إن هذا الحوار الذى نتحدث فيه هو خلاصنا و هو مصيرنا الوحيد , مصير البشر أجمعين , فلابد أن تكون رسالة الله لنا واضحة , معتمدة منه تبارك وتعالى , لا يزيغ عنها الا هالك , لا لأن تلقى فى جبال و كهوف ثم يجئ أحد البدو فجاءة بعد مئات السنين ليكتشف كلمة الله الضائعة ؟ هل هذا مقبول ومعقول عندكم ؟ !
إقتباس :
( اني اعلم انه كان يوجد عدة مصاحف فاي مصحف هو الاصح ؟ وما الدليل علي ذلك؟
لماذا قام عثمان بحرق بقية المصاحف ولماذا فضل مصحف علي اخر؟
واين المصحف الاصلي للقرآن؟
هل اذا قمنا بحرق جميع المخطوطات وابقينا علي واحدة كان هذا يرضيكم؟ )
قلت : اعلم أيها الفاضل أن القرأن الكريم هو كلام الله الذى لا مرية فيه , و هو أصح كتب الله و أشملها و أفضلها و أكملها و أحسنها ... فيه القصص الحق و الترياق المبين لشفاء البشرية أجمعين ... فلم يزد فيه و لم ينقص منه ... قال تعالى ( و أنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتب و مهيمناً عليه ) المائدة 48 فقوله ( و مهيمناً ) أي حاكماً على ما قبله من الكتب فإن إسم المهيمن يتضمن أنه أمين على الكتب المتقدمة قبله فما وافقه منها فهو حق و ما خالفه منها فهو باطل فهو شاهد و حاكم على كل كتاب قبله جعل الله هذا الكتاب العظيم الذي أنزله آخر الكتب و خاتمها و أشملهــا و أعظمهــا و أكملها حيث جمع فيه محاسن ما قبله من الكمالات ما ليس في غيره فلهذا جعله شاهداً و أميناً و حاكماً عليها كلها و تكفل تعالى بحفظه فقال تعالى " إنا نحن نزلنا الذكر و إنــا لـــه لحافظـــون "الحجر 9- أى وإنا للقرآن لـحافظون من أن يزاد فـيه بـاطل مّا لـيس منه, أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه. والهاء فـي قوله: «لَهُ» من ذكر الذكر . فلا يَأْتِـيهِ البـاطِلُ مِنْ بـينِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَـلْفِهِ فأنزله الله ثم حفظه, فلا يستطيع أحد أن يزيد فـيه بـاطلاً ولا ينتقص منه حقّا,لقد حفظه الله من ذلك. فتولّى سبحانه حفظه فلم يزل محفوظاً, وقال في غيره من الكتب التى بين أيدى اليهود و النصارى : {بِمَا اسْتُحْفِظُوا من كتاب الله ْ} (المائدة: 44), فوَكَل حفظه إليهم فبدّلوا وغيروا .
فلقد حفظ الله القرأن الكريم فى الصدور و السطور , ليكون ما فى السطر و سيلة لا غاية انفرد بها القرأن على جميع الكتب السماوية , و يكون ما فى الصدر اعجازًا مبهرًا يضئ ليل نهار ليحق القول على من ادعى افتراء على القرأن الكريم ما ليس فيه .... فالله أكبر و العزة لله .
البداية .
اعلم أرشدك الله أيها الباحث , ان القرأن الكريم الذى بين أيدينا الأن هو الذى قد جمع و كتب فى عهد النبى عليه الصلاة و السلام , من أول كلمة فيه الى أخر كلمة على هذا الترتيب الذى هو عليه الأن . فلقد كان محفوظًا فى الصدور لكى لا يكون للسطور الأهمية الأولى فى حفظه , بل تكون و سيلة من وسائل الحفظ . فلقد حفظه الرب تبارك و تعالى بأن قيض له رجالا أمناء ، حفظوه فى صدورهم , و سطورهم , فلم تقو يد الزمان , و لا يد العدو على أن تزيد فيه حرفا , و لا أن تنقض منه حرفا , بخلاف غيره من الكتب مثل التوراة فقد ضاعت فى غزو بختنصر البابلى لمملكة بنى أسرائيل , و لم يعثر عليها الا فيما بعد , ثم ما ان جمعت و الله أعلم بصحة ما جمع فيها حتى تسلط عليها عبدة المادة فحرفوها و بدلوها حسب مصالحهم و أهوائهم , و كذلك الأناجيل .
فتعالى معى أيتها الفاضلة فى عجالة لتعلمى كيف حفظ القرأن منذ البداية :
كان القرأن الكريم يتنزل من فوق سبع طباق بلسان عربى مبين عن طريق جبريل الأمين, قال تعالى: } لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ! إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ { قَالَ: جَمْعُـهُ لَكَ فِي صَـدْرِكَ وَتَقْرَأَهُ، } فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ { قَالَ: فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ، } ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ.- القيامة 17.
فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ فَإِذَا انْطلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم كَمَا قَرَأَهُ.( رواه البخارى )
وكان جبريل عليه السلام يعرض القرأن على النبى عليه الصلاة و السلام و يراجعه معه فى كل عام مرة فعَنْ السيدة فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام أنها قالت : أَسَرَّ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ.... ( البخارى ) .
و كان القرأن الكريم يثبت فى قلب النبى عليه الصلاة و السلام فلا ينساه . قال تعالى ( سنقرئك فلا تنسى ) الأعلى 6 .
و كان أصحاب النبي عليه الصلاة و السلام يحفظون القرآن بسماعه منه، فكان النبى عليه الصلاة و السلام يقرأ القرأن على اصحابه . فيحفظ الصحابة رضوان الله عليهم القرأن من لسانه عليه الصلاة و السلام . ومع حرص أصحاب النبي عليه السلام الشديد على تلقي القرآن منه وحفظه كانِ صلى الله عليه و سلم يشجعهم ويحثهم على تعلُّم القرآن وتعليمه:
عَنْ عُثْمَانَ رضى الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم قَالَ: خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ. رواه البخارى
وكان صلى الله عليه و سلم يحرص أن يتعلم كل من التحق بدار الإسلام بالْمدينة القرآن، فكان يختار لهم من يعلِّمهم:
فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم يُشْغَلُ، فَإِذَا قَدِمَ رَجُلٌ مُهَاجِرٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ اللهِ صلى الله عليه و سلم دَفَعَهُ إِلَى رَجُلٍ مِنَّا يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ.( رواه البخارى ) .
ولقد حفظ القرآن الكريم من الصحابة جمع كبير يصعب حصره، فتأمل !
إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور، لا على خط الْمصاحف والكتب هو بحق قمة الاعجاز ، وهذه أشرف خصيصة من الله تعالى لِهَذِهِ الأمة .
فهذه أيها الفاضل مرحلة الحفظ فى الصدور, و هى مرحلة هامة , و كان يليها مباشرة التدوين فى السطور بين يدى النبى عليه الصلاة و السلام ايضًا !
فعن عُثْمَانَ بن عَفَّانَ، قال: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم مِمَّا تَنَزَّلُ عَلَيْهِ الآيَاتُ فَيَدْعُو بَعْضَ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ لَهُ، وَيَقُولُ لَهُ: ضَعْ هَذِهِ الآيَةَ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا- ( رواه ابو داود ) .
و هكذا كان شأن القرأن الكريم ... و لله الحمد و المنة .
و قبل وفاة النبى عليه الصلاة و السلام كانت العرضة الأخيرة للقرأن الكريم فعَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مَشْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَرْحَبًا بِابْنَتِي ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ فَقُلْتُ لَهَا : لِمَ تَبْكِينَ , ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَضَحِكَتْ , فَقُلْتُ : مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ فَقَالَتْ : مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهَا فَقَالَتْ : أَسَرَّ إِلَيَّ إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي الْقُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ وَلَا أُرَاهُ إِلَّا حَضَرَ أَجَلِي وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي لَحَاقًا بِي فَبَكَيْتُ فَقَالَ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ * - ( رواه البخارى ) .
و هكذا توفى النبى عليه الصلاة و السلام و كان القرأن محفوظًا فى الصدور و مكتوبًا على الرقاع و العسب و اللخاف و قطع الأديم و عظام الأكتف و الأضلاع ...
ثم قام أبو بكر الصديق رضى الله عنه بجمع القرأن الكريم بين دافتين و كان هذا أول جمع للقرأن الكريم , و الذى تم فيه هو جمع الوثائق التى كتبها كتبة الوحى فى حضرة رسول الله صلى الله عليه و سلم ...و ظل هذا المصحف فى بيت السيدة حفصه زوج النبى صلى الله عليه و سلم .
و لما اتسعت الأمصار الاسلامية و دخل الناس فى دين الله أفواجا , أخذت الأمم الجديدة فى الاسلام تقرأ القرأن الكريم بلكناتها المخالفة للكنة القرأن التى نزل بها , و فى هذا يقول أنس بن مالك رضى الله عنه : أن حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّأْمِ فِي فَتْحِ إِرْمِينِيَةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ فَقَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَدْرِكْ هَذِهِ الْأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْكِتَابِ اخْتِلَافَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى-( رواه البخارى ).
فما كان من سيدنا عثمان رضى الله عنه الا أنه قال " نرى أن نجمع الناس على مصحفٍ واحدٍ، فلا تكون فرقةٌ، ولا يكون اختلافٌ. قلنا( اى الصحابة ): فنعم ما رأيت.
فهذا كان باجماع الصحابة و الأمة ان ذاك , و اجماع الأمة معصوم بنص كلام النبى عليه الصلاة و السلام .
فقام سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه بتكليف كتاب الوحى الذين حضروا العرضة الأخيرة للقرأن من النبى عليه الصلاة و السلام الى جبريل عليه السلام و الذين قاموا بجمع الوثائق الخطية التى كانت مكتوبة بين يدى النبى عليه الصلاة و السلام سماعًا منه مباشرة , و كان لا يقبل شئ فى مرحلة الجمع الثانى ليس له وجود فى تلك الوثائق التى أقرها النبى عليه الصلاة و السلام و التى كانت فى بيت السيدة حفصة رضى الله عنها , و كانت هناك شروط فى الجمع , منها :
• أن تكون الأية محفوظة حفظا مطابقا لما فى المصحف الذى كتب فى عهد النبى عليه الصلاة و السلام .
• و جودها فى المصحف المجموع فى عهد أبى بكر .
• شهادة عدلين على أن هذة الأية قالها النبى عليه الصلاة و السلام .
و بهذا تم كتابة القرأن الكريم الذى أنزله الله على نبيه صلى الله عليه و سلم و الذى توحدت عليه الأمة الى يومنا هذا , و قد أجمع عليه جميع أصحاب النبى عليه الصلاة و السلام , و لم يعارض أحد عثمان بن عفان , و تلقت الأمة هذا العمل الجليل بالرضا و القبول و نتحدى اثبات غير ذلك ........ فاللهم اجزى عنا سيدنا عثمان خير الجزاء .
و نسخ من هذا المصحف الذى سمى بالإمام بضعة مصاحف , أرسل كل مصحف الى كل قطر من أقطار الاسلام , مثل الكوفة و الشام و غيرها , و هذه المصاحف موجودة الى زماننا هذا ... و لله الحمد و المنة .
ثم عمد سيدنا عثمان الى كل ماعدا هذا المصحف من مصاحف الأفراد المخالفة فى قراءاتها لهذا المصحف الإمام فى شتى الأقطار و الأمصار بالأحراق و الاستبعاد , فكان بسبب هذا الإحراق توحيد الأمة على كتاب واحد , و بهذا قدر الله تبارك و تعالى لكتابه أن يحفظ .
ان مليارًا من البشر يقرؤن كتابًا واحدًا بلغة واحدة , فالمعجزة الحقيقية هى أن تتوحد الألسنة والقلوب لأجل قراءة كتاب واحد , لا أن نبدل الكتاب لكى تتفرق الألسنة والقلوب , و من له السمع فليسمع !!
و لذلك يقول المستشرق لوبلوا: [ إن القرآن هو اليوم الكتاب الربانى الوحيد ، الذى ليس فيه أى تغيير يذكر ].
ومن قبله قال مستشرق آخر (د. موير) كلاما طيباً فى الثناء على القرآن ، وهو: [ إن المصحف الذى جمعه عثمان ، قد تواتر انتقاله من يد ليد ، حتى وصل إلينا بدون أى تحريف ، ولقد حفظ بعناية شديدة ، بحيث لم يطرأ عليه أى تغيير يذكر ، بل نستطيع أن نقول إنه لم يطرأ عليه أى تغييرعلى الإطلاق فى النسخ التى لا حصر لها ، المتداولة فى البلاد الإسلامية الواسعة ، فلم يوجد إلا قرآن واحد لجميع الفرق الإسلامية المتنازعة وهذا الاستعمال الإجماعى لنفس النص المقبول من الجميع حتى اليوم حجة ودليل على صحة النص المُنزل.... ( حياة محمد w.muir)
و أتحداك أن تاتينى بدليل واحد أيها الباحث على أن المسيح عليه السلام شهد كتابة الأناجيل أو أنه اعتمد لكم تلك الأناجيل على انها كلام الله !
ان تلك الأناجيل كتبت بعد رفع المسيح عليه السلام بعشرات السنين فكيف يعتمدها لكم على أنها كلام الله وهو لم يراها أصلا؟! و هذا ما تحسدنا عليه الأمم , و هو ان كل صغيرة و كبيرة فى أمر ديننا أعتمده الله و رسوله لنا ,وهذا ما تفتقرون أنتم و اليهود اليه.
و بهذا أيها الفاضل قد اثبت لك بما يدع مجالا للشك أن ما فعله سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه هو مصداق لقوله تعالى " انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون " الحجر 9 .
فياليت لو أن عندكم عشر عشر معشار عثمان رضي الله عنه !