذ ازمنه بعيده, والضوء الذي انبثق منها في عدد من المواقع التي مرت بها لايزال يتلالا في ظلمه السماء في كل ليله من ليالي الارض الي اليوم الراهن, كما انه نظرا لانحناء الضوء في صفحه الكون فان النجوم تبدو لنا في مواقع ظاهريه غير مواقعها الحقيقيه, ومن هنا كان هذا القسم القراني بمواقع النجوم, وليس بالنجوم ذاتها علي عظم قدر النجوم التي كشف العلم عنها انها افران كونيه عجيبه يخلق الله( تعالي) لنا فيها كل صور الماده والطاقه التي ينبني منها هذا الكون المدرك.
ماهيه النجوم
http://www.ahram.org.eg/Archive/2001/7/16/860_16M.JPG
النجوم هي اجرام سماويه منتشره بالسماء الدنيا, كرويه او شبه كرويه, غازيه, ملتهبه, مضيئه بذاتها, متماسكه بقوه الجاذبيه علي الرغم من بنائها الغازي, هائله الكتله, عظيمه الحجم, عاليه الحراره بدرجه مذهله, وتشع كلا من الضوء المرئي وغير المرئي بجميع موجاته. ويمكن بدراسه ضوء النجم الواصل الينا التعرف علي العديد من صفاته الطبيعيه والكيميائيه من مثل درجه لمعانه, شده اضاءته, درجه حرارته, حجمه, كتلته, موقعه منا, سرعه دورانه حول محوره, وسرعه جريه في مداره, تركيبه الكيميائي, ومستوي التفاعلات النوويه فيه الي غير ذلك من صفات.
وقد امكن تصنيف النجوم العاديه علي اساس من درجه حراره سطحها الي نجوم حمراء(3200 درجه مطلقه) وهي اقلها حراره, الي نجوم برتقاليه, وصفراء, وبيضاء مائله الي الصفره, وبيضاء, وبيضاء مائله الي الزرقه, وزرقاء(30,000 درجه مطلقه) وهي اشدها حراره, وشمسنا من النجوم الصفراء متوسطه الحراره اذ تبلغ درجه حراره سطحها حوالي سته الاف درجه مطلقه.
والغالبيه الساحقه من النجوم(90%) تتبع هذه الانواع من النجوم العاديه التي تعرف باسم نجوم النسق الاساسي
(Main Sequence Srars),
والباقي هي نجوم في مراحل الانكدار او الطمس او في مراحل الانفجار والتلاشي, من مثل الاقزام البيضاء, النجوم النيوترونيه( النابضه وغير النابضه) والثقوب السود في المجموعه الاولي, والعمالقه الحمر, والعمالقه العظام, والنجوم المستعره, وفوق المستعرات في المجموعه الثانيه.
واكثر النجوم العاديه لمعانا هي اعلاها كثافه, وبعضها يصل في كتلته الي مائه مره قدر كتله الشمس, وتشع قدر اشعاع الشمس ملايين المرات.
واقل نجوم السماء لمعانا هي الاقزام الحمر
(Red Dwarfs),
وتبلغ درجه لمعانها اقل من واحد من الالف من درجه لمعان الشمس.
واقل كتله لجرم سماوي يمكن ان تتم بداخله عمليه الاندماج النووي فيسلك مسلك النجوم هو8% من كتله الشمس( المقدره بحوالي الفي مليون مليون مليون مليون طن), والنجوم بمثل هذه الكتل الصغيره, نسبيا هي من النجوم المنكدره من امثال النجوم البنيه القزمه او مايعرف باسم الاقزام البنيه
(Brown Dwarfs)..
والنجوم تمر بمراحل من الميلاد والشباب والشيخوخه قبل ان تنفجر او تتكدس علي ذاتها فتطمس طمسا كاملا, فهي تولد من الدخان الكوني بتكدس هذا الدخان علي ذاته( باراده الخالق سبحانه وتعالي) وبفعل الجاذبيه فتتكون نجوم ابتدائيه
(Prostars),
ثم تتحول هذه النجوم الابتدائيه الي النجوم العاديه
(Main Sequence Srars),
ثم تنتفخ متحوله الي العماليق الحمر
(Red Giants),
فاذا فقدت العماليق الحمر هالاتها الغازيه تحولت الي مايعرف باسم السدم الكوكبيه
(Planetary Nebulae),
ثم تنكمش علي هيئه مايعرف باسم الاقزام البيض
(White Dwarfs),
وقد تتكرر عمليه انتفاخ القزم الابيض الي عملاق احمر ثم العوده الي القزم الابيض عده مرات, وتنتهي هذه الدوره بالانفجار علي هيئه فوق مستعر من الطراز الاول
(Type I Super nova Explosion)
اما اذا كانت الكتله الابتدائيه للنجم العادي كبيره( عده مرات قدر كتله الشمس) فانه ينتفخ في اخر عمره علي هيئه العمالقه الكبار
(Super giants),
ثم ينفجر علي هيئه فوق مستعر من الطراز الثاني
(Type II Super nova Explosion),
فينتج عن هذا الانفجار النجوم النيوترونيه
(Neutron Stars)
النابضه
(Pulsars),
وغير النابضه
(Non-Pulsating Neutron Stars),
او الثقوب السود
(Black Holes)
او ما نسميه باسم النجوم الخانسه الكانسه وذلك حسب الكتله الابتدائيه للنجم.
والنجوم العاديه منها المفرد( مثل شمسنا) والمزدوج
(Binary Stars)
ومنها المتعدد
(Multiple Stars),
وتشير الدراسات الفلكيه الي ان اغلب النجوم مزدوجه او متعدده, والنجوم المزدوجه تتشكل من نجمين يدوران في مدار واحد حول مركز ثقلهما
Common Cente of Mass,
ومن النجوم المزدوجه مايتقارب فيها النجمان من بعضهما البعض بحيث لايمكن فصلهما الا عن طريق فصل اطياف الضوء المنبثق من كل منهما بواسطه المطياف الضوئي
(Spectroscope),
ومن هذه النجوم المزدوجه مايمكن ان يخفي احدهما الاخر لدرجه الكسوف الكلي.
والنجوم افران كونيه يتم في داخلها سلاسل من التفاعلات النوويه التي تعرف باسم عمليه الاندماج النووي
(Nuclear Fusion)
وهي عمليه يتم بواسطتها اندماج نوي ذرات الايدروجين( اخف العناصر المعروفه) لتكون نوي الذرات الاثقل بالتدريج وتنطلق الطاقه التي تزيد من درجه حراره النجم حتي يتحول الي مايعرف باسم النجم المستعر
(Nova)
والعملاق الاحمر
RedGiant,
او النجم العملاق الاعظم
(Supergiant)
وحينما يتحول قلب النجم المستعر الي حديد تستهلك طاقه النجم, وتتوقف عمليه الاندماج النووي فيه, وينفجر النجم فيتحول اما الي قزم ابيض, او الي نجم نيوتروني او الي ثقب اسود حسب كتلته الابتدائيه فينكدر النجم او يطمس ضووه طمسا كاملا.
وعند انفجار النجوم تتناثر اشلاوها ومنها الحديد في صفحه السماء, فيبدا بعض هذا الحديد في اصطياد الجسيمات الاوليه للماده لتكوين العناصر الاعلي في وزنها الذري من الحديد بالتدريج.
الشمس نجم من نجوم السماء الدنيا
http://www.ahram.org.eg/Archive/2001/7/16/860_17M.JPG
الشمس هي النجم الذي تتبعه ارضنا فتدور حولها مع باقي افراد المجموعه الشمسيه, وتدور معها حول مركز المجره, وهي اقرب نجوم السماء الينا, ويقدر بعدها عنا بحوالي مائه وخمسين مليونا من الكيلو مترات, ويقدر نصف قطرها بحوالي سببعمائه الف كيلو متر(6.960*510 كيلو متر), وتقدر كتلتها بحوالي الفي مليون مليون مليون مليون طن(1.99*10(27) طن), ومتوسط كثافتها(1.41 جرام للسنتيمتر المكعب) اي اعلي قليلا من كثافه الماء, وتبدو الشمس لنا قرصا صغيرا في السماء علي الرغم من ان حجمها يزيد عن مليون ضعف حجم الارض نظرا لبعدها الشاسع عنا.
وتقدر درجه حراره لب الشمس بحوالي15 مليون درجه مطلقه, ودرجه حراره سطحها حوالي سته الاف درجه مطلقه(5800 درجه مطلقه) بينما تصل درجه الحراره في هاله الشمس( اي اكليلها) الي مليوني درجه مطلقه, وهذه الدرجات العاليه من الحراره, والانخفاض الشديد في كثافه ماده الشمس لايسمحان للانسان من علي سطح الارض برويه الشمس بالعين المجرده, ولاباستخدام المناظير المقربه الا اذا احتجبت الكره المضيئه للشمس
(Photosphere)
احتجابا كاملا بالكسوف الكلي لها او بالطرق المختبريه المختلفه, والكثافه في مركز الشمس تصل الي90 جراما للسنتيمتر المكعب, وتتناقص في اتجاه سطح الشمس لتصبح جزءا من عشره ملايين من الجرام للسنتيمتر المكعب,
وتنتج الطاقه في الشمس اساسا من تحول الايدروجين الي هيليوم بعمليه الاندماج النووي, وان كانت العمليه تستمر بمعدلات بسيطه لتنتج بعض العناصر الاعلي في وزنها الذري وتتكون الشمس بنسبه70% ايدروجين,28% هيليوم,2% عناصر اخري, والشمس هي مصدر كافه صور الطاقه الارضيه.
ونظرا لان غالبيه جسم الشمس غازي لاتمسك به الا الجاذبيه الشديده للشمس فان دورانها حول محورها يتم بطريقه جزئيه, قلب الشمس( حوالي ثلث قطرها) يدور كجسم صلب يتم دورته في36.5 يوم من ايام الارض تقريبا, بينما الكره الغازيه المحيطه بذلك اللب( وسمكها حوالي ثلثي نصف قطر الشمس) يتم دورته حول مركز الشمس في حوالي24 يوما من ايام الارض, وعلي ذلك فان متوسط سرعه دوران الشمس حول محورها يقدر بحوالي27 وثلث يوم من ايامنا.
وتجري الشمس( ومعها مجموعتها الشمسيه) في صفحه الكون بسرعه تقدر بحوالي19 كيلو متر في الثانيه نحو نقطه في كوكبه هرقل بالقرب من نجم النسر الواقع
(Vega)
وهي تسمي علميا باسم مستقر الشمس, كما تجري الشمس( ومعها مجموعتها الشمسيه بسرعه تقدر بحوالي220 كيلو مترا في الثانيه حول مركز مجرتنا( درب اللبانه) لتتم هذه الدوره في250 مليون سنه.
واقرب كواكب المجموعه الشمسيه الي الشمس وهو كوكب عطارد يبعد عنها بحوالي58 مليون كيلو متر, وابعدها عن الشمس وهو كوكب بلوتو يبعد عنها بحوالي سته الاف مليون كيلو متر.
واذا خرجنا عن نطاق المجموعه الشمسيه فان هذه المقاييس الارضيه لاتفي بقياس المسافات التي تفصل بقيه نجوم السماء الدنيا عنا, فاتفق العلماء علي وحده قياس كونيه تعرف باسم السنه الضوئيه, وهي المسافه التي يقطعها الضوء بسرعته( المقدره بحوالي الثلاثمائه الف كيلو متر في الثانيه) في سنه من سنينا, وهي مسافه مهوله تقدر بحوالي9.5 مليون مليون كيلو متر.
ابعاد النجوم عن ارضنا
اكتشف علماء الفلك ان اقرب النجوم الينا بعد الشمس هو نجم الاقرب القنطوري
Alpha Centaurus
يبعد عنا بمسافه4.3 من السنين الضوئيه, بينما يبعد عنا النجم القطبي بحوالي400 سنه ضوئيه, ومنكب الجوزاء يبعد عنا بمسافه1600 سنه ضوئيه, وابعد نجوم مجرتنا( درب اللبانه) يبعد عنا بمسافه ثمانين الف سنه ضوئيه.
ومجموعتنا الشمسيه عباره عن واحده من حشد هائل للنجوم علي هيئه قرص مفرطح يبلغ قطره مائه الف سنه ضوئيه, وسمكه نحو عشر ذلك, وتقع مجموعتنا الشمسيه علي بعد ثلاثين الف سنه ضوئيه من مركز المجره, وعشرين الف سنه ضوئيه من اقرب اطرافها.
وتحتوي مجرتتا( درب اللبانه
=Milky Way)
علي تريليون( مليون مليون) نجم, وبالجزء المدرك من السماء الدنيا مائتي الف مليون مجره علي الاقل, تسبح في ركن من السماء الدنيا يقدر قطره باكثر من عشرين الف مليون سنه ضوئيه.
اقرب المجرات الينا تعرف باسم سحب ماجيلان
Magellanic Clouds
تبعد عنا بمسافه مائه وخمسين الف سنه ضوئيه.
المجرات تجمعات للنجوم
المجرات هي نظم كونيه شاسعه الاتساع تتكون من التجمعات النجميه والغازات والغبار الكونيين( الدخان الكوني) بتركيز يتفاوت من موقع لاخر في داخل المجره.
وهذه التجمعات النجميه تضم عشرات البلايين الي بلايين البلايين من النجوم في المجره الواحده, وتختلف نجوم المجره في احجامها, ودرجات حرارتها, ودرجات لمعانها, وفي غير ذلك من صفاتها الطبيعيه والكيميائيه, وفي مراحل دورات حياتها, واعمارها, فمنها النجوم العاديه المفرده, والمزدوجه, والعديده, والعماليق الكبار والحمر, والنجوم القزمه البيضاء والبنيه والسوداء, والنجوم النيوترونيه, والثقوب السود, واشباه النجوم وغيرها مما يتخلق باستمرار من الدخان الكوني.
ومن المجرات ماهو حلزوني الشكل, ومنها ماهو بيضاني( اهليلجي), ومنها ماهو غير محدد الشكل, ومنها ماهو اكبر من مجرتنا بكثير, ومنها ماهو في حجمها او اصغر منها, وتتبع مجرتنا عددا من المجرات يعرف باسم المجموعه المحليه
Local Group
وقد يتجمع عدد اكبر من المجرات علي هيئه عنقود مجري
Galactic Cluster
كما قد يتجمع عدد من العناقيد المجريه علي هيئه عنقود مجري عملاق
Galactic Super cluster
يضم عشرات الالاف من المجرات.
وتتراوح المجرات في شده اضاءتها بين سحب ماجلان العظيمه, وعدد من النقاط الباهته التي لاتكاد ان تدرك باكبر المقاريب( المناظير المقربه), وتقع اكثر المجرات ضياء في دائره عظمي تحيط بنا في اتجاه عمودي تقريبا علي مستوي مجرتنا, وتتراوح المسافات بين المجرات في التجمع المجري الواحد بين المليون والمليونين من السنين الضوئيه, وتبلغ مائه مره ضعف ذلك بين التجمعات المجريه التي تعتبر وحده بناء السماء الدنيا.
وبالاضافه الي المجرات وتجمعاتها المختلفه في الجزء المدرك من السماء الدنيا فاننا نري السدم
Nebulae,
وهي اجسام دخانيه تتخلق بداخلها النجوم, ومن السدم ماهو مضئ وماهو معتم.
اشباه النجوم
وهناك اشباه النجوم
Quasars
وهي اجسام ضعيفه الاضاءه, ولكنها تطلق اقوي الموجات الراديويه في السماء الدنيا, وقد اشتق اسمها باللغه الانجليزيه من الوصف
((Quasi-Srellar Radio Sources
اشباه نجوم مصدره للموجات الراديويه, وان كان منها مالا يصدر موجات راديويه
(Radio-quietQuasiStellarObjects).
وهي اجرام سماويه تتباعد عنا بسرعات فائقه, وتعتبر ابعد ماتم رصده من اجرام السماء بالنسبه للارض الي الان. وتبدو انها حاله خاصه من حالات الماده غير معروفه لنا, وتقدر كتله شبيه النجوم بحوالي مائه مليون ضعف كتله الشمس, وتبلغ كثافته واحدا علي البليون من الطن للسنتيمتر المكعب( واحد علي الف مليون مليون من الجرام للسنتيمتر المكعب), وتبلغ الطاقه الناتجه عنه مائه مليون مليون مره قدر طاقه الشمس.
وقد تم الكشف عن حوالي1500 من اشباه النجوم علي اطراف الجزء المدرك من الكون, وكشفت دراستها بواسطه المقربات الراديويه عن عدد من المفاجات الفلكيه المذهله, ويتوقع الفلكيون وجود الاف من هذه الاجرام السماويه العجيبه.
من اسباب القسم بمواقع النجوم
هذه الصفات المذهله للنجوم تركها القسم القراني وركز علي مواقع النجوم فقال ربنا تبارك وتعالي:
فلا اقسم بمواقع النجوم* وانه لقسم لو تعلمون عظيم[ الواقعه:75 76]
ولعل من اسباب ذلك ما يلي:
اولا: انه نظرا للابعاد الشاسعه التي تفصل نجوم السماء عنا, فاننا لا يمكن لنا رويه النجوم من علي سطح الارض ابدا, ولا بايه وسيله ماديه, وكل الذي نراه من نجوم السماء هو مواقعها التي مرت بها ثم غادرتها, اما بالجري في الفضاء الكوني بسرعات مذهله, او بالانفجار والاندثار, او بالانكدار والطمس.
فالشمس وهي اقرب نجوم السماء الينا تبعد عنا بمسافه مائه وخمسين مليون كيلومتر, فاذا انبثق منها الضوء بسرعته المقدره بحوالي الثلاثمائه الف كيلومتر في الثانيه من موقع معين مرت به الشمس فان ضوءها يصل الي الارض بعد ثماني دقائق وثلث دقيقه تقريبا, بينما تجري الشمس بسرعه تقدر بحوالي19 كيلومترا في الثانيه في اتجاه نجم النسر الواقع
Vega
فتكون الشمس قد تحركت لمسافه لا تقل عن عشره الاف كيلومتر عن الموقع الذي انبثق منه الضوء.
واقرب النجوم الينا بعد الشمس وهو المعروف باسم الاقرب القنطوري يصل الينا ضووه بعد4,3 سنه من انطلاقه من النجم, اي بعد اكثر من خمسين شهرا يكون النجم قد تحرك خلالها ملايين عديده من الكيلومترات, بعيدا عن الموقع الذي صدر منه الضوء, وهكذا فنحن من علي سطح الارص لا نري النجوم ابدا, ولكننا نري صورا قديمه للنجوم انطلقت من مواقع مرت بها, وتتغير هذه المواقع من لحظه الي اخري بسرعات تتناسب مع سرعه تحرك النجم في مداره, ومعدلات توسع الكون, وتباعد المجرات عنا, والتي يتحرك بعضها بسرعات تقترب احيانا من سرعه الضوء, وابعد نجوم مجرتنا عنا يصلنا ضووه بعد ثمانين الف سنه من لحظه انبثاقه من النجم, بينما يصلنا ضوء بعض النجوم البعيده عنا بعد بلايين السنين, وهذه المسافات الشاسعه مستمره في الزياده مع الزمن نظرا لاستمرار تباعد المجرات عن بعضها البعض في ضوء ظاهره اتساع الكون, ومن النجوم التي تتلالا اضواوها في سماء ليل الارض ما قد انفجر وتلاشي او طمس واختفي منذ ملايين السنين, لان اخر شعاع انبثق منها قبل انفجارها او طمسها لم يصل الينا بعد, والضوء القادم منها اليوم يعبر عن ماض قد يقدر بملايين السنين.
ثانيا: ثبت علميا ان الضوء مثل الماده ينحني اثناء مروره في مجال تجاذبي مثل الكون, وعليه فان موجات الضوء تتحرك في صفحه السماء الدنيا في خطوط منحنيه يصفها القران الكريم بالمعارج, ويصف الحركه ذاتها بالعروج, وهو الانعطاف والخروج عن الخط المستقيم, كما يمكن ان يفيد الصعود في خط منعطف, ومن هنا كان وصف رحله المصطفي صلي الله عليه وسلم في السماوات العلا بالعروج, وسميت الليله باسم المعراج والجمع معارج ومعاريج.
وحينما ينعطف الضوء الصادر من النجم في مساره الي الارض فان الناظر من الارض يري موقعا للنجم علي استقامه بصره, وهو موقع يغاير موقعه الذي صدر منه الضوء, مما يوكد مره اخري ان الانسان من فوق سطح الارض لا يمكنه ان يري النجوم ابدا.
ثالثا: ان النجوم في داخل المجره الواحده مرتبطه مع بعضها بالجاذبيه المتبادله بينها, والتي تحكم مواقع النجوم وكتلها, فمع تسليمنا بان الله تعالي هو الذي يمسك السماوات والارض ان تزولا كما اخبرنا تبارك وتعالي بقوله:
ان الله يمسك السماوات والارض ان تزولا ولئن زالتا ان امسكهما من احد من بعده انه كان حليما غفورا*
[ فاطر:41]
ويقول ربنا عز من قائل:
.. ويمسك السماء ان تقع علي الارض الا باذنه ان الله بالناس لرءوف رحيم
[الحج:65].
الا ان الله تعالي له سننه التي يحقق بها مشيئته وهو القادر علي ان يقول للشيء: كن فيكون لكنه تعالي وضع للكون هذه السنن المتدرجه لكي يستطيع الانسان فهمها ويتمكن من توظيفها في حسن القيام بواجب الاستخلاف في الارض, فمواقع النجوم علي مسافات تتناسب تناسبا طرديا مع كتلها ومرتبطه ارتباطا وثيقا بقوي الجاذبيه التي تمسك بها في تلك المواقع وتحفظ السماء ان تقع علي الارض الا باذن الله ومن هنا كانت قيمه مواقع النجوم التي كانت من وراء هذا القسم القراني العظيم...!!
رابعا: اثبتت دراسات الفلك, ودراسات كل من الفيزياء الفلكيه والنظريه ان الزمان والمكان شيئان متواصلان, ومن هنا كانت مواقع النجوم المتراميه الابعاد تعكس اعمارها الموغله في القدم, والتي توكد ان الكون الذي نحيا فيه ليس ازليا, بل كانت له بدايه يحددها الدارسون باثني عشر بليونا من السنين علي اقل تقدير, ومن هنا كان في القسم بمواقع النجوم اشاره الي قدم الكون مع حدوثه, وهي حقائق لم يتوصل اليها العلم المكتسب الا بنهايه القرن العشرين.
فقد كان اليونانيون القدامي يصرون علي ان الارض هي مركز الكون, او ان الشمس هي مركز الكون, وان كليهما ثابت لا يتحرك, غير متصورين وجود ايه بنيه سماويه الا حول الشمس, وكان غيرهم من اصحاب المدنيات السابقه واللاحقه يومنون بديمومه الارض والنجوم, وما بها من صور الماده والطاقه, بل ظل الغربيون الي اوائل القرن الثامن عشر الميلادي يومنون بان النجوم مثبتات بالسماء, وان السماء بنجومها تتحرك كقطعه واحده حول الارض, وان الكون في مركزه ثابت غير متحرك, ومكون من عناصر اربعه هي التراب, والماء, والهواء والنار وحول تلك الكرات الاربع الثابته تتحرك السماوات, ثم ياتي القران الكريم قبل الف واربعمائه من السنين ليقسم بمواقع النجوم هذا القسم العظيم, موكدا نسبيه واهميه وتعاظم تلك المواقع, وان الانسان لا يمكن له رويه النجوم من فوق الارض, وكل ما يمكن ان يراه هي مواقع مرت بها النجوم, وياتي العلم في نهايه القرن العشرين موكدا كل ذلك..!!
وهنا يتبادر الي الذهن السوال المهم: من الذي علم سيدنا محمدا صلي الله عليه وسلم كل هذه المعارف العلميه الدقيقه لو لم يكن القران الذي اوحي اليه هو كلام الله الخالق..!!؟ ولماذا اشار القران الكريم الي مثل هذه القضايا الغيبيه التي لم يكن لاحد علم بها في زمان الوحي ولا لقرون متطاوله من بعد ذلك؟ لولا ان الله تعالي يعلم بعلمه المحيط ان الناس سوف ياتي عليهم زمان يدركون فيه تلك الحقيقه الكونيه, ثم يرجعون الي كتاب الله الخاتم فيقراون فيه هذا القسم القراني العظيم: فلا اقسم بمواقع النجوم* وانه لقسم لو تعلمون عظيم* الواقعه:75 76 فيشهدون بان القران الكريم هو كلام الله الخالق, الذي ابدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته, ويشهدون لهذا النبي الخاتم صلي الله عليه وسلم انه كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السماوات والارض, وانه عليه افضل الصلاه وازكي التسليم كان بحق كما وصفه ربنا تبارك وتعالي:
وما ينطق عن الهوي* ان هو الا وحي يوحي* علمه شديد القوي*[ النجم:3 5]
وحينما يتم لهم ذلك تخر اعناقهم للقران خاضعين بسلاح العلم الكوني الذي كثيرا ما استخدم من قبل كذبا وزورا لهدم الدين..
والله غالب علي امره ولكن اكثر الناس لايعلمون*.[ يوسف:21]
-
10 وجعلنا الليل والنهار ايتين فمحونا ايه الليل وجعلنا ايه النهار مبصره
لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا
الاسراء: 12
في هذه الايه الكريمه يذكرنا ربنا تبارك وتعالي بانه قد جعل الليل والنهار ايتين من اياته الكونيه المبهره التي تدل علي طلاقه قدرته, وبالغ حكمته, وبديع صنعه في خلقه, فاختلاف هيئه كل من الليل والنهار في الظلمه والنور, وتعاقبهما علي وتيره رتيبه منتظمه ليدل دلاله قاطعه علي ان لهما خالقا قادرا عليما حكيما..
والايه في اللغه العلامه والجمع اي, وايات والايه من كتاب الله جماعه حروف تكون كلمه او مجموعه كلمات تبني منها الايه لتحمل دلاله معينه.
اراء المفسرين
يذكر عدد من المفسرين في شرح هذه الايه الكريمه ان الله تعالي قد جعل من صفات الليل انه مظلم, كما جعل من صفات النهار انه منير, وربما كان ذلك هو ايه كل منهما, وهذا الفهم دفع ببعض المفسرين الي القول بان من معاني قوله تعالي:فمحونا ايه الليل.. اي جعلنا الليل, وهو ايه من ايات الله مظلما, وجعلنا من صفاته تلك الظلمه, وان من معاني قوله تعالي:وجعلنا ايه النهار مبصره اي جعلنا الايه( التي هي النهار) منيره تعين علي الابصار فيها, من نحو قول العرب:ابصر النهار اذا انار وصار بحاله يبصر فيها, ولكن المقابله بين محو ايه الليل وجعل ايه النهار مبصره ربما تتحمل من المعاني ما هو فوق ذلك, مما يحتاج الي توظيف العديد من الحقائق العلميه الحديثه من اجل حسن فهم دلاله تلك المقابله.
فواضح نص الايه الكريمه ان الله تعالي قد محا ايه الليل, وابقي ايه النهار مبصره لكي يتيح الفرصه للخلق لابتغاء الفضل منه, والسعي علي كسب الرزق اثناء النهار, وللخلود الي السكينه والراحه بالليل, وان في هذا التبادل بين الليل المظلم والنهار المنير وسيله ميسره لتحديد الزمن, ولتاريخ الاحداث, فبدون ذلك التتابع الرتيب لليل والنهار يتلاشي احساس الانسان بمرور الزمن, وتتوقف قدرته علي متابعه الاحداث والتاريخ لها, ولذلك يمن علينا ربنا تبارك وتعالي في ختام هذه الايه الكريمه بانه قد فصل لنا كل شيء في وحيه الخاتم القران الكريم الذي ليس من بعده وحي من الله, وليست من بعده ايه رساله ربانيه, ولذلك جاء ذلك التفصيل الالهي تفصيلا دقيقا واضحا لكل امر من امور الدين الذي لا يستطيع الانسان ان يضع لنفسه فيه ايه ضوابط صحيحه.
ايتا الليل والنهار
الليل والنهار ايتان كونيتان عظيمتان من ايات الله في الخلق, تشهدان بدقه بناء الكون, وانتظام حركه كل جرم فيه, واحكام السنن الضابطه له, ومنها تلك السنن الحاكمه لحركات كل من الارض والشمس, والتي تتضح بجلاء في التبادل المنتظم للفصول المناخيه, والتعاقب الرتيب لليل والنهار, وما يصاحب ذلك كله من دقه واحكام بالغين..!!
فنحن نعلم اليوم ان التبادل بين الليل المظلم والنهار المنير هو من الضرورات اللازمه للحياه علي الارض, ولاستمراريه وجود تلك الحياه بصورها المختلفه حتي يرث الله تعالي الارض ومن عليها.
فبهذا التبادل بين الظلام والنور يتم التحكم في درجات الحراره والرطوبه, وكميات الضوء اللازمه للحياه في مختلف بيئاتها الارضيه, كما يتم التحكم في العديد من الانشطه والعمليات الحياتيه من مثل التنفس, والنتح, والتمثيل الضوئي, والايض, وغيرها ويتم ضبط التركيب الكيميائي للغلاف الغازي المحيط بالارض, وضبط صفاته الطبيعيه, وتتم دوره المياه بين الارض والسماء والتي لولاها لفسد كل ماء الارض كما يتم ضبط حركات كل من الامواج المختلفه في البحار والمد والجزر, والرياح والسحاب, ونزول المطر باذن الله, ويتم تفتيت الصخور وتكون التربه بمختلف انواعها ومنها الصالحه للانبات, وغير الصالحه, وترسب الصخور ومنها القادره علي خزن كل من الماء والنفط والغاز ومنها غير القادره علي ذلك, وتركيز مختلف الثروات الارضيه, وغير ذلك من العمليات والظواهر التي بدونها لا يمكن للارض ان تكون صالحه للحياه.
وتعاقب الليل والنهار علي نصفي الارض هو كذلك ضروري, لان جميع صور الحياه الارضيه لا تتحمل مواصله العمل دون راحه والا هلكت, فالانسان والحيوان والنبات, وغير ذلك من انماط الحياه البسيطه يحتاج الي الراحه بالليل لاستعاده النشاط بالنهار او عكس ذلك بالنسبه لانماط الحياه الليليه فالانسان علي سبيل المثال يحتاج الي ان يسكن بالليل فيخلد الي شيء من الراحه والعباده والنوم مما يعينه علي استعاده نشاطه البدني والذهني والروحي, وعلي استرجاع راحته النفسيه, واستجماع قواه البدنيه حتي يتهيا للعمل في النهار التالي وما يتطلبه ذلك من قيام بواجبات الاستخلاف في الارض, وقد ثبت بالتجارب العمليه والدراسات المختبريه ان افضل نوم الانسان هو نومه بالليل, خاصه في ساعات الليل الاولي, وان اطاله النوم بالنهار ضار بصحته لانه يوثر علي نشاط الدوره الدمويه تاثيرا سلبيا, ويودي الي شيء من التيبس في العضلات, والتراكم للدهون علي مختلف اجزاء الجسم, والي زياده في الوزن, كما يودي الي شيء من التوتر النفسي والقلق, وربما كان مرد ذلك الي الحقيقه القرانيه التي موداها ان الله تعالي قد جعل الليل لباسا, وجعل النهار معاشا, والي الحقيقه الكونيه التي موداها ان الانكماش الملحوظ في سمك طبقات الحمايه في الغلاف الغازي للارض ليلا, وتمددها نهارا يودي الي زياده قدراتها علي حمايه الحياه الارضيه بالنهار عنها في الليل حين ترق طبقات الحمايه الجويه تلك رقه شديده قد تسمح لعدد من الاشعات الكونيه بالنفاذ الي الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي للارض, وهي اشعات مهلكه مدمره لمن يتعرض لها لمدد كافيه, ومن هنا كان ذلك الامر القراني بالاستخفاء في الليل والظهور في النهار ومن هنا ايضا كان امره الي خاتم الانبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم ان يستعيذ بالله تعالي من شر الليل اذا دخل بظلامه, وان يلتجئ الي الله ويعتصم بجنابه من اخطار ذلك فقال عز من قائل:
ومن شر غاسق اذا وقب*[ الفلق:3]
فهذا الشر ليس مقصورا علي الظلمه وما يمكن ان يتعرض فيها المرء الي مخاطر البشر, بل قد يمتد الي مخاطر الكون التي لا يعلمها الا الله تعالي.
ثم ان هذا التبادل في اليوم الواحد بين ليل مظلم ونهار منير, يعين الانسان علي ادراك حركه الزمن, وتاريخ الاحداث, وتحديد الاوقات بدقه وانضباط ضروريين للقيام بمختلف الاعمال, ولاداء جميع العبادات, وللوفاء بمختلف العهود والحقوق والمعاملات وغير ذلك من الانشطه الانسانيه, فلو كان الزمن كله علي نسق واحد من ليل او نهار ما استقامت الحياه وما استطاع الانسان ان يميز من حياته ماضيا او حاضرا او مستقبلا, وبالتالي لتوقفت الحياه, ولذلك يقول ربنا تبارك وتعالي في ختام الايه:
.. لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب.. ولذلك ايضا يمن علينا ربنا وهو تعالي صاحب الفضل والمنه بتبادل الليل والنهار في العديد من ايات القران الكريم, ومع ايماننا بذلك, وتسليمنا به يبرز التساول في الايه الكريمه التي نحن بصددها رقم12 من سوره الاسراء عن مدلول ايتي الليل والنهار, وعن كيفيه محو ايه الليل وابقاء ايه النهار مبصره؟..
محو ايه الليل وابقاء ايه النهار مبصره عند المفسرين:
في شرح معني هذه الايه الكريمه ذكر نفر من المفسرين ان ايتي الليل والنهار نيراهما, فايه الليل هي القمر, وايه النهار هي الشمس, واذا كان الامر كذلك فكيف محيت ايه الليل, والقمر لا يزال قائما بدورانه حول الارض ينير ليلها كلما ظهر؟, فقد روي عن عبدالله بن عباس رضي الله تبارك وتعالي عنهما انه قال: كان القمر يضئ كما تضئ الشمس, والقمر ايه الليل, والشمس ايه النهار, وعلي ذلك فمعني قول الحق تبارك وتعالي:فمحونا ايه الليل هو السواد الذي في القمر اي انطفاء جذوته, واضاف: ان مدلول وجعلنا الليل والنهار ايتين اي ليلا ونهارا, وكذلك خلقهم الله عز وجل.
وتبع ابن عباس في ذلك قتاده( يرحمه الله) الذي قال: كنا نحدث ان محو ايه الليل سواد القمر الذي فيه, وجعلنا ايه النهار مبصره اي منيره, وخلق الشمس انور من القمر واعظم.
وفي الكلام اشاره دقيقه الي الفارق الذي حدده القران الكريم في ايات عديده بين ضوء الشمس ونور القمر, والذي لم يدركه العلماء الا متاخرا بان الاول ينطلق من نجم ملتهب شديد الحراره, مضئ بذاته بينما الثاني ينتج عن انعكاس اشعه الشمس علي سطح القمر البارد المعتم.
وقال نفر اخر من المفسرين ان ايه الليل هي ظلمته, كما ان ايه النهار هي نوره ووضاءته, فالله تعالي جعل من الظلام ايه لليل, كما جعل من النور ايه للنهار, فيعرف كل منهما بايته, اي بعلامته الداله عليه, ومن هولاء المفسرين ابن جريج( يرحمه الله) الذي نقل عن عبدالله بن كثير( رحمه الله عليه) قوله: ايتا الليل والنهار هما ظلمه الليل, وسرف النهار.
وهنا يتبادر الي الذهن السوال التالي: كيف يستقيم هذا الفهم مع قول الحق( تبارك وتعالي): فمحونا ايه الليل وظلمه الليل باقيه مع بقاء نور النهار؟ واذا كانت ايه الليل هي ظلمته فكيف محيت تلك الظلمه وهي لاتزال باقيه؟ وعلي الرغم من هذا التعارض فقد ايد عدد من المفسرين المعاصرين هذا الفهم بصوره او اخري ومنهم صاحب الظلال( يرحمه الله) الذي كتب مانصه... والليل والنهار ايتان كونيتان كبيرتان تشيان بدقه الناموس الذي لايصيبه الخلل مره واحده, ولايدركه التعطل مره واحده, ولا يني يعمل دائبا بالليل والنهار, فما المحو المقصود هنا وايه الليل باقيه كايه النهار؟ يبدو والله اعلم ان المقصود به ظلمه الليل التي تخفي فيها الاشياء, وتسكن فيها الحركات والاشباح.., فكان الليل محو اذا قيس الي ضوء النهار, وحركه الاحياء فيه والاشياء, وكانما النهار ذاته مبصر بالضوء( بالنور) الذي يكشف كل شئ فيه للابصار.
من هذا الاستعراض يتضح اختلاف اراء المفسرين قدامي ومعاصرين في اجتهادهم لفهم دلاله الايه القرانيه الكريمه التي نحن بصددها( الايه الثانيه عشره من سوره الاسراء) فمنهم من قال بان ايه النهار هي نوره الوضاء, او هي الشمس مصدر ذلك الضياء, بينما ايه الليل هي ظلمته, او هي القمر المتميز بظلمه سطحه الذي لا ينير الا بسقوط اشعه الشمس عليه, وانعكاسها من ذلك السطح المعتم المظلم, وقد دفع ذلك ببعض المفسرين الي القول باحتمال كون القمر في بدء خلقه ملتهبا, شديد الحراره, مشتعلا, مضيئا بذاته تماما كالشمس, ثم انطفات جذوته وخبت, فمحي ضوءه الاصلي, ولم يعد له نور الا مايسقط علي سطحه من اشعه الشمس, وهذا الاحتمال لاتدعمه الملاحظات العلميه الدقيقه في صفحه الكون, وفي تاريخ الارض القديم, فكتله القمر المقدره بحوالي735 مليون مليون مليون طن البالغه حوالي80/1 من كتله الارض لاتمكنه من ان يكون نجما ملتهبا بذاته فالحد الادني لكتله الجرم السماوي كي يكون نجما لاتقل عن8% من كتله الشمس المقدره بالفي مليون مليون مليون مليون طن, اي لايجوز للنجم ان تقل كتلته عن160 مليون مليون مليون مليون طن وهو اكثر من مائتي ض
عف كتله القمر, ولو افترضنا جدلا امكانيه ان يكون القمر نجما لاحرق لهيبه الارض لقربه منها (380000 كيلومتر في المتوسط), ولادي الي خلخله غلافها الغازي, والي تبخير مياهها, والي تركها جرداء قاحله لا اثر للحياه فيها علي الاطلاق...!!!
اضاءه السماء في ظلمه الليل كانت ايه الليل, ومحوها هو حجبها عنا.
علي الرغم من الظلام الشامل للكون, والذي لم يدركه الانسان الا بعد رياده الفضاء منذ مطلع الستينات من القرن العشرين, وعلي الرغم من محدوديه الحزام الرقيق الذي يري فيه نور النهار بسمك; لايتعدي المائتي كيلو متر فوق مستوي سطح البحر في نصف الكره الارضيه المواجهه للشمس حتي ان الانسان في انطلاقه من الارض الي فسحه الكون في اثناء النهار فانه يفاجا بتلك الظلمه الكونيه الشامله التي يري فيها الشمس قرصا ازرق في صفحه حالكه السواد, لايقطع من شده سوادها الا اعداد من النقاط المتناثره, الباهته الضوء التي تحدد مواقع النجوم.
علي الرغم من كل ذلك فان العلماء قد لاحظوا في سماء الارض عددا من الظواهر المنيره في ظلمه الليل الحالك نعرف منها:
(1) ظاهره توهج الهواء في طبقات الجو العليا
Airglowin the upperatmosphere
وهي عباره عن نور باهت متغير ينتج عن عدد من التفاعلات الكيميائيه في نطاق التاين
Ionosphere
المحيط بالارض من ارتفاع90 الي1000 كيلومتر فوق مستوي سطح البحر, وهو نطاق مشحون بالالكترونات مما يساعد علي رجع الموجات الراديويه الي الارض.
(2) ظاهره انوار مناطق البروج
Zodiacal Lights
وتظهر علي هيئه مخروط من النور الباهت الرقيق الذي يري في جهه الغرب بمجرد غروب الشمس, كما يري في جهه الشرق قبل طلوعها بقليل, وتفسر تلك الانوار بانعكاس وتشتت ضوء الشمس غير المباشر علي بعض الاجرام الكونيه التي تعترض سبيله في اثناء تحركها متباعده عن الارض او مقتربه منها.
(3) ظاهره اضواء النجوم
Stellar Lights
وتصدر من النجوم في مواقعها المختلفه, ثم تتشتت في المسافات الفاصله بينها حتي تصل الي غلاف الارض الغازي.
(4) ظاهره اضواء المجرات
Galactic Lights
وتصدر من نجوم مجره من المجرات القريبه منا, والتي تتشتت اضواوها في داخل المجره الواحده, ثم يعاد تشتتها في المسافات الفاصله بين المجرات حتي تصل الي الغلاف الغازي المحيط بالارض.
(5) ظاهره الفجر القطبي واطيافه
Aurora and Auroralspectra
وتعرف هذه الظاهره ايضا باسم الاضواء القطبيه
Polar Lights
او باسم فجر الليل القطبي
Polar Nights Dawn
وهي ظاهره نورانيه تري بالليل في سماء كل من المناطق القطبيه وحول القطبيه
Polarand Subpolar Regions
وتتركز اساسا في المنطقتين الواقعتين بين كل من قطبي الارض المغناطيسيتين وخطي العرض المغناطيسيين67 درجه شمالا,67 درجه جنوبا, وقد تمتد احيانا لتشمل مساحات اوسع من ذلك.
وتبدو ظاهره الفجر القطبي عاده علي هيئه انوار زاهيه متالقه جميله, تختلف باختلاف الارتفاع الذي تري عنده( ويغلب عليها اللون الاخضر والاحمر والابيض المشوب بزرقه والبنفسجي والبرتقالي وهي تتوهج وتخبو( اي تزداد شده ولمعانا ثم تهدا) بطريقه دوريه كل عده ثوان( قد تمتد الي عده دقائق), وتتباين الوان الشفق القطبي في اجزائه المختلفه تباينا كبيرا, وان تناقصت شده نورها الي اعلي بصفه عامه, حيث تتدلي تلك الانوار من السماء الي مستوي قد يصل الي80 كيلومترا فوق مستوي سطح البحر, وتمتد افقيا الي مئات الكيلومترات لتملا مساحات شاسعه في صفحه السماء, علي هيئه هالات حلقيه او قوسيه متموجه, تكون عددا من الستائر النورانيه المطويه المتدليه من السماء, والتي يشبه نورها النور المصاحب لبزوغ الفجر الحقيقي.
ويفسر العلماء حدوث ظاهره الفجر القطبي بارتطام الاشعه الكونيه الاوليه بالغلاف الغازي للارض مما يودي الي تاينه( اي شحنه بالكهرباء), واصدار اشعه كونيه ثانويه, ثم تصادم الاشعات الكونيه( وهي تحمل شحنات كهربيه مختلفه) مع بعضها البعض, ومع غيرها من الشحنات الكهربيه الموجوده في الغلاف الغازي للارض مما يودي الي تفريغها, وتوهجها, وتكثر الشحنات الكهربائيه في الغلاف الغازي للارض في كل من احزمه الاشعاع
Radiation Belts
المعروفه باسم احزمه فان الن
Van Allens Belts
والموجوده في داخل نطق التاين المحيطه بالارض
Ionos phere Zones
وفي نطق التاين ذاتها. والاشعه الكونيه الاوليه
Primary Cosmic Rays
تملا فسحه الكون علي هيئه الجسيمات الاوليه المكونه للذرات
Elementaryorsubatomic particles
وهي جسيمات متناهيه في الدقه, ومشحونه بشحنات كهربائيه عاليه, وتتحرك بسرعات تقترب من سرعه الضوء.
وتنطلق الاشعه الكونيه الاوليه من الشمس, وان كان اغلبها يصلنا من خارج المجموعه الشمسيه, ولم تكتشف تلك الاشعه الكونيه الا في سنه1936 م.
وتتسرب الاشعه الكونيه الاوليه الي الارض عبر قطبيها المغناطيسيين لتصل الي احزمه الاشعاع ونطق التاين في الغلاف الغازي للارض مما يودي الي تكون الاشعه الكونيه الثانويه
Secondary cosmicrays
التي قد يصل بعضها الي سطح الارض فيخترق صخورها, اما الاشعه الكونيه الاوليه فلا يكاد يصل منها الي سطح الارض قدر يمكن قياسه.
والاشعه الكونيه بانواعها المختلفه تتحرك بمحاذاه خطوط المجال المغناطيسي للارض, والتي تنحني لتصب في قطبي الارض المغناطيسيين ساحبه معها موجات الاشعه الكونيه, وذلك لعجزها عن عبور مجال الارض المغناطيسي, وحينما تنفذ تلك الاشعه من قطبي الارض المغناطيسيين فانها تودي الي زياده تاين الغلاف الغازي للارض في منطقتي قطبيها المغناطيسيين, ويودي اصطدام الشحنات المختلفه الي تفريغها من شحناتها الكهربائيه, ومن ثم الي توهج الغلاف الغازي للارض في كل من المنطقتين القطبيتين في ظاهره تعرف بظاهره الوهج القطبي او الشفق القطبي او الاضواء القطبيه او فجر الليل القطبي وهي ظاهره تري بوضوح في ظلمه الليل الحالك حول القطبين المغناطيسيين للارض, خاصه في اوقات الثورات الشمسيه العنيفه حين يتزايد اندفاع الاشعه الكونيه الاوليه من الشمس, فتصل كميات مضاعفه منها في اتجاه الارض. ويتزايد الاشعاع في الطبقات العليا من الغلاف الغازي للارض الي نسب مهلكه مدمره خاصه في نطق التاين التي تحتوي علي تركيز عال من البروتونات( الموجبه) والاليكترونات( السالبه), ويحتبس المجال المغناطيسي للارض الغالبيه العظمي من تلك الاشعاعات, ويوجهها الي قطبيها المغناطيسيين في حركه لولبيه موازيه لخطوط المجال المغناطيسي والتي تنحني من القطب الشمالي الي القطب الجنوبي وبالعكس, وعندما يقترب الجسم المشحون بالكهرباء من جسيمات الاشعه الكونيه تلك من احد قطبي الارض المغناطيسيين فانه يرده الي الاخر وهكذا تحدد خطوط الحقل المغناطيسي للارض اتجاهات تحرك الاشعه الكونيه وتركزها حول قطبي الارض المغناطيسيين.
ومن الثابت علميا ان نطق الحمايه المتعدده الموجوده في الغلاف الغازي للارض ومنها نطاق الاوزون, نطق التاين المتعدده, احزمه الاشعاع, والنطاق المغناطيسي للارض, لم تكن موجوده في بدء خلق الارض, ولم تتكون الا علي مراحل متطاوله من بدايه خلق الارض الابتدائيه
Proto-Earth
وعلي ذلك فقد كانت الاشعه الكونيه وباقي صور النور المتعدده في صفحه الكون تصل بكميات هائله الي المستويات الدنيا من الغلاف الغازي للارض ككل, فتودي الي انارتها وتوهجها ليلا بمثل ظاهره الشفق القطبي, توهج الهواء, اضواء النجوم, اضواء المجرات وغيرها مما نشاهد اليوم, ولكن بمعدلات اشد واقوي, وكان هذا التوهج وتلك الاناره يشملان كل ارجاء الارض فتنير ليلها اناره تقضي علي ظلمه الليل.
وبعد تكون نطق الحمايه المختلفه للارض اخذت هذه الظواهر في التضاول التدريجي حتي اقتصرت علي بقايا رقيقه جدا وفي مناطق محدده جدا مثل منطقتي قطبي الارض المغناطيسيين, لتبقي شاهده علي حقيقه ان ليل الارض في المراحل الاولي لخلقها كان يضاء بوهج لايقل في شدته عن نور الفجر الصادق, وشاهده علي رحمه الله بنا ان جعل للارض هذا العدد الهائل من نطق الحمايه المتعدده والتي بدونها تستحيل الحياه علي الارض, وشاهده علي حاجتنا الي رحمه الله تعالي ورعايته في كل وقت وفي كل حين من الاخطار المحيطه بنا من كل جانب, وشاهده علي صدق تلك الاشاره القرانيه المعجزه.
وجعلنا الليل والنهار ايتين فمحونا ايه الليل وجعلنا ايه النهار مبصره لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئ فصلناه تفصيلا.
وهي حقيقه لم يدركها العلم المكتسب الا في السنوات المتاخره من القرن العشرين, ولم يكن لاحد من البشر ادراك لها وقت تنزل القران الكريم ولا لعدد من القرون بعد ذلك..!!
وانطلاقا من هذه الحقيقه يمن علينا ربنا( تبارك وتعالي) بتبادل الليل والنهار فيقول( عز من قائل):
قل ارايتم ان جعل الله عليكم الليل سرمدا الي يوم القيامه من اله غير الله ياتيكم بضياء افلا تسمعون. قل ارايتم ان جعل الله عليكم النهار سرمدا الي يوم القيامه من اله غير الله ياتيكم بليل تسكنون فيه افلا تبصرون. ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون.
(القصص:71 73)
وجاء ذكر الليل في القران الكريم اثنتين وتسعين(92) مره, منها ثلاثه وسبعون(73) مره بلفظه الليل, ومره واحده بلفظه ليل, وثماني(8) مرات بلفظه ليله, وخمسه(5) مرات بلفظه ليلا, وثلاث(3) مرات بلفظه ليال, ومره واحده بكل من اللفظين ليلها و ليالي.
كذلك ورد ذكر النهار في القران الكريم سبعا وخمسين(57) مره, منها اربعه وخمسون(54) مره بلفظ النهار, وثلاث(3) مرات بلفظ نهارا, كما وردت الفاظ الصبح, و الاصباح و الفلق ومشتقاتها بمدلول النهار في ايات اخري كثيره, كذلك وردت كلمه اليوم احيانا بمعني النهار.
ونعمه الله تعالي علي اهل الارض جميعا بمحو اناره الليل, وابقاء اناره النهار نعمه مابعدها نعمه, لانه لولا ذلك مااستقامت الحياه علي الارض, ولا استطاع الانسان الاحساس بالزمن, ولا التاريخ للاحداث بغير تبادل ظلام الليل مع نور النهار, ولتلاشت الحياه, ومن هنا جاءت اشاره القران الكريم الي تلك الحقيقه سبقا لكافه المعارف الانسانيه.
وان دل ذلك علي شئ فانما يدل علي ان القران الكريم هو كلام الله الخالق الذي ابدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته, وعلي ان هذا النبي الخاتم( صلي الله عليه وسلم) كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السماوات والارض, وانه( عليه افضل الصلاه وازكي التسليم) ما كان ينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي كما وصفه ربنا( تبارك وتعالي).
واذا كان صدق القران الكريم جليا في اشاراته الي بعض اشياء الكون وظواهره, فلابد ان يكون صدقه في رسالته الاساسيه وهي الدين( بركائزه الاربع: العقيده, والعباده, والاخلاق والمعاملات) جليا كذلك. وهنا يتضح جانب من جوانب الاعجاز في كتاب الله, وما اكثر جوانبه المعجزه هو الاعجاز العلمي, وهو خطاب العصر ومنطقه, وما احوج الامه الاسلاميه, بل مااحوج الانسانيه كلها الي هذا الخطاب في زمن التقدم العلمي والتقني الذي نعيشه, وزمن العولمه الذي تحاول فيه القوي الكبري علي ضلالها فرض قيمها الدينيه والاخلاقيه والاجتماعيه المنهاره علي دول العالم الثالث وفي زمرتها الدول الاسلاميه, بحد غلبتها العلميه والتقنيه, وهيمنتها الاقتصاديه والعسكريه, وقد عانت الدول الغربيه, ذاتها ولاتزال من الاغراق المادي الذي دمر مجتمعاتها, وادي الي تحللها الاسري والاجتماعي والاخلاقي والسلوكي والديني, والي ارتفاع معدلات الجريمه, والادمان, والانتحار, والي الحيود عن كل قوانين الفطره السويه التي فطر الله خلقه عليها, والي العديد من المشاكل والازمات النفسيه والمظالم الاجتماعيه والسياسيه علي المستويين المحلي والدولي...!
ومااحوج علماء المسلمين الي ادراك قيمه الايات الكونيه في كتاب الله فيقبلوا عليها تحقيقا علميا منهجيا دقيقا بعد فهم عميق لدلاله اللغه وضوابطها وقواعدها, ولاساليب التعبير فيها, وفهم لاسباب النزول, ومعرفه بالماثور من تفسير الرسول( صلي الله عليه وسلم) وجهود السابقين من المفسرين, ثم تقديم ذلك الاعجاز العلمي الي الناس كافه مسلمين وغير مسلمين.مما يعد دليلا ماديا ملموسا علي ان القران الكريم هو كلام الله الخالق, وعلي ان سيدنا ونبينا محمدا( صلي الله عليه وسلم) هو خاتم انبيائه ورسله, في غير تكلف ولا اعتساف, لان القران الكريم غني عن ذلك, وهو اعز علينا واكرم من ان نتكلف له.
وهذا المنهج في الاهتمام بالايات الكونيه في كتاب الله, وشرح الاشارات العلميه فيها من قبل المتخصصين كل في حقل تخصصه هو من اكثر وسائل الدعوه الي دين الله قبولا في زمن العلم والتقنيه الذي نعيشه.
-
(11)ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون, لقالوا انما سكرت ابصارنا بل نحن قوم مسحورون
هاتان الايتان الكريمتان وردتا في سياق الحديث عن عناد ومكابره كفار قريش لخاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم). وتكذيبهم ببعثته, وتشكيكهم في الوحي الذي انزل اليه من ربه, واتهامهم له بالجنون, وهم اعرف الناس بانه( صلي لله عليه وسلم) كان ارجح الناس عقلا, واعظمهم خلقا, واشرفهم نسبا, ولذلك نزلت الايات في مطلع سوره الحجر لتشيد بالقران الكريم, ولتهدد هولاء الجاحدين بمشهد يوم عظيم يعانون فيه اهوال الاخره فيتمنون لو كانوا في الدنيا قد اسلموا لرب العالمين, وامنوا ببعثه خاتم الانبياء والمرسلين, وبايات هذا الكتاب المبين, وبيوم البعث الذي كانوا به ينذرون.
وليهون القران الكريم علي هذا النبي الخاتم( صلي ا لله عليه وسلم) صلف هولاء المتكبرين تطلب منه الايات القرانيه ان يدعهم في غيهم ياكلون ويتمتعون, ويشغلهم الامل بطول الاجل عن التفكير فيما سوف يلقونه من عذاب مهين في الدنيا قبل الاخره, وذلك جزاء كفرهم وعنادهم وكبرهم...!!!
وهذا التهديد والوعيد من الله( تعالي) لهولاء المجرمين من الكفار والمشركين, يتبعه تذكير بمصائر غيرهم من الامم السابقه عليهم, وبان الله( تعالي) لم يهلك ايا من تلك القري الظالمه التي كذبت باياته ورسله الا وجعل لهلاكها اجلا محددا.
وتذكر الايات تحديات كفار قريش لرسول الله( صلي الله عليه وسلم), واستهزائهم به, واستنكارهم لشرف بعثته حتي طلبوا منه ان ياتيهم بالملائكه ليشهدوا له بصدق نبوته, فيرد الحق( تبارك وتعالي) عليهم بان الملائكه لاتنزل الا بالحق, وان من هذا الحق ان يدمر المكذبون بايات الله ورسله بعد ان جاءتهم نذر ربهم...!!
ثم توكد تلك الايات الكريمات علي ان الله تعالي هو الذي انزل القران العظيم, وانه تعالي قد تعهد بحفظه فحفظ, فلايمكن لمحاوله تحريف ان تطوله, ولا لموامره تبديل ان تصيبه, مهما حاول المحرفون, وتضافر المتامرون. وهذا الحفظ الرباني لاخر الكتب السماويه واتمها واكملها, لهو بحق اعظم المعجزات المبهره لهذا الكتاب الخالد, وعلي الرغم من ذلك كله فقد كذب به هولاء المعاندون, كما يكذب به نفر من كفار هذا الزمان الرديء ومشركيه وملاحدته.
ومن قبيل تهوين الامر علي خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) وعلي اتباعه الصالحين في زماننا وفي كل زمان تذكره الايات وتذكرهم انه( صلي الله عليه وسلم) لم يكن متفردا بجحود قومه, وتكذيبهم, ومكابرتهم, وعنادهم, واستهزائهم, فقد سبقه من الانبياء والمرسلين من تعرضوا لذلك واشد منه, فاستحقت اقوامهم المكذبه عقاب الله في الدنيا قبل الاخره...!! ومن الغريب ان الجاحدين من الخلق, الذين اشركوا بالله, او كفروا به( سبحانه) وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر في كل زمان ومكان, لم يكن لينقصهم الدليل المنطقي علي قبول وحي السماء, ومافيه من ايات بينات ولكنه الصلف والعناد والمكابره في مقابله الحق, ومواجهه كل حجه اتتهم, وكل بينه جاءتهم, تماما بتمام, كما كان موقف كفار قريش من خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم), ومما انزل اليه من قران كريم, فتصور لنا الايات في مطلع سوره الحجر نموذجا صارخا لمكابره اهل الباطل وعنادهم في مواجهه الحق, وذلك بقول ربنا( تبارك وتعالي): ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون* لقالوا انما سكرت ابصارنا بل نحن قوم مسحورون* بمعني انه حتي لو فتح الله( تعالي) علي هولاء المكابرين بابا من السماء, واعانهم علي الاستمرار بالعروج فيه باجسادهم وكامل حواسهم, حتي يطلعوا علي بديع صنع الله في ملكوته, وعلي عظيم قدرته في ابداع خلقه, وعلي اتساع سلطانه وملكه, وعلي حشود الخاضعين له بالعباده والطاعه والتسبيح في خشيه واشفاق بالغين, لشكوا في تلك الرويه المباشره, ولكذبوا ابصارهم وعقولهم وباقي حواسهم, ولاتهموا انفسهم بالعجز التام عن الرويه تاره, وبالوقوع تحت تاثير السحر تاره اخري, وذلك في محاوله لانكار الحق من فرط مكابرتهم وصلفهم وعنادهم...!!
وعلي الرغم من كون لو حرف امتناع لامتناع, وكون هاتين الايتين الكريمتين قد وردتا في مقام التشبيه والتصوير لحال المكابرين من الكفار والمشركين وعنادهم وصلفهم, الا ان صياغتهما قد جاءت كما تجيء صياغه كل ايات القران الكريم علي قدر مذهل من الدقه العلميه والشمول للحقيقه الكونيه والكمال المطلق مما يشهد بان القران الكريم هو كلام الله الخالق الذي ابدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته, وان خاتم الانبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله( صلوات الله وسلامه عليه) كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السماوات والارض( سبحانه وتعالي).
واحاول في هذا المقال عرض عدد مما استطعت ادراكه من ملامح الاعجاز العلمي في هاتين الايتين الكريمتين علي النحو التالي:
(1) اللمحه الاعجازيه الاولي:
http://www.ahram.org.eg/Archive/2001/7/30/874_43M.JPG
صوره من سفينه الفضاء جاليليو توضح طبقه النهار علي كل من كوكب الارض والقمر ويري نصف كل منهما المواجه للشمس منيرا في ظلمه الكون .. والصوره الثانيه ماخوذه من مكوك الفضاء تشالينجر لرائد الفضاء بروس ماكاندليس يدور حول كوكب الارض فيري نور النهار خيطا ازرق دقيقا في ظلمه الكون
وقد وردت في قول الحق( تبارك وتعالي):
ولو فتحنا عليهم بابا من السماء.. مما يوكد ان السماء ليست فراغا كما كان يعتقد الناس الي عهد قريب, حتي ثبت لنا انها بنيان محكم, يتعذر دخوله الا عن طريق ابواب تفتح للداخل فيه, والسماء لغه, هي: كل ما علاك فاظلك, واصطلاحا, هي: ذلك العالم العلوي الذي نراه فوق رووسنا بكل مافيه من اجرام.
وعلميا هي كل مايحيط بالارض من مختلف صور الماده والطاقه بدءا من غلافها الغازي, وانتهاء بحدود الكون, والذي ادرك العلماء منه مساحه يبلغ قطرها24 الف مليون سنه ضوئيه علي الاقل اي حوالي228*2110 كيلو متر), وحصوا فيه اكثر من مائتي الف مليون مجره من امثال مجرتنا المعروفه باسم سكه التبانه( او درب اللبانه) والتي حصي العلماء فيها حوالي مليون مليون نجم كشمسنا, والكون فوق ذلك دائم الاتساع الي نهايه لايعلمها الا الله( سبحانه وتعالي).
وقد ثبت موخرا ان السماء مليئه بمختلف صور الماده والطاقه التي انتشرت بعد انفجار الجرم الكوني الاول( والذي كان يضم كل ماده الكون, ومختلف صور الطاقه المنبثه في ارجائه اليوم) وذلك عند تحوله من مرحله الرتق الي مرحله الفتق كما يصفهما القران الكريم, ويقدر علماء الكون ان ذلك قد حدث منذ فتره تقدر بحوالي العشره بلايين من السنين علي اقل تقدير.
وعند انفجار ذلك الجرم الكوني الاول تحولت مادته ومختلف صور الطاقه المخزونه فيه الي سحابه هائله من الدخان ملات فسحه الكون, ثم اخذت في التبرد والتكثف بالتدريج حتي وصلت الي حاله من التوازن الحراري بين جسيمات الماده وفوتونات الطاقه, وهنا تشكلت بعض نوي الايدروجين المزدوج( الديوتريوم), وتبع ذلك تخلق النوي الذريه لاخف عنصرين معروفين لنا وهما الايدروجين والهيليوم, ثم تخلق نسب ضئيله من العناصر الاثقل وزنا.
وبواسطه دوامات الطاقه التي انتشرت في سحابه الدخان التي ملات ارجاء الكون تشكلت السدم
وهي اجسام غازيه في غالبيتها, تتناثر بين غازاتها بعض الهباءات الصلبه, وتدور الماده فيها في دوامات شديده تساعد علي المزيد من تكثفها في سلسله من العمليات المنضبطه حتي تصل الي مرحله الاندماج النووي التي تكون النجوم بمختلف احجامها, وهيئاتها, ودرجات حرارتها, وكثافه الماده فيها, ومنها النجوم العاديه او نجوم النسق الاساسي
المفرده والمزدوجه, والمستعرات الشديده الحراره( العمالقه الحمر والعمالقه الكبار) والنجوم البيضاء القزمه, ومنها النجوم النيوترونيه النابضات
منها وغير النابضات
( التي تصل كثافه الماده فيها الي خمسين بليون طن للسنتيمتر المكعب), واشباه النجوم( التي تقل كثافه الماده فيها عنها في شمسنا ومنها الثقوب السود التي تصل كثافه الماده فيها الي مائتي بليون طن للسنتيمتر المكعب), والثقوب الدافئه وغير ذلك من اجرام السماء مما يشكل المجرات والتجمعات المجريه, وغيرها من نظم الكون المبهره.
ومن اشلاء النجوم تكونت الكواكب والكويكبات, والاقمار والمذنبات, والشهب والنيازك, والاشعات الكونيه التي تملا فسحه الكون باشكالها المتعدده, وغير ذلك مما لانعلم من اسرار هذا الوجود.
وقبل سنوات قليله لم يكن احد من الناس يعلم ان السماء علي اتساعها ليست فراغا, ولكنها مليئه بالماده علي هيئه رقيقه للغايه, تشكلها غازات مخلخله يغلب علي تركيبها غازا الايدروجين والهيليوم, مع نسب ضئيله جدا من الاوكسيجين, والنيتروجين, والنيون, وبخار الماء, وهباءات نادره من المواد الصلبه, مع انتشار هائل للاشعات الكونيه بمختلف صورها في مختلف جنبات الكون. ولقد كان السبب الرئيسي لتصور ان الكون فراغ تام هو التناقص التدريجي لضغط الغلاف الغازي للارض مع الارتفاع عن سطحها حتي لايكاد يدرك بعد الف كيلو متر فوق سطح البحر, ومن اسباب زياده كثافه الغلاف الغازي للارض بالقرب من سطحها هو انطلاق كميات هائله من بخار الماء وغازات عديده اغلبها اكاسيد الكربون والنتروجين من جوفها اثناء تبرد قشرتها, وعبر فوهات البراكين التي نشطت ولاتزال تنشط علي سطحها وقد اختلطت تلك الغازات الارضيه بالسحابه الغازيه الكونيه, وساعدت جاذبيه الارض علي الاحتفاظ بالغلاف الغازي للارض بكثافته التي تتناقص باستمرار بالبعد عنها حتي تتساوي مع كثافه الغلاله الغازيه الاوليه التي تملا ارجاء الكون وتندمج فيها.
وعلي ذلك فقد اثبتت الدراسات الحديثه ان السماء بناء محكم, تملاه الماده والطاقه, ولايمكن اختراقه الا عن طريق ابواب تفتح فيه, وهو مااكده القران الكريم قبل الف واربعمائه سنه في اكثر من ايه صريحه, ومنها الايه الكريمه التي نحن بصددها ولو فتحنا عليهم بابا من السماء.. وهي شهاده صدق علي ان القران الكريم هو كلام الله الخالق, الذي ابدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته, وانزل القران الكريم بعلمه الحق.
(2) اللمحه الاعجازيه الثانيه:
وتتضح من وصف الحركه في السماء بالعروج: فظلوا فيه يعرجون, والعروج لغه هو سير الجسم في خط منعطف منحن, فقد ثبت علميا ان حركه الاجسام في الكون لايمكن ان تكون في خطوط مستقيمه, بل لابد لها من الانحناء نظرا لانتشار الماده والطاقه في كل الكون, وتاثير كل من جاذبيه الماده( باشكالها المختلفه) والمجالات المغناطيسيه للطاقه( بتعدد صورها), علي حركه الاجسام في الكون, فاي جسم مادي مهما عظمت كتلته او تضاءلت لايمكنه التحرك في الكون الا في خطوط منحنيه وحتي الاشعه الكونيه علي تناهي دقائقها في الصغر( وهي تتكون من اللبنات الاوليه للماده مثل البروتونات والنيوترونات والاليكترونات), فانها اذا عبرت خطوط اي مجال مغناطيسي فان هذا المجال يحني مسار الشعاع بزاويه قائمه علي مساره.فانتشار كل من الماده والطاقه في الكون عبر عمليه الفتق وماصاحبها من انفجار عظيم كانت من اسباب تكوره, وكذلك كان انتشار قوي الجاذبيه في ارجاء الكون من اسباب تكور كل اجرامه, وكان التوازن الدقيق الذي اوجده الخالق العظيم بين كل من قوي الجاذبيه والقوي الدافعه الناتجه عن عمليه الفتق هو الذي حدد المدارات التي تتحرك فيها كل اجرام السماء, والسرعات التي تجري بها في تلك المدارات والتي يدور بها كل منهم حول محوره.
فعند انفجار الجرم الكوني الاول
انطلق كل ماكان به من مخزون الماده والطاقه بالقوه الدافعه الناتجه عن ذلك الانفجار العظيم( عمليه الفتق) والتي اكسبت كل صور الماده والطاقه المنطلقه الي فسحه الكون طاقه حركه هائله, وجعلتها بذلك واقعه تحت تاثير قوتين متعارضتين هما قوه التجاذب الرابطه بينها, والقوه الطارده الناتجه عن ذلك الانفجار الكوني, والتوازن الدقيق بين هاتين القوتين المتعارضتين هو الذي يحفظ اجرام السماء في مداراتها, ويجعلها تتحرك فيها حركه دائريه بخطوط منحنيه باستمرار, كما جعلها تدور حول محاورها بسرعات محدده.
ودوران الاجرام السماويه حول محاورها وفي مداراتها تخضع لقانون يعرف باسم قانون بقاء التحرك الزاوي او قانون العروج
وينص هذا القانون علي ان كميه التحرك الزاوي لاي جرم سماوي تقدر علي اساس نسبه سرعه دورانه حول محوره الي نصف قطره علي محور الدوران, وتبقي كميه التحرك الزاوي تلك محفوظه في حاله انعدام موثرات اخري, ولكن اذا تعرض الجرم السماوي الي موثرات خارجيه او داخليه فانه سرعان ما يكيف حركته الزاويه في ضوء التغيرات الطارئه. فعلي سبيل المثال تزداد سرعه التحرك الزاوي للجرم كلما انكمش حجمه, وكما سبق وان ذكرنا فان جميع الاجرام الاوليه قد تكثفت مادتها علي مراحل متتاليه من سحابه الدخان الكوني التي نتجت عن انفجار الجرم الابتدائي الذي حوي كل ماده وطاقه الكون, تاركه كميات هائله من الغازات والغبار والاشعات الكونيه, وعلي ذلك فقد كانت الكواكب الابتدائيه علي سبيل المثال اكبر حجما بمئات المرات من الكواكب الحاليه, وكانت ارضنا الابتدائيه مائتي ضعف حجم الارض الحاليه( علي الاقل), وهذه الكواكب الابتدائيه اخذت في التكثف علي مراحل متتاليه حتي وصلت الي صورتها الحاليه.
وبمثل عمليه نشاه الكون تماما وبالقوانين التي تحكم دوران اجرامه حول محاورها, وفي مدارات لكل منها حول جرم اكبر منه تتم عمليه اطلاق الاقمار الصنعيه ومراكب الفضاء من الارض الي مدارات محدده حولها, او حول اي من اجرام مجموعتنا الشمسيه, او حتي الي خارج حدود المجموعه الشمسيه, وذلك بواسطه قوي دافعه كبيره تعينها علي الافلات من جاذبيه الارض, من مثل صواريخ دافعه تتزايد سرعتها بالجسم المراد دفعه الي قدر معين من السرعه, ولما كانت الجاذبيه الارضيه تتناقص بزياده الارتفاع عن سطح الارض, فان سرعه الجسم المرفوع الي الفضاء تتغير بتغير ارتفاعه فوق سطح ذلك الكوكب, وبضبط العلاقه بين قوه جذب الارض للجسم المنطلق منها الي الفضاء والقوه الدافعه لذلك الجسم( اي سرعته) يمكن ضبط المستوي الذي يدور فيه الجسم حول الارض, او حول غيرها من اجرام المجموعه الشمسيه او حتي ارساله الي خارج المجموعه الشمسيه تماما, ليدخل في اسر جرم اكبر يدور في فلكه.
واقل سرعه يمكن التغلب بها علي الجاذبيه الارضيه في اطلاق جرم من فوق سطحها الي فسحه الكون تسمي باسم سرعه الافلات من الجاذبيه الارضيه, وحركه اي جسم مندفع من الارض الي السماء لابد وان تكون في خطوط منحنيه وذلك تاثرا بكل من الجاذبيه الارضيه, والقوه الدافعه له الي السماء, وكلتاهما تعتمد علي كتله الجسم المتحرك, وعندما تتكافا هاتان القوتان المتعارضتان يبدا الجسم في الدوران في مدار حول الارض مدفوعا بسرعه افقيه تعرف باسم سرعه التحرك الزاوي او سرعه العروج
والقوه الطارده اللازمه لوضع جرم ما في مدار حول الارض تساوي كتله ذلك الجرم مضروبه في مربع سرعته الافقيه( المماسه للمدار) مقسومه علي نصف قطر المدار( المساوي للمسافه بين مركزي الارض والجرم الذي يدور حولها), ولولا معرفه حقيقه عروج الاجسام في السماء لما تمكن الانسان من اطلاق الاقمار الصنعيه, ولا استطاع رياده الفضاء. فقد اصبح من الثابت ان كل جرم متحرك في السماء مهما كانت كتلته محكوم بكل من القوي الدافعه له وبالجاذبيه مما يضطره الي التحرك في خط منحن يمثل محصله كل من قوي الجذب والطرد الموثره فيه, وهذا ما يصفه القران الكريم بالعروج,
وهو وصف التزم به هذا الكتاب الخالد في وصفه لحركه الاجسام في السماء في خمس ايات متفرقات وذلك قبل الف واربعمائه سنه من اكتشاف الانسان لتلك الحقيقه الكونيه المبهره علي النحو التالي:
(1) ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون( الحجر:14)
(2) يدبر الامر من السماء الي الارض ثم يعرج اليه في يوم كان مقداره الف سنه مما تعدون
(السجده:5)
(3) يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور
(سبا:2)
(4) ولولا ان يكون الناس امه واحده لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضه ومعارج عليها يظهرون
(الزخرف:33)
(5).. يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم اينما كنتم والله بما تعملون بصير
[الحديد:4]
(6) من الله ذي المعارج* تعرج الملائكه والروح اليه في يوم كان مقداره خمسين الف سنه
(المعارج:4,3)
(3) اللمحه الاعجازيه الثالثه:
وقد وردت في قول الحق( تبارك وتعالي):
لقالوا انما سكرت ابصارنا بل نحن قوم مسحورون
ومعني سكرت ابصارنا اغلقت عيوننا وسدت, او غشيت وغطيت لتمنع من الابصار, وحينئذ لا يري الانسان الا الظلام, ويعجب الانسان لهذا التشبيه القراني المعجز الذي يمثل حقيقه كونيه لم يعرفها الانسان الا بعد نجاحه في رياده الفضاء منذ مطلع الستينيات من القرن العشرين حين فوجيء بحقيقه ان الكون يغشاه الظلام الدامس في غالبيه اجزائه, وان حزام النهار في نصف الكره الارضيه المواجه للشمس لا يتعدي سمكه مائتي كيلو متر فوق مستوي سطح البحر, واذا ارتفع الانسان فوق ذلك فانه يري الشمس قرصا ازرق في صفحه سوداء حالكه السواد, لا يقطع حلوكه سوادها الا بعض البقع الباهته الضوء في مواقع للنجوم.
واذا كان الجزء الذي يتجلي فيه النهار علي الارض محدودا في طوله وعرضه بنصف مساحه الكره الارضيه, وفي سمكه بمائتي كيلو متر, وكان في حركه دائبه دائمه مرتبطه بدوران الارض حول محورها امام الشمس, وكانت المسافه بين الارض والشمس في حدود المائه وخمسين مليون كيلو متر, وكان نصف قطر الجزء المدرك من الكون يقدر باثني عشر بليون سنه ضوئيه( اي ما يساوي114*2110 كيلو متر) اتضحت لنا ضاله سمك الطبقه التي يعمها نور النهار, وعدم استقرارها لانتقالها باستمرار من نقطه الي اخري علي سطح الارض مع دوران الارض حول محورها, واتضح لنا ان تلك الطبقه الرقيقه تحجب عنا ظلام الكون, خارج حدود ارضنا ونحن في وضح النهار, فاذا جن الليل انسلخ منه النهار, واتصلت ظلمه ليلنا بظلمه الكون, وتحركت تلك الطبقه الرقيقه من النور لتفصل نصف الارض المقابل عن تلك الظلمه الشامله التي تعم الكون كله.
وتجلي النهار علي الجزء السفلي من الغلاف الغازي للارض( بسمك مائتي كيلو متر فوق سطح البحر) بهذا اللون الابيض المبهج هو نعمه كبري من نعم الله علي العباد. وتفسر بان الهواء في هذا الجزء من الغلاف الغازي للارض له كثافه عاليه نسبيا, وان كثافته تتناقص بالارتفاع حتي لا تكاد تدرك, وانه مشبع ببخار الماء وبهباءات الغبار التي تثيرها الرياح من فوق سطح الارض فتعلق بالهواء, وتقوم كل من جزيئات الهواء الكثيف نسبيا, وجزيئات بخار الماء, والجسيمات الدقيقه من الغبار بالعديد من عمليات تشتيت ضوء الشمس وعكسه حتي يظهر باللون الابيض الذي يميز النهار كظاهره نورانيه مقصوره علي النطاق الاسفل من الغلاف الغازي للارض في نصفها المواجه للشمس.
وبعد تجاوز المائتي كيلو متر فوق سطح البحر يبدا الهواء في التخلخل لتضاول تركيزه, وقله كثافته باستمرار مع الارتفاع, ولندره كل من بخار الماء وجسيمات الغبار فيه لان نسبها تتضاءل كذلك بالارتفاع حتي تكاد تتلاشي, ولذلك تبدو الشمس وغيرها من نجوم السماء بقعا زرقاء باهته في بحر غامر من ظلمه الكون لان اضواءها لا تكاد تجد ما يشتته او يعكسه في فسحه الكون.
فسبحان الذي اخبرنا بهذه الحقيقه الكونيه قبل اكتشاف الانسان لها بالف واربعمائه سنه, فشبه الذي يعرج في السماء بمن سكرت ابصاره فلم يعد يري غير ظلام الكون الشامل, او بمن اعتراه شيء من السحر فلم يعد يدرك شيئا مما حواليه, وكلا التشبيهين تعبير دقيق عما اصاب رواد الفضاء الاوائل حين عبروا نطاق النهار الي ظلمه الكون فنطقوا بما يكاد ان يكون تعبير الايه القرانيه دون علم بها:
انما سكرت ابصارنا بل نحن قوم مسحورون
(4) اللمحه الاعجازيه الرابعه:
وتتضح في قوله تعالي:فظلوا فيه يعرجون
فالتعبير اللغوي ظلوا يشير الي عموم الاظلام وشموله وديمومته بعد تجاوز طبقه النهار الي نهايه الكون, بمعني ان الانسان اذا عرج به الي السماء في وضح النهار فانه يفاجا بظلمه الكون الشامله تحيط به من كل جانب مما يفقده النطق احيانا او يجعله يهذي بما لا يعلم احيانا اخري من هول المفاجاه.
ومن الامور التي توكد ظلمه الكون الشامله ان باطن الشمس مظلم تماما علي الرغم من ان درجات الحراره فيه تصل الي خمسه عشر مليون درجه مئويه او يزيد, وذلك لانه لا ينتج فيه سوي الاشعاعات غير المرئيه من مثل اشعه جاما, والاشعات فوق البنفسجيه والسينيه.
اما ضوء الشمس فلا يصدر الا عن نطاقها الخارجي فقط والذي يعرف باسم النطاق المضيء
ولا يري بهذا النور الا في الجزء السفلي من الغلاف الغازي للارض, وفي نصف الكره الارضيه المواجه للشمس, فسبحان الذي انزل من قبل الف واربعمائه من السنين قوله الحق:
والشمس وضحاها* والقمر اذا تلاها* والنهار اذا جلاها* والليل اذا يغشاها*( الشمس:1 4)
(5) اللمحه الاعجازيه الخامسه:
وتتضح في اشاره الايتين الكريمتين الي الرقه الشديده لغلاله النهار وذلك في قول الحق تبارك وتعالي) ولو فتحنا.. لقالوا..) بمعني ان القول بتسكير العيون, وظلمه الكون الشامله تتم بمجرد العروج لفتره قصيره في السماء, ثم تظل تلك الظلمه الي نهايه الكون, وقد اثبت العلم الحديث ذلك بدقه شديده, فاذا نسبنا سمك طبقه النهار الي مجرد المسافه بين الارض والشمس لاتضح لنا انها تساوي200 كيلو متر\150,000,000 كيلو متر=1\750,000 تقريبا فاذا نسبناها الي نصف قطر الجزء المدرك من الكون اتضح انها لا تساوي شيئا البته, وهنا تتضح روعه التشبيه القراني في مقام اخر يقول فيه الحق( تبارك وتعالي)
وايه لهم الليل نسلخ منه النهار فاذا هم مظلمون*
(يس:37)
حيث شبه انحسار طبقه النهار البالغه الرقه من ظلمه كل من ليل الارض وليل السماء بسلخ جلد الذبيحه الرقيق عن كامل بدنها, مما يوكد ان الظلام هو الاصل في الكون, وان النهار ليس الا ظاهره نورانيه, عارضه, رقيقه جدا, لا تظهر الا في الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي للارض, وفي نصفها المواجه للشمس في دوره الارض حول نفسها امام ذلك النجم, وبتلك الدوره ينسلخ النهار تدريجيا من ظلمه كل من ليل الارض وحلكه السماء كما ينسلخ جلد الذبيحه عن جسدها.
وفي تاكيد ظلمه السماء يقرر القران الكريم في مقام اخر قول الحق( تبارك وتعالي):
اءنتم اشد خلقا ام السماء بناها* رفع سمكها فسواها* واغطش ليلها واخرج ضحاها
(النازعات:27 29)
والضمير في اغطش ليلها عائد علي السماء, بمعني ان الله تعالي قد جعل ليل السماء حالك السواد من شده اظلامه, فهو دائم الاظلام سواء اتصل بظلمه ليل الارض( في نصف الكره الارضيه الذي يعمه الليل) او انفصل عن الارض بتلك الطبقه الرقيقه التي يعمها نور النهار( في نصف الارض المواجه للشمس) فيصفه ربنا( تبارك وتعالي) بقوله: واخرج ضحاها اي اظهر ضوء شمس السماء لاحاسيس المشاهدين لها من سكان الارض بالنور والدفء معا في اثناء نهار الارض, والضحي هو صدر النهار حين ترتفع الشمس ويظهر ضووها جليا للناس, بينما يبقي معظم الكون غارقا في ظلمه السماء.
ويوكد هذا المعني قسم الحق( تبارك وتعالي وهو الغني عن القسم) بالنهار اذ يجلي الشمس اي يكشفها ويوضحها فيقول( عز من قائل):
والشمس وضحاها* والقمر اذا تلاها* والنهار اذا جلاها* والليل اذا يغشاها*( الشمس:1 4)
اي ان النهار هو الذي يجعل الشمس واضحه جليه لاحاسيس المشاهدين لها من سكان الارض, وهذه لمحه اخري من لمحات الاعجاز العلمي في كتاب الله تقرر ان ضوء الشمس لا يري الا علي هيئه النور في نهار الارض.
وان الكون خارج نطاق نهار الارض ظلام دامس, وان هذا النطاق النهاري لابد ان به من الصفات ما يعينه علي اظهار وتجليه ضوء الشمس للذين يشهدونه من احياء الارض.
فسبحان الذي انزل القران بالحق, انزله بعلمه, وجعله معجزه خاتم انبيائه ورسله, في كل امر من اموره, وفي كل ايه من اياته, وفي كل اشاره من اشاراته, وفي كل معني من معانيه, وجعله معجزه ابديه خالده علي مر العصور, لا تنتهي عجائبه, ولا يخلق علي كثره الرد الي ان يرث الله تعالي الارض ومن عليها وصلي الله وسلم وبارك علي خاتم الانبياء والمرسلين الذي شرفه ربه( تبارك وتعالي) بوصفه انه لا ينطق عن الهوي فقال( عز من قائل):
وما ينطق عن الهوي* ان هو الا وحي يوحي* علمه شديد القوي*
(النجم:3 5)
-
12 فلا اقسم بالخنس* الجوار الكنس*
والمدلول اللغوي لهاتين الايتين الكريمتين: اقسم قسما موكدا بالخنس الجوار الكنس, والسوال الذي يتبادر الي الذهن هو: ماهي هذه الخنس الجوار الكنس التي اقسم بها ربنا( تبارك وتعالي) هذا القسم الموكد, وهو( تعالي) غني عن القسم؟
وقبل الاجابه علي هذا التساول لابد لنا:
اولا: من التاكيد علي حقيقه قرانيه مهمه موداها ان الايه او الايات القرانيه التي تتنزل بصيغه القسم تاتي بمثل هذه الصياغه الموكده من قبيل تنبيهنا الي عظمه الامر المقسوم به, والي اهميته في انتظام حركه الكون, او في استقامه حركه الحياه او فيهما معا, وذلك لان الله( تعالي) غني عن القسم لعباده.
ثانيا: ان القسم في القران الكريم بعدد من الامور المتتابعه لا يستلزم بالضروره ترابطها, كما هو وارد في سوره التكوير, وفي العديد غيرها من سور القران الكريم من مثل سور الذاريات, الطور, القيامه, الانشقاق, البروج, الفجر, البلد, الشمس, والعاديات, ومن هنا كانت ضروره التنبيه علي عدم لزوم الربط بين القسم الاول في سوره التكوير:
فلا اقسم بالخنس* الجوار الكنس
والقسم الذي يليه في الايتين التاليتين مباشره حيث يقول الحق( تبارك وتعالي):
والليل اذا عسعس* والصبح اذا تنفس*
( التكوير:18,17)
وهو ما فعله غالبيه المفسرين للاسف الشديد, فانصرفوا عن الفهم الصحيح لمدلول هاتين الايتين الكريمتين.
ثالثا: تشهد الامور الكونيه المقسوم بها في القران الكريم للخالق( سبحانه وتعالي) بطلاقه القدره, وكمال الصنعه, وتمام الحكمه, وشمول العلم, ومن هنا فلابد لنا من اعاده النظر في مدلولاتها كلما اتسعت دائره المعرفه الانسانيه بالكون ومكوناته, وبالسنن الالهيه الحاكمه له حتي يتحقق وصف المصطفي( صلي الله عليه وسلم) للقران الكريم بانه: لا تنتهي عجائبه, ولا يخلق علي كثره الرد, وحتي يتحقق لنا جانب من ابرز جوانب الاعجاز في كتاب الله وهو ورود الايه او الايات في كلمات محدوده يري فيها اهل كل عصر معني معينا, وتظل هذه المعاني تتسع باتساع دائره المعرفه الانسانيه في تكامل لا يعرف التضاد, وليس هذا لغير كلام الله.
رابعا: بعد القسم بكل من الخنس الجوار الكنس والليل اذا عسعس والصبح اذا تنفس ياتي جواب القسم:
انه لقول رسول كريم( التكوير:19)
ومعني جواب القسم ان هذا القران الكريم ومنه الايات الوارده في مطلع سوره التكوير واصفه لاهوال القيامه, وما سوف يصاحبها من الاحداث والانقلابات الكونيه التي تفضي الي افناء الخلق, وتدمير الكون, ثم اعاده الخلق من جديد هو كلام الله الخالق الموحي به الي خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) بواسطه ملك من ملائكه السماء المقربين, عزيز علي الله( تعالي), وهذا الملك المبلغ عن الله الخالق هو جبريل الامين( عليه السلام), ونسبه القول اليه هو باعتبار قيامه بالتبليغ الي خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم).
خامسا: ان هذا القسم القراني العظيم جاء في سياق التاكيد علي حقيقه الوحي الالهي الخاتم الذي نزل الي خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي اله وصحبه اجمعين وعلي من تبع هداه ودعا بدعوته الي يوم الدين), والذي جاء للناس كافه لينقلهم من ظلمات الكفر والشرك والضلال الي نور التوحيد الخالص لله الخالق بغير شريك ولا شبيه ولا منازع, ومن فوضي وحشيه الانسان الي ضوابط الايمان وارتقائها بكل ملكات الانسان الي مقام التكريم الذي كرمه به الله, ومن جور الاديان الي عدل الرحمن, كما جاء هذا القسم الموكد بشيء من صفات الملك الذي حمل هذا الوحي الي خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم), وعلي شيء من صفات هذا النبي الخاتم الذي تلقي الوحي من ربه, وحمله بامانه الي قومه, رغم معاندتهم له, وتشككهم فيه, وادعائهم الكاذب عليه( صلي الله عليه وسلم) تاره بالجنون( وهو المشهود له منهم برجاحه العقل وعظيم الخلق), واخري بان شيطانا يتنزل عليه بما يقول( وهو المعروف بينهم بالصادق الامين), وذلك انطلاقا من خيالهم المريض الذي صور لهم ان لكل شاعر شيطانا ياتيه بالنظم الفريد, وان لكل كاهن شيطانا ياتيه بالغيب البعيد. وقد تلقي رسول الله( صلي الله عليه وسلم) كل ذلك الكفر والجحود والاضطهاد بصبر وجلد واحتساب حتي كتب الله تعالي له الغلبه والنصر فادي الامانه, وبلغ الرساله, ونصح البشريه, وجاهد في سبيل الله حتي اتاه اليقين.
وتختتم سوره التكوير بالتاكيد علي ان القران الكريم هو ذكر للعالمين وان جحود بعض الناس له, وصدهم عنه, وايمان البعض الاخر به وتمسكهم بهديه هي قضيه شاء الله تعالي ان يتركها لاختيار الناس وفقا لاراده كل منهم, مع الايمان بان هذه الاراده الانسانيه لا تخرج عن مشيئه الله الخالق الذي فطر الناس علي حب الايمان به, ومن عليهم بتنزل هدايته علي فتره من الرسل الذين تكاملت رسالاتهم في هذا الوحي الخاتم الذي نزل به جبريل الامين علي قلب النبي والرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم), وانه علي الرغم من كل ذلك فان احدا من الناس مهما اوتي من اسباب الذكاء والفطنه لا يقدر علي تحقيق الاستقامه علي منهج الله تعالي الا بتوفيق من الله. وهذه دعوه صريحه الي الناس كافه ليطلبوا الهدايه من رب العالمين في كل وقت وفي كل حين.
والقسم بالاشياء الوارده بالسوره هو للتاكيد علي اهميتها لاستقامه امور الكون وانتظام الحياه فيه, وعلي عظيم دلالاتها علي طلاقه القدره الالهيه التي ابدعتها وصرفت احوالها وحركاتها بهذه الدقه المبهره والاحكام العظيم.
الخنس الجوار الكنس في اللغه العربيه
جاء في معجم مقاييس اللغه لابن فارس( المتوفي سنه395 ه), تحقيق عبدالسلام هارون( الجزء الخامس, الطبعه الثانيه1972 م, ص141, ص223) وفي غيره من معاجم اللغه تعريف لغوي للفظي الخنس والكنس يحسن الاستهداء به في فهم مدلول الخنس الجوار الكنس كما جاءا في ايتي سوره التكوير علي النحو التالي:
اولا: الخنس:
http://www.ahram.org.eg/Archive/2001/8/6/881_27M.JPG
خنس: الخاء والنون والسين اصل واحد يدل علي استخفاء وتستر, قالوا: الخنس الذهاب في خفيه, يقال خنست عنه, واخنست عنه حقه.
والخنس: النجوم تخنس في المغيب, وقال قوم: سميت بذلك لانها تخفي نهارا وتطلع ليلا, والخناس في صفه الشيطان, لانه يخنس اذا ذكر الله تعالي, ومن هذا الباب الخنس في الانف انحطاط القصبه, والبقر كلها خنس.
ومعني ذلك ان الخنس جمع خانس اي مختف عن البصر, والفعل خنس بمعني استخفي وتستر, يقال خنس الظبي اذا اختفي وتستر عن اعين المراقبين.
والخنوس ياتي ايضا بمعني التاخر, كما ياتي بمعني الانقباض والاستخفاء. وخنس بفلان وتخنس به اي غاب به, واخنسه اي خلفه ومضي عنه.
ثانيا: الجوار:
اي الجاريه.( في افلاكها) وهي جمع جاريه, من الجري وهو المر السريع.
ثالثا: الكنس:
( كنس) الكاف والنون والسين تشكل اصلين صحيحين, احدهما يدل علي سفر شئ عن وجه شئ وهو كشفه والاصل الاخر يدل علي استخفاء, فالاول كنس البيت, وهو سفر التراب عن وجه ارضه, والمكنسه اله الكنس, والكناسه مايكنس.
والاصل الاخر: الكناس: بيت الظبي, والكانس: الظبي يدخل كناسه, والكنس: الكواكب تكنس في بروجها كما تدخل الظباء في كناسها, قال ابو عبيده: تكنس في المغيب.
وقيل الكنس جمع كانس( اي قائم بالكنس) او مختف من كنس الظبي اي دخل كناسه وهو بيته الذي يتخذه من اغصان الشجر, وسمي كذلك لانه يكنس الرمل حتي يصل اليه. وعندي ان الكنس هي صيغه منتهي الجموع للفظه كانس اي قائم بعمليه الكنس, وجمعها كانسون, او للفظه كناس وجمعها كناسون, والكانس والكناس هو الذي يقوم بعمليه الكنس( اي سفر شيء عن وجه شيء اخر, وازالته), لانه لا يعقل ان يكون المعني المقصود في الايه الكريمه للفظه الكنس هي المنزويه المختفيه وقد استوفي هذا المعني باللفظ الخنس, ولكن اخذ اللفظتين بنفس المعني دفع بجمهور المفسرين الي القول بان من معاني فلا اقسم بالخنس* الجوار الكنس*: اقسم قسما موكدا بالنجوم المضيئه التي تختفي بالنهار وتظهر بالليل وهو معني الخنس, والتي تجري في افلاكها لتختفي وتستتر وقت غروبها كما تستتر الظباء في كناسها( اي مغاراتها) وهو معني الجوار الكنس, قال القرطبي: هي النجوم تخنس بالنهار, وتظهر بالليل, وتكنس وقت غروبها اي تستتر كما تكنس الظباء في المغار وهو الكناس, وقال مخلوف: اقسم الله تعالي بالنجوم التي تخنس بالنهار اي يغيب ضووها فيه عن الابصار مع كونها فوق الافق, وتظهر بالليل, وتكنس اي تستتر وقت غروبها اي نزولها تحت الافق كما تكنس الظباء في كنسها.. وقال بعض المتاخرين من المفسرين: هي الكواكب التي تخنس اي ترجع في دورتها الفلكيه, وتجري في افلاكها وتختفي.
ومع جواز هذه المعاني كلها الا اني اري الوصف في هاتين الايتين الكريمتين: فلا اقسم بالخنس* الجوار الكنس*. ينطبق انطباقا كاملا مع حقيقه كونيه مبهره تمثل مرحله خطيره من مراحل حياه النجوم يسميها علماء الفلك اليوم باسم الثقوب السود
(Black Holes).
وهذه الحقيقه لم تكتشف الا في العقود المتاخره من القرن العشرين, وورودها في القران الكريم الذي انزل قبل الف واربعمائه سنه بهذه التعبيرات العلميه الدقيقه علي نبي امي( صلي الله عليه وسلم), في امه كانت غالبيتها الساحقه من الاميين, هي شهاده صدق علي ان القران الكريم هو كلام الله الخالق الذي ابدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته, وعلي ان سيدنا محمدا بن عبدالله كان موصولا بالوحي, معلما من قبل خالق السماوات والارض, وانه( صلي الله عليه وسلم) ما كان ينطق عن الهوي, ان هو الا وحي يوحي.
الخنس الجوار الكنس في نظر بعض الفلكيين المسلمين المعاصرين
يري بعض الفلكيين المسلمين المعاصرين في الوصف القراني: الخنس الجواري الكنس انه وصف للمذنبات
(Comets),
وهي اجرام سماويه ضئيله الكتله( لا تكاد تصل كتلتها الي واحد من المليون من كتله الارض) ولكنها مستطيله بذنبها الي ما قد يصل الي150 مليون كيلو متر مما يجعلها اكبر اجرام المجموعه الشمسيه, حيث تتحرك في مدارات حول الشمس, بيضاويه تقع الشمس في احد طرفيها ونحن نراها كلما اقتربت من الشمس, وهذه المدارات لا تتبع قوانين الجاذبيه بدقه, وتتميز بشئ من اللامركزيه, وبميل اكبر علي مستوي مدار الارض, مما يجعل المذنبات تظهر وتختفي بصوره دوريه علي فترات تطول وتقصر. والمذنبات تتكون اساسا من خليط من الثلج والغبار, وللمذنب راس وذنب, وللراس نواه يبلغ قطرها عده كيلو مترات قليله عباره عن كره من الثلج والغبار تحيط بها هاله من الغازات والغبار, وتحيط بالهاله سحابه من غاز الايدروجين قد يصل قطرها الي مليون كيلو متر.
والغبار المكون للمذنبات شبيه في تركيبه الكيميائي والمعدني بتركيب بعض النيازك, واما الثلج فهو خليط من ثلج كل من الماء, وثاني اكسيد الكربون, والامونيا, والميثين.
وبالتفاعل مع كل من اشعه الشمس والرياح الشمسيه يندفع من راس المذنب ذيل من الغازات والابخره والغبار قد يصل طوله الي150 مليون كيلو متر, ومن هنا كانت التسميه بالمذنبات, وللكثير من المذنبات ذيلان احدهما ترابي ويبدو اصفر اللون في اشعه الشمس, والاخر مكون من غازات متاينه في حاله البلازما( اليكترونات وايونات) ويبدو ازرق اللون في اشعه الشمس, والذنب الغازي يندفع بفعل الرياح الشمسيه في خط مستقيم خلف راس المذنب بينما ينعقف منثني الذنب الترابي بلطف خلف راس المذنب الي اعلي, وهذان الذنبان قد يتواجدان معا او يتواجد احدهما في المذنب الواحد, في عكس اتجاه اشعه الشمس بانحراف قليل نظرا لدوران نواه راس المذنب( التي تتراوح كتلتها بين مائه مليون, وعشره مليون مليون طن) وللمذنب مجال مغناطيسي ثابت علي طوله.
ووجه الشبه الذي استند اليه هذا النفر من الفلكيين المسلمين المعاصرين بين المذنبات والوصف القراني الخنس الجواري الكنس هو ان المذنب يقضي فتره تتراوح بين عده ايام وعده شهور مجاورا للشمس في زياره خاطفه, فيظهر لنا بوضوح وجلاء ولكنه يقضي معظم فتره دورانه بعيدا عن الشمس فيختفي عنا تماما ويستتر, فاذا ما اقترب من الشمس ظهر لنا وبان, ولكن سرعان ما يقفل راجعا حتي يختفي تماما عن الانظار, واعتبروا ذلك هو الخنوس, ولكن الوصف القراني بالخنس يعني الاختفاء الكامل, ولا يعني الظهور ثم الاختفاء.
(The Missing Mass in the universe)
ما هي الثقوب السود ؟:
يعرف الثقب الاسود بانه احد اجرام السماء التي تتميز بكثافتها الفائقه وجاذبيتها الشديده بحيث لا يمكن للماده ولا لمختلف صور الطاقه ومنها الضوء ان تفلت من اسرها, ويحد الثقب الاسود سطحا يعرف باسم افق الحدث
(The Event Horizon),
وكل ما يسقط داخل هذا الافق لا يمكنه الخروج منه, او ارسال ايه اشاره عبر حدوده.
وقد افادت الحسابات النظريه في الثلث الاول من القرن العشرين الي امكانيه وجود مثل هذه الاجرام السماويه ذات الكثافات الفائقه والجاذبيه الشديده[ كارل شفارز تشايلد1916 م, روبرت اوبنهاير
1934(Karl schwars child,1916 Robert oppenheimer,1934)
الا انها لم تكتشف الا في سنه1971, بعد اكتشاف النجوم النيوترونيه باربع سنوات ففي خريف سنه1967 م اعلن الفلكيان البريطانيان توني هيويش
(Tony Hewish)
وجوسلين بل
(Jocelyn Bell)
عن اكتشافهما لاجرام سماويه صغيره الحجم( باقطار في حدود16 كيلو متر) تدور حول محورها بسرعات مذهله بحيث تتم دورتها في فتره زمنيه تتراوح بين عدد قليل من الثواني الي اجزاء لاتكاد تدرك من الثانيه الواحده وتصدر موجات راديويه منتظمه اكدت ان تلك الاجرام هي نجوم نيوترونيه
(Neutron Stars)
ذات كثافه فائقه تبلغ بليون طن للسنتيمتر المكعب.
وفي سنه1971 م اكتشف علماء الفلك ان بعض النجوم العاديه تصدر وابلا من الاشعه السينيه, ولم يجدوا تفسيرا علميا لذلك الا وقوعها تحت تاثير اجرام سماويه غير مرئيه ذات كثافات خارقه للعاده, ومجالات جاذبيه عاليه الشده, وذلك لان النجوم العاديه ليس في مقدورها اصدار الاشعه السينيه من ذاتها, وقد سميت تلك النجوم الخفيه باسم الثقوب السود
(Black Holes),
وقد سميت بالثقوب لقدرتها الفائقه علي ابتلاع كل ما تمر به او يدخل في نطاق جاذبيتها من مختلف صور الماده والطاقه من مثل الغبار الكوني والغازات والاجرام السماويه المختلفه, ووصفت بالسواد لانها معتمه تماما لعدم قدره الضوء علي الافلات من مجال جاذبيتها علي الرغم من سرعته الفائقه المقدره بحوالي الثلاثمائه الف كيلو متر في الثانيه(299792,458 كم/ ث) وقد اعتبرت الثقوب السود مرحله الشيخوخه في حياه النجوم وهي المرحله التي قد تسبق انفجارها وعوده مادتها الي دخان السدم دون ان يستطيع العلماء حتي هذه اللحظه معرفه كيفيه حدوث ذلك.
كيف تتكون الثقوب السود؟
تعتبر الثقوب السود كما ذكرنا من قبل مرحله الشيخوخه في حياه النجوم, ولكي نفهم كيفيه تكونها لابد لنا من معرفه المراحل السابقه في حياه تلك النجوم.
والنجوم هي اجرام سماويه غازيه التركيب في غالبيتها, شديده الحراره, ملتهبه, مضيئه بذاتها, يغلب علي تركيبها غاز الايدروجين الذي يكون اكثر من74% من ماده الكون المنظور, والذي تتحد ذراته مع بعضها البعض في داخل النجوم بعمليه تعرف باسم الاندماج النووي
(Nuclear Fusion)
مطلقه الطاقه الهائله ومكونه عناصر اعلي في وزنها الذري من الايدورجين( اخف العناصر المعروفه لنا علي الاطلاق وابسطها من ناحيه البناء الذري ولذلك يوضع في الخانه رقم واحد في الجدول الدوري للعناصر التي يعرف منها اليوم105 عنصرا)و والنجوم تتخلق ابتداء من الغبار( الدخان) الكوني الذي يكون السدم, وينتشر في فسحه السماء ليملاها وتتكون النجوم في داخل السدم بفعل دوامات عاتيه تودي الي تجاذب الماده تثاقليا وتكثفها علي ذاتها حتي تتجمع الكتله اللازمه لتخليق النجم, وتبدا عمليه الاندماج النووي فيه, وتنطلق منه الطاقه وينبعث الضوء, وبعد الميلاد تمر النجوم بمراحل متتابعه من الطفوله فالشباب فالشيخوخه والهرم علي هيئه ثقب اسود يعتقد ان مصيره النهائي هو الانفجار والتحول الي الدخان مره اخري, وان كنا لا ندري حتي هذه اللحظه كيفيه حدوث ذلك, ومن المراحل المعروفه لنا في دوره حياه النجوم ما يعرف باسم نجوم النسق العادي
(Main Sequence Stars)
والعمالقه الحمر
(Red Giants),
والاقزام البيض
(White Dwarfs),
والاقزام السود
(Black Dwarfs)
والنجوم النيوترونيه
(Neutron Stars),
والثقوب السود
(Black Holes)
فعندما تبدا كميه الايدروجين بداخل النجم في التناقص نتيجه لعمليه الاندماج النووي, وتبدا كميه الهيليوم الناتجه عن تلك العمليه في التزايد تبدا طاقه النجم في الاضمحلال تدريجيا وترتفع درجه حراره قلب النجم الي عشره ملايين درجه كلفن( الصفر المئوي يساوي273 درجه كلفن) موديا بذلك الي بدء دوره جديده من عمليه الاندماج النووي والي انبعاث المزيد من الطاقه التي تودي الي مضاعفه حجم النجم الي مئات الاضعاف فيطلق عليه اسم العملاق الاحمر
(Red Giant),
وبتوالي عمليه الاندماج النووي ياخذ النجم في استهلاك طاقته دون امكانيه انتاج المزيد منها مما يودي الي تقلصه في الحجم وانهياره اما الي قزم ابيض
(White Dwarf)
او الي نجم نيوتروني
(Neutron Star)
او الي ثقب اسود
(Black Hole)
حسب كتلته الاصليه التي بدا تواجده بها.
فاذا كانت الكتله الابتدائيه للنجم اقل من كتله الشمس فان الاليكترونات في ماده النجم تقاوم عمليه تقلصه ابتداء ثم تنهار هذه المقاومه ويبدا النجم في التقلص حتي يصل الي حجم اقل قليلا من حجم الارض, متحولا الي قزم ابيض, وهذه المرحله من مراحل حياه النجوم قد تتعرض لعدد من الانفجارات النوويه الهائله والتي تنتج عن تزايد الضغط في داخل النجم, وتسمي هذه المرحله باسم النجوم الجديده او النجوم المستجده
(Novae)
فاذا زاد تراكم الضغط في داخل القزم الابيض فانه ينفجر انفجارا كاملا محدثا نورا في السماء يقارب نور بليون شمس كشمسنا, وتسمي هذه المرحله باسم النجم المستعر الاعظم
(Supernova)
يفني علي اثرها القزم الابيض وتتحول مادته الي دخان, وتحدث هذه الظاهره مره واحده في كل قرن من الزمان لكل مجره تقريبا, ولكن مع الاعداد الهائله للمجرات في الجزء المدرك لنا من الكون فان هذه الظاهره تحدث في الكون المدرك مره كل ثانيه تقريبا.
اما اذا كانت الكتله الابتدائيه للنجم اكبر من كتله الشمس فانه ينهار عند استهلاك طاقته متحولا الي نجم نيوتروني وفيه تتحد البروتونات والاليكترونات منتجه النيوترونات, وهذا النجم النيوتروني ينبض في حدود ثلاثين نبضه في الثانيه الواحده ومن هنا يعرف باسم النجم النابض
(Pulsating Star
او النابض
(Pulsar).
وهناك من النجوم النيوترونيه ما هو غير نابض
(Non-Pulsating Neutron Star)
وقد يستمر هذا النجم النيوتروني في الانهيار حتي يصل الي مرحله الثقب الاسود اذا كانت كتلته الابتدائيه تسمح بذلك فاذا كانت الكتله الابتدائيه للنجم تزيد علي كتله الشمس بمره ونصف المره تقريبا(1,4 قدر كتله الشمس) ولكنها تقل عن خمسه اضعاف كتله الشمس فان عمليه التقلص تنتهي به الي نجم نيوتروني لا يزيد قطره علي عشره كيلو مترات تقريبا, ويسمي بهذا الاسم لان الذي يقوم بعمليه مقاومه التقلص التثاقلي
(Gravitational Contraction)
فيه هي النيوترونات لان الاليكترونات في داخل كتله النجم تعجز عن ذلك.
اما اذا زادت الكتله الابتدائيه للنجم علي خمسه اضعاف كتله الشمس فلا يتمكن اي من الاليكترونات او النيوترونات من مقاومه عمليه التقلص التثاقلي للنجم فتستمرحتي يصل النجم الي مرحله الثقب الاسود, وهذه المرحله لا يمكن ادراكها بصوره مباشره, ولكن يمكن تحديد مواقعها بعدد من الملاحظات غير المباشره من مثل صدور موجات شديده من الاشعه السينيه من الاجرام الواقعه تحت تاثيرها, واختفاء كل الاجرام السماويه بمجرد الاقتراب من مجال جاذبيتها.
ومع ادراكنا لانتهاء حياه النجوم بالانفجار علي هيئه نجم مستعر او نجم مستعر اعظم, او بفقدانه للطبقات الخارجيه منه وتحوله الي ماده عظيمه الكثافه شديده الجاذبيه مثل النجوم النيوترونيه او الثقوب السود, الا ان طبيعه تلك الثقوب السود وطريقه فنائها تبقي معضله كبري امام كل من علماء الفلك والطبيعه الفلكيه, فحسب قوانين الفيزياء التقليديه لا يستطيع الثقب الاسود فقد اي قدر من كتلته مهما تضاءل, ولكن حسب قوانين فيزياء الكم فانه يتمكن من الاشعاع وفقدان كل من الطاقه والكتله وهي سنه الله الحاكمه في جميع خلقه, ولكن تبقي كيفيه تبخر ماده الثقب الاسود بغير جواب, وتبقي كتلته, وحجمه, وكثافته, وطبيعه كل من الماده والطاقه فيه, وشده حركته الزاويه, وشحناته الكهربيه والمغناطيسيه من الاسرار التي يكافح العلماء الي يومنا هذا من اجل استجلائها.
فسبحان الذي خلق النجوم وقدر لها مراحل حياتها...
وسبحان الذي اوصلها الي مرحله الثقب الاسود, وجعله من اسرارالكون المبهره...
وسبحان الذي اقسم بتلك النجوم المستتره, الحالكه السواد, الغارقه بالظلمه... وجعل لها من الظواهر مايعين الانسان علي ادراك وجودها علي الرغم من تسترها واختفائها, وسبحان الذي مكنها من كنس ماده السماء وابتلاعها وتكديسها, ثم وصفها لنا من قبل ان نكتشفها بقرون متطاوله بهذا الوصف القراني المعجز فقال( عز من قائل)
فلا اقسم بالخنس* الجوار الكنس.
ولا اجد وصفا لتلك المرحله من حياه النجوم المعروفه باسم الثقوب السود ابلغ من وصف الخالق( سبحانه وتعالي) لها بالخنس الكنس فهي خانسه اي دائمه الاختفاء والاستتار بذاتها, وهي كانسه لصفحه السماء, تبتلع كل ما تمربه من الماده المنتشره بين النجوم, وكل ما يدخل في نطاق جاذبيتها من اجرام السماء, وهي جاريه في افلاكها المحدده لها, فهي خنس جوار كنس وهو تعبير ابلغ بكثيرمن تعبير الثقوب السود الذي اشتهر وذاع بين المشتغلين بعلم الفلك..
ومن اصدق من الله قيلا
(النساء:122)
ومن العجيب ان العلماء الغربيين يسمون هذه الثقوب السود تسميه مجازيه عجيبه حين يسمونها بالمكانس العملاقه التي تبتلع( او تشفط) كل شيء يقترب منها الي داخلها:
(Giant Vaccum Cleanersthat Suckineverythinginsight)
وتبقي الثقوب السود صوره مصغره للجرم الاول الذي تجمعت فيه ماده الكون ثم انفجر ليتحول الي سحابه من الدخان, وان من هذا الدخان خلقت السموات والارض, وتتكرر العمليه اليوم امام انظار المراقبين من الفلكيين حيث تتخلق النجوم الابتدائيه من تركز الماده في داخل السدم عبر دوامات تركيز الماده
(Accretionwhirls)
او
(Accretion Vertigos)
ومنها تتكون النجوم الرئيسيه
(Main Sequeence Stars)
والتي قد تنفجر حسب كتلتها الي عمالقه حمر
(Red Giants)
او نجوم مستعره
(Novae)
او فوق مستعره
(Supernovae),
وقد يودي انفجار العمالقه الحمر الي تكون سدم كوكبيه
(Planetary Nebulae)
والتي تنتهي الي تكون الاقزام البيض
(White Dwarfs)
والتي تستمر في التبرد حتي تنتهي الي مايعرف باسم الاقزام السود
Black Dwarfs)
وهي من النجوم المنكدره, كما قد يودي انفجار فوق المستعرات الي تكون نجوم نيوترونيه نابضه او غير نابضه
(Non-Pulsating or Pulsating Neutron Stars or Pulsars)
او ثقوب سود
(Black Holes)
حسب كتلتها الابتدائيه, وقد تفقد الثقوب السود كتلتها الي دخان السماء عن طريق تبخر تلك الماده علي هيئه اشباه النجوم المرسله لموجات راديويه عبر مراحل متوسطه عديده
ثم تتفكك هذه لتعود مره اخري الي دخان السماء مباشره او عبر هيئه كهيئه السدم حتي تشهد لله الخالق بالقدره الفائقه علي انه وحده الذي يبدا الخلق ثم يعيده, وانه وحده علي كل شيء قدير. ومن المبهر حقا ان يشهد علماء الفلك بان90% من ماده الكون المنظور( ممثله بماده المجرات العاديه) هي مواد خفيه لا يمكن للانسان رويتها بطريقه مباشره, وان من هذه المواد الخفيه: الثقوب السود, والاقزام البنيه غير المدركه
(Undetected Brown Dwarfs),
والماده الداكنه
(Dark Matter)
واللبنات الاوليه للماده
(Subatomic Particles)
وغيرها, وان كتله الجزء المدرك من الكون تقدر باكثر من مائه ضعف الكتله الظاهره.
اما عن القسم التالي في السوره والذي يقول فيه الحق( تبارك وتعالي): والليل اذا عسعس والصبح اذا تنفس فهما قضيتان مستقلتان عن الخنس الجوار الكنس سنعرض لهما ان شاء الله تعالي في مقام اخر واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي اله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته الي يوم الدين.
-
13 والسماء ومابناها
في مطلع سوره الشمس يقسم ربنا( تبارك وتعالي) وهو الغني عن القسم بعدد من حقائق الكون وظواهره فيقول( عز من قائل):
والشمس وضحاها* والقمر اذا تلاها* والنهار اذا جلاها* والليل اذا يغشاها* والسماء وما بناها* والارض وما طحاها* ونفس وما سواها* فالهمها فجورها وتقواها*
(الشمس:1 8)
ثم ياتي جواب القسم صادعا, جازما بالقرار الالهي الذي منطوقه:
قد افلح من زكاها* وقد خاب من دساها*
( الشمس:9:10)
وكثيرا ما يوجه القران الكريم الانظار الي التفكر في عمليه الخلق: خلق الكون بسماواته واراضيه, خلق الحياه بمختلف اشكالها, وخلق الانسان, بكل ما في جسده ونفسه من اسرار ومعجزات, وما صاحب ذلك كله من مظاهر وموجودات, وهي وان كانت من صفحات كتاب الله المنظور التي تشهد له( تعالي) بطلاقه القدره, وكمال الصنعه, وشمول العلم والاحاطه فهي توكد صدق كل ما جاء في القران الكريم لانه هو كتاب الله المقروء, في صفائه الرباني, واشراقاته النورانيه. وصدق اخباره في كل امر, وكيف لا وهو وحي السماء الخاتم الذي تعهد ربنا( تبارك وتعالي) بحفظه فحفظ بنفس لغه الوحي( اللغه العربيه), وبنفس تفاصيل الوحي الذي انزل بها سوره سوره, وايه ايه وكلمه كلمه وحرفا حرفا, تحقيقا للوعد الالهي الذي قطعه ربنا( سبحانه) علي ذاته العليه فقال( عز من قائل):
انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون
( الحجر:9)
وبقي هذا الوحي الخاتم ولانه الوحي الخاتم محفوظا بحفظ الله الخالق علي مدي اربعه عشر قرنا او يزيد, وسوف يبقي ان شاء الله( تعالي) بصفائه الرباني, وتمامه وكماله الي ان يرث الله( تعالي) الارض ومن عليها...!!!
وسوره الشمس مليئه بالاشارات الكونيه التي لا يتسع المقام لعرضها في مقال واحد, ولذا فسوف اركز في هذا المقال علي قسم واحد مما جاء في هذه السوره المباركه الا وهو: والسماء وما بناها( الشمس: الايه الخامسه)
وقبل البدء في ذلك اود ان اكرر ما اكدته مرارا من قبل ان القسم في القران الكريم ياتي من قبيل تنبيهنا الي اهميه الامر المقسوم به في استقامه الوجود, وانتظام حركه الحياه, لان الله( تعالي) غني عن القسم لعباده.
ما في اللغه العربيه:
http://www.ahram.org.eg/Archive/2001/8/13/888_29M.JPG
الوحدات الرئيسيه في بناء الجزء المدرك من السماء الدنيا
تاتي ما في اللغه العربيه علي تسعه اوجه, اربعه منها اسماء, والخمسه الباقيه حروف.
والاسماء تاتي بمعني الذي, او للاستفهام, او للتعجب او تاتي للتعبير عن نكره يلزمها النعت.
والحروف تاتي نافيه بمعني( ليس), وتاتي جزائيه( مسلطه) اذا ادخل عليها اذ( اذما) او حيث( حيثما), وتاتي كذلك بصيغه اما و مهما, كما تاتي مع الفعل لتاويل المصدر( مصدريه) اي لتجعل ما بعدها بمنزله المصدر, وتاتي كافه عن العمل اذا دخلت عليها ان واخواتها ورب ونحو ذلك من مثل انما, كانما, ربما, قلما, طالما, كما تاتي غير كافه من مثل بما, وتاتي محذوفا منها الالف اذا ضم اليها حرف اخر من مثل لم, بم, عم, كما تاتي زائده لتوكيد اللفظ اذا دخلت عليها حروف اخري من مثل اذما, فاما, اما.
السماء في اللغه العربيه
السماء لغه اسم مشتق من السمو بمعني الارتفاع والعلو, تقول:( سما يسمو سموا فهو سام) بمعني علا يعلو علوا فهو عال او مرتفع, لان السين والميم والواو.. اصل يدل علي الارتفاع والعلو, يقال( سموت وسميت) بمعني علوت وعليت للتنويه بالرفعه والعلو, وعلي ذلك فان سماء كل شيء اعلاه, ولذلك قيل: كل ما علاك فاظلك فهو سماء.
ويقال فلان لا يسامي اي لا يباري, وقد علا من ساماه اي الذي باراه, وتساموا اي تباروا( في اكتساب المعالي عاده).
ولفظه السماء في العربيه تذكر وتونث( وان اعتبر تذكيرها شاذا), وجمعها سماوات, واسميه, وسماو, وسمي, وان كان اشهرها ذيوعا سماوات وهو ما جاء بالقران الكريم.
وانطلاقا من ذلك قيل لسقف البيت سماء لارتفاعه, وقيل للسحاب سماء لعلوه واستعير اللفظ للمطر بسبب نزوله من السحاب, وللعشب لارتباطه بنزول ماء السماء.
والسماء دينا هي كل ما يقابل الارض من الكون, والمراد بها ذلك العالم العلوي من حولنا والذي يضم الاجرام المختلفه من الكواكب والكويكبات, والاقمار والمذنبات, والنجوم والبروج, والسدم والمجرات, وغيرها من مختلف صور الماده والطاقه التي تملا الكون بصوره واضحه جليه, او مستتره خفيه.
وقد خلق الله( تعالي) السماء وهو خالق كل شيء ورفعها بغير عمد نراها, وجعل لها عمارا من الملائكه ومما لا نعلم من الخلق, وحرسها من كل شيطان مارد من الانس والجن, فهي محفوظه بحفظه( تعالي) الي ان يرث( سبحانه) هذا الكون بمن فيه وما فيه.
اراء المفسرين
في تفسير قوله( تعالي) والسماء وما بناها
قال المفسرون برايين يكمل احدهما الاخر, فقال ابن كثير( يرحمه الله): يحتمل ان تكون( ما) ها هنا مصدريه بمعني: والسماء وبنائها, وهو راي قتاده( رضي الله عنه), ويحتمل ان تكون بمعني( من) يعني: والسماء وبانيها, وهو قول مجاهد( رضي الله عنه), وكلاهما متلازم, والبناء هو الرفع... وقال صاحب الظلال( يرحمه الله):...( ما) هنا مصدريه, ولفظ السماء حين يذكر يسبق الي الذهن هذا الذي نراه فوقنا كالقبه حيثما اتجهنا, تتناثر فيه النجوم والكواكب السابحه في افلاكها ومداراتها, فاما حقيقه السماء فلا ندريها, وهذا الذي نراه فوقنا متماسكا لا يختل ولا يضطرب تتحقق فيه صفه البناء بثباته وتماسكه, اما كيف هو مبني, وما الذي يمسك اجزاءه فلا تتناثر وهو سابح في الفضاء الذي لا نعرف له اولا ولا اخرا... فذلك مالا ندريه....., انما نوقن من وراء كل شيء ان يد الله هي تمسك هذا البناء.....
وقال مخلوف( يرحمه الله):( والسماء ومابناها) اي ومن اوجدها وانشاها بقدرته واضاف: وايثار( ما) علي( من) لاراده الوصفيه تفخيما وتعظيما, كانه قيل:( والسماء والاله) القادر العظيم الذي بناها, وزاد بعد ذلك بقليل: وقيل ان( ما) في الايات الثلاث(5 7 من سوره الشمس) مصدريه, فيكون القسم ببناء السماء, وطحو الارض, وتسويه النفوس في الخلقه.
وقال الصابوني( امد الله في عمره):... اي واقسم بالقادر العظيم الذي بني السماء, واحكم بناءها بلا عمد واضاف: قال المفسرون( ما) اسم موصول بمعني( من), اي والسماء ومن بناها, والمراد به الله رب العالمين بدليل قوله بعده( فالهمها فجورها وتقواها), كانه قال: والقادر العظيم الشان الذي بناها, فدل بناوها واحكامها علي وجوده, وكمال قدرته....
وهذا هو عين الصواب لان القسم بالسماء وبخالقها العظيم يحوي قسما ببنائها المذهل في اتساعه, وتعدد اجرامه, واحكام تماسكه وترابط مختلف اجزائه علي الرغم من الطبيعه الدخانيه الغالبه عليه, وهذه الامور وغيرها مما يشهد لله الخالق( سبحانه وتعالي) بطلاقه القدره, وابداع الصنعه, وكمال العلم, وعظيم الحكمه, وبالتفرد بالالوهيه, والربوبيه, والوحدانيه فوق جميع خلقه, ومن هنا كان القسم بالسماء وبخالقها الاعظم وببنائها المذهل البديع...!!!
ثم يستمر السياق القراني بالقسم بالارض وبالذي طحاها مع روعه هذا الطحو والدحو, وبالنفس وبخالقها المبدع الذي سواها فالهمها فجورها وتقواها وجعلها علي هذا القدر من عظمه البناء وتعقيده, وكرمها من فضله وجوده, ومنحها الاراده الحره, وحريه الاختيار, ثم ياتي جواب القسم:
قد افلح من زكاها* وقد خاب من دساها.
بمعني ان كل من اجتهد في تزكيه نفسه, وتطهيرها, وتنميه الاستعدادات الفطريه للخير فيها, ومقاومه نوازع الشر المتداعيه بين جوانبها فقد فاز وافلح, ومن اهمل كل ذلك, وجافي هدايه ربه, واتبع شهوات نفسه, واطفا انوار الفطره الربانيه فيها فقد خاب وخسر, وذلك لان الله( تعالي) قد خلق الانسان من الطين بما لهذا الطين من حاجات وشهوات, ونفخ فيه من روحه ومالها من انوار. واشراقات, وغرس في الجبله الانسانيه حب الخيرات, وكراهيه المنكرات ومنح الانسان العقل ميزانا بين جميع الاتجاهات وانزل هدايته الربانيه نورا للانسان يفرق بين ما ينبغي ومالا ينبغي له ان يفعل, فمن اتبع الهدايه الربانيه, ونمي تلك الاشراقات الفطريه النورانيه في نفسه فقد فاز وافلح, ومن اتبع نفسه هواها, واغرقها في شهواتها فقد خاب وخسر, وهذا هو جواب القسم المفخم بالسماء وخالقها ومبدعها, وبروعه بنائها الذي اقسم به ربنا تبارك وتعالي وهو الغني عن القسم ليوكد هذا القرار الذي انزله( سبحانه) من فوق سبع سماوات:
قد افلح من زكاها* وقد خاب من دساها*
فماذا تقول العلوم الكونيه في عظمه شيء واحد من المقسوم به في هذه الايه الكريمه الا وهي السماء؟ وقبل الجواب علي ذلك اعرض لمفهوم السماء في القران الكريم.
السماء في القران الكريم
جاءت لفظه السماء في القران الكريم في ثلاثمائه وعشره مواضع, منها مائه وعشرون بالافراد( السماء), ومائه وتسعون بالجمع( السماوات).
كذلك جاءت الاشاره الي السماوات والارض وما بينهما في عشرين موضعا من تلك المواضع( المائده:18,17),( الحجر:85),( مريم:65),( طه:6),( الانبياء:16),( الفرقان:59),( الشعراء:24),( الروم:8),( السجده:4),( الصافات:5),( ص:66,27,10),( الزخرف:85),( الدخان:38,7),( الاحقاف:3),( ق:38),( النبا:37).
وجاء ذكر السحاب المسخر بين السماء والارض في موضع واحد من الايه رقم164 في سوره البقره, والتي تشير الي ان القران الكريم يفصل بين السماء والارض بنطاق يضم السحاب, وهو ما يعرف بنطاق المناخ الذي لا يتعدي سمكه16 كيلو مترا فوق خط الاستواء, ويحوي اغلب ماده الغلاف الغازي للارض(75% بالكتله).
وعلي ذلك فان السماء في القران الكريم تشمل كل ما يحيط بالارض بدءا من نهايه نطاق المناخ الي نهايه الكون التي لا يعلمها الا الله, ويشير القران الكريم الي ان الله تعالي قد قسم السماء الي سبع سماوات, كما قسم الارض الي سبع ارضين فقال( تعالي):
الله الذي خلق سبع سماوات ومن الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن لتعلموا ان الله علي كل شيء قدير وان الله قد احاط بكل شيء علما
(الطلاق:12)
وقال( سبحانه وتعالي):
الم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا, وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا
(نوح:16,15)
وقال( عز من قائل):
الذي خلق سبع سماوات طباقا...
( الملك:3)
ويتضح من هذه الايات بصفه عامه, ومن ايتي سوره نوح(16,15) بصفه خاصه ان السماوات السبع متطابقه حول مركز واحد, يغلف الخارج منها الداخل, والا ما كان جميع ما في السماء الدنيا واقعا في داخل باقي السماوات, فيكون كل من القمر والشمس وهما من اجرام السماء الدنيا واقعين في كل السماوات السبع.
وجاء ذكر السماوات السبع في سبع ايات قرانيه كريمه هي:[( الاسراء:44),( المومنون:86),( فصلت:12),( الطلاق:12),( الملك:3),( نوح:16,15),( النبا:12)].
كذلك جاءت الاشاره القرانيه الي سبع طرائق في الايه(17) من سوره( المومنون), واعتبرها عدد من المفسرين اشاره الي السماوات السبع, وان كان الاشتقاق اللفظي يحتمل غير ذلك.
ويشير القران الكريم الي ان النجوم والكواكب هي من خصائص السماء الدنيا وذلك بقول الحق( تبارك وتعالي):
انا زينا السماء الدنيا بزينه الكواكب
(الصافات:6)
وقوله( سبحانه وتعالي):
.... وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم
(فصلت:12)
وقوله( عز من قائل):
ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح...
(الملك:5)
وفي زمن تفجر المعارف العلميه, والتطور المذهل للوسائل التقنيه الذي نعيشه لم يستطع الانسان ادراك سوي جزء صغير من السماء الدنيا, ولم يتجاوز ادراكه لذلك الجزء10% مما فيه...!!!
السماء في علوم الفلك
يقدر علماء الفلك قطر الجزء المدرك من الكون باكثر من اربعه وعشرين بليونا من السنين الضوئيه(24 بليون*9.5 مليون مليون كيلو متر), وهذا الجزء من السماء الدنيا دائم الاتساع الي نهايه لا يعلمها الا الله( تعالي), وبسرعات لا يمكن للانسان اللحاق بها, وذلك لان سرعه تباعد بعض المجرات عنا وعن بعضها بعضا تقترب من سرعه الضوء المقدره بنحو الثلاثمائه الف كيلو متر في الثانيه, وهذا الجزء المدرك من الكون مبني بدقه بالغه علي وتيره واحده, تبدا بتجمعات فلكيه حول النجوم كمجموعتنا الشمسيه التي تضم بالاضافه الي الشمس عددا من الكواكب والكويكبات, والاقمار والمذنبات التي تدور في مدارات محدده حول الشمس, وتنطوي امثال هذه المجموعه الشمسيه بملايين الملايين في مجموعات اكبر تعرف باسم المجرات, وتكون عشرات من المجرات المتقاربه ما يعرف باسم المجموعه المحليه, وتلتقي المجرات ومجموعاتها المحليه فيما يعرف باسم الحشود المجريه, وتنطوي تلك في تجمعات محليه للحشود المجريه, ثم في حشود مجريه عظمي, ثم في تجمعات محليه للحشود المجريه العظمي الي ما هو اكبر من ذلك الي نهايه لا يعلمها الا الله( سبحانه وتعالي).
شمسنا: هي عباره عن كتله غازيه ملتهبه, مشتعله, مضيئه بذاتها علي هيئه نجم عادي متوسط الحجم ومتوسط العمر. ويقدر نصف قطر الشمس بنحو سبعمائه الف كيلو متر(6.960*510 كم), وتقدر كتلتها بنحو الفي مليون مليون مليون مليون طن تقريبا(1.99*2710 طن), ويقدر متوسط كثافها بحوالي1.41 جرام للسنتيمتر المكعب, بينما تصل كثافه لبها الي90 جراما للسنتيمتر المكعب, وتتناقص الكثافه في اتجاه اكليل الشمس لتصل الي جزء من عشره ملايين من الجرام للسنتيمتر المكعب.
ويزيد حجم الشمس علي مليون مره قدر حجم الارض, كما تزيد كتلتها علي كتله الارض بنحو333.400 ضعف.
وتقدر درجه حراره سطح الشمس بنحو سته الاف(5800) درجه مطلقه, ودرجه حراره لبها بنحو15 مليون درجه مطلقه, بينما تصل درجه حراره هالتها( اكليلها) الي مليوني درجه مطلقه. وتتكون الشمس اساسا من غاز الايدروجين(70%), والهيليوم(28%) ومن نسب ضئيله من عدد من العناصر الاخري(2%). وتنتج الطاقه في الشمس( وفي اغلب النجوم) اساسا من تحول الايدروجين الي هيليوم بعمليه الاندماج النووي, وتستمر العمليه لانتاج اثار طفيفه من عناصر اعلي في وزنها الذري.
ونظرا للطبيعه الغازيه الغالبه للشمس فان دورانها حول محورها يتم بطريقه تفاضليه
(Differential Rotation),
وذلك لان قلب الشمس يدور كجسم صلب يتم دورته في36.5 يوم من ايامنا, بينما الكره الغازيه المحيطه بهذا القلب الشمسي( ويبلغ سمكها ثلثي نصف قطر الشمس) يتم دورته حول مركز الشمس في نحو24 يوما من ايامنا, وعلي ذلك فان متوسط سرعه دوران الشمس حول محورها يقدر بنحو27 يوما وثلث يوم من ايام الارض.
وتجري الشمس( ومعها مجموعتها) نحو نقطه محدده في كوكبه هرقل( كوكبه الجاثي) بالقرب من نجم النسر الواقع
(Vega)
بسرعه تقدر بنحو19.5 كيلو متر في الثانيه, وتسمي هذه النقطه باسم مستقر الشمس. وتجري المجموعه الشمسيه كذلك حول مركز مجرتنا( الدرب اللبني) بسرعه خطيه تقدر بنحو250 كيلومترا في الثانيه لتتم دورتها في نحو250 مليون سنه من سنينا.
مجموعتنا الشمسيه:
تضم مجموعتنا الشمسيه بالاضافه الي الشمس كواكب تسعه هي( قربا من الشمس الي الخارج): عطارد, الزهره, الارض, المريخ, المشتري, زحل, يورانوس, نبتيون, بلوتو, ثم مدارات المذنبات التي لم تعرف لها حدود, هذا بالاضافه الي عدد من التوابع( الاقمار) التي يقدر عددها بواحد وستين تدور حول بعض من هذه الكواكب, والاف الكويكبات المنتشره بين كل من المريخ والمشتري والتي يعتقد بانها بقايا لكوكب منفجر, والاف الشهب والنيازك, وكميات من الدخان( الغاز الحار والغبار).
والكواكب الاربعه الداخليه( عطارد, والزهره, والارض, والمريخ) هي كواكب صخريه, والكواكب الخارجيه( من المشتري الي بلوتو) هي كواكب غازيه تتكون من عدد من الغازات المتجمده علي هيئه جليد( من مثل بخار الماء ثاني اكسيد الكربون, الامونيا, الايدروجين والهيليوم) حول لب صخري ضئيل.
وكواكب المجموعه الشمسيه تدور كلها حول الشمس في اتجاه واحد, وفي مستوي واحد تقريبا ما عدا بلوتو, وذلك في مدارات شبه دائريه( اهليلجيه) بحيث تقع الشمس في احدي بورتيه, وابعد نقطه علي المدار يصل اليها الكوكب تسمي الاوج, واقرب نقطه تسمي الحضيض ومتوسط مجموعهما يمثل متوسط بعد الكوكب عن الشمس, كذلك تزداد سرعه الكوكب بقربه من الشمس وتقل ببعده عنها بحيث يمس الخط الوهمي الواصل بينه وبين الشمس مساحات متساويه في وحده الزمن.
وتقدر المسافه بين الارض والشمس بنحو المائه والخمسين مليون كيلو متر(149.6 مليون كم) وقد اعتبرت هذه المسافه وحده فلكيه دوليه واحده.
وتقدر المسافه بين الشمس واقرب كواكبها( عطارد) بنحو الثمانيه والخمسين مليونا من الكيلومترات(57.9 مليون كم), كما تقدر المسافه بين الشمس وابعد الكواكب المعروفه عنها( بلوتو) بنحو سته بلايين من الكيلومترات5913.5 مليون كم), ويلي مدار بلوتو الي الخارج سحابه ضخمه من المذنبات التي تدور حول الشمس في مدارات يقدر بعد بعضها عن الشمس باربعين الف وحده فلكيه( اي نحو سته تريليونات من الكيلومترات), ومن الممكن وجود مدارات حول الشمس ابعد من ذلك ولكنها لم تكتشف بعد, واذا كان امتداد المجموعه الشمسيه يعبر عنه بابعد مسافه نعرفها حول الشمس تتم فيها حركه مداريه حول هذا النجم فان مدار بلوتو لا يمكن ان يعبر عن حدود مجموعتنا الشمسيه, وعليه فاننا في زمن التقدم العلمي والتقني المذهل الذي نعيشه لم ندرك بعد حدود مجموعتنا الشمسيه...!!!
مجرتنا( مجره الدرب اللبني)
(The Milky Way Galaxy):
تنطوي مجموعتنا الشمسيه مع حشد هائل من النجوم يقدر بنحو التريليون( مليون مليون) نجم فيما يعرف باسم مجره الدرب او الطريق اللبني( درب اللبانه) علي هيئه قرص مفرطح يقدر قطره بنحو المائه الف سنه ضوئيه, ويقدر سمكه بعشر ذلك( اي حوالي العشره الاف سنه ضوئيه), وتقع مجموعتنا الشمسيه علي بعد يقدر بنحو الثلاثين الف سنه ضوئيه من مركزه, وعشرين الف سنه ضوئيه من اقرب اطرافه.
وتتجمع النجوم حول مركز المجره فيما يشبه النواه, وتلتوي الاجزاء الخارجيه من قرص المجره مكونه اذرعا لولبيه تعطي لمجرتنا هيئتها الحلزونيه, وترتبط النجوم في مجرتنا( وفي كل مجره) مع بعضها بعض بقوي الجاذبيه, مشكله نظاما يتحرك في السماء كجسم واحد وتتجمع النجوم في مجرتنا في ثلاث جمهرات نجميه
(Stellar populations)
علي النحو التالي:
(1) جمهره القرص الرقيق وتقع علي مستوي1155 سنه ضوئيه من مستوي المجره وتضم احدث النجوم عمرا بصفه عامه.
(2) جمهره القرص السميك; وتقع علي ارتفاع3300 سنه ضوئيه من مستوي المجره, وتضم نجوما متوسطه في العمر بصفه عامه.
(3) جمهره الهاله المجريه وتقع علي ارتفاع11.550 سنه ضوئيه من مستوي المجره وتضم اقدم نجوم مجرتنا عمرا بصفه عامه.
وتنتشر بين النجوم سحب دخانيه ساخنه يغلب علي تركيبها غاز الايدروجين الحامل للغبار علي هيئه هباءات متناهيه في الدقه من المواد الصلبه مكونه ما يعرف باسم الماده بين النجوم
(Interstellar Matter)
التي تمتص ضوء النجوم فتخفيها, ولذلك فان الراصد لمجرتنا من الارض لا يري بوضوح اكثر من15% من مجموع مكوناتها الا باستخدام المقربات( التليسكوبات) الراديويه.
ونواه مجرتنا تجر معها اذرعها اللولبيه التي قد ترتفع فوق مستوي النواه, والسحب الدخانيه في تلك الاذرع تتحرك بسرعات تتراوح بين الخمسين والمائه كيلو متر في الثانيه, وتتراكم هذه السرعات الخطيه علي سرعه دوران محوريه تقدر بنحو250 كيلو مترا في الثانيه دون ان تنفصل اذرع المجره عن نواتها بسبب التفاوت في سرعه الاجزاء المختلفه منها.
وهذا الدوران التفاضلي( التفاوتي) يودي الي تسارع الماده الدخانيه بين النجوم, ثم الي كبح سرعتها مما ينتج عنه تكثيفها بدرجه كبيره وبالتالي تهيئتها لتخلق النجوم الابتدائيه
(pro-or proro-stars)
التي تتطور الي ما بعد ذلك من مراحل.
ومن نجوم مجرتنا ما هو مفرد, وما هو مزدوج, وما هو عديد الافراد.
وتدور نجوم مجرتنا في حركه يمينيه اساسيه منتظمه حول مركز المجره في اتجاه القطر الاصغر لها, مع وجود الدوران التفاوتي لمختلف اجزائها.
ويحصي علماء الفلك في الجزء المدرك من السماء الدنيا مائتي الف مليون مجره علي الاقل بعضها اكبر من مجرتنا كثيرا, وبعضها الاخر اصغر قليلا, والمجرات عباره عن تجمعات نجميه مذهله في اعدادها, يتخللها الدخان الكوني بتركيز متفاوت في داخل المجره الواحده, والتي قد تضم عشرات البلايين الي بلايين البلايين من النجوم.
وتتباين المجرات في اشكالها كما تتباين في احجامها, وفي شده اضاءتها, فمنها الحلزوني, والبيضاني( الاهليلجي), وما هو غير محدد الشكل, ومنها ما هو شديد الاضاءه, وما يبدو علي هيئه نقاط باهته لا تكاد تدرك باكبر المناظير المقربه( المقاريب), وتقع اكثر المجرات ضياء في دائره عظمي تحيط بنا في اتجاه عمودي تقريبا علي مستوي مجرتنا. وتبلغ كتله الغازات في بعض المجرات ما يعادل كتله ما بها من نجوم وتوابعها, في حين ان كتله الغبار تقل عن ذلك بكثير, وكثافه الغازات في المجره تقدر بحوالي ذره واحده لكل سنتيمتر مكعب بينما يبلغ ذلك1910 ذره/سم3 في الغلاف الغازي للارض عند سطح البحر.
المجموعه المحليه
(The Local Group)
تحشد مجرتنا( درب اللبانه) في مجموعه من اكثر من عشرين مجره في تجمع يعرف باسم المجموعه المحليه للمجرات
(The Local Group of Galaxies)
يبلغ قطرها مليون فرسخ فلكي
(One Million Parsec)
( اي يساوي3,261,500 سنه ضوئيه=3,0856*1910 كيلومتر) وتحتوي المجموعه المحليه التي تتبعها مجرتنا علي ثلاث مجرات حلزونيه واربع مجرات غير محدده الشكل, واعداد من المجرات البيضانيه العملاقه والقزمه, وقد تحتوي علي عدد اكبر من المجرات الواقعه في ظل مجرتنا ومن هنا تصعب رويتها.
الحشود المجريه والحشود المجريه العظمي
(Galactic Clusters and Super clusters)
هناك حشود للمجرات اكبر من المجموعه المحليه من مثل, حشد مجرات برج العذراء
(The Virgo Cluster of Galaxies)
والذي يضم مئات المجرات من مختلف الانواع, ويبلغ طول قطره مليوني فرسخ فلكي اي اكثر من سته ملايين ونصف من السنين الضوئيه(6,523,000 سنه ضوئيه), ويبعد عنا عشره اضعاف تلك المسافه( اي عشرين مليون فرسخ فلكي). وهذه الحشود المجريه تصدر اشعه سينيه بصفه عامه, وتحوي فيما بينها دخانا توازي كتلته كتله التجمع المجري, وتتراوح درجه حرارته بين عشره ملايين ومائه مليون درجه مطلقه, ويحوي هذا الدخان الايدروجيني علي نسبا ضئيله من هباءات صلبه مكونه من بعض العناصر الثقيله بما في ذلك الحديد( بنسب تقترب مما هو موجود في شمسنا) مما يشير الي اندفاع تلك العناصر من قلوب نجوم متفجره وصلت فيها عمليه الاندماج النووي الي مرحله انتاج الحديد( المستعرات وما فوقها). وتحوي بعض الحشود المجريه اعدادا من المجرات قد يصل الي عشره الاف مجره, ويحصي علماء الفلك الافا من تلك الحشود المجريه, التي ينادي البعض منهم بتكدسها في حشود اكبر يسمونها باسم الحشود المجريه العظمي
(Galactic Super clusters).
وقد احصي الفلكيون منها الي اليوم اعدادا كبيره علي بعد مليوني سنه ضوئيه منا.
ويعتقد ان المجموعه المحليه التي تنتمي اليها مجرتنا( درب اللبانه), والحشود المجريه المحيطه بها من مثل حشد مجرات برج العذراء تكون تجمعا اكبر يعرف باسم الحشد المجري المحلي الاعظم
(The Local Galactic Super cluster)
يضم قرابه المائه من الحشود المجريه علي هيئه قرص واحد يبلغ قطره مائه مليون من السنين الضوئيه, ويبلغ سمكه عشر ذلك( اي عشره ملايين من السنين الضوئيه) وهي نفس نسبه سمك مجرتنا( درب اللبانه) الي طول قطرها, فسبحان الذي بني السماء علي نمط واحد بهذا الانتظام الدقيق!!!
وتبدو الحشود المجريه والحشود المجريه العظمي علي هيئه كرويه تدرس في شرائح مقطعيه تكون ابعادها في حدود(150*100*15) سنه ضوئيه, واكبر هذه الشرائح ويسمي مجازا باسم الحائط العظيم
(The Great Wall)
يزيد طوله علي250 مليون سنه ضوئيه.
وقد تم الكشف اخيرا عن حوالي المائه من الحشود المجريه العظمي التي تكون حشدا اعظم علي هيئه قرص يبلغ طول قطره2 بليون سنه ضوئيه, وسمكه مائتي مليون سنهضوئيه, ويعتقد عدد من الفلكيين المعاصرين بان في الجزء المدرك من الكون تجمعات اكبر من ذلك.
والنجوم في مختلف تجمعاتها وحشودها, وعلي مختلف هيئاتها ومراحل نموها تمثل افرانا كونيه يخلق الله( تعالي) فيها مختلف صور الماده والطاقه اللازمه لبناء الجزء المدرك من الكون.
وبالاضافه الي النجوم وتوابعها المختلفه هناك السدم
(Nebulae)
علي تعدد اشكالها وانواعها, وهناك الماده بين النجوم
(Inter-Stellar Matter),
وهناك الماده الداكنه
(Dark Matter),
وغير ذلك من مكونات الكون المدرك, والمحسوس منها وغير المحسوس من مختلف صور الماده والطاقه المدسوسه في ظلمه الكون.
ويقدر الفلكيون كتله الجزء المدرك من السماء الدنيا بمائه ضعف كتله الماده والطاقه والاجرام المرئيه والمحسوسه فيه, بمعني اننا في زمن تفجر المعرفه الذي نعيشه لا ندرك الا اقل من عشره في المائه فقط من الجزء الذي وصل اليه علمنا من السماء الدنيا وسبحان الذي انزل من قبل الف واربعمائه سنه قوله الحق:
لخلق السماوات والارض اكبر من خلق الناس ولكن اكثر الناس لا يعلمون*
( غافر:57)
وقوله الحق:
وما اوتيتم من العلم الا قليلا*
( الاسراء:85)
ومن هنا تتضح اهميه القسم بالسماء وما بناها في الايه الخامسه من سوره الشمس, هذا القسم التفخيمي الذي جاء تعظيما لشان السماء وتقديسا لخالقها, وتنبيها لنا للتفكر في عظم اتساعها, ودقه بنائها, وانضباط حركتها, واحكام كل امر من امورها, والاعجاز في خلقها, وهي قضايا لم يدركها الانسان بشيء من النفصيل الا منذ عشرات قليله من السنين, وورود القسم بها في كتاب الله, مما يشهد للقران الكريم بانه كلام الله الخالق, ويشهد لخاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم اجمعين) بانه كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والارض. وذلك مما يزيد المومنين تثبيتا علي ايمانهم, ويدعو غيرهم من المشركين والكفار الي الايمان بالله الخالق, وطاعته وعبادته وحده بغير شريك ولا شبيه ولا منازع, ففي ذلك النجاه والنجاح في الدنيا والاخره, ولا نجاه ولا نجاح في غير ذلك, وان كانت السماء شاسعه الاتساع, دقيقه البناء, ومنضبطه الحركه فهي شاهده علي عظمه الله خالقها وخالق كل شيء سبحانه وتعالي...!!!
من هنا كان قسم الله( تعالي) بالسماء وهو الغني عن القسم وكان التاكيد القراني علي عظم شانها في عدد غير قليل من ايات القران الكريم نختار منها قول الحق( تبارك وتعالي):
(1) وما خلقنا السماء والارض وما بينهما لاعبين*..
(الانبياء:16)
(2) تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا*
(الفرقان:61)
(3) وما خلقنا السماء والارض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار*
( ص:27)
(4) ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس.... لايات لقوم يعقلون*
( البقره:164)
(5) ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لايات لاولي الالباب*
( ال عمران:190)
(6) وهو الذي خلق السماوات والارض بالحق....*
( الانعام:73)
(7) وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما الا بالحق...*
(الحجر:85)!
(8) اولم يتفكروا في انفسهم ما خلق الله السماوات والارض وما بينهما الا بالحق واجل مسمي....*
( الروم:8)
(9) ومن اياته خلق السمارات والارض...*
(الروم:22)( الشوري:29)
(10) لخلق السماوات والارض اكبر من خلق الناس ولكن اكثر الناس لا يعلمون*
( غافر:57)
(11) وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما لاعبين* ما خلقناهما الا بالحق ولكن اكثرهم لا يعلمون*
( الدخان:38 و39)
(12) ان في السماوات والارض لايات للمومنين*( الجاثيه:3)
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين, وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
-
14 والسماء والطارق* وما ادراك ما الطارق* النجم الثاقب*
بقلم: د. زغلول النجار
يستهل ربنا( تبارك وتعالي) سوره الطارق بقسم عظيم يقسم به( سبحانه) وهو الغني عن القسم بكل من السماء والطارق, ثم يثني باستفهام تفخيمي عن ماهيه الطارق ويحدده بالنجم الثاقب, فيقول( عز من قائل) مخاطبا خاتم انبيائه ورسله( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم اجمعين):
والسماء والطارق* وما ادراك ما الطارق* النجم الثاقب*
(الطارق:1 3)
وقد اختلف المفسرون في تحديد المقصود من الطارق, فمنهم من قال ان الوصف ينطبق علي كل نجم, ولا سبيل الي تحديد نجم بذاته, ولا ضروره لهذا التحديد, بل ان الاطلاق اولي ليكون المعني: والسماء ونجومها الثاقبه للظلام, النافذه من هذا الحجاب الذي يستر الاشياء..., كما قال صاحب الظلال( يرحمه الله رحمه واسعه)..
ومنهم من قال انه الثريا او النجم الذي يقال له كوكب الصباح, او نجم اخر محدد بذاته,
ومنهم من قال ان الوصف ينطبق علي الشهب التي وصفها القران الكريم بانها ثاقبه, كما في قول الحق( تبارك وتعالي):
الا من خطف الخطفه فاتبعه شهاب ثاقب*
( الصافات:10)
وذلك علي الرغم من الفروق الضخمه بين كل من النجم والكوكب والشهاب.
ولكن, الواضح من الايات ان القسم جاء هنا بنجم خاص بذاته سماه ربنا تبارك وتعالي ب الطارق, ووصفه بالنجم الثاقب, فما هو هذا النجم المحدد الذي استوجب هذا القسم القراني التفخيمي, وجاء مقرونا بالسماء علي عظم شانها؟ خاصه ان القسم في القران الكريم ياتي من اجل تنبيهنا الي اهميه الامر المقسوم به, والي ضرورته لاستقامه الكون ومكوناته, او لاستقامه الحياه فيه, او لكليهما معا, وذلك لان الله( تعالي) غني عن القسم لعباده, كما سبق وان اشرنا وكررنا لمرات عديده, وعندي ان معني الطارق النجم الثاقب لا ينجلي الا بمعرفه دقيقه لطبيعه النجوم وانواعها ومراحل تكونها, لان هذه قضيه علميه صرفه, وكطبيعه كل الاشارات الكونيه في القران الكريم, لابد من توظيف المعارف العلميه لفهم دلالاتها, حيث لا يمكن لتلك الدلالات ان تتضح في الاطار اللغوي وحده.
المدلول اللغوي للفظه الطارق
لفظه الطارق اسم فاعل من الطرق بمعني الضرب بشده, واصل الطرق الدق, ومنه سميت المطرقه التي يطرق بها, وهذا هو الاصل, ولكن استخدمت اللفظه مجازا لتدل علي الطريق اي السبيل, لان السابله تطرقها باقدامها, ثم صارت اسما لسالك الطريق, باعتبار انه يطرقها بقدميه, ولفظه الطريق تذكر وتونث, وجمعها اطرقه, وطرق.
كذلك استخدم لفظ الطريقه بمعني الوسيله او الحاله.
واستخدم الطرق والمطروق للاشاره الي ماء السماء الذي تطرقه الابل بعد سقوطه علي الارض, واستخدم لفظ الطارق علي سبيل المجاز للتعبير عن كل ما جاء بليل, فسمي قاصد الليل طارقا لاحتياجه الي طرق الابواب المغلقه, ثم اتسع هذا الاستعمال المجازي ليشمل كل ما ظهر بليل, ثم زيد في توسيعه حتي اطلق علي الصور الخياليه الباديه لبعض الناس بالليل.
وطريقه القوم وطرائقهم اماثلهم وخيارهم, والطرائق الفرق والطرق.
والطرق ايضا الضرب بالحصي, وهو من الكهانه والتكهن, والطراق هم المتكهنون, والطوارق هن المتكهنات.
اراء المفسرين في الطارق النجم الثاقب
ذكر ابن كثير قول قتاده وغيره من متقدمي المفسرين( يرحمهم الله جميعا) مانصه: انما سمي النجم طارقا, لانه انما يري بالليل, ويختفي بالنهار, ويويده ما جاء بالحديث:( الا طارقا يطرق بخير يارحمن), واضاف قول ابن عباس( رضي الله تبارك وتعالي عنهما( في شرح الثاقب بالمضيء, واشار الي قول عكرمه( رضي الله عنه): هو مضيء ومحرق للشيطان.
وذكر صاحب الظلال( يرحمه الله): ان هذا الوصف ينطبق علي جنس النجم, ولا سبيل الي تحديد نجم بذاته من هذا النص, ولا ضروره لهذا التحديد, بل ان الاطلاق اولي ليكون المعني: والسماء ونجومها الثاقبه للظلام, النافذه من هذا الحجاب الذي يستر الاشياء...
وذكر مخلوف( يرحمه الله): ان... المراد هنا النجم البادي بالليل, واضاف:( النجم الثاقب) اي المضيء, كانه يثقب الظلام بنوره فينفذ فيه, والمراد به الجنس, فان لكل كوكب ضوءا ثاقبا, او هو معهود وهو الثريا, او النجم الذي يقال له( كوكب الصباح)...
ووافق كل من الصابوني( امد الله في عمره), واصحاب المنتخب في تفسير القران الكريم( جزاهم الله خيرا), ما قال به ابن كثير( يرحمه الله), علي الرغم من ان القسم واضح الدلاله علي نجم محدد بذاته, وفيه من التحديد والتخصيص ما لا يمكن تجاهله, فلو كان الوصف بالطارق ينطبق علي كل نجم, ما خصص في هذه الايه الكريمه بهذا التحديد الدقيق, ولما اعطي اسما محددا الطارق, ولا صفه محدده النجم الثاقب, ولما ورد به القسم مع السماء بهذه الصوره المفخمه, ولما وجه السوال الي خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم اجمعين) عقب القسم مباشره:
والسماء والطارق* وما ادراك ما الطارق*
ولما اتي الجواب قاطعا, حاسما من الله( تعالي) بقوله( عز من قائل): النجم الثاقب*
والنجوم قد ورد ذكرها في القران الكريم ثلاث عشره مره, اربع منها بالافراد( النجم), وتسع بالجمع( النجوم), ولم يوصف اي منها بالطارق النجم الثاقب, الا في هذه السوره المباركه التي نحن بصددها, والتي حملت اسم الطارق تاكيدا ان الطارق نجم محدد بذاته, ولكي نفهم حقيقه هذا النجم الطارق الثاقب, لابد لنا من التعرف علي انواع النجوم, لنجد ما يمكن ان ينطبق عليه هذا الوصف القراني المحدد.
ماهيه النجوم؟:
النجوم هي مصابيح السماء الدنيا, وهذه المصابيح السماويه عباره عن اجرام غازيه في غالبيتها, ضخمه الحجم, ولكنها تبدو لنا ضئيله لتعاظم ابعادها عنا, فاقرب النجوم الينا وهي الشمس تبعد عنا بنحو مائه وخمسين مليون كيلومتر(149,6 مليون كيلومتر) واقرب نجوم مجرتنا الينا بعد الشمس واسمه الاقرب القنطوري
(Proxima Centauri)
يقدر بعده عنا باكثر من اربعه الاف مليون مليون كيلومتر(4,3 من السنين الضوئيه), ومن النجوم ما يبعد عنا باكثر من عشره بلايين من السنين الضوئيه.
والنجوم اجرام سماويه شديده الحراره, ملتهبه, مشتعله, ومضيئه بذاتها, يغلب علي تركيبها غاز الايدروجين, ويليه في الكثره غاز الهيليوم, والقليل من العناصر الاخري الاثقل وزنا, وتحتوي ماده النجم الغازيه( في اغلبها) بعمليه التجاذب الداخلي الي مركز النجم الناتجه عن دورانه حول محوره, وتودي هذه العمليه الي اتحاد نوي ذرات الايدروجين مع بعضها البعض بالاندماج او الانصهار النووي
(Nuclear Fusion)
وينطلق عن ذلك كميات هائله من الطاقه علي هيئه عدد من الاشعاعات الكهرومغناطيسيه التي من اهمها الضوء والحراره.
ويودي تسلسل عمليه الاندماج النووي من عنصر الي اخر, الي تكوين عناصر اعلي في وزنها الذري باستمرار, مما يودي بدوره الي تعقيد كل من التركيب الكيميائي والبناء الداخلي للنجم, الذي يتقلص حجمه بالتدريج وتزداد كثافته بطريقه مطرده, وترتفع درجه حرارته باستمرار, فيمر بذلك في عدد من الاطوار المتتاليه حتي نهايه حياته, وتسمي هذه المراحل المتتاليه بدوره حياه النجم.
دوره حياه النجوم:
خلقت النجوم ابتداء من الدخان الكوني, الذي نشا عن انفجار الجرم الاولي للكون( فتق الرتق), ولاتزال النجوم تتخلق امام انظار الفلكيين من دخان كل من السدم والمسافات بين النجميه وبين المجريه, عبر مراحل متتاليه, وذلك بواسطه عدد من الدوامات العاتيه التي تعرف باسم دوامات تركيز الماده
(Material Accretion Whorlsor Vertigos)
التي تعمل علي تكثيف الماده في داخل سحابات الدخان بفعل عمليه التجاذب التثاقلي
(Gravitational Attraction)
فتودي الي احداث تصادمات متكرره بين جسيمات الماده ينتج عنها الارتفاع التدريجي في درجه حرارتها حتي تصبح قادره علي بث الاشعه تحت الحمراء فيولد ما يسمي بالنجم الابتدائي
Pro-(or) Proto-Star
وتستمر جزيئات الماده في هذا النجم الاولي في التجمع والانجذاب اكثر نحو المركز حتي تتجمع الكتله اللازمه لبدء عمليه الاندماج النووي, فتزداد الاصطدامات بينها, ويزداد الضغط الي الدرجه التي تسمح ببدء التفاعلات النوويه الاندماجيه بين نوي ذرات الايدروجين, فيتوهج النجم الاولي وتنطلق منه الطاقه, وينبثق الضوء المرئي, وعند ذلك يكون النجم الابتدائي قد وصل الي طور النضج المسمي باسم نجوم النسق الرئيسي
(Main Sequence Stars)
ويستمر النجم في هذا الطور غالبيه عمره(90% من عمره), حيث يتوقف انكماش مادته نحو المركز بسبب الحراره والضغط البالغين المتولدين في مركز النجم.
وينتج عن استمرار التفاعلات النوويه في داخل نجم النسق الرئيسي استهلاك كميات كبيره من غاز الايدروجين الذي تحوله الي الهيليوم, وبالتدريج تتخلق العناصر الاثقل من مثل الكربون, والنيتروجين, والاوكسجين, وفي مراحل لاحقه يتحول لب النجم الي الحديد, فتتوقف عمليه الاندماج النووي, ويدخل النجم في مرحله الاحتضار علي هيئه النموذج الاول لانفجار المستعر الاعظم
(TypeI Supernova Explosion)
ينتهي به الي دخان السماء عبر مراحل من العمالقه الحمر
(Red Giants)
ثم مرحله النجوم الزرقاء شديده الحراره والمحاطه بهاله من الايدروجين المتاين والمعروفه باسم السدم الكوكبيه
(Planetary Nebulae)
ثم مرحله الاقزام البيض
(White Dwarfs)
http://www.ahram.org.eg/Archive/2001/8/20/895_1M.JPG
صوره بالاشعه السينيه لسديم السرطان وبداخله نجم نيوتروني
اذا كانت الكتله الابتدائيه للنجم قليله نسبيا( في حدود كتله الشمس تقريبا), اما اذا كانت الكتله الابتدائيه للنجم عده مرات قدر كتله الشمس, فانه يمر بمراحل من العمالقه العظام
(Supergiants)
ثم النموذج الثاني لانفجار المستعر الاعظم
(TypeII Supernova Explosion)
الذي تتبقي عنه النجوم النيوترونيه
(Neutron Stars)
او الثقوب السود
(Black Holes)
والتي اسميها باسم النجوم الخانسه الكانسه
(The Concealedor Hidden Sweeping Stars)
كما يصفها القران الكريم, والتي تبتلع كل ما تمر به او يصل الي افق حدثها
(Event Horizon)
من مختلف صور الماده والطاقه, ثم ينتهي بها المطاف الي دخان السماء عن طريق تفككها وتبخر مادتها عاليه الكثافه, كما يعتقد غالبيه الدارسين لموضوعات الفيزياء الفلكيه, وان كانوا لم يتمكنوا بعد من تحديد كيفيه حدوث ذلك, ويري بعض الفلكيين ان اشباه النجوم
(Quasars)
مرشحه لتكون المرحله الانتقاليه من الثقوب السود الي دخان السماء, وهي اجرام شاسعه البعد عنا, ضعيفه الاضاءه( ربما لبعدها الشاسع عنا), منها ما يطلق اقوي الموجات الراديويه المعروفه في السماء الدنيا ويعرف باسم اشباه النجوم الراديويه
(Quasi-Stellar Radio Sourcesor Quasars)
ومنها ما لا يصدر مثل تلك الموجات الراديويه ويعرف باسم اشباه النجوم غير الراديويه
(Radio-Quiet Quasi-Stellar Objectsor QSOs)
وغالبيه نجوم السماء من النوع العادي, او ما يعرف باسم نجوم النسق الرئيسي
(Main Sequence Stars)
التي تمثل مرحله نضج النجم واوج شبابه, وهي اطول مرحله في حياه النجوم, حيث يمضي النجم90% من عمره في هذه المرحله, التي تتميز بتعادل دقيق بين قوي التجاذب الي مركز النجم( والناتجه عن دوران النجم حول محوره), وقوي دفع ماده النجم الي الخارج( نتيجه لتمدده بالحراره الشديده الناتجه عن عمليه الاندماج النووي في لبه), ويبقي النجم في هذا الطور حتي ينفذ وقوده من غاز الايدروجين, او يكاد ينفد, فيبدا بالتوهج الشديد حتي تصل شده اضاءته الي مليون مره قدر شده اضاءه الشمس, ثم يبدا في الانكدار التدريجي حتي يطمس ضووه بالكامل, ويختفي كليه عن الانظار علي هيئه النجم الخانس الكانس( او الثقب الاسود), عبر عدد من مراحل الانكدار.
ومن النجوم المنكدره ما يعرف باسم السدم الكوكبيه
(Planetary Nebulae)
والاقزام البيض
(White Dwarfs)
والنجوم النيوترونيه
(Neutron Stars)
ومنها النابض وغير النابض
Pulsating Neutron Stars (or Pulsars)and Non-pulsating Neutron Stars
وغيرها من صور انكدار النجوم, وسبحان الذي انزل من فوق سبع سماوات, ومن قبل الف واربعمائه سنه قوله الحق:
اذا الشمس كورت* واذا النجوم انكدرت*
( التكوير:2).
وقوله( عز من قائل):
فاذا النجوم طمست*
(المرسلات:8)
والايات الثلاث من مظاهر الاخره, الا ان من رحمه الله( تعالي) بنا, ان يبقي لنا في سماء الدنيا من ظواهر انكدار النجوم وطمسها, ما يوكد امكانيه حدوث ذلك في الاخره بكيفيات ومعدلات مغايره لكيفيات ومعدلات الدنيا, لان الاخره لها من السنن ما يغاير سنن الدنيا.
احجام النجوم
تتفاوت النجوم في احجامها تفاوتا كبيرا, فمنها العماليق العظام
(Supergiants)
التي تزيد اقطارها عن اربعمائه ضعف قطر الشمس( اي نحو خمسمائه وستين مليون كيلومتر), ومنها الاقزام البيض
(White Dwarfs)
التي لا تتعدي اطوال اقطارها واحدا من مائه من طول قطر الشمس في المتوسط( اي لا تتعدي14000 كيلومتر), ومنها النجوم النيوترونيه
(Neutron Stars)
التي لا يتعدي طول قطر الواحد منها سته عشر كيلومترا, ومنها النجوم الخانسه الكانسه( او ما يعرف باسم الثقوب السود)
(Concealedor Hidden Sweeping Stars (or Black Holes)
التي يتضاءل فيها قطر النجم الي ما لا يستطيع العقل البشري ان يتصوره, وهي صوره واقعيه راهنه تعيد الي الاذهان نقطه البدايه الاولي التي انفجرت فخلق الله تعالي منها كل السماوات والارض( الرتق) مع الفارق الشاسع بين النقطتين في تناهي الحجم والكتله, وكم الطاقه ودرجه الحراره وغير ذلك من الصفات, ولكنها رحمه الله( تعالي) بنا, ان يبقي لنا في صفحه السماء ما يمكن ان يعين اصحاب البصائر علي تدبر الخلق الاول, وعلي تصور امكانيه افنائه, واعاده خلقه من جديد, وهي من القضايا التي طالما جادل فيها الكافرون والمتشككون والمنكرون بغير علم ولا هدي ولا سلطان منير.
كثافه وكتل النجوم
كما تتفاوت النجوم في احجامها, فانها تتفاوت في كل من كثافه مادتها وكتلتها, وبصوره عامه تقل كثافه النجم كلما زاد حجمه وبالعكس, تزداد كثافته كلما قل حجمه, وقد لوحظ ان كثافه ماده النجوم تتفاوت بين واحد من مائه من متوسط كثافه الشمس( المقدره بنحو1,41 جرام للسنتيمتر المكعب) في العماليق العظام
(Supergiants)
الي طن واحد للسنتيمتر المكعب(610 جرام/سم3) في الاقزام البيض
(White Dwarfs)
الي بليون طن للسنتيمتر المكعب(1510 جرام/سم3) في النجوم النيوترونيه الي اضعاف مضاعفه لتلك الكثافه في النجوم الخانسه الكانسه( الثقوب السود).
ويمكن تعيين كتل النجوم خاصه الثنائيه والثلاثيه منها, اما بصريا او طيفيا بتطبيق قانون الجاذبيه, او بتطبيق قوانين الازاحه الطيفيه
(Red Shift)
( انزياح اضواء النجوم الي الطيف الاحمر), وهناك علاقه بين كتله النجم ودرجه اضاءته( في مرحله نجوم النسق الرئيسي), اي بين كتله الماده التي يحتويها النجم, وبين كميه الطاقه المتولده في جوفه, فاذا كان النجم في حاله اتزان بين قوي الجذب الي مركزه وقوي الدفع الي الخارج( اي لا يتمدد ولا ينكمش) فان جميع خواصه الفيزيائيه تعتمد علي كل من كتلته وتوزيع العناصر الكيميائيه في مادته.
وتعتبر كثافه النجم داله قويه علي مرحله تطوره, فكلما زادت كثافه النجم, كان اكبر عمرا واقرب الي نهايته من النجوم الاقل كثافه.
درجات حراره النجوم
تتفاوت النجوم في درجه حراره سطحها بين2300 درجه مطلقه في النجوم الحمراء,و واكثر من خمسين الف درجه مطلقه في النجوم الزرقاء, ويتم قياس درجه حراره سطح النجم بعدد من التقنيات التي منها قياسات لون النجم, لان اشعاعه يخضع لقوانين اشعاع الجسم الاسود
(Black Body Radiation)
فاذا كانت درجه حراره النجم منخفضه نسبيا, مالت معظم الاشعاعات التي يصدرها الي اللون الاحمر, واذا كانت درجه حرارته عاليه مالت اشعاعاته الي الزرقه, وتسمي درجه الحراره المقاسه باسم درجه حراره اللون
(ColourTemperature)
ومنها قياس شده خطوط الامتصاص الطيفيه لاشعه النجم في مراحل مختلفه من التاين والاثاره وتسمي درجه الحراره المقاسه باسم درجه الحراره الطيفيه
(Spectral Temperature).
وتتفاوت النجوم ايضا في درجه حراره جوفها بين عشرات الملايين في نجوم النسق الرئيسي, ومئات البلايين من الدرجات المطلقه في المستعرات وما فوقها.
اقدار النجوم
هي مقاييس عدديه تعبر عن درجه لمعان النجم, وتقاس شده الاضاءه الظاهريه للنجم بكميه الضوء الواصل منه الي نقطه معينه في وحده من وحدات الزمن, والقدر الظاهري للنجم قيمه عدديه لوغاريتميه تعبر عن شده اضاءته الظاهريه بالنسبه لغيره من النجوم, بمعني ان الارقام الاقل تعبر عن درجه لمعان اعلي, ويعتمد القدر الظاهري للنجم علي كميه الطاقه المنطلقه منه في الثانيه( القدر المطلق), وعلي بعد النجم عنا, ويمكن معرفه القدر المطلق للنجم بمعرفه بعده عن الارض, ويبلغ مدي القدر النجمي المطلق نحو27 درجه( تتراوح بين-9 في اشدها لمعانا, و+18 في اخفتها).
وتبلغ درجه لمعان الشمس( قدرها المطلق)+5, بينما يقترب ذلك من اقصي قدر(-9) في كل من العماليق الحمر, والعماليق العظام والمستعرات وما فوقها, حيث تبلغ شده اضاءه النجم اكثر من مليون ضعف اضاءه الشمس, وتتدني شده الاضاءه الي واحد من الف من شده اضاءه الشمس في النجوم المنكدره من مثل الاقزام البيض, والنجوم النيوترونيه, الي الطمس الكامل والاظلام التام في النجوم الخانسه الكانسه( الثقوب السود) واشباهها من الاجرام المستتره في ظلمه الكون.
التغير في اقدار النجوم او( النجوم المتغيره)
بالاضافه الي التباين الشديد في درجه لمعان النجوم, فان بعض النجوم العاديه
(Main Sequence Stars)
تتفاوت شده اضاءه النجم الواحد منها من وقت الي اخر, عبر فترات زمنيه تطول او تقصر, وبشكل مفاجيء او بصوره هادئه متدرجه, لا تكاد ان تدرك, ولذلك عرفت باسم النجوم المتغيره او المتغيرات.
احتضار النجوم:
يبدا النجم العادي( مرحله النسق الرئيسي) في الاحتضار, بالتوهج الشديد علي هيئه عملاق احمر
(Red Giant)
اذا كانت كتلته الابتدائيه في حدود كتله الشمس( او قريبه من ذلك), او علي هيئه عملاق اعظم
(Supergiant)
اذا فاقت كتلته الابتدائيه كتله الشمس بعده مرات, وينشا في الحاله الاولي نجم ازرق شديد الحراره محاط بهاله من الايدروجين المتاين( اي الحامل لشحنه كهربيه), ويعرف باسم السديم الكوكبي
(The Planetary Nebula)
الذي سرعان ما يتبرد وينكمش علي هيئه ما يعرف باسم القزم الابيض, وقد تدب الروح في القزم الابيض فيعاود الانفجار علي هيئه عملاق احمر, ثم نخبو جذوته الي قزم ابيض عده مرات حتي ينتهي به العمر الي الانفجار علي هيئه مستعر اعظم من النمط الاول
(TypeI Supernova)
فتنتهي مادته وطاقته الي دخان السماء لتدخل في دوره ميلاد نجم جديد.
وفي حاله النجوم فائقه الكتله, ينفجر نجم النسق الرئيسي علي هيئه عملاق اعظم, الذي يعاود الانفجار علي هيئه مستعر اعظم من النمط الثاني, عائدا الي دخان السماء عوده جزئيه, ومكدسا جزءا كبيرا من كتلته علي هيئه نجم نيوتروني او ثقب اسود( نجم خانس كانس), اما مباشره او عبر مرحله النجم النيوتروني حسب الكتله الابتدائيه للنجم.
والمراحل المتاخره من حياه النجوم مثل النجوم الزرقاء الحاره, والنجوم النيوترونيه, والنجوم الخانسه الكانسه( الثقوب السود), واشباه النجوم ترسل بوابل من الاشعه والجسيمات الكونيه, او باحزمه متصله من الاشعه السينيه او الاشعه الراديويه عبر السماء الدنيا, فتفقد من كتلتها باستمرار الي دخان السماء.
ومن اهم هذه المراحل المتاخره في حياه النجوم ما يعرف باسم النجوم النيوترونيه النابضه او النوابض, وهي نجوم نيوترونيه شديده التضاغط ترسل بنبضات منتظمه من الاشعه الراديويه المتسارعه في كل جزء من الثانيه, او في كل عدد قليل من الثواني, وقد يصل عدد النبضات الي ثلاثين نبضه في الثانيه, ويعتمد عدد النبضات علي سرعه دوران النجم حول محوره, حيث انه من المعتقد ان كل دوره كامله للنجم حول محوره تصاحبها نبضه من نبضات الموجات الراديويه التي تسجلها المقربات( التليسكوبات) الراديويه بوضوح تام.
كيفيه تكون النجوم النيوترونيه
يعتبر انفجار العماليق العظام علي هيئه مستعر اعظم من النمط الثاني, واحدا من اعظم الانفجارات الكونيه المروعه, التي تودي الي تدمير النجم والي تدمير كل ما يدور في فلكه او يقع في طريق انفجاره من اجرام سماويه في زمن قياسي, وذلك بتكون تيارات حمل عنيفه في داخل النجم تدفع بواسطه وابل غزير من النيوترينوات
Neutrino-Driven Convection Currents
فتقوم بتكوين دوامات متفاوته في احجامها, وفي شده دورانها, يودي تصادمها الي مزيد من تفجير النجم, وتندفع السنه اللهب بعنف شديد من داخل النجم الي خارجه علي هيئه اصابع عملاقه ملتويه ومتكسره, وتظل طاقه النيوترينو تضخ في داخل النجم المتفجر لمسافه الاف الكيلومترات في العمق, مما يودي الي تكرار عمليات الانفجار مرات عديده حتي تخبو فتنطلق رياح عاتيه مندفعه بتيار النيوترينو من نجم ذي كثافه فائقه قد تكون داخل حطام النجم المنفجر, ويعرف هذا النجم الوليد باسم النجم النيوتروني الابتدائي, والذي سرعان ما يتحول الي نجم نيوتروني عادي الحجم بجاذبيه قليله نسبيا, ثم الي نجم نيوتروني شديد التضاغط بجاذبيه عاليه جدا, وهو نجم ضئيل الحجم جدا, سريع الدوران حول محوره مطلقا كميه هائله من الاشعه الراديويه, ولذا يعرف باسم النابض الراديوي(RadioPulsar)
وباقي نواتج الانفجار تقذف الي صفحه السماء علي هيئه موجات لافحه من الكتل الغازيه الملتهبه, تعرف باسم فضلات انفجار المستعرات العظمي, وهذه الفضلات الدخانيه قد تدور في مدارات حول نجوم اخري لتتخلق منها اجرام تتبع تلك النجوم, او قد تنتهي الي الماده بين النجوم لتشارك في ميلاد نجوم جديده.
ومن رحمه الله بنا ان مثل هذه الانفجارات النجميه المروعه والمدمره والمعروفه باسم انفجار المستعر الاعظم
Supernova Explosion
قد اصبحت قليله جدا بعد ان كانت نشطه في بدء الخلق كما تدل اثارها الباقيه في صفحه السماء, فلا يتعدي وقوعها اليوم مره واحده كل عده قرون, فحتي سنه1987 م لم يعرف الفلكيون سوي ثلاث حالات فقط مسجله في التاريخ المدون, وقعت احداها في سنه1054 م, وخلفت من ورائها نجما نيوترونيا نابضا في سديم السرطان
(Crab Nebula)
الذي يبعد عنا بنحو الف فرسخ فلكي(3,300 سنه ضوئيه) ويدور هذا النابض حول محوره ثلاثين مره في كل ثانيه مطلقا اشعاعا دوارا من الاشعه السينيه.
وسجلت الثانيه في سنه1604 م في مجرتنا( درب اللبانه), ولاتزال اثار هذا الانفجار باقيه علي هيئه دوامات شديده من الموجات الصدميه
(Shock Waves)
التي يمكن رصدها, ووقعت الثالثه في1987/2/24 م في سحب ماجيلان الكبيره
(The Large Magellanic Clouds)
وهي احدي المجرات المجاوره لمجرتنا.
والانفجار الواحد من هذه الانفجارات العظمي, تفوق شدته الطاقه المنطلقه من جميع النجوم في مجره كامله, ويكون الضوء المصاحب له اشد لمعانا من ضوء المجره بالكامل, ويتبقي عنه نفثات كونيه من اشعه جاما
(Cosmological Gamma Ray Bursts)
يطلق عليها اسم المرددات الدقيقه لاشعه جاما
.(Soft Gamma Ray Repeatersor SGRs)
التي تصدر انبثاقات هائله من الاشعه السينيه لتختفي ثم تظهر من جديد بعد عده شهور, او عده سنوات حسب بعدها عنا, والنفثه الواحده التي ينفثها واحد من تلك المرددات في ثانيه واحده تساوي كل ما تنفثه الشمس من الاشعه السينيه في سنه كامله من سنينا.
وفي سنه1992 م تمكن الفلكيون من اثبات ان مرددات الاشعه السينيه تلك, ما هي الا نجوم نيوترونيه شديده المغنطه
(Super Magnetized Neutron Stars)
اطلقوا عليها اسم الممغنطات
(Magnetars)
واثبتوا لها حقلا مغناطيسيا فائق الشده, تفوق شدته شده جاذبيه الحقل المغناطيسي للارض باكثر من الف وخمسمائه مليون مليون مره(1667 مليون مليون مره), وللشمس بنحو الالف مليون مليون مره, وهذه الممغنطات هي نجوم نيوترونيه نابضه
(Pulsating Neutron Starsor Pulsars)
تدور حول محورها بسرعات فائقه مطلقه الاشعه السينيه بكميات غزيره.
ماهو الطارق النجم الثاقب؟
ينطبق الوصف القراني' بالطارق النجم الثاقب' علي مصادر الاشعاع الراديوي المميز بالسماء الدنيا ومن اهمها النجوم النيوترونيه شديده التضاغط
(Theultra-compact Neutronstars)
والمعروفه باسم النجوم النابضه
(Pulsating Stars)
او النابضات او النوابض
(Pulsars)
وهي نجوم ذات كثافه وجاذبيه فائقه وحجم صغير, ولذا فانها تدور حول محورها بسرعات فائقه مطلقه كميات هائله من الموجات الراديويه ولذا تعرف باسم النوابض الراديويه
(Radio Pulsars)
لانها ترسل نبضات منتظمه من الاشعه الراديويه في كل جزء من الثانيه او في كل عدد قليل من الثواني حسب حجمها, وسرعه دورانها حول محورها, وقد يصل عدد نبضات تلك النجوم الي ثلاثين نبضه في الثانيه الواحده, ويعتقد ان النابض الراديوي يطلق نبضه واحده من الموجات الراديويه في كل دوره كامله حول محوره, وتسجل المقربات( التليسكوبات) الراديويه تلك النبضات بدقه فائقه.
ومن رحمه الله بنا ان اقرب النوابض الراديويه الينا يبعد عنا بمسافه خمسه الاف من السنين الضوئيه, والا لكان لنبضاتها المتسارعه اثر مدمر للحياه علي الارض.
ومن مصادر الاشعاع الراديوي المتميز ايضا اشباه النحوم
(Quasars)
وهي اجرام سماويه شديده البعد عنا, ضعيفه الاضاءه( ربما لبعدها البالغ عنا), ومنها مايطلق اقوي الموجات الراديويه المعروفه في السماء الدنيا, ولذا تعرف باسم اشباه النجوم المصدره للموجات الراديويه
(Radio Sources Quasars)
تمييزا لها عن غيرها من اشباه النجوم التي لاتصدر موجات راديويه
(Radio-Quiet Quasi-Stellarobjects (QSOs)
وعلي الرغم من بعدها الشاسع عنا فان اشباه النجوم تتباعد عنا بسرعات فائقه, وتعتبر ابعد ما قد تم رصده من اجرام السماء بالنسبه لنا, وتبدو وكانها علي اطراف السماء الدنيا تطرق ابوابها لتوصل اشاراتها الراديويه الينا.
واشباه النجوم في حاله من حالات الماده الخاصه غير المعروفه لنا, وتقدر كتله شبيه النجم بنحو مائه مليون ضعف كتله الشمس, وهو قليل الكثافه جدا اذ تقدر كثافته بحدود واحد من الف مليون مليون من الجرام للسنتيمتر المكعب(1510/1 جم/سم3), وتقدر الطاقه الناتجه عنه بمائه مليون مليون مره قدر طاقه الشمس, وقد تم الكشف عن حوالي الف وخمسمائه من اشباه النجوم علي اطراف الجزء المدرك من الكون, ويتوقع الفلكيون وجود الاف اخري منها لم تكتشف بعد.
وكلتا المرحلتين من مراحل حياه النجوم: النوابض الراديويه
(Radio Pulsars)
واشباه النجوم الراديويه
(Radio Quasars)
يعتبر من اهم المصادر الراديويه
(Radio Sources)
في السماء الدنيا, وكلتاهما من مراحل احتضار النجوم وانكدارها التي تسبق الطمس والخنوس, كما في حاله النوابض, او من مراحل التحول الي دخان السماء اللاحقه علي مرحله الخنوس كما في حاله اشباه النجوم.
ولعل هذه المراحل الراديويه المتميزه في ختام حياه النجوم هي المقصوده بالوصف القراني الطارق النجم الثاقب لانها تطرق صفحه السماء وتثقب صمتها بنبضاتها السريعه التردد, وموجاتها الراديويه الخاطفه, والله تعالي اعلم.
وان في سبق القران الكريم بالاشاره الي تلك المراحل من حياه النجوم والتي لم يعرفها الانسان الا في العقود المتاخره من القرن العشرين لهو من الشهادات الناطقه بربانيه القران الكريم, وبنبوه خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي اله وصحبه اجمعين), الذي تلقي هذا الوحي الخاتم من قبل الف واربعمائه من السنين بهذه الدقه العلميه المبهره في مجتمع لم يكن له من العلم اي نصيب.
وبعد هذا القسم بالسماء والطارق ياتي جواب القسم:
ان كل نفس لما عليها حافظ
( الطارق:4)
اي ان كل نفس عليها من الله( تعالي) حافظ موكل بها من الملائكه, يحفظها بامر الله, ويحفظ عنها بامر الله كذلك, في مراقبه دائمه, فكما يصلنا طرق النوابض واشباه النجوم عبر بلايين السنين الضوئيه تعرج اعمالنا لحظه بلحظه الي الله( تعالي) علام الغيوب الذي لا تخفي عليه خافيه في الارض ولا في السماء!!
ثم اتبع تعالي ذلك بدعوه الانسان( في نفس السوره) الي النظر في نشاته الاولي كي يعلم ان خالقه قادر علي اعاده بعثه, وعلي محاسبته وجزائه, فيجتهد في عمل الخير حتي يجد ما ينجيه في الاخره, حيث ان الامر ليس بالهزل, ولذلك يختتم السوره الكريمه بعدد من الايات الكونيه الاخري وبقوله تعالي: انه لقول فصل* وما هو بالهزل*
ثم بانذار ووعيد للكافرين بالله والمشركين به والمتمردين علي اوامره( تعالي) بهذا الجزم الالهي القاطع:
( انهم يكيدون كيدا* واكيد كيدا* فمهل الكافرين امهلهم رويدا*)
( الطارق:17 19)
-
15 والسماء ذات الرجع
بقلم: د. زغلول النجار
هذه الايه الكريمه التي جاءت في منتصف سوره الطارق هي من ايات القسم في القران الكريم, والقسم في كتاب الله ياتي من قبيل تنبيهنا الي اهميه الامر المقسوم به, لان الله( تعالي) غني عن القسم لعباده كما سبق وان ذكرنا.
والقسم هنا بالسماء وبصفه خاصه من صفاتها وهي انها ذات الرجع, وفي ذلك قال قدامي المفسرين ان رجع السماء هو المطر, وانه سمي رجعا لان بخار الماء يرتفع اصلا من الارض الي السماء حيث يتكثف ويعود الي الارض مطرا باذن الله, في عمليه دائمه التكرار والاعاده, ولفظه الرجع هنا مستمده من الفعل رجع بمعني عاد واب ولذا سمي المطر رجعا كما سمي اوبا.
ومع تسليمنا بصحه هذا الاستنتاج يبقي السوال المنطقي: اذا كان المقصود بالتعبير رجع السماء هو المطر فقط فلماذا فضل القران الكريم لفظه الرجع علي لفظه المطر؟ ولماذا لم يات القسم القراني بالتعبير والسماء ذات المطر بدلا من والسماء ذات الرجع؟
واضح الامر والله تعالي اعلم ان لفظه الرجع في هذه الايه الكريمه لها من الدلالات مايفوق مجرد نزول المطر علي اهميته القصوي لاستمراريه الحياه علي الارض مما جعل هذه الصفه من صفات السماء محلا لقسم الخالق( سبحانه وتعالي) وهو الغني عن القسم تعظيما لشانها وتفخيما. فما هو المقصود بالرجع في هذه الايه الكريمه؟
يبدو والله تعالي اعلم ان من معاني الرجع هنا الارتداد اي ان من الصفات البارزه في سمائنا انها ذات رجع اي ذات ارتداد, بمعني ان كثيرا مما يرتفع اليها من الارض ترده الي الارض ثانيه, وان كثيرا مما يهبط عليها من اجزائها العلا يرتد ثانيه منها الي المصدر الذي هبط عليها منه, فالرجع صفه اساسيه من صفات السماء, اودعها فيها خالق الكون ومبدعه, فلولاها ما استقامت علي الارض حياه, ومن هنا كان القسم القراني بها تعظيما لشانها, وتنبيها لنا لحكمه الخالق( سبحانه وتعالي) من ايجادها وتحقيقها...!!!
الرجع في اللغه العربيه
http://www.ahram.org.eg/Archive/2001/8/27/902_1MM.JPG
من صور الرجوع الي الارض
يقال:( رجع يرجع رجوعا) بمعني عاد يعود عودا, و(رجعه) غيره او( ارجعه) بمعني اعاده ورده, و(الرجوع) العوده الي ماكان منه البدء, ويقال( رجعه, يرجعه رجعا).
كما يقال( رجع يرجع رجعا وترجيعا) بمعني رد يرد ردا, فالرجع لغه هو العود, والارتداد, والرد, والانصراف والافاده, والاعاده, ولذلك يقال للمطر رجعا لرد الهواء ماتناوله من ماء الارض بطريقه مستمره, كما يقال للغدير رجعا بنسبته الي المطرالذي ملاه, او لتراجع امواجه وتردده في مكانه ويستند في ذلك الي قول الحق( تبارك وتعالي): والسماء ذات الرجع اي ذات المطر وقيل فيها ايضا اي ذات النفع.
ويقال( رجع يرجع ترجيعا) اي ردد يردد ترديدا,( فالترجيع) ترديد الصوت في الحلق في القراءه وفي الغناء, وتكرير القول مرتين فصاعدا, ومنه( الترجيع) في الاذان, وكل شئ يردد فهو( رجع) و(رجيع) ومعناه( مرجوع) اي مردود, و(الرجع) ايضا صدي الصوت, ويقال( راجع) اي عاود, و(المراجعه) المعاوده, ويقال( راجعه) الكلام اي رد عليه.
و(الرجعه) العوده من الطلاق, والعوده الي الدنيا بعد الممات.
يقال( رجعت) عن كذا( رجعا) و(رجوعا) اي رفضته بعد قبوله, و(رجعت) الجواب اي رددت عليه, و(المرجع) و(الرجعي) الرجوع والعود او مكان العود وذلك من مثل قوله( تعالي): الي الله مرجعكم جميعا.. وقوله( سبحانه): ان الي ربك الرجعي وقوله( سبحانه وتعالي): لعلهم يرجعون اي يرجعون عن الذنب او يعودون الي الله( تعالي) وهدايته الربانيه, وقوله( عز من قائل):.. فناظره بم يرجع المرسلون من الرجوع او من رجع الجواب, وقوله( تبارك اسمه): يرجع بعضهم الي بعض القول وقوله( تعالي جده): ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون
ويقال ليس لكلامه( مرجوع) اي مردود او جواب, ودابه لها( مرجوع) اي لها مردود بمعني انه يمكن بيعها بعد استخدامها.
و(الراجع) المراه يموت عنها زوجها فترجع الي اهلها( اما المطلقه فيقال لها مردوده).
وفي قوله( تعالي): يرجع بعصهم الي بعض القول اي يتلاومون.
و(الاسترجاع) الاسترداد, و(التراجع) الارتداد الي الخلف اوالرجوع عن الامر, يقال( استرجع) فلان منه الشئ اي اخذ منه ماكان قد دفعه اليه, و(استرجع) عند المصيبه اي قال: انا لله وانا اليه راجعون.
و(الرجيع) الاستفراغ او الرفث ويستخدم كنايه عن اذي البطن عند كل من الانسان والحيوان, وهو من( الرجوع) ويكون بمعني الفاعل, او من( الرجع) ويكون بمعني المفعول.
و(الرجيع) من الكلام المردود الي صاحبه او المكرر.
المفسرون ورجع السماء
ذكر ابن كثير( يرحمه الله) ان رجع السماء هو المطر, ذكره ابن عباس( رضي الله عنهما), وعنه ايضا ان( الرجع) هو السحاب فيه المطر, واشار ابن كثير ايضا الي راي قتاده( يرحمه الله) في( السماء ذات الرجع) انها ترجع رزق العباد كل عام, ولولا ذلك لهلكوا وهلكت مواشيهم, وذكر الصابوني( امد الله في عمره) نفس المعاني. ويوكد صاحب الظلال( يرحمه الله) علي هذا المعني بقوله الرجع المطر ترجع به السماء المره بعد المره.
وذكر مخلوف( يرحمه الله):( والسماء) اي المظله,( ذات الرجع) اي المطر, وسمي رجعا لان السحاب يحمل الماء من بخار البحار والانهار, ثم يرجعه الي الارض مطرا, او لانه يعود ويتكرر, من رجع: اذا عاد, ولذا يسمي اوبا, لرجوعه وتكرره, وكذلك ذكر اصحاب المنتخب في تفسير القران الكريم ان القسم هنا بالسماء ذات المطر الذي يعود ويتكرر.
الفعل رجع في القران الكريم
ورد الفعل( رجع) بمشتقاته في القران الكريم مائه واربع مرات(104) ا في الصيغ التاليه:
[ رجع, رجعتم, رجعك, رجعنا, رجعناك, رجعوا, ارجع, ترجعونها, ترجعوهن, يرجع, يرجعون, ارجع, ارجعنا, ارجعوا, ارجعون, ارجعي, رجعت, ترجع, ترجعون, يرجع, يرجعون, يتراجعا, رجع, الرجع, رجعه, الرجعي, راجعون, مرجعكم, مرجعهم].
وجاءت لفظه رجع فيها ثلاث مرات علي النحو التالي:
ائذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد( ق:3)
انه علي رجعه لقادر( الطارق:8)
والسماء ذات الرجع( الطارق:11)
وكلها بمعني الرجوع, والعوده, والارتداد, والرد, والاعاده, وهو ما يمكن ان يعيننا في فهم دلاله الرجع في قوله( تعالي): والسماء ذات الرجع, وهو معني اوسع واشمل من مجرد رجوع ماء الارض المتبخر من سطحها ومن تنفس انسها وحيواناتها ونتح نباتاتها, والا لكان القسم بالسماء ذات المطر.
السماء في اللغه العربيه
(السماء) لغه اسم مشتق من( السمو) بمعني الارتفاع والعلو, تقول:( سما, يسمو, سموا), فهو سام بمعني علا, يعلو, علوا, فهو عال او مرتفع, لان السين والميم والواو اصل يدل علي الارتفاع والعلو, يقال:( سموت وسميت) بمعني علوت وعليت للتنويه بالرفعه والعلو, وعلي ذلك فان سماء كل شيء اعلاه ومن هنا قيل: كل ما علاك فاظلك فهو سماء.
ولفظه( السماء) في العربيه تذكر وتونث( وان كان تذكيرها يعتبر شاذا), وجمعها( سماوات) كما جاء في القران الكريم وهناك صيغ اخري لجمعها ولكنها غريبه.
وانطلاقا من هذا التعريف اللغوي قيل لسقف البيت( سماء) لارتفاعه, وقيل للسحاب( سماء) لعلوه, واستعير اللفظ للمطر بسبب نزوله من السحاب, وللعشب لارتباط نبته بنزول ماء السماء.
والسماء دينا هي كل ما يقابل الارض من الكون, والمراد بها ذلك العالم العلوي من حولنا والذي يضم الاجرام المختلفه من الكواكب والكويكبات, والاقمار والمذنبات, والنجوم والبروج, وغيرها من مختلف صور الماده والطاقه التي تملا الكون بصوره واضحه جليه او مستتره خفيه.
وقد خلق الله( تعالي) السماء وهو سبحانه خالق كل شيء ورفعها بغير عمد نراها, وجعل لها عمارا من الملائكه ومما لا نعلم من الخلق, وحرسها من كل شيطان مارد من الجن والانس, فهي محفوظه بحفظه( تعالي) الي ان يرث الكون بما فيه ومن فيه.
السماء في القران الكريم
تكرر ورود لفظه( السماء) في القران الكريم ثلاثمائه وعشر مرات, منها مائه وعشرون بالافراد( السماء), ومائه وتسعون بالجمع( السماوات), والجمع في غالبيته اشاره الي كل ما حول الارض من خلق اي الي الكون في جملته, والاشارات المفرده منها ثمان وثلاثون(38) يفهم من مدلولها الغلاف الغازي للارض بسحبه ورياحه وكسفه, واثنتان وثمانون(82) يفهم منها السماء الدنيا غالبا والكون احيانا.
وقد جاءت الاشاره القرانيه الي السماوات والارض وما بينهما في عشرين موضعا من كتاب الله, واغلب الراي ان المقصود بما بين السماوات والارض هو الغلاف الغازي للارض بصفه عامه, والجزء الاسفل منه( نطاق المناخ) بصفه خاصه, وذلك لقول الحق( تبارك وتعالي):
والسحاب المسخر بين السماء والارض..( البقره:164) والسحاب يتحرك في نطاق المناخ الذي لا يتعدي سمكه16 كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر عند خط الاستواء, والذي يحوي اغلب ماده الغلاف الغازي للارض(75% بالكتله) والقران الكريم يشير الي انزال الماء من السماء في اكثر من ايه, وواضح الامر ان المقصود بالسماء هنا هو السحاب او النطاق المحتوي علي السحاب والمعروف علميا بنطاق المناخ.
العلوم الكونيه ورجع السماء
اذا كان المقصود بالسماء ذات الرجع في سوره الطارق هو الغلاف الغازي للارض بنطاق من نطاقاته( نطاق الطقس) او بكل نطقه, فان دراسه ذلك الغلاف الغازي قد اكدت لنا ان كثيرا مما يرتفع من الارض اليه من مختلف صور الماده والطاقه( من مثل هباءات الغبار المتناهيه الدقه في الصغر, بخار الماء, كثير من غازات اول وثاني اكسيد الكربون, اكاسيد النيتروجين, النوشادر, الميثان وغيرها, الموجات الحراريه كالاشعه تحت الحمراء, والراديويه كموجات البث الاذاعي, والصوتيه, والضوئيه والمغناطيسيه وغيرها) كل ذلك يرتد ثانيه الي الارض راجعا اليها.
كذلك فان كثيرا مما يسقط علي الغلاف الغازي للارض من مختلف صور الماده والطاقه يرتد راجعا عنها بواسطه عدد من نطق الحمايه المختلفه التي اعدها ربنا( تبارك وتعالي) لحمايتنا وحمايه مختلف صور الحياه الارضيه من حولنا.
واذا كان المقصود السماء ذات الرجع في هذه السوره المباركه هو كل السماء الدنيا التي زينها( تبارك وتعالي) بالنجوم والكواكب فان علوم الفلك قد اكدت لنا ان كل اجرام السماء قد خلقها الله( تعالي) من الدخان الكوني( دخان السماء) الذي نتج عن عمليه الانفجار العظيم التي يسميها القران الكريم عمليه الفتق او فتق الرتق, وان كل اجرام السماء الدنيا تمر في دوره حياه تنتهي بالعوده الي دخان السماء عن طريق الانفجار او الانتثار, لتتخلق من هذا الدخان السماوي اجرام جديده لتعيد الكره في دورات مستمره من تبادل الماده والطاقه بين اجرام السماء ودخانها( الماده المنتشره بين النجوم في المجره الواحده, المجرات وتجمعاتها المختلفه, وفي السدم وفي فسحه السماء الدنيا, وربما في كل الكون الذي لانعلم منه الا جزءا يسيرا من السماء الدنيا).
وهذه صوره مبهره من صور الرجع التي لم يدركها العلماء الا بعد اكتشاف دوره حياه النجوم في العقود المتاخره من القرن العشرين. وسواء كان المقصود بالسماء ذات الرجع احدي الصورتين السابقتين او كليهما معا فهو سبق قراني مبهر بحقيقه كونيه لم يدركها العلماء الا منذ عشرات قليله من السنين وذلك مما يشهد للقران الكريم بانه كلام الله الخالق, ويشهد لخاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) بانه كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والارض.
نطق الغلاف الغازي للارض
تحاط الارض بغلاف غازي يقدر سمكه بعده الاف من الكيلو مترات, ويتناقص فيه الضغط مع الارتفاع من واحد كيلو جرام علي السنتيمتر المكعب تقريبا(1.0336 كج/ سم3) عند مستوي سطح البحر الي قرابه الصفر عند ارتفاع ستين كيلو مترا تقريبا فوق مستوي سطح البحر.
ويقسم هذا الغلاف الغازي للارض علي اساس من درجه حرارته الي عده نطق من اسفل الي اعلي علي النحو التالي:
(1) نطاق التغيرات الجويه( نطاق الطقس او نطاق الرجع)
TheTroposphere
ويمتد من سطح البحر الي ارتفاع16 كيلو مترا فوق خط الاستواء, ويتناقص سمكه الي نحو عشره كيلو مترات فوق القطبين والي اقل من ذلك فوق خطوط العرض الوسطي(7 8 كيلو مترات) وعندما يتحرك الهواء من خط الاستواء في اتجاه القطبين يهبط فوق هذا المنحني الوسطي فتزداد سرعته, وتجبر حركه الارض في دورانها حول محورها من الغرب الي الشرق كتل الهواء في التحرك تجاه الشرق بسرعه فائقه تعرف باسم التيار النفاث
The Jet Stream
وتنخفض درجه الحراره في هذا النطاق باستمرار مع الارتفاع حتي تصل الي ستين درجه مئويه تحت الصفر في قمته, وذلك نظرا للابتعاد عن سطح الارض الذي يمتص47% من اشعه الشمس فترتفع درجه حرارته ويعيد اشعاع الحراره علي هيئه اشعه تحت حمراء الي الغلاف الغازي للارض, خاصه الي بخار الماء وجزيئات ثاني اكسيد الكربون الجويين, ومن هنا تنخفض درجه حراره نطاق التغيرات الجويه مع الارتفاع للبعد عن مصدر الدفء وهو سطح الارض.
وعندما يتجمع هواء بارد فوق هواء ساخن يجعل كتل الهواء غير مستقره فيهبط الهواء البارد الي اسفل, بينما يصعد الهواء الساخن الي اعلي محدثا تيارات حمل مستمره في هذا النطاق اعطته اسم
Troposphere
او نطاق الرجع كما يعبر عنه الاصل اليوناني للكلمه.
ولولا الانخفاض المطرد لدرجات الحراره في هذا النطاق السفلي من نطق الغلاف الغازي للارض لفقدت الارض مياهها بمجرد اندفاع ابخره تلك المياه من فوهات البراكين ولا ستحالت الحياه علي الارض.
(2) نطاق التطبق
The Stratosphere
ويمتد من فوق نطاق التغيرات الجويه الي ارتفاع حوالي خمسين كيلومترا فوق مستوي سطح البحر, وترتفع فيه درجه الحراره من ستين درجه مئويه تحت الصفر في قاعدته الي الصفر المئوي في قمته, ويعود السبب في ارتفاع درجه الحراره الي امتصاص وتحويل الاشعه فوق البنفسجيه القادمه من الشمس بواسطه جزيئات الاوزون التي تتركز في قاعده هذا النطاق( حول ارتفاع يتراوح بين18 كم و30كم) مكونه طبقه خاصه تعرف بطبقه, او نطاق الاوزون
Ozonosphere
(3) النطاق المتوسط
The Mesosphere
ويمتد من فوق نطاق التطبق الي ارتفاع80 90 كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر, وتنخفض فيه درجه الحراره لتصل الي مائه وعشرين درجه مئويه تحت الصفر.
(4) النطاق الحراري
The Thermosphere
ويمتد من فوق النطاق المتوسط الي عده مئات من الكيلومترات فوق مستوي سطح البحر, وترتفع فيه درجه الحراره باستمرار الي خمسمائه درجه مئويه عند ارتفاع مائه وعشرين كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر, وتبقي درجه الحراره ثابته عند هذا الحد الي اكثر من الف كيلو متر فوق مستوي سطح البحر, ولكنها تقفز الي1500 درجه مئويه في فترات نشاط البقع الشمسيه.
وفي جزء من هذا النطاق( من ارتفاع مائه كيلو متر الي اربعمائه كيلو متر فوق مستوي سطح البحر) تتاين جزيئات الغاز( اي تشحن بالكهرباء) بفعل الاشعه فوق البنفسجيه والسينيه القادمه من الشمس, ولذا يسمي باسم النطاق المتاين
The Ionosphere
وفوق نطاق التاين يعرف الجزء الخارجي من النطاق الحراري باسم النطاق الخارجي
The Exosphere
ويقل فيه الضغط حتي يتداخل في دخان السماء او ما يعرف بالفضاء الخارجي.
(5) احزمه الاشعاع
The Radiation Belts
وهي عباره عن زوجين من الاحزمه الهلاليه الشكل التي تزداد في السمك حول خط الاستواء, وترق رقه شديده عند القطبين, وتحتوي علي اعداد كبيره من البروتونات والاليكترونات التي اصطادها المجال المغناطيسي للارض. ويتركز الزوج الداخلي من هذه الاحزمه حول ارتفاع3200 كيلو متر فوق مستوي سطح البحر, بينما يتركز الزوج الخارجي من هذه الاحزمه حول ارتفاع25000 كيلو متر فوق مستوي سطح البحر.
من صور رجع السماء
باعتبار المقصود من السماء في الايه الكريمه والسماء ذات الرجع هو الغلاف الغازي للارض نجد الصور التاليه من رجع السماء.
(1) الرجع الاهتزازي للهواء( الاصوات وصداها):
تحتوي الطبقه الدنيا من الغلاف الغازي للارض( نطاق التغيرات الجويه) علي75% من كتله ذلك الغلاف ويتكون اساسا من غاز النيتروجين(78% حجما), والاوكسجين(21.95% حجما) واثار خفيفه من بخار الماء, وثاني اكسيد الكربون, والاوزون, وبعض هباءات الغبار, واثار اقل تركيزا من الايدروجين, الارجون, الهيليوم, وبعض مركبات الكبريت.
وكل من التركيب الكيميائي والصفات الفيزيائيه لهذا النطاق اساسي لوجود الحياه الارضيه, ومهم للاهتزازات المحدثه للاصوات وصداها, فعندما تهتز احبالنا الصوتيه تحدث اهتزازاتها ضغوطا في الهواء تنتشر علي هيئه امواج تتحرك في الهواء في كل الاتجاهات من حولنا, فتتلقي طبله الاذن لافراد اخرين تلك الاهتزازات فيسمعونها بوضوح, ولولا التركيب الكيميائي والصفات الفيزيائيه المحدده لذلك النطاق ما سمع بعضنا بعضا ولا ستحالت الحياه.
فالصوت لا ينتقل في الفراغ, وذلك لعدم وجود جزيئات الهواء القادره علي نقل الموجات الصوتيه وتتحرك الموجات الصوتيه في الهواء بسرعه1200 كيلو متر في الساعه عند مستوي سطح البحر, وتزداد سرعه الصوت كلما زادت كثافه الوسط الذي يتحرك فيه, وتقل بقله كثافته, ففي الماء تتضاعف سرعه الصوت اربع مرات تقريبا عنها في الهواء, وفي النطق العليا من الغلاف الغازي للارض تتناقص حتي لا تكاد تسمع, ولذلك يتخاطب رواد الفضاء مع بعضهم بعضا بواسطه الموجات الراديويه التي يمكنها التحرك في الفراغ وعندما تصطدم الموجات الصوتيه باجسام اعلي كثافه من الهواء, فانها ترتد علي هيئه صدي للصوت الذي له العديد من التطبيقات العمليه.
والرجع الاهتزازي للهواء علي هيئه الاصوات وصداها هو اول صوره من صور رجع السماء, ولولاه ما سمع بعضنا بعضا وما استقامت الحياه علي الارض.
(2) الرجع المائي: يغطي الماء اكثر قليلا من71% من المساحه الكليه للكره الارضيه, وتبلغ كميته1.36 مليار كيلو متر مكعب( منها97.2% في المحيطات والبحار,2.15% علي هيئه جليد حول القطبين وفي قمم الجبال,0.65% في المجاري المائيه المختلفه من الانهار والجداول وغيرها, وفي كل من البحيرات العذبه وخزانات المياه تحت سطح الارض.
وهذا الماء اندفع كله اصلا من جوف الارض عبر ثورات البراكين, وتكثف في الاجزاء العليا من نطاق التغيرات الجويه والتي تتميز ببرودتها الشديده, فعاد الي الارض ليجري انهارا علي سطحها, ويفيض الي منخفضاتها, ثم بدا في حركه دائبه بين الارض والطبقات الدنيا من الغلاف الغازي حفظته من التعفن ومن الضياع الي طبقات الجو العليا.
وماء الارض يتبخر منه سنويا380000 كيلو متر مكعب اغلبها(320000 كم3) يتبخر من اسطح المحيطات والبحار والباقي(60000 كم3) من سطح اليابسه, وهذا البخار تدفعه الرياح وتحمله السحب الي الطبقه الدنيا من الغلاف الغازي للارض, حيث يتكثف ويعود الي الارض مطرا او ثلجا او بردا, وبدرجه اقل علي هيئه ندي او ضباب.
وحينما ترجع ابخره المياه من الجو الي الارض بعد تكثفها يجري قسم منها في مختلف انواع المجاري المائيه علي اليابسه, وتصب هذه بدورها في البحار والمحيطات, كما يترشح جزء منها خلال طبقات الارض ذات النفاذيه ليكون المياه تحت السطحيه, وهناك جزء يعاود تبخره الي الجو مره اخري.
والمياه تحت السطحيه ذاتها في حركه دائبه حيث تشارك في تغذيه بعض الانهار والبحيرات والمستنقعات, وقد تخرج الي سطح الارض علي هيئه ينابيع, او ينتهي بها المطاف الي البحار والمحيطات.
وماء المطر يسقط علي المحيطات والبحار بمعدل284000 كيلو متر مكعب في السنه, وعلي اليابسه بمعدل96000 كيلو متر مكعب في السنه وذلك في دوره معجزه في كمالها ودقتها, ومن صور ذلك ان ما يتبخر من اسطح المحيطات والبحار في السنه يفوق مايسقط فوقها وان ما يسقط من مطر علي اليابسه سنويا يفوق مايتبخر منها والفارق في الحالتين متساو تماما فيفيض الي البحار والمحيطات ليحفظ منسوب المياه فيها عند مستوي ثابت في الفتره الزمنيه الواحده.
هذه الدوره المعجزه للمياه حول الارض هي الصوره الثانيه من صور رجع السماء, ولولاها لفسد كل ماء الارض, ولتعرض كوكبنا لحراره قاتله بالنهار, ولبروده شديده بالليل
(3) الرجع الحراري الي الارض وعنها الي الفضاء بواسطه السحب.
يصل الي الارض من الشمس في كل لحظه شروق كميات هائله من طاقه الشمس, ويعمل الغلاف الغازي للارض كدرع واقيه لنا من حراره الشمس اثناء النهار, كما يعمل لنا كغطاء بالليل يمسك بحراره الارض من التشتت.
فذرات وجزيئات الغلاف الغازي للارض تمتص وتشتت وتعيد اشعاع اطوال موجات محدده من الاشعه الشمسيه في كل الاتجاهات.
ومن الاشعه الشمسيه القادمه الي الارض يمتص ويشتت ويعاد اشعاع53% منها بواسطه الغلاف الغازي للارض, وتمتص صخور وتربه الارض47% منها, ولولا هذا الرجع الحراري الي الخارج لاحرقت اشعه الشمس كل صور الحياه علي الارض, ولبخرت الماء وخلخلت الهواء.
وعلي النقيض من ذلك فان السحب التي ترد عنا ويلات حراره الشمس في نهار الصيف هي التي ترد الينا اشعه الدفء بمجرد غروب الشمس(98%) فصخور الارض تدفا اثناء النهار بحراره الشمس بامتصاص47% من اشعتها فتصل درجه حرارتها الي15 درجه مئويه في المتوسط وبمجرد غياب الشمس تبدا صخور الارض في اعاده اشعاع حرارتها علي هيئه موجات من الاشعه تحت الحمراء التي تمتصها جزيئات كل من بخار الماء وثاني اكسيد الكربون فتدفيء الغلاف الغازي للارض, كما تعمل السحب علي ارجاع غالبيه الموجات الطويله(98%) الي سطح الارض وبذلك تحفظها من التجمد بعد غياب الشمس.
ولو لم يكن للارض غلاف غازي لتشتتت هذه الحراره الي فسحه الكون وتجمدت الارض وما عليها من صور الحياه في نصف الكره المظلم بمجرد غياب الشمس.
وهذا الرجع الحراري بصورتيه الي الخارج والي الداخل مما يحقق صفه الرجع لسماء الارض.
(4) رجع الغازات والابخره والغبارالمرتفع من سطح الارض: عندما تثور البراكين تدفع بملايين الاطنان من الغازات والابخره والاتربه الي جو الارض الذي سرعان مايرجع ذلك الي الارض, كذلك يودي تكون المنخفضات والمرتفعات الجويه الي دفع الهواء في حركه افقيه تنشا عنها الرياح التي يتحكم في هبوبها( بعد اراده الله تعالي) عده عوامل منها مقدار الفرق بين الضغط الجوي في منطقتين متجاورتين, ومنها دوران الارض حول محورها من الغرب الي الشرق, ومنها تنوع تضاريس الارض والموقع الجغرافي للمنطقه.
والغالبيه العظمي من المنخفضات الجويه تتحرك مع حركه الارض( اي من الغرب الي الشرق) بسرعات تتراوح بين20 و30 كيلو مترا في الساعه وعندما تمر المنخفضات الجويه فوق اليابسه تحتك بها فتبطو حركتها قليلا وتحمل بشيء من الغبار الذي تاخذه من سطح الارض, واذا صادف المنخفض الجوي في طريقه سلاسل جبليه معترضه فانه يصطدم بها مما يزيد علي ابطاء سرعتها ويقوي من حركه صعود الهواء الي اعلي, ولما كان ضغط الهواء يتناقص بالارتفاع الي واحد من الف من الضغط الجوي العادي عند سطح البحر اذا وصلنا الي ارتفاع48 كيلو مترا فوق ذلك السطح, والي واحد من مائه الف من الضغط الجوي اذا وصلنا الي ارتفاع الف كيلو متر فوق سطح البحر فان قدره الهواء علي الاحتفاظ بالغبار المحمول من سطح الارض تضعف باستمرار مما يودي الي رجوعه الي الارض واعاده توزيعه علي سطحها بحكمه بالغه, وتعين علي ذلك الجاذبيه الارضيه.
(5) رجع الاشعه فوق البنفسجيه بواسطه طبقه الاوزون:
تقوم طبقه الاوزون في قاعده نطاق التطبق بامتصاص وتحويل الاشعه فوق البنفسجيه القادمه مع اشعه الشمس بواسطه جزيئات الاوزون( ا3) وترد نسبا كبيره منها الي خارج ذلك النطاق.
(6) رجع الاشارات الراديويه بواسطه النطاق المتاين:
في النطاق المتاين( بين100 و400 كم فوق مستوي سطح البحر) تمتص الغوتونات النشيطه القادمه مع اشعه الشمس من مثل الاشعه السينيه فتودي الي رفع درجه الحراره وزياده التاين, ونظرا لانتشار الاليكترونات الطليقه في هذا النطاق فانها تعكس الاشارات الراديويه( ذات الامواج الطويله) وتردها الي الارض فتيسر عمليات البث الاذاعي والاتصالات الراديويه وكلها تمثل صورا من الرجع الي الارض.
(7) رجع الاشعه الكونيه بواسطه كل من احزمه الاشعاع والنطاق المغناطيسي للارض:
يمطر الغلاف الغازي للارض بوابل من الاشعه الكونيه الاوليه التي تملا فسحه الكون فتردها, الي الخارج كل من احزمه الاشعاع والنطاق المغناطيسي للارض فلا يصل الي سطح الارض منها شيء ولكنها تودي الي تكون اشعه ثانويه قد يصل بعضها الي سطح الارض فتودي الي عدد من ظواهر التوهج والاضاءه في ظلمه الليل من مثل ظاهره الفجر القطبي.
والاشعه الكونيه بانواعها المختلفه تتحرك بمحاذاه خطوط المجال المغناطيسي للارض والتي تنحني لتصب في قطبي الارض المغناطيسيين, وذلك لعجزها عن عبور مجال الارض المغناطيسي, ويودي ذلك الي رد المزيد من الاشعه الكونيه القادمه الي خارج نطاق الغلاف الغازي للارض وهي صوره من صور الرجع.
هذه الصور المتعدده لرجع الغلاف الغازي للارض لم تعرف الا في العقود المتاخره من القرن العشرين, ووصف السماء بانها ذات رجع في القران الكريم من قبل الف واربعمائه من السنين هو شهاده صدق بان القران الكريم كلام الله الخالق وان سيدنا محمدا( صلي الله عليه وسلم) الذي تلقي هذا الوحي الحق هو خاتم انبياء الله ورسله( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم اجمعين) وانه( صلي الله عليه وسلم) كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والارض.
-
16 والسماء ذات الحبك*
يستهل ربنا( تبارك وتعالي) سوره الذاريات بالقسم بعدد من اياته الكونيه, الداله علي طلاقه قدرته, وكمال علمه, وتمام حكمته, وشمول سلطانه علي ان ما وعد به خلقه من البعث والحساب, هو وعد صادق, وان الجزاء علي كل ما يفعله العبد في هذه الحياه الدنيا امر محقق, واقع, لا فكاك منه, ولا هروب عنه...!!!
ثم يعاود ربنا( تبارك وتعالي) القسم مره اخري, في نفس السوره بالسماء ذات الحبك علي ان الناس بصفه عامه وكفار قريش بصفه خاصه مختلفون في امور الدين اختلافا كبيرا, وذلك لانطلاقهم فيه من منطلق التخرصات والظنون, والخلط بين ميراث البشريه من بقايا الهدايات الربانيه القديمه, والانحرافات البشريه المبتدعه عن بواعث الهوي والضلال, فقد كان كفار قريش يعترفون بان الله( تعالي) هو خالق السماوات والارض, وخالق كل شيء, ولكنهم كانوا في نفس الوقت يعبدون الاصنام بدعوي انها تقربهم الي الله زلفي, وبزعم انها تشفع لهم عند الله( تعالي), كما كانوا يعرفون عن سيدنا محمد( صلي الله عليه وسلم) انه الصادق الامين, وصاحب الخلق العظيم, ولكن تغير حكمهم فجاه حين جاءهم بوحي السماء, فالقوا عليه من التهم الباطله ما يتنافي مع كل ما عرفوه عنه فاتهموه( شرفه الله تعالي وكرمه) بالسحر, والشعوذه, وبالشعر, والكهانه, بل بالجنون, وكان ذلك كله في محاوله يائسه لصرف الناس عن التوحيد الخالص لله الخالق بغير شريك ولا شبيه ولا منازع وعن التسليم لهذا الدين الخاتم, ومن ركائزه الايمان بحتميه البعث والحساب,
ثم الخلود في حياه ابديه قادمه, اما في الجنه ابدا او في النار ابدا...!!
وصرف الناس عن الحق اضلال لهم, وهدر لحياتهم, وافشال لدورهم في هذه الحياه, ومن هنا كانت جريمه من افظع الجرائم واقبحها عند الله, ولذلك وصفها( تبارك وتعالي) ب الافك, وهو صرف الشيء عن وجهه الذي يحق ان يكون عليه من مثل الانصراف عن الحق الي الباطل في الاعتقاد, وعن الصدق الي الكذب في المقال, وعن الجميل الي القبيح في الافعال...!!!
ومن هنا, كان التعبير ب المافوك في اللغه عمن صرف عقله, اي ضاع عقله منه, فاصبح فاقد العقل والمنطق.
ومن هنا ايضا كان هذا القسم القراني:
والسماء ذات الحبك* انكم لفي قول مختلف* يوفك عنه من افك* قتل الخراصون*الذين هم في غمره ساهون* يسالون ايان يوم الدين* يوم هم علي النار يفتنون* ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون( الذاريات:7 14).
ومعني ذلك ان الكافرين في قول مختلف, مضطرب, وحيره بالغه, وقلق دائم, واوهام مفزعه, وظنون مضيعه في امر الدين بصفه عامه وفي امر الاخره بصفه خاصه وما تستلزمه من بعث وحساب, وجنه ونار...!!!
ومع التسليم الكامل بان الله( تعالي) غني عن القسم لعباده, وبان القسم انما ياتي في القران الكريم من قبيل تنبيهنا الي اهميه الامر المقسوم به في تنظيم الكون, واستقامه الحياه علي الارض, او فيهما معا يبقي السوال: ما المقصود بالسماء ذات الحبك التي استوجبت هذا القسم القراني العظيم؟
وللاجابه علي ذلك, نبدا بشرح المدلول اللغوي للفظه الحبك
الحبك في اللغه العربيه
لفظه( الحبك) مستمده من الفعل( حبك), بمعني شد واحكم يقال:( حبك) الامر( يحبكه)( حبكا), كما يقال:( احبك) الامر( يحبكه)( حبكا) و(احباكا) اي شده واحكمه.
ويقال:( حبك) النساج الثوب, اي اجاد نسجه, و(حبك) الحائك الثوب اي اجاد صنعه, وضبط ابعاده, فالامر( المحبوك) المحكم الصنعه, وكذلك( الحبيك) و(الحبيكه) اي( المحبوك) و(المحبوكه), قال ابن الاعرابي: كل شيء احكمته واحسنت عمله فقد( احبكته).
كذلك يقال في اللغه:( حبك) الامر( يحبكه)( تحبيكا), اي وثقه وشدده ويقال:( تحبك) ثوبه اي التف به وشد( الحبكه), و(احتبك) الثوب اي( حبكه) حول جسده, و(احتبك) بالازار اي احتزم به, و(الحبكه) هي مشد الازار او ما يشد به الوسط, و(المحبك) هو مكان شد الازار من الجسم, و(الاحتباك) شد الازار, و(الحبكه) والحبيكه تطلق علي الحظيره تكون بقصبات تعرض ثم تشد او هي الطريقه في الرمل ونحوه اذا هبت عليه رياح لطيفه او امواج متحركه, والجمع( حباك) و(حبك) و(حبائك), فالتموجات التي تظهر علي صفحه الرمل اذا هبت عليه الرياح او جرت عليه التيارات المائيه تسمي( حبكا) و(حبائك) ومفردها( حبيكه) او ما يطلق عليه اليوم اسم علامات النيم, ودرع الحديد لها حبك.
و(الحبيكه) وجمعها( حبائك) و(حبك) هي الطريق من خصل الشعر ونحوه, فالشعره الجعده تكسرها( حبك), وفي حديث الدجال ان شعره( حبك), وعلي ذلك يقال: فلان راسه( حبك) اي شعر راسه متكسر من الجعوده.
وقد جاءت لفظه( الحبك) في القران الكريم مره واحده فقط, وذلك في قول الحق( تبارك وتعالي):
والسماء ذات الحبك*
ومن الاستعراض اللغوي السابق, يتضح ان من معاني ذلك:
1 السماء ذات الصنع المحكم والابداع في الخلق.
2 السماء ذات الروابط الشديده والنسيج المحكم.
3 السماء ذات التباين الواضح في كثافه الماده المكونه لها.
4 السماء ذات المدارات المحدده لجميع الاجرام الجاريه فيها.
اراء المفسرين
في تفسير القسم القراني: والسماء ذات الحبك ذكر ابن كثير( يرحمه الله) قول ابن عباس( رضي الله تبارك وتعالي عنهما): ذات الحبك اي ذات الجمال والبهاء, والحسن والاستواء, اي ذات الخلق الحسن المستوي, وهو ما قال به ايضا كل من مجاهد, وعكرمه, وسعيد بن جبير, والسدي, وقتاده وغيرهم من قدامي المفسرين( يرحمهم الله جميعا).
كذلك اشار ابن كثير الي قول الضحاك( يرحمه الله): الرمل والزرع اذا ضربته الريح فينسج بعضه بعضا طرائق طرائق, فذلك الحبك, والي قول ابي صالح( يرحمه الله) ان ذات الحبك اي ذات الشده, والي قول خصيف( رحمه الله عليه) ان ذات الحبك, تعني ذات الصفاقه اي الشفافيه والرقه, والي قول الحسن البصري( رضي الله عنه) انها حبكت بالنجوم, والي قول عبدالله بن عمرو( رحمه الله): والسماء ذات الحبك, يعني السماء السابعه, ويلخص ابن كثير كل هذه الاقوال بانها ترجع الي شيء واحد وهو الحسن والبهاء كما قال ابن عباس( رضي الله تبارك وتعالي عنهما), فانها من حسنها مرتفعه, شفافه, صفيقه, شديده البناء, متسعه الارجاء, انيقه البهاء, مكلله بالنجوم الثوابت والسيارات, موشحه بالكواكب الزاهرات.
وذكر مخلوف( يرحمه الله) ان الله( تعالي): اقسم بالسماء ذات الطرق التي تسير فيها الكواكب, وهي من بدائع الصنع, جمع( حبيكه), كطريقه وزنا ومعني, او( حباك) كمثل ومثال, و(الحبيكه) و(الحباك): الطريقه في الرمل ونحوه, ويقال:( حبك) لما يري في الماء او الرمل اذا مرت به الريح اللينه من التكسر والتثني, او ذات الخلق السوي الجيد, من قولهم( حبك) الثوب( يحبكه)( حبكا), اجاد نسجه, وكل شيء احكمته واحسنت عمله فقد( احتبكته), وجواب القسم: انكم لفي قول مختلف*....
وذكر صاحب الظلال( يرحمه الله): يقسم بالسماء المنسقه المحكمه التركيب, كتنسيق الزرد( اي الدرع) المتشابك المتداخل الحلقات..., وقد تكون هذه احدي هيئات السحب في السماء حين تكون موشاه كالزرد, مجعده تجعد الماء والرمل اذا ضربته الريح, وقد يكون هذا وضعا دائما لتركيب الافلاك ومداراتها المتشابكه المتناسقه.
وذكر الصابوني( امد الله في عمره) في شرح قول الحق( سبحانه وتعالي):
والسماء ذات الحبك: اي واقسم بالسماء ذات الطرائق المحكمه والبنيان المتقن.
السماء ذات الحبك في المفهوم العلمي
تفيد المعلومات المتوفره عن الجزء المدرك من السماء الدنيا, ان لتلك السماء من الصفات مايلي:
(ا) انها شاسعه الاتساع, عظيمه البناء, متقنه الخلق والصنعه.
(ب) انها ذات ترابط محكم شديد في كل جزئيه من جزئياتها.
(ج) انها ذات كثافات متباينه في مختلف اجزائها.
(د) انها ذات مدارات محدده لكل جرم من اجرامها, علي الرغم من تعاظم اعدادها واستمراريه سبحها.
(ا) والسماء ذات الحبك, بمعني ذات الاحكام في الخلق
يحصي علماء الفلك في الجزء المدرك من الكون مائتي بليون مجره علي الاقل, وتتفاوت هذه المجرات في الشكل, وفي الحجم, وفي الكتله, وفي سرعه الدوران حول محورها, وسرعه الجري في تباعدها عنا, وفي مراحل تطور نجومها, وفي ميلاد تلك النجوم واندثارها, فمنها المجرات البيضانيه, والحلزونيه, وغير المنتظمه والغريبه في الشكل, ومنها المجرات القزمه( التي لا يكاد قطرها يتعدي3200 سنه ضوئيه), ومنها المجرات العملاقه( التي يصل طول قطرها الي750,000 سنه ضوئيه), وتقدر كتله اصغر المجرات المعروفه لنا بنحو مليون مره قدر كتله شمسنا, بينما تصل كتله اكبر المجرات المعروفه لنا بنحو تريليون( اي مليون مليون) مره قدر كتله شمسنا, وتبلغ كتله مجرتنا( الطريق اللبني) حوالي230 بليون مره قدر كتله شمسنا.
وتتجمع المجرات في مجموعات محليه
(LocalGroups)
تضم العشرات من المجرات
(Galaxies),
وتلتقي المجموعات المحليه في وحدات اكبر تسمي باسم التجمعات المجريه
GalacticClusters),
التي تضم مئات الي عشرات الالاف من مختلف انواع المجرات, والتي تعرف العلماء علي الاف منها, وتلتقي تلك في وحدات اكبر تعرف باسم( المجموعات المحليه العظمي)
(TheLocalSupergrups)
التي تتجمع بدورها في وحدات اكبر تعرف باسم التجمعات المجريه العظمي
(GalacticSuperclusters)
والتي تحوي مائه تجمع مجري, وقد حصي علماء الفلك منها16 تجمعا في مسافه تقدر بحوالي عشرين بليون سنه ضوئيه منا, وترتقي التجمعات المجريه العظمي الي وحدات اعظم, تعرف باسم تجمعات التجمعات المجريه العظمي
(ClustersofGalacticSuperclusters)
الي نهايه لا يعلمها الا الله( تعالي).
http://www.ahram.org.eg/Archive/2001/9/3/909_21M.JPG
ا شده تماسك اجزاء السماء من مرحله الايونات الي مرحله الذرات الي بدايه الاندماج النووي وتخليق العناصر وتكون المجرات
ب مدارات كواكب المجموعه الشمسيه شديده الاحكام
والتجمع المجري الاعظم الذي تنتسب اليه مجرتنا يضم مائه من التجمعات المجريه علي هيئه قرص يبلغ قطره مائه مليون من السنين الضوئيه, وسمكه عشر ذلك( اي عشره ملايين من السنين الضوئيه) وهي نفس النسبه بين طول قطر مجرتنا وسمكها.
وقد اكتشف موخرا تجمع مجري عظيم يبلغ طوله بليون ونصف البليون من السنين الضوئيه, ومائتي مليون سنه ضوئيه في اقصر ابعاده.
وتدرس السماء الدنيا في شرائح تقدر ابعادها بحوالي150 مليونا*100 مليون*15 مليونا من السنين الضوئيه, ووصل اطولها الي250 مليون سنه ضوئيه, وتسمي باسم الحائط العظيم
(TheGreatWall)
وبعد اطلاق القمر الصنعي المعروف باسم مستكشف الخلفيه الاشعاعيه للكون في سنه1989 م تمكن العلماء من ادراك سته نطق متمركزه حول ما يعتقد بانه مركز الانفجار العظيم الذي نشا عنه الكون, وذلك علي النحو التالي:
(1) نطاق الانفجار العظيم( نطاق كره النار الاولي):
ويمتد بقطر يقدر بحوالي بليون سنه ضوئيه حول نقطه يعتقد بانها مركز الانفجار الكوني العظيم.
(2) النطاق الغامض: ويضم سحبا بيضاء كثيفه تحيط نطاق الانفجار العظيم بسمك يصل الي بليوني سنه ضوئيه.
(3) النطاق بعد النطاق الغامض: ويضم سحبا من دخان السماء تغلف النطاق الغامض بسمك يتراوح بين بليونين الي ثلاثه بلايين من السنين الضوئيه.
(4) نطاق اشباه النجوم السحيقه: ويضم اكثر اشباه النجوم بعدا عنا, ويمتد بسمك يقدر بحوالي خمسه بلايين من السنين الضوئيه حول النطاق السابق.
(5) نطاق اشباه النجوم القديمه: ويضم اقرب اشباه النجوم الينا, ويمتد بسمك يقدر بحوالي سبعه بلايين من السنين الضوئيه حول نطاق اشباه النجوم السحيقه.
(6) نطاق المجرات: ويحيط النطق السابقه كلها بسمك يقدر بحوالي اربعه بلايين من السنين الضوئيه.
وعلي ذلك, فان قطر الجزء المدرك من السماء الدنيا يقدر بحوالي23 بليون سنه ضوئيه علي الاقل.
ومجرتنا( سكه التبانه او درب اللبانه او الطريق اللبني) تعتبر في هذا الحشد هباءه منثوره في السماء الدنيا, التي لا يعلم حدودها الا الله( تعالي). وهي عباره عن قرص مفرطح يبلغ طول قطره حوالي مائه الف سنه ضوئيه, ويبلغ سمكه عشره الاف من السنين الضوئيه, ويضم ما بين مائه بليون الي تريليون( مليون مليون) نجم في مراحل مختلفه من العمر, منها نجوم النسق العادي كشمسنا, ومنها العماليق الحمر, والعماليق الكبار, ومنها النجوم الزرقاء شديده الحراره, ومنها الاقزام البيض البارده نسبيا, ومنها النجوم النيوترونيه, والنجوم الخانسه الكانسه( الثقوب السود) ومنها اشباه النجوم وغيرها.
وكما ان لشمسنا توابع من الكواكب والكويكبات, والاقمار والمذنبات التي تكون مجموعتنا الشمسيه, فانه من المنطقي ان يكون لكل نجم من هذه الملايين من النجوم توابعه الخاصه به.
وتقدر كتله مجرتنا( سكه التبانه) بحوالي4,6*3810 طن,[ اي بمائتين وثلاثين بليون مره قدر كتله شمسنا( والمقدره بحوالي333,000 مره قدر كتله الارض والمقدره بحوالي سته الاف مليون مليون مليون طن)].
وتدور مجرتنا دوره كامله حول مركزها في مده تقدر بحوالي250 مليون سنه من سنيننا, وهذا هو يومها.
والنجوم في مجرتنا اما مفرده او ثنائيه او عديده, وهي تدور جميعا حول مركز المجره بطريقه موازيه او متعامده او مائله علي خط استواء المجره.
ولمجرتنا نواه تحتوي علي حشد كثيف من النجوم, وحلقه من غاز الايدروجين تدور حوله, ويمتد قطر النواه لعشرات السنين الضوئيه حول المركز الهندسي للمجره, والنواه ذات نشاط اشعاعي واضح بما يشير الي وجود نجم خانس كانس( ثقب اسود) في مركزها تقدر كتلته بمائه مليون مره قدر كتله شمسنا, ويحيط بنواه المجره انبعاج يعرف باسم الانبعاج المجري, كما يحيط بالانبعاج المجري قرص المجره بسمك يصل الي ستين الف سنه ضوئيه, ويتكون من نجوم وغازات واتربه( دخان) تزيد كتلتها عن نصف كتله المجره, وتبعد شمسنا عن مركز القرص بمسافه ثلاثين الف سنه ضوئيه, وعن اقرب اطراف المجره بمسافه عشرين الف سنه ضوئيه, وتجري شمسنا ومعها مجموعتها الشمسيه( شمس+ تسع كواكب علي الاقل+61 قمرا+ عدد من الكويكبات والمذنبات) حول مركز المجره بسرعه تقدر بثلاثمائه كيلومتر في الثانيه, لتتم دورتها في مائتي مليون سنه, ولمجرتنا اربعه اذرع حلزونيه تبلغ سمك اطرافها2600 من السنين الضوئيه, ويحيط بها هاله اسطوانيه تمتد الي مائتي الف سنه ضوئيه طولا, وعشرين الف سنه ضوئيه سمكا.
وهاله مجرتنا تنقسم الي نطاق داخلي يضم عددا من النجوم المتباعده عن بعضها البعض, ونطاق وسطي سميك يتكون من ماده قاتمه وغازات منخفضه الكثافه, ونطاق خارجي علي هيئه حزام اشعاعي يمتد الي مسافات شاسعه.
وتجري مجموعتنا الشمسيه في وضع مائل علي خط استواء المجره, دون تصادم او خروج عن مداراتها المحدده.
ويعتقد بوجود اكثر من نجم خانس كانس في مجرتنا, بالاضافه الي الموجود في مركزها, تم اكتشاف احدها في سنه1971 م في كوكبه الدجاجه مع نجم مرئي مرافق تقدر كتلته بحوالي ثلاثين مره قدر كتله الشمس.
وكل من الماده والطاقه يتحرك في مجرتنا كما يتحرك في كل الجزء المدرك من السماء الدنيا من اجرام تلك السماء الي دخانها وبالعكس في حركه شديده الانضباط والاحكام, فالنجوم الابتدائيه تتولد من التكثف الشديد لدخان السماء فيما يعرف باسم السحب الجزيئيه فتنكمش تلك السحب الكثيفه, وتنهار مادتها في المركز بمعدل اسرع من انهيارها في الاطراف, ولان النواه المنهاره تدور بسرعات فائقه, فان اجزاءها الخارجيه تتشكل علي هيئه قرص, وتظل عمليه تكثيف الماده وتراكمها في تصاعد مما يودي الي ارتفاع درجه حراره النواه باطراد, حتي تصل الي الدرجه اللازمه لبدء التفاعلات النوويه, فيولد النجم.
ونجوم النسق الرئيسي تمثل المرحله الاساسيه في حياه نجوم السماء الدنيا( حيث تمثل90% من حياه النجم), وعند الشيخوخه تسلك النجوم الهرمه مسلكا من اثنين حسب كتله الماده والطاقه فيها, فاذا كانت كتله النجم في حدود1,4 من كتله الشمس, فانه يتوهج بدرجه فائقه علي هيئه عملاق احمر ثم يتحول الي نجم ازرق شديد الحراره وسط هاله من الايدروجين المتاين( اي الحامل لشحنه كهربائيه) يعرف باسم السديم الكوكبي الذي سرعان ما يتبرد وينكمش علي هيئه تعرف باسم القزم الابيض, وقد تدب الحياه مره اخري في ذلك القزم الابيض, فيعاود الانفجار علي هيئه عملاق احمر, ويعود قزما ابيض اكثر من مره حتي ينتهي به العمر فينفجر علي هيئه مستعر اعظم من النسق الاول وتنتهي مادته وطاقته الي دخان السماء فتدخل او لا تدخل في دوره ميلاد نجم جديد.
اما اذا تراوحت كتله النجم بين1,4 من كتله الشمس الي ثلاثه اضعاف كتله الشمس, فان توهجه يزداد زياده ملحوظه في شيخوخته متحولا الي عملاق اعظم
(Supergiant),
ثم ينفجر علي هيئه مستعر اعظم من النسق الثاني
(TypeIISupernova)
عائدا جزئيا الي دخان السماء علي هيئه بقايا المستعر الاعظم
(SupernovaRemnants),
ومكدسا جزءا من كتلته علي هيئه ما يعرف باسم النجم النيوتروني
(NeutronStar)
وهو نجم قزم, منكدر, لا يتعدي قطره سته عشر كيلومترا, سريع الدوران حول محوره بمعدلات فائقه, تنتج احيانا تيارا من الموجات الراديويه التي يمكن الاستدلال عليه بها, لما تبثه من نبضات راديويه منتظمه يمكن تسجيلها بواسطه المرقاب الراديوي.
واذا تعدي حجم النجم ثلاثه اضعاف كتله الشمس, فان ناتج الانفجار يكون نجما خانسا كانسا( ثقبا اسود).
هذه الصوره للجزء المدرك من الكون تعكس شيئا عن ضخامه ذلك البناء, ودقه بنائه, وشساعه ابعاده, واتقان صنعته, وروعه خلقه, واحكام كل جزئيه فيه وهي من معاني( حبك) الصنعه, ومن هنا كان وصف السماء بانها ذات( حبك).
(ب) السماء ذات الحبك بمعني ذات الترابط المحكم الشديد:
http://www.ahram.org.eg/Archive/2001/9/3/909_8M.JPG
ج شده الترابط في داخل نواه ذره الكربون 10 11 ملليمتر
د مجره حلزونيه بها بلاين النجوم المرتبطه بالجاذبيه
هذه الاعداد المذهله مما عرفنا من اجرام الجزء المدرك من السماء الدنيا( وهي لا تمثل اكثر من10% من مجموع كتله ذلك الجزء المدرك), لابد لها من قوي تعمل علي احكام تماسكها بشده, وتماسك مختلف الاجرام وصور الماده واشكال الطاقه فيها, والا لزالت وانهارت, وسبحان القائل:
ان الله يمسك السماوات والارض ان تزولا ولئن زالتا ان امسكهما من احد من بعده انه كان حليما غفورا*)( فاطر:41).
ولله في امساك السماوات والارض عدد من السنن, والقوي التي استطاع الانسان التعرف علي شيء منها, كمايلي:
(1) القوه الشديده او القوه النوويه
وهي القوه التي تقوم بربط الجسيمات الاوليه للماده في داخل نواه الذره( من مثل البروتونات والنيوترونات), وعلي التحام نوي الذرات مع بعضها البعض في عمليات الاندماج النووي( التي تتم بداخل النجوم), وهي اشد انواع القوي المعروفه لنا في ماده الجزء المدرك من الكون, ولو ان هذه الشده البالغه عبر الابعاد الضئيله تتضاءل بشده عبر المسافات الكبيره, فدورها يكاد يكون منحصرا في داخل نوي الذرات, وبين تلك النوي ومثيلاتها, وتحمل هذه القوه علي جسيمات تسمي اللاحمه او جليون
(Gluon)
لم تكتشف الا في اواخر السبعينيات من القرن العشرين.
(2) القوه الضعيفه: وتساوي10 13 من شده القوه النوويه الشديده, وتعمل علي تفكك الجسيمات الاوليه للماده في داخل الذره, كما يحدث في تحلل العناصر المشعه, وتوثر علي جميع انواع تلك الجسيمات, وتحمل هذه القوه علي جسيمات تسمي البوزونات
(Bosons)
وهي اما سالبه او عديمه الشحنه.
(3) القوه الكهرومغناطيسيه: وتساوي137/1 من شده القوه النوويه الشديده, وتودي الي حدوث الاشعاع الكهرومغناطيسي علي هيئه فوتونات او ما يعرف باسم الكم الضوئي تنطلق بسرعه الضوء لتوثر علي جميع الجسيمات التي تحمل شحنات كهربيه ومن ثم فهي توثر في جميع التفاعلات الكيميائيه.
(4) قوه الجاذبيه: وهي اضعف القوي المعروفه علي المدي القصير(10 39 من القوه النوويه الشديده), ولكن نظرا لطبيعتها التراكميه فانها تتزايد باستمرار علي البعد حتي تصبح القوه الحاكمه علي اتساع السماء والارض( اي علي اتساع الكون) بعد اراده الله الخالق( سبحانه وتعالي), حيث تمسك بمختلف اجرام السماء وتجمعاتها من الكواكب واقمارها, والنجوم ومجموعاتها, والتجمعات النجميه بمختلف مراتبها( المجرات, التجمعات المحليه, التجمعات المجريه, التجمعات المحليه العظمي, التجمعات المجريه العظمي الي نهايه لا يعلمها الا الله), واشباه النجوم, والسدم, وغير ذلك من مختلف صور الماده والطاقه التي تملا صفحه السماء, ولولا هذا الرباط الذي اوجده الخالق( سبحانه وتعالي) لانفرط عقد الكون.
ويفترض وجود قوه الجاذبيه علي هيئه جسيمات خاصه في داخل الذره لم تكتشف بعد, اقترح لها اسم الجسيم الجاذب او الجرافيتون
(Graviton),
ويعتقد انه يتحرك بسرعه الضوء.
وسبحان الذي انزل من قبل اربعه عشر قرنا قوله الحق:
الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها...*
(الرعد:2)
وذلك قبل تعرف الانسان علي قوه الجاذبيه باكثر من عشره قرون.
وكما تم توحيد قوتي الكهرباء والمغناطيسيه في قوه واحده هي القوه الكهرومغناطيسيه, يحاول العلماء جمع كل من القوه الكهرومغناطيسيه والقوه النوويه الضعيفه فيما يسمي باسم القوه الكهربائيه الضعيفه, حيث لا يمكن فصل هاتين القوتين في درجات الحراره العليا, كما يحاولون جمع كل من القوه الكهربيه الضعيفه والقوه النوويه في قوه واحده في عدد من النظريات تسمي نظريات التوحيد الكبري, وجمع كل ذلك مع الجاذبيه فيما يسمي بالجاذبيه العظمي يعتقد العلماء انها كانت القوه الوحيده السائده في درجات الحراره العليا عند بدء الخلق, ثم تمايزت الي القوي الاربع المعروفه لنا اليوم, والتي ليست سوي اوجه اربعه لتلك القوه الكونيه الواحده, التي تشهد لله الخالق بالوحدانيه المطلقه فوق جميع خلقه.
وفي محاوله لجمع كل القوي المعروفه لنا في قوه واحده اقترح علماء الفيزياء النظريه, مايعرف باسم نظريه الخيوط العظمي والتي تفترض ان اللبنات الاساسيه للماده تتكون من خيوط طوليه في حدود10 35 من المتر, تلتف حول ذواتها فتبدو كما لو كانت نقاطا متناهيه في الصغر, وتقترح النظريه وجود ماده خفيه تتعامل مع الماده العاديه عبر الجاذبيه.
وهنا يتضح جانب من الوصف القراني للسماء, بانها ذات حبك اي ذات ترابط محكم شديد يربط بين جميع مكوناتها, من ادق دقائقها وهي اللبنات الاوليه في داخل نواه الذره, الي اكبر وحداتها وهي التجمعات المجريه العظمي الي كل الكون.
(ج) والسماء ذات الحبك بمعني ذات الكثافات المتباينه في مختلف اجزائها.
يتفاوت متوسط كثافه الماده في صفحه السماء الدنيا, بين واحد من الف مليون مليون من الجرام للسنتيمتر المكعب(1*10 15 جرام/سم3) في اشباه النجوم, الي حوالي14 من الف من الجرام للسنتيمتر المكعب في العماليق العظام( اي واحد من مائه من كثافه الشمس) الي1,41 جرام للسنتيمتر المكعب في شمسنا, الي طن واحد للسنتيمتر المكعب(610 جرامات/سم3) في الاقزام البيض, الي بليون طن للسنتيمتر المكعب(1510 جرامات/سم3) في النجوم النيوترونيه, الي اضعاف مضاعفه لتلك الكثافه في النجوم الخانسه الكانسه( الثقوب السود).
واذا انتقلنا من اجرام السماء الي الماده بين كل من النجوم والمجرات, والماده في السدم وفي دخان السماء, وجدنا درجه اخري من التباين في كثافه الماده السماويه, يجعلها تبدو مجعده كتجعد الرمل وغيره من الفتات الصخري, اذا مرت به امواج المياه المندفعه, او تيارات الرياح اللينه فتحدث بها من التكسر والتثني ما ينطبق مع المدلول اللغوي للفظه( الحبك).
وتتجسد هذه الصوره في داخل مختلف هيئات تجمع الماده في صفحه السماء من المجموعات النجميه من مثل مجموعتنا الشمسيه الي المجرات, الي التجمعات المجريه العظمي في داخل كل وحده من تلك الوحدات البانيه للسماء الدنيا, وبين كل وحده والوحدات المشابهه لها والاعلي منها رتبه.
(د) والسماء ذات الحبك بمعني ذات المدارات( الطرق) المحدده لكل جرم من اجرامها.
من الامور المبهره حقا في الجزء المدرك من السماء الدنيا, كثره الاجرام فيها بصوره لا يكاد الانسان يحصيها, وتعدد مسارات تلك الاجرام, وتباين مستوياتها, دون ادني قدر من التضارب او الاصطدام الا بالقدر المقنن والمحسوب بدقه بالغه لحكمه بالغه, حتي في لحظات احتضار النجوم وانكدارها, وطمسها, ثم انفجارها وتناثر اشلائها, وتبخر مادتها, وكذلك في لحظات انفجار الكواكب وتناثرها علي الرغم من كثره المسارات وتعدد الحركات للجرم الواحد.
ومن هنا نفهم من القسم القراني ب والسماء ذات الحبك شمول تلك المدارات المخططه بدقه فائقه, بالاضافه الي روعه البناء, واحكام الترابط, وتباين الكثافات, وكلها من معاني هذا الوصف المعجز ذات الحبك.
فسبحان الذي انزل هذا الوصف القراني من فوق سبع سماوات, ومن قبل الف واربعمائه من السنين, انزله بعلمه الشامل, الكامل, المحيط, ليصف بلفظه( الحبك) هذا الكم من صفات السماء, التي لم تعرف الا في العقود المتاخره من القرن العشرين, ولايمكن لعاقل ان يتصور مصدرا لها غير الاله الخالق( سبحانه وتعالي).
وقد يري القادمون في هذا الوصف القراني ما لا نراه الان, لتظل اللفظه القرانيه مهيمنه علي المعرفه الانسانيه مهما اتسعت دوائرها وتظل دلالاتها تتسع مع الزمن ومع اتساع معرفه الانسان في تكامل لا يعرف التضاد, وليس هذا لغير كلام الله...!!!
وتبقي هذه اللمحات الكونيه في كتاب الله في اتساع دلالاتها مع الزمن في تكامل لا يعرف التضاد مصدقه لقول الحق( تبارك وتعالي):
ولتعلمن نباه بعد حين*( ص:88)
ولقوله( عز من قائل):
لكل نبا مستقر وسوف تعلمون*( الانعام:67)
ولقوله( سبحانه):
سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق اولم يكف بربك انه علي كل شيء شهيد*( فصلت:53)
وتبقي ايضا تصديقا لنبوءه المصطفي( صلي الله عليه وسلم) في وصفه للقران الكريم بانه لا يخلق علي كثره الترداد, ولا تنقضي عجائبه.
-
17
والسماء ذات البروج*
يستهل ربنا( تبارك وتعالي) سوره البروج بقسم عظيم بثلاث من اياته اولاها قوله( عز من قائل): والسماء ذات البروج
وفي شرح دلاله هذا القسم القراني تعددت روي المفسرين بين قائل بان المقصود منه هو التنبيه الي روعه خلق السماء, واتقان صنعها, وحسن بهائها, وقائل بان المقصود بالتنبيه اليه هي النجوم التي تنتشر فيها بتجمعاتها المبهره, الي قائل بان المقصود بذلك هي منازل الشمس والقمر عبر تلك النجوم, الي جامع بين هذه الروي جميعا.
ولما كان القسم في القران الكريم ياتي من اجل تنبيهنا الي اهميه الامر المقسوم به- لان الله تعالي غني عن القسم لعباده- فان السوا ل الذي يتبادر الي الذهن مباشره هو: ماهي تلك البروج التي في السماء والتي اقسم الله( تعالي) بها, وسمي سوره من سور القران الكريم باسمها وماهي اهميتها لاستقامه الحياه علي الارض والتي اراد الله( تبارك وتعالي) تنبيهنا اليها؟
وقبل الاجابه عن هذين السوالين لابد لنا من توضيح دلاله لفظ( البروج) في كل من اللغه العربيه والقران الكريم.
(البروج) في اللغه العربيه
http://www.ahram.org.eg/Archive/2001/9/10/916_23M.JPG
بروج السماء كما تري من نصف الارض الجنوبي
يقال( برج) الشيء( يبرج)( بروجا) اي ظهر وارتفع ويقال:( برج) و(ابرج)( بروجا) و(تبريجا) اي بني( برجا), و(البرج) وجمعه( بروج) و(ابراج) و(ابرجه) هو الحصن او القصر او البناء المرتفع علي شكل مستدير, مستطيل او مربع, ويكون منفردا او قسما من بنايه عظيمه ف(برج) الحصن ركنه, و(البرج) ايضا هو واحد(بروج) السماء وهي تسميه تطلق علي اثنتي عشره كوكبهتحيط بوسط الكره السماويه كما نراها من الارض علي هيئه حزام عند دائره البروج وهي الدائره التي تحيط بخط الاستواء الافتراضي للقبه السماويه.
وثوب( مبرج) اي صورت عليه( بروج) فاعتبر حسنه, وقيل( تبرجت) المراه اي تشبهت بكل( مبرج) في اظهار المحاسن, وقيل: ظهرت من( برجها) اي قصرها, و(التبرج) هو سفور المراه واظهار زينتها ومحاسنها للرجال, و(البرج) ايضا هو سعه العين وحسنها تشبيها ب( البرج) في الامرين السابقين, ويقال( برجت) عينه كان بياضها محدقا بالسواد كله, ف( البرج) هو السعه في كل امر, يقال( برج)( برجا) اي اتسع امره في الاكل والشرب ونحوهما, و(البرج) هو الجميل وجمعه( ابراج), يقال( برج) و(برجت) اي حسن وحسنت فهو( ابرج) وهي( برجاء), وجمعهما( برج) و(البارج) هو الملاح الماهر, و(البارجه) وجمعها( بوارج) سفينه قتاليه كبيره, ويقال: سفينه( بارجه) اي لاغطاء لها, و(تباريج) النبات هي ازاهيره, و(الابريج)الممخضه يمخض( اي يخفق) بها اللبن لاستخراج القشده منه.
لفظه( البروج) في القران الكريم
http://www.ahram.org.eg/Archive/2001/9/10/916_29M.JPG
بروج السماء كما تري من نصف الارض الشمالي
وردت لفظه( البروج) مرتبطه بالسماء ثلاث مرات في القران الكريم علي النحو التالي:
(1) ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين( الحجر:16)
(2) تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا*( الفرقان:61)
(3) والسماء ذات البروج*( البروج:1)
كما جاءت لفظه( البروج) بمعني الحصن مره واحده في قوله( تعالي):
اينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيده*( النساء:78)
وجاء الفعل( تبرج) والاسم( تبرج) والصفه( متبرجات) في النهي عن السفور وابداء الزينه في قول الحق( تبارك وتعالي):
وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهليه الاولي..*( الاحزاب:33)
وفي قوله( تعالي):.
فليس عليهن جناح ان يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينه..*( النور:60)
اراء المفسرين
http://www.ahram.org.eg/Archive/2001/9/10/916_12M.JPG
احداثيات السماء
في تفسير الايه القرانيه الكريمه التي يقول فيها الحق( تبارك وتعالي):
والسماء ذات البروج*
ذكر ابن كثير( يرحمه الله) ان الله تعالي يقسم بالسماء وبروجها وهي النجوم العظام, واشار الي قول ابن عباس( رضي الله تبارك وتعالي عنهما) ان البروج هي النجوم, والي قول يحيي بن رافع( يرحمه الله) ان البروج هي قصور في السماء, والي قول المنهال بن عمرو( رحمه الله) انها هي الخلق الحسن, والي قول ابن جرير( يرحمه الله) انها منازل الشمس والقمر, وهي اثنا عشر منزلا( برجا) تسير الشمس في كل واحد منها شهرا, ويسير القمر في كل واحد منها يومين وثلثا, فذلك ثمانيه وعشرون منزلا, ويستتر ليلتين.
وذكر مخلوف( يرحمه الله):( والسماء) اقسم الله بها وبما بعدها( ذات البروج) ذات المنازل والطرق الاثني عشر التي تسير فيها الكواكب, شبهت بالقصور لنزول الكواكب بها, كما ينزل الاكابر والاشارف بالقصور, جمع( برج) وهو القصر العالي.
وذكر صاحب الظلال( يرحمه الله): تبدا السوره- قبل الاشاره الي حادث الاخدود- بهذا القسم: والسماء ذات البروج, وهي اما ان تكون اجرام النجوم الهائله وكانها بروج السماء الضخمه اي قصورها المبنيه.. واما ان تكون هي المنازل التي تنتقل فيها تلك الاجرام في اثناء دورانها, وهي مجالاتها التي لا تتعداها في جريانها في السماء, والاشاره اليها توحي بالضخامه وهي الظل المراد القاوه في هذا الجو.. وذكر اصحاب المنتخب في تفسير القران الكريم( جزاهم الله خيرا) في معني هذه الايه الكريمه اقسم بالسماء ذات المنازل التي تنزلها الكواكب اثناء سيرها, وفي التعليق الهامشي اشاروا الي ان البروج في هذه المجموعات من مواقع النجوم التي تظهر علي اشكال مختلفه في السماء مقسمه الي اثني عشر قسما تمر خلالها الارض والكواكب في اثناء دورتها حول الشمس..
وذكر الصابوني( امد الله في عمره):
اي واقسم بالسماء البديعه ذات المنازل الرفيعه, التي تنزلها الكواكب اثناء سيرها, واشار الي اقوال عدد من المفسرين السابقين بان هذه المنازل سميت( بروجا) لظهورها, وشبهت بالقصور لعلوها وارتفاعها لانها منازل للكواكب السياره.
تحديد مواقع نجوم السماء
http://www.ahram.org.eg/Archive/2001/9/10/916_1M.JPG
بعض الهيئات التي تري عليها بروج السماء
نظرا لتعاظم ابعاد مواقع النجوم عنا كان لابد من وضع نظام مساحي يمكن بواسطته تحديد تلك المواقع علي القبه السماويه باستخدام مجموعه احداثيات مشابهه لتلك الاحداثيات الموظفه في المساحه الارضيه, وذلك باسقاطها علي القبه السماويه, فكما ان هناك خط استواء للارض تم اقتراح خط استواء للقبه السماويه, ينطبق علي خط الاستواء الارضي ويقع فوقه بارتفاع هائل, وكما ان هناك قطبين للارض( شمالي وجنوبي) تم اقتراح قطبين مماثلين للقبه السماويه يقعان علي امتداد محور دوران الارض, وكما ان هناك خطوط طول وخطوط عرض للارض تبدا من خط طول اساسي ومن خط الاستواء( علي التوالي) تم اقتراح خطوط مماثله للقبه السماويه, وبواسطه تلك الخطوط يمكن تحديد مواقع النجوم.
ولما كانت الارض تدور حول محورها من الغرب الي الشرق دوره كامله كل24 ساعه تقريبا( كل23 ساعه,56 دقيقه) فان كلا من النجوم واحداثيات القبه السماويه تبدو بالنسبه لراصد من الارض وكانها هي التي تدور من الشرق الي الغرب بنفس المعدل في نفس الفتره الزمنيه.
وبينما النجوم ثابته في مواقعها من السماء الدنيا ثباتا نسبيا لتعاظم ابعادها عنا, والشمس تجري علي مقربه نسبيه منا( مائه وخمسين مليون كيلو متر) فان مواقع الشمس تظهر للراصد الارضي متحركه في صفحه السماء, ويسمي مدار الشمس السنوي الظاهري علي القبه السماويه( اي ممر مواقع الشمس في قبه السماء بالنسبه الي النجوم البعيده عنا) باسم دائره البروج
(The Zodiacor The Ecliptic)
وهي دائره تميل بمقدار(2327) علي خط الاستواء السماوي, وتتقاطع الدائرتان في نقطتي الاعتدالين الربيعي والخريفي في نصف الكره الشمالي( في حوالي21 من مارس,23 من سبتمبر علي التوالي) وفي هذين الاعتدالين يتساوي طول كل من الليل والنهار.
وفي حوالي12/21,6/21 من كل عام تصل الشمس الي اقرب نقطتين الي الشمال والي الجنوب( علي التوالي) وهما بدايتا كل من الصيف والشتاء( علي التوالي ايضا) وتسميان نقطتي الانقلاب الصيفي والشتوي وتحسب احداثيات السماء باستخدام دوائر الساعه, وهي دوائر عظمي تمر باقطاب القبه السماويه وتقطع خط استوائها عموديا, وحيث ان الارض تتم دورتها حول محورها في اربع وعشرين ساعه تقريبا, فان كل ساعه تساوي خمس عشره درجه(360 درجه%24 ساعه=15 درجه), وتقسم الدرجه الي ستين دقيقه, وتقسم الدقيقه الي ستين ثانيه, وتشرق نجوم السماء وتغرب بزوايا علي افق السماء كما تشرق الشمس وتغرب بزوايا علي افق الارض.
(البروج) في علوم الفلك
البروج هي تجمعات للنجوم البعيده عنا, تصورها الناس منذ القدم علي هيئه اشكال معينه كوسيله من وسائل التعرف المبدئي عليها, والتمييز بينها, واعطوا لهذه الاشكال اسماء محدده, تباينت من دوله لاخري, ومن حضاره الي حضاره, ولكنها اجمعت علي تقسيم الحزام المحيط بوسط الكره السماويه الي اثني عشر برجا بعدد شهور السنه, من مثل برج الحمل الذي يبدا في الظهور في حدود الحادي والعشرين من شهر مارس, ثم برج الثور في حدود الحادي والعشرين من شهر ابريل, وهكذا لكل شهر زمني برج من هذه الابراج بالترتيب التالي: الحمل, الثور, الاسد, الجوزاء, السرطان, العذراء( السنبله) الميزان, العقرب, القوس, الجدي, الدلو, الحوت.
وتسمي هذه باسم كوكبات حزام البروج
(Zodiacal Constellations)
وهي تشكل شريطا ممتدا علي جانبي خلفيه مدار الارض حول الشمس, بامتداد تسع درجات علي كل من جانبيه, ويقسم الي اثنتي عشره منطقه اساسيه يشغل كل منها حوالي30 درجه من درجات خطوط الطول السماويه بزياده او بنقص قليل في كل منطقه. وتمثل هذه البروج الخلفيه النجميه التي تجري عبرها المجموعه الشمسيه علي صفحه السماء خلال السنه الشمسيه, وهذه البروج غير متساويه تماما في الطول, ولا في تاريخ بداياتها, فبرج الحمل مثلا لا يمثل نقطه بدايه الاعتدال الربيعي التي تحدث حول الحادي والعشرين من مارس في كل عام.
ومن المعروف ان الدائره المتوسطه لحزام البروج تميل علي خط الاستواء السماوي بمعدل ثلاث وعشرين درجه ونصف تقريبا(2327) وتعرف هذه الدائره باسم دائره البروج
(The Zodiacor the Ecliptic)
وتتقاطع مع دائره خط الاستواء في نقطتين: الاولي هي نقطه الاعتدال الربيعي, والثانيه هي نقطه الاعتدال الخريفي.
والانسان يمكنه من فوق سطح الارض ان يري بالعين المجرده حوالي سته الاف نجم في الاجواء الصافيه, ومنذ القدم حاول الانسان التعرف علي تلك النجوم, ووصفها وتسميتها او ترقيمها, ومعرفه موعد ظهورها, وحاول رسم خرائط للسماء بواسطتها وقد سجل ذلك في اغلب الحضارات القديمه من مثل الحضارات المصريه, والكلدانيه والفارسيه, والهنديه والصينيه, والاغريقيه والرومانيه وغيرها.
وكان اول ما فعله هولاء هو تقسيم النجوم التي تري من فوق سطح الارض في القبه السماويه بقسميها الشمالي والجنوبي في زمن واحد الي نطق يتميز كل منها بتجمع خاص من تجمعات النجوم عرفت باسم البروج او التجمعات النجميه
(Constellations),
وتركز ذلك في بادئ الامر علي التجمعات النجميه حول خط الاستواء الوهمي للقبه السماويه, وهي ايسر ما يري بالعين المجرده من فوق سطح الارض, وقد قسمت تلك التجمعات النجميه الي نطق محدده, يتميز كل منها بتجمع خاص من تجمعات النجوم عرفت باسم البروج, وسمي كل منها باسم خاص, وتعددت حولها الاسماء, وحيكت الخرافات والاساطير خاصه في ظل الوثنيات القديمه والحديثه.
وحقيقه التجمعات النجميه( البروج), انها مساحات محدده من السماء الدنيا, يحوي كل منها في كل فتره زمنيه محدده اعدادا من النجوم التي تبدو لنا متقاربه مع بعضها البعض رغم المسافات الشاسعه التي تفصلها نظرا لبعدها الشاسع عنا ولوجودها في اتجاهات محدده, بالنسبه لنا, وهذه النجوم التي تبدو لنا من الارض في نفس الاتجاه, قد تكون في مجموعات نجميه متفرقه تفرقا بعيدا وليست في مجموعه واحده,.
وتبدو هذه التجمعات النجميه وكانها تتحرك حركه ظاهريه بطيئه في صفحه السماء من الشرق الي الغرب تماثل الحركه الظاهريه للشمس في جريانها, وتقابل حركه دوران الارض من الغرب الي الشرق, فتبدو لنا النجوم وكانها تشرق من الشرق وتغرب في الغرب, سواء في ذلك النجوم البطيئه( الثوابت) او النجوم السياره السريعه, لان كل التجمعات النجميه تري بتلك الهيئه في الحركه.
في سنه150 م نشر احد ابناء صعيد مصر واحد تلامذه مدرسه الاسكندريه واسمه بطليموس الفلوزي الاسكندري كتابه المسمي باسم المجسطي
(Almagest)
الذي وصف فيه حوالي48 كوكبه من كوكبات السماء.
وبين القرنين الثامن والسادس عشر قام علماء المسلمين بنقد وتصحيح العلوم الفلكيه التي وجدوها في الحضارات السابقه عليهم, واضافوا اليها اضافات جوهريه عديده كان اهمها تحويل علم الفلك من الحيز النظري المليء بالخرافات والاساطير الي الحيز العملي التطبيقي, وطهروه من ادران التنجيم والشعوذه, وجعلوه علما استقرائيا يعتمد علي الملاحظه الحسيه والمقاييس العلميه والحسابات الرياضيه والهندسيه, فعرفوا منازل الشمس بالنسبه للبروج, وقسموها الي اربعه منازل تمثل فصول السنه: الربيع, والصيف, والخريف, والشتاء, وخصصوا لكل منزل ثلاثه بروج:( الحمل والثور والجوزاء) للربيع, والسرطان والاسد والعذراء( السنبله) للصيف, و( الميزان والعقرب والقوس) للخريف, و(الجدي والدلو والحوت) للشتاء. والكثير من النجوم والبروج لاتزال تحمل اسماء عربيه من مثل: سهيل, والجوزاء, والدب الاكبر, والدب الاصغر, والنسر الواقع, والنسر الطائر, والغول, وبيت الجوز وغيرها وكثير من التعبيرات الفلكيه من مثل المجره والسمت وغيرها هي تعبيرات عربيه اصيله.
وكثير من الاجهزه الفلكيه من مثل البوصله والمزوله, والاسطرلاب والمراصد كانت ابتكارات عربيه خالصه.
في سنه1603 م قام اليكسندر مير
(Alexander Mair)
بنقش فلك المجموعات النجميه في مرسمه للسماء, واضاف اثنتي عشره كوكبه جديده الي ما كان قد ذكره بطليموس.
وفي سنه1664 م اضاف جاكوب بارتش
(Jacob Bartsch)
ثلاث كوكبات اخري, واضاف نيكولاس لويز
(Nicolas Louis)
كوكبه جديده في نفس الفتره تقريبا, ثم اضاف14 كوكبه اخري بعد ذلك بسنوات قليله.
في سنه1690 م اضاف جوهان هيفيليوس
(Jehannes Hevelius)
تسعه كوكبات جنوبيه جديده, واصبح عدد الكوكبات المعروفه الان ثمانيه وثمانين كوكبه, يختلف ظهورها في السماء باختلاف خطوط العرض الارضيه, وباختلاف الفصول المناخيه( اي باختلاف موقع الارض في مدارها حول الشمس علي مدار السنه), وعلي ذلك فان هناك كوكبات للصيف, وكوكبات للربيع, وكوكبات للخريف, وكوكبات للشتاء مع بعض التداخلات الزمانيه والمكانيه.
وفي سنه1928 م وافق الاتحاد الفلكي الدولي علي تقسيم الكره السماويه بنصفيها الشمالي والجنوبي الي ثمان وثمانين مجموعه نجميه( كوكبه), بحيث يمكن نسبه اي نجم في السماء الي اي من هذه الكوكبات التي قد تختلف اسماوها من بلد الي اخر. وكل كوكبه من هذه الكوكبات( اي كل برج من هذه البروج) تبدو لنا ثابته لتعاظم بعدها عنا, كما تبدو لنا متقاربه حتي لتوحي لنا باتصالها فتعطي هيئه معينه, او شكلا محددا, وقد اعطي كل منها اسما معينا يتفق مع الشكل او الهيئه المستوحاه من تقارب نجومه, وفي المنظور الفلكي يعتبر البرج او الكوكبه منطقه علي الكره السماويه تظهر بها مواقع للنجوم الذي يعطي تقارب مواقعها ايحاء بالشكل او الهيئه المستوحاه من هذا التقارب. وحسب موقعها بالنسبه لخط الاستواء الوهمي للقبه السماويه يمكن التمييز بين كوكبات نصف الكره السماويه الشمالي( الكوكبات الشماليه), وكوكبات المنطقه الاستوائيه السماويه( كوكبات دائره البروج), وكوكبات نصف الكره السماويه الجنوبي( الكوكبات الجنوبيه). ولما كانت الشمس في حركتها السنويه الظاهريه علي البروج دائمه الانتقال الي مناطق مختلفه من السماء فان الكوكبات التي تري بعد غروب الشمس تتغير دوريا مع فصول السنه, وبذلك يمكننا ان نميز بين كوكبات صيفيه( مثل السلياق والعقاب), وكوكبات شتويه( مثل الجبار والكلب الاكبر)
ولا يدل الانتظام الظاهري لافراد الكوكبه عند رويتها من الارض علي انها تكون وحده حقيقيه في صفحه السماء الدنيا, فقد تكون هذه المواقع النجميه بعيده جدا عن بعضها البعض, ولكنها تظهر لنا متقاربه لتعاظم ابعادها عنا, ولوقوعها في نفس الاتجاه بالنسبه للناظر اليها من فوق سطح الارض, وتري تلك المواقع النجميه متساويه اللمعان تقريبا لتباين ابعادها عنا.
ومع دوران الارض حول محورها امام الشمس يشاهد الراصد الليلي النجوم في حركتها الظاهريه ساعه بعد اخري من مواقع مختلفه علي سطح الارض, اما في سبح الارض عبر حركتها الانتقاليه في مدارها حول الشمس فان الراصد الليلي يشاهد مجموعات مختلفه من كوكبات النجوم في مواقع مختلفه من القبه السماويه حسب كل من موقع الراصد من الارض وموقع الارض في مدارها في كل شهر من شهور السنه.
اهميه بروج السماء
البروج( او الكوكبات) هي تجمعات للنجوم, وقد فصل القران الكريم فوائد النجوم في كونها علامات يهتدي بها في ظلمات البر والبحر, وزينه للسماء الدنيا, ورجوما للشياطين, ومصدرا من مصادر الرزق في السماء وجندا مسخره للامساك باطراف السماء الدنيا بما وهبها الله( تعالي) من قوي الترابط والتماسك والتجاذب, وذلك علي النحو التالي:
(1) البروج كوسيله الاهتداء في ظلمات البر والبحر:
يقول ربنا( تبارك وتعالي) في محكم كتابه:
وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البروالبحر قد فصلنا الايات لقوم يعلمون( الانعام:97)
ومن معاني هذه الايه الكريمه ان الخالق( سبحانه وتعالي) قد رتب النجوم في مجموعات من الكوكبات( البروج) يمكن بواسطتها تحديد الاتجاهات الاربع الاصليه كما هو الحال مع النجم القطبي المعروف باسم نجم القطبيه او نجم الجدي او كوكبه الشمال او مسمار الفلك كما يحلو لعدد من الفلكيين ان يسموه
(Polaris Pole Staror Polar Star)
وهو نجم ثلاثي من العماليق العظام ويعتبر المع نجم في كوكبه الدب الاصغر يبعد عنا مسافه650 سنه ضوئيه ويقدر قطره بمائه مره قدر قطر الشمس, وتقدر قوه اشعاعه بخمسه الاف ضعف اشعاع الشمس, وقد اعطي هذا الاسم لقربه الشديد من قطب السماء الشمالي( الذي لا يبعد عنه الا باقل من درجه واحده), وتبلغ دورته حول محوره حوالي اربعه ايام(3,97 يوم) ولذلك فانه يصنع دائره صغيره جدا حول القطب الشمالي لقبه السماء خلال الدوران اليومي الظاهري لها.
ونظرا لدوران الارض حول محورها من الغرب الي الشرق تبدو القبه السماويه وكانها تدور من الشرق الي الغرب في حركه ظاهريه بكافه نجومها فيما عدا النجم القطبي الذي وضعه الخالق( سبحانه وتعالي) علي الامتداد الشمالي لمحور دوران الارض فيبدو لنا ساكنا, ويحدد بموقعه اتجاه الشمال الحقيقي, ومن ثم يعين علي تحديد الجهات الاربع الاصليه علي الارض وفي صفحه السماء مما يساعد علي التوجه الصحيح في ظلمات البر والبحر, وفي تحديد القبله, وفي تحديد غيرها من المواقع والاتجاهات.
ويحدد موقع النجم القطبي في قبه السماء بواسطه العربه الكبري( المغرفه) في كوكبه الدب الاكبر وذلك بمد الخط الواصل بين خلفيتي العربه الكبري( اي الدليلتين اللتين تسبقان في اثناء الحركه اليوميه الظاهريه) حوالي خمس مرات قدر المسافه بينهما, ولولا وجود النجم القطبي ما استطاع الانسان التوجه في ظلمات البر والبحر.
(2) البروج زينه السماء الدنيا:
فالبروج مثل كل من النجوم والكواكب من خواص السماء الدنيا وزينتها لقول الحق( تبارك وتعالي):
ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين( الحجر:16)
وقوله( سبحانه)
انا زينا السماء الدنيا بزينه الكواكب
(الصافات:6)
وقوله( عز من قائل):
فقضاهن سبع سموات في يومين واوحي في كل سماء امرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم( فصلت:12)
وقوله( تبارك اسمه):
ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين واعتدنا لهم عذاب السعير
( الملك:5)
والبروج والنجوم( المصابيح) والكواكب والاقمار هي من اهم الوسائل في اناره ظلمه الليل, الاولي باضوائها الذاتيه, والكواكب والاقمار بانعكاس اضواء النجوم عليها نورا, ولولا ذلك لاصبح ليل الارض حالك السواد, قابضا للانفس, مخيفا مزعجا.
(3) البروج والنجوم والكواكب رجوما للشياطين:
يعتقد كثير من الناس ان رجوم الشياطين هي الشهب وحدها لقول الحق( تبارك وتعالي):
ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين. وحفظناها من كل شيطان رجيم. الا من استرق السمع فاتبعه شهاب مبين.
(الحجر:16 18)
وقوله( عز من قائل):
انا زينا السماء الدنيا بزينه الكواكب. وحفظا من كل شيطان مارد. لا يسمعون الي الملا الاعلي ويقذفون من كل جانب. دحورا ولهم عذاب واصب. الا من خطف الخطفه فاتبعه شهاب ثاقب( الصافات:6 10)
وقوله( تعالي) علي لسان الجن:
وانا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا.( الجن:8)
ولكن الذي يعلم حقيقه تبادل الماده بين دخان السماء وكافه اجرامها ادرك جانبا من روعه البيان القراني في الاشاره الي البروج في ايات سوره الحجر(16 18), والي الكواكب في ايات سوره الصافات(6 10) والي الشهب في كل من السورتين الكريمتين, وفي سوره الجن(8)
والشهب عباره عن اجسام صلبه تدخل الغلاف الغازي للارض بسرعات كبيره جدا تصل الي40 كيلو مترا في الثانيه فتحتك بجزيئات الغلاف الغازي احتكاكا شديدا يودي الي اشتعالها واحتراقها اما احتراقا كاملا او جزئيا بحيث يتبقي عن احتراقها فضلات صلبه تعرف باسم النيازك التي ترتطم بالارض بشده بالغه.
ويروي عن رسول الله( صلي الله عليه وسلم قوله): ان الملائكه تتحدث في العنان بالامر يكون في الارض, فتسمع الشياطين الكلمه فيقرها في اذن الكاهن كما تقر القاروره فيزيدون مائه كذبه
فالشياطين في محاولاتهم استراق السمع في عمليه من التجسس والتلصص علي اخبار السماء الدنيا يلقون بشئ من ذلك الي اعوانهم من الدجالين والمنجمين و,الكهان والعرافين من اجل اضلال بني ادم وصرفهم عن التوكل علي رب العالمين قد حيل بينهم وبين استراق ذلك السمع بعد بعثه المصطفي( صلي الله عليه وسلم), وبقيت الشهب وهي من ماده بروج ونجوم وكواكب السماء لهم بالمرصاد
(4) البروج والنجوم والكواكب كمصدر من مصادر الرزق في السماء:
يقول ربنا( تبارك وتعالي) في محكم كتابه:
وفي السماء رزقكم وماتوعدون.
(الذاريات:22)
وفسر بعض المفسرين هذه الايه الكريمه بامر الرزق وتقدير الموعود, بان الموعود به هو الجنه او النار, والثواب او العقاب, وفسرها البعض الاخر بانه المطر, وفسر السماء بالسحاب, وهذا كله صحيح ولكن ياتي العلم التجريبي ليوكد لنا ان كافه العناصر يخلقها ربنا( تبارك وتعالي) في قلب النجوم, وان الله تعالي ينزل منها الي الارض بقدر معلوم, فالبروج والنجوم والكواكب والشهب والنيازك من اهم مصادر الرزق علي الارض
(5) البروج بنجومها جند مسخره للامساك باطراف السماء الدنيا:
ان البروج بنجومها وباقي اجرامها, والاجرام بمواقعها وكتلها جند مسخره من قبل الله( تعالي) للامساك باطراف السماء الدنيا, علي الرغم من المسافات الشاسعه التي تفصلها, فهي مرتبطه مع بعضها بالاتزان الدقيق بين قوي الجاذبيه والقوي الطارده المركزيه, علي الرغم من تحركها بسرعات مذهله في صفحه السماء, وفي حركات عديده معقده تشهد لله الخالق العظيم بطلاقه القدره وبديع الصنعه.
من هنا تتضح بعض جوانب الاهميه الكبري للبروج والتي نبهنا ربنا( تبارك وتعالي) اليها بهذا القسم الجامع
والسماء ذات البروج
وقد يري القادمون في هذا القسم مالا نراه نحن اليوم حتي تظل هذه الاشارات الكونيه في كتاب الله شاهده له بالربانيه الخالصه, وللرسول الخاتم الذي تلقاه( صلي الله عليه وسلم) بالنبوه والرساله, وبانه( صلي الله عليه وسلم) ماكان ينطق عن الهوي..!!
-
18 الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها...
يستهل ربنا( تبارك وتعالي) سوره الرعد بقوله( عز من قائل): المر تلك ايات الكتاب والذي انزل اليك من ربك الحق ولكن اكثر الناس لايومنون. الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوي علي العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمي يدبر الامر يفصل الايات لعلكم بلقاء ربكم توقنون
[الرعد:1 و2]
وفي هاتين الايتين الكريمتين يوكد ربنا( تبارك وتعالي) ان الوحي بالقران الكريم الي خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) هو الحق المطلق, المنزل من الله( تعالي), والذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, وان كان اكثر الناس لايومنون به.
والايمان بالوحي من ركائز الايمان بالله, ودعائم الاسلام( اي التسليم له تعالي بالطاعه في العباده) لان الذي يومن بان الوحي هو كلام الله الخالق يسلم بمحتوي هذا الوحي من امور الغيب وضوابط السلوك من مثل قواعد العقيده, وتفاصيل العباده, ودستور الاخلاق وفقه المعاملات, ومايصاحب ذلك من قصص الامم السابقه( الذي جاء للعظه والاعتبار), وخطاب للنفس الانسانيه من خالقها وبارئها يهزها من الاعماق هزا, ويرقي بها الي معارج الله العليا...!! واول اسس العقيده الصحيحه هو التوحيد الخالص لله تعالي بغير شريك ولاشبيه ولامنازع, والايمان بما انزل من غيب[ الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله( بغير تفريق ولاتمييز), وبالقدر خيره وشره( بكل الرضي والتسليم), وبالبعث والحساب والجنه والنار, وبالخلود في حياه قادمه( بغير ادني شك او ريبه].
وهذا الايمان الصحيح يستتبع الخضوع الكامل لله( تعالي) بالعباده والطاعه, وحسن القيام بواجب الاستخلاف في الارض في غير استعلاء ولاتجبر, والسعي الحثيث لاقامه عدل الله( تعالي) فيها, وكل ذلك من صميم رساله الانسان في هذه الحياه, ومن ضرورات تحقيق النجاح فيها:
والقران الكريم الذي اوحاه ربنا( تبارك وتعالي) الي خاتم انبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم), وتعهد بحفظه كلمه كلمه, وحرفا حرفا, فحفظ علي مدي اربعه عشر قرنا او يزيد, والي ان يرث الله( تعالي) الارض ومن عليها يستدل علي صفائه الرباني, وعلي وحدانيه الخالق العظيم, وطلاقه قدرته, وكمال علمه وحكمته باياته الكريمه ذاتها, ومالها من جمال, وكمال, وصدق, كما يستدل علي ذلك ايضا بعدد من ايات الله الكونيه الكبري وفي مقدمتها رفع السماوات بغير عمد يراها الناس...!!! وهو من الامور الظاهره للعيان, والشاهده علي ان للكون الها خالقا, قادرا, حكيما, عليما, ابدع هذا الكون بعلمه, وحكمته وقدرته, وهو قادر علي افنائه, وعلي اعاده خلقه من جديد.
وعلي الرغم من ذلك فان اكثر الناس غافلون عن كل هذه الحقائق, ومضيعون اعمارهم في شقاق, ونفاق, وعناد, من اجل الخروج علي منهج الله, واتباع الشهوات المحرمه, والمتع الخاطئه المدمره, والاستعلاء الكاذب في الارض, والولوغ في الظلم, وافساد الحياه..!!!
واغلب المنكرين لدين الله الحق الذي جاء به خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم اجمعين) ينطلقون من غفلتهم هذه لينكروا البعث, والحساب, والجنه, والنار, والخلود في حياه قادمه انطلاقا من كفرهم بالله الخالق, وبملائكته, وكتبه, ورسله, ولايجدون في رفع السماء بغير عمد يرونها ايه من الايات الماديه الملموسه التي نشهد له( تعالي) بطلاقه القدره, وكمال الحكمه, ودقه التدبير..!!!
وتستمر الايات القرانيه في نفس السوره باستعراض عدد غير قليل من ايات الله في الكون لعلها توقظ اصحاب العقول الغافله, والضمائر الميته ان كانت لديهم بقيه من القدره علي التفكير السليم, او التعقل الراجح. فان اصروا علي كفرهم بالله, وانكارهم لرسالته الخاتمه, وماتضمنته من امور غيبيه, وفي مقدمتها قضيه البعث, فليس من جزاء لهم اقل من الخلود في النار, والاغلال في اعناقهم, امعانا في اذلالهم جزاء كفرهم وانكارهم لايات الله الخالق المقروءه في رسالته الخاتمه والمنظوره في كونه البديع..!!!
ورفع السماوات بغير عمد يراها الناس مع ضخامه ابعادها, وتعاظم اجرامها عددا وحجما وكتله, هو من اوضح الادله علي ان هذا الكون الشاسع الاتساع, الدقيق البناء, المحكم الحركه والمنضبط في كل امر من اموره لايمكن ان يكون نتاج المصادفه المحضه, او ان يكون قد اوجد نفسه بنفسه, بل لابد له من موجد عظيم له من صفات الكمال والجمال والجلال والقدره مايغاير صفات خلقه قاطبه:
ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
[الشوري:11]
من اجل ذلك يوكد القران الكريم حقيقه رفع السماوات بغير عمد يراها الناس, وابقاءها سقفا مرفوعا, وحفظها من الوقوع علي الارض ومن الزوال الا باذن الله, وذلك في عدد من ايات اخري من كتابه العزيز يقول فيها ربنا( تبارك وتعالي):
[1] خلق السماوات بغير عمد ترونها..
(لقمان:10)
[2] وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن اياتها معرضون.
(الانبياء:32)
[3] ويمسك السماء ان تقع علي الارض الا باذنه ان الله بالناس لرءوف رحيم
(الحج:65)
[4] ومن اياته ان تقوم السماء والارض بامره.
(الروم:25)
[5] ان الله يمسك السماوات والارض ان تزولا ولئن زالتا ان امسكهما من احد من بعده انه كان حليما غفورا
(فاطر:41)
[6] والسقف المرفوع
(الطور:5)
[7] والسماء رفعها ووضع الميزان
( الرحمن:7)
[8] ءانتم اشد خلقا ام السماء بناها رفع سمكها فسواها
(النازعات:28,27)
[9] افلا ينظرون الي الابل كيف خلقت والي السماء كيف رفعت
( الغاشيه:18,17)
[10] والسماء ومابناها
(الشمس:5)
فكيف رفعت السماوات بغير عمد يراها الناس؟ وهل معني الايه الكريمه ان السماء لها عمد غير مرئيه ام ليس لها عمد علي الاطلاق؟ هذا ماسوف نفصله في السطور التاليه باذن الله( تعالي) وقبل الدخول في ذلك لابد لنا من شرح لفظ( عمد) في اللغه العربيه وفي القران الكريم.
لفظه( العمد) في اللغه العربيه
http://www.ahram.org.eg/Archive/2001/9/17/923_26M.JPG
ثبات كواكب المجموعه الشمسيه بالتعادل بين قوه الجاذبيه والقوه الطارده المركزيه
يقال:( عمد) للشيء بمعني قصد له اي( تعمده), و(العمد) و(التعمد) هو قصد الشيء بالنيه وهو ضد كل من السهو والخطا, و(العمد) علي الشيء الاستناد اليه, ويقال:( عمد) الشيء( فانعمد) اي اقامه( بعماد)( يعتمد) عليه, و(عمدت) الشيء اذا اسندته, و(عمدت) الحائط مثله, و(العمود) ماتقام او تعتمد عليه الخيمه من خشب او نحوه ويعرف باسم( عمود البيت), وجمعه في القله( اعمده), وفي الكثره( عمد) بفتحتين و(عمد) بضمتين, و(عمود) القوم و(عميدهم) السيد الذي( يعمده) الناس, و(العمده) بالضم ما( يعتمد) عليه وجمعه( عمد), و(العماد) بالكسر ما( يعتمد) او هو الابنيه الرفيعه( تذكر وتونت) والواحده( عماده) ويقال:( اعتمد) علي الشيء بمعني اتكا عليه, و(اعتمد) عليه في كذا اتكل عليه, وفلان رفيع( العماد) اي هو رفيع عند الاعتماد عليه, ويقال: سطع( عمود) الصبح اي ابتدا طلوع نوره تشبيها( للعمود) والقلب( العميد) الذي يعمده الحزن, والجسد( العميد) الذي يعمده السقم, وقد( عمد) توجع من حزن او غضب او سقم, و(عمد) البعير توجع من عقر ظهره.
لفظه( العمد) في القران الكريم
وردت لفظه( عمد) في القران الكريم في ثلاثه مواضع علي النحو التالي:
[1] الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها
(الرعد:2)
[2] خلق السماوات بغير عمد ترونها..
(لقمان:10)
[3] نار الله الموقده. التي تطلع علي الافئده. انها عليهم موصده. في عمد ممده
(الهمزه:6 9)
ووردت لفظه( عماد) في موضع واحد يقول فيه ربنا( تبارك وتعالي):
الم تر كيف فعل ربك بعاد. ارم ذات العماد. التي لم يخلق مثلها في البلاد.
(الفجر:6 8)
وجاء الفعل( تعمد) ومشتقاتها في كتاب الله الكريم في ثلاثه مواضع علي النحو التالي:
[1] وليس عليكم جناح فيما اخطاتم به ولكن ماتعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما
(الاحزاب:5)
[2] ومن يقتل مومنا متعمدا فجزاوه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما
(النساء:93)
[3] ومن قتله منكم متعمدا..
(المائده:95)
اراء المفسرين
تعددت اراء المفسرين في شرح قوله( تعالي):
الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها..( الرعد:2)
وقوله( عز من قائل):
خلق السماوات بغير عمد ترونها..
(لقمان:10)
فقال ابن كثير( يرحمه الله): السماء علي الارض مثل القبه, يعني بلا عمد, وهذا هو اللائق بالسياق, والظاهر من قوله تعالي( ويمسك السماء ان تقع علي الارض الا باذنه) فعلي ذلك يكون قوله:( ترونها) تاكيدا لنفي ذلك, اي هي مرفوعه بغير عمد كما ترونها, وهذا هو الاكمل في القدره.
كذلك روي ابن كثير عن ابن عباس( رضي الله عنهما) وعن كل من مجاهد والحسن( عليهما رضوان الله) انهم قالوا: لها عمد ولكن لاتري, فتكون( ترونها) صفه( عمد) اي بغير عمد مرئيه( ابو بعمد غير مرئيه), واضاف ان هذا التاويل خلاف الظاهر المتبادر ولذلك ضعفه ابن كثير.
وذكر صاحبا تفسير الجلالين( يرحمهما الله): ان( العمد) جمع( عماد) وهو الاسطوانه[ اي ان العمد موجوده ولكنكم لاترونها], وهو صادق ان لا عمد اصلا.
وفي تعليقه علي هذا التفسير ذكر كنعان( امد الله في عمره): قوله: وهو صادق بان لاعمد لها اصلا هو اشاره الي الوجه الثاني علي القول بان( ترونها) صفه ل( عمد), والضمير عائد اليها والمعني: رفعها خاليه عن عمد مرئيه, وانتفاء العمد المرئيه يحتمل انتفاء الرويه فقط اي: لها عمد ولكنها غير مرئيه, ويحتمل انتفاء العمد والرويه جميعا اي: لاعمد اصلا كما ذكر الجلال السيوطي( يرحمه الله), وفي قول اخر:( ترونها) مستانفه, وضميرها يعود ل( السماوات), والمعني: رفعها بلا عمد اصلا وانتم ترونها كذلك..
وذكر محمد عبده( رحمه الله) في تفسير قوله( تعالي): والسماء ومابناها مانصه: السماء اسم لما علاك وارتفع فوق راسك وانت انما تتصور عند سماعك لفظ السماء هذا الكون الذي فوقك فيه الشمس والقمر وسائر الكواكب تجري في مجاريها, وتتحرك في مداراتها, هذا هو السماء. وقد بناه الله اي رفعه وجعل كل كوكب من الكواكب منه بمنزله لبنه من بناء سقف او قبه او جدران تحيط بك, وشد هذه الكواكب بعضها الي بعض برباط الجاذبيه العامه, كما تربط اجزاء البناء الواحد بما يوضع بينها مما تتماسك به.
وقال صاحب الظلال( يرحمه الله): والسماوات ايا كان مدلولها, وايا كان مايدركه الناس من لفظها في شتي العصور معروضه علي انظار, هائله ولاشك حين يخلو الناس الي تاملها لحظه, وهي هكذا لاتستند الي شيء, مرفوعه( بغير عمد) مكشوفه( ترونها).. ما من احد يقدر علي رفعها بلا عمد او حتي بعمد الا الله..
وذكر الغمراوي( يرحمه الله) واعجب معي من اعجاز الاسلوب والمعني معا في قوله تعالي:( بغير عمد ترونها) في كل من خلق السماء ورفعها. فلو قيل( بغير عمد) فحسب لكان ذلك نفيا مطلقا للعمد, مرئيه وغير مرئيه, والنفي المطلق يخالف الواقع الذي علم الله انه سيهدي اليه عباده بعد نحو الف وخمسين عاما من اختتام القران, فكان من الاعجاز المزدوج ان يقيد الله نفي العمد في الخلق والرفع بقوله( ترونها), والضمير المنصوب في( ترونها) يرجع اولا الي اقرب مذكور وهو( عمد) فيكون المعني: بغير عمد مرئيه, اي بعمد من شانها وفطرتها الا تري, والفعل المضارع في اللغه يشمل الحال والاستقبال او هو حال مستمر, لان القران مخاطب به الناس في كل عصر.
واذا اعيد الضمير الي السماء كان المعني: ان السماء ترونها مخلوقه مرفوعه بغير عمد, وتكون العمد مايعهده الناس في ابنيه الارض, ونفيها بهذا المعني عن السماء المرفوعه ايضا امر عجيب لايقدر عليه الا الله وكلا الوجهين مفهوم من التعبير القراني طبق اللغه, وان كان الاولي في اللغه هو الوجه الاول الذي يحوي الاعجاز العلمي, واذن فالوجهان كلاهما مرادان بالتعبير الكريم اذ لامانع من احدهما والزمخشري فهم المعنيين علي التخيير, وان اعطي الاولويه للمعني المستفاد من جعل( ترونها) صفه للعمد, اي بغير عمد مرئيه, يعني ان عمدها لاتري, وهي امساكها بقدرته.
اما الفخر الرازي فلم يرصد الا هذا المعني الثاني اذ يقول: انه رفع السماء بغير عمد ترونها, اي لاعمد في الحقيقه الا ان تلك العمد هي قدره الله تعالي وحفظه وتدبيره وابقاوه اياها في الحيز الحالي, وانهم( اي الناس) لايرون ذلك التدبير ولايعرفون كيفيه ذلك الامساك.
واضاف الغمراوي( يرحمه الله) وقد عرف علماء الفلك الحديث كيفيه ذلك عن طريق تلك السنه الكونيه العجيبه المذهله: سنه الجاذبيه العامه, التي قامت وتقوم بها السماوات والارض بامر الله كما قال سبحانه: ومن اياته ان تقوم السماء والارض بامره
(الروم:25)
وقد بقي من صور التعبير صوره, وهي ان يقال:( بعمد لاترونها) بدلا من( بغير عمد ترونها) في الايتين الكريمتين, وقد تجنبها القران لحكمه بالغه, فلو انها جاءت فيه هكذا لاتجهت الافكار باديء ذي بدء الي اثبات عمد في السماء او للسماء, كالتي يعرفونها فيما يعلون من بنيان, ولاثبت العلم بطلان ذلك, وان جاز علي اهل العصور قبل, وجل وعز وجه الله ان يلم خطا مابكتابه من قريب او بعيد.
وذكر الصابوني( امد الله في عمره) في تفسير قوله تعالي:
الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها
مانصه: اي خلقها مرتفعه البناء, قائمه بقدرته لاتستند علي شيء حال كونكم تشاهدونها وتنظرونها بغير دعائم, وذلك دليل علي وجود الخالق المبدع الحكيم
العمد غير المرئيه في العلوم الكونيه
تشير الدراسات الكونيه الي وجود قوي مستتره, في اللبنات الاوليه للماده وفي كل من الذرات والجزيئات وفي كافه اجرام السماء, تحكم بناء الكون وتمسك باطرافه الي ان يشاء الله تعالي فيدمره ويعيد خلق غيره من جديد.
ومن القوي التي تعرف عليها العلماء في كل من الارض والسماء اربع صور, يعتقد بانها اوجه متعدده لقوه عظمي واحده تسري في مختلف جنبات الكون لتربطه برباط وثيق والا لانفرط عقده وهذه القوي هي:
(1) القوه النوويه الشديده
وهي القوه التي تقوم بربط الجزيئات الاوليه للماده في داخل نواه الذره برباط متين من مثل البروتونات, والنيوترونات ولبناتهما الاوليه المسماه بالكواركات
(QUARKS)
بانواعها المختلفه واضدادها
((Anti-Quarks
كما تقوم بدمج والتحام نوي الذرات مع بعضها البعض في عمليات الاندماج النووي
(nuclearfusion)
التي تتم في داخل النجوم, كما تتم في العديد من التجارب المختبريه, وهي اشد انواع القوي الطبيعيه المعروفه لنا في الجزء المدرك من الكون ولذا تعرف باسم القوه الشديده ولكن هذه الشده البالغه في داخل نواه الذره تتضاءل عبر المسافات الاكبر ولذلك يكاد دورها يكون محصورا في داخل نوي الذرات, وبين تلك النوي ومثيلاتها, وهذه القوي تحمل علي جسيمات غير مرئيه تسمي باسم اللاحمه او جليون
(gluon)
لم تكتشف الا في اواخر السبعينيات من القرن العشرين, وفكره القنبله النوويه قائمه علي اطلاق هذه القوه التي تربط بين لبنات نواه الذره, وهذه القوه لازمه لبناء الكون لانها لو انعدمت لعاد الكون الي حالته الاولي لحظه الانفجار العظيم حين تحول الجرم الابتدائي الاولي الذي نشا عن انفجاره كل الكون الي سحابه من اللبنات الاوليه للماده التي لايربطها رابط, ومن ثم لايمكنها بناء اي من اجرام السماء.
(2) القوه النوويه الضعيفه:
وهي قوه ضعيفه وذات مدي ضعيف للغايه لا يتعدي حدود الذره وتساوي10 13 من شده القوه النوويه الشديده, وتقوم بتنظيم عمليه تفكك وتحلل بعض الجسيمات الاوليه للماده في داخل الذره كما يحدث في تحلل العناصر المشعه, وعلي ذلك فهي تتحكم في عمليه فناء العناصر حيث ان لكل عنصر اجلا مسمي, وتحمل هذه القوه علي جسيمات اما سالبه او عديمه الشحنه تسمي البوزونات
(bosons).
(3) القوه الكهربائيه المغناطيسيه( الكهرومغناطيسيه):
وهي القوه التي تربط الذرات بعضها ببعض في داخل جزيئات الماده مما يعطي للمواد المختلفه صفاتها الطبيعيه والكيميائيه, ولولا هذه القوه لكان الكون مليئا بذرات العناصر فقط ولما كانت هناك جزيئات او مركبات, ومن ثم ما كانت هناك حياه علي الاطلاق.
وهذه القوه هي التي تودي الي حدوث الاشعاع الكهرومغناطيسي علي هيئه فوتونات الضوء او مايعرف باسم الكم الضوئي.
(PhotonsorphotonQuantum)
وتنطلق الفوتونات بسرعه الضوء لتوثر في جميع الجسيمات التي تحمل شحنات كهربيه ومن ثم فهي توثر في جميع التفاعلات الكيميائيه وفي العديد من العمليات الفيزيائيه وتبلغ قوتها137/1 من القوه النوويه الشديده.
(4) قوه الجاذبيه:
وهي علي المدي القصير تعتبر اضعف القوي المعروفه لنا, وتساوي10 39 من القوه النوويه الشديده, ولكن علي المدي الطويل تصبح القوه العظمي في الكون, نظرا لطبيعتها التراكميه فتمسك بكافه اجرام السماء, وبمختلف تجمعاتها, ولولا هذا الرباط الحاكم الذي اودعه الله( تعالي) في الارض وفي اجرام السماء ما كانت الارض ولا كانت السماء ولو زال هذا الرباط لانفرط عقد الكون وانهارت مكوناته.
ولايزال اهل العلم يبحثون عن موجات الجاذبيه المنتشره في ارجاء الكون كله, منطلقه بسرعه الضوء دون ان تري, ويفترض وجود هذه القوه علي هيئه جسيمات خاصه في داخل الذره لم تكتشف بعد يطلق عليها اسم الجسيم الجاذب او( الجرافيتون)
(Graviton)
وعلي ذلك فان الجاذبيه هي اربطه الكون.
والجاذبيه مرتبطه بكتل الاجرام وبمواقعها بالنسبه لبعضها البعض, فكلما تقاربت اجرام السماء, وزادت كتلها, زادت قوي الجذب بينها, والعكس صحيح, ولذلك يبدو اثر الجاذبيه اوضح مايكون بين اجرام السماء التي يمسك الاكبر فيها بالاصغر بواسطه قوي الجاذبيه, ومع دوران الاجرام حول نفسها تنشا القوه الطارده( النابذه) المركزيه التي تدفع بالاجرام الصغيره بعيدا عن الاجرام الاكبر التي تجذبها حتي تتساوي القوتان المتضادتان: قوه الجذب الي الداخل, وقوه الطرد الي الخارج فتتحدد بذلك مدارات كافه اجرام السماء التي يسبح فيها كل جرم سماوي دون ادني تعارض او اصطدام.
هذه القوي الاربع هي الدعائم الخفيه التي يقوم عليها بناء السماوات والارض, وقد ادركها العلماء من خلال اثارها الظاهره والخفيه في كل اشياء الكون المدركه.
توحيد القوي المعروفه في الكون المدرك
كما تم توحيد قوتي الكهرباء والمغناطيسيه في شكل قوه واحده هي القوه الكهرومغناطيسيه, يحاول العلماء جمع تلك القوه مع القوه النوويه الضعيفه باسم القوه الكهربائيه الضعيفه
(TheElectroweakForce)
حيث لا يمكن فصل هاتين القوتين في درجات الحراره العليا التي بدا بها الكون, كذلك يحاول العلماء جمع القوه الكهربائيه الضعيفه والقوه النوويه الشديده في قوه واحده وذلك في عدد من النظريات التي تعرف باسم نظريات المجال الواحد او النظريات الموحده الكبر
يTheGrandUnifiedTheorie))
ثم جمع كل ذلك مع قوه الجاذبيه فيما يسمي باسم الجاذبيه العظمي
(Supergravity)
التي يعتقد العلماء بانها كانت القوه الوحيده السائده في درجات الحراره العليا عند بدء خلق الكون, ثم تمايزت الي القوي الاربع المعروفه لنا اليوم, والتي ينظر اليها علي انها اوجه اربعه لتلك القوه الكونيه الواحده التي تشهد لله الخالق بالوحدانيه المطلقه فوق جميع خلقه, فالكون يبدو كنسيج شديد التلاحم والترابط, ورباطه هذه القوه العظمي الواحده التي تنتشر في كافه ارجائه, وفي جميع مكوناته واجزائه وجزيئاته, وهذه القوه الواحده تظهر لنا في هيئه العديد من صور الطاقه, والطاقه هي الوحده الاساسيه في الكون, والماده مظهر من مظاهرها, وهي من غير الطاقه لا وجود لها, فالكون عباره عن الماده والطاقه ينتشران في كل من المكان والزمان بنسب وتركيزات متفاوته فينتج عنها ذلك النسيج المحكم المحبوك في كل جزئيه من جزئياته.
الجاذبيه العامه
من الثوابت العلميه ان الجاذبيه العامه هي سنه من سنن الله في الكون اودعها ربنا تبارك وتعالي كافه اجزاء الكون ليربط تلك الاجزاء بها, وينص قانون هذه السنه الكونيه بان قوه التجاذب بين اي كتلتين في الوجود تتناسب تناسبا طرديا مع حاصل ضرب كتلتيهما, وعكسيا مع مربع المسافه الفاصله بينهما, ومعني ذلك ان قوه الجاذبيه تزداد بازدياد كل من الكتلتين المتجاذبتين, وتنقص بنقصهما, بينما تزداد هذه القوه بنقص المسافه الفاصله بين الكتلتين, وتتناقص بتزايدها, ولما كان لاغلب اجرام السماء كتل مذهله في ضخامتها فان الجاذبيه العامه هي الرباط الحقيقي لتلك الكتل علي الرغم من ضخامه المسافات الفاصله بينها, وهذه القوه الخفيه( غير المرئيه) تمثل النسيج الحقيقي الذي يربط كافه اجزاء الكون كما هو الحال بين الارض والسماء وهي القوه الرافعه للسماوات باذن الله بغير عمد مرئيه.
وهي نفس القوه التي تحكم تكور الارض وتكور كافه اجرام السماء وتكور الكون كله, كما تحكم عمليه تخلق النجوم بتكدس اجزاء من الدخان الكوني علي بعضها البعض, بكتلات محسوبه بدقه فائقه, وتخلق كافه اجرام السماء الاخري, كما تحكم دوران الاجرام السماويه كل حول محوره, وتحكم جريه في مداره, بل في اكثر من مدار واحد له, وهذه المدارات العديده لاتصطدم فيها اجرام السماء رغم تداخلاتها وتعارضاتها الكثيره, ويبقي الجرم السماوي في مداره المحدد بتعادل دقيق بين كل من قوي الجذب الي الداخل بفعل الجاذبيه وبين قوي الطرد الي الخارج بفعل القوه الطارده( النابذه) المركزيه.
وقوه الجاذبيه العامه تعمل علي تحدب الكون اي تكوره وتجبر كافه صور الماده والطاقه علي التحرك في السماء في خطوط منحنيه( العروج), وتمسك بالاغلفه الغازيه والمائيه والحياتيه للارض, وتحدد سرعه الافلات من سطحها, وبتحديد تلك السرعه يمكن اطلاق كل من الصواريخ والاقمار الصناعيه.
والجاذبيه الكميه
(QuantumGravity)
تجمع كافه القوانين المتعلقه بالجاذبيه, مع الاخذ في الحسبان جميع التاثيرات الكميه علي اعتبار ان احداثيات الكون تتبع نموذجا مشابها للاحداثيات الارضيه, وان ابعاد الكون تتبع نموذجا مشابها للارض بابعادها الثلاثه بالاضافه الي كل من الزمان والمكان كبعد رابع.وعلي الرغم من كونها القوه السائده في الكون( باذن الله) فانها لاتزال سرا من اسرار الكون, وكل النظريات التي وضعت من اجل تفسيرها قد وقفت دون ذلك لعجزها عن تفسير كيفيه نشاه هذه القوه, وكيفيه عملها, وان كانت هناك فروض تنادي بان جاذبيه الارض ناتجه عن دورانها حول محورها, وان مجالها المغناطيسي ناتج عن دوران لب الارض السائل والذي يتكون اساسا من الحديد والنيكل المنصهرين حول لبها الصلب والذي له نفس التركيب الكيميائي تقريبا, وكذلك الحال بالنسبه لبقيه اجرام السماء.
موجات الجاذبيه
منذ العقدين الاولين من القرن العشرين تنادي العلماء بوجود موجات للجاذبيه من الاشعاع التجاذبي تسري في كافه اجزاء الكون, وذلك علي اساس انه بتحرك جسيمات مشحونه بالكهرباء مثل الاليكترونات والبروتونات الموجوده في ذرات العناصر والمركبات فان هذه الجسيمات تكون مصحوبه في حركتها باشعاعات من الموجات الكهرومغناطيسيه, وقياسا علي ذلك فان الجسيمات غير المشحونه( مثل النيوترونات) تكون مصحوبه في حركتها بموجات الجاذبيه, ويعكف علماء الفيزياء اليوم علي محاوله قياس تلك الامواج, والبحث عن حاملها من جسيمات اوليه في بناء الماده يحتمل وجوده في داخل ذرات العناصر والمركبات, واقترحوا له اسم الجاذب او الجرافيتون وتوقعوا انه يتحرك بسرعه الضوء, وانطلاقا من ذلك تصوروا ان موجات الجاذبيه تسبح في الكون لتربط كافه اجزائه برباط وثيق من نواه الذره الي المجره العظمي وتجمعاتها الي كل الكون, وان هذه الموجات التجاذبيه هي من السنن الاولي التي اودعها الله تعالي ماده الكون وكل المكان والزمان!!
وهنا تجب التفرقه بين قوه الجاذبيه
(TheGravitationalForce)
وموجات الجاذبيه
(TheGravitationalWaves),
فبينما الاولي تمثل قوه الجذب للماده الداخله في تركيب جسم ماحين تتبادل الجذب مع جسم اخر, فان الثانيه هي اثر لقوه الجاذبيه, وقد اشارت نظريه النسبيه العامه الي موجات الجاذبيه الكونيه علي انها رابط بين المكان والزمان علي هيئه موجات توثر في حقول الجاذبيه في الكون كما توثر علي الاجرام السماويه التي تقابلها وقد بذلت محاولات كثيره لاستكشاف موجات الجاذبيه القادمه الينا من خارج مجموعتنا الشمسيه ولكنها لم تكلل بعد بالنجاح.
والجاذبيه وموجاتها التي قامت بها السماوات والارض منذ بدء خلقهما, ستكون سببا في هدم هذا البناء عندما ياذن الله( تعالي) بتوقف عمليه توسع الكون فتبدا الجاذبيه وموجاتها في العمل علي انكماش الكون واعاده جمع كافه مكوناته علي هيئه جرم واحد شبيه بالجرم الابتدائي الذي بدا به خلق الكون وسبحان القائل:
يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدانا اول خلق نعيده وعدا علينا انا كنا فاعلين
(الانبياء:104)
نظريه الخيوط العظمي وتماسك الكون
في محاوله لجمع القوي الاربع المعروفه في الكون( القوه النوويه الشديده والقوه النوويه الضعيفه, والقوه الكهرومغناطيسيه, وقوه الجاذبيه) في صوره واحده للقوه اقترح علماء الفيزياء مايعرف باسم نظريه الخيوط العظمي
(TheTheoryOfSuperstrings)
والتي تفترض ان الوحدات البانيه للبنات الاوليه للماده من مثل الكواركات والفوتونات, والاليكترونات وغيرها) تتكون من خيوط طوليه في حدود10 35 من المتر, تلتف حول ذواتها علي هيئه الزنبرك المتناهي في ضاله الحجم, فتبدو كما لو كانت نقاطا او جسيمات, وهي ليست كذلك, وتفيد النظريه في التغلب علي الصعوبات التي تواجهها الدراسات النظريه في التعامل مع مثل تلك الابعاد شديده التضاول حيث تتضح الحاجه الي فيزياء كميه غير موجوده حاليا, ويمكن تمثيل حركه الجسيمات في هذه الحاله بموجات تتحرك بطول الخيط, كذلك يمكن تمثيل انشطار تلك الجسيمات واندماجها مع بعضها البعض بانقسام تلك الخيوط والتحامها.
وتقترح النظريه وجود ماده خفيه
(ShadowMatter)
يمكنها ان تتعامل مع الماده العاديه عبر الجاذبيه لتجعل من كل شيء في الكون( من نواه الذره الي المجره العظمي وتجمعاتها المختلفه الي كل السماء) بناء شديد الاحكام, قوي الترابط, وقد تكون هذه الماده الخفيه هي مايسمي باسم الماده الداكنه
(DarkMatter)
والتي يمكن ان تعوض الكتل الناقصه في حسابات الجزء المدرك من الكون, وقد تكون من القوي الرابطه له.
وتفسر النظريه جميع العلاقات المعروفه بين اللبنات الاوليه للماده, وبين كافه القوي المعروفه في الجزء المدرك من الكون.
وتفترض النظريه ان اللبنات الاوليه للماده ماهي الا طرق مختلفه لتذبذب تلك الخيوط العظمي في كون ذي احد عشربعدا, ومن ثم واذا كانت النظريه النسبيه قد تحدثت عن كون منحن, منحنيه فيه الابعاد المكانيه الثلاثه( الطول, العرض, والارتفاع) في بعد رابع هو الزمن, فان نظريه الخيوط العظمي تتعامل مع كون ذي احد عشر بعدا منها سبعه ابعاد مطويه علي هيئه لفائف الخيوط العظمي التي لم يتمكن العلماء بعد من ادراكها وسبحان القائل: الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها
والله قد انزل هذه الحقيقه الكونيه علي خاتم انبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم) من قبل اربعه عشر قرنا, ولا يمكن لعاقل ان ينسبها الي مصدر غير الله الخالق.
-
19 افلم ينظروا الي السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج؟!
ردا علي منكري البعث يعرض القران الكريم في مطلع سوره ق لعدد من الادله المنطقيه المثبته لكمال القدره الالهيه المبدعه, والشاهده علي احاطه علم الله تعالي بكل صغيره وكبيره في الكون, والناطقه بعظيم حكمته في خلقه وفيما انزل من علم, والموكده ان الله تعالي الذي خلق هذا الكون بكل ما فيه ومن فيه علي غير مثال سابق هو القادر علي افنائه وعلي اعاده خلقه من جديد, وذلك لان قضيه البعث كانت دوما حجه الكافرين والملحدين والمتشككين...!!!.
ومن اول هذه الادله احكام بناء السماء, ورفعها بغير عمد مرئيه, وتزيينها بالكواكب والنجوم والبروج وغير ذلك من اجرام السماء, وسلامتها من كل نقص يمكن ان يعيبها في شيء, ومن كل خلل يمكن ان ينتابها حتي ياتي امر الله بتدميرها فيفنيها ويعيد ابدالها وابدال الارض بغيرهما من جديد..!!!.
والاستشهاد بالسماء وببنائها وزينتها وبسلامتها من كل عيب ونقص وخلل منطلق من حقيقه ان السماء هي احدي صفحات الكون المفتوحه امام كل ذي بصر وبصيره, الناطقه بطلاقه القدره الالهيه المبدعه, والصارخه في كل غافل عن الحق, وكل منكر للخلق, وكل جاحد للبعث, وكل متنكر لله الخالق او مشرك به( تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا) ان انظر الي السماء وما حوت من اجرام, ومن مختلف صور الماده والطاقه, في سعه من المكان, وتقادم في الزمان, وترابط واحكام, وحركه وانتظام, دون توقف او اصطدام, وارتفاعات مذهله بغير عمد مرئيه, وجمال وزينه, وتكامل واتساق, لا تشوبه شائبه, ولا يعتريه ادني قدر من الخلل او النقص الذي يعيب الكمال من مثل التصدع او الانفراج او التشقق, وفي ذلك يقول الحق( تبارك وتعالي):
ق والقران المجيد* بل عجبوا ان جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب* ائذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد* قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ* بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في امر مريج* افلم ينظروا الي السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج**
( ق:1 6)
ووصف السماء بتمام البناء, وجمال الزينه, والتكامل والاتساق الذي لا تشوبه شائبه جاء في عدد غير قليل من ايات القران الكريم من مثل قول الحق( تبارك وتعالي):
الذي خلق سبع سماوات طباقا ما تري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور* ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا وهو حسير*( الملك:4,3)
وهنا يبرز التساول عن بناء السماء, وعن زينتها, وعن كمالها واتساقها وعدم وجود( فروج) فيها بمعني ادني قدر من الشقوق, او التصدعات في بنائها, وقبل الاجابه عن ذلك لابد من التعرض لمدلول الالفاظ, بناء, وزينه, وفروج في كل من اللغه العربيه والقران الكريم وهذا ما سوف نتناوله في السطور التاليه:
المدلول اللغوي لالفاظ الايه الكريمه
http://www.ahram.org.eg/Archive/2001/9/24/930_24M.JPG
ا & ب : محاكاه بالحاسب الالي لبناء التجمعات المجريه تشير الي وجود الاربطه الكونيه بين مناطق مظلمه
ج & د : رسومات تخطيطيه لاربع شرائح من سور المجرات العظيم وتبدو فيها المجرات والمناطق المظلمه العملاقه الفاصله بينها
يقال في اللغه العربيه:( بني),( يبني),( بناء) او دارا بمعني شاد بيتا, والبناء اسم لما يبني بناء, ومن مرادفات( البناء):( البنيه) و(البنيا) و(البني) بضم الباء, و(البني) و(البنيه) بكسرها, وكذلك( البنيان) وهو واحد لا جمع له, وقيل هو جمع( بنيانه) وهذا النوع من الجمع يصح تذكيره وتانيثه.
ويقال:( بني) الرجل بعروسه بمعني زف اليها, وكل داخل باهله( بان) وهذا من قبيل الاستعاره.
اما عن الفعل( زين) فيقال( زين) الشيء( يزينه)( تزيينا) بمعني جمله ورتبه بالقول او بالفعل او بهما معا, وعلي ذلك فكل من الحجام والحلاق( مزين), كذلك يقال( زان) الشيء( يزينه)( زينه) بمعني اضفي عليه من نفسه او فعله شيئا من الجمال, ويقال:(تزين) و(ازدان)اي تجمل( ازينت) الارض و( ازينت)[ واصله( تزينت) فادغم] اذا اكتست بشيء من الخضره, و(تزيين) الله للاشياء ابداعه لها بزينه وايجادها كذلك, و(تزيين) الناس للشيء بتزويقهم اياه بفعلهم( اي باضافه شيء جميل اليه) او بقولهم وهو ان يمدحوه, ويذكروه بما يرفع من قدره ويغري الناس به.
و(الزينه) ما( يتزين) به او ما( يزين) الانسان او الشيء, اي ما يجمله ولا يشينه في شيء من احواله, و(يوم الزينه) هو يوم العيد, و(الزين) عموماهو ضد الشين.
اما عن( فروج السماء) فهي جمع( فرج) بفتح ثم سكون, و(الفرجات) جمع( فرجه). وهو الشق بين الشيئين كفرجه الحائط وما اشبهه, ويقال في اللغه( فرج) من الغم او من الهم( فرجه) و(فرجا) اي خرج منه, و(الفرج) هو انكشاف الهم والغم, ولذلك يقال:( فرج) الله غمه( وفرجه)( تفريجا) اي ازاله عنه, و(الانفراج) السعه الماديه او المعنويه بعد ضيق, او الاتساع بالشق او الفتق في شيء متماسك ومتصل, وللفظه دلالات اخري عديده تخرج عن نطاق المقصود في الايه الكريمه التي نحن بصددها.
المدلول القراني لالفاظ الايه الكريمه
جاءت ماده( بني) بمختلف مشتقاتها في القران الكريم في اثنين وعشرين موضعا, منها سبع مرات متعلقه ببناء السماء, وخمس عشره مره متعلقه بالبنيان علي الارض, وفي كل الحالات خصت السماء بالوصف( بناء) وخص تشييد الانسان علي الارض بالوصف( بنيان), وهذا امر له دلالته العميقه في الاشاره الي الفرق بين صنع الله وصنع الانسان في القضيه الواحده.
وجاء الفعل( زين) بمختلف مشتقاته في القران الكريم ستا واربعين مره منها ست مرات متعلقه بالسماء, واربعون مره متعلقه بزينه الناس( افرادا وجماعات) او بمناسباتهم المبهجه من مثل الاعياد, او بزينه الارض حينما تكسوها الخضره, او بتزيين الله تعالي العمل للامم( افرادا وجماعات) او بمعني تزيين الشيطان للمعاصي واعمال السوء في انظار بعض الناس.
وقد سبق الحديث عن كل من بناء السماء وزينتها في عدد من المقالات السابقه, ولا اري داعيا لتكرار ذلك هنا, وعليه فان هدف هذا المقال يتركز حول اثبات تماسك السماء ونفي كل صوره من صور الخلل او الاضطراب فيها والتي عبر عنها القران الكريم بقول الحق( تبارك وتعالي): و(ما لها من فروج).
وجاء الفعل( فرج) بمشتقاته في القران الكريم تسع مرات, منها اثنتان متعلقتان بالسماء والباقي بمعني صون العرض, والايتان المتعلقتان بالسماء جاء فيهما قول الحق تبارك وتعالي: افلم ينظروا الي السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج( ق:6)
بمعني ان مالها من شقوق او فتوق.
و واذا السماء فرجت( المرسلات:9) بمعني انشقت. والمعني في الحالتين يشير الي سلامه السماء في الدنيا من العيوب وانشقاقها في الاخره.
اراء المفسرين
ذكر ابن كثير( يرحمه الله) ان الله تعالي يقول منبها للعباد علي قدرته العظيمه التي اظهر بها ما هو اعظم مما تعجبون منه مستبعدين وقوعه:( افلم ينظروا الي السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها) اي بالمصابيح,( وما لها من فروج) قال مجاهد: يعني من شقوق; وقال غيره: فتوق; وقال غيره: صدوع; والمعني متقارب, لقوله تبارك وتعالي: ما تري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور.
وذكر صاحبا تفسير الجلالين( يرحمهما الله): افلم ينظروا بعيونهم معتبرين بعقولهم حين انكروا البعث( الي السماء) كائنه فوقهم( كيف بنيناها) بلا عمد( وزيناها) بالكواكب ومالها من فروج شقوق تعيبها.
وذكر مخلوف( يرحمه الله): افلم ينظروا.. شروع في بيان بعض ادله القدره التامه علي البعث, ردا لاستبعادهم اياه, وهو سبعه ادله; اي اغفلوا او عموا فلم ينظروا حين انكروا البعث الي السماء فوقهم كيف احكمنا بناءها, ورفعناها بغير عمد, وزيناها بالكواكب,( ومالها من فروج) شقوق وفتوق وصدوع, جمع فرج وهو الشق بين الشيئين, والمراد سلامتها من كل عيب وخلل.
ويذكر صاحب الظلال( يرحمه الله): ان هذه السماء صفحه من كتاب الكون تنطق بالحق الذي فارقوه, افلم ينظروا الي ما فيها من تشامخ وثبات واستقرار؟ والي ما فيها بعد ذلك من زينه وجمال, وبراءه من الخلل والاضطراب!!! ان الثبات والكمال والجمال هي صفه السماء التي تتناسق مع السياق هنا, مع الحق وما فيه من ثبات وكمال وجمال, ومن ثم تجيء صفه البناء وصفه الزينه وصفه الخلو من الثقوب والفروج.
ويقول الصابوني( امد الله في عمره): ثم ذكر الله تعالي دلائل القدره والوحدانيه الداله علي عظمه رب العالمين فقال: افلم ينظروا الي السماء فوقهم) اي افلم ينظروا نظر تفكر واعتبار الي السماء في ارتفاعها واحكامها, فيعلموا ان القادر علي ايجادها قادر علي اعاده الانسان بعد موته!!!( كيف بنيناها وزيناها) اي كيف رفعناها بلا عمد, وزيناها بالنجوم,( وما لها من فروج) اي ما لها من شقوق وصدوع.
وقد اجمع المفسرون الذين تعرضوا لشرح هذه الايه الكريمه علي اعتبار الحرف( ما) في قول الحق( تبارك وتعالي),( وما لها من فروج) انه حرف نفي اي ان السماء خاليه من الفروج التي قد تنبيء بخلل ما في بنائها وذلك لان انفراج السماء وانفطارها وانشقاقها من علامات الاخره لقول الحق تبارك وتعالي:
واذا السماء فرجت( المرسلات:9).
يوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكه تنزيلا( الفرقان:25).
فارتقب يوم تاتي السماء بدخان مبين( الدخان:10.
فاذا انشقت السماء فكانت ورده كالدهان( الرحمن:37)
يوم تمور السماء مورا( الطور:9)
وانشقت السماء فهي يومئذ واهيه( الحاقه:16)
يوم تكون السماء كالمهل( المعارج:8)
السماء منفطر به كان وعده مفعولا( المزمل:18)
وفتحت السماء فكانت ابوابا
( النبا:19)
واذا السماء كشطت( التكوير:11)
اذا السماء انفطرت( الانفطار:1)
اذا السماء انشقت( الانشقاق:1)
وهذه الايات كلها تشير الي الاخره, وتصور القيامه واهوالها وشيئا من مشاهدها المرعبه, واحداثها العظام, وتوكد سلامه سماء الدنيا من كل هذه الاوصاف.
هل يمكن للايه الكريمه ان تحمل
معني وجود فروج في السماء؟
اجمع المفسرون كما سبق وان اشرنا علي ان الحرف( ما) في قول الحق( تبارك وتعالي)( وما لها من فروج) هو حرف نفي ينفي وجود فروج بالسماء تنبيء بضعف او خلل في بنائها, ولكن انطلاقا من وجود مناطق مظلمه اظلاما تاما في السماء الدنيا نظرا لخلوها من النجوم وتجمعاتها سماها علماء الفلك مجازا بالفراغات او الفجوات نسبه الي خلوها من الاجرام المضيئه اندفع نفر قليل من علماء المسلمين الي الاقتراح بان( ما) في هذه الايه الكريمه قد تكون اسما موصولا بمعني( الذي) وليست( ما) النافيه, وذلك في محاوله لاثبات وجود فروج في السماء, وتصوروا ان هذا الاستنتاج يجعل الايه كلها تقرا في الصيغه التعجبيه الاستفهاميه التي بدات بها الايه بمعني: افلم ينظروا الي السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها؟ وافلم ينظروا ما للسماء من فروج؟.
وهذا الاستنتاج مخالف لنصوص القران الكريم التي تجمع علي غير ذلك, وعلي ان انفراج السماء وانفطارها وانشقاقها هو من علامات الاخره, ولا وجود لها, في سماء الدنيا كما سبق ان اشرنا; ليس هذا فقط بل ان الدراسات الفلكيه والفيزيائيه تنفي امكانيه وجود فراغات في الجزء المدرك من الكون وذلك للاسباب التاليه:
اولا: المناطق المظلمه من الكون
المدرك لا تعني وجود فراغات فيه
في اواخر السبعينيات واوائل الثمانينيات من القرن العشرين قام عدد من الفلكيين بعمليه مسح للجزء المدرك من السماء لعمل خرائط جديده له ثلاثيه الابعاد, وفي اثناء ذلك لاحظوا وجود العديد من المناطق المظلمه التي لا تحتوي نجوما مضيئه بين المجرات, وسموها مجازا( بالفجوات) او( الفقاعات) وانطلقوا من ذلك الي الاستنتاج بان الكون المدرك يشبه قطعه الاسفنج المليئه بالفجوات, وتمثل المجرات فيها خيوط الاسفنج المنسوجه باحكام حول تلك الفجوات, واعتبروا تلك الفجوات خيوطا كونيه عملاقه سموها باسم
ولما كانت فجوات الاسفنج ليست فراغا لامتلائها بالهواء او بالماء, فان المناطق المظلمه بالكون المدرك ليست فراغا لامتلائها بالدخان الكوني, وبمختلف صور الاشعه الكونيه, بل قد يكون فيها من صور الماده والاجرام الخفيه ما يفوق كتل المجرات المحيطه بها مجتمعه, ويعتقد عدد من الفلكيين المعاصرين ان هذه المناطق المظلمه تتكون اساسا من المواد الداكنه البارده.
التي تمثل الكتله المفقوده
في الكون المدرك, وقد تحتوي علي اعداد من النجوم الخانسه ذات الكثافات الفائقه والمعروفه باسم الثقوب السود, وان هذه الماده الداكنه الخفيه والنجوم الخانسه التي امكن ادراكها بطرق غير مباشره, امكن حساب كتلتها بمايزيد علي تسعين بالمئه من كتله الجزء المدرك من الكون.
ففي سنه1981 م اكتشف عدد من الفلكيين تلك المناطق المظلمه من الكون المدرك في كوكبه العواء او كوكبه راعي الشتاء التي تقع في نصف الكره الشمالي, وظنوها فراغات هائله او فقاعات عظيمه, ثم تبين لهم بعد ذلك ان امثال تلك المناطق المظلمه منتشره في مختلف ارجاء الكون المنظور, وحتي في داخل مجرتنا, وانها من اساسيات النظام الكوني, ومن اسرار بنائه, وان لها دورا مهما في تماسك ذلك البناء.
وفي سنه1989 م تم اكتشاف مايسمي باسم الحائط العظيم وهو عباره عن حشد هائل من تجمعات المجرات يبلغ طوله نحو مائتين وخمسين مليونا من السنين الضوئيه, وعرضه نحو مائتي مليون, وسمكه نحو خمسه عشر مليونا من السنين الضوئيه, وقد اكتشف الفلكيون في داخل هذا الحائط العظيم العديد من المناطق المظلمه الشاسعه الابعاد, التي تفصل بين كل من المجرات والتجمعات المجريه بمختلف مستوياتها, وتبدو هذه المناطق المظلمه وكانها مناطق جذب فائقه الشده, مرتبه ترتيبا دقيقا وباشكال هندسيه محدده, وتتوزع المجرات حولها, وكانها خلايا عظيمه البناء متصله بشكل هندسي بديع حول المناطق المظلمه التي يبدو انها مشدوده الي مراكز تلك المناطق بقوي فائقه للغايه الي ماقد اشير اليه انفا باسم الماده الداكنه التي يراها البعض اربطه كونيه فائقه
علي هيئه جسيمات فائقه الكتله لم يمكن اكتشافها بعد, او علي هيئه قوه كهرومغناطيسيه ذات موجات غير معروفه توثر في الماده التي تنتشر حولها وقد تكون ناتجه عن الحركه الدورانيه الشديده في كل اجرام السماء.
وهذه الكتل المظلمه او الفقاعات الدخانيه الضخمه التي لاتحوي ايه اجرام منظوره, قد تضم بجوار الماده الداكنه والاجرام غير المنظوره اعدادا هائله من الجسيمات الماديه والاشعاعات الكونيه, وربما بعض الغازات المتاينه المعروفه باسم البلازما ويبدو انها من اسرار بناء السما, ومن ضرورات قيامها واتزانها, ومن لوازم انتشار كل من الماده والطاقه في مختلف ارجائها, وان لها دورا مهما في بناء التجمعات المجريه العظمي يفوق دور تجاذب المجرات فيما بينها ويعتقد بان هذه الفقاعات الدخانيه قد تكونت عقب عمليه الانفجارالعظيم بعد فتره من الزمن كافيه لتجمع اللبنات الاوليه للماده الناشئه عن ذلك الانفجار علي هيئه ذرات, ويعتقد كذلك بان المجرات قد تكونت بتكدس عدد من تلك الفقاعات الدخانيه علي ذاتها بفعل الجاذبيه, كما يعتقد بان تفكك المجرات في مراحلها النهائيه قد يودي الي تكون مثل هذه الفقاعات الدخانيه, ويمكن بذلك ان يفسر نشاه اشباه النجوم
التي تنتشر اليوم علي اطراف الجزء المدرك من الكون.
ففي يناير سنه1988 م تم اكتشاف شبيه نجم علي مسافه تقدر بنحو(16850) سنه ضوئيه منا, وفي اغسطس من نفس السنه تم اكتشاف مجره راديويه تبعد عنا خمسه عشر بليونا من السنين الضوئيه, وفي نهايه سنه1989 م تم اكتشاف شبيه نجم يبعد عنا بمسافه(17400) مليون سنه ضوئيه, ويعتبر بعده اقصي حد وصل اليه علماء الفلك في الجزء المدرك من الكون الذي يتسع باستمرار.
ثانيا: اتساع الكون ينفي وجود فراغات فيه
ثبت لنا في مطلع القرن العشرين ان كوننا دائم الاتساع وان هذا الاتساع ناشيء عن تباعد المجرات عنا وعن بعضها البعض, وبهذا التباعد تتخلق الماده و الطاقه من حيث لايدرك العلماء, لان كلا من المكان والزمان والماده والطاقه قد تم خلقه بعمليه الانفجار العظيم, ويتجدد خلقه بتمدد الكون واتساعه, فلايوجد مكان بغير زمان, ولازمان بغير مكان, ولايوجد مكان وزمان بغير ماده وطاقه.
ويودي تباعد المجرات الي اتساع افق الكون بالنسبه لموقعنا منه, ونحن لانستطيع ان نري من هذا الموقع ماوراء الافق, ومن المفروض انه باتساع الكون وتباعد الافق الكوني عنا في كل لحظه انه يمكن لنا ان نري اجراما سماويه جديده علي حافه ذلك الافق باستمرار, وان تختفي عن رويتنا اجرام قديمه وتخرج عن مجال رويتنا ولكن اجهزتنا الفلكيه الحاليه لاتتيح لنا التحقق من ذلك علي الرغم من تطورها المذهل, وذلك لان افق الكون يبتعد عنا بتمدده بسرعات تقترب احيانا من سرعه الضوء(نحو92% من سرعه الضوء), وعلي الرغم من ذلك فانه انطلاقا من وحده البناء في الجزء المدرك لنا من السماء فاننا نعتقد بان القوانين الحاكمه للكون واحده وساريه في كل اجزائه علي الرغم من ان النقطه التي بدات منها عمليه الانفجار العظيم لم يتم تحديد موقعها بعد, وهي بالتاكيد ابعد بكثير من الحافه المدركه للجزء المرئي من السماء, الذي يقدر قطره بنحو19 23 بليون سنه ضوئيه.
ثالثا: الماده المضاده في الكون تنفي وجود فراغات فيه
في سنه1924 م اثبت العالم الفرنسي دي بروجلي
ان الالكترون يتصرف احيانا في ظروف معينه علي انه موجه اشعاعيه غير ماديه
وما ينطبق علي الالكترون ينطبق علي اي لبنه اخري من اللبنات الاوليه للماده.
وفي سنه1925 م وضع كل من هايسنبرج
الالماني وشرودنجر
النمساوي منفردين القواعد الاساسيه لميكانيكا الكم
وللميكانيكا الموجيه
وكلاهما يبحث في الاسباب التي تودي بالكم الضوئي او الفوتون لان يتصرف احيانا علي هيئه جسيم مادي واحيانا اخري علي هيئه موجه اشعاعيه.
وفي نفس السنه1925 م اعلن باولي
مبدا الاستبعاد الذي يوكد ان زوجين من الالكترونات داخل الذره الواحده لايمكن ان يكون لهما نفس العدد الكمي, وبالتالي لايمكن ان يكون لهما نفس المدار حول النواه, ونفس السرعه, وينطبق هذا القانون فقط علي الجسيمات الاساسيه التي تدخل في تركيب الذره.
وفي سنه1931 م اعلن ديراك
النظريه المتناسبه للالكترون التي اشار فيها الي وجود الكترون بشحنه وطاقه مختلفتين تم اكتشافه بعد ذلك بسنه واحده(1932 م) في الاشعه الكونيه بواسطه كارل اندرسون
وسمي باسم البوزيترون
وتسلسل بعد ذلك اكتشاف نقائض لباقي الجسيمات الاوليه للماده من مثل نقيض البروتون
واعتبرت نقائض الماده
في مواجهه الماده
حقيقه من حقائق كوننا المدرك, حيث ثبت ان لكل جسيم مادي نقيضه اي جسيما يماثله تماما في الكتله والحجم والسرعه ولكن له شحنه مضاده ويدور بطريقه معاكسه, وثبت انه اذا التقي الضدان فانهما يفنيان فناء تاما.
وقد تساءل العلماء عن كيفيه بقاء عالمنا المادي مع وجود كل من الماده واضدادها وكلاهما يفني بلقاء الاخر وقد فسر ذلك بان كلا من الماده والماده المضاده قد تجمع علي ذاته لتكوين تجمعات سماويه خاصه به بمعني وجود عوالم من الماده المضاده مغايره لعالمنا المادي لانراها ولا نعلم عنها شيئا, وهذا وحده غيركاف لاثبات وجود فراغات في السماء.
رابعا: مراحل خلق الكون المدرك
تنفي وجود ايه فراغات في السماء
توكد الدراسات الفيزيائيه والفلكيه انه نتيجه لواقعه الانفجار العظيم( او فتق الرتق) تم خلق كل من المكان والزمان والماده والطاقه في فتره تقدر بحوالي1510 ثانيه( اي الف مليون مليون ثانيه اي حوالي الثلاثين مليون سنه تقريبا بعد الانفجار العظيم) مر فيها الكون بمراحل يتصورها علماء الفيزياء الفلكيه علي النحو التالي:
(1) عصر الكواركات والجليونات
وتقدر له الومضه من10 43 ثانيه الي10 32 ثانيه وتتميز بحالات كثيفه للماده واضدادها وان كانت نسبه الكواركات تفوق اضدادها كما تميزت بالتضخم والتوسع الانفجاريين وبانفصال كل من قوه الجاذبيه والقوه النوويه الشديده كقوتين متميزتين.
(2) عصر اللبتونات
ويقدر له الومضه من10 32 ثانيه الي10 6 ثانيه بعد الانفجار العظيم وفيها تمايزت اللبتونات من الكواركات وظهرت البوزونات
bosons
وكانت فيه كل من القوه النوويه الضعيفه والقوه الكهرومغناطيسيه متحدتين علي هيئه القوه الكهربيه الضعيفه.
3 عصر النيوكليونات واضدادها
تقدر له الفتره بين10 ثانيه الي225 ثانيه بعد الانفجار العظيم وفيها اتحدت الكواركات لتكوين النيوكيلونات واضدادها.
وانفصلت القوي الاربع المعروفه( الجاذبيه, النوويه الشديده, النوويه الضعيفه والكهرومغناطيسيه).
4 عصر تخليق نووي الذرات
وتقدر له الفتره من225 ثانيه الي الف ثانيه بعد الانفجار العظيم وفيها تخلقت نوي ذرات الايدروجين(74%) والهيليوم(25%) وبعض النوي الاثقل قليلا(1%) وفيه سادت الماده.
5 عصر الايونات
وتقدر له الفتره من310 ثانيه الي1310 ثانيه بعد الانفجار العظيم وفيه تكونت غازات من ايونات كل من الايدروجين والهيليوم واخذ الكون في الاتساع والتبرد التدريجي.
6 عصر تخلق الذرات
وتقدر له الفتره من1310 ثانيه الي1510 ثانيه وفيه تخلقت الذرات المتعادله وارتبطت بالجاذبيه واصبح الكون شفافا لمعظم موجات الضوء.
7 عصر تخلق النجوم والمجرات
تقدر له الفتره من15/10 ثانيه الي اليوم والي ان يشاء الله, ويتميز ببدء عمليه الاندماج النووي لتكوين نوي ذرات اثقل من الايدروجين.
وهذه المراحل المتتاليه توكد ان الماده والطاقه ملاتا المكان والزمان منذ اللحظه الاولي للانفجار العظيم وظلا يملانه مع استمرار تمدد الكون وان كان ذلك يتم بتباين واضح في تركيز وجودهما من نقطه الي اخري في الجزء المدرك من الكون.
خامسا: الماده بين الكواكب و النجوم والمجرات:
تنفي وجود فراغات في الجزء المدرك من الكون
الي عهد قريب كان علماء الفلك يعتقدون ان اجرام السماء تسبح في فراغ تام ولكن البحوث المتاخره اثبتت ان المسافات بين كل من النجوم وتجمعاتها المختلفه( المجرات وتجمعاتها الي نهايه الجزء المدرك من الكون) تنتشر فيها الاشعه الكونيه وما تحمله من جسيمات اوليه والدخان الكوني ومايحمله من هباءات الرماد بالاضافه الي مايعرف باسم الماده الداكنه
والتي اقترح وجودها الفلكي السويسري فريتز زفيكي
في سنه1933 م حين اكتشف ان الكتله الكليه المحسوبه في كوكبه العذراء تفوق بكثير مجموع كتل المجرات المكونه لها وفي سنه1992 م اعلن علماء الفلك والفيزياء الفلكيه الاحتمال الكبير لوجود تلك الماده الداكنه والتي لا تري والتي يقترحون انها تتركب من جسيمات ذريه جديده لم تكتشف بعد وتسمي الويمبات
او الجسيمات الثقيله التي تمثل نوعا من الخيوط الكونيه التي تربط اجرام السماء وتحمل الاوامر الكونيه كما تحملها لبنات الشفره الوراثيه في اجساد الكائنات الحيه وربما تفسر الماده الداكنه الكتله المفقوده في الكون
كالتي ادركها زفيكي في الثلث الاول من القرن العشرين وكذلك يمكن ان تفسر طبيعه مناطق الجاذبيه العملاقه التي تربط التجمعات المجريه العظمي مع بعضها البعض.
هذه الادله مجتمعه تنفي وجود فراغات في الكون المدرك وسبحان الذي انزل من قبل الف واربعمائه سنه تاكيد هذه الحقيقه الكونيه فقال( عز من قائل):
افلم ينظروا الي السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج؟
-
20
وفي السماء رزقكم وما توعدون
يستهل ربنا( تبارك وتعالي) سوره الذاريات بقسم عظيم باربع من ايات الله في الكون والله تعالي غني عن القسم لعباده بان وعده لصادق, وان الدين الاسلامي الذي انزله علي فتره من الرسل, والذي اتمه واكمله في بعثه خاتم انبيائه ورسله صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم اجمعين لحق واقع....!!!
ثم يكرر ربنا( سبحانه وتعالي) القسم بالسماء ذات الحبك علي ان الناس مختلفون في امر يوم الدين بين مكذب ومصدق, وتستعرض الايات حال كل من المجموعتين في هذا اليوم العصيب, ثم تعود الي الاستدلال بايات الله في كل من الارض والانفس والافاق ومنها قول الحق( تبارك وتعالي):
وفي السماء رزقكم وما توعدون
ثم ياتي القسم الحاسم الجازم برب السماء والارض ان هذا كله حق, كما ينطق المنكرون في هذه الحياه الدنيا, وهم يدركون حقيقه ما ينطقون, فلا يجوز لهم ان يشكوا فيه او ان ينكروه كما لا يشكون في نطقهم الذي ينطقون...!!
وبعد ذلك تتحرك بنا السوره الي عرض شيء من الوقائع التاريخيه من قبيل ضرب المثل, واستخلاص العبر, والدعوه الي اخلاص العباده لله وحده( بغير شريك ولا شبيه ولامنازع), وذلك من مثل قصص سيدنا ابراهيم( عليه السلام) مع ضيفه وقومه, وسيدنا لوط( عليه السلام) وما حاق بقومه من عذاب, وسيدنا موسي( عليه السلام) وفرعونه الذي اغرقه الله( تعالي) وجنده في اليم, وقوم عاد وطمرهم بالرمال السافيه, وقوم ثمود الذن دمروا بالصاعقه, وقوم نوح( عليه السلام) الذين اغرقوا بالطوفان لفسقهم...!!
وتعاود السوره الكريمه القسم بالسماء وتوسيع الله المستمر لها, وبالارض وفرشها وتمهيدها, وخلق كل شيء من زوجين تاكيدا لوحدانيه الله( تعالي) المطلقه فوق جميع خلقه..!!!
ثم تعرج بنا السوره الي حقيقه ان كل رسول جاء بالحق من رب العالمين قد اتهمه الكفار من قومه بالسحر او بالجنون ظلما وطغيانا من عند انفسهم, وفي ذلك مواساه من رب العباد الذي يطالب خاتم انبيائه ورسله بالاستمرار في التذكير بالله, والدعوه الي دينه الحق علي الرغم من كل ذلك, لعل الذكري تنفع المومنين.
والهدف من هذا الاستعراض المكثف لايات الله في الكون, والاستعراض الخاطف لقصص عدد من الامم البائده هو وصل العباد بخالقهم, وربط قلوبهم بعوالم الغيب, كما يصفها خالق الكون ومبدع الوجود لا كما تتصورها اوهام الغافلين الضالين من الكفار والمشركين.
والذي يرتبط قلبه بخالقه, ويومن بالغيب, كما انزله في محكم كتابه, وسنه نبيه, تخطي الدنيا الي الاخره, دون ان يهمل واجباته في الحياه, ودون ان تشغله التكاليف الماديه لهذه الحياه عن اخلاص العباده لله, وفي مقدمه تلك التكاليف الجري علي المعايش لكسب الرزق الحلال, والذي قد يتخيل البعض انه يمكن ان يشغل الانسان عن رسالته الحقيقيه في هذه الحياه والتي تتلخص في:
عباده الله( تعالي) بما امر, وحسن القيام بواجب الاستخلاف في الارض, وهما وجهان لعمله واحده تمثل رساله كل من الجن والانس في هذه الحياه, والتي لخصها ربنا( تبارك وتعالي) في السوره نفسها بقوله( عز من قائل): وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون* ما اريد منهم من رزق وما اريد ان يطعمون* ان الله هو الرزاق ذو القوه المتين*.
(الذاريات:56 58).
هذا وقد تباينت اراء المفسرين في قول الحق( تبارك وتعالي)
وفي السماء رزقكم وما توعدون*.
بين قائل بالمطر, وقائل بالقرار الالهي في تقسيم الرزق وتوزيعه بين العباد, وقائل بالثواب والعقاب او بالجنه والنار, او بها جميعا ولكن الدراسات الكونيه الحديثه قد اضافت بعدا جديدا, فاكدت ان جميع ما يحتاجه الانسان والحيوان والنبات من الماء, ومن مختلف صور الماده والطاقه انما ينزل الي الارض من السماء بتقدير من الرزاق الحكيم العليم الذي ينزله بقدر معلوم لقوله( عز من قائل):
ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الارض ولكن: ينزل بقدر ما يشاء انه بعباده خبير بصير*( الشوري:27)
ولقوله( سبحانه)!
وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم*.( الحجر:21)
رزق السماء في اللغه العربيه
(الرزق) في اللغه العربيه هو ما ينتفع به من النعم, والجمع( ارزاق), و(الرزق) ايضا هو العطاء الجاري دنيويا كان ام اخرويا, وهو كذلك النصيب المقسوم للانسان فيصل الي يده سواء كان مما يصل الي الجوف ويتغذي به,او يكتسي ويتزين به, او يتجمل به من مثل الخلق الحسن والعلم النافع يقال:( رزقه) الله( يرزقه)( رزقا) بكسر الراء,( والمصدر الحقيقي فتح الراء), والاسم يوضع موضع المصدر, و(ارتزق) بمعني اخذ( رزقه), و(الرزقه) ما يعطي دفعه واحده, وقد تاتي لفظه( الرزق) بمعني( شكر الرزق) من مثل قوله( تعالي):
وتجعلون رزقكم انكم تكذبون( الواقعه:82) اي تجعلون نصيبكم من النعمه او شكركم عليها انكم تكذبون رسالات ربكم.
ويقال رجل( مرزوق) اي مجدود( محظوظ), وقد يعتبر كل من المال والولد والجاه والعلم من( الرزق), كما قد يسمي المطر( رزقا), ويمكن ان يحمل( الرزق) علي العموم فيما يوكل ويلبس ويستعمل, وكل ما يخرج من الارض او ينزل من السماء, و(الرازق) هو الله تعالي خالق( الرزق) ومعطيه, ومسببه, وموزعه بالقسط, وان كانت هذه الصفه يمكن ان تستخدم للبشر, اما( الرزاق) فهو اسم من اسماء الله الحسني وصفه من صفاته العليا لا يوصف بها غيره( سبحانه وتعالي).
وعن( السماء) فهي اسم مشتق من( السمو) بمعني الارتفاع والعلو, تقول:( سما),( يسمو)( سموا) فهو( سام) بمعني علا, يعلو علوا, فهو عال, اي مرتفع, وذلك لان السين والميم والواو اصل يدل علي الارتفاع والعلو, يقال:( سموت) و(سميت) بمعني علوت وعليت للتنويه بالرفعه والعلو, وعلي ذلك فان سماء كل شيء اعلاه, ولذلك قيل لسقف البيت سماء لارتفاعه, وقيل للسحاب سماء لعلوه, واستعير اللفظ للمطر بسبب نزوله من السماء, وللعشب لارتباط منبته بنزول ماء السماء, ومن هنا قيل:( كل ما علاك فاظلك فهو سماء).
ولفظه( السماء) في العربيه تذكر وتونث( وان كان تذكيرها يعتبر شاذا), وجمعها( سماوات), وهناك صيغ اخري لجمعها ولكنها غريبه.
رزق السماء في القران الكريم
ورد الفعل( رزق) بمشتقاته في كتاب الله مائه وثلاثا وعشرين(123) مره, تنسب الرزق الي الله تعالي, وان كان بعضها يشير الي امكانيه ان يرزق الانسان غيره من البشر او يتصدق علي الحيوان, ومنها ما يشير الي الرزق بمعني ما يطعم وما يشرب, او بمعني المال, او العلم, او الجاه والسلطان, او الاولاد والبنات والزوجات الصالحات. او ما تنتجه الارض من ثمار, او ما يرزق الله من بهيمه الانعام, او من المطراو من غير ذلك من الثروات الارضيه منها والسماويه, او من الارزاق الاخرويه من مثل رزق الشهداء عند ربهم, ورزق اهل الجنه في الجنه, وفي ذلك يقول ربنا( تبارك وتعالي):
ويعيدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والارض شيئا ولا يستطيعون*
( النحل:73)
اي ويعبدون من دون الله من هم ليسوا بسبب في رزق بوجه من الوجوه لا من السماء ولا من الارض لانهم لا يستطيعون ذلك ابدا.
وفي عطاء كل من الشهداء وغيرهم من اهل الجنه يقول الحق( تبارك وتعالي):
ولا تحسين الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون*
(ال عمران:169)
اي يفيض الله( تعالي) عليهم من نعمه الاخرويه, وذلك من مثل قوله( تعالي):
.... ولهم رزقهم فيها بكره وعشيا*( مريم:62) وتوكد الايات القرانيه العديده ان( الرازق) هو الله( تعالي) لانه خالق الرزق, ومسببه, ومعطيه, وموزعه بعلمه وحكمته, وقد يستخدم الوصف مجازا للانسان الذي يكون سببا في وصول الرزق الي يد غيره, اما( الرزاق) فهو من اسماء الله الحسني, ووصف لا يليق الا بجلال الله( تعالي), ولا يجوز ان يقال لغيره( سبحانه وتعالي), وفي ذلك يقول الحق( تبارك وتعالي): ان الله هو الرزاق ذو القوه المتين*
(الذاريات:58)
ويقول( عز من قائل):
.... ولله خزائن السماوات والارض...*( المنافقون:7)
ويقول( سبحانه):
قل من يرزقكم من السماء والارض....*
(يونس:31)
ويعتب ربنا( تبارك وتعالي) علي الذين ينعمون في رزقه ويكفرونه او يشركون به غيره فيقول( عز من قائل):
ام عندهم خزائن ربك ام هم المصيطرون*( الطور:37)
اما عن لفظه( السماء) فقد وردت في القران الكريم في ثلاثمائه وعشره مواضع, منها مائه وعشرون بالافراد( السماء), ومائه وتسعون بالجمع( السماوات).
والسماء ترد في القران الكريم بمعني الغلاف الغازي للارض بسحبه ورياحه وكسفه, كما ترد بمعني السماء الدنيا التي قد زينها ربنا( تبارك وتعالي) بزينه الكواكب والنجوم والبروج, كما ترد بمعني السماوات السبع.
كذلك جاءت الاشاره القرانيه الي السماوات والارض وما بينهما في عشرين موضعا من كتاب الله, ويبدو ان المقصود بذلك هو ايضا الغلاف الغازي للارض بصفه عامه, والجزء الاسفل منه بصفه خاصه وذلك لقول الحق( تبارك وتعالي):
... والسحاب المسخر بين السماء والارض.....*
(البقره:164)
والسحاب يتحرك في نطاق المناخ الذي يحوي اغلب ماده الغلاف الغازي(75% بالكتله), والقران الكريم يشير في اكثر من موقع الي انزال الماء من السماء, وواضح الامر ان المقصود بالسماء هنا هو السحاب او النطاق المحتوي علي السحاب, والمعروف علميا بنطاق التغيرات الجويه, والذي يقول فيه ربنا( تبارك وتعالي):
(1) الذي جعل لكم الارض فراشا والسماء بناء وانزل من السماء ماء فاخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله اندادا وانتم تعلمون*( البقره:22)
(2)...... وما انزل الله من السماء من ماء فاحيا به الارض بعد موتها, وبث فيها من كل دابه وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض لايات لقوم يعقلون*( البقره:164)
(3) وهو الذي انزل من السماء ماء فاخرجنا به نبات كل شيء..*( الانعام:99)
(4)... وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به....*( الانفال:11)
(5) انما مثل الحياه الدنيا كماء انزلناه من السماء...*( يونس:24)
(6) وقيل يا ارض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي...*( هود:44)
(7)... يرسل السماء عليكم مدرارا...*
( هود:52)
والايات القرانيه بهذا المعني اكثر من ان تحصي في هذا المقام, وكذلك الايات التي تشير الي السماء الدنيا وزينتها, وتلك التي تلمح الي السماوات العلا.
اراء المفسرين
في تفسير قول الحق( تبارك وتعالي):
وفي السماء رزقكم وما توعدون*
ذكر ابن كثير( يرحمه الله) ما نصه: وفي السماء رزقكم, يعني المطر,( وما توعدون) يعني الجنه, قاله ابن عباس ومجاهد وغير واحد.
وذكر صاحبا الجلالين( يرحمهما الله):( وفي السماء رزقكم) اي المطر المسبب عنه النبات الذي هو رزق,( وما توعدون) من الماء والثواب والعقاب اي: مكتوب ذلك في السماء).
وذكر صاحب الظلال( يرحمه الله) ما نصه:.. وهي لفته عجيبه, فمع ان اسباب الرزق الظاهره قائمه في الارض, حيث يكد فيها الانسان ويجهد, وينتظر من ورائها الرزق والنصيب, فان القران يرد بصر الانسان ونفسه الي السماء, الي الغيب, الي الله, ليتطلع هناك الي الرزق المقسوم والحظ المرسوم, اما الارض وما فيها من اسباب الرزق الظاهره, فهي ايات للموقنين, ايات ترد القلب الي الله ليتطلع الي الرزق من فضله, وتتخلص من اثقال الارض واوهام الحرص, والاسباب الظاهره للرزق, فلا يدعها تحول بينه وبين التطلع الي المصدر الاول الذي انشا هذه الاسباب.
والقلب المومن يدرك هذه اللفته علي حقيقتها, ويفهمها علي وضعها, ويعرف ان المقصود بها ليس هو اهمال الارض واسبابها, فهو مكلف بالخلافه فيها وتعميرها, انما المقصود هو الا يعلق نفسه بها, والا يغفل عن الله في عمارتها, ليعمل في الارض وهو يتطلع الي السماء, ولياخذ بالاسباب, وهو يستيقن انها ليست هي التي ترزقه, فرزقه مقدر في السماء, وما وعده الله لابد ان يكون.
بذلك ينطلق قلبه من اسار الاسباب الظاهره في الارض, بل يرف باجنحه من هذه الاسباب الي ملكوت السماوات, حين يري في الاسباب ايات تدله علي خالق الاسباب, ويعيش موصولا قلبه بالسماء, وقدماه ثابتتان علي الارض, فهكذا يريد الله لهذا الانسان, هكذا يريد الله لذلك المخلوق الذي جبله من الطين, ونفخ فيه من روحه فاذا هو مفضل علي كثير من العالمين.
والايمان هو الوسيله لتحقيق ذلك الوضع الذي يكون فيه الانسان في افضل حالاته, لانه يكون حينئذ في الحاله التي انشاه الله لها: فطره الله التي فطر الناس عليها, قبل ان يتناولها الفساد والانحراف.
وبعد هذه اللمسات الثلاث في الارض والنفس والسماء, يقسم الله سبحانه بذاته العليه علي صدق هذا الحديث كله:( فورب السماء والارض انه لحق مثل ما انكم تنطقون.
وذكر مخلوف( يرحمه الله):( وفي السماء رزقكم) اي سبب رزقكم وهو المطر, والسماء: السحاب,( وما توعدون) اي وفي السماء مكتوب ما توعدون به من الثواب والعقاب, والبعث والخير والشر.
وذكر الصابوني( امد الله في عمره): اي وفي السماء اسباب رزقكم ومعاشكم, وهو المطر الذي به حياه البلاد والعباد, وما توعدون به من الثواب والعقاب مكتوب كذلك في السماء; قال الصاوي: والايه قصد بها الامتنان والوعد والوعيد.
وذكر اصحاب المنتخب في تفسير القران الكريم( اثابهم الله):
وفي السماء امر رزقكم وتقدير ما توعدون.
رزق السماء في العلوم الكونيه
من منظور العلوم الكونيه يمكن فهم دلالات التعبير القراني وفي السماء رزقكم وما توعدون.
في الاطر التاليه:
اولا: في اطار فهم السماء بنطاق التغيرات الجويه:
فان رزق السماء يفهم علي انه المطر الذي نرتوي به ونروي زروعنا منه, وهو غاز الاوكسجين الذي نتنفسه نحن وجميع الحيوانات, وثاني اكسيد الكربون الذي تتنفسه النباتات وغير ذلك من الغازات النافعه وهنا ينحصر مفهوم السماء بالنطاق الاسفل من نطق الغلاف الغازي للارض والمعروف باسم نطاق التغيرات الجويه
(Thetroposphere),
ويمتد من سطح البحر الي ارتفاع16 كيلو مترا فوق خط الاستواء, ويتناقص سمكه الي نحو الكيلو مترات العشره فوق قطبي الارض, والي اقل من ذلك(7 8 كيلو مترات) فوق خطوط العرض الوسطي, وعندما يتحرك الهواء من فوق خط الاستواء في اتجاه القطبين فانه يهبط فوق هذا المنحني الوسطي, فتزداد سرعته, ويتحرك في اتجاه الشرق بسرعه فائقه تعرف باسم التيار النفاث
(TheJetstream)
وذلك بتاثير دوران الارض حول محورها من الغرب الي الشرق.
وتنخفض درجه الحراره في هذا النطاق مع الارتفاع باستمرار حتي تصل الي ستين درجه مئويه تحت الصفر في قمته, وذلك نظرا للابتعاد عن سطح الارض الذي يمتص47% من اشعه الشمس فترتفع درجه حرارته ويعيد اشعاع تلك الحراره علي هيئه اشعه تحت حمراء الي الغلاف الغازي للارض بمجرد غياب الشمس, ومن هنا تنخفض درجه حراره نطاق الطقس مع الارتفاع للبعد عن مصدر الدفء بالنسبه له الا وهو سطح الارض.
ولولا هذا الانخفاض في درجات حراره نطاق الطقس لفقدت الارض مياهها بمجرد اندفاع ابخره تلك المياه من فوهات البراكين في مرحله دحو الارض, ولاستحالت الحياه علي سطحها..!!
ويغطي الماء اكثر قليلا من71% من المساحه الكليه للكره الارضيه, وتقدر كميته بنحو1,36 مليار كيلو متر مكعب( منها97,2% في المحيطات والبحار,2,15% علي هيئه جليد فوق القطبين وحولهما وفوق قمم الجبال,0,65% في المجاري المائيه المختلفه من الانهار, والجداول وغيرها, وفي كل من البحيرات العذبه وخزانات المياه تحت سطح الارض).
وهذا الماء اخرجه ربنا( تبارك وتعالي) اصلا من داخل الارض ولايزال يخرجه لنا عبر فوهات البراكين, علي هيئه بخار الماء الذي تكثف ولايزال يتكثف في الاجزاء العليا من نطاق التغيرات الجويه, والتي تتميز ببرودتها الشديده, فعاد الي الارض, ولا يزال يعاود دورته بين الارض والسماء ليجري انهارا متدفقه, تفيض الي منخفضات الارض فتشكلها بحارا ومحيطات, وبحيرات ومستنقعات, وظلت دوره المياه بين الارض والسماء ايه من ايات الله في ابداع الخلق حفظت ماء الارض من التعفن, ومن الضياع الي طبقات الجو العليا, وعملت علي تفتيت الصخور, وتسويه سطح الارض وتمهيده, وتكوين مختلف انواع التربه, وتركيز العديد من المعادن والصخور الاقتصاديه, وخزن المياه تحت السطحيه, وكانت من اسس ازدهار الحياه علي الارض باذن الله.
فماء الارض يتبخر منه سنويا380,000 كيلو متر مكعب, ينتج اغلبها(320,000 كيلو متر مكعب) من بخر اسطح البحار والمحيطات, والباقي(60,000 كيلو متر مكعب) من سطح اليابسه, وهذا البخار تدفعه الرياح الي الطبقه الدنيا من الغلاف الغازي للارض حيث يتكثف في السحب ويعود الي الارض مطرا طهورا, او ثلجا, او بردا, وبدرجه اقل علي هيئه ندي او ضباب في الاجزاء القريبه من سطح الارض.
وتجري مياه الامطار علي الارض في مختلف مجاري المياه لتصب في البحار والمحيطات, كما يترشح جزء منها خلال طبقات الارض المنفذه ليكون المياه تحت السطحيه ذات الحركات الدائبه حيث تشارك في تغذيه بعض الانهار والبحيرات والمستنقعات, وقد تخرج علي سطح الارض علي هيئه ينابيع, او ينتهي بها المطاف الي البحار والمحيطات.
وماء المطر يسقط علي البحار والمحيطات بمعدل سنوي يقدر بنحو284,000 كيلو متر مكعب وعلي اليابسه بمعدل سنوي يقدر بنحو96,000 كيلو متر مكعب, والرقم الاخير يزيد بمعدل36,000 كيلو متر مكعب عن معدل البخر من اليابسه, وهو الفرق نفسه بين معدل البخر من اسطح البحار والمحيطات, ومعدل سقوط الامطار عليها, وتتم دوره المياه حول الارض بصوره معجزه في كمالها ودقتها, لانه لولاها لفسد كل ماء الارض او تعرض للضياع وترك كوكبنا الارضي قاحلا, اجرد بلا حياه, تحرقه حراره الشمس بالنهار, وتجمده بروده الليل كلما غابت الشمس.
والماء ضروره من ضرورات الحياه الارضيه, فبدونه لا يمكن لانسان, ولا لحيوان, ولا لنبات ان يعيش, فجنين الانسان يحتوي علي97% من وزنه ماء, وتقل هذه النسبه الي91% في جسد الطفل الوليد, ثم الي66% في جسد الفرد البالغ, وتختلف نسبه الماء في كل عضو من اعضاء جسد الانسان باختلاف وظيفته, فهي في الرئتين90%, وفي الدم82%, وفي خلايا الدماغ70%; والانسان يمكنه العيش اسابيع عديده بدون طعام, ولكنه لا يستطيع العيش بدون ماء الا لفتره محدوده جدا لا تتجاوز بضعه ايام.....!!
وذلك لان الماء يعين الانسان علي القيام بجميع العمليات الحياتيه في جسمه من مثل عمليات الهضم, والتخلص من الفضلات والتنفس وتجديد الدم,ويعين الحيوان في كل ذلك, كما يعين النبات علي الاستفاده بمركبات الارض بامتصاصها من التربه والقيام بعمليه التمثيل الضوئي, والنتح والتنفس.
والماء هو المركب الوحيد المعروف لنا في الجزء المدرك من الكون, والذي يوجد في حالاته الثلاث: الصلبه, والسائله والغازيه, وللماء قدره فائقه علي اذابه العديد من العناصر والمركبات مما جعل منه لازمه من لوازم الحياه, كما له العديد من الخصائص الفزيائيه والكيميائيه المميزه من مثل قطبيته( الناتجه من ان ذره الاوكسجين فيه تحمل شحنه سالبه بينما تحمل ذرتا الايدروجين شحنه موجبه) وقدرته الفائقه علي الالتحام والتماسك والتلاصق تجعله اشد السوائل تلاصقا, واشدها قدره علي التوتر السطحي بعد الزئبق, وتبدو قدره الماء الفائقه علي التوتر السطحي في ميله الي التكور علي هيئه قطرات بدلا من الانتشار افقيا علي السطح الذي يسكب عليه, كما تبدو في قدره الماء الفائقه علي تسلق جدران الوعاء الذي يوضع فيه خاصه اذا كان قطر الوعاء صغيرا, وتعرف هذه الخاصيه باسم الخاصيه الشعريه, وبواسطتها تتحرك السوائل من مثل العصارات الغذائيه وما بها من عناصر ومركبات مذابه في الماء من جذور النباتات الي فروعه واوراقه وزهوره وثماره, والي قمته الناميه, كما تتحرك الدماء والعصارات الغذائيه المختلفه والفضلات في كل من الجهاز الهضمي والاوعيه الدمويه الدقيقه في اجساد كل من الانسان والحيوان.
وخواص الماء الحراريه خواص متميزه, فالحراره النوعيه للماء تقدر بعشره اضعاف الحراره النوعيه للحديد, وبخمسه اضعاف الحراره النوعيه لرمال الشواطئ, وكذلك فان معامل الحراره الكامنه لكل من تبخر الماء السائل وانصهار الجليد الصلب مرتفعين ارتفاعا ملحوظا مما يعطي للماء مجالا واسعا في جميع العمليات الحياتيه.
وللماء منحني كثافه فريد لا يشاركه فيه اي من السوائل الاخري فعندما تصل درجه حراره الماء الي اربع درجات مئويه يصل الي اقل حجم له واعلي كثافه, ولكن اذا انخفضت درجه الحراره دون ذلك فان حجم الماء يتمدد وتقل كثافته, وهذا يفسر طفو الجليد علي سطح الماء في البحار والمحيطات, وعدم تجمد الماء اسفل منه مما يتيح فرصه عدم التجمد للكائنات البحريه العديده التي تعيش في اعماق البحار, فالماء هذا السائل العجيب هو من اعظم صور رزق السماء لان بدونه لا يمكن للحياه الارضيه ان تكون...!!
وكذلك الهواء بما فيه من اوكسجين وثاني اكسيد الكربون وبخار الماء, وغير ذلك من الغازات المهمه وهباءات الغبار وكلها من ضرورات جعل الحياه علي الارض ممكنه وممتعه.
ثانيا: في اطار تفسير السماء بالسماء الدنيا:
فان رزق السماء هو كل صور الماده والطاقه المتولده في داخل النجوم, من مثل شمسنا والتي تصل الي الارض بصور متعدده:
فمن الثابت علميا ان النجوم قد تكونت ابتداء من الدخان الكوني الذي نشا عن انفجار الجرم الابتدائي للكون, مما يوكد علي وحده البناء في الكون, وانها لا تزال تتكون امام انظار الفلكيين اليوم من دخان السدم, وفي داخل تلك الغيوم الكونيه عبر مراحل من النجوم الابتدائيه
(Prosrars)
وذلك بواسطه عدد من الدوامات العاتيه التي تعرف باسم دوامات تركيز الماده, والتي تقوم بتكديس الماده وتكثيفها حتي تتجمع الظروف اللازمه لبدء عمليه الاندماج النووي, وانطلاق الطاقه, وانبثاق الضوء فيتحول النجم الابتدائي الي نجم عادي كشمسنا يعرف باسم( نجم التسلسل الرئيسي) واغلب النجوم التي تتراءي لنا في صفحه السماء هي من هذا النوع لان النجم يقضي90% من عمره في هذه المرحله التي يعتبر فيها النجم فرنا كونيا تتخلق فيه العناصر من نوي ذرات الايدروجين بعمليه الاندماج النووي, وتتميز فتره( نجم النسق الرئيسي) بتعادل قوه الجذب الي مركز النجم مع قوه دفع مكونات النجم الي الخارج لتمدده بالحراره الناتجه عن عمليه الاندماج النووي, وبالعزم الزاوي الناتج عن دوراته حول محوره, ويبقي النجم في هذا الطور حتي ينفد وقوده من غازي الايدروجين والهليوم, ف
يبدا بالدخول في مراحل الشيخوخه بالانكدار ثم الخنوس والطمس حتي تنتهي حياه النجم بالانفجار وعوده مادته الي دخان السماء اما مباشره عن طريق انفجار العماليق الحمر او العماليق العظام او المستعرات العظيمه بمختلف نماذجها, او بطرق غير مباشره عبر مرحله من مراحل وفاه النجوم الفائقه الكتل من مثل النجوم النيوترونيه والنجوم الخانسه الكانسه( او ما يعرف باسم الثقوب السود), والتي يعتقد العلماء بانها تفقد مادتها بالتدريج الي دخان السماء عبر مرحله اشباه النجوم.
وباتحاد نوي ذرات الايدروجين في قلب النجم العادي تتكون نوي ذرات الهليوم, وباتحاد نوي ذرات العنصر الاخير تتكون نوي ذرات البريليوم, وهكذا يتسلسل تخلق العناصر المختلفه في داخل النجوم خاصه النجوم العملاقه او في اثناء انفجارها, ويودي انفجار النجوم الي عوده ما تكون بداخلها من عناصر الي دخان السماء لكي يكون ماده لتخلق نجم جديد او ليصل الي بعض اجرام السماء في صوره من صور رزق السماء.
ومن المشاهد ان عمليه الاندماج النووي في داخل النجوم فائقه الكتله من مثل العماليق والمستعرات العظام تستمر حتي يتحول قلب النجم بالكامل الي حديد, فتستهلك طاقه النجم لان ذره الحديد هي اكثر الذرات تماسكا, وفي انفجار المستعرات العظام تصطدم نيوترونات دخان السماء بنوي الحديد المتطايره من عمليه الانفجار لتبني نوي ذرات اعلي كثافه مثل الفضه, والذهب, واليورانيوم, وغيرها, كما ان اهاب النجم المتفجر من المواد الاقل كثافه ينتقل ايضا الي دخان السماء بانفجار واشتعال شديدين وانبعاث موجات راديويه قويه.
وتتكون الماده فيما بين النجوم من الغازات والغبار( اي الدخان) المكون من جزيئات وذرات وايونات, ومن اللبنات الاساسيه للماده ويغلب علي تركيبه الايدروجين, والهليوم, والاوكسجين, والنيتروجين, والكربون, والنيون والصوديوم والبوتاسيوم وبعض العناصر الاثقل, وتقدر الماده بين نجوم مجرتنا ببضعه بلايين المرات قدر كتله الشمس, وتصل كافه العناصر المتخلقه في الكون الي الارض عن طريق تساقط الشهب والنيازك, ويصل الي الارص يوميا بين الالف والعشره الاف طن من ماده الشهب والنيازك لتجدد اثراء الارض بالعناصر المختلفه التي تمثل صوره من صور رزق السماء الذي يوزع علي الارض بتقدير من العزيز الحكيم, ولم يكن لاحد ادراك بها من قبل.
ومنذ فتره وجيزه اثبت العلماء ان نجما من نجوم السماء قد تحول الي كتله من الالماس تفوق كتله الارض عده مرات, ومن قبيل الفكاهه يذكرون ان هذه الكتله اذا انفجرت ونزلت الي الارض فان تجاره الالماس سوف تكسد بالقطع.
ويقدر ناتج الطاقه الكليه للشمس بنحو3,86*3310 سعر/ ثانيه ويعتبر فيض الطاقه الشمسيه الواصله الي الارض اكبر من الطاقه التي تستقبلها الارض من المع النجوم بعشره مليارات ضعف, واكبر من الطاقه التي تستقبلها الارض من القمر وهو في طور البدر مليون مره.
وطاقه الشمس من رزق السماء, فبدونها تستحيل الحياه علي الارض....!!
ثالثا: في اطار تفسير السماء بالسماوات العلا
فان رزق السماء يتمثل في قرار الرزاق ذي القوه المتين, فقد ثبت ان كوننا قد نتج عن عمليه انفجار عظيم, وانه من طبيعه الانفجار انه يودي الي تناثر الماده وبعثرتها, ولكن انفجارا يودي الي بناء كون بهذه الضخامه في الابعاد, وفي تعدد الاجرام وفي احكام الاحجام, والكتل والمدارات, والحركات والعلاقات المتبادله من مثل التجاذب, وتبادل الماده فيما بينها هو انفجار لابد, وان يكون قد تم بتقدير عظيم, من خالق عظيم له من صفات الكمال والجمال والجلال ما مكنه من ابداع هذا الخلق بعلمه وحكمته وقدرته, وهذا الخالق العظيم لابد, وان يكون مغايرا لكل خلقه فلا يحده المكان, ولا الزمان, ولا تشكله الماده ولا الطاقه, لانه( تعالي) خالق كل ذلك ومبدعه, هذا الخالق العظيم فوق كل خلقه: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير*( الشوري:11)
يدبر امر هذا الكون في كل صغيره وكبيره, ومن ذلك توزيع الارزاق علي العباد, فمن الاسماء الحسني لهذا الخالق العظيم البارئ المصور نجد اسم( الوهاب) اي صاحب الهبات والعطايا الخاليه عن الاعواض والاغراض, كما نجد اسم( الرزاق) اي خالق الارزاق والمرزوقين, وموصل الارزاق اليهم وخالق الاسباب التي تمكنهم من التمتع بها.
وباقي اسمائه الحسني( سبحانه وتعالي) تحمل شيئا من تلك المعاني والصفات الربانيه ومنها:اسم( الفتاح) وهو الذي بيده مفاتيح الغيب والرزق, ومفاتيح كل منغلق ومشكل, واسما( القابض) و(الباسط) ومن معانيهما فيض الرزق حتي لا يبقي طاقه, وبسطه حتي لا يبقي فاقه, كما يقبض القلوب والارواح ويبسطهما كيف يشاء, واسما( المعز)( المذل) الذي يوتي الملك من يشاء, وينزعه ممن يشاء, والملك من الرزق, والملك الحقيقي يكمن في الخلاص من ذل الحاجه, وقهر الشهوه, وعبء الجهل, واسم( المقيت) ومن معانيه خالق الاقوات وواهبها. و(الكريم) ومن معانيه المعطاء زياده علي منتهي الرجاء, و(المجيب) ومن معانيه مقابله مساله السائلين بالاجابه و(الواسع) ومن معانيه ذو السعه المطلقه من العلم والخير والاحسان وبسط النعم, و(الودود) ومن معانيه الانعام علي سبيل الابتداء بمحبه ورافه, و(البر) وهو المحسن المتفضل بكل بر واحسان, و(مالك الملك) اي صاحب المشيئه النافذه, والاراده الغالبه.
وخلاصه ذلك ان قرار توزيع الارزاق علي العباد يصدره ربنا( تبارك وتعالي) في علاه فتنزل به الملائكه الي الارض تصديقا لقول المصطفي( صلي الله عليه وسلم): ان احدكم يجمع خلقه في بطن امه اربعين يوما نطفه, ثم يكون علقه مثل ذلك, ثم يكون مضغه مثل ذلك, ثم يرسل اليه الملك, فينفخ فيه الروح ويومر باربع كلمات: يكتب رزقه, واجله, وعمله, وشقي او سعيد....
وصدق الله العظيم الذي انزل من فوق سبع سماوات ومن قبل اربعه عشر قرنا قوله الحق:
وفي السماء رزقكم وما توعدون*.
-
21
فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا
حرجا كانما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس علي الذين لا يومنون*
جاءت هذه الايه الكريمه في الثلث الاخير من سوره الانعام, وهي سوره مكيه, شانها شان كل السور المكيه التي تركز علي قضيه العقيده, وهي قضيه وجود الانسان في هذه الحياه, وقضيه مصيره بعدها, فعلي اساس من العقيده يحدد كل انسان منا دوره في هذه الحياه, كما يحدد علاقاته فيها مع نفسه, ومع خالقه, ومع الكون, ومع جميع من فيه وما فيه....!!
ومن هنا كانت اهميه العقيده, التي افرد لها القران الكريم مساحه كبيره في كل من المكان والزمان: في كل السور والايات المكيه, وفي عمر الدعوه المحمديه التي قضي فيها المصطفي( صلي الله عليه وسلم) ثلاث عشره سنه يدعو الناس الي عباده الله تعالي وحده بغير شريك ولا شبيه ولا منازع, والي اخلاص العبوديه له, وتنزيهه( تعالي) عن كل وصف لا يليق بجلال ربوبيته والوهيته ووحدانيته, والي الايمان بملائكته, وكتبه ورسله, وبالقدر خيره وشره, وباليوم الاخر وبما فيه من بعث ونشور, وحساب وميزان وصراط, وخلود في حياه قادمه اما في الجنه ابدا او في النار ابدا, وما يستتبعه كل ذلك من الخضوع بالطاعه لله, وعبادته( تعالي) بما امر مع حسن القيام بواجبات الاستخلاف في الارض, واقامه عدل الله فيها, وهذه هي رساله الدين من لدن ابينا ادم( عليه السلام) الي بعثه المصطفي( صلي الله عليه وسلم) والي ان يرث الله( تعالي) الارض ومن عليها.
وركائز الدين اما من الغيب المطلق كقضيه العقيده, او من الاوامر الالهيه المطلقه كقضيه العباده, او من ضوابط السلوك كقضيتي الاخلاق والمعاملات, ولما كان الانسان عاجزا دوما عن ان يضع لنفسه بنفسه ضوابط صحيحه في اي من هذه القضايا كانت ضروره الدين لكي يستقيم وجوده في هذه الحياه, ولكي يتمكن من تحقيق رسالته فيها.
والدين بركائزه الاربع الاساسيه لا يمكن ان يكون صناعه بشريه, بل الانسان محتاج فيه الي الهدايه الربانيه, تلك الهدايه التي انزلها الله( تعالي) باسم الاسلام, علي فتره من الرسل, وبينها للناس بواسطه جيش من الانبياء فاق عدده المائه والعشرين الفا, واتمها في الرساله الخاتمه التي بعث بها الرسول الخاتم والنبي الخاتم( صلي الله عليه وسلم) وهي الرساله السماويه التي تعهد ربنا( تبارك وتعالي) بحفظها, فحفظت بنفس اللغه التي اوحيت بها, ومن هنا كان القرار الالهي الذي انزله ربنا( تبارك وتعالي) من فوق سبع سماوات, ومن قبل اربعه عشر قرنا بقوله( عز من قائل):
ان الدين عند الله الاسلام وما اختلف الذين اوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم, ومن يكفر بايات الله فان الله سريع الحساب*( ال عمران:19)
ومن هنا ايضا كان التاكيد علي هذا القرار الالهي بقول الحق( تبارك وتعالي) وفي نفس السوره:
ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخره من الخاسرين*( ال عمران:85)
ومن هذا المنطلق جاءت الايه الكريمه التي نحن بصددها والتي يقول فيها ربنا( سبحانه وتعالي):
فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كانما يصعد في السماء.....*( الانعام:125)
ويعجب الانسان لهذا التشبيه القراني المعجز الذي يقابل بين ضيق صدر العازفين عن الهدايه الربانيه, كلما ذكروا بها, وضيق صدر الذي يصعد في السماء بغير وسيله واقيه, وهي حقيقه لم يدركها الانسان في ابعادها الصحيحه الا بعد ريادته للفضاء, وقبل الدخول في تفصيل المغزي العلمي لهذا التشبيه القراني لابد من توضيح الدلالات اللغويه والقرانيه لعدد من الالفاظ الوارده في الايه الكريمه وهذا ما سوف نفصله في الاسطر القليله التاليه.
الدلالات اللغويه لبعض الفاظ الايه الكريمه
بالنسبه للفعل( يشرح) في قول الحق( تبارك وتعالي): يشرح صدره فان( الشرح) في اللغه هو الكشف والبسط واظهار الغامض والخافي من المعاني.
يقال:( شرح) المشكل او الغامض من الامر( يشرحه)( شرحا) اي فسره, وبسطه, واظهر ما خفي من معانيه, و(شرح) الله صدره للاسلام( فانشرح) اي انبسط في رضا وارتياح للنور الالهي والسكينه الروحيه لان من معاني( شرح) الصدر توسعته.
اما عن( الصدر الضيق الحرج) فاصل( الحرج) و(الحراج) مجتمع الاشياء من مثل الشجر ونحوه, ومن هنا تصور منه ضيق ما بينها, فقيل للضيق( حرج), وللاثم( حرج) واستخدام فعل( التحريج) بمعني التضييق, ويقال للغيضه الملتفه الاشجار التي يصعب دخولها:( حرجه), وعلي ذلك فان( الحرج) في اللغه هو الضيق بل ضيق الضيق, يقال مكان( حرج) بكسر الراء وفتحها اي ضيق كثير الشجر, و(الحرج) و(الحرج) ايضا الاثم, يقال:( احرجه) بمعني اثمه, و( تحرج) اي تاثم, و(حرج) عليه الشئ اي حرم عليه, و(المنحرج) المتجنب من الحرج والاثم, ويقال:( حرج) صدره( حرجا) فهو( حرج) اي ضاق ضيقا شديدا.
واما عن( التصعد في السماء) فالتصعد والتصاعد والصعود هو الذهاب الي المكان العالي او الارتفاع, وهو ضد الحدور, يقال:( صعد) بالكسر( يصعد)( صعودا) في السلم اي ارتقاه ارتقاء, و(صعد)( يتصعد) في الجبل, و(تصعد)( يتصعد) اي ارتفع عليه وعلاه, و(اصعد) في الارض( صعودا) اي مضي وسار في مناكبها والصعود ايضا العقبه الشاقه الكئود ويستعار لكل شاق واصعد في الوادي و(صعد) فيه( تصعيدا) اي انحدر معه, ولو ان الصعود اصلا ضد الهبوط, وهو و(الصعد) والصعيد واحد, ويقال عذاب( صعد) اي شديد و(الصعيد) هو ايضا ما يصعد اليه, و(الصعداء): تنفس ممدود, ويقال( تصعد) النفس بمعني صعب مخرجه, ويقال:( يصعد) واصلها( يتصعد) اي يتكلف الصعود, فلا يستطيعه, و(تصعد) ايضا تستخدم بمعني شق من المشقه و(الاصعاد)= الابعاد في الارض سواء كان في صعود او حدور( هبوط); و(الصعد) الشاق او المشقه ويقال:( تصعدون) اي تذهبون في الوادي هربا من عدوكم من( الاصعاد) وهو الذهاب في صعيد الارض, والابعاد فيه, يقال:( اصعد) في الارض اذا ابعد في الذهاب وامعن فيه فهو( مصعد).
الدلالات القرانيه لبعض الفاظ الايه الكريمه
جاء الفعل( شرح) بتصريفاته في اربعه مواضع من القران الكريم بالاضافه الي الايه الكريمه التي نحن بصددها علي النحو التالي:
(1) افمن شرح الله صدره للاسلام فهو علي نور من ربه....*( الزمر:22)
(2) الم نشرح لك صدرك*( الشرح:1)
(3) قال رب اشرح لي صدري*( طه:25)
(4).. ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم*( النحل:106)
وجاءت لفظه( حرج) في خمسه عشر موضعا بمعني الضيق في التشريع, او شده الضيق بصفه عامه, كما جاءت بمعني الاثم او الذنب.
اما الفعل( صعد) بمشتقاته فقد جاء في تسعه مواضع من كتاب الله( تعالي) بمعني الارتفاع, والقبول, والرضا من الله( سبحانه وتعالي), وبمعني الذهاب في الوادي, والمضي فيه هربا, وبمعني تكلف الصعود بمشقه بالغه, فلا يستطيعه, وبمعني شديدا صعبا, وبمعني العقبه المرتفعه الشاقه المصعد, وبمعني وجه الارض البارز سواء كان ترابا او غيره, وقيل التراب ذاته.
اما لفظه( السماء) فقد جاءت في ثلاثمائه وعشره مواضع من كتاب الله, منها مائه وعشرون بالافراد( السماء), ومائه وتسعون بالجمع( السماوات), وصيغه الجمع توحي ببقيه الكون في مقابله الارض, بينما الاشارات المفرده بلفظ( السماء) جاءت في ثمانيه وثلاثين موضعا بمعني الغلاف الغازي للارض بصفه عامه, والجزء الاسفل منه بصفه خاصه( او ما يعرف باسم نطاق التغيرات المناخيه او نطاق الرجع) والذي يحتوي غالبيه ماده الغلاف الغازي للارض, وجاء لفظ( السماء) ايضا بالافراد في اثنين وثمانين موضعا يفهم الغالب منها علي انه السماء الدنيا التي زينها ربنا( تبارك وتعالي) بالكواكب والنجوم والبروج, ويفهم منها مجموع السماوات قبل فصلها الي سبع, وبعد فصلها في بعض المواضع.
كذلك جاءت الاشاره في القران الكريم الي( السماوات والارض وما بينهما) في عشرين موضعا, ويفهم هذا التعبير علي ان المقصود منه هو الغلاف الغازي للارض بصفه عامه, والجزء الاسفل منه بصفه خاصه, وذلك لقول الحق( تبارك وتعالي):
(... والسحاب المسخر بين السماء والارض...*)
(البقره:164)
والسحاب يتحرك في نطاق الطقس, والقران الكريم يشير في اكثر من ايه الي انزال الماء من السماء, وواضح الامر ان المقصود بالسماء هنا هو السحاب.
فاذا كان المقصود بالسماء في قول الحق( تبارك وتعالي): كانما يصعد في السماء هو الغلاف الغازي للارض فان لذلك صعوباته ومشاقه التي تصل الي حد الاستحاله, واذا كان المقصود هو السماء الدنيا فان الصعوبات والعقبات تتضاعف اضعافا كثيره حتي تصل الي ما فوق الاستحاله, وذلك لان الله( تعالي) قد حدد للانسان نطاقا معينا من الارض وغلافها الغازي تتواءم فيه ومعه بنيته الجسديه, ووظائف اعضائه المختلفه, واذا خرج عن هذا النطاق فانه يحتضر ويموت, كما يموت السمك اذا اخرج من الماء, ويتضح ذلك جليا من دراسه الصفات الطبيعيه والكيميائيه لنطق الغلاف الغازي للارض.
شروح المفسرين للايه الكريمه
في تفسير الايه الكريمه التي نحن بصددها ذكر ابن كثير( يرحمه الله) ما نصه: يقول تعالي:( فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام اي ييسره له وينشطه ويسهله لذلك, فهذه علامات علي الخير, كقوله تعالي( افمن شرح الله صدره للاسلام فهو علي نور من ربه) الايه, وقال تعالي:( ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينه في قلوبكم), وقال ابن عباس معناه يوسع قلبه للتوحيد والايمان به, وهو ظاهر. سئل رسول الله( صلي الله عليه وسلم): اي المومنين اكيس؟ قال: اكثرهم ذكرا للموت واكثرهم لما بعده استعدادا, وسئل عن هذه الايه( فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام) قالوا: كيف يشرح صدره يارسول الله؟ قال: نور يقذف فيه, فينشرح له وينفسح, قالوا: فهل لذلك من اماره يعرف بها؟ قال: الانابه الي دار الخلود, والتجافي عن دار الغرور, والاستعداد للموت قبل لقاء الموت.. وقوله تعالي( ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا) حرجا بفتح الحاء والراء, وهو الذي لا يتسع لشئ من الهدي, ولا يخلص اليه شئ من الايمان ولا ينفذ فيه, وقد سال عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا من الاعراب من اهل الباديه من مدلج عن الحرجه؟ فقال: هي الشجره تكون بين الاشجار لا تصل اليها راعيه ولا وحشيه ولا شئ, فقال عمر رضي الله عنه: كذلك قلب المنافقين لا يصل اليه شئ من الخير; وقال ابن عباس: يجعل الله عليه الاسلام ضيقا والاسلام واسع, وذلك حين يقول:( وما جعل عليكم في الدين من حرج) يقول: ما جعل عليكم في الاسلام من ضيق, وقال مجاهد والسدي:( ضيقا حرجا) شاكا, وقال عطاء الخراساني:( ضيقا حرجا) اي ليس للخير فيه منفذ, وقال ابن المبارك:( ضيقا حرجا) بلا اله الا الله حتي لا تستطيع ان تدخل قلبه,( كانما يصعد في السماء) من شده ذلك عليه, وقال سعيد بن جبير:( يجعل صدره ضيقا حرجا) لا يجد فيه مسلكا الا صعد, وقال عطاء الخراساني:( كانما يصعد في السماء) يقول: مثله كمثل الذي لا يستطيع ان يصعد الي السماء, وقال ابن عباس: فكما لا يستطيع ابن ادم ان يبلغ السماء, فكذلك لا يستطيع ان يدخل التوحيد والايمان قلبه حتي يدخله الله في قلبه, وقال الاوزاعي: كيف يستطيع من جعل الله صدره ضيقا ان يكون مسلما; وقال ابن جرير: وهذا مثل ضربه الله لقلب هذا الكافر في شده ضيقه عن وصول الايمان اليه يقول: فمثله في امتناعه عن قبول الاي
مان وضيقه عن وصوله اليه مثل امتناعه عن الصعود الي السماء وعجزه عنه, لانه ليس في وسعه وطاقته....
وقال صاحب تفسير الجلالين( يرحمهما الله) شيئا مختصرا عن ذلك وذكر كل من صاحب( صفوه البيان لمعاني القران) يرحمه الله وصاحب صفوه التفاسير( امد الله في عمره) شيئا مشابها ايضا.
وذكر صاحب الظلال( يرحمه الله): من يقدر الله له الهدايه وفق سنته الجاريه من هدايه من يرغب في الهدي ويتجه اليه بالقدر المعطي له من الاختيار بقصد الابتلاء ( يشرح صدره للاسلام), فيتسع له, ويستقبله في يسر ورغبه, ويتفاعل معه, ويطمئن اليه, ويستريح به ويستريح له.
ومن يقدر له الضلال وفق سنته الجاريه من اضلال من يرغب عن الهدي ويغلق فطرته عنه ( يجعل صدره ضيقا حرجا كانما يصعد في السماء).. فهو مغلق مطموس يجد العسر والمشقه في قبوله,( كانما يصعد في السماء).. وهي حاله نفسيه تجسم في حاله حسيه, من ضيق النفس, وكربه الصدر, والرهق المضني في التصعد الي السماء!
التصعد في السماء كما تراه العلوم الكونيه
سبق, وان اشرنا ان لفظه( السماء) تعني الكون في مقابله الارض, وان التعريف اللغوي للسماء يشمل كل ما علاك فاظلك بدءا من نطق الغلاف الغازي للارض وانتهاء بالحدود المدركه للكون.
السماء بمعني الغلاف الغازي للارض
تحاط الارض بغلاف غازي تقدر كتلته بنحو خمسه الاف مليون مليون طن(5,2*1510 اطنان) ويقدر سمكه بعده الاف من الكيلو مترات فوق مستوي سطح البحر, ويتناقص ضغطه من نحو الكيلو جرام علي السنتيمتر المربع عند مستوي سطح البحر الي واحد من المليون من ذلك في الجزء العلوي منه.
ويقسم الغلاف الغازي للارض الي قسمين رئيسيين علي النحو التالي:
ا القسم السفلي من الغلاف الغازي للارض
(The lower Atmosphere)
ويتكون من خليط من جزيئات النيتروجين, والاوكسجين, وعدد من الغازات الاخري, ويعرف باسم النطاق المتجانس
(The Homosphere)
ويقسم الي ثلاثه نطق متميزه من اسفل الي اعلي علي النحو التالي:
(1) نطاق التغيرات الجويه:
نطاق الطقس او نطاق الرجع
(TheTroposphere)
وهو نطاق قليل السمك, يلامس الارض مباشره, ويمتد من مستوي سطح البحر الي ارتفاع16 الي17 كيلو مترا فوق خط الاستواء, ويتناقص سمكه الي ما بين6 و8 كيلو مترات فوق القطبين, ويختلف سمكه فوق خطوط العرض الوسطي باختلاف ظروفها الجويه, فينكمش الي ما دون السبعه كيلو مترات في مناطق الضغط المنخفض, ويمتد الي نحو13 كيلو مترا في مناطق الضغط المرتفع, وعندما تتحرك كتل الهواء الحار من خط الاستواء في اتجاه القطبين فانها تضطرب فوق هذا المنحني الوسطي, فتزداد سرعه الهواء مندفعا تجاه الشرق بتاثير دوران الارض حول محورها امام الشمس من الغرب الي الشرق, ويتم ذلك بسرعه فائقه تعطي كتل الهواء المتحركه بها اسم التيار النفاث
(The Jet stream).
ويضم هذا النطاق ثلثي(66%) كتله الغلاف الغازي للارض, وتتناقص درجه الحراره فيه مع الارتفاع باستمرار( بمعدل6 درجات مئويه كل كيلو متر ارتفاع في المتوسط حتي تصل الي ستين درجه مئويه تحت الصفر في قمته المعروفه باسم مستوي الركود الجوي
(The tropopause)
وذلك لتناقص الضغط فيه الي عشر الضغط الجوي عند سطح البحر تقريبا, وللبعد عن سطح الارض وهو مصدر التدفئه الصاعده الي هذا النطاق.
وهذا النطاق هو نطاق تكثف بخار الماء الصاعد من الارض, وتكون السحب, وهطول كل من المطر والبرد والثلج, وحدوث ظواهر الرعد والبرق, وتحرك الرياح, وتكون العواصف والدوامات, وتيارات الحمل الهوائيه, وغير ذلك من الظواهر الجويه, ويتركب الغلاف الغازي في هذا النطاق اساسا من جزيئات كل من النيتروجين( بنسبه78,1% بالحجم) والاوكسجين( بنسبه21% بالحجم), والارجون بنسبه0,93% بالحجم وثاني اكسيد الكربون( بنسبه0,03% بالحجم), بالاضافه الي نسب ضئيله من بخار الماء, واثار طفيفه من كل من الميثان, واكاسيد النيتروجين, واول اكسيد الكربون, والايدروجين, والهيليوم, والاوزون وبعض الغازات الخامله مثل الارجون.
(2) نطاق التطبق
(The Stratosphere):
ويمتد من فوق مستوي الركود الجوي
(TheTropopause)
اي من ارتفاع16 17 كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر الي قرابه الخمسين كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر, وبذلك يقدر سمكه بنحو33 34 كيلو مترا, وينتهي بمستوي الركود الطبقي
(The Stratopause)
وترتفع درجه الحراره في هذا النطاق من اكثر من ستين درجه مئويه تحت الصفر عند قاعدته الي نحو الثلاث درجات فوق الصفر المئوي عند قمته, ويرجع السبب المباشر في هذا الارتفاع الحراري الي امتصاص قدر من الاشعه فوق البنفسجيه المقبله مع اشعه الشمس بواسطه جزيئات الاوزون التي تتركز في الجزء السفلي من هذا النطاق( بين ارتفاعي18 و30 كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر) مكونه جزءا مميزا منه يعرف باسم نطاق الاوزون
(The Ozonosphere)
يتركز فيه هذا الغاز المهم بنسبه0,001% ولكنها نسبه كافيه لحمايه الارض, وما عليها من صور الحياه من اضرار الاشعه فوق البنفسجيه, وهي اشعه حارقه ومدمره لجميع صور الحياه الارضيه, ولولا وجود طبقه الاوزون, وما اعطاها الله تعالي من قدره لامتصاص وتحويل الاشعه فوق البنفسجيه لكانت الحياه مستحيله علي الارض.
ويستمر الضغط في الانخفاض في نطاق التطبق من قاعدته الي قمته حيث يصل فيه الي واحد من الف من الضغط الجوي عند سطح البحر.
(3) النطاق المتوسط
(The Mesosphere)
ويمتد من مستوي الركود الطبقي( اي من ارتفاع نحو خمسين كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر الي ارتفاع80 الي90 كيلو مترا فوق هذا المستوي, ويتراوح سمكه بين30 و40 كيلو مترا).
وتنخفض درجه الحراره في نطاق التطبق بمعدل ثلاث درجات لكل كيلو متر ارتفاع تقريبا حتي تصل الي نحو مئه درجه مئويه تحت الصفر عند حده العلوي والمعروف باسم مستوي الركود الاوسط
(The Mesopause)
وان كانت درجه الحراره تلك تتغير باستمرار مع تغير الفصول المناخيه.
كذلك يستمر الضغط في الانخفاض مع الارتفاع حتي يصل في قمه هذا النطاق الي اربعه من المليون من الضغط الجوي عند سطح البحر.
(ب) القسم العلوي من الغلاف الغازي للارض
(The upper Atmosphere)
وهذا القسم من الغلاف الغازي للارض يختلف اختلافا كليا عن القسم السفلي ولذا يعرف باسم نطاق التباين
(The Heterosphere)
وتبدا فيه جزيئات مكوناته في التفكك الي ذراتها وايوناتها بفعل كل من اشعه الشمس والاشعه الكونيه, كذلك تسود فيه ذرات الغازات الخفيفه من مثل الايدروجين والهيليوم علي حساب الذرات الكثيفه نسبيا من مثل الاوكسجين والنيتروجين, وتواصل درجات الحراره الارتفاع فيه حتي تصل الي اكثر من الفي درجه مئويه, ويواصل الضغط الانخفاض حتي يصل في قمه هذا النطاق الي اقل من واحد في المليون من الضغط الجوي علي سطح البحر.
ويحوي هذا القسم نطاقين متميزين هما من اسفل الي اعلي كما يلي:
(1) النطاق الحراري
(TheThermosphere)
ويمتد من مستوي الركود المتوسط( اي من ارتفاع يتراوح بين80 و90 كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر في المتوسط الي عده مئات من الكيلومترات فوق مستوي سطح البحر عند مستوي الركود الحراري
(Thermopause)
وتواصل درجات الحراره في الارتفاع في هذا النطاق من نحو المائه درحه مئويه في اعلي النطاق الاسفل منه لتصل الي ما بين227 و500 درجه مئويه عند ارتفاع مائه وعشرين كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر, وتبقي درجه الحراره ثابته تقريبا عند درجه500 مئويه الي ارتفاع يتراوح بين ثلاثمائه واربعمائه كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر, ثم تقفز بعد ذلك الي درجات تتراوح بين1500 و2000 درجه مئويه الي نهايه النطاق وتزيد في فترات النشاط الشمسي.
(2) النطاق الخارجي
(The Exosphere):
هو نطاق يعلو النطاق الحراري, تثبت فيه درجه الحراره ثبوتا نسبيا, ولذا يطلق عليه احيانا اسم نطاق التساوي الحراري
(The Isothermalsphere)
ويتضاءل الضغط فيه, وتتمدد الغازات تمددا كبيرا وتتحرك ذراتها بحريه كامله في مساراتها فتقل فرص التلاقي بينها بعد ارتفاع يطلق عليه اسم الارتفاع الحرج
(The Critical Elevation)
او خط ركود الضغط الجوي
(The Baropause)
او قاعده العوالم الخارجيه عن الارض
(The Exobase)
وعند هذا الحد يبدا الغلاف الغازي للارض في الالتصاق بقاعده السماء الدنيا او ما يطلق عليه اسم الماده بين الكواكب
(The Interplanetary Matter)
والتداخل احيانا فيها لتضاول سيطره الجاذبيه الارضيه علي ذرات الغازات في الاجزاء العليا من هذا النطاق مما يزيد من قدرات تلك الذرات علي الانفلات من قيود الجاذبيه الارضيه والهروب بعيدا عن الارض وعن غلافها الجوي.
وفي المنطقه من قمه النطاق المتوسط( اي من ارتفاع مائه كيلو متر تقريبا) الي اقصي الحدود العلويه للغلاف الغازي للارض تتاين ذرات الغازات( اي تشحن بالكهرباء) بفعل كل من الاشعه فوق البنفسجيه والسينيه المقبله مع اشعه الشمس, وبعض جسيمات كل من الاشعه الشمسيه الكونيه, ويطلق علي هذا السمك اسم نطاق التاين
(The Ionosphere).
والمنطقه التي تفوق فيها طاقه الايونات الطاقه الحراريه فانها تتحرك بين خطوط قوي مجال الجاذبيه الارضيه مكونه منطقه متميزه تعرف باسم النطاق المغناطيسي للارض
(The Magnetosphere)
وتمتد الي نهايه الغلاف الغازي للارض, وقد تتداخل في نطاق الماده بين الكواكب.
كذلك تم اكتشاف زوجين من الاحزمه الاشعاعيه
(The Radiation Belts)
يحيطان بالكره الارضيه علي هيئه هلاليه مزدوجه تزيد فيها تلك الاحزمه في السمك زياده ملحوظه عند خط الاستواء, وترق رقه شديده عند القطبين, وفي هذه الاحزمه تحتبس الايونات واللبنات الاوليه للماده( من مثل البروتونات والاليكترونات) والتي يقتنصها المجال المغناطيسي للارض, فتتحرك عبر ذلك المجال من احد قطبي الارض للاخر وبالعكس في حركه دائبه.
ويتركز الزوج الداخلي من احزمه الاشعاع علي ارتفاع3200 كيلو متر فوق مستوي سطح البحر, بينما يتركز الزوج الخارجي علي ارتفاع25000 كيلو متر فوق هذا المستوي.
تقسيم الغلاف الغازي للارض من حيث مواءمته للحياه الارضيه
يقسم الغلاف الغازي للارض من حيث مواءمته للحياه الارضيه الي النطق التاليه:
(1) نطاق المواءمه الكامله للحياه الارضيه
ويمثل الجزء الغازي من نطاق الحياه الذي يمتد من اعماق المحيطات( بمتوسط عمق3800 متر تحت مستوي سطح البحر) الي ارتفاع في الغلاف الغازي للارض لا يتعدي الثلاثه كيلو مترات فوق مستوي سطح البحر.وهذاالجزء الهوائي من نطاق الحياه هو نطاق المواءمه البيئيه الكامله لحياه الانسان, اي التي يستطيع الانسان العيش فيها بدون مخاطر صحيه, لملاءمه التركيب الكيميائي والصفات الطبيعيه للغلاف الغازي للارض في هذا النطاق لطبيعه جسم الانسان ولوظائف كل اعضائه واجهزته من مثل وفره الاوكسجين, وتوسط كل من الضغط ودرجات الحراره.
ومتوسط ارتفاع اليابسه لايكاد يصل الي هذا الحد من الارتفاع فوق مستوي سطح البحر الذي تكون التغيرات الطبيعيه والكيميائيه عنده محتمله, ولذلك لا تظهر علي البشر الذين يعيشون في مثل هذه الارتفاعات او يصلون اليها ايه اعراض من اعراض نقص الاوكسجين او تناقص الضغط, علي الرغم من الانخفاض في درجه الحراره, وبعض الاختلافات في سلوك سائل مثل الماء في تلك الارتفاعات العاليه.
(2) نطاق شبه المواءمه للحياه الارضيه
ويمتد هذا النطاق من ارتفاع ثلاثه كيلو مترات فوق مستوي سطح البحر الي ارتفاع سته عشر كيلو مترا فوق ذلك المستوي ويقترب في منتصفه من اعلي قمم الارض ارتفاعا(8848 مترا) ويتميز بنقص تدريجي في نسبه الاوكسجين, وتناقص الضغط بمعدلات ملحوظه, ويمكن للانسان العيش في الاجزاء السفلي من هذا النطاق بصعوبه فائقه لصعوبه التنفس, والخلل الذي يعتري بعض وظائف اعضاء جسده نتيجه لانخفاض الضغط الجوي فتبدو عليه اعراض نقص الاوكسجين( هيبوكسيا) واعراض انخفاض الضغط الجوي( ديسباريزم).
(3) نطاق استحاله وجود الانسان بغير عوامل وقائيه كامله:
ويمتد من ارتفاع سته عشر كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر الي نهايه الغلاف الغازي للارض, وهو نطاق يستحيل بقاء الانسان فيه بغير عوامل كافيه للوقايه من مخاطر هذا النطاق, وذلك بتكييف الجو المحيط به من حيث الضغط ودرجتي الحراره والرطوبه, وامداده بالقدر الكافي من الاوكسيجين وتنقيته من ثاني اكسيد الكربون, وغير ذلك من النواتج الضاره, مع المراقبه المستمره للاحوال الصحيه ويتم ذلك بتزويده بحلل مشابهه لحلل رواد الفضاء المزوده باجهزه كامله لدعم حياه الانسان في مثل هذه البيئات الخطره من مثل النقص الحاد في كل من الضغط الجوي, ونسبه الاوكسجين, والتغيرات الشديده في درجات الحراره.
والحلل التي يرتديها رواد الفضاء في داخل مركباتهم الفضائيه المكيفه بظروف موائمه لطبيعه الانسان هي حلل محكمه غايه الاحكام غير منفذه للهواء ولا للاشعه الكونيه ومليئه بالهواء المضغوط بالقدر المطلوب لسلامه جسم الانسان, وتتم مراقبه الضغط داخل تلك الحلل باجهزه ضغط يمكن التحكم فيها بواسطه صمامات خارجيه, ومزوده بجيوب لتجميع افرازات الجسم والسوائل الخارجه منه, وتسمح في الوقت نفسه بالوصول الي الجسد لمعالجته بالحقن الطبيه اللازمه في حالات الضروره.
اما في رياده الغلاف الغازي للارض خارج المركبات الفضائيه, فيحتاج رواد الفضاء الي حلل مزوده بضوابط بيئيه تفوق الحلل المستخدمه داخل المركبات الفضائيه في تعقيدها, وذلك بتزويدها بضوابط لدعم الحياه محموله تسمي باسم نظم الدعم الحياتي المحموله
(Portable Life-Support Systems),
وتضم بالاضافه الي حلل داخل المركبات الفضائيه مصادر محموله للتزود بالاوكسيجين لها انبوبتان احداهما للشهيق والاخري للزفير, واجهزه اتصال لاسلكيه, ووحده تكييف للهواء, ولوحات تحكم في الضغط, وخوذه وغطاء عازلان للحراره ولكل من الاشعه الشمسيه والكونيه, واحذيه طويله الرقبه, وقفازات عازله لكل من الحراره والاشعه ورجوم النيازك المتناهيه في صغر الحجم.
الصعوبات التي يواجهها الانسان حينما يتصعد في السماء بغير وقايه كافيه
اذا تجاوز الانسان ارتفاع الثمانيه كيلو مترات فوق مستوي سطح البحر فانه يتعرض لمشكلات عديده منها صعوبه التنفس لنقص الاوكسجين وتناقص ضغط الهواء, وهو مرض يسميه المتخصصون في طب الطيران باسم مرض عوز الاوكسجين
Hypoxia
ومنها مشكلات انخفاض الضغط الجوي والذي يسمي باسم خلل الضغط الجوي
Dysbarism
وتحت هذين العارضين لا يستطيع جسم الانسان القيام بوظائفه الحيويه, فتبدا في التوقف الوظيفه تلو الاخري, وهنا يمكن تفسير ضيق الصدر الذي يمر به الانسان عند الصعود الي تلك المرتفعات بغير استعدادات وقائيه كافيه, فيبدا بالشعور بالاجهاد الشديد, والصداع المستمر, والشعور بالرغبه في النوم, ونتيجه للنقص في الضغط الجوي تبدا الغازات المحبوسه في داخل انسجه الجسم وتجاويفه المختلفه في التمدد من مثل الجهاز التنفسي من الرئتين والقصبه الهوائيه وتشعباتهما والانف, والجيوب الانفيه, والجهاز الدوري من القلب والاورده والشرايين, والجهاز السمعي خاصه الاذن الوسطي, والجهاز الهضمي من مثل المعده والامعاء الدقيقه والغليظه, خاصه القولون, والفم والاسنان والاضراس واللثه مما يودي الي الام شديده في كل اجزاء الجسم, والي ضغوط شديده علي الرئتين والقلب والي تمزق خلاياهما وانسجتهما, ويسبب الشعور بضيق الصدر وحشرجه الموت.
كذلك تبدا الغازات الذائبه في جميع سوائل الجسم وانسجته في الانفصال والتصاعد الي خارج حيز الجسد, واهمها غاز النيتروجين الذي يصل حجمه في جسم الفرد البالغ الي نحو اللتر موزعه بين الدم وانسجه الجسم المختلفه, وتخرج هذه الغازات علي هيئه فقاعات تندفع الي الخارج بسرعه فائقه مما يزيد من تمزق الخلايا والانسجه, والي حدوث الام مبرحه بكل من الصدر والمفاصل, والي ضيق شديد في التنفس نتيجه لتصاعد فقاعات النيتروجين من انسجه الرئتين, ومن داخل الشعيرات الدمويه, ومن الانسجه المحيطه بها ومن الجلد ومن انسجه وخلايا الجهاز العصبي, فتتاثر رويه الشخص, ويختل توازنه, ويصاب بصداع شديد, ثم اغماء كامل او صدمه عصبيه او بشلل جزئي او كلي وزرقه بالجسم تنتهي بالوفاه بسبب توقف كل من القلب والرئتين, وانهيار الجهاز العصبي, وفشل كامل في وظائف بقيه اعضاء الجسم ولعل ذلك هو المقصود بقول الحق( تبارك وتعالي):
فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كانما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس علي الذين لا يومنون*( الانعام:125)
وهذه حقائق لم يدركها الانسان الا في العقود المتاخره من القرن العشرين وان بدا يتحسسها منذ نهايه القرن الثامن عشر, وورودها في كتاب الله الذي انزل قبل اربعه عشر قرنا علي نبي امي صلي الله وسلم وبارك عليه في امه كانت غالبيتها الساحقه من الاميين مما يوكد ان القران الكريم هو كلام الله الخالق, وان هذا النبي الخاتم والرسول الخاتم كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والارض.
-
(22) وفي الارض ايات للموقنين
يستهل ربنا( تبارك وتعالي) سوره الذاريات بقسم منه وهو سبحانه الغني عن القسم وجاء القسم بعدد من اياته الكونيه علي ان وعده لعباده وعد صادق, وان دينه الذي انزله علي فتره من الرسل, والذي اتمه في بعثه النبي والرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم) والذي سماه الاسلام, والذي لا يرتضي من عباده دينا سواه لهو حق واقع لاشك فيه.
ثم عاود ربنا( تبارك اسمه) القسم مره اخري بالسماء ذات الحبك علي ان الناس مختلفون في امر يوم الدين بين مكذب ومصدق, وان المكذبين الذين شغلتهم الحياه الدنيا عن التفكير في مصيرهم بعد الموت يصرفون عن حقيقه هذا اليوم الرهيب, ثم تعرض الايات لمصير كل من المكذبين والمصدقين بالاخره, كما تعرض لعدد من صفات كل من الفريقين, ثم تعاود السوره في سياقها الاستدلال بعدد من الايات الكونيه الاخري في الارض وفي الانفس وفي الافاق علي ان وحي الله( تعالي) الي عباده في القران الكريم حق مطلق يجب علي الناس تصديقه كما يصدقون ما ينطقون هم انفسهم به...!!!
ومن هذه الايات الكونيه التي استشهد بها الحق( تبارك وتعالي) علي صدق وحيه في اخر رسالاته وكتبه قوله( وهو اصدق القائلين):
وفي الارض ايات للموقنين*
فما هي ايات الله في الارض الداله علي طلاقه قدرته, وعظيم حكمته, واحاطه سلطانه وعلمه؟ ما هذه الايات التي استشهد بها( سبحانه وتعالي) وهو الغني عن كل شهاده علي صدق وحيه الذي انزله علي خاتم انبيائه ورسله؟ هذا الوحي الذي تعهد( سبحانه) بحفظه فحفظ علي مدي اربعه عشر قرنا او يزيد بنفس اللغه التي اوحي بها( اللغه العربيه), سوره سوره, وايه ايه, وكلمه كلمه, وحرفا حرفا, دون ادني زياده او نقصان, وهذا وحده من اعظم الشهادات علي صدق القران الكريم واعجازه, وعلي انه كلام الله الخالق, وعلي صدق الصادق الامين الذي تلقاه عن ربه, وعلي صدق نبوته ورسالته( صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي اله وصحبه وعلي من تبع هداه ودعا بدعوته الي يوم الدين)
الدلاله اللغويه لالفاظ الايه الكريمه
(الارض) في اللغه العربيه اسم جنس للكوكب الذي نحيا عليه, تمييزا له عن بقيه الكون, والذي يجمع تحت اسم السماوات او السماء, ولفظه( الارض) مونثه, والاصل ان يقال لها( ارضه) والجمع( ارضات) و(ارضون) بفتح الراء او بتسكينها, وقد تجمع علي( اروض) و( اراض), ولفظه( الاراضي) تستخدم علي غير قياس.
ويعبر( بالارض) عن اسفل الشيء, كما يعبر بالسماء عن اعلاه, فكل ما سفل فهو( ارض), وكل ما علا فهو سماء, ويقال:( ارض اريضه) اي حسنه النبت, زكيه بينه الزكاء او( الاراضه), كما يقال:( تارض) النبت بمعني تمكن علي الارض فكثر, و(تارض) الجدي اذا تناول نبت( الارض), ويقال ايضا:( الارض النفضه) و( الارض الرعده) اي التي تنتفض وترتعد اثناء حدوث الهزات الارضيه والثورانات البركانيه.
و( الارضه) بفتحتين دوده( دويبه) تاكل الخشب, يقال:( ارضت) الاخشاب( تورض)( ارضا) فهي( ماروضه) اذا اكلتها( الارضه), ولم تسم العرب فاعلا لهذا الفعل.
الارض في القران الكريم
جاء ذكر الارض في اربعمائه وواحد وستين(461) موضعا من كتاب الله, منها ما يشير الي الارض ككل في مقابله السماء, ومنها ما يشير الي اليابسه التي نحيا عليها كلها, او الي جزء منها,( واليابسه هي جزء من الغلاف الصخري للارض وهي كتل القارات السبع المعروفه والجزر المحيطيه العديده), ومنها ما يشير الي التربه التي تغطي صخور الغلاف الصخري للارض.
وفي هذه الايات اشارات الي العديد من الحقائق العلميه عن الارض والتي يمكن تبويبها بايجاز علي النحو التالي:
(1) ايات تامر الانسان بالسير في الارض, والنظر في كيفيه بدء الخلق, وهي اساس المنهجيه العلميه في دراسه علوم الارض.
(2) ايات تشير الي شكل وحركات واصل الارض, منها ما يصف كرويه الارض, ومنها ما يشير الي دورانها, ومنها ما يوكد علي عظم مواقع النجوم منها, او علي حقيقه اتساع الكون و(الارض جزء منه), او علي بدء الكون بجرم واحد( مرحله الرتق), ثم انفجار ذلك الجرم الاولي( مرحله الفتق), او علي بدء خلق كل من الارض والسماء من دخان, او علي انتشار الماده بين السماء والارض( الماده بين الكواكب وبين النجوم وبين المجرات), او علي تطابق كل من السماوات والارض( اي تطابق الكون).
(3) ايه قرانيه واحده توكد ان كل الحديد في كوكبنا الارض قد انزل اليها من السماء انزالا حقيقيا.
(4) ايه قرانيه توكد حقيقه ان الارض ذات صدع, وهي من الصفات الاساسيه لكوكبنا.
(5) ايات قرانيه تتحدث عن عدد من الظواهر البحريه المهمه من مثل ظلمات البحار والمحيطات( ودور الامواج الداخليه والسطحيه في تكوينها), وتسجير بعض هذه القيعان بحراره عاليه, وتمايز المياه فيها الي كتل متجاوره لا تختلط اختلاطا كاملا, نظرا لوجود حواجز افقيه وراسيه غير مرئيه تفصل بينها, ويتاكد هذا الفصل بين الكتل المائيه بصوره اوضح في حاله التقاء كل من المياه العذبه والمالحه عند مصاب الانهار, مع وجوده بين مياه البحر الواحد او بين مياه البحار المتصله ببعضها البعض
(6) ايات قرانيه تتحدث عن الجبال, منها ما يصفها بانها اوتاد, وبذلك يصف كلا من الشكل الخارجي( الذي علي ضخامته يمثل الجزء الاصغر من الجبل) والامتداد الداخلي( الذي يشكل غالبيه جسم الجبل), كما يصف وظيفته الاساسيه في تثبيت الغلاف الصخري للارض, وفي اتزان دورانها حول محورها, وتتاكد هذه الوظيفه في اثنتين وعشرين ايه اخري, وردت بها كذلك اشارات الي عدد من الوظائف والصفات الاضافيه للجبال من مثل دورانها مع الارض, او تكوينها من صخور متباينه في الالوان والاشكال والهيئه. او دورها في انزال المطر, وتغذيه الانهار, وشق الاوديه والفجاج او في جريان السيول.
(7) ايات قرانيه تشير الي نشاه كل من الغلافين المائي والهوائي للارض, وذلك باخراج مكوناتهما من باطن الارض, او تصف الطبيعه الرجعيه لغلافها الغازي, او توكد حقيقه ظلام الفضاء الكوني الخارجي, او علي تناقص الضغط الجوي مع الارتفاع عن سطح الارض, او علي تبادل الليل والنهار, وعلي رقه طبقه النهار حول نصف الارض المواجه للشمس, او علي ان ليل الارض كان في بدء خلقها مضاء كنهارها, ثم محي ضووه.
(8) ايات تشير الي رقه الغلاف الصخري للارض, والي تسويه سطحه وتمهيده وشق الفجاج والسبل فيه, والي تناقص الارض من اطرافها.
(9) ايات توكد اسكان ماء المطر في الارض مما يشير الي دوره المياه حول الارض وفي داخل صخورها, او توكد علاقه الحياه بالماء, او تلمح الي امكانيه تصنيف الكائنات الحيه.
(10) ايات توكد ان عمليه الخلق قد تمت علي مراحل متعاقبه عبر فترات زمنيه طويله
(11) ايات قرانيه تصف نهايه كل من الارض والسماوات وما فيهما( اي الكون كله) بعمليه معاكسه لعمليه الخلق الاول كما تصف اعاده خلقهما من جديد, ارضا غير الارض الحاليه وسماوات غير السماوات القائمه.
هذه الحقائق العلميه لم تكن معروفه للانسان قبل هذا القرن, بل ان الكثير منها لم يتوصل الانسان اليه الا في العقود القليله المتاخره منه عبر جهود مضنيه, وتحليل دقيق لكم هائل من الملاحظات والتجارب العلميه في مختلف جنبات الجزء المدرك من الكون, وان السبق القراني في الاشاره الي مثل هذه الحقائق باسلوب يبلغ منتهي الدقه العلميه واللغويه في التعبير, والاحاطه والشمول في الدلاله ليوكد جانبا مهما من جوانب الاعجاز في كتاب الله, وهو جانب الاعجاز العلمي, ومع تسليمنا بان القران الكريم معجز في كل امر من اموره, الا ان الاعجاز العلمي يبقي من انجح اساليب الدعوه الي الله في عصر العلم والتقنيه الذي نعيشه.
ومن هنا تتضح اهميه القران الكريم في هدايه البشريه في زمن هي احوج ما تكون الي الهدايه الربانيه. كما تتضح اهميه دراسات الاعجاز العلمي في كتاب الله مهما تعددت تلك المجالات العلميه, وذلك لان ثبات صدق الاشارات القرانيه في القضايا الكونيه من مثل اشاراته الي عدد من حقائق علوم الارض, وهي من الامور الماديه الملموسه التي يمكن للعلماء التجريبيين اثباتها لادعي الي التسليم بحقائق القران الاخري خاصه ما يرد منها في مجال القضايا الغيبيه والسلوكيه( من مثل قضايا العقيده والعباده والاخلاق والمعاملات) والتي تمثل ركائز الدين, ولا سبيل للانسان في الوصول الي قواعد سليمه لها والي ضوابط صحيحه فيها الا عن طريق بيان رباني خالص لا يداخله ادني قدر من التصور البشري.
من ايات الله في خلق الارض
وجعلها صالحه للعمران
الارض هي احد افراد المجموعه الشمسيه التي تتكون من تسعه كواكب, اساسيه, يدور كل منها حول نفسه, ويجري في مدار محدد له حول الشمس, وهناك مدار للكويكبات بين كل من كوكبي المريخ والمشتري يعتقد انها بقايا لكوكب عاشر قد انفجر, وهناك احتمال بوجود كوكب حادي عشر لم يتم كشفه او رصده بعد, ولكن تم التوقع بوجوده بواسطه الحسابات الفلكيه.
وكواكب المجموعه الشمسيه المعروفه لنا هي من الداخل الي الخارج علي النحو التالي:
عطارد, الزهره, الارض, المريخ, الكويكبات, المشتري, زحل, يورانوس, نبتيون, بلوتو, بروسوبينا( اوبريينا).
وهناك بعد ذلك نطق المذنبات التي تدور حول الشمس في مدارات مغلقه او مفتوحه علي مسافات بعيده جدا وتعتبر جزءا من المجموعه الشمسيه.
ويقدر متوسط المسافه بين الشمس واقرب كواكبها( عطارد) بحوالي58 مليون كيلو متر( بين46 مليون,69 مليون كيلو متر), ويقدر متوسط المسافه بين الارض والشمس بحوالي150 مليون كيلو متر, ويبعد بلوتو عن الشمس بمسافه تقدر في المتوسط بحوالي6000 مليون كيلو متر, ويقدر متوسط بعد الكوكب المقترح بروسوبينا بحوالي ضعف هذه المسافه(12 بليون كيلو متر), ويبعد نطاق المذنبات عن الشمس عشرات اضعاف المسافه الاخيره.
وعلي ذلك فالارض هي ثالثه الكواكب بعدا عن الشمس, وهي تجري حول الشمس في فلك بيضاني( اهليلجي) قليل الاستطاله بسرعه تقدر بحوالي30 كيلو متر في الثانيه(29,6 كيلو مترا في الثانيه) لتتم دورتها هذه في سنه شمسيه مقدارها365,25 يوم تقريبا, وتدور حول نفسها بسرعه مقدارها حوالي30 كيلو مترا في الدقيقه(27,8 كيلو متر في الدقيقه) عند خط الاستواء فتتم دورتها هذه في يوم مقداره24 ساعه تقريبا, يتقاسمه ليل ونهار, بتفاوت يزيد وينقص حسب الفصول, التي تنتج بسبب ميل محور دوران الارض علي دائره البروج بزاويه مقدارها ست وستون درجه ونصف تقريبا, ويعزي للسبب نفسه تتابع الدورات الزراعيه, وهبوب الرياح, وهطول الامطار, وفيضان الانهار باذن الله.
والارض كوكب فريد في كل صفه من صفاته, مما اهله بجداره ان يكون مهدا للحياه الارضيه بكل مواصفاتها, ولعل هذا التاهيل هو احد مقاصد الايه القرانيه الكريمه التي يقول فيها الحق( تبارك وتعالي) وفي الارض ايات للموقنين ولعل من اوضح هذه الايات البينات ما يلي:
اولا: بعد الارض عن الشمس:
يقدر متوسط المسافه بين الارض والشمس بحوالي مائه وخمسين مليونا من الكيلو مترات, وقد استخدمت هذه المسافه كوحده فلكيه للقياس في فسحه الكون, ولما كانت كميه الطاقه التي تصل من الشمس الي كل كوكب في مجموعتها تتناسب تناسبا عكسيا مع بعد الكوكب عن الشمس, وكذلك تتناسب سرعه جريه في مداره حولها, بينما يتناسب طول سنه الكوكب تناسبا طرديا مع بعده عنها( وسنه الكوكب هي المده التي يستغرقها في اتمام دوره كامله حول الشمس), اتضحت لنا الحكمه البالغه من تحديد بعد الارض عن الشمس, فقد قدرت الطاقه التي تشعها الشمس من كل سنتيمتر مربع علي سطحها بحوالي عشره احصنه ميكانيكيه, ولا يصل الارض سوي جزء واحد من بليوني جزء من هذه الطاقه الهائله, وهو القدر المناسب لنوعيه الحياه الارضيه, ولتنشيط القوي الخارجيه التي تعمل علي تسويه سطح الارض, وتكوين التربه, وتحريك دوره المياه حول الارض, وغير ذلك من الانشطه الارضيه. ولطاقه الشمس الاشعاعيه صور عديده اهمها: الضوء الابيض, والحراره( الاشعه تحت الحمراء), والاشعه السينيه, والاشعه فوق البنفسجيه, ونسب هذه المكونات للطاقه الشمسيه ثابته فيما بينها, وان اختلفت كميه الاشعاع الساقط علي اجزاء الارض المختلفه باختلاف كل من الزمان والمكان.
وحزمه الضوء الابيض تتكون من الاطياف السبعه( الاحمر, والبرتقالي, والاصفر, والاخضر, والازرق, والنيلي, والبنفسجي) وتقدر نسبتها في الاشعه الشمسيه التي تصل الي الارض بحوالي38%, ولها اهميه بالغه في حياه كل من النبات والحيوان والانسان, وتبلغ اقصي مدي عند منتصف النهار عموما, وعند منتصف نهار الصيف خصوصا, لان قوه اناره اشعه الشمس لسطح الارض تبلغ في الصيف ضعفي ما تبلغه في الشتاء.
اما الاشعه تحت الحمراء فتقدر نسبتها في اشعه الشمس التي تصل الي الارض بحوالي53%, ولها دورها المهم في تدفئه الارض وما عليها من صور الحياه, وفي كافه العمليات الكيميائيه التي تتم علي سطح الارض وفي غلافها الجوي, الذي يرد عنا قدرا هائلا من حراره الشمس, فكثافه الاشعاع الشمسي والتي تقدر بحوالي2 سعر حراري علي كل سنتيمتر مربع من جو الارض في المتوسط يتشتت جزء منها بواسطه جزيئات الهواء, وقطرات الماء, وهباءات الغبار السابحه في جو الارض, ويمتص جزء اخر بواسطه كل من غاز الاوزون وبخار الماء, ومتوسط درجه الحراره علي سطح الارض يقدر بحوالي عشرين درجه مئويه وان تراوحت بين حوالي74 درجه مئويه تحت الصفر في المناطق القطبيه المتجمده و55 درجه مئويه في الظل في اشد المناطق والايام قيظا.
اما الاشعه فوق البنفسجيه فتقدر نسبتها بحوالي9% من مجموع اشعه الشمس التي تصل الي الارض وذلك لان غالبيتها تمتص او ترد بفعل كل من النطاق المتاين ونطاق الاوزون الذي جعلهما ربنا( تبارك وتعالي) من نطق الحمايه للحياه علي الارض, ويقدر ما يصل الي الارض من طاقه الشمس بحوالي ثلاثه عشر مليون حصانا ميكانيكيا علي كل كيلو متر مربع من سطح الارض في كل ثانيه وتقدر قيمته ببلايين الدولارات مما لا قبل للبشريه كلها بتحمله او وفاء شكر الله عليه...!!!
ولو كانت الارض اقرب قليلا الي الشمس لكانت كميه الطاقه التي تصلها كافيه لاحراق كافه صور الحياه علي سطحها, ولتبخير مياهها, ولخلخله غلافها الغازي.
فكوكب عطارد الذي يقع علي مسافه تقدر بحوالي0,39 من بعد الارض عن الشمس تتراوح درجه حراره سطحه بين220 درجه مئويه في وجهه المضيء و27 درجه مئويه في وجهه المظلم, وكوكب الزهره الذي يقع علي مسافه تقدر بحوالي0,72 من بعد الارض عن الشمس تصل درجه الحراره علي سطحه الي457 درجه مئويه(730 درجه مطلقه).
وعلي النقيض من ذلك فان الكواكب الخارجه عن الارض( المريخ, المشتري, زحل, يورانوس, نبتيون, بلوتو) لا يصلها قدر كاف من حراره الشمس فتعيش في بروده قاتله لا تقوي الحياه الارضيه علي تحملها.
ولذلك فانه من الواضح ان بعد الارض عن الشمس قد قدره ربنا( تبارك وتعالي) بدقه بالغه تسمح للارض بتلقي قدر من طاقه الشمس يتناسب تماما مع حاجات جميع الكائنات الحيه علي سطحها, وفي كل من مياهها, وهوائها بغير زياده او نقصان الا في الحدود الموائمه لطبيعه الحياه الارضيه في مختلف فصول السنه.
فلو كانت الارض علي مسافه من الشمس تقدر بنصف بعدها الحالي لزادت كميه الطاقه التي تتلقاها ارضنا منها الي اربعه امثال كميتها الحاليه ولادي ذلك الي تبخير الماء وخلخله الهواء واحتراق جميع صور الحياه علي سطحها..!!!
ولو كانت الارض علي ضعف بعدها الحالي من الشمس لنقصت كميه الطاقه التي تتلقاها الي ربع كميتها الحاليه, وبالتالي لتجمدت جميع صور الحياه واندثرت بالكامل.
وباختلاف بعد الارض عن الشمس قربا او بعدا يختلف طول السنه, وطول كل فصل من الفصول نقصا او زياده مما يودي الي اختلال ميزان الحياه علي سطحها, فسبحان من حدد للارض بعدها عن الشمس وحفظها في مدارها المحدد وحفظ الحياه علي سطحها من كل سوء...!!!
ثانيا: ابعاد الارض:
يقدر حجم الارض بحوالي مليون كيلو متر مكعب, ويقدر متوسط كثافتها بحوالي5,52 جرام للسنتيمتر المكعب, وعلي ذلك فان كتلتها تقدر بحوالي السته الاف مليون مليون مليون طن, ومن الواضح ان هذه الابعاد قد حددها ربنا( تبارك وتعالي) بدقه وحكمه بالغتين, فلو كانت الارض اصغر قليلا لما كان في مقدورها الاحتفاظ باغلفتها الغازيه, والمائيه, وبالتالي لاستحالت الحياه الارضيه, ولبلغت درجه الحراره علي سطحها مبلغا يحول دون وجود اي شكل من اشكال الحياه الارضيه, وذلك لان الغلاف الغازي للارض به من نطق الحمايه ما لا يمكن للحياه ان توجد في غيبتها, فهو يرد عنا جزءا كبيرا من حراره الشمس واشعتها المهلكه, كما يرد عنا قدرا هائلا من الاشعه الكونيه القاتله, وتحترق فيه بالاحتكاك بمادته اجرام الشهب واغلب ماده النيازك, وهي تهطل علي الارض كحبات المطر في كل يوم.
ولو كانت ابعاد الارض اكبر قليلا من ابعادها الحاليه لزادت قدرتها علي جذب الاشياء زياده ملحوظه مما يعوق الحركه, ويحول دون النمو الكامل لاي كائن حي علي سطحها ان وجد, وذلك لان الزياده في جاذبيه الارض تمكنها من جذب المزيد من صور الماده والطاقه في غلافها الغازي فيزداد ضغطه علي سطح الارض, كما تزداد كثافته فتعوق وصول القدر الكافي من اشعه الشمس الي الارض, كما قد تودي الي احتفاظ الارض بتلك الطاقه كما تحتفظ بها الصوب النباتيه علي مر الزمن فتزداد باستمرار وترتفع حرارتها ارتفاعا يحول دون وجود اي صوره من صور الحياه الارضيه علي سطحها.
ويتعلق طول كل من نهار وليل الارض وطول سنتها, بكل من بعد الارض عن الشمس, وبابعادها ككوكب يدور حول محوره, ويجري في مدار ثابت حولها.
فلو كانت سرعه دوران الارض حول محورها امام الشمس اعلي من سرعتها الحاليه لقصر طول اليوم الارضي( بنهاره وليله) قصرا مخلا, ولو كانت ابطا من سرعتها الحاليه لطال يوم الارض طولا مخلا, وفي كلتا الحالتين يختل نظام الحياه الارضيه اختلالا قد يودي الي افناء الحياه علي سطح الارض بالكامل, ان لم يكن قد ادي الي افناء الارض ككوكب افناء تاما, وذلك لان قصر اليوم الارضي او استطالته( بنهاره وليله) يخل اخلالا كبيرا بتوزيع طاقه الشمس علي المساحه المحدده من الارض, وبالتالي يخل بجميع العمليات الحياتيه من مثل النوم واليقظه, والتنفس والنتح, وغيرها, كما يخل بجميع الانشطه المناخيه من مثل الدفء والبروده, والجفاف والرطوبه, وحركه الرياح والاعاصير والامواج, وعمليات التعريه المختلفه, ودوره المياه حول الارض وغيرها من انشطه. كذلك فلو لم تكن الارض مائله بمحورها علي مستوي مدار الشمس ما تبادلت الفصول, واذا لم تتبادل الفصول اختل نظام الحياه علي الارض.
وبالاضافه الي ذلك فان تحديد مدار الارض حول الشمس بشكله البيضاني( الاهليلجي), وتحديد وضع الارض فيه قربا وبعدا علي مسافات منضبطه من الشمس يلعب دورا مهما في ضبط كميه الطاقه الشمسيه الواصله الي كل جزء من اجزاء الارض وهو من اهم العوامل لجعلها صالحه لنمط الحياه المزدهره علي سطحها, وهذا كله ناتج عن الاتزان الدقيق بين كل من القوه الطارده( النابذه) المركزيه التي دفعت بالارض الي خارج نطاق الشمس, وشده جاذبيه الشمس لها, ولو اختل هذا الاتزان باقل قدر ممكن فانه يعرض الارض اما للابتلاع بواسطه الشمس حيث درجه حراره قلبها تزيد عن خمسه عشر مليونا من الدرجات المطلقه, او تعرضها للانفلات من عقال جاذبيه الشمس فتضيع في فسحه الكون المتراميه فتتجمد بمن عليها وما عليها, او تحرق بواسطه الاشعه الكونيه, او تصطدم بجرم اخر, او تبتلع بواسطه نجم من النجوم, والكون من حولنا مليء بالمخاطر التي لا يعلم مداها الا الله( تعالي), والتي لا يحفظنا منها الا رحمته( سبحانه وتعالي) ويتمثل جانب من جوانب رحمه الله بنا في عدد من السنين المحدده التي تحكم الارض كما تحكم جميع اجرام السماء في حركه دقيقه دائبه لا تتوقف ولا تتخلف حتي يرث الله الارض ومن عليها.
ثالثا: بنيه الارض:
اثبتت دراسات الارض انها تنبني من عده نطق محدده حول كره مصمته من الحديد والنيكل تعرف باسم لب الارض الصلب( الداخلي) ولهذا اللب الصلب كما لكل نطاق من نطق الارض دوره في جعل هذا الكوكب صالحا للعمران بالحياه الارضيه في جميع صورها.
وتقسم النطق الداخليه للارض علي اساس من تركيبها الكيميائي او علي اساس من صفاتها الميكانيكيه باختلافات بسيطه بين العلماء, وتترتب بنيه الارض من الداخل الي الخارج علي النحو التالي:
(1) لب الارض الصلب( الداخلي):
وهو عباره عن نواه صلبه من الحديد(90%) وبعض النيكل(9%) مع قليل من العناصر الخفيفه من مثل الفوسفور, الكربون, السيليكون(1%), وهو نفس تركيب النيازك الحديديه تقريبا. ويبلغ قطر هذه النواه حوالي2402 كيلو متر, ويمتد نصف قطرها من مركزها علي عمق6371 كيلو مترا الي عمق5170 كيلو مترا تحت سطح الارض.
ولما كانت كثافه الارض في مجموعها تقدر بحوالي5,52 جرام للسنتيمتر المكعب, بينما تختلف كثافه قشره الارض بين2,7 جرام للسنتيمتر المكعب, وحوالي3 جرامات للسنتيمتر المكعب, فان الاستنتاج المنطقي يودي الي ان كثافه لب الارض لابد وان تتراوح بين10 و13,5 جرام للسنتيمتر المكعب.
(2) نطاق لب الارض السائل( الخارجي):
وهو نطاق سائل يحيط باللب الصلب, وله نفس تركيبه الكيميائي تقريبا وان كانت مادته منصهره, ويبلغ سمكه2275 كيلو مترا( من عمق5170 كيلو مترا الي عمق2885 كيلو مترا تحت سطح الارض), ويفصل هذا النطاق عن اللب الصلب منطقه انتقاليه يبلغ سمكها450 كيلو مترا تمثل بدايات عمليه الانصهار وعلي ذلك فهي شبه منصهره( وتمتد من عمق5170 كيلو مترا الي عمق4720 كيلو مترا تحت سطح الارض) ويكون كل من لب الارض الصلب ولبها السائل حوالي31% من كتلتها.
(3),(4),(5) نطق وشاح الارض:
يحيط وشاح الارض بلبها السائل, ويبلغ سمكه حوالي2765 كيلو مترا( من عمق2885 كيلو مترا الي عمق120 كيلو مترا تحت سطح الارض), ويفصله الي ثلاثه نطق مميزه مستويان من مستويات انقطاع الموجات الاهتزازيه الناتجه عن الزلازل, يقع احدهما علي عمق670 كيلو مترا, ويقع الاخر علي عمق400 كيلو متر من سطح الارض, وبذلك ينقسم وشاح الارض الي وشاح سفلي( يمتد من عمق2885 كيلو متر الي عمق670 كيلو متر تحت سطح الارض), ووشاح متوسط( يمتد من عمق670 كيلو مترا الي عمق400 كيلو مترا تحت سطح الارض), ووشاح علوي( يمتد من عمق400 كيلو مترا الي عمق يتراوح بين65 كيلو مترا تحت المحيطات, وعمق120 كيلو مترا تحت سطح القارات).
وقمه الوشاح العلوي( من عمق65 120 كيلو مترا الي عمق200 كيلو متر تحت سطح الارض) يعرف باسم نطاق الضعف الارضي
لوجوده في حاله لزجه, شبه منصهره( اي منصهره انصهارا جزئيا في حدود نسبه1%).
(6),(7) الغلاف الصخري للارض
ويتراوح سمكه بين65 كيلو مترا تحت قيعان البحار والمحيطات,120 كيلو مترا تحت القارات, ويقسمه خط انقطاع الموجات الاهتزازيه المسمي باسم الموهو
الي قشره الارض
والي ما تحت قشره الارض
وتمتد قشره الارض الي عمق يتراوح بين5 و8 كيلو مترات تحت قيعان البحار والمحيطات, وبين60 و80 كيلو مترا تحت القارات, ويمتد ما تحت القشره الي عمق120 كيلو مترا تحت سطح الارض.
وللارض مجال جاذبيه يزداد مع العمق حتي يصل الي قمته عند الحد الفاصل بين وشاح الارض ولبها( علي عمق2885 كيلو مترا تحت سطح الارض) ثم يبدا في التناقص( بسبب الجذب الذي يحدثه عمود الصخور فوق هذا العمق) حتي يصل الي الصفر في مركز الارض. ولولا جاذبيه الارض لهرب منها غلافها الغازي, ولو حدث ذلك ما امكنها ان تكون صالحه لاستقبال الحياه, وذلك لان هناك حدا ادني لسرعه الهروب من جاذبيه الارض يقدر بحوالي11,2 كيلو متر في الثانيه, بمعني ان الجسم لكي يستطيع الافلات من جاذبيه الارض فعليه ان يتحرك في عكس اتجاه الجاذبيه بسرعه لا تقل عن هذه السرعه.
ولما كانت حركه جسيمات الماده في الغلاف الغازي للارض اقل من تلك السرعه بكثير فقد امكن للارض( بتدبير من الله تعالي) ان تحتفظ بغلافها الغازي, ولو فقدته ولو جزئيا لاستحالت الحياه علي الارض, ولامطرت بوابل من الاشعات الكونيه والشمسيه, ولرجمت بملايين من النيازك التي كانت كفيله بتدميرها...!!!
كذلك فان للارض مجالا مغناطيسيا ثنائي القطبيه, يعتقد ان له صله وثيقه بلب الارض الصلب وحركه اطاره السائل من حوله, ويتولد المجال المغناطيسي للارض كما يتولد لاي جسم اخر من حركه المكونات فيها وفيه, وذلك لان الجسيمات الاوليه للماده( وهي في غالبيتها مشحونه بالكهرباء) تتحرك سواء كانت طليقه او مرتبطه في داخل ذرات الماده, وهي حينما تتحرك تولد مجالا مغناطيسيا, والمجال المغناطيسي لايه نقطه في فسحه الكون يمثل بمحصله اتجاه تمتد من القطب المغناطيسي الجنوبي للماده الي قطبها الشمالي في حركه معاكسه لاتجاه عقرب الساعه ومماثله لحركه الطواف حول الكعبه المشرفه.
والمجال المغناطيسي للارض كون لها( باراده الله تعالي) غلافا مغناطيسيا يعرف باسم النطاق المغناطيسي للارض
وهو يلعب دورا مهما في حمايه الارض من الاشعه الكونيه بتحكمه في حركه الجسيمات المشحونه القادمه الينا من فسحه الكون فيجعلها تدور من احد قطبي الارض المغناطيسيين الي الاخر دون الدخول الي المستويات المنخفضه من غلافها الغازي.
ويمتد المجال المغناطيسي للارض الي مسافه تقدر بخمسين الف كيلو متر فوق سطحها, وكونت الجسيمات المشحونه القادمه من السماء والتي اسرها المجال المغناطيسي للارض زوجين من احزمه الاشعاع هلالي الشكل علي ارتفاع الفي كيلو متر وخمسين الف كيلو متر علي التوالي يحيط كل زوج منهما بالارض من احدي جهاتها, ويحيط الزوج الاخر من الجهه الاخري وهذه الحلقات من احزمه الاشعاع تحاصر الارض مع مستوي مركزي منطبق علي المستوي الاستوائي المغناطيسي لها, وتحميها من وابل الاشعه الكونيه المتساقط باتجاهها في كل لحظه, ولولا هذه الحمايه الربانيه لهلكنا وهلكت جميع صور الحياه من حولنا, والجرعه الاشعاعيه في احزمه الاشعاع تلك عاليه الشده لا تطيقها ايه صوره من صور الحياه الارضيه, وتبلغ الشده الاشعاعيه مداها في نطاق المنطقه الاستوائيه للحزام الاشعاعي للارض.
وللارض كذلك نشاط ديناميكي يتمثل في حركه الواح الغلاف الصخري لها, الممزق بشبكه هائله من الصدوع, وتتحرك تيارات الحمل العنيفه المندفعه من نطاق الضعف الارضي لتحرك تلك الالواح اما متباعده عن بعضها البعض فتكون قيعان البحار والمحيطات وتساعد علي عمليه اتساعها وتجديد مادتها باستمرار, واما مصطدمه مع بعضها البعض فتكون السلاسل الجبليه, وتصاحب العمليتان بتكون السلاسل الجبليه وبالعديد من الهزات الارضيه, والثورانات البركانيه التي تثري سطح الارض بالخيرات المعدنيه والصخريه المختلفه.
والجبال لعبت ولاتزال تلعب دورا رئيسيا في تثبيت الغلاف الصخري للارض, ولولا هذا التثبيت ما تكونت التربه, ولا دارت دوره المياه, ولا خزنت المياه تحت السطحيه, ولا نبتت نبته, ولا امكن لكائن حي ان يستقر علي سطح الارض.
كذلك لعبت الجبال ولاتزال تلعب دورا مهما في تثبيت الارض ككوكب يدور حول نفسه, وتقلل من درجه ترنحه كما تقلل قطع الرصاص التي توضع في اطارات السيارات من معدل ترنحها. ولولا نطاق الضعف الارضي ما امكن لهذه العمليات الداخليه للارض ان تتم, وهي من ضرورات جعلها صالحه للعمران.
هذه بعض ايات الله في الارض وهي اكثر من ان تحصي في مقال واحد, اشارت اليها هذه الايه الكريمه التي يقول فيها ربنا( تبارك وتعالي):
وفي الارض ايات للموقنين*
فسبحان من خلق الارض بهذا القدر من الاحكام والاتقان, وترك فيها من الايات ما يشهد لخالقها بطلاقه القدره, واحكام الصنعه, وشمول العلم كما يشهد له( تعالي) بجلال الربوبيه وعظمه الالوهيه, والتفرد بالوحدانيه, وسبحان الذي انزل هذه الايه الكريمه المعجزه من قبل الف واربعمائه سنه ولم يكن لاحد من الخلق المام بتلك الايات الارضيه والتي لم تتكشف اسرارها للانسان الا منذ عقود قليله من الزمان, وفي ذلك من الشهادات القاطعه بان القران الكريم هو كلام الله الخالق, وان نبينا محمدا( صلي الله عليه واله وسلم) هو خاتم انبياء الله ورسله, وانه( صلوات الله وسلامه عليه) كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السماوات والارض, وصدق الله العظيم اذ يصفه بقوله الحق:
وما ينطق عن الهوي* ان هو الا وحي يوحي* علمه شديد القوي* ذو مره فاستوي* وهو بالافق الاعلي* ثم دنا فتدلي* فكان قاب قوسين او ادني* فاوحي الي عبده ما اوحي*
(النجم:3 10)
-
23
... وانزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس....
الحديد: 25
سوره الحديد سوره مدنيه, وهي السوره الوحيده من سور القران الكريم التي تحمل اسم عنصر من العناصر المعروفه لنا والتي يبلغ عددها مائه وخمسه عناصر; ويعجب القارئ للقران لاختيار هذا العنصر بالذات اسما لهذه السوره التي تدور حول قضيه انزاله من السماء, وباسه الشديد, ومنافعه للناس.....!!
وتبدا السوره الكريمه بتاكيد ان كل مافي السماوات والارض خاضع بالعبوديه لله, مسبح بحمده, منزه له عن كل وصف لايليق بجلاله, لانه( تعالي) هو العزيز الحكيم, الذي له ملك السماوات والارض, الذي يحيي ويميت وهو علي كل شيء قدير; وتواصل الايات مزيدا من صفات هذا الخالق العظيم فهو الاول بلا بدايه, والاخر بلا نهايه, والظاهر فليس فوقه شيء, والباطن فليس دونه شيء, وهو العليم بكل شيء, فلا تخفي عليه خافيه في الارض ولا في السماء; وانه( تعالي) خلق السماوات والارض في سته ايام ثم استوي علي العرش استواء يليق بجلاله, وانه( سبحانه) يعلم مايلج في الارض, ومايخرج منها, وماينزل من السماء, ومايعرج فيها, وانه مع جميع خلقه اينما كانوا, وفي اي زمان كانوا, فلا الزمان ولا المكان يقف عائقا امام قدره الله, وهو( تعالي) مطلع علي جميع خلقه, بصير بما يعملون, وهو الذي له ملك السماوات والارض, الذي اليه ترجع الامور, وان من الدلائل علي طلاقه قدرته انه( تعالي) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل, وهو( سبحانه) عليم بذات الصدور, فالكون كله خاضع لارادته( تعالي) فهو خالقه ومبدعه, والمتصرف فيه بما يشاء, وهذه الصفات العليا من خصائص الاله الواحد الاحد, الفرد الصمد, الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد, فلا شريك له في ملكه, ولا منازع له في سلطانه, فهو رب كل شيء ومليكه, بغير شريك ولا شبيه ولا منازع, المسيطر سيطره مطلقه علي الوجود كله بكل مافيه, ومن فيه, فكل شيء بيديه, وكل شيء راجع اليه, لايخفي شيء عن علمه, ولا يخرج شيء عن امره, يعلم خائنه الاعين وماتخفي الصدور....!!
ثم تتحرك الايات بعد ذلك في ايقاع رقيق يخاطب جماعه المومنين, وتدعوهم الي تجسيد ايمانهم بالله ورسوله في بذل الاموال والمهج والارواح دفاعا عن هذا الدين, والي الانفاق مما جعلوا مستخلفين فيه حتي ينالوا الاجر الكبير من رب العالمين, فالذي يفعل ذلك كانما يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له اضعافا كثيره وله اجر كريم, وبالاضافه الي عموميه الدعوه الي تلك الحقيقه, فهي تذكره دائمه لجماعه المومنين بما بذله السابقون من المهاجرين والانصار في سبيل الله, حتي يتاسوا بهم في التجرد الكامل, والاخلاص الصادق لدين الله, والبذل والتضحيه بالاموال والانفس من اجل اعلاء كلمه الله في الارض فلا تشدهم الحياه الدنيا عن الجهاد في سبيل الله مهما تكن المغريات, ومهما تكن العوائق.....!!
وبعد ذلك تعرض الايات لحال كل من المومنين والمومنات في جانب, والمنافقين والمنافقات في جانب اخر يوم العرض الاكبر, وشتان مابين الحالين.
وتتساءل الايات عن امكان ان يكون الوقت قد حان لكي تخشع قلوب المومنين لذكر الله, وما انزل من الحق علي خاتم انبيائه ورسله حتي لايكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون.
وتوكد الايات بعد ذلك مرحليه الحياه الدنيا, وانها ليست الا متاع الغرور, فلايجوز لعاقل ان ينخدع بها, ويفني عمره في خدمتها, لاهيا عن الاخره وهي دار القرار, ولذلك تنادي الايات بالمسارعه الي طلب المغفره من الله, والي العمل المخلص الدءوب من اجل الفوز بالجنه التي عرضها كعرض السماء والارض اعدت للذين امنوا بالله ورسله; وتضيف الايات ان كل خطب جلل نزل بالارض او بالانفس مدون في كتاب الله من قبل وقوعه, وان ذلك علي الله يسير, كي ترضي كل نفسي مومنه بقدر الله خيره وشره وتومن ان فيه الخير كل الخير, فلاتبطر عند مسره, لان الله تعالي لايحب كل مختال فخور, ولاتجزع عند مضره لايمانها بان ذلك قدر مقسوم, واجل محتوم, وانه لاملجا ولامنجي من الله الا اليه....!!
وتنعي الايات علي الذين يبخلون ويامرون الناس بالبخل, لان الله تعالي كريم يحب كل كريم, ومن يتول عن منهج الله فان الله هو الغني الحميد.
وبعد هذه المقدمه الطويله ياتي قلب السوره وسر تسميتها في الايه التي يقول فيها ربنا( تبارك وتعالي):
(لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وانزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ان الله قوي عزيز*)
ثم تاتي الايات الاربع الاخيره في السوره لتعرض خط سير رساله الهدايه الربانيه, وتاريخ هذا الدين دين الاسلام الذي علمه ربنا( تبارك وتعالي) لابينا ادم عليه السلام, وانزله علي فتره من الرسل من لدن نبي الله نوح( عليه السلام) الي خاتم الانبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبدالله( عليه وعليهم اجمعين افضل الصلاه وازكي التسليم), والذي لايرتضي ربنا( تبارك وتعالي) من عباده دينا سواه بعد ان اكمله, واتمه, وحفظه في بعثه هذا النبي الخاتم والرسول الخاتم( صلي الله وسلم وبارك عليه, وعلي اله وصحبه اجمعين), واشارت الايات الي حال بعض من اهل الكتاب ومنهم اتباع نبي الله عيسي( عليه السلام), واختتمت السوره بالدعوه الي الايمان بالنبي الخاتم والرسول الخاتم, ففي ذلك دخول في رحمه الله, وفي نوره ومغفرته, وهو سبحانه صاحب الفضل العظيم, والمنن العديده التي يمن بها علي من يشاء من عباده.
والايه الكريمه التي نحن بصددها توكد ان الحديد قد انزل انزالا كما انزلت جميع صور الوحي السماوي, وانه يمتاز بباسه الشديد, وبمنافعه العديده للناس, وهو من الامور التي لم يصل العلم الانساني الي ادراكها الا في اواخر الخمسينيات من القرن العشرين.
وهنا يبرز التساول: كيف انزل الحديد؟ وماهو وجه المقارنه بين انزال وحي السماء وانزال الحديد؟ ماهو باسه الشديد؟ وماهي منافعه للناس؟ وقبل الاجابه علي تلك الاسئله لابد من استعراض سريع للدلالات اللغويه لبعض الفاظ الايه الكريمه, وكذلك للمواضع التي ورد فيها ذكر( الحديد) في كتاب الله( تعالي).
الدلالات اللغويه لبعض الفاظ الايه الكريمه
(النزول) في الاصل هو هبوط من علو, يقال في اللغه:( نزل),( ينزل)( نزولا), و(منزلا) بمعني حل, يحل, حلولا; والمنزل بفتح الميم والزاي هو( النزول) وهو الحلول, و(نزل) عن دابته بمعني هبط من عليها, و(نزل) في مكان كذا اي حط رحله فيه, و(النزيل) هو الضيف.
ويقال:( انزله) غيره بمعني اضافه او هبط به; و(استنزله) بمعني( نزله تنزيلا), و(التنزيل) ايضا هو القران الكريم, وهو( الانزال المفرق), وهو الترتيب; وعلي ذلك فان الانزال اعم من التنزيل; و(التنزل) هو( النزول في مهله), و(النزل) هو ما يهيا( للنزيل) اي مايعد( للنازل) من المكان, والفراش, والزاد, والجمع( انزال); وهو ايضا الحظ والريع,و(النزل) بفتحتين, و(المنزل) الدار والمنهل( اي المورد الذي ينتهل منه لان به( ماء) او هو عين ماء ترده الابل في المراعي, وتسمي المنازل التي في المفاوز علي طرق( السفار); و(المنزله) مثله, او هي الرتبه او المرتبه; و(المنزله) لاتجمع.
ويقال استنزل فلان( بضم التاء وكسر الزاي) اي حط عن مرتبته, و(المنزل) بضم الميم وفتح الزاي( الانزال), نقول:' رب انزلني( منزلا) مباركا, وانت خير( المنزلين)*'; و(انزال) الله( تعالي) نعمه ونقمه علي الخلق هو اعطاوهم اياها, وقال المفسرون في قول الحق( تبارك وتعالي):( ولقد راه نزله اخري) ان( نزله) هنا تعني مره اخري.
وفي قوله( تعالي)' جنات الفردوس نزلا' قال الاخفش: هو من( نزول) الناس بعضهم علي بعض, يقال: ماوجدنا عندك نزلا; و(النازله): الشديده من شدائد الدهر تنزل بالناس, وجمعها( نوازل); و(النزال) في الحرب( المنازله); و(النزله هي الزكمه من الزكام, يقال به( نزله), وقد نزل بضم النون.
الحديد في القران الكريم
ورد ذكر الحديد في كتاب الله( تعالي) في ست ايات متفرقات علي النحو التالي:
(1) قل كونوا حجاره او حديدا*
( الاسراء:50)
(2) اتوني زبر الحديد.....*( الكهف:96)
(3) ولهم مقامع من حديد*( الحج:21)
(4):.. والنا له الحديد*( سبا:10)
(5) لقد كنت في غفله من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد*.( ق:22)
(6).. وانزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس..*( الحديد:25)
وكلها تشير الي عنصرالحديد ماعدا ايه سوره ق والتي جاءت لفظه( حديد) فيها في مقام التشبيه للبصر بمعني انه نافذ قوي يبصر به ما كان خفيا عنه في الدنيا.
شروح المفسرين للايه الكريمه
ذكر ابن كثير( يرحمه الله) في تفسير قول الحق( تبارك وتعالي): وانزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس*.
اي وجعلنا الحديد رادعا لمن ابي الحق وعانده بعد قيام الحجه عليه, ولهذا اقام رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بمكه بعد النبوه ثلاث عشره سنه توحي اليه السور المكيه, وكلها جدال مع المشركين, وبيان وايضاح للتوحيد, وبيناته ودلالاته, فلما قامت الحجه علي من خالف, شرع الله الهجره, وامرهم بالقتال بالسيوف وضرب الرقاب, وقد روي الامام احمد, عن ابن عمر قال.. قال رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بعثت بالسيف بين يدي الساعه حتي يعبد الله وحده لا شريك له, وجعل رزقي تحت ظل رمحي, وجعل الذله والصغار علي من خالف امري, ومن تشبه بقوم فهو منهم) ولهذا قال تعالي:( فيه باس شديد) يعني السلاح كالسيوف والحراب والسنان ونحوها( ومنافع للناس) اي في معايشهم كالسكه والفاس والمنشار والالات التي يستعان بها في الحراثه والحياكه والطبخ وغير ذلك.. وقوله تعالي( وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب) اي من نيته في حمل السلاح نصره لله ورسوله( ان الله قوي عزيز) اي هو قوي عزيز ينصر من نصره من غير احتياج منه الي الناس, وانما شرع الجهاد ليبلو بعضكم ببعض.
وذكر صاحبا تفسير الجلالين( رحمهما الله) في تفسير هذه الايه الكريمه مانصه: لقد ارسلنا رسلنا الملائكه الي الانبياء( بالبينات) بالحجج القواطع( وانزلنا معهم الكتاب) بمعني الكتب و(الميزان) العدل,( ليقوم الناس بالقسط( وانزلنا الحديد) اي انشاناه, وخلقناه, لقوله تعالي( وانزل لكم من الانعام ثمانيه ازواج) اي خلق, وقيل: اخرجناه من المعادن,( فيه باس شديد) يعني السلاح, يقاتل به من ابي الحق وعانده بعد قيام الحجه عليه,( ومنافع للناس) في معايشهم كالفاس والمنشار وسائر الادوات والالات,( وليعلم الله) علم مشاهده, معطوف علي( ليقوم الناس)( من ينصره) بان ينصر دينه بالات الحرب من الحديد وغيره( ورسله بالغيب) حال من هاء( ينصره) اي غائبا عنهم في الدنيا, قال ابن عباس: ينصرونه ولايبصرونه( ان الله قوي عزيز) لاحاجه له الي النصره لكنها تنفع من ياتي بها.
وذكر صاحب الظلال( رحمه الله رحمه واسعه): وفي النهايه يجيء المقطع الاخير في السوره, يعرض باختصار خط سير الرساله, وتاريخ هذه العقيده من لدن نوح وابراهيم, مقررا حقيقتها وغايتها في دنيا الناس, ملما بحال اهل الكتاب, واتباع عيسي عليه السلام بصفه خاصه.. فالرساله واحده في جوهرها, جاء بها الرسل ومعهم البينات عليها, ومعظمهم جاء بالبينات الخوارق.. والنص يقول:( وانزلنا معهم الكتاب) بوصفهم وحده, وبوصف الكتاب وحده كذلك, اشاره الي وحده الرساله في جوهرها.
(والميزان).. مع الكتاب, فكل الرسالات جاءت لتقر في الارض, وفي حياه الناس ميزانا ثابتا ترجع اليه البشريه.. ميزانا لايحابي احدا لانه يزن بالحق الالهي للجميع, ولايحيف علي احد لان الله رب الجميع.
فلابد من ميزان ثابت يثوب اليه البشر..( ليقوم الناس بالقسط)!
( وانزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس, وليعلم الله من ينصره, ورسله بالغيب) والتعبير ب( انزلنا الحديد) كالتعبير في موضع اخر بقوله تعالي( وانزل لكم من الانعام ثمانيه ازواج) كلاهما يشير الي اراده الله وتقديره في خلق الاشياء والاحداث... انزل الله الحديد( فيه باس شديد) وهو قوه الحرب والسلم( ومنافع للناس) وتكاد حضاره البشر القائمه الان تقوم علي الحديد( وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب) وهي اشاره الي الجهاد بالسلاح, تجيء في موضعها من السوره التي تتحدث عن بذل النفس والمال.
ولما تحدث عن الذين ينصرون الله ورسله بالغيب, عقب علي هذا بايضاح معني نصرهم لله ورسله, فهو نصر لمنهجه ودعوته, اما الله سبحانه فلا يحتاج منهم الي نصر: ان الله قوي عزيز..
وذكر صاحب (صفوه البيان لمعاني القران):.. و(انزلنا الحديد) اي خلقناه لكم, كقوله تعالي( وانزل لكم من الانعام ثمانيه ازواج) اي هياناه لكم, وانعمنا به عليكم, وعلمناكم استخراجه من الارض وصنعته بالهامنا,( فيه باس شديد) اي فيه قوه وشده, فمنه جنه وسلاح, والات للحرب وغيرها, وفي الايه اشاره الي احتياج الكتاب والميزان الي القائم بالسيف, ليحصل القيام بالقسط,( ومنافع للناس) في معاشهم ومصالحهم, وما من صنعه الا والحديد التها, كما هو مشاهد, فالمنه به عظمي...
وقال صاحب( صفوه التفاسير):( وانزلنا الحديد فيه باس شديد) اي وخلقنا واوجدنا الحديد فيه باس شديد, لان الات الحرب تتخذ منه, كالدروع والرماح والتروس والدبابات وغير ذلك ومنافع للناس اي وفيه منافع كثيره للناس كسكك الحراثه والسكين والفاس وغير ذلك, وما من صناعه الا والحديد اله فيها, قال ابوحيان: وعبر تعالي عن ايجاده بالانزال كما قال:( وانزل لكم من الانعام ثمانيه ازواج) لان الاوامر وجميع القضايا والاحكام لما كانت تلقي من السماء جعل الكل نزولا منها, واراد بالحديد جنسه من المعادن قاله الجمهور.
وذكر اصحاب( المنتخب في تفسير القران الكريم) مانصه: لقد ارسلنا رسلنا الذين اصطفيناهم بالمعجزات القاطعه, وانزلنا معهم الكتب المتضمنه للاحكام وشرائع الدين والميزان الذي يحقق الانصاف في التعامل, ليتعامل الناس فيما بينهم بالعدل, وخلقنا الحديد فيه عذاب شديد في الحرب, ومنافع للناس في السلم, يستغلونه في التصنيع, لينتفعوا به في مصالحهم ومعايشهم, وليعلم الله من ينصر دينه, وينصر رسله غائبا عنهم ان الله قادربذاته, لايفتقر الي عون احد.
وجاءوا في الهامش ببعض من صفات الحديد وفوائده.
حديد الارض في العلوم الكونيه
بينما لاتتعدي نسبه الحديد في شمسنا0.0037% فان نسبته في التركيب الكيميائي لارضنا تصل الي35,9% من مجموع كتله الارض المقدره بحوالي سته الاف مليون مليون مليون طن, وعلي ذلك فان كميه الحديد في الارض تقدر باكثر من الفي مليون مليون مليون طنا, ويتركز الحديد في قلب الارض, او مايعرف باسم لب الارض, وتصل نسبه الحديد فيه الي90% ونسبه النيكل( وهو من مجموعه الحديد) الي9% وتتناقص نسبه الحديد من لب الارض الي الخارج باستمرار حتي تصل الي5,6% في قشره الارض.
والي اواخر الخمسينيات من القرن العشرين لم يكن لاحد من العلماء امكانيه التصور( ولو من قبيل التخيل) ان هذا القدر الهائل من الحديد قد انزل الي الارض من السماء انزالا حقيقيا!!
كيف انزل؟ وكيف تسني له اختراق الغلاف الصخري للارض بهذه الكميات المذهله؟ وكيف امكنه الاستمرار في التحرك بداخل الارض حتي وصل الي لبها؟ وكيف شكل كلا من لب الارض الصلب ولبها السائل علي هيئه كره ضخمه من الحديد والنيكل يحيط بها وشاح منصهر من نفس التركيب, ثم اخذت نسبته في التناقص باستمرار في اتجاه قشره الارض الصلبه؟
لذلك لجا كل المفسرين للايه الكريمه التي نحن بصددها الي تفسير( وانزلنا الحديد) بمعني الخلق والايجاد والتقدير والتسخير, لانه لما كانت اوامر الله تعالي واحكامه تلقي من السماء الي الارض جعل الكل نزولا منها, وهو صحيح, ولكن في اواخر القرن العشرين ثبت لعلماء الفلك والفيزياء, الفلكيه ان الحديد لايتكون في الجزء المدرك من الكون الا في مراحل محدده من حياه النجوم تسمي بالعماليق الحمر, والعماليق العظام, والتي بعد ان يتحول لبها بالكامل الي حديد تنفجر علي هيئه المستعرات العظام, وبانفجارها تتناثر مكوناتها بما فيها الحديد في صفحه الكون فيدخل هذا الحديد بتقدير من الله في مجال جاذبيه اجرام سماويه تحتاج اليه مثل ارضنا الابتدائيه التي وصلها الحديد الكوني, وهي كومه من الرماد فاندفع الي قلب تلك الكومه بحكم كثافته العاليه وسرعته المندفع بها فانصهر بحراره الاستقرار في قلب الارض وصهرها, ومايزها الي سبع ارضين!! وبهذا ثبت ان الحديد في ارضنا, بل في مجموعتنا الشمسيه بالكامل قد انزل اليها انزالا حقيقيا.
اولا: انزال الحديد من السماء
في دراسه لتوزيع العناصر المختلفه في الجزء المدرك من الكون لوحظ ان غاز الايدروجين هو اكثر العناصر شيوعا اذ يكون اكثر من74% من ماده الكون المنظور, ويليه في الكثره غاز الهيليوم الذي يكون حوالي24% من ماده الكون المنظور, وان هذين الغازين وهما يمثلان اخف العناصر وابسطها بناء يكونان معا اكثر من98% من ماده الجزء المدرك من الكون, بينما باقي العناصر المعروفه لنا وهي(103) عناصر تكون مجتمعه اقل من2% من ماده الكون المنظور,وقد ادت هذه الملاحظه الي الاستنتاج المنطقي ان انويه غاز الايدروجين هي لبنات بناء جميع العناصر المعروفه لنا وانها جميعا قد تخلقت باندماج انويه هذا الغاز البسيط مع بعضها البعض في داخل النجوم بعمليه تعرف باسم عمليه الاندماج النووي تنطلق منها كميات هائله من الحراره,. وتتم بتسلسل من اخف العناصر الي اعلاها وزنا ذريا وتعقيدا في البناء.
فشمسنا تتكون اساسا من غاز الايدروجين الذي تندمج انويته مع بعضها البعض لتكون غاز الهيليوم وتنطلق طاقه هائله تبلغ عشره ملايين درجه مئويه, ويتحكم في هذا التفاعل( بقدره الخالق العظيم) عاملان هما زياده نسبه غاز الهيليوم المتخلق بالتدريج, وتمدد الشمس بالارتفاع المطرد في درجه حراره لبها, وباستمرار هذه العمليه تزداد درجه الحراره في داخل الشمس تدريجيا, وبازديادها ينتقل التفاعل الي المرحله التاليه التي تندمج فيها نوي ذرات الهيليوم مع بعضها البعض منتجه نوي ذرات الكربون12, ثم الاوكسجين16 ثم النيون20, وهكذا.
وفي نجم عادي مثل شمسنا التي تقدر درجه حراره سطحها بحوالي سته الاف درجه مئويه, وتزداد هذه الحراره تدريجيا في اتجاه مركز الشمس حتي تصل الي حوالي15 مليون درجه مئويه, يقدر علماء الفيزياء الفلكيه انه بتحول نصف كميه الايدروجين الشمسي تقريبا الي الهيليوم فان درجه الحراره في لب الشمس ستصل الي مائه مليون درجه مئويه, مما يدفع بنوي ذرات الهيليوم المتخلقه الي الاندماج في المراحل التاليه من عمليه الاندماج النووي مكونه عناصر اعلي في وزنها الذري مثل الكربون ومطلقه كما اعلي من الطاقه, ويقدر العلماء انه عندما تصل درجه حراره لب الشمس الي ستمائه مليون درجه مئويه يتحول الكربون الي صوديوم ومغنيسيوم ونيون, ثم تنتج عمليات الاندماج النووي التاليه عناصر الالومنيوم, والسيليكون, والكبريت والفوسفور, والكلور, والارجون, والبوتاسيوم, والكالسيوم علي التوالي, مع ارتفاع مطرد في درجه الحراره حتي تصل الي الفي مليون درجه مئويه حين يتحول لب النجم الي مجموعات التيتانيوم, والفاناديوم, والكروم, والمنجنيز والحديد( الحديد والكوبالت والنيكل) ولما كان تخليق هذه العناصر يحتاج الي درجات حراره مرتفعه جدا لاتتوافر الا في مراحل خاصه من مراحل حياه النجوم تعرف باسم العماليق الحمر والعماليق العظام وهي مراحل توهج شديد في حياه النجوم, فانها لاتتم في كل نجم من نجوم السماء, ولكن حين يتحول لب النجم الي الحديد فانه يستهلك طاقه النجم بدلا من اضافه مزيد من الطاقه اليه, وذلك لان نواه ذره الحديد هي اشد نوي العناصر تماسكا, وهنا ينفجر النجم علي هيئه مايسمي باسم المستعر الاعظم من النمط الاول او الثاني حسب الكتله الابتدائيه للنجم, وتتناثر اشلاء النجم المنفجر في صفحه السماء لتدخل في نطاق جاذبيه اجرام سماويه تحتاج الي هذا الحديد, تماما كما تصل النيازك الحديديه الي ارضنا بملايين الاطنان في كل عام.
ولما كانت نسبه الحديد في شمسنا لاتتعدي0.0037% من كتلتها وهي اقل بكثير من نسبه الحديد في كل من الارض والنيازك الحديديه التي تصل اليها من فسحه الكون, ولما كانت درجه حراره لب الشمس لم تصل بعد الي الحد الذي يمكنها من انتاج السيليكون, او المغنيسيوم, فضلا عن الحديد, كان من البديهي استنتاج ان كلا من الارض والشمس قد استمد ما به من حديد من مصدر خارجي عنه في فسحه الكون, وان ارضنا حينما انفصلت عن الشمس لم تكن سوي كومه من الرماد المكون من العناصر الخفيفه, ثم رجمت هذه الكومه بوابل من النيازك الحديديه التي انطلقت اليها من السماء فاستقرت في لبها بفضل كثافتها العاليه وسرعاتها الكونيه فانصهرت بحراره الاستقرار, وصهرت كومه الرماد ومايزنها الي سبع ارضين: لب صلب علي هيئه كره ضخمه من الحديد(90%) والنيكل(9%) وبعض العناصر الخفيفه من مثل الكبريت, والفوسفور, والكربون(1%) يليه الي الخارج, لب سائل له نفس التركيب الكيميائي تقريبا, ويكون لب الارض الصلب والسائل معا حوالي31% من مجموع كتله الارض, ويلي لب الارض الي الخارج وشاح الارض المكون من ثلاثه نطق, ثم الغلاف الصخري للارض, وهو مكون من نطاقين, وتتناقص نسبه الحديد من لب الارض الي الخارج باستمرار حتي تصل الي5,6% في قشره الارض وهي النطاق الخارجي من غلاف الارض الصخري.
من هنا ساد الاعتقاد بان الحديد الموجود في الارض والذي يشكل35,9% من كتلتها لابد وانه قد تكون في داخل عدد من النجوم المستعره من مثل العماليق الحمر, والعماليق العظام والتي انفجرت علي هيئه المستعرات العظام فتناثرت اشلاوها في صفحه الكون ونزلت الي الارض علي هيئه وابل من النيازك الحديديه, وبذلك اصبح من الثابت علميا ان حديد الارض قد انزل اليها من السماء, وان الحديد في مجموعتنا الشمسيه كلها قد انزل كذلك اليها من السماء, وهي حقيقه لم يتوصل العلماء الي فهمها الا في اواخر الخمسينيات, من القرن العشرين, وقد جاء ذكرها في سوره الحديد, ولايمكن لعاقل ان يتصور ورودها في القران الكريم الذي انزل منذ اكثر من اربعه عشر قرنا علي نبي امي( صلي الله عليه وسلم) وفي امه كانت غالبيتها الساحقه من الاميين, يمكن ان يكون له من مصدر غير الله الخالق الذي انزل هذا القران بعلمه, واورد فيه مثل هذه الحقائق الكونيه لتكون شاهده الي قيام الساعه بان القران الكريم كلام الله الخالق, وان سيدنا محمدا( صلي الله عليه وسلم) ما كان ينطق عن الهوي( ان هو الا وحي يوحي* علمه شديد القوي.
ثانيا: الباس الشديد للحديد
الحديد عنصر فلزي عرفه القدماء, فيما عرفوا من الفلزات من مثل الذهب, والفضه, والنحاس, والرصاص, والقصدير والزئبق, وهو اكثر العناصر انتشارا في الارض(35,9%) ويوجد اساسا في هيئه مركبات الحديد من مثل اكاسيد, وكربونات, وكبر يتيدات, وكبريتات وسيليكات ذلك العنصر, ولايوجد علي هيئه الحديد النقي الا في النيازك الحديديه وفي جوف الارض.
والحديد عنصر فلزي شديد الباس, وهو اكثر العناصر ثباتا وذلك لشده تماسك مكونات النواه في ذرته التي تتكون من سته وعشرين بروتونا, وثلاثين نيوترونا, وسته وعشرين اليكترونا, ولذلك تمتلك نواه ذره الحديد اعلي قدر من طاقه التماسك بين جميع نوي العناصر الاخري, ولذا فهي تحتاج الي كميات هائله من الطاقه لتفتيتها او للاضافه اليها.
ويتميز الحديد وسبائكه المختلفه بين جميع العناصر والسبائك المعروفه باعلي قدر من الخصائص المغناطيسيه, والمرونه( القابليه للطرق والسحب وللتشكل) والمقاومه للحراره ولعوامل التعريه الجويه, فالحديد لاينصهر قبل درجه1536 مئويه, ويغلي عند درجه3023 درجه مئويه تحت الضغط الجوي العادي عند سطح البحر, وتبلغ كثافه الحديد7,874 جرام للسنتيمتر المكعب عند درجه حراره الصفر المطلق.
ثالثا: منافع الحديد للناس
للحديد منافع جمه وفوائد اساسيه لجعل الارض صالحه للعمران بتقدير من الله, ولبناء اللبنات الاساسيه للحياه التي خلقها ربنا( تبارك وتعالي) فكميه الحديد الهائله في كل من لب الارض الصلب, ولبها السائل تلعب دورا مهما في توليد المجال المغناطيسي للارض, وهذا المجال هو الذي يمسك بكل من الغلاف الغازي والمائي والحيوي للارض, وغلاف الارض الغازي يحميها من الاشعه والجسيمات الكونيه ومن العديد من اشعات الشمس الضاره, ومن ملايين الاطنان من النيازك, ويساعد علي ضبط العديد من العمليات الارضيه المهمه من مثل دوره كل من الماء, والاوكسجين, وثاني اكسيد الكربون, والاوزون وغيرها من العمليات اللازمه لجعل الارض كوكبا صالحا للعمران.
والحديد لازمه من لوازم بناء الخليه الحيه في كل من النبات والحيوان والانسان اذ تدخل مركبات الحديد في تكوين الماده الخضراء في النباتات( الكلوروفيل) وهو المكون الاساسي للبلاستيدات الخضراء التي تقوم بعمليه التمثيل الضوئي اللازمه لنمو النباتات, ولانتاج الانسجه النباتيه المختلفه من مثل الاوراق والازهار, والبذور والثمار والتي عن طريقها يدخل الحديد الي انسجه ودماء كل من الانسان والحيوان, وعمليه التمثيل الضوئي هي الوسيله الوحيده لتحويل طاقه الشمس الي روابط كيميائيه تختزن في اجساد جميع الكائنات الحيه, وتكون مصدرا لنشاطها اثناء حياتها, وبعد تحلل اجساد تلك الكائنات بمعزل عن الهواء تتحول الي مختلف صور الطاقه المعروفه( القش, والحطب, والفحم النباتي, والفحم الحجري, والغاز الفحمي والنفط, والغاز الطبيعي وغيرها), والحديد يدخل في تركيب بروتينات نواه الخليه الحيه الموجوده في الماده الحامله للشفره الوراثيه للخليه( الصبغيات) كما يوجد في سوائل الجسم المختلفه, وهو احد مكونات الهيموجلوبين وهي الماده الاساسيه في كرات الدم الحمراء, ويقوم الحديد بدور مهم في عمليه الاحتراق الداخلي للانسجه والتمثيل الحيوي بها. ويوجد في كل من الكبد, والطحال والكلي, والعضلات والنخاع الاحمر, ويحتاج الكائن الحي الي قدر محدد من الحديد اذا نقص تعرض للكثير من الامراض التي اوضحها فقر الدم والحديد عصب الصناعات المدنيه والعسكريه فلا تكاد صناعه معدنيه ان تقوم في غيبه الحديد.
العلاقه بين رقم سوره الحديد في المصحف الشريف ورقم الايه في السوره بكل من الوزن الذري والعدد الذري للحديد علي التوالي
للحديد ثلاثه نظائر يقدر وزنها الذري بحوالي57,56,54 ولكن اكثرها انتشارا هو النظير الذي يحمل الوزن الذري56(55,847).
ومن الغريب ان رقم سوره الحديد في المصحف الشريف هو57, وهو يتفق مع الوزن الذري لاحد نظائر الحديد, ولكن القران الكريم يخاطب المصطفي( صلي الله عليه وسلم) في سوره الحجر بقول الحق( تبارك وتعالي):
ولقد اتيناك سبعا من المثاني والقران العظيم( الحجر:87)
وواضح من هذه الايه الكريمه ان القران الكريم بنصه يفصل فاتحه الكتاب عن بقيه القران الكريم, وبذلك يصبح رقم سوره الحديد(56) وهو الوزن الذري لاكثر نظائر الحديد شيوعا في الارض, كذلك وصف سوره الفاتحه بالسبع المثاني واياتها ست يوكد ان البسمله ايه منها( ومن كل سوره من سور القران الكريم ذكرت في مقدمتها, وقد ذكرت في مقدمه كل سور القران الكريم ماعدا سوره( التوبه) وعلي ذلك فاذا اضفنا البسمله في مطلع سوره الحديد الي رقم ايه الحديد وهو(25) اصبح رقم الايه(26) وهو نفس العدد الذري للحديد, ولايمكن ان يكون هذا التوافق الدقيق قد جاء بمحض المصادفه لانها لايمكن ان تودي الي هذا التوافق المبهر في دقته, وصدق الله العظيم الذي قال في وصفه للقران الكريم.
لكن الله يشهد بما انزل اليك انزله بعلمه والملائكه يشهدون وكفي بالله شهيدا*
(النساء:166)
وقوله تعالي افلا يتدبرون القران ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا
(النساء82)
-
(24) والارض بعد ذلك دحاها اخرج منها ماءها ومرعاها)
جاءت هذه الايه الكريمه في مطلع الربع الاخير من سوره النازعات, وهي سوره مكيه, تعني كغيرها من سور القران المكي بقضيه العقيده, ومن اسسها الايمان بالله, وملائكته, وكتبه ورسله, واليوم الاخر, وغالبيه الناس منشغلين عن الاخره واحوالها, والساعه واهوالها, وعن قضايا البعث, والحساب, والجنه, والنار وهي محور هذه السوره.
وتبدا السوره الكريمه بقسم من الله( تعالي) بعدد من طوائف ملائكته الكرام, وبالمهام الجسام المكلفين بها, او بعدد من اياته الكونيه المبهره, علي ان الاخره حق واقع, وان البعث والحساب امر جازم, وربنا( تبارك وتعالي) غني عن القسم لعباده, ولكن الايات القرانيه تاتي في صيغه القسم لتنبيه الناس الي خطوره الامر المقسم به, واهميته او حتميته.
ثم تعرض الايات لشيء من اهوال الاخره مثل( الراجفه والرادفه) وهما الارض والسماء وكل منهما يدمر في الاخره, او النفختان الاولي التي تميت كل حي, والثانيه التي تحيي كل ميت باذن الله, وتنتقل الايات الي وصف حال الكفار, والمشركين, والملاحده, المتشككين, العاصين لاوامر رب العالمين في ذلك اليوم الرهيب, وقلوبهم خائفه وجله, وابصارهم خاشعه ذليله, بعد ان كانوا ينكرون البعث في الدنيا, ويتساءلون عنه استبعادا له, واستهزاء به: هل في الامكان ان نبعث من جديد بعد ان تبلي الاجساد, وتنخر العظام؟ وترد الايات عليهم حاسمه قاطعه بقرار الله الخالق ان الامر بالبعث صيحه واحده فاذا بكافه الخلائق قيام يبعثون من قبورهم ليواجهوا الحساب, او كانهم حين يبعثون يظنون انهم عائدون للدنيا مره ثانيه فيفاجاون بالاخره...
وبعد ذلك تلمح الايات الي قصه موسي( عليه السلام) مع فرعون وملئه, من قبيل مواساه رسولنا( صلي الله عليه وسلم) في الشدائد التي كان يلقاها من الكفار, وتحذيرهم مما حل بفرعون وبالمكذبين من قومه من عذاب, وجعل ذلك عبره لكل عاقل يخشي الله( تعالي) ويخاف حسابه.
ثم تتوجه الايات بالخطاب الي منكري البعث من كفار قريش والي الناس عامه بسوال تقريعي توبيخي: هل خلق الناس علي ضاله احجامهم, ومحدوديه قدراتهم, واعمارهم, واماكنهم من الكون اشد من خلق السماء وبنائها, ورفعها بلا عمد مرئيه الي هذا العلو الشاهق مع ضخامه ابعادها, وتعدد اجرامها, ودقه المسافات بينها, واحكام حركاتها, وتعاظم القوي الممسكه بها؟ واظلام ليلها, واناره نهارها؟ واشد من دحو الارض, واخراج مائها ومرعاها منها بعد ذلك, وارساء الجبال عليها, وارساء الارض بها, تحقيقا لسلامتهم وامنهم علي سطح الارض, ولسلامه انعامهم ومواشيهم.
وبعد الاشاره الي بديع صنع الله في خلق السماوات والارض كدليل قاطع علي امكانيه البعث عاودت الايات الحديث عن القيامه وسمتها( بالطامه الكبري) لانها داهيه عظمي تعم باهوالها كل شيء, وتغطي علي كل مصيبه مهما عظمت, وفي ذلك اليوم يتذكر الانسان اعماله من الخير والشر, ويراه مدونا في صحيفه اعماله, وبرزت جهنم للناظرين, فراها كل انسان عيانا بيانا, وحينئذ ينقسم الناس الي شقي وسعيد, فالشقي هو الذي جاوز الحد في الكفر والعصيان, وفضل الدنيا علي الاخره, وهذا ماواه جهنم وبئس المصير, والسعيد هو الذي نهي نفسه عن اتباع هواها انطلاقا من مخافه مقامه بين يدي ربه يوم الحساب, وهذا ماواه ومصيره الي جنات النعيم باذن الله.
وتختتم السوره بخطاب الي رسول الله( صلي الله عليه وسلم) متعلق بسوال كفار قريش له عن الساعه متي قيامها؟, وترد الايات بان علمها عندالله الذي استاثر به, دون كافه خلقه, فمردها ومرجعها الي الله وحده, واما دورك ايها النبي الخاتم والرسول الخاتم فهو انذار من يخشاها, وهولاء الكفار والمشركون يوم يشاهدون قيامها فان هول المفاجاه سوف يمحو من الذاكره معيشتهم علي الارض, فيرونها كانها كانت ساعه من ليل او نهار, بمقدار عشيه او ضحاها, احتقارا للحياه الدنيا, واستهانه بشانها امام الاخره, وياتي ختام السوره متوافقا مع مطلعها الذي اقسم فيه ربنا( تبارك وتعالي) علي حقيقه البعث وحتميته, واهواله وخطورته, لزياده التاكيد علي انه اخطر حقائق الكون واهم احداثه, لكي يتم تناسق البدء مع الختام, وهذا من صفات العديد من سور القران الكريم.
وهنا يبرز التساول عن معني دحو الارض, وعلاقته باخراج مائها ومرعاها, ووضعه في مقابله مع بناء السماء ورفعها علي عظم هذا البناء وذلك الرفع كصوره واقعه لطلاقه القدره المبدعه في الخلق, وقبل التعرض لذلك لابد من استعراض الدلاله اللغويه للفظه الدحو الوارده في الايه الكريمه:
الدلاله اللغويه لدحو الارض
(الدحو) في اللغه العربيه هو المد والبسط والالقاء, يقال:( دحا) الشيء( يدحوه)( دحوا) اي بسطه ومده, او القاه ودحرجه, ويقال:( دحا) المطر الحصي عن وجه الارض اي دحرجه وجرفه, ويقال: مر الفرس( يدحو)( دحوا) اذا جر يده علي وجه الارض فيدحو ترابها و(مدحي) النعامه هو موضع بيضها, و(ادحيها) موضعها الذي تفرخ فيه.
شروح المفسرين للايه الكريمه:
في شرح الايه الكريمه:(والارض بعد ذلك دحاها) ذكر ابن كثير( يرحمه الله) مانصه: فسره بقوله تعالي( اخرج منها ماءها ومرعاها), وقد تقدم في سوره فصلت ان الارض خلقت قبل خلق السماء, ولكن انما دحيت بعد خلق السماء بمعني انه اخرج ما كان فيها بالقوه الي الفعل, عن ابن عباس( دحاها) ودحيها ان اخرج منها الماء والمرعي, وشقق فيها الانهار, وجعل فيها الجبال والرمال, والسبل والاكام, فذلك قوله:( والارض بعد ذلك دحاها)....
وذكر صاحبا تفسير الجلالين( رحمهما الله):( والارض بعد ذلك دحاها) اي بسطها ومهدها لتكون صالحه للحياه, وكانت مخلوقه قبل السماء من غير دحو.( اخرج) حال باضمار قد اي: دحاها مخرجا( منها ماءها ومرعاها) بتفجير عيونها, و(مرعاها) ماترعاه النعم من الشجر والعشب, وماياكله الناس من الاقوات والثمار, واطلاق المرعي عليه استعاره.
وذكر صاحب الظلال( يرحمه الله): ودحو الارض تمهيدها وبسط قشرتها, بحيث تصبح صالحه للسير عليها, وتكوين تربه تصلح للانبات,..., والله اخرج من الارض ماءها سواء مايتفجر من الينابيع, او ماينزل من السماء فهو اصلا من مائها الذي تبخر ثم نزل في صوره مطر; واخرج من الارض مرعاها, وهو النبات الذي ياكله الناس والانعام, وتعيش عليه الاحياء مباشره او بالواسطه..
وجاء في( صفوه البيان لمعاني القران):' ودحا الارض بمعني بسطها واوسعها, بعد ذكر ذلك الذي ذكره من بناء السماء, ورفع سمكها, وتسويتها, واغطاش ليلها, واظهار نهارها, وقد بين الله الدحو بقوله:( اخرج منها ماءها) بتفجير العيون, واجراء الانهار والبحار العظام.( ومرعاها) اي جميع مايقتات به الناس والدواب بقرينه قوله بعد:( متاعا لكم ولانعامكم)........ واخبرنا بعد ذلك بانه هو الذي بسط الارض, ومهدها لسكني اهلها ومعيشتهم فيها: وقدم الخبر الاول لانه ادل علي القدره الباهره لعظم السماء, وانطوائها علي الاعاجيب التي تحار فيها العقول. فبعديه الدحو انما هي في الذكر لا في الايجاد, وبجعل المشار اليه هو ذكر المذكورات من البناء وما عطف عليها لا انفسها, لايكون في الايه دليل علي تاخر الدحو عن خلق السماوات وما فيها.....'.
وجاء في( صفوه التفاسير):( والارض بعد ذلك دحاها) اي والارض بعد خلق السماء بسطها ومهدها لسكني اهلها( اخرج منها ماءها ومرعاها) اي اخرج من الارض عيون الماء المتفجره, واجري فيها الانهار, وانبت فيها الكلا والمرعي مما ياكله الناس والانعام'.
وجاء في( المنتخب في تفسير القران الكريم):' والارض بعد ذلك بسطها ومهدها لسكني اهلها, واخرج منها ماءها بتفجير عيونها, واجراء انهارها, وانبات نباتها ليقتات به الناس والدواب..
وهذا الاستعراض يدل علي ان المفسرين السابقين يجمعون علي ان من معاني دحو الارض هو اخراج الماء والمرعي من داخلها, علي هيئه العيون وانبات النبات.
دحو الارض في العلوم الكونيه
اولا: اخراج كل ماء الارض من جوفها:
كوكب الارض هو اغني كواكب مجموعتنا الشمسيه في المياه, ولذلك يطلق عليه اسم( الكوكب المائي) او( الكوكب الازرق) وتغطي المياه نحو71% من مساحه الارض, بينما تشغل اليابسه نحو29% فقط من مساحه سطحها, وتقدر كميه المياه علي سطح الارض بنحو1360 مليون كيلومتر مكعب(1.36*910); وقد حار العلماء منذ القدم في تفسير كيفيه تجمع هذا الكم الهائل من المياه علي سطح الارض, من اين اتي؟ وكيف نشا؟
وقد وضعت نظريات عديده لتفسير نشاه الغلاف المائي للارض, تقترح احداها نشاه ماء الارض في المراحل الاولي من خلق الارض, وذلك بتفاعل كل من غازي الايدروجين والاوكسيجين في حالتهما الذريه في الغلاف الغازي المحيط بالارض, وتقترح ثانيه ان ماء الارض اصله من جليد المذنبات, وتري ثالثه ان كل ماء الارض قد اخرج اصلا من داخل الارض.والشواهد العديده التي تجمعت لدي العلماء توكد ان كل ماء الارض قد اخرج اصلا من جوفها, ولايزال خروجه مستمرا من داخل الارض عبر الثورات البركانيه.
ثانيا: اخراج الغلاف الغازي للارض من جوفها:
بتحليل الابخره المتصاعده من فوهات البراكين في اماكن مختلفه من الارض اتضح ان بخار الماء تصل نسبته الي اكثر من70% من مجموع تلك الغازات والابخره البركانيه, بينما يتكون الباقي من اخلاط مختلفه من الغازات التي ترتب حسب نسبه كل منها علي النحو التالي: ثاني اكسيد الكربون, الايدروجين, ابخره حمض الايدروكلوريك( حمض الكلور), النيتروجين, فلوريد الايدروجين, ثاني اكسيد الكبريت, كبريتيد الايدروجين, غازات الميثان والامونيا وغيرها.
ويصعب تقدير كميه المياه المندفعه علي هيئه بخار الماء الي الغلاف الغازي للارض من فوهات البراكين الثائره, علما بان هناك نحو عشرين ثوره بركانيه عارمه في المتوسط تحدث في خلال حياه كل فرد منا, ولكن مع التسليم بان الثورات البركانيه في بدء خلق الارض كانت اشد تكرارا وعنفا من معدلاتها الراهنه, فان الحسابات التي اجريت بضرب متوسط ماتنتجه الثوره البركانيه الواحده من بخار الماء من فوهه واحده, في متوسط مرات ثورانها في عمر البركان, في عدد الفوهات والشقوق البركانيه النشيطه والخامده الموجوده اليوم علي سطح الارض اعطت رقما قريبا جدا من الرقم المحسوب بكميه المياه علي سطح الارض.
ثالثا: الصهاره الصخريه في نطاق الضعف الارضي هي مصدر مياه وغازات الارض:
ثبت اخيرا ان المياه تحت سطح الارض توجد علي اعماق تفوق كثيرا جميع التقديرات السابقه, كما ثبت ان بعض مياه البحار والمحيطات تتحرك مع رسوبيات قيعانها الزاحفه الي داخل الغلاف الصخري للارض بتحرك تلك القيعان تحت كتل القارات, ويتسرب الماء الي داخل الغلاف الصخري للارض. عبر شبكه هائله من الصدوع والشقوق التي تمزق ذلك الغلاف في مختلف الاتجاهات, وتحيط بالارض احاطه كامله بعمق يتراوح بين150,65 كيلومترا.
ويبدو ان الصهاره الصخريه في نطاق الضعف الارضي هي مصدر رئيسي للمياه الارضيه, وتلعب دورا مهما في حركه المياه من داخل الارض الي السطح وبالعكس, وذلك لانه لولا امتصاصها للمياه ماانخفضت درجه حراره انصهار الصخور, وهي اذا لم تنصهر لتوقفت ديناميكيه الارض, بما في ذلك الثورات البركانيه, وقد ثبت انها المصدر الرئيسي للغلاف المائي والغازي للارض.
وعلي ذلك فقد اصبح من المقبول عند علماء الارض ان النشاط البركاني الذي صاحب تكوين الغلاف الصخري للارض في بدء خلقها هو المسئول عن تكون كل من غلافيها المائي والغازي, ولاتزال ثورات البراكين تلعب دورا مهما في اثراء الارض بالمياه, وفي تغيير التركيب الكيميائي لغلافها الغازي وهو المقصود بدحو الارض.
وذلك نابع من حقيقه ان الماء هو السائل الغالب في الصهارات الصخريه علي الرغم من ان نسبته المئويه الي كتله الصهاره قليله بصفه عامه, ولكن نسبه عدد جزيئات الماء الي عدد جزيئات ماده الصهاره تصل الي نحو15%, وعندما تتبرد الصهاره الصخريه تبدا مركباتها في التبلور بالتدريج, وتتضاغط الغازات الموجوده فيها الي حجم اقل, وتتزايد ضغوطها حتي تفجر الغلاف الصخري للارض بقوه تصل الي مائه مليون طن, فتشق ذلك الغلاف وتبدا الغازات في التمدد, والانفلات من الذوبان في الصهاره الصخريه, ويندفع كل من بخار الماء والغازات المصاحبه له والصهاره الصخريه الي خارج فوهه البركان او الشقوق المتصاعده منها, مرتفعه الي عده كيلومترات لتصل الي كل اجزاء نطاق التغيرات المناخيه(8 18 كيلومترا فوق مستوي سطح البحر), وقد تصل هذه النواتج البركانيه في بعض الثورات البركانيه العنيفه الي نطاق التطبق(30 80 كيلومترا فوق مستوي سطح البحر وغالبيه ماده السحاب الحار الذي تتراوح درجه حرارته بين500,250 درجه مئويه يعاود الهبوط الي الارض بسرعات تصل الي200 كيلومتر في الساعه لان كثافته اعلي من كثافه الغلاف الغازي للارض.
والماء المتكثف من هذا السحاب البركاني الحار الذي يقطر مطرا من بين ذرات الرماد التي تبقي عالقه بالغلاف الغازي للارض لفترات طويله يجرف معه كميات هائله من الرماد والحصي البركاني مكونا تدفقا للطين البركاني الحار علي سطح الارض في صوره من صور الدحو.
ومنذ ايام ثار بركان في احدي جزر الفلبين فغمرت المياه المتكونه اثناء ثورته قريه مجاوره اهله بالسكان بالكامل.
وقد يصاحب الثورات البركانيه خروج عدد من الينابيع, والنافورات الحاره وهي ثورات دوريه للمياه والابخره شديده الحراره تندفع الي خارج الارض بفعل الطاقه الحراريه العاليه المخزونه في اعماق القشره الارضيه.
ويعتقد علماء الارض ان وشاح كوكبنا كان في بدء خلقه منصهرا انصهارا كاملا او جزئيا, وكانت هذه الصهاره هي المصدر الرئيسي لبخار الماء وعدد من الغازات التي اندفعت من داخل الارض, وقد لعبت هذه الابخره والغازات التي تصاعدت عبر كل من فوهات البراكين وشقوق الارض ولا تزال تلعب دورا مهما في تكوين واثراء كل من الغلافين المائي والغازي للارض وهو المقصود بالدحو.
رابعا: دوره الماء حول الارض:
شاءت اراده الخالق العظيم ان يسكن في الارض هذا القدر الهائل من الماء, الذي يكفي جميع متطلبات الحياه علي هذا الكوكب, ويحفظ التوازن الحراري علي سطحه, كما يقلل من فروق درجه الحراره بين كل من الصيف والشتاء صونا للحياه بمختلف اشكالها ومستوياتها.
وهذا القدر الذي يكون الغلاف المائي للارض موزونا بدقه بالغه, فلو زاد قليلا لغطي كل سطحها, ولو قل قليلا لقصر دون الوفاء بمتطلبات الحياه عليها.
ولكي يحفظ ربنا( تبارك وتعالي) هذا الماء من التعفن والفساد, حركه في دوره معجزه تعرف باسم دوره المياه الارضيه تحمل في كل سنه380,000 كيلو متر مكعب من الماء بين الارض وغلافها الغازي, ولما كانت نسبه بخار الماء في الغلاف الغازي للارض ثابته, فان معدل سقوط الامطار سنويا علي الارض يبقي مساويا لمعدل البخر من علي سطحها, وان تباينت اماكن وكميات السقوط في كل منطقه حسب الاراده الالهيه, ويبلغ متوسط سقوط الامطار علي الارض اليوم85,7 سنتيمتر مكعب في السنه, ويتراوح بين11,45 متر مكعب في جزر هاواي وصفر في كثير من صحاري الارض. وصدق رسول الله( صلي الله عليه وسلم) اذ قال: ما من عام بامطر من عام.
واذ قال:... من قال امطرنا بنوء كذا او نوء كذا فقد كفر; ومن قال امطرنا برحمه من الله وفضل فقد امن.
وتبخر اشعه الشمس من اسطح البحار والمحيطات320,000 كيلو متر مكعب من الماء في كل عام واغلب هذا التبخر من المناطق الاستوائيه حيث تصل درجه الحراره في المتوسط الي25 درجه مئويه, بينما تسقط علي البحار والمحيطات سنويا من مياه المطر284,000 كيلو مترا مكعبا, ولما كان منسوب المياه في البحار والمحيطات يبقي ثابتا في زماننا فان الفرق بين كميه البخر من اسطح البحار والمحيطات وكميه ما يسقط عليها من مطر لابد وان يفيض اليها من القارات.
وبالفعل فان البخر من اسطح القارات يقدر بستين الف كيلو متر مكعب بينما يسقط عليها سنويا سته وتسعون الفا من الكيلو مترات المكعبه من ماء المطر والفارق بين الرقمين بالايجاب هو نفس الفارق بين كميه البخر وكميه المطر في البحار والمحيطات(36,000 كيلو متر مكعب) فسبحان الذي ضبط دوره المياه حول الارض بهذه الدقه الفائقه.
ويتم البخر علي اليابسه من اسطح البحيرات والمستنقعات, والبرك, والانهار, وغيرها من المجاري المائيه, ومن اسطح تجمعات الجليد, وبطريقه غير مباشره من اسطح المياه تحت سطح الارض, ومن عمليات تنفس وعرق الحيوانات, ونتح النباتات, ومن فوهات البراكين.
ولما كان متوسط ارتفاع اليابسه هو823 مترا فوق مستوي سطح البحر, ومتوسط عمق المحيطات3800 مترا تحت مستوي سطح البحر, فان ماء المطر الذي يفيض سنويا من اليابسه الي البحار والمحيطات( ويقدر بسته وثلاثين الفا من الكيلومترات المكعبه) ينحدر مولدا طاقه ميكانيكيه هائله تفتت صخور الارض وتتكون منها الرسوبيات والصخور الرسوبيه بما يتركز فيها من ثروات ارضيه, ومكونه التربه الزراعيه اللازمه لانبات الارض, ولو انفقت البشريه كل ما تملك من ثروات ماديه ما استطاعت ان تدفع قيمه هذه الطاقه التي سخرها لنا ربنا من اجل تهيئه الارض لكي تكون صالحه للعمران...!!!.
خامسا: توزيع الماء علي سطح الارض:
تقدر كميه المياه علي سطح الارض بنحو1360 مليون كيلو متر مكعب, اغلبها علي هيئه ماء مالح في البحار والمحيطات(97,20%), بينما يتجمع الباقي(2,8%) علي هيئه الماء العذب باشكاله الثلاثه الصلبه, والسائله, والغازيه; منها(2,15% من مجموع مياه الارض) علي هيئه سمك هائل من الجليد يغطي المنطقتين القطبيتين الجنوبيه والشماليه بسمك يقترب من الاربعه كيلو مترات, كما يغطي جميع القمم الجبليه العاليه, والباقي يقدر بنحو0.65% فقط من مجموع مياه الارض يختزن اغلبه في صخور القشره الارضيه علي هيئه مياه تحت سطح الارض, تليه في الكثره النسبيه مياه البحيرات العذبه, ثم رطوبه التربه الارضيه, ثم رطوبه الغلاف الغازي للارض, ثم المياه الجاريه في الانهار وتفرعاتها.
وحينما يرتفع بخار الماء من الارض الي غلافها الغازي فان اغلبه يتكثف في نطاق الرجع( نطاق الطقس او نطاق التغيرات المناخيه) الذي يمتد من سطح البحر الي ارتفاع يتراوح بين16 و17 كيلو مترا فوق خط الاستواء, وبين6 و8 كيلو مترات فوق القطبين, ويختلف سمكه فوق خطوط العرض الوسطي باختلاف ظروفها الجويه, فينكمش الي ما هو دون السبعه كيلو مترات في مناطق الضغط المنخفض ويمتد الي نحو الثلاثه عشر كيلو مترا في مناطق الضغط المرتفع, وعندما تتحرك كتل الهواء الحار في نطاق الرجع من المناطق الاستوائيه في اتجاه القطبين فانها تضطرب فوق خطوط العرض الوسطي فتزداد سرعه الهواء في اتجاه الشرق متاثرا باتجاه دوران الارض حول محورها من الغرب الي الشرق.
ويضم هذا النطاق66% من كتله الغلاف الغازي للارض, وتتناقص درجه الحراره والضغط فيه باستمرار مع الارتفاع حتي تصل الي نحو60 درجه مئويه تحت الصفر والي عشر الضغط الجوي العادي عند سطح البحر في قمته المعروفه باسم مستوي الركود الجوي وذلك لتناقص الضغط بشكل ملحوظ عنده.
ونظرا لهذا الانخفاض الملحوظ في كل من درجه الحراره والضغط الجوي, والي الوفره النسبيه لنوي التكثف في هذا النطاق فان بخار الماء الصاعد من الارض يتمدد تمددا ملحوظا مما يزيد في فقدانه لطاقته, وتبرده تبردا شديدا ويساعد علي تكثفه وعودته الي الارض مطرا او بردا او ثلجا, وبدرجه اقل علي هيئه ضباب وندي في المناطق القريبه من الارض.
سادسا: دحو الارض معناه اخراج غلافيها المائي والغازي من جوفها:
ثبت ان كل ماء الارض قد اخرجه ربنا( تبارك وتعالي) من داخل الارض عن طريق الانشطه البركانيه المختلفه المصاحبه لتحرك الواح الغلاف الصخري للارض.
كذلك فان ثاني اكثر الغازات اندفاعا من فوهات البراكين هو ثاني اكسيد الكربون, وهو لازمه من لوازم عمليه التمثيل الضوئي التي تقوم بتنفيذها النباتات الخضراء مستخدمه هذا الغاز مع الماء وعددا من عناصر الارض لبناء خلايا النبات وانسجته, وزهوره, وثماره, ومن هنا عبر القران الكريم عن اخراج هذا الغاز المهم وغيره من الغازات اللازمه لانبات الارض من باطن الارض تعبيرا مجازيا باخراج المرعي, لانه لولا ثاني اكسيد الكربون ما انبتت الارض, ولا كستها الخضره.
سابعا: من معجزات القران الاشاره الي تلك الحقائق العلميه بلغه سهله جزله:
علي عاده القران الكريم فانه عبر عن تلك الحقائق الكونيه المتضمنه اخراج كل من الغلافين المائي والغازي للارض من داخل الارض باسلوب لا يفزغ العقليه البدويه في صحراء الجزيره العربيه وقت تنزله, فقال( عز من قائل):
والارض بعد ذلك دحاها اخرج منها ماءها ومرعاها والعرب في قلب الجزيره العربيه كانوا يرون الارض تتفجر منها عيون الماء, ويرون الارض تكسي بالعشب الاخضر بمجرد سقوط المطر, ففهموا هذا المعني الصحيح الجميل من هاتين الايتين الكريمتين, ثم ناتي نحن اليوم فنري في نفس الايتين رويه جديده مفادها ان الله( تعالي) يمن علي الارض واهلها وعلي جميع من يحيا علي سطحها انه( سبحانه) قد هياها لهذا العمران باخراج كل من اغلفتها الصخريه والمائيه والغازيه من جوفها حيث تصل درجات الحراره الي الاف الدرجات المئويه مما يشهد لله الخالق بطلاقه القدره, وببديع الصنعه, وبكمال العلم, وتمام الحكمه, كما يشهد للنبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقي هذا الوحي الخاتم بانه( صلي الله عليه وسلم) كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السموات والارض, فلم يكن لاحد من الخلق وقت تنزل القران الكريم ولا لقرون متطاوله من بعده المام بحقيقه ان كل ماء الارض, وكل هواء الارض قد اخرجه ربنا( تبارك وتعالي) من داخل الارض, وهي حقيقه لم يدركها الانسان الا في العقود المتاخره من القرن العشرين فسبحان منزل القران من قبل اربعه عشر قرنا ووصفه بقوله الكريم:
قل انزله الذي يعلم السر في السماوات والارض انه كان غفورا رحيما( الفرقان:6)
وصلي الله وسلم وبارك علي رسولنا الامين الذي تلقي هذا الوحي الرباني فبلغ الرساله, وادي الامانه, ونصح الامه وجاهد في سبيل الله حتي اتاه اليقين, والذي وصفه ربنا( سبحانه وتعالي) بقوله الكريم:
لكن الله يشهد بما انزل اليك انزله بعلمه والملائكه يشهدون وكفي بالله شهيدا( النساء:166)
-
25 او لم يروا انا ناتي الارض ننقصها من اطرافها
والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب
الرعد 41
جاءت هذه الايه الكريمه في خواتيم سوره الرعد, وهي السوره الوحيده من سور القران التي تحمل اسم ظاهره من الظواهر الجويه, وسوره الرعد توصف بانها سوره مدنيه. وان كان الخطاب فيها خطابا مكيا, يدور حول اسس العقيده الاسلاميه ومن اولها قضيه الايمان بالوحي المنزل من رب العالمين الي خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي اله وصحبه اجمعين), والايمان بالحق الذي اشتمل عليه هذا الوحي الرباني, ومن ركائزه الايمان بالله, وبوحدانيته المطلقه فوق كافه خلقه, والايمان بملائكته, وكتبه, ورسله, وباليوم الاخر, وما يستتبعه من بعث ونشور, وعرض اكبر امام الله, وحساب وجزاء, وما يستوجبه هذا الايمان من خشيه لله وتقواه, وحرص علي طلب رضاه بالعمل الصالح لان ذلك كله نابع من الايمان بالوحي, وبان الله( تعالي) هو منزل القران الداعي الي عباده الله بما امر( سبحانه وتعالي), وبالقيام بواجبات الاستخلاف في الارض بحسن عمارتها, واقامه عدل الله فيها.
وتعجب الايات من منكري البعث والحساب والجزاء, الدين كفروا بربهم, وكذبوا رسله, وجحدوا اياته, وتعرض لشيء من عذابهم في الاخره, وخلودهم في النار.
وتستشهد السوره في مواضع كثيره منها بالعديد من الايات والظواهر الكونيه الداله علي طلاقه القدره الالهيه المبدعه في الخلق والافناء, وفي الاماته والاحياء, وفي النفع والضر, والشاهده علي ان كل ما جاء به القران الكريم حق مطلق, وان كان اكثر الناس لا يومنون.
ثم تقارن الايات بين اهل النار واهل الجنه, وبين اوصاف كل فريق منهم وخصاله واعماله, وضربت لهما مثلا بالاعمي والبصير, وبينت مصير كل من الفريقين, مع تصوير رائع لكل من الجنه والنار.
وتستطرد ايات سوره الرعد في الحديث عن عدد من الظواهر الكونيه من مثل حدوث الرعد, والبرق, والصواعق, وتكوين السحاب الثقال, وانزال المطر, وتدفق الاوديه بمائه حامله من الزبد والخبث الذي لايلبث ان يذهب جفاء, وبما ينفع الناس من نفائس المعادن التي لا تلبث ان تمكث في الارض, وتشبه الايات الكريمه ذلك بكل من الباطل والحق, ولله المثل الاعلي.
ثم تعرض السوره لحقيقه غيبيه تتمثل في تسبيح الرعد بحمد الله, وتسبيح الملائكه خشيه لجلاله, وخيفه من سلطانه, وجميع من في السماوات والارض يسجد لله طوعا وكرها, حتي ظلالهم فانها تسجد لله بالغدو والاصال, اي مع دوران الارض حول محورها امام الشمس, فيمد الظل ويقبض في حركه كانها الركوع والسجود.
وتنعي الايات علي الكفار استهزاءهم بالرسل السابقين علي بعثه المصطفي( صلي الله عليه وسلم), وفي الاشاره الي ذلك ضرب من التثبيت لرسول الله, والتاكيد له علي ان الابتلاء هو طريق النبوات, وطريق اصحاب الرسالات من بدء الخلق الي قيام الدعوه المحمديه والي ان يرث الله( تعالي) الارض ومن عليها...!!! وتشير السوره بالقرب من نهايتها الي فرح الصالحين من اهل الكتاب بمقدم الرسول الخاتم, في الوقت الذي حاول فيه الكفار والمشركون التشكيك في حقيقه رسالته وتوكد انزال القران حكما عربيا مبينا, وتدعو المصطفي( صلي الله عليه وسلم) الي الحذر من ضغوط الكافرين من اجل اتباع اهوائهم. وتوكد انه ما كان لرسول من الرسل ان ياتي بايه الا بااذن الله.
ثم تاتي الايه الكريمه التي نحن بصددها ناطقه بحقيقه كونيه يقول عنها ربنا( تبارك وتعالي):
او لم يروا انا ناتي الارض ننقصها من اطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب( الرعد:41)
ويتكرر معني هذه الايه الكريمه مره اخري في سوره الانبياء والتي يقول فيها ربنا( تبارك وتعالي): بل متعنا هولاء واباءهم حتي طال عليهم العمر افلا يرون انا ناتي الارض ننقصها من اطرافها افهم الغالبون.
(الانبياء:44)
ثم تختتم سوره الرعد بالحديث عن مكر الامم السابقه الذي لم يضر المومنين شيئا لان لله( تعالي) المكر جميعا, وان له( سبحانه وتعالي) عقبي الدار, كما تتحدث عن انكار الكافرين لبعثه المصطفي( صلي الله عليه وسلم), وتاتي الايات, موكده ان الله تعالي يشهد له بالنبوه والرساله وكذلك كل من عنده علم من رسالات الله السابقه لوجود ذكره( صلي الله عليه وسلم) في الايات التي لم تحرف من بقايا كتبهم.
وهنا يبرز التساول المنطقي: ما هو معني انقاص الارض من اطرافها في هاتين الايتين الكريمتين؟ وما هو مغزي دلالتها العلميه والمعنويه؟ وقبل الخوض في ذلك لابد من استعراض سريع لشروح المفسرين.
شروح المفسرين لمعني انقاص الارض من اطرافها
في تفسير قول الحق( تبارك وتعالي): او لم يروا انا ناتي الارض ننقصها من اطرافها ذكر ابن كثير قول ابن عباس( رضي الله عنهما): او لم يروا انا نفتح لمحمد صلي الله عليه وسلم الارض بعد الارض, وقوله في مقام اخر: انقاصها من اطرافها هو خرابها بموت علمائها, وفقهائها, واهل الخير منها وقال ابن كثير: والقول الاول اولي, وهو ظهور الاسلام علي الشرك قريه بعد قريه, كقوله تعالي:( ولقد اهلكنا ما حولكم من القري) الايه, واشار الي ان هذا هو اختيار ابن جرير.
كذلك ذكر ابن كثير قول كل من مجاهد وعكرمه: انقاص الارض من اطرافها معناه خرابها, او هو موت علمائها, وقول كل من الحسن والضحاك: هو ظهور المسلمين علي المشركين, كما قالا: هو نقصان الانفس والثمرات, وخراب الارض, وقول الشعبي: لو كانت الارض تنقص لضاق عليك حشك( اي بستانك), ولكن تنقص الانفس والثمرات.
وذكر صاحبا تفسير الجلالين:( او لم يروا) اي: اهل مكه وغيرها( انا ناتي الارض) نقصد ارضهم,( ننقصها من اطرافها) بالفتح علي النبي صلي الله عليه وسلم.
اما صاحب الظلال فذكر: ان يد الله القويه تاتي الامم الغنيه حين تبطر وتكفر وتفسد فتنقص من قوتها وقدرها وثرائها وتحصرها في رقعه ضيقه من الارض بعد ان كانت ذات امتداد وسلطان.
وجاء في( صفوه البيان لمعاني القران) ما نصه:( او لم يروا انا ناتي الارض..) اي اانكروا نزول ما وعدناهم, او شكوا ولم يروا اننا نفتح ارضهم من جوانبها ونلحقها بدار الاسلام!! اولم يروا هلاك من قبلهم وخراب ديارهم كقوم عاد وثمود! فكيف يامنون حلول ذلك بهم!....
وجاء في صفوه التفاسير ما نصه: اي او لم ير هولاء المشركون انا نمكن للمومنين من ديارهم ونفتح للرسول الارض بعد الارض حتي تنقص دار الكفر وتزيد دار الاسلام؟ وذلك من اقوي الادله علي ان الله منجز وعده لرسوله عليه السلام.
وجاء في المنتخب في تفسير القران الكريم ما نصه: وان امارات العذاب والهزيمه قائمه! الم ينظروا الي انا ناتي الارض التي قد استولوا عليها, ياخذها منهم المومنون جزءا بعد جزء؟ وبذلك ننقص عليهم الارض من حولهم, والله وحده هو الذي يحكم بالنصر او الهزيمه, والثواب او العقاب, ولا راد لحكمه, وحسابه سريع في وقته, فلا يحتاج الفصل الي وقت طويل, لان عنده علم كل شيء, فالبينات قائمه. وفي الهامش جاء ذكر ما يلي: تتضمن هذه الايه حقائق وصلت اليها البحوث العلميه الاخيره اذ ثبت ان سرعه دوران الارض حول محورها, وقوه طردها المركزي يوديان الي تفلطح في القطبين وهو نقص في طرفي الارض, وكذلك عرف ان سرعه انطلاق جزيئات الغازات المغلفه للكره الارضيه, اذا ما جاوزت قوه جاذبيه الارض لها فانها تنطلق الي خارج الكره الارضيه, وهذا يحدث بصفه مستمره فتكون الارض في نقص مستمر لاطرافها, لا ارض اعداء المومنين, وهذا احتمال في التفسير تقبله الايه الكريمه.
من الدلالات العلميه لانقاص الارض من اطرافها
ترد لفظه الارض في القران الكريم بمعني الكوكب ككل, كما ترد بمعني اليابسه التي نحيا عليها من كتل القارات والجزر البحريه والمحيطيه, وان كانت ترد ايضا بمعني التربه التي تغطي صخور اليابسه. ولانقاص الارض من اطرافها في اطار كل معني من تلك المعاني عدد من الدلالات العلميه التي نحصي منها ما يلي:
اولا: في اطار دلاله لفظه الارض علي الكوكب ككل:
في هذا الاطار نجد ثلاثه معان علميه بارزه يمكن ايجازها فيما يلي:
(ا) انقاص الارض من اطرافها بمعني انكماشها علي ذاتها وتناقص حجمها باستمرار:
يقدر متوسط قطر الارض الحاليه بحوالي12742 كم, ويقدر متوسط محيطها بنحو40042 كم, ويقدر حجمها باكثر من مليون مليون كم3. وتفيد الدراسات ان ارضنا مرت بمراحل متعدده من التشكيل منذ انفصال مادتها عن سحابه الدخان الكوني التي نتجت عن عمليه الانفجار العظيم اما مباشره او بطريقه غير مباشره عبر سديم الدخان الذي تولدت عنه مجموعتنا الشمسيه, وبذلك خلقت الارض الابتدائيه التي لم تكن سوي كومه ضخمه من الرماد ذات حجم هائل يقدر بمائه ضعف حجمها الحالي علي الاقل, ومكونه من عدد من العناصر الخفيفه. ثم ما لبثت تلك الكومه الابتدائيه ان رجمت بوابل من النيازك الحديديه, والحديديه الصخريه, والصخريه, كتلك التي تصل الارض في زماننا( والتي تتراوح كمياتها بين الالف والعشره الاف طن سنويا من ماده الشهب والنيازك).
وبحكم كثافتها العاليه نسبيا اندفعت النيازك الحديديه الي مركز تلك الكومه الابتدائيه حيث استقرت, مولده حراره عاليه ادت الي صهر كومه الرماد التي شكلت الارض الابتدائيه والي تمايزها الي سبع ارضين علي النحو التالي:
1 لب صلب داخلي: عباره عن نواه صلبه من الحديد(90%) وبعض النيكل(9%) مع قليل من العناصر الخفيفه مثل الكربون والفوسفور, والكبريت والسيليكون والاوكسجين(1%) وهو قريب من تركيب النيازك الحديديه مع زياده واضحه في نسبه الحديد, ويبلغ قطر هذه النواه حاليا ما يقدر بحوالي2402 كم, وتقدر كثافتها بحوالي10 الي13.5 جرام/سم3.
2 نطاق لب الارض السائل( الخارجي): وهو نطاق سائل يحيط باللب الصلب, وله نفس تركيبه الكيميائي تقريبا ولكنه في حاله انصهار, ويقدر سمكه بحوالي2275 كم, ويفصله عن اللب الصلب منطقه انتقاليه شبه منصهره يبلغ سمكها450 كم تعتبر الجزء الاسفل من هذا النطاق, ويكون كل من لب الارض الصلب والسائل حوالي31% من كتلتها.
3 النطاق الاسفل من وشاح الارض( الوشاح السفلي): وهو نطاق صلب يحيط بلب الارض السائل, ويبلغ سمكه نحو2215 كم( من عمق670 كم الي عمق2885 كم) ويفصله عن الوشاح الاوسط( الذي يعلوه) مستوي انقطاع للموجات الاهتزازيه الناتجه عن الزلازل.
4 النطاق الاوسط من وشاح الارض( الوشاح الاوسط): وهو نطاق صلب يبلغ سمكه نحو270 كم, ويحده مستويات من مستويات انقطاع الموجات الاهتزازيه يقع احدهما علي عمق670 كم ويفصله عن الوشاح الاسفل, ويقع الاخر علي عمق400 كم ويفصله عن الوشاح الاعلي.
5 النطاق الاعلي من وشاح الارض( الوشاح العلوي): وهو نطاق لدن, شبه منصهر, عالي الكثافه واللزوجه( نسبه الانصهار فيه في حدود1%) يعرف باسم نطاق الضعف الارضي ويمتد بين عمق65 120 كم وعمق400 كم ويتراوح سمكه بين335 كم و380 كم, ويعتقد بان وشاح الارض كان كله منصهرا في بدء خلق الارض ثم اخذ في التصلب بالتدريج نتيجه لفقد جزء هائل من حراره الارض.
6 النطاق السفلي من الغلاف الصخري للارض: ويتراوح سمكه بين40 60 كم( بين اعماق60 80 كم)120 كم ويحده من اسفل الحد العلوي لنطاق الضعف الارضي, ومن اعلي خط انقطاع الموجات الاهتزازيه المعروف باسم الموهو.
7 النطاق العلوي من الغلاف الصخري للارض( قشره الارض):
ويتراوح سمكه بين(5 8) كم تحت قيعان البحار والمحيطات وبين(60 80) كم تحت القارات, ويتكون اساسا من العناصر الخفيفه مثل السيليكون, والصوديوم, والبوتاسيوم, والكالسيوم, والالومنيوم, والاوكسجين مع قليل من الحديد(5.6%) وبعض العناصر الاخري وهو التركيب الغالب للقشره القاريه التي يغلب عليها الجرانيت والصخور الجرانيتيه, اما قشره قيعان البحار والمحيطات فتميل الي تركيب الصخور البازلتيه.
وادي هذا التمايز في التركيب الداخلي للارض الي نشوء دورات من تيارات الحمل, تندفع من نطاق الضعف الارضي( الوشاح الاعلي) غالبا, ومن وشاح الارض الاوسط احيانا, لتمزق الغلاف الصخري للارض الي عدد من الالواح التي شرعت في حركه دائبه حول نطاق الضعف الارضي نشا عنها الثورات البركانيه, والهزات الارضيه, والحركات البانيه للجبال, كما نشا عنها دحو الارض بمعني اخراج كل من غلافيها المائي والغازي من جوفها وتكون كتل القارات.
هذا التاريخ يشير الي ان حجم الارض الابتدائيه كان علي الاقل يصل الي مائه ضعف حجم الارض الحاليه والمقدر باكثر قليلا من مليون مليون وثلاثمائه وخمسين كيلومترا مكعبا وان هذا الكوكب قد اخذ منذ اللحظه الاولي لخلقه في الانكماش علي ذاته من كافه اطرافه. وكان انكماش الارض علي ذاتها سنه كونيه لازمه للمحافظه علي العلاقه النسبيه بين كتلتي الارض والشمس, هذه العلاقه التي تضبط بعد الارض عن الشمس, ذلك البعد الذي يحكم كميه الطاقه الواصله الينا. ويقدر متوسط المسافه بين الارض والشمس بنحو مائه وخمسين مليونا من الكيلومترات, ولما كانت كميه الطاقه التي تصل من الشمس الي كل كوكب من كواكب مجموعتها تتناسب تناسبا عكسيا مع بعد الكوكب عن الشمس, وكذلك تتناسب سرعه جريه في مداره حولها, بينما يتناسب طول سنه الكوكب تناسبا طرديا مع بعده عنها( وسنه الكوكب هي المده التي يستغرقها في اتمام دوره كامله حول الشمس), اتضحت لنا الحكمه من استمراريه تناقص الارض وانكماشها علي ذاتها اي تناقصها من اطرافها. ولو زادت الطاقه التي تصلنا من الشمس عن القدر الذي يصلنا اليوم قليلا لاحرقتنا, واحرقت كل حي علي الارض, ولبخرت الماء, وخلخلت الهواء,
ولو قلت قليلا لتجمد كل حي علي الارض ولقضي علي الحياه الارضيه بالكامل.
ومن الثابت علميا ان الشمس تفقد من كتلتها في كل ثانيه نحو خمسه ملايين من الاطنان علي هيئه طاقه ناتجه من تحول غاز الايدروجين بالاندماج النووي الي غاز الهيليوم. وللمحافظه علي المسافه الفاصله بين الارض والشمس لابد وان تفقد الارض من كتلتها وزنا متناسبا تماما مع ما تفقده الشمس من كتلتها, ويخرج ذلك عن طريق كل من فوهات البراكين وصدوع الارض علي هيئه الغازات والابخره وهباءات متناهيه الضاله من المواد الصلبه التي يعود بعضها الي الارض, ويتمكن البعض الاخر من الافلات من جاذبيه الارض والانطلاق الي صفحه السماء الدنيا, وبذلك الفقدان المستمر من كتله الارض فانها تنكمش علي ذاتها, وتنقص من كافه اطرافها, وتحتفظ بالمسافه الفاصله بينها وبين الشمس. ولولا ذلك لانطلقت الارض من عقال جاذبيه الشمس لتضيع في صفحه الكون وتهلك ويهلك كل من عليها, او لانجذبت الي قلب الشمس حيث الحراره في حدود15 مليون درجه مئويه فتنصهر وينصهر كل ما بها ومن عليها.
ومن حكمه الله البالغه ان كميه الشهب والنيازك التي تصل الارض يوميا تلعب دورا هاما في ضبط العلاقه بين كتلتي الارض والشمس اذا زادت كميه الماده المنفلته من عقال جاذبيه الارض.
(ب) انقاص الارض من اطرافها بمعني تفلطحها قليلا عند القطبين, وانبعاجها قليلا عند خط الاستواء:
في زمن الخليفه المامون قيست المسافه المقابله لكل درجه من درجات خطوط الطول في كل من تهامه والعراق, واستنتج من ذلك حقيقه ان الارض ليست كامله الاستداره, وقد سبق العلماء المسلمون الغرب في ذلك بثمانيه قرون علي الاقل لان الغربيين لم يشرعوا في قياس ابعاد الارض الا في القرن السابع عشر الميلادي, حين اثبت نيوتن نقص تكور الارض وعلله بان ماده الارض لاتتاثر بالجاذبيه نحو مركزها فحسب, ولكنها تتاثر كذلك بالقوه الطارده( النابذه) المركزيه الناشئه عن دوران الارض حول محورها, وقد نتج عن ذلك انبعاج بطئ في الارض ولكنه مستمر عند خط الاستواء حيث تزداد القوه الطارده المركزيه الي ذروتها, وتقل قوه الجاذبيه الي المركز الي ادني قدر لها, ويقابل ذلك الانبعاج الاستوائي تفلطح( انبساط) قطبي غير متكافئ عند قطبي الارض حيث تزداد قوتها الجاذبه, وتتناقص قيمه القوه الطارده المركزيه, والمنطقه القطبيه الشماليه اكثر تفلطحا من المنطقه القطبيه الجنوبيه. ويقدر متوسط قطر الارض الاستوائي بنحو12756.3 كم, ونصف قطرها القطبي بنحو12713.6 كم وبذلك يصبح الفارق بين القطرين نحو42.7 كم, ويمثل هذا التفلطح نحو33.% من نصف قطر الارض, مما يدل علي انها عمليه بطيئه جدا تقدر بنحو1 سم تقريبا كل الف سنه, ولكنها عمليه مستمره منذ بدء خلق الارض, وهي احدي عمليات انقاص الارض من اطرافها.
(ج) انقاص الارض من اطرافها بمعني اندفاع قيعان المحيطات تحت القارات وانصهارها وذلك بفعل تحرك الواح الغلاف الصخري للارض:
يمزق الغلاف الصخري للارض بواسطه شبكه هائله من الصدوع العميقه التي تحيط بالارض احاطه كامله, وتمتد لعشرات الالاف من الكيلومترات في الطول, وتتراوح اعماقها بين65 كم و120كم, وتفصل هذه الشبكه من الصدوع الغلاف الصخري للارض الي12 لوحا رئيسيا وعدد من الالواح الصغيره نسبيا, ومع دوران الارض حول محورها تنزلق الواح الغلاف الصخري للارض فوق نطاق الضعف الارضي متباعده عن بعضها البعض, او مصطدمه مع بعضها البعض, ويعين علي هذه الحركه اندفاع الصهاره الصخريه عبر مستويات الصدوع خاصه عبر تلك المستويات التصدعيه التي تشكل محاور حواف اواسط المحيطات فتودي الي اتساع قيعان البحار والمحيطات وتجدد صخورها, وذلك لان الصهاره الصخريه المتدفقه بملايين الاطنان عبر مستويات صدوع اواسط المحيطات تودي الي دفع جانبي قاع المحيط يمنه ويسره لعده سنتيمترات في السنه الواحده, وتودي الي ملء المسافات الناتجه بالطفوحات البركانيه المتدفقه والتي تبرد وتتطلب علي هيئه اشرطه متوازيه تتقادم في العمر. في اتجاه حركه التوسع, وينتج عن هذا التوسع اندفاع صخور قاع المحيط يمنه ويسره, في اتجاهي التوسع ليهبط تحت كتل القارات المحيطه في الجانبين بنفس معدل التوسع( اي بنصفه في كل اتجاه), وتستهلك صخور قاع المحيط الهابطه تحت القارتين المحيطتين بالانصهار في نطاق الضعف الارضي.
وكما يصطدم قاع المحيط بكتل القارتين او القارات المحيطه بحوض المحيط او البحر, فان العمليه التصادميه قد تتكرر بين كتل قاع المحيط الواحد فتكون الجزر البركانيه وينقص قاع المحيط, وكما تحدث عمليه التباعد في اواسط القاره فتودي الي فصلها الي كتلتين قاريتين مفصولتين ببحر طولي مثل البحر الاحمر يظل يتسع حتي يتحول الي محيط في المستقبل البعيد وفي كل الحالات تستهلك صخور الغلاف الصخري للارض عند خطوط التصادم, وتتجدد عند خطوط التباعد, وهي صوره من صور انقاص الارض من اطرافها. وتتخذ الواح الغلاف الصخري للارض في العاده اشكالا رباعيه يحدها من جهه خطوط انفصام وتباعد, يقابلها في الجهه الاخري خطوط تصادم, وفي الجانبين الاخرين حدود انزلاق, تتحرك عبرها الواح الغلاف الصخري منزلقه بحريه عن بعضها البعض.
وتحرك الواح الغلاف الصخري للارض يودي باستمرار الي استهلاك صخور قيعان كل محيطات الارض, واحلالها بصخور جديده, وعلي ذلك فان محاور المحيطات تشغلها صخور بركانيه ورسوبيه جديده قد لا يتجاوز عمرها اللحظه الواحده, بينما تندفع الصخور القديمه( التي قد يتجاوز عمرها المائتي مليون سنه) عند حدود تصادم قاع المحيط مع القارات المحيطه به, والصخور الاقدم عمرا من ذلك تكون هبطت تحت كتل القارات وهضمت في نطاق الضعف الارضي وتحولت الي صهاره, وهي صوره رائعه من صور انقاص الارض من اطرافها.
ويبدو ان هذه العمليات الارضيه المتعدده كانت في بدء خلق الارض اشد عنفا من معدلاتها الحاليه لشده حراره جوف الارض بدرجات تفوق درجاتها الحاليه وذلك بسبب الكم الهائل من الحراره المتبقيه عن الاصل الذي انفصلت منه الارض, والكم الهائل من العناصر المشعه الاخذه في التناقص باستمرار بتحللها الذاتي منذ بدء تجمد ماده الارض.
ثانيا: في اطار دلاله لفظ الارض علي اليابسه التي نحيا عليها:
في هذا الاطار نجد معنيين علميين واضحين نوجزهما فيما يلي:
(ا) انقاص الارض من اطرافها بمعني اخذ عوامل التعريه المختلفه من المرتفعات والقاء نواتج التعريه في المنخفضات من سطح الارض حتي تتم تسويه سطحها:
فسطح الارض ليس تام الاستواء وذلك بسبب اختلاف كثافه الصخور المكونه للغلاف الصخري للارض, وكما حدث انبعاج في سطح الارض عند خط الاستواء, فان هناك نتوءات عديده في سطح الارض حيث تتكون قشره الارض من صخور خفيفه, وذلك من مثل كتل القارات والمرتفعات البارزه علي سطحها, وهناك ايضا انخفاضات مقابله لتلك النتوءات حيث تتكون قشره الارض من صخور عاليه الكثافه نسبيا وذلك من مثل قيعان المحيطات والاحواض المنخفضه علي سطح الارض.
ويبلغ ارتفاع اعلي قمه علي سطح الارض وهي قمه جبل افريست في سلسله جبال الهيمالايا8840 مترا فوق مستوي سطح البحر, ويقدر منسوب الخفض نقطه علي اليابسه وهي حوض البحر الميت395 مترا تحت مستوي سطح البحر, ويبلغ منسوب اكثر اغوار الارض عمقا حوالي10,800 مترا وهو غور ماريانوس في قاع المحيط الهادي بالقرب من جزر الفلبين, والفارق بينهما اقل من عشرين كيلو مترا(1960 مترا), وهو فارق ضئيل اذا قورن بنصف قطر الارض.
ويبلغ متوسط ارتفاع سطح الارض حوالي840 مترا فوق مستوي سطح البحر ومتوسط اعماق المحيطات حوالي اربعه كيلو مترات تحت مستوي سطح البحر(3729 مترا الي4500 متر تحت مستوي سطح البحر)
وهذا الفارق البسيط هو الذي اعان عوامل التعريه المختلفه علي بري صخور المرتفعات والقائها في منخفضات الارض في محاوله متكرره لتسويه سطحها, وهي سنه دائبه من سنن الله في الارض, فاذا بدانا بمنطقه مرتفعه ولكنها مستويه يغشاها مناخ رطب, فان مياه الامطار سوف تتجمع في منخفضات المنطقه علي هيئه عدد من البحيرات والبرك.حتي يتكون نظام صرف مائي جيد, وعندما تجري الانهار فانها تنحر مجاريها في صخور المنطقه حتي تقترب من المستوي الادني للتحات فتسحب كل مياه البحيرات والبرك التي تمر بها, وكلما زاد النحر الي اسفل نزايدات التضاريس تشكلا وبروزا, وعندما تصل بعض المجاري المائيه الي المستوي الادني للتحات فانها تبدا في النحر الجانبي لمجاريها بدلا من النحر الراسي فيتم بذلك التسويه الكامله لتضاريس المنطقه علي هيئه سهول مستويه( او سهوب) تتعرج فيها الانهار, وتتسع مجاريها, وتضعف سرعات جريها. وقدراتها علي النحر, وبعد الوصول الي هذا المستوي او الاقتراب منه يتكرر رفع المنطقه وتعود الدوره الي صورتها الاولي, وتعتبر هذه الدوره( التي تعرف باسم دوره التسهيب) صوره من صور انقاص الارض من اطرافها, وينخفض منسوب قاره امريكا الشماليه بهذه العمليه بمعدل يصل الي0,03 مم في السنه حتي يغمرها البحر ان شاء الله.
(ب) انقاص الارض من اطرافها بمعني طغيان مياه البحار والمحيطات علي اليابسه وانقاصها من اطرافها:
من الثابت علميا ان الارض قد بدات منذ القدم بمحيط غامر, ثم بتحرك الواح الغلاف الصخري الابتدائي للارض وبدات جزر بركانيه عديده في التكون في قلب هذا المحيط الغامر, وبتصادم تلك الجزر تكونت القاره الام التي تفتت بعد ذلك الي العدد الراهن من القارات, وتبادل الادوار بين اليابسه والماء هو سنه ارضيه تعرف باسم دوره التبادل بين المحيطات والقارات
وتحول اجزاء من اليابسه الي بحار والتي من نماذجها المعاصره كل من البحر الاحمر, وخليج كاليفورنيا, هو صوره من صور انقاص الارض من اطرافها, ليس هذا فقط بل ان من الثابت علميا ان غالبيه الماء العذب علي اليابسه محجوز علي هيئه تتابعات هائله من الجليد فوق قطبي الارض, وفي قمم الجبال, يصل سمكها في القطب الجنوبي الي اربعه كيلو مترات, ويقترب من هذا السمك قليلا في القطب الشمالي(3800 متر), وانصهار هذا السمك الهائل من الجليد سوف يودي الي رفع منسوب المياه في البحار والمحيطات لاكثر من مائه متر, وقد بدات بوادر هذا الانصهار, واذا تم ذلك فانه سوف يغرق اغلب مساحات اليابسه ذات التضاريس المنبسطه حول البحار والمحيطات وهي صوره من صور انقاص الارض من اطرافها, وفي ظل التلوث البيئي الذي يعم الارض اليوم, والذي يودي الي رفع درجه حراره نطاق المناخ المحيط بالارض باستمرار بات انصهار هذا السمك الهائل من الجليد امرا محتملا, وقد حدث ذلك مرات عديده في تاريخ الارض الطويل الذي تردد بين دورات يزحف فيها الجليد من احد قطبي الارض او منهما معا في اتجاه خط الاستواء, وفترات ينصهر فيها الجليد فيودي الي رفع منسوب المياه في البحار
والمحيطات وفي كلتا الحالتين تتعرض حواف القارات للتعريه بواسطه مياه البحار والمحيطات فتودي الي انقاص الارض( اي اليابسه) من اطرافها, وذلك لان مياه كل من البحار والمحيطات دائمه الحركه بفعل دوران الارض حول محورها, وباختلاف كل من درجات الحراره والضغط الجوي, ونسب الملوحه من منطقه الي اخري, وتودي حركه المياه في البحار والمحيطات( من مثل التيارات االمائيه, وعمليات المد والجزر, والامواج السطحيه والعميقه) الي ظاهره التاكل( التحات) البحري وهو الفعل الهدمي لصخور الشواطيء وهو من عوامل انقاص الارض( اليابسه) من اطرافها.
ثالثا: في اطار دلاله لفظ الارض علي التربه التي تغطي صخور اليابسه:
(ا) انقاص الارض من اطرافها بمعني التصحر:
اي زحف الصحراء علي المناطق الخضراء وانحسار التربه الصالحه للزراعه في ظل افساد الانسان للبيئه علي سطح الارض بدا زحف الصحاري علي مساحات كبيره من الارض الخضراء, وذلك بالرعي الجائر, واقتلاع الاشجار, وتحويل الاراضي الزراعيه الي اراض للبناء, وندره المياه نتيجه لموجات الجفاف والجور علي مخزون المياه تحت سطح الارض, وتملح التربه, وتعريتها بمعدلات سريعه تفوق بكثير محاولات استصلاح بعض الاراضي الصحراويه, اضف الي ذلك التلوث البيئي, والخلل الاقتصادي في الاسواق المحليه والعالميه, وتذبذب اسعار كل من الطاقه والالات والمحاصيل الزراعيه مما يجعل العالم يواجه ازمه حقيقيه تتمثل في انكماش المساحات المزروعه سنويا بمعدلات كبيره خاصه في المناطق القاريه وشبه القاريه نتيجه لزحف الصحاري عليها, ويمثل ذلك صوره من صور خراب الارض بانقاصها من اطرافها.
هذه المعاني السته( منفرده او مجتمعه) تعطي بعدا علميا رائعا لمعني انقاص الارض من اطرافها, ولا يتعارض ذلك ابدا مع الدلاله المعنويه للتعبير, بمعني خراب الارض الذي استنتجه المفسرون, بل يكمله ويجليه. وعلي عاده القران الكريم تاتي الاشاره الكونيه بمضمون معنوي محدد, ولكن بصياغه علميه معجزه, تبلغ من الشمول والكمال والدقه ما لم يبلغه علم الانسان, فسبحان الذي انزل من قبل الف واربعمائه سنه هذه الاشاره العلميه الدقيقه الي حقيقه انقاص الارض من اطرافها, وهي حقيقه لم يدرك الانسان شيئا من دلالاتها العلميه الا منذ عقود قليله, وقد يري فيها القادمون فوق ما نراه نحن اليوم, ليظل القران الكريم مهيمنا علي المعرفه الانسانيه مهما اتسعت دوائرها, وتظل اياته الكونيه شاهده باستمرار علي انه كلام الله الخالق, وشاهده للنبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه بانه( صلي الله عليه وسلم) كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السماوات والارض.
-
(27) والبحـــر المســـــجور
ضمن قسم بخمس من آيات الله في الخلق علي حتمية وقوع العذاب بالمكذبين بالدين الخاتم, وعلي أنه لا دافع أبدا لهذا العذاب عنهم. جاء هذا القسم القرآني العجيب في مطلع سورة الطور, وسورة الطور مكية, شأنها شأن كل السور التي أنزلت بمكة المكرمة, تدور محاورها الأساسية حول قضية العقيدة بأبعادها المختلفة من الإيمان بالله الواحد الأحد الفرد الصمد, وبملائكته, وكتبه, ورسله, وبالبعث والجزاء, وبالخلود في الآخرة, إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا.
وتبدأ السورة بعد هذا القسم بمشهد من مشاهد الآخرة فيه استعراض لحال المكذبين برسالة خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم), وهم يدفعون من ظهورهم إلي نار جهنم دفعا, وقد كانوا من المكذبين بها!!
ثم تنتقل الآيات إلي استعراض حال المتقين وهم يرفلون في جنات النعيم ثوابا لهم علي الإيمان بالله, والخوف من عذابه!!
وتنتهي السورة بخطاب إلي النبي الخاتم, والرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم) يحثه علي المضي في دعوته إلي عبادة الله الخالق وحده( بغير شريك ولا شبيه ولا منازع) مهما صادفه في ذلك من مصاعب في مواجهة الكم الهائل من مؤامرات المتآمرين, وكيد المكذبين وعنتهم, الذين يتهددهم الله( تعالي) بما سوف يلقونه من صنوف العذاب يوم القيامة, بل بعذاب قبل ذلك في الحياة الدنيا, ويأتي مسك الختام بمواساة وتعضيد لرسول الله( صلي الله عليه وسلم) في صورة تكريم لم يسبق لنبي من الأنبياء, ولا لرسول من الرسل أن نال من الله( تعالي) تكريما مثله, وذلك بقول الحق( تبارك وتعالي) موجها الخطاب إليه( صلي الله عليه وسلم):
واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم* ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم*( الطور:49,48).
والآيات الست التي سبق بها القسم في مطلع سورة الطور هي علي التوالي: الطور وهو الجبل المكسو بالأشجار, والجبل غير المكسو بالخضرة لا يقال له طور, إنما يقال له جبل إذا كان شاهق الارتفاع بالنسبة للتضاريس حوله, ويسمي تلا إذا كان دون ذلك, وتليه الأكمة أو الربوة أو النتوء الأرضي, ويليه النجد أو الهضبة, ويليه السهل, من تضاريس الأرض, والمقصود في القسم القرآني هنا ـ علي الأرجح ـ طور سيناء, الذي كلم الله( تعالي) عنده موسي( عليه السلام), والذي نزلت عليه الألواح, وأقسم الله( سبحانه وتعالي) بطور سيناء هذا تكريما له, وتذكيرا للناس بما فيه من الآيات, والأنوار, والتجليات, والفيوضات الإلهية, مما جعله بقعة مشرفة من بقاع الأرض لاختياره بإرادة الله( تعالي), وتجليه له.
والآية الثانية التي جاء بها القسم هي وكتاب مسطور, وقيل فيه إنه اللوح المحفوظ, وقيل إنه القرآن الكريم الذي ختم الله( سبحانه) به وحي السماء, وقيل هو التوراة التي تلقاها نبي الله موسي( عليه السلام) في الألواح التي أنزلت علي جبل الطور, وقيل هو إشارة إلي جميع الكتب التي أنزلها ربنا( تبارك وتعالي) علي فترة من الرسل بلغ عددهم ثلاثمائة وخمسة عشر كما أخبرنا المصطفي( صلي الله عليه وسلم), لأن أصلها واحد, ورسالتها واحدة, كما قيل إنها صحائف أعمال العباد.
والقسم الثالث جاء بـ الرق المنشور والرق هو جلد رقيق يكتب فيه, وقد يشير إلي الورق الذي يكتب عليه وإلي الألواح التي ينقش فيها, لأن الرق هو كل ما يكتب فيه, والمنشور أي المبسوط غير المطوي, وغير المختوم عليه, بمعني أنه مفتوح أمام الجميع, يستطيعون قراءته أو الاستماع إليه بغير حجر أو منع, فالقرآن الكريم يقرأه الخلق جميعهم, ويستمعون إليه بغير قيود أو حدود من أي نوع, وهكذا كانت الكتب السماوية التي سبقته بالنزول قبل ضياعها أو تحريفها,وفي النشر إشارة إلي سلامة الكتب السماوية من كل نقص وعيب.
وجاء القسم الرابع بصياغة والبيت المعمور وهو بيت في السماء السابعة حيال الكعبة( أي مقابلتها إلي أعلي علي استقامتها), وهو أيضا حيال العرش إلي أسفل منه وعلي استقامته, تعمره الملائكة, يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا منهم ثم لا يعودون إليه كما روي ابن عباس( رضي الله عنهما), عن رسول الله( صلي الله عليه وسلم), وهو لأهل السماء كالكعبة المشرفة لأهل الأرض, ويروي عن رسول الله( صلي الله عليه وسلم) أنه قال يوما لأصحابه: هل تدرون ما البيت المعمور؟ قالوا: الله ورسوله أعلم, قال( صلي الله عليه وسلم): فإنه مسجد في السماء بحيال الكعبة لو خر لخر عليها, يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم.
ويروي عنه( صلي الله عليه وسلم) وصفا مشابها للبيت المعمور في حديث الإسراء والمعراج, كما جاء في الصحيحين.
وجاء القسم الخامس بصياغة والسقف المرفوع وفيه قيل هو السماء القائمة بغير عمد مرئية, كما جاء علي لسان الإمام علي( كرم الله تعالي وجهه) ووافقه علي ذلك كثير من المفسرين, وإن قال الربيع بن أنس إنه العرش الذي هو سقف لجميع المخلوقات.
أما البحر المسجور فقد تعددت آراء المفسرين فيه, كما سنري في الأسطر القليلة التالية, ولكن قبل التعرض لذلك لابد لنا من استعراض الدلالة اللغوية للفظي البحر والمسجور.
المدلول اللغوي للبحر المسجور
(البحر) في اللغة ضد البر, وقيل إنه سمي بهذا الاسم لعمقه واتساعه, والجمع( أبحر) و(بحار) و(بحور), وكل نهر عظيم يسمي بحرا, لأن أصل البحر هو كل مكان واسع جامع للماء الكثير, وإن كانت لفظة( البحر) تطلق في الأصل علي الماء المالح دون العذب, كذلك سمت العرب كل متوسع في شيء( بحرا) حتي قالوا: للمتوسع في علمه( بحرا), وللتوسع في العلم( تبحر), وقالوا: فرس( بحر) أي واسع الخطي, سريع الجري, وقيل: ماء بحر, أي ملح( مالح), و(أبحر) الماء أي ملح, و(أبحر) الرجل أي ركب البحر, و(بحر) أذن الناقة أي شقها شقا واسعا فشبهها بسعة البحر علي وجه المجاز والمبالغة, ومنها سميت البحيرة وهي الناقة إذا ولدت عشرة أبطن شقوا أذنها, وتطلق, فلا تركب ولا يحمل عليها, والبحيرة ابنة السائبة وحكمها حكم أمها عند العرب في الجاهلية.
أما وصف البحر بصفة( المسجور) فالصفة مستمدة من الفعل( سجر) و(السجر) تهييج النار, يقال( سجر) التنور أي أوقد عليه حتي أحماه, و(السجور) هو ما يسجر به التنور من أنواع الوقود, كما يقال( سجر) الماء النهر أي ملأه, ومنه( البحر المسجور) أي المملوء بالماء, المكفوف عن اليابسة, و(الساجور) خشبة تجعل في عنق الكلب فيقال له كلب( مسوجر) أي محكوم, والمسوجر المغلق المحكم الإغلاق من كل شيء.
شروح المفسرين
في تفسير القسم القرآني بالبحر المسجور أشار ابن كثير( يرحمه الله) إلي قول الربيع بن أنس أنه: هو الماء الذي تحت العرش الذي ينزل الله منه المطر الذي تحيا به الأجساد في قبورها يوم معادها, أي أنه بحر من ماء خاص محبوس عند رب العالمين, ينزله( سبحانه وتعالي) يوم البعث فينبت كل مخلوق بواسطة هذا الماء من عجب ذنبه كما تنبت البقلة من حبتها علي ما روي عن رسول الله( صلي الله عليه وسلم) من قول.
وأضاف بن كثير و[قال الجمهور هو هذا البحر, واختلف في معني المسجور فقال بعضهم المراد أنه يوقد يوم القيامة نارا كقوله تعالي: وإذا البحار سجرت أي أضرمت فتصير نارا تتأجج محيطة بأهل الموقف كما روي عن علي وابن عباس, وقال العلاء بن بدر: إنما سمي البحر المسجور لأنه لا يشرب منه ماء, ولا يسقي به زرع, وكذلك البحار يوم القيامة].
[وعن سعيد بن جبير: والبحر المسجور يعني المرسل, وقال قتادة: المسجور المملوء, واختاره ابن جرير, وقيل: المراد بالمسجور الممنوع المكفوف عن الأرض لئلا يغمرها فيغرق أهلها, قاله ابن عباس وبه يقول السدي وغيره, وعليه يدل الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب, عن رسول الله( صلي الله عليه وسلم) قال: ليس من ليلة إلا والبحر يشرف فيها ثلاث مرات يستأذن الله أن ينفضح عليهم فيكفه الله عز وجل].
وذكر صاحبا تفسير الجلالين( رحمهما الله) في شرح دلالة القسم القرآني( والبحر المسجور) أي المملوء وذكرا أنه قول قتادة. وقالا قال مجاهد الموقد أي الذي سيسجر يوم القيامة لقوله تعالي: وإذا البحار سجرت.
وقال صاحب الظلال( يرحمه الله) كلاما مشابها يشير إلي أن البحر المسجور هو المملوء بالماء في الدنيا, أو المتقد بالنار في الآخرة, أو أن هذا التعبير يسير إلي خلق آخر كالبيت المعمور يعلمه الله.
وذكر صاحب صفوة البيان لمعاني القرآن( غفر الله له) في تفسير قول الحق( تبارك وتعالي)( والبحر المسجور) ما نصه:
أي المملوء ماء يقال: سجر النهر, ملأه, وهو البحر المحيط, والمراد الجنس, وقيل الموقد نارا عند قيام الساعة, كما قال تعالي: وإذا البحار سجرت, أي أوقدت نارا, من سجر التنور يسجره سجرا, أحماه, وصف البحر بذلك إعلاما بأن البحار عند فناء الدنيا تحمي بنار من تحتها فتتبخر مياهها, وتندلع النار في تجاويفها وتصير كلها حمما.
وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم: إن البحر المسجور هو المملوء, وذكر صاحب صفوة التفاسير( بارك الله في عمره) أنه الموقد نارا يوم القيامة لقوله وإذا البحار سجرت أي أضرمت حتي تصير نارا ملتهبة تتأجج وتحيط بأهل الموقف.
البحر المسجور
في منظور العلوم الحديثة
من المعاني اللغوية للبحر المسجور هو المملوء بالماء, والمكفوف عن اليابسة, وهو معني صحيح من الناحية العلمية صحة كاملة كما أثبتته الدراسات العلمية في القرن العشرين, ومن المعاني اللغوية لهذا القسم القرآني المبهر أيضا أن البحر قد أوقد عليه حتي حمي قاعه فأصبح مسجورا, وهو كذلك من الحقائق العلمية التي اكتشفها الإنسان في العقود المتأخرة من القرن العشرين, والتي لم يكن لبشر إلمام بها قبل ذلك أبدا, وهذا ما نفصله في الأسطر التالية:
أولا:( البحر المسجور) بمعني المملوء بالماء والمكفوف عن اليابسة:
الأرض هي أغني كواكب المجموعة الشمسية بالماء الذي تقدر كميته بحوالي1360 إلي1385 مليون مليون كيلو متر مكعب, وهذا الماء قد أخرجه ربنا( تبارك وتعالي) كله من داخل الأرض علي هيئة بخار ماء اندفع من فوهات البراكين, وعبر صدوع الأرض العميقة ليصادف الطبقات العليا الباردة من نطاق التغيرات الجوية والذي يمتد من سطح البحر إلي ارتفاع حوالي ستة عشر كيلو مترا فوق خط الأستواء, وحوالي العشرة كيلو مترات فوق قطبي الأرض, وتنخفض درجة الحرارة في هذا النطاق باستمرار مع الإرتفاع حتي تصل إلي ستين درجة مئوية تحت الصفر في قمته. وهذا النطاق يحوي حوالي ثلثي كتلة الغلاف الغازي للأرض(66%) والمقدرة بأكثر قليلا من خمسة آلاف مليون مليون طن, وهو النطاق الذي يتكثف فيه بخار الماء الصاعد من الأرض, والذي تتكون فيه السحب, وينزل منه كل من المطر, والبرد, والثلج, وتتم فيه ظواهر الرعد والبرق, وتتكون العواصف والدوامات الهوائية وغير ذلك من الظواهر الجوية, ولولا تبرد هذا النطاق مع الارتفاع ما عاد إلينا بخار الماء الصاعد من الأرض أبدا. وحينما عاد إلينا بخار الماء مطرا, وثلجا, وبردا, انحدر علي سطح الأرض ليشق له عددا من المجاري المائية, ثم فاض إلي منخفضات الأرض الواسعة ليكون البحار والمحيطات, وبتكرار عملية البخر من أسطح تلك البحار والمحيطات, ومن أسطح اليابسة بما عليها من مختلف صور التجمعات المائية والكائنات الحية. بدأت دورة المياه حول الأرض, من أجل التنقية المستمرة. لهذا الماء وتلطيف الجو, وتفتيت الصخور, وتسوية سطح الأرض, وتكوين التربة, وتركيز عدد من الثروات المعدنية, وغير ذلك من المهام التي أوكلها الخالق لتلك الدورة المعجزة التي تحمل380,000 كيلو متر مكعب من ماء الأرض إلي غلافها الجوي سنويا, لتردها إلي الأرض ماء طهورا, منها320,000 كيلو متر مكعب تتبخر من أسطح البحار والمحيطات,60,000 كيلو متر مكعب من أسطح اليابسة, يعود منها284,000 كيلو متر مكعب إلي البحار والمحيطات,96,000 كيلو متر مكعب إلي اليابسة التي يفيض منها36,000 كيلو متر مكعب من الماء إلي البحار والمحيطات, وهو نفس مقدار الفارق بين البخر والمطر من وإلي البحار والمحيطات.
هذه الدورة المحكمة للمياه حول الأرض أدت إلي خزن أغلب ماء الأرض في بحارها ومحيطاتها حوالي(97,2%), وإبقاء أقله علي اليابسة( حوالي2,8%), وبهذه الدورة للماء حول الأرض تملح ماء البحار والمحيطات, وبقيت نسبة ضئيلة علي هيئة ماء عذب علي اليابسة(2,8% من مجموع كم الماء علي الأرض), وحتي هذه النسبة الضئيلة من ماء الأرض العذب قد حبس أغلبها( من2,052% إلي2,15%) علي هيئة سمك هائل من الجليد فوق قطبي الأرض, وفي قمم الجبال, والباقي مختزن في الطبقات المسامية والمنفذة من صخور القشرة الأرضية علي هيئة ماء تحت سطحي( حوالي0,27% إلي0,5%) وفي بحيرات الماء العذب( حوالي0,33%), وعلي هيئة رطوبة في تربة الأرض( من0,01% إلي0,18%) ورطوبة في الغلاف الغازي للأرض تتراوح بين(0,0001% إلي0,036%), وما يجري في الأنهار والجداول( حوالي0,0047%).
وتوزيع ماء الأرض بهذه النسب التي اقتضتها حكمة الله الخالق قد تم بدقة بالغة بين البيئات المختلفة بالقدر الكافي لمتطلبات الحياة في كل بيئة من تلك البيئات, وبالأقدار الموزونة التي لو اختلت قليلا بزيادة أو نقص لغمرت الأرض وغطت سطحها بالكامل, أو انحسرت تاركة مساحات هائلة من اليابسة, ولقصرت دون متطلبات الحياة عليها.
ومن هذا القبيل يحسب العلماء أن الجليد المتجمع فوق قطبي الأرض وفي قمم الجبال المرتفعة فوق سطحها إذا انصهر( وهذا لا يحتاج إلا إلي مجرد الارتفاع في درجة حرارة صيف تلك المناطق بحوالي خمس درجات مئوية) وإذا حدث ذلك فإن كم الماء الناتج سوف يؤدي إلي رفع منسوب المياه في البحار والمحيطات الي أكثر من مائة متر فيغرق أغلب المناطق الآهلة بالسكان والممتدة حول شواطيء تلك البحار والمحيطات. وليس هذا من قبيل الخيال العلمي, فقد مرت بالأرض فترات كانت مياه البحار فيها أكثر غمرا لليابسة من حدود شواطئها الحالية, كما مرت فترات أخري كان منسوب الماء في البحار والمحيطات أكثر انخفاضا من منسوبها الحالي مما أدي إلي انحسار مساحة البحار والمحيطات وزيادة مساحة اليابسة, والضابط في الحالين كان كم الجليد المتجمع فوق اليابسة, فكلما زاد كم الجليد انخفض منسوب الماء في البحار والمحيطات فانحسرت عن اليابسة التي تزيد مساحتها زيادة ملحوظة, وكلما قل كم الجليد ارتفع منسوب المياه في البحار والمحيطات وطغت علي اليابسة التي تتضاءل مساحتها تضاءلا ملحوظا.
من هنا كان تفسير القسم القرآني بـ( البحر المسجور) بأن الله تعالي يمن علينا( وهو صاحب الفضل والمنة) بأنه ملأ منخفضات الأرض بماء البحار والمحيطات, وحجز هذا الماء عن مزيد من الطغيان علي اليابسة منذ خلق الإنسان, وذلك بحبس كميات من هذا الماء في هيئات متعددة أهمها ذلك السمك الهائل من الجليد المتجمع فوق قطبي الأرض وعلي قمم الجبال, والذي يصل إلي أربعة كيلو مترات في قطب الأرض الجنوبي, وإلي ثلاثة آلاف وثمانمائة من الأمتار في القطب الشمالي, ولولا ذلك لغطي ماء الأرض أغلب سطحها, ولما بقيت مساحة كافية من اليابسة للحياة بمختلف أشكالها الإنسانية, والحيوانية, والنباتية, وهي احدي آيات الله البالغة في الأرض, وفي اعدادها لكي تكون صالحة للعمران.
من هنا كان تفسير القسم بـ( البحر المسجور) بمعني المملوء بالماء المكفوف عن اليابسة ينطبق مع عدد من الحقائق العلمية الثابتة التي تشهد للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق, وتشهد لسيدنا محمد بن عبد الله( صلي الله عليه وسلم) بالنبوة وبالرسالة.
ثانيا:( البحر المسجور) بمعني القائم علي قاع أحمته الصهارة الصخرية المندفعة من داخل الأرض فجعلته شديد الحرارة.
في العقود المتأخرة من القرن العشرين تم اكتشاف حقيقة تمزق الغلاف الصخري للأرض بشبكة هائلة من الصدوع العملاقة المزدوجة والتي تكون فيما بينها ما يعرف باسم أودية الخسف أو الأغوار, وأن هذه الأغوار العميقة تحيط بالكرة الأرضية إحاطة كاملة, ويشبهها العلماء باللحام علي كرة التنس( مع فارق التشبيه), وتمتد هذه الأغوار في كافة الاتجاهات لعشرات الآلاف من الكيلو مترات, ولكنها تنتشر أكثر ما تنتشر في قيعان محيطات الأرض, وفي قيعان عدد من بحارها, ويتراوح عمق الصدوع المشكلة لتلك الأغوار بين65 كيلو مترا, و70 كيلو مترا تحت قيعان البحار والمحيطات, وبين100 و150 كيلو مترا علي اليابسة( أي في صخور القارات), وتعمل علي تمزيق الغلاف الصخري للأرض بالكامل, وتقطيعه إلي عدد من الألواح الصخرية التي تطفو فوق نطاق من الصخور شبه المنصهرة يسميه العلماء باسم نطاق الضعف الأرضي, وهو نطاق لدن, عالي الكثافة واللزوجة, تتحرك بداخله تيارات الحمل من أسفل إلي أعلي حيث تتبرد وتعاود النزول إلي أسفل, وهي بتلك الحركة الدائبة تدفع بكل لوح من ألواح الغلاف الصخري للأرض إلي التباعد عن اللوح المجاور في أحد جوانبه( في ظاهرة تسمي ظاهرة اتساع قيعان البحار والمحيطات), ومصطدما في الجانب المقابل باللوح الصخري المجاور ليكون سلسلة من السلاسل الجبلية, ومنزلقا عن الألواح المجاورة في الجانبين الآخرين.
وباستمرار تحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض تتسع قيعان البحار والمحيطات باستمرار عند خطوط التباعد بينها, وتندفع الصهارة الصخرية بملايين الأطنان في درجات حرارة تتعدي الألف درجة مئوية لتساعد علي دفع جانبي المحيط يمنة ويسرة, وتملأ المسافات الناتجة بالصهارة الصخرية المندفعة من باطن الأرض علي هيئة ثورات بركانية عارمة, تحت الماء, تسجر قيعان جميع محيطات الأرض, وقيعان أعداد من بحارها, وتجدد مادتها الصخرية بإستمرار.
وقد أدي هذا النشاط البركاني فوق قيعان كل المحيطات, وفوق قيعان عدد من البحار النشطة إلي تكون سلاسل من الجبال في أواسط المحيطات تتكون في غالبيتها من الصخور البركانية, وقد ترتفع قممها في بعض الأماكن علي هيئة أعداد من الجزر البركانية من مثل جزر كل من اندونيسيا, ماليزيا, الفلبين, اليابان, هاواي, وغيرها, وفي المقابل تصطدم ألواح الغلاف الصخري عند حدودها المقابلة لمناطق اتساع قيعان البحار والمحيطات, ويؤدي هذا التصادم الي اندفاع قيعان المحيطات تحت كتل القارات وانصهارها بالتدريج مما يؤدي إلي تكون جيوب عميقة عند التقاء قاع المحيط بالكتلة القارية تتجمع فيها كميات هائلة من الصخور الرسوبية والنارية والمتحولة التي تطوي وتتكسر لترتفع علي هيئة السلاسل الجبلية علي حواف القارات من مثل سلسلة جبال الإنديز في غربي أمريكا الجنوبية, وهنا يستهلك قاع المحيط بالتدريج تحت الكتلة القارية, وإذا توقفت عملية توسع قاع المحيط فإن هذا القاع قد يستهلك بأكمله تحت القارة مما يؤدي إلي تصادم قارتين ببعضهما, وينشأ عن هذا التصادم أعلي السلاسل الجبلية من مثل جبال الهيمالايا التي نتجت عن اصطدام الهند بالقارة الأسيوية بعد استهلاك قاع المحيط الذي كان يفصل بينهما بالكامل في أزمنة أرضية سحيقة.
ويصاحب كل من عمليتي توسع قاع المحيط في محوره الوسطي, واصطدامه عند أطرافه بعدد من الهزات الأرضية, والثورات والطفوح البركانية.
ويبلغ طول جبال أواسط المحيطات أكثر من أربعة وستين ألفا من الكيلو مترات في الطول, بينما يبلغ طول الصدوع العميقة التي اندفعت منها الطفوح البركانية لتكون تلك السلاسل الجبلية في أواسط المحيطات أضعاف هذا الرقم. وتتكون هذه السلاسل أساسا من الصخور البركانية المختلطة بالقليل من الرسوبيات البحرية, وتحيط كل سلسلة من هذه السلاسل المندفعة من قاع المحيط بواد خسيف( غور) مكون بفعل الصدوع العملاقة التي تمزق الغلاف الصخري للأرض بعمق يتراوح بين خمسة وستين كيلو مترا وسبعين كيلو مترا ليخترق الغلاف الصخري للأرض بالكامل ويصل إلي نطاق الضعف الأرضي الذي تندفع منه الصهارة الصخرية بملايين الأطنان في درجة حرارة تزيد عن الألف درجة مئوية لتسجر قيعان كل محيطات الأرض, وقيعان عدد من بحارها النشطة باستمرار, ومع تجدد اندفاع الصهارة الصخرية عبر مستويات هذه الصدوع العملاقة يتسع قاع المحيط باستمرار, وتتجدد مادته بدفع الصخور القديمة في اتجاه شاطيء المحيط يمنة ويسرة, ليحل محلها أحزمة أحدث عمرا تتكون من تجمد تلك الصهارة الجديدة, وتترتب بصورة متوازية علي جانبي أغوار المحيطات والبحار, ويهبط كل جانب من جانبي قاع المحيط المتسع بنصف معدل اتساعه الكلي تحت كل قارة من القارتين أو القارات المحيطة بشاطئيه, وبذلك يمتليء محور المحيط بالصهارة الصخرية الحديثة المندفعة عبر مستويات الصدوع الممزقة لقاعه فتسجره, بينما تندفع الصخور الأقدم بالتدريج في اتجاه الشاطئين حيث توجد أقدم صخور ذلك القاع, والتي تستهلك باستمرار تحت القارات المحيطة.
وهذه الصدوع العملاقة التي تمزق قيعان كل محيطات الأرض, وقيعان عدد من بحارها( مثل البحر الأحمر) توجد أيضا علي اليابسة ولكن بنسب أقل منها فوق قيعان البحار والمحيطات وتعمل علي تكوين عدد من الاغوار( الأودية الخسيفة) والبحار الطولية( من مثل اغوار شرقي افريقيا والبحر الأحمر) التي تعمل علي تفتيت الكتل القارية باتساعها التدريجي لتتحول تلك البحار الطولية مثل البحر الأحمر الي بحار أكبر ثم إلي محيطات تفصل بين الكتلة القارية التي كانت متصلة علي هيئة قارة واحدة, وتحاط تلك الخسوف القارية العملاقة بعدد من القمم البركانية السامقة من مثل جبل أرارات في شرقي تركيا(5100 متر فوق مستوي سطح البحر), ومخروط بركان( إتنا) في شمال شرقي صقلية(3300 متر), ومخروط بركان( فيزوف) في خليج نابولي بايطاليا(1300 متر), وجبل( كيليمنجارو) في تنجانيقا(5900 متر), وجبل كينيا في جمهورية كينيا(5100 مترا فوق مستوي سطح البحر).
بذلك ثبت لكل من علماء الأرض والبحار ـ بالأدلة المادية الملموسة ـ أن كل محيطات الأرض( بما في ذلك المحيطان المتجمدان الشمالي والجنوبي), وأن أعدادا من بحارها( من مثل البحر الأحمر), قيعانها مسجرة بالصهارة الصخرية المندفعة بملايين الأطنان من داخل الأرض عبر شبكة الصدوع العملاقة التي تمزق الغلاف الصخري للأرض بالكامل وتصل إلي نطاق الضعف الأرضي, وتتركز هذه الشبكة من الصدوع العملاقة أساسا في قيعان البحار والمحيطات, وأن كم المياه في تلك الأحواض العملاقة ـ علي ضخامته ـ لا يستطيع أن يطفيء جذوة الصهارة الصخرية المندفعة من داخل الأرض اطفاء كاملا, وأن هذه الجذوة علي شدة حرارتها( أكثر من ألف درجة مئوية) لا تستطيع أن تبخر هذا الماء بالكامل, وأن هذا الاتزان الدقيق بين الأضداد من الماء والحرارة العالية هو من أكثر ظواهر الأرض إبهارا للعلماء في زماننا, وهي حقيقة لم يتمكن الإنسان من اكتشافها إلا في أواخر الستينات وأوائل السبعينات من القرن العشرين.
ومن الغريب أن رسول الله( صلي الله عليه وسلم) ـ هذا النبي الأمي الذي لم يركب البحر في حياته الشريفة مرة واحدة, فضلا عن الغوص إلي أعماق البحار ـ قال في حديث شريف أخرجه كل من الأئمة أبو داود في سننه, والبيهقي في سننه, وابن شيبة في مصنفه عن عبد الله بن عمرو بن العاص( رضي الله عنهما) ما نصه: لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله, فإن تحت البحر نارا, وتحت النار بحرا( أبو داود البيهقي)
وجاء الحديث في مصنف ابن شيبة بالنص التالي: إن تحت البحر نارا, ثم ماء, ثم نارا
ويعجب الإنسان المتبصر لهذا السبق في كل من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة بالإشارة إلي حقيقة من حقائق الأرض التي لم يتوصل الإنسان إلي ادراكها إلا في نهايات القرن العشرين, هذا السبق الذي لا يمكن لعاقل أن يتصور له مصدرا غير الله الخالق, الذي أنزل هذا القرآن الكريم بعلمه, علي خاتم أنبيائه ورسله, وعلم هذا النبي الخاتم والرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم) من حقائق هذا الكون ما لم يكن لأحد من الخلق إلمام به قبل العقود الثلاثة المتأخرة من القرن العشرين, لكي تبقي هذه الومضات النورانية في كتاب الله, وفي سنة رسوله( صلي الله عليه وسلم) شهادات مادية ملموسة علي أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق الذي حفظه( تعالي) علي مدي أربعة عشر قرنا أو يزيد, وإلي قيام الساعة بنفس لغة الوحي( اللغة العربية) كلمة كلمة, وحرفا حرفا في صفائه الرباني, واشراقاته النورانية, دون أدني تغيير أو تبديل أو تحريف, وأن هذا النبي الخاتم, والرسول الخاتم عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم) كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض. فسبحان الذي أنزل في محكم كتابه من قبل ألف وأربعمائة من السنين هذا القسم القرآني بالبحر المسجور, وسبحان الذي علم خاتم أنبيائه ورسله بهذه الحقيقة فقال قولته الصادقة إن تحت البحر نارا, وتحت النار بحرا وسبحان الذي أكد علي صدق القرآن الكريم, وعلي صدق هذا النبي الخاتم في كل ما رواه عن ربه. فأنزل في محكم كتابه قوله الحق:
لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفي بالله شهيدا*( النساء:166)
وقوله( سبحانه) مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم):
قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض انه كان غفورا رحيما*( الفرقان:6)
وقوله( عز من قائل):
وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون*
(النمل:93)
وقوله( تعالي):
ويري الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلي صراط العزيز الحميد*( سبأ:6)
وقوله( سبحانه وتعالي):
إن هو إلا ذكر للعالمين* ولتعلمن نبأه بعد حين*( ص:88,87)
وقوله( تبارك وتعالي):
...وانه لكتاب عزيز* لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد*
(فصلت:41 و42)
وقوله( تبارك اسمه):
سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه علي كل شيء شهيد*
(فصلت:53)
-
28 - ألم نجعل الأرض مهادا* والجبال أوتادا
هاتان الآيتان الكريمتان جاءتا في مقدمات سورة النبأ, وهي سورة مكية, شأنها شأن كافة السور المكية يدور محورها حول قضية العقيدة, تلك القضية الغيبية التي لا يمكن للإنسان أن يصل فيها إلي تصور صحيح أبدا بغير هداية ربانية, ومن هنا كانت من قواعد الدين الذي من لوازم صحته أن يكون وحيا ربانيا خالصا لا يداخله أدني قدر من الصياغة أو التصورات البشرية.
ومن أصول العقيدة الإسلامية الإيمان بالبعث وبالحساب والجزاء, وبالخلود في حياة قادمة إما في الجنة أبدا, أو في النار أبدا, والإيمان بالبعث هو موضوع سورة النبأ ومحورها الأساسي, وذلك لأن إنكار البعث كان حجة كفار قريش, كما كان حجة الكفار والمتشككين عبر التاريخ في نبذهم للدين, كفرا برب العالمين, وجهلا بطلاقة قدرته التي لا تحدها حدود, أو قياسا للقدرة الالهية بقدرات البشر المحدودة ظلما وعدوانا وجهلا بمدلول الألوهية الحقة, ومن ثم عجز الكافرون عن تصور إمكانية البعث, أو تعاجزوا عنه انصياعا لشهواتهم التي يرون ممارستها دون أدني مسئولية أو مساءلة فانطلقوا في انكار البعث, وما يستتبعه من الحساب والجزاء, وفي التشكيك في كل ذلك وهو من صلب الدين الذي جاء به آلاف من الانبياء, ومئات من المرسلين, وتكامل في بعثة النبي الخاتم والرسول الخاتم( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين).
ومن أجل التأكيد علي حقيقة البعث بعد الموت وما يستتبعه من حساب وجزاء ابتدأت سورة النبأ باستنكار تساؤل الكافرين عنه تساؤل المنكر له أو المتشكك في امكانية وقوعه, وألمحت بالتهديد القاطع لكل منكر أو متشكك في تلك الحقيقة الربانية الحاسمة, ثم أوردت عددا من الآيات الكونية الدالة علي طلاقة القدرة الالهية في إبداع الخلق لكي تكون شاهدة علي أن الخالق المبدع قادر علي افناء خلقه وعلي إعادة بعثه...!!!, ولذلك أكدت السورة علي حقيقة يوم البعث وأهواله, وسمته باسم يوم الفصل لأنه يوم قد وقته ربنا( تبارك وتعالي) للفصل بين العباد, سيجمع له كافة الخلق من الأولين والآخرين بعد فنائهم أجمعين وفناء الكون كله من حولهم, وذلك لحسابهم علي ما قد قدموا في حياتهم الدنيا, ولجزائهم الجزاء الأوفي علي ذلك..!!!
ثم تعرج بنا السورة علي بعض صور العقاب الذي أعده ربنا( تبارك وتعالي) للطاغين من الكفار والمشركين والمتجبرين في الأرض من المنكرين لدين الله, والمكذبين بآياته, والغافلين عن حسابه, وذلك بإدخالهم إلي جهنم ـ وبئس المصير ـ التي تترصد بهم, وتستعد لاستقبالهم وفيها من صور العذاب المهين ما نسأل الله تعالي أن يجيرنا منه..!!!
وللمقارنة بين مصير هؤلاء الطاغين المكذبين ومصير عباد الله المتقين, تحدثت السورة عن شيء من جزاء المتقين من جنات ونعيم مقيم فضلا ورحمة من رب العالمين.
وختمت السورة الكريمة بتصوير شيء من أهوال يوم القيامة, وبدعوة الناس كافة إلي الاستعداد لهذا اليوم الذي سوف يعود الخلق فيه إلي الله, ليقفوا جميعا بين يديه للحساب, وأن يأخذوا حذرهم حتي تحسن عودتهم, ويهون حسابهم فينجوا من العذاب المهين, ويرفلوا في جنات النعيم المقيم...!!!
وتضمن ختام سورة النبأ التحذير من عذاب يوم القيامة, حيث ينظر كل إنسان صحيفة أعماله في هذه الحياة, وفيها كل ما قد قدمت يداه, فيحمد المتقون الله علي حسن هدايته وتوفيقه ويتمني كل كافر لو يستحيل ترابا أملا في تحاشي هول هذا اليوم وهول المصير الأسود من بعده ولكن هيهات هيهات أن يفر أحد من حساب الله وجزائه العادل...!!!
ومن الآيات الكونية التي قدمها ربنا( تبارك وتعالي) بين يدي سورة النبأ شاهدة له( سبحانه) بطلاقة القدرة في إبداعه لخلقه, ومؤكدة إمكانية البعث بل حتميته وحقيقته جاء قوله( تعالي):
ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا
وهاتان الآيتان يمر عليهما الانسان دون ادراك حقيقي لفضل الله تعالي في الانعام بهما ولا بعمق الدلالة العلمية في كل منهما, لأن حقيقة ذلك لم يدركها العلماء المتخصصون الا في العقود المتأخرة من القرن العشرين, وهذا السبق القرآني صورة من صور الاعجاز العلمي في كتاب الله سنعرض لها إن شاء الله( تعالي) في الأسطر التالية بعد شرح الدلالة اللغوية لألفاظ الآيتين الكريمتين واستعراض لأقوال المفسرين فيهما.
الدلالة اللغوية
http://www.ahram.org.eg/archive/2001.../42028_20m.jpg
صورة لاحدى السلاسل الجبلية التى طالما وصفت بأنها مجرد نتوءات فوق سطح الأرض
من الألفاظ المهمة لفهم دلالة الايتين الكريمتين ما يلي:
أولا:( الأرض): وهي لفظة في اللغة العربية تدل علي اسم الكوكب الذي نحيا عليه, في مقابلة بقية الكون الذي يجمع تحت اسم السماء أو السماوات. ولفظة( الأرض) مؤنثة, وأصلها( أرضة) وجمعها( أرضات) و( أرضون) بفتح الراء أو بتسكينها وقد تجمع علي( أروض) و( أراض), ولفظة( الأراضي) تستخدم علي غير قياس.
ولما كانت( الأرض) دون السماء فإن العرب قد عبروا بلفظة( الأرض) عن أسفل الشيء, كما عبروا بالسماء عن أعلاه, وقالوا:( أرض أريضة) أي حسنة النبت أو حسنة( الأرضة) كما يقال:( تأرض) النبت بمعني تمكن علي( الأرض) فكثر, و(تأرض) الجدي اذا أكل نبت( الأرض), ويقال كذلك( أرض نفضة) و(أرض رعدة) أي تنتفض وترتعد أثناء حدوث كل من الهزات الأرضية والثورات البركانية.
و(الأرضة) حشرة تأكل الخشب, يقال:( أرضت) الأخشاب( تؤرض)( أرضا) فهي( مأروضة) اذا أكلتها( الأرضة).
ثانيا:( المهاد):( المهاد) والمهد في اللغة العربية الممهد الموطأ من كل شيء, ويطلق علي الفراش لبسطه وسهولة وطئه, يقال:( مهد) الفراش أي بسطه ووطأه, و(المهد) ما يهيأ للصبي من فراش وثير و(تمهيد) الأمور اصلاحها وتسويتها, يقال:( مهدت) لك كذا أي هيأته وسويته, و(تمهيد) العذر هو بسطه وقبوله.
قال( تعالي):ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين( آل عمران:46)
وقال سبحانه وتعالي:
الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا..( طه:53)
وقال تبارك وتعالي:
ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون
(الروم:44)
وقال( عز من قائل):
ومهدت له تمهيدا( المدثر:14)
وقال( سبحانه):
والأرض فرشناها فنعم الماهدون
( الذاريات:48)
ثالثا:( والجبال) والأجبال: جمع( جبل) وهو المرتفع عما حوله من الارض ارتفاعا ملحوظا يجعله يعظم ويطول, ودونه( التل) ودون التل( الربوة) أو( الأكمة), ودون الأكمة( النجد) أو( الهضبة), ودون الهضبة( السهل).
ويقال:( أجبل) القوم أي صاروا إلي( الجبال) بمعني وصلوا إليها, أو دخلوها وسكنوا فيها, ويقال للحية:( ابنة الجبل) لأن الجبل مأواها, كما يقال لصدي الصوت( ابن الجبل) لأن( الجبل) يردده, ويقال للداهية( ابنة الجبل) لأنها تثقل علي النفس كأنها( الجبل)
و( الجبلة) و( الجبلة) و( الجبلة) و( الجبلة) القوة البدنية أو صلابة الأرض و( الجبال): البدن, يقال: فلان( مجبول) أو( خطير الجبال) أي عظيم البدن تشبيها بالجبل, و( تجبل) ما عنده أي استنظفه, و(الجبل) أيضا ساحة البيت, أو الكثير من كل شيء, يقال:( مال جبل) و( حي جبل) أي كثير, و( الجبل) و( الجبلة) الجماعة من الناس( وفيها قراءات قريء بها قوله( تعالي): ولقد أضل منكم جبلا كثيرا بكسر الجيم والباء وتشديد اللام, كما قريء بضم أو فتح الجيم وتسكين الباء. وبضم كل من الجيم والباء وتشديد اللام أو تخفيفها)
و(الجبلة) الخلقة أو الفطرة وأصله الوجه وما استقبلك منه, ومنه قوله( تعالي) والجبلة الأولين بكسر الجيم أو ضمها وكسر الباء او تسكينها والجمع( الجبلات). ومنها أخذت تسمية السائل الذي يملأ جدار الخلية الحية باسم الجبلة( البروتوبلازم أو السيتوبلازم).
يقال:( جبله) الله( جبلا) أي خلقه وفطره, اشارة إلي ما ركب فيه من طباع, و( الجبلي) الفطري, و( الجبلة) الأصل, و(الجبل) الغليظ, يقال: فلان ذو( جبلة) أي غليظ الجسم, و( جبل) أي صار كالجبل في الغلظ, ويقال:( جبل) التراب( جبلا) أي صب عليه الماء ودعكه حتي صار طينا, ويقال:( جبله)( أي قطعه قطعا شتي, كما يقال فلان( جبل) لا يتزحزح تصورا لمعني الثبات فيه.
رابعا:( أوتادا) و( الأوتاد) جمع( وتد) بكسر التاء وبفتحها, والكسر أولي, وفعله( وتد), والأمر منه( تد) بالكسر, و(الأوتاد) قطع من خشب أو حديد غليظة الرأس, مدببة النهاية, تثبت بها أركان الخيمة في الأرض بدكها حتي يدفن أغلبها في الأرض, ويبقي أقلها ظاهرا فوق السطح, فتشد بذلك العمق أركان الخيمة إلي الأرض فتثبتها وتجعلها قادرة علي مقاومة فعل الرياح, والعواصف الهوجاء.
ويأتي التعبير بـ( ذي الأوتاد) في استعارة مجازية بمعني كثير الجنود والعساكر الذين يشدون الملك ويثبتونه كما تشد الأوتاد أركان الخيام إلي الأرض فتثبتها نظرا لكثرة خيامهم التي يضربون أوتادها في أرض معسكراتهم, كما قد تأتي في معني صاحب الأبنية العظيمة الشاهقة التي تشبه في عمق أساساتها أوتاد الجبال, وفي ارتفاعها علو الجبال وذلك من مثل قول الحق تبارك وتعالي:
[وفرعون ذي الأوتاد*]( الفجر:10)
شروح المفسرين
ذكر ابن كثير( يرحمه الله) في تفسير قول الحق تبارك وتعالي( ألم نجعل الأرض مهادا): أي ممهدة للخلائق, ذلولا لهم, قارة, ساكنة, ثابتة, وفي قوله تعالي( والجبال أوتادا): أي جعل لها أوتادا, أرساها بها, وثبتها, وقررها حتي سكنت, ولم تضطرب بمن عليها..
وذكر صاحبا تفسير الجلالين( غفر الله لهما) كلاما مشابها إذ قالا:( ألم نجعل الأرض مهادا) أي فراشا كالمهد صالحة للحياة عليها؟( والجبال أوتادا) أي تثبت بها الأرض كما تثبت الخيام بالأوتاد لئلا تميد بكم, والاستفهام للتقرير
وقال صاحب الظلال( رحمه الله رحمة واسعة: والمهاد: الممهد للسير, والمهاد اللين كالمهد.. وكلاهما متقارب, وهي حقيقة محسوسة للإنسان في أي طور من أطوار حضارته ومعرفته, فلا تحتاج إلي علم غزير لإدراكها في صورتها الواقعية, وكون الجبال أوتادا ظاهرة تراها العين كذلك حتي من الإنسان البدائي, وهذه وتلك ذات وقع في الحس حين توجه إليها النفس, غير أن هذه الحقيقة أكبر وأوسع مدي مما يحسه الإنسان البدائي لأول وهلة بالحس المجرد, وكلما ارتقت معارف الإنسان, وازدادت معرفته بطبيعة هذا الكون وأطواره, كبرت هذه الحقيقة في نفسه, وأدرك من ورائها التقدير الإلهي العظيم والتدبير الدقيق الحكيم, والتنسيق بين أفراد هذا الوجود وحاجاتهم, واعداد هذه الأرض لتلقي الحياة الإنسانية وحضانتها, واعداد هذا الإنسان للملاءمة مع البيئة والتفاهم معها
وجعل الأرض مهادا للحياة ـ وللحياة الإنسانية بوجه خاص ـ شاهد لا يماري في شهادته بوجود العقل المدبر من وراء هذا الوجود الظاهر, فاختلال نسبة واحدة من النسب الملحوظة في خلق الأرض هكذا بجميع ظروفها, أو اختلال نسبة واحدة من النسب الملحوظة في خلق الحياة لتعيش في الأرض.. الاختلال هنا أو هناك لا يجعل الأرض مهادا, ولا يبقي هذه الحقيقة. التي يشير إليها القرآن الكريم هذه الاشارة المجملة, ليدركها كل إنسان وفق درجة معرفته ومداركه..
وجعل الجبال أوتادا.. يدركه الإنسان من الناحية الشكلية بنظره المجرد, فهي أشبه شيء بأوتاد الخيمة التي تشد إليها. أما حقيقتها فنتلقاها من القرآن, وندرك منه أنها تثبت الأرض وتحفظ توازنها..
وقد يكون هذا لأنها تعادل بين نسب الأغوار في البحار ونسب المرتفعات في الجبال.. وقد يكون لأنها تعادل بين التقلصات الجوفية للأرض والتقلصات السطحية, وقد يكون لأنها تثقل الأرض في نقط معينة فلا تميد بفعل الزلازل والبراكين والاهتزازات الجوفية.. وقد يكون لسبب آخر لم يكشف عنه بعد.. وكم من قوانين وحقائق مجهولة أشار إليها القرآن الكريم, ثم عرف البشر طرفا منها بعد مئات السنين!
وذكر صاحب صفوة البيان لمعاني القرآن( رحمه الله) ما نصه:( مهادا) فراشا موطأ كالمهد, لتمكينكم من الاستقرار عليها والتقلب في أنحائها, والانتفاع بما أودعناه لكم فيها.
والمهاد: مصدر بمعني ما يمهد, وجعلت به الأرض مهادا مبالغة في جعلها موطئا للناس والدواب يقيمون عليها. أو بتقدير مضاف, أي ذات مهاد,( والجبال أوتادا) كالأوتاد للأرض, أي أرسيناها بالجبال لئلا تميد وتضطرب, كما يرسي البيت بالأوتاد لئلا تعصف به الرياح. جمع وتد بفتح التاء وكسرها ـ وفعله كوعد
وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم ما نصه: ألم يروا من آيات قدرتنا أنا جعلنا الأرض ممهدة للاستقرار عليها والتقلب في أنحائها!! وجعلنا الجبال أوتادا للأرض تثبتها وفي تعليق هامشي أضافوا ما نصه: يبلغ سمك الجزء الصلب من القشرة الأرضية نحو60 كيلو مترا, وتكثر فيه التجاعيد فيرتفع حيث الجبال وينخفض ليكون بطون البحار وقيعان المحيطات, وهو في حالة من التوازن بسبب الضغوط الناتجة من الجبال, ولا يختل هذا التوازن إلا بعوامل التعرية, فقشرة الأرض اليابسة ترسيها الجبال كما ترسي الأوتاد الخيمة.
وذكر صاحب صفوة التفاسير( بارك الله فيه) ما نصه:
(ألم نجعل الأرض مهادا) أي ألم نجعل هذه الأرض التي تسكنونها ممهدة للاستقرار عليها, والتقلب في أنحائها؟ جعلناها لكم كالفراش والبساط لتستقروا علي ظهرها, وتستفيدوا من سهولها الواسعة بأنواع المزروعات؟( والجبال أوتادا) أي وجعلنا الجبال كالأوتاد للأرض تثبتها لئلا تميد بكم كما يثبت البيت بالأوتاد, قال في التسهيل, شبهها بالأوتاد لأنها تمسك الأرض أن تميد.
ألم نجعل الأرض مهادا؟ في منظور العلوم الحديثة
استضاءة بمفهوم تحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض وصلت الدراسات الحديثة في هذا المجال إلي أن الأرض بدأت بمحيط غامر, ثم بتصدع قاع ذلك المحيط وبدء تحرك الألواح الصخرية المكونة لذلك القاع متباعدة عن بعضها البعض في أحد أطرافها, ومصطدمة في الاطراف المقابلة, ومنزلقة عبر بقية الأطراف, نتج عند الاطراف المتصادمة أعداد من اقواس الجزر البركانية التي نمت بالتدريج الي عدد من القارات بمزيد من تصادمها, فتمايزت ألواح الغلاف الصخري للأرض إلي الألواح المحيطية, وتلك القارية, وبتصادم الواح قيعان المحيطات بكتل القارات تكونت سلاسل الجبال الشبيهة بجبال الإنديز علي الحافة الغربية لأمريكا الجنوبية, وبتصادم ألواح القارات مع بعضها تكونت أعلي السلاسل الجبلية علي سطح الأرض من مثل سلاسل جبال الهيمالايا التي نتجت عن اصطدام كتلة الهند بكتلة قارتي آسيا وأوروبا.
ومع تكون الأطواف, والمنظومات والسلاسل والأحزمة الجبلية ومجموعاتها المعقدة أصبح سطح الأرض علي درجة من وعورة التضاريس لا تسمح بعمرانها, ثم بدأت عمليات التجوية والتحات والتعرية في بري تلك المجموعات الجبلية والأخذ من ارتفاعاتها باستمرار, وبنقل الفتات الصخري الناتج عن تلك العمليات الي أحواض المحيطات والبحار بدأت دورة الصخور التي لا تزال تتكرر ملايين المرات إلي يومنا الراهن لتكسو منخفضات الأرض بالتربة اللازمة للانبات والزراعة, ولتركز العديد من الثروات المعدنية, ولتزيد من ملوحة البحار والمحيطات حتي تجعلها صالحة لحياة البلايين من الكائنات الحية, ولتحفظ هذا الماء من الفساد, ولتركز معادن المتبخرات في صخور الأرض.
ولما كانت عمليات التجوية والتحات والتعرية تزيل كميات كبيرة من الصخور المكونة لمرتفعات سطح الأرض كان من ضرورات الاتزان الأرضي أن تتحرك الصهارة الصخرية تحت الغلاف الصخري للأرض لتعوض فقدان الكتل التي تمت تعريتها, ولتحقق الاتزان الأرضي بتعديل الضغوط في داخل الأرض, ويؤدي ذلك إلي رفع الجبال بطريقة تدريجية.
وباستمرار تفاعل تلك القوي المتصارعة من عمليات التجوية والتعرية المقترنة بعمليات تحرك الصهارة الصخرية تحت الغلاف الصخري للأرض وفي داخله, وعمليات رفع الجبال لتحقيق التوازن الأرضي لفترات زمنية طويلة فإنها تنتهي بإنقاص سمك سلسلة الجبال إلي متوسط سمك لوح الغلاف الصخري الذي تتواجد عليه, وذلك بسحب جذور الجبال( الامتدادات الداخلية للجبال) من نطاق الضعف الأرضي ورفعها حتي تظهر علي سطح الارض, وبخروج جذور الجبال من نطاق الضعف الارضي الذي كانت طافية فيه كما تطفو جبال الجليد في مياه المحيطات, فإن الجبال تفقد القدرة علي الارتفاع إلي أعلي, وتظل عوامل التعرية في بريها حتي تسويها بسطح الأرض تقريبا وحينئذ تنكشف جذور الجبال, وبها من الثروات المعدنية ما لا يمكن أن يتواجد الا تحت مثل ظروف اوتاد الجبال التي تتميز بقدر هائل من الضغط والحرارة.
وعلي هذا النحو فإن الجبال قد لعبت ــ ولا تزال تلعب ــ دورا مهما في بناء قارات الأرض وفي الزيادة المستمرة لمساحة تلك القارات بإضافة الكتل الجبلية إلي حواف تلك القارات بطريقة مستمرة.
ومعني ذلك أن كل قارات الأرض بدأت بسلاسل من أقواس الجزر البركانية في وسط المحيط الغامر, وأن باصطدام تلك الجزر تكونت القارات علي هيئة أطواف ومنظومات و سلاسل وأحزمة جبلية معقدة, وأن تلك المرتفعات جعلت سطح الأرض علي درجة من وعورة التضاريس لا تسمح بعمرانها, ثم بدأت سلسلة من الصراع بين العمليات الأرضية الداخلية البانية للجبال والرافعة لها, والعمليات الهدمية الخارجية التي تبريها وتعريها, وفي نهاية هذا الصراع تنتصر العوامل الهدمية الخارجية فتسوي الجبال, وتخفض من ارتفاعاتها بالتدريج في محاولة للوصول بها إلي مستوي سطح البحر, ولذلك فإن كل سهول ومنخفضات اليابسة الحالية كانت في يوم من الايام جبالا شاهقة, ثم برتها عوالم التجوية والتحات والتعرية حتي أوصلتها إلي مستوياتها الحالية, وأن الكتل الصخرية القديمة التي تعرف باسم الرواسخ( أو المجن) وهي كتل مستقرة نسبيا موجودة في أواسط القارات ما هي في الحقيقة إلا جذور السلاسل الجبلية القديمة التي تم بريها.
هذه العمليات المعقدة من الصراع بين القوي البانية في داخل الأرض والقوي الهدمية من خارجها هي التي أدت( بتخطيط من الخالق سبحانه وتعالي) إلي بناء القارات, ورفعها فوق مستوي البحار والمحيطات علي هيئة مجموعات من أطواف ومنظومات وسلاسل وأحزمة جبلية شاهقة ظلت تضاف إلي بعضها البعض بانتظام وبطء لتزيد من مساحة القارات, التي كانت في بادئ الامر جبلية وعرة, لا تسمح وعورتها بعمرانها, ثم بدأت عوامل التعرية في الأخذ من تلك الجبال الشاهقة بالتدريج حتي حولتها إلي السهول الواسعة, والهضاب والنجود المنخفضة والأودية المحفورة والرواسخ الثابتة التي تشكل اواسط القارات اليوم حتي وصلت الأرض إلي صورتها المناسبة للعمران بواسطة الإنسان, ولذلك يمن علينا ربنا( تبارك وتعالي) بتمهيد الأرض, ويلوم المنكرين للبعث بتوجيه هذا اللون من الاستفهام التقريري, التوبيخي, التقريعي الذي يقول فيه الحق( تبارك وتعالي).
ألم نجعل الأرض مهادا؟ أي ألم نجعل لكم الأرض فراشا موطأ كالمهد لتمكينكم من الاستقرار عليها, والتقلب في أنحائها, والانتفاع بما اودعناه لكم فيها كما اشار صاحب صفوة البيان لمعاني القرآن( رحمه الله) لأن الأرض لو بقيت جبالا شاهقة الارتفاع, متشابكة التضاريس, معدومة الممرات والمسالك, لما أمكن العيش علي سطحها فسبحان الذي أنزل هذه اللفتة القرآنية المبهرة في محكم كتابه من قبل ألف وأربعمائة من السنين, وهي حقيقة لم يدركها الإنسان إلا في العقود الأخيرة من القرن العشرين!!
والجبال أوتادا في منظور العلوم الحديثة
من الأمور المشاهدة أن سطح الأرض ليس تام الاستواء, وذلك بسبب اختلاف التركيب الكيميائي والمعدني, وبالتالي اختلاف كثافة الصخور المكونة لمختلف أجزاء الغلاف الصخري للأرض, فهناك قمم عالية للسلاسل الجبلية, وتنخفض تلك القمم السامقة إلي التلال, ثم الروابي أو الربي( جمع ربوة أو رابية) أو الآكام( جمع أكمة) أو النتوءات الأرضية, ثم الهضاب أو النجود( جمع نجد) ثم السهول, ثم المنخفضات الأرضية والبحرية.
ويبلغ ارتفاع أعلي قمة علي سطح الأرض( وهي قمة جبل إفرست) في سلسلة جبال الهيمالايا8840 مترا تقريبا فوق مستوي سطح البحر بينما يقدر منسوب اخفض نقطة علي سطح اليابسة( وهي حوض البحر الميت) بحوالي395 مترا تحت مستوي سطح البحر, ويقدر متوسط منسوب سطح اليابسة بنحو840 مترا فوق مستوي سطح البحر, ويبلغ منسوب اكثر اغوار المحيطات عمقا10800 متر( وهو غور ماريا نوس في قاع المحيط الهادي بالقرب من جزر الفلبين) بينما يبلغ متوسط اعماق المحيطات نحو اربعة كيلو مترات(3729 ــ4500 متر) تحت مستوي سطح البحر.
ويبلغ الفارق بين أعلي قمة علي اليابسة وأخفض نقطة في قيعان المحيطات8840+10,800=19640 مترا( أي أقل قليلا من عشرين كيلو مترا)
وهذا الفارق بين أعلي قمة علي سطح اليابسة وأخفض نقطة في أغوار قيعان البحار العميقة والمحيطات إذا قورن بمتوسط نصف قطر الأرض والمقدر بنحو6371 كيلو مترا فإن النسبة لا تكاد تتعدي0,003 ـ%, وهذه النسبة الضئيلة تلعب دورا مهما في معاونة عوامل التعرية المختلفة علي بري صخور مرتفعات الأرض, وإلقاء الفتات الناتج عنها في المنخفضات في دورات متعاقبة تعمل علي تسوية سطح الأرض, وتكوين التربة, وتركيز الخامات المعدنية, وجعل الأرض صالحة للعمران كما سبق أن اسلفنا.
كذلك فإن الأدلة العلمية التي تراكمت علي مدي القرنين التاسع عشر والعشرين تشير إلي أن الغلاف الصخري للأرض في حالة توازن تام, وإذا تعرض هذا التوازن إلي الاختلال في أية نقطة علي سطح الأرض فإن تعديله يتم مباشرة.
ومن هذه الادلة أن القشرة الأرضية تنخفض إلي أسفل علي هيئة منخفضات أرضية عند تعرضها لأحمال زائدة, وترتفع إلي أعلي علي هيئة نتوءات أرضية عند إزالة تلك الأحمال عنها, ويتم ذلك بما يسمي باسم التضاغط والارتداد التضاغطي. الذي يتم من اجل المحافظة علي الاتزان الارضي, ومن أمثلة ذلك ما ينتج عن تجمع الجليد بسمك كبير علي اليابسة ثم انصهاره, أو عند تخزين الماء بملايين الامتار المكعبة امام السدود ثم تصريفه, أو بتراكم ملايين الاطنان من الترسبات امام السدود, ثم ازالتها, أو بتساقط نواتج الثورات البركانية العنيفة حول عدد من فوهات البراكين ثم تعريتها.
ففي العهد الحديث بدأت في الانصهار تراكمات الجليد السميكة التي كانت قد تجمعت علي بعض اجزاء اليابسة من نصف الكرة الشمالي منذ نحو المليوني سنة( خلال واحد من اكبر العصور الجليدية التي مرت بها الأرض), ونتيجة لذلك بدأت الأرض بالارتفاع التدريجي في مناطق الانصهار التدريجي للجليد لتحقيق التوازن التضاغطي للارض, وهو من سنن الله فيها, وقد بلغ ارتفاع الارض بذلك330 مترا في منطقة خليج هدسون في شمال أمريكا الشمالية, ونحو المائة متر حول بحر البلطيق حيث لايزال ارتفاع الارض مستمرا.
وأمام كثير من السدود التي أقيمت علي مجاري الانهار تسببت بلايين الامتار المكعبة من المياه وملايين الاطنان من الرسوبيات التي تجمعت امام تلك السدود في حدوث انخفاضات عامة في مناسيب المنطقة, وزيادة ملحوظة في نشاطها الزلزالي, يفسر ذلك بأن ألواح الغلاف الصخري المكونة للقارات( والتي يتراوح سمك كل منها بين المائة والمائة وخمسين كيلو مترا) يغلب علي تركيبها صخور ذات كثافة منخفضة نسبيا, بينما يغلب علي تركيب ألواح الغلاف الصخري المكونة لقيعان البحار والمحيطات صخور ذات كثافة عالية نسبيا( ولذلك لا يتجاوز سمك الواحد منها سبعين كيلو مترا فقط).
وكل من ألواح الغلاف الصخري القارية والمحيطية يطفو فوق نطاق الضعف الأرضي الأعلي كثافة وهو نطاق لدن( مرن), شبه منصهر, عالي اللزوجة ولذلك فهو يتأثر بالضغوط فوقه ويتحرك استجابة لها.
وبالمثل فإن قشرة الأرض المكونة لكتل القارات يتراوح سمكها بين30 و40 كيلو مترا تقريبا ويغلب علي تركيبها الصخور الجرانيتية والتي تغطي أحيانا بتتابعات رقيقة ومتفاوتة السمك من الصخور الرسوبية( ومتوسط كثافة الصخور الجرانيتية يبلغ2,7 جرام للسنتيمتر المكعب) بينما يتراوح سمك قشرة الارض المكونة لقيعان البحار والمحيطات بين5 و8 كيلو مترات فقط, ويغلب علي تركيبها الصخور البازلتية التي قد تتبادل مع الصخور الرسوبية أو تتغطي بطبقات رقيقة منها( ويبلغ متوسط سمك الصخور البازلتية2,9 جرام للسنتيمتر المكعب), لذلك تطفو كتل القارات فوق قيعان البحار والمحيطات.
وبنفس هذا التصور يمكن تفسير الاختلاف في تضاريس سطح الأرض علي أساس من التباين في كثافة الصخور المكونة لكل شكل من أشكال تلك التضاريس, فالمرتفعات علي سطح اليابسة لابد وأن يغلب علي تكوينها صخور أقل كثافة من الصخور المحيطة بها, ومن ثم فلابد وأن يكون لها امتدادات من صخورها الخفيفة نسبيا في داخل الصخور الاعلي كثافة المحيطة بها, ومن هنا كان الاستنتاج بأن الجبال لابد لها من جذور عميقة تخترق الغلاف الصخري للأرض بالكامل لتطفو في نطاق الضعف الارضي, وهنا تحكمها قوانين الطفو كما تحكم جبال الجليد الطافية في مياه المحيطات.
وقد أيدت قياسات عجلة الجاذبية الأرضية هذا الاستنتاج بإشارتها إلي قيم أقل من المفروض نظريا في المناطق الجبلية, وإلي قيم أعلي من المفروض في المنخفضات الارضية وفوق قيعان البحار والمحيطات, ويعتبر انكشاف جذور الجبال القديمة في اواسط القارات مما يثبت حدوث عمليات إعادة التعديل التضاغطي في الغلاف الصخري للأرض.
وبفهم دورة حياة الجبال ثبت أن كل نتوء أرضي فوق مستوي سطح البحر له امتداد في داخل الغلاف الصخري للارض يتراوح طوله بين10 و15 ضعف ارتفاعه, وكلما كان الارتفاع فوق مستوي سطح البحر كبيرا تضاعف طول الجزء الغائر في الأرض امتدادا إلي الداخل, وعلي ذلك فإن قمة مثل افرست لا يكاد ارتفاعها فوق مستوي سطح البحر يصل إلي تسعة كيلو مترات(8848 مترا) لها امتداد في داخل الغلاف الصخري للارض يزيد عن المائة والثلاثين كيلو مترا, يخترق الغلاف الصخري للارض بالكامل ليطفو في نطاق الضعف الارضي, وهو نطاق شبه منصهر, لدن أي مرن, عالي الكثافة واللزوجة, تحكمه في ذلك قوانين الطفو كما تحكم جبال الجليد الطافية في مياه المحيطات, فكلما برت عوامل التعرية قمم الجبال ارتفعت تلك الجبال الي أعلي, وتظل عملية الارتفاع تلك حتي يخرج جذر الجبل من نطاق الضعف الأرضي بالكامل, وحينئذ يتوقف الجبل عن الحركة, ويتم بريه حتي يصل سمكه إلي متوسط سمك اللوح الارضي الذي يحمله, وبذلك يظهر جذر الجبل علي سطح الارض, وبه من الثروات الارضية ما لا يمكن ان يتكون إلا تحت ظروف استثنائية من الضغط والحرارة لا تتوفر إلي في جذور الجبال.
فسبحان الذي وصف الجبال من قبل ألف وأربعمائة سنة( بالاوتاد) وهي لفظة واحدة تصف كلا من الشكل الخارجي للجبل, وامتداده الداخلي ووظيفته, لأن الوتد اغلبه يدفن في الأرض, وأقله يظهر علي السطح, ووظيفته التثبيت, وقد اثبتت علوم الأرض في العقود المتأخرة من القرن العشرين أن هكذا الجبال, بعد ان ظل وصف الجبال الي مشارف التسعينيات من القرن العشرين قاصرا علي أنها مجرد نتوءات فوق سطح الأرض, واختلفوا في تحديد حد ادني لارتفاع تلك النتوءات الارضية اختلافا كبيرا, وفي السبق القرآني بوصف الجبال بأنها اوتاد تأكيد أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق وأن النبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض حيث لم يكن لأحد من البشر إلمام بامتدادات الجبال الداخلية الا بعد نزول الوحي بالقرآن بأكثر من إثني عشر قرنا فصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم, والحمد لله رب العالمين.