الحروب الصلبية من كتاب قصة الحضارة :لمؤرخ ول ديورانت - شهد شاهدآ من اهلها
أخوتى المسلمين , زملانئا النصارى ..سلام الله على من أتبع الهدى
لقد اظل الله على بكرمه و وبفضله بأحد مجلدات قصة الحضارة لمؤلف ول ديورانت .. وكتابه بيعتبر من أعمدة التاريخ " نظرآ لاسلوبه المحايد , ولنقله الحقائق كما هى " .
والعجبية ان هذا الرجل تفوه بالكثير والكثير , الذى والله لو قارئها نصارى لشهد انا امة محمد -صلى الله عليه وسلم - هى اعلى الامم حضارة فى هذا العالم .
وسأعرض ان شاء الله , ما يهمنا فى الحوار الاسلامى النصرانى من معلومات . ولن أعرض الكتاب كله بالطبع !
وهنا سبب أخر , دفعنى الى ان اكمل عرض الكتاب ... هو انه كنت فى مرة عند حليمو , ودخل غرفته واحد , بيقول انه كان مسلم ولكن ترك الاسلام لانه يرى ان الاسلام ليس دين حضارى .
وهنا تمنيت انه لو كان هذا العمل خالصا لاعطيته ايه .
وعلى هذا سأعرض الباب الاول , على شكل مداخلات صغيرة حتى يتمكن الاخوة من المتابعة ..
وأتمنى من الاخوة عدم التعليق الا فى النهاية ... حتى لا يتكاسل الواحد عن اتمام هذا المشروع البسيط
الباب الثالث والعشرون . الحروب الصلبية , 1095--1391
الفصل الأول
أسبابها
كانت الحروب الصلبية هى الفصل الأخير من مسرحية العصور الوسطى ! ولعلها أجدر الحوادث بالتصوير فى تاريخ أوربا والشرق الادنى , ففيها عمد الدينان العظيمان - المسيحية والأسلام - أخر الامر , وبعد قرون من الجدل والنقاش ,الى الفيصل الأخير فيما شجر بين بنى الأنسان من نزاع , ونعنى به محكمة الحرب العليا وفيها بلغ كل تطور
فى العصور الوسطى , وكل توسع فى الشئون التجارية الديانة المسيحية , وكل تحمس فى العقيدة الدينية , وكا ما فى الأقطاع من قوة , وكل ما فى الفروسية من فتنة وبهجة , بلغ
هذا كل غايته فى حرب دامت مائتى عام فى سبيل روح البشرية والأرباح التجارية .
وأول سبب مباشر للهذه الحرب الصلبيبة --- تعليقى هامشى : الأسم الأنجيليزى crusade مشتق من اللفظ الأسبانى cruzada أى عليه علامة الصليب ..أنتهى التعليق الهامشى --هو زحف الأتراك السلاجقة ,وكان العالم قبل زحفهم قد كيف نفسه لقبول سيطرة المسلمين على بلاد الشرق الأدنى , وكان الفاطميون حكام مصر قد حكموا قد حكموا فلسطين حكما سمحا رحيما .
أستمتعت فيه الطوائف المسيحية بحرية واسعة فى ممارسة دينها . أذا أستثنينا بعض الفترات القصيرة القليلة . فأن الحاكم بأمر الله , الخليفة المجنون , دمر كنيسة الضريح المقدس "م1010" ولكن المسلمين أنفسهم قدموا المال الكثير لأعادة بنائها . وقد وصفها الرحالة المسلم " ناصرى خسرو " بأنها بناء واسع الجنبات تتسع لثمانية ألاف شخص , وبذل فى بنائها أعظم ما يستطاع من الحذق والمهارة . وزين كل مكان فى داخلها بالنسيج الحريرى البيزطنى المطررز بخيوط الذهب , ورسم فيها المسيح عليه السلام ,راكبا ظهر حمار .
وكان فى أورشليم كنائس أخرى كثيرة . وكان فى وسع الحجاج المسيحين أن يدخلوا الأماكن المقدسة بكامل حريتهم .وكان الحج الى فلسطين قد أصبح منذو زمن بعيد أحد شعائر العبادة أو التوبة من الذنوب , فكان الأنسنا أينما سار فى اوربا يلتقى بحجج يدلون على أنهم أدوا هذه الشعيرة بأن يضعوا على اثوابهم شارة فى شكل صليب من خوص النخل --- تعليقى هامشى : وكان هؤلاء يسمون palmers من كلمة palm أى النخلة ومن معانى كلمة palmer غشاش أو خادع فى اللب .أنتهى التعليق الهامشى--.جاءوا بها من فلسطين . ويوصف هؤلاء فى كتاب بيرز بالومان بأن " كان من حقهم أن يكذبوا ويخادعو ما بقى من حياتهم " .
ولكن الأتراك أنتزعوا بيت المقدس من الفاطمين فى عام 1070 , وأخذ الحجاج المسيحين يتحدثوا عما يلقونه فيها من ظلم وتحقير . وتقول قصة قديمة لا نجد ما يؤيدها , أن احد هؤلاء الحجاج وهو بطرس الناسك قد حمل الى البابا أوربان الثانى من سمعان بطريق أورشليم رسالة تصف بالتفصيل ما يعانيه المسيحيون فيها من أتضهاد وتستغيث
به لينقذهم
يتابع ان شاء الله
الفصل الثانى, الحرب الصلبيبة الأولى,1095-1099 م
وأنضوت جماعات لا عدد لها تحت لواء الحرب مدفوعة الى هذا بغريات كثيرة : منها أن كل من يخر صريعآ فى الحرب قد وعد بمغفرة ذنوبه , وأذن لأرقاء الأرض أن يغادورا الاراضى التى كانوا مرتبطين بها , وأعفى سكان المدن من الضرائب وأجلت ديون المدينين على يؤدا فائدة نظير ذلك العمل , وتوسع البابا فى سلطاته توسعا جرئيا فأطلق المسجونين , وخفف أحكام الأعدام عن المحكوم عليهم بها أذا خدموا طوال حياتهم فى فلسطين , وأنضم ألاف من المشردين الى القائمين بهذه الرحلة المقدسة .
وأقبل كثيرون من الأتقياء المخلصين المخلصين ليخلصوا الأرض التى ولد فيها المسيح ومات , ومنهم رجال سئموا الفقر الذى كانوا يعانون منه , والذى ظنوا أنه9 لا نجاة لهم منه , ومنهم المغامرون التواقون الى الأندفاع فى مغامرات جرئية فى بلاد المشرق , ومنهم الأبناء الصغار الذين يرجون ان تكون لهم أقطاعيات فى تلك البلاد , ومنهم التجار الذين يبحثون عن أسواق لبضائهم , والفرسان الين غادر الأرقاء أرضهم فاصبحوا لا عمل لهم , ومنهم ذو النفوس الضعيفة الذين يخشون أن يرميهم الناس بالجبن وخور العزيمة , ونشطت الدعاوة المألوفة فى الحروب فأخذت تؤكد أتضهاد الذى يلقاه المسيحين فى فلسطين , والمعاملات الوحشية التى يلقونها على أيدى المسلمين , والاكاذيب عما فى العقيدة الأسلامية من زيغ وضلال ; فكان المسلمين يوصفون انهم يعبدون تمثالا للنبى محمد<7> –صلى الله عليه وسلم –وأخذ الثرثاون " الأتقياء " يقولون :
أن النبى محمد –صلى الله عليه وسلم – أصابته نوبة صرع ألتهمته فى أثنائها الخنازير البرية <8> ورويت قصص خرافية فى ثروات الشرق , وعن الغانيات السمر ينتظرن أن يأخذهن الرجال البواسل <9>.
هذه البواعث المختلفة لا يمكن أن تجتمع من أجلها جموع متجانسة يستطاع أخضاعها لنظام عسكرى , وقد بلغ من أمر هذا الخليط أن النساء والأطفال أصروا فى كثير من الحالات على الانضمام الى صفوف المجاهدين ليقوم النساء بخدمة أزواجهن , والابناء بخدمة أبائهن , ولعلهم كانوا على حق فى هذا الأصرار , لان العاهرات سرعان ما تطوعن لخدمة المحاربين , وكان أربان قد حدد لبدء الرحيل شهر أغسطس من عام 1096 .
ولكن الفلاحين القلقين الذين كانوا أول المتطوعين لم يستطعوا الانتظار الى هذا الموعد , فسار جحفل منهم عدته نحو أثنى عشر ألف –لم يكن من بينهم ألا ثمانية من الفرسان . وبدأ رحلته من فرنسا فى شهر مارس بقيادة بطرس الناسك وولتر , وقام جحفل أخر –ربما كانت عدته 5000 من ألمانيا بقيادة القس جتشوك وزحف ثالث من أوض الريان بقيادة الكونت أمكو الليننجنى وكانت هذه الجموع غير النظامية هى التى قامت بأكثر الأعتداءات على يهود أمانيا ويوهيميا , وأبت أن تطيع ندأ رجال الدين والمواطنين من أهل البلاد , وأنحطت حتى استحالت الى وقت ما وحوشا كاسرة تستر تعطشها لدمار بساتر من عبارات التوقى والصلاح .
وكان المجندون قد جاء معهم ببعض المال , ولكنهم لم يجيئوا ألا بالقليل الذى لا يغنى من الطعام , وكان قادتهم تعوزهم التجارب فلم يعدوا العدة لاطعامهم ; وقدر كثيرآ من الزاحفين المسافة بأقل من قدرها الصحيح ., وكانوا وهم يسيرون على ضفاف الرين والدانواب كلما عرجوا على بلدة من البلاد يسألهم أبناهم بلهفة – أيست هذه أورشيلم ؟ ولما فرغت أموالهم وعضهم الجوع , أضطروا أىل نهب ما فى طريقهم من بيوت وحقول ,وسرعان ما أضافوا الفسق الى السلب والنهب <11>.
الفصل الثالث :: مملكة اورشليم 1099-1143
أختير جدفرى البويونى الذى اعترف له اخر الامر بالتقوى والصلاح المنقطعى النظير حاكما على دمشق على ان يلقب بهذا اللقب المتواضع ,وهو" حامى حمى الضريح المقدس ". ولم يدع الحاكم الجديد أنه خاضع لألكيسيوس لان الحكم البيزنطى لهذه المدينة كان قد انقضى منذو 465 عاما , ولهذا اصبحت مملكة أورشليم اللاتينة من يوم انشائها دولة مستقلة كاملة السيادة , وحرم فيها المذهب الأورثوكسى الشرقى , وفر البطريق اليونانى الى قبرص , وقبلت أبرشيات المملكة الجديدة الشعائر اللاتينة , والمطران الأيطالى والحكم البابوى .
وبعد فأن ثمن السيادة هو القدرة على الدفاع عنها , وهذا هو الثمن الذى كان على المحررين العظام أن يؤده , فقد وصل الى عسقلان بعد اسبوعين من هذا التحرير جيش من المصريين يهدف الى استعادة المدنية المقدسة فى أديان كثيرة . وهزم جدفرى هذا الجيش القادم , ولكنه مات بعد سنة واحدة من هذه المعركة سنة 1100م وخلفه أخوه بولدين وهو اقل منه كفاية- تولى من سنة 1100 الى 1118م- وأتخذ لنفسه لقب أسمى من لقبه وهو لقب الملك.
وشملت المملكة الجديدة فى عهد الملك فلك fulk كونت أنجو -1131 _1143 – الجزء الأكبر من فلسطين وسوريا , ولكن المسلمين ظلوا مالكين حلب , ودمشق , وحمص , وقسمت المملكة أربع أمارات أقطاعية , تتركز على التوالى حول أورشليم , وأنطاكية والرها , وطرابلس ; ثم جزئت كل أمارة الى أقطاعيات تكاد كل منها تكون مستقلة عن الأخرى , وكان سادتها المتحاسدون يشنون حربا بعضهم على بعض , ويسكون العملة , ويحاكون الملوك المستقلين فى هذه وغيرها من الشئون , وكان الاشراف هم الذين يختارون الملك , وتقيده سلطة الكنيسة دينية لا سلطان عليها لغير البابا نفسه , وكان مما أضعف سلطان الملك غير هذا أنه اسلم عدة ثغور : يافا وصور , وعكا , وبيروت , وعسقلان – الى البندقية , وجنوى وبيزا , نظير ما تقدمه للمملكة الجديدة عن معونة حربية وما تحمله لها بطريق البحر من مؤن .
أما تنظيم المملكة وقوانينها فكانت تضعها المحاكم العليا فى أورشليم – وكان هذا أحدى النتائج المنطقية للحكم الاقطاعى من الوجهة القانونية . وأدعى الاشراف ملكية الارض جميعها وأنزلوا ملاكها السابقين –
سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين – منزلة أرقاء الأرض . وفرض عليهم واجبات أقطاعية أشد قسوة مما كان منها وقتئذ فى أوربا , حتى اخذ سكان البلاد المسيحيون ينظرون بعين الحسرة الى حكم المسلمين ويعدونه من العصور الذهبية التى مرت بالبلاد < 21>.
وكان فى المملكة الناشئة كثير من أسباب الضغف , ولكنها كانت تتلقى معونة فذة من نظام الرهبان الحربيين , ذلك أن تجار أملفى amalfi كانوا قد حصلوا من المسلمين منذو عام 1048 م على أذن ببناء مستشفى فى بيت المقدس لايواء الفقراء أو المرضى من الحجاج , ثم نظم ريمند دوبى Raymond du puy موظفى هذا العهد تنظيما جديدآ فجعلهم هيئة دينية تكرس من حياتها للعفة والفقر والطاعة , وحماية المسيحين فى فلسطنين بالدفاع عنهم دفاعا عسكريا , ومن ثم أصبح الفرسان فرسان المستشفى القديس يوحنا من أنبل الهيئات الخيرية فى العالم المسيحى .
الفصل الرابع :الحرب الصلبيبة الثانية : 1146-1148
وأستغاث القديس برنار بالبابا يوجنيوس الثالث لينادى مرةأخرى بحمل السلاح . وكان يوجنيوس وقتئذ فى صراع مع الخارجين على الدين فى روما نفسها ,
فطلب الى برنار أن يقوم هو نفسه بالدعوى , وكانت هذه فكرة سديدة ,لان القديس كأن أعظم شأنا من الرجل الذى نصبه هو بابا ,فلما أن خرج من صومعته فى كليرفو clairvaux ليدو الفرنسين الى الحرب خفتت أصوات الشك التى كانت مستكنة فى صدور المؤمنين , وزالت المخاوف التى نشرتها القصص التى كانت تروى عن الحرب الصلبيبة الأولى .
واتخذ بانار سبيله مباشرة الى الملك لويس السابع وأقنعه بأن يحمل الصليب , ثم وقف والملك الى جانبه وأخذ وأخذ يخطب الجمع الحاشد فى فيرلازى vezelay 1146م ; ولم يكد يتم خطبته حتى تطوع الجمع كله لحمل السلاح , وتبين ان ما كان كان معدال من الصلبان لا يكفيهم ,
فمزق برنار مئزره ليصنع منه ما يحتاجه من الشارات , وكتب الى البابا يقول ان " المدائن والحصون قد خلت من مكانها , ولم يبق ألا رجل واحد لكل سبع نساء وترى فى مكان أرامل لأزواج لا يزالون أحياء " .
ولم ان ضم أليه فرنسا على هذا النحو أنتقل الى ألمانيا , وأستطاع بحماسته وفصاحة لسانه ان يقنع الامبراطور كنراد الثانى بأن الحرب الصلبيبة هى القضية الوحيدة التى يستطاع بها توحيد حزبى الجلف guelf والهنستو فن hohenstaufen اللذين كان نزعهما يمزق الدولة تمزيقا وأنضوى كثيرون من النبلاء تحت لواء كنراد , من بينهم الشاب فردريك frederick of swabfa الذى أصبح فيما بعد برباسا barbarossa
والذى مات فى الحرب الصلبيبة الثالثة . وبدأ كنراد والألمان فى سيرهما فى يوم عيد الفصح من عام 1147م , وتبعهما الفرنسيون فى يوم عيد العنصرة , وكانوا يسيرون فى حذر مسافة منهم , لأنهم لم يكونوا واثقين أيهما
أشد عداء لهم : الألمان او الأتراك .
واكن الألمان أيضا يشعرون بمثل هذه الحيرة بين الأتراك واليونان ; وبلغ من كثرة المدن بيزنطية التى نهبت فى طريق الزاحفين أن أغلقت كثير منها أبوابها فى وجوههم , ولم تقدم لهم ألا قليلا من المؤن أنزلتها فى سلات من فوق الأسوار , وعرض عليهم مانول كمنينوس manuel comnenus
أمبراطور الرومان فى ذلك الوقت فى رقة ولطف أن تعبر الجيوش النبيلة مضيق الهلسبنت عند ستوس sestos , وبدل أن تخترق القسطنطية , ولكن كنراد ولويس رفضا هذا العرض .
وقامت طائفة فى مجلس لويس تدعوه الى الأستيلاء على القسطنطية وضمها الى فرنسا , ولكنه لم يستجيب لهذه الدعوة , على انه لا يبعد أن تكون أنباؤها قد ترامت الى اليونان ;هذا الى ان هؤلاء قد توجسوا خيفة من قامة فرسان الغرب ودروعهم , وان سرتهم حاشتيهم النسائية , فقد كانت
أليانور المتعبة تصاحب زوجها لويس التاسع , وكان الشعراء يصحبون الملكة , ونبلاء فلاندرز وطلوشه يصطحبون معهم ازواجهم , وكانت وسائل النقل التى مع الفرنسيين مثقلة بالحقائب والصناديق الميئة بالثياب ومواد التجميل , يراد بها الحفاظ على جمال هذه السيدات فى الجواء وفى صروف الحرب والدهر .
وعجل مانويل بنقل الجيشين فى مضيق البسفور , وامد اليونان بالنقود المخفضة القديمة ليتعاملوا بها
مع الصلبيين , وكثيرآ ما أدى نقص المؤن فى اسية وأرتفاع الأثمان التى يطالب بها اليونان , الى النزاع بين المنقذين ومن يريدون أنقاذهم من أعدائهم , وكان مما أحزن فردريك ذا اللحية الصهباء أنه أضطر الى ان يسفك بسيفه دماء المسيحيين ليستطيع ملاقاة " الكفار".
مشاركة: الحروب الصلبية من كتاب قصة الحضارة :لمؤرخ ول ديورانت - شهد شاهدآ من اهلها
وكان ريشترد قد سئمت نفسه هذه الفعال , وعافتها , وملأ اليأس قلبه , فانسحب الى عكا وأخذ يفكر فى العودة الى انجلترا . ولكن لما سمع ان صلاح دين عاود الهجوم على يافا ,
وأنه استولى عليها بعد يومين لا اكثر , أبى كبرياءه ان ينكص عن غرضه , وبعث فى نفسه روحا جديدة ,, واقلع من فوره الى يافا مع من أستطاع ان يحشدهم من الجنود .ولما وصل
الى الميناء نادى بأعلى صوته "الويل للقاعدين "وقفز وسط جنوده فى البحر , وأخذ يلوح ببلطته الدنمرقية الشهيرة ويقتل كل من يقف فى سبيله , ثم قام جنوده الى داخل المدينة ,وأخرج
منها جميع الجنود المسلمين , كل هذا ولم يكاد صلاح الدين يعرف ما حصل عام "1192 م " . فلما عرفه استدعى القسم الرئيسى من جيشه لانقاذ المدينة ,وكان عدد رجاله يربو كثيرآ
على عدد جنود رتشرد الثلاثة الألاف , ولكن شجاعة الملك وجرأته أكسبتاه النصر .
ولما راى صلاح الدين أن رتشرد رأجلا بعث له بجواد من عنده , وقال " أن من العار يقاتل هذا الرجل الشهم راجلا .وغضب جنود صلاح الدين من هذا العمل وأمثاله فلم يعودا
يطيقون صبرا عليه ; ,اخذوا يلومونه على ان ترك جنود حامية يافا أحياء ليقاتلوه فيها مرة اخرى .ثم سار رتشرد أخر الأمر -اذا جاز لنا أن نصدق رواة القصة المسيحيين -أمام جيش
المسلمين وحريته وحربته مدلاة الى جانبه , ولكن أحدآ يجرؤ على مهاجمته .<37> ثم تبدلت الحال فى اليوم الثانى , وجأءت الأمداد الى صلاح الدين , وأستولى الملل مرة أخرى
على رتشرد , وحبس عليه فرسان عكا وصور معونته , فأرسل يطلب الصلح من جديد , وأشتدت عليه الحمى فطلب فاكهة وشرابا باردا , فما كان من صلاح الدين ان بعث أليه
بالكمثرى والخوخ والثلج , وبطبيبه الخاص , وفى اليوم التالى من سمبتر 1192 م وقع البطلان شروط صلح يدوم ثلاث سنين , وقسمت فلسطين قسمين ;فأحتفظ رتشرد يجميع ما فتحه
من المدن الممتدة على طول الساحل عكا الى يافا ;وسمح السلطان للمسلمين والمسيحيين بحرية الأنتقال من أحد القسمين الى الأخر , وتعهد السلطان بحماية الحجاج المسيحيين الى
بيت المقدس على ان تبقى المدينة فى ايدى المسلمين "ولعل التجار الأيطالين الذين يهمون قبل كل شئ أن يسيطروا على الثغور البحرية , قد أقنعوا رتشرد بالتخلى عن المدينة المقدسة
نظير استيلائه على المدن الساحلية ".
وأقيمت المأدب والألعاب أحتفالا بالصلح ويقول صاحب سيرة رتشرد فى هذا : " والله وحدهيعلم مقدار السرور الذى ملأ قلوب الشعبين , وهو سرور يجل عن الوصف "<38>.
وزالت الى حين الاحقاد من الصدور ; ولما ركب سفينته الى أنجلترا أرسل رسالته الأخيرة الى صلاح الدين يتحداه , ويتوعده بأنه سيعود بعد ثلاثة سنين ويستولى على بيت المقدس
.وأجابه صلاح الدين بأنه اذا كان لابد أن تقطع يديه فأنه يفضا ان يقطعها رتشرد " الأنكتار "لا اى رجل سواه.<39>.وبعد فأن أعتدال الى صلاح الدين , وصبره وعدله قد غلبت
بهاء رتشرد , وشجاعته , ومهارته الحربية ; كما غلب المسلمون بفضل أخلاص زعمائهم ووحدتهم الزعماء الأقطاعيين المنقسمين على انفسهم ,والذين يعوزهم الولاء للغرض
والأخلاص فى المقصد ; وكان قصر خط التموين من وراء المسلمين أعظم فائدة من سيطرة المسيحيين على البحار . وكانت الفضائل والأخطاء المسيحية أبرز من السلطان منها
فى الملك المسيحى ;فقد كان صلاح الدين مستمسكا بدينه الى ابعد حد , وأجاز لنفسه أن يقسوا أشد القسوة على فرسان المعبد والمستشفى ; ولكنه فى العادة شفيقا بالضعفاء ,
ورحيما بالمستضعيفين يسمو على اعدائه فى وفائه بوعده سموا جعل المؤرخين المسحيين يعجبون كيف يخلق الدين الأسلامى "الخاطئ " فى ظنهم يصل فى العظيمة الى هذا الحد .
وكان يعامل خدمه أرق معاملة , ويستمع بنفسه الى مطالب الشعب جميعها , وكانت قيسمة المال عنده لا تزيد على قيمة التراب .ولم يترك خزانته الخاصة بعد موته ألا دينارآ واحدآ<40>.
وقد ترك لابن الظاهر قبل موته بزمن قليل وصية لا تسمو فوقها اى فلسفة مسيحيية :
"اوصيك بتقوى الله تعالى فأنها رأى كل خير ;وأمرك بما أمر الله به فأنه سبب نجاتك ;وأحذرك من الدماء والدخول فيها والتقلد بها , فان الدم لا ينام أبدآ ;وأوصيك بحفظ قلوب
الرعية والنظر فى أحوالهم , فأنت أمينى وأمين الله عليهم ;وأوصيك بحفظ قلوب الامراء وأرباب الدولة والأكابر , فما بلغت ما بلغت الا بمدرارة الناس . ولا تحقد على احدآ فأن الموت
لايبقى على احد ; ,احذر ما بينك وبين الناس فأنه لا يغفر الا برضاهم , وما بينك وبين الله يغفره بتوبتك اليه فأنه كريم .
ومات -رحمه الله - فى عام سنة 1193 م ولم تتجاوز سنة الخامسة والخمسين.
مشاركة: الحروب الصلبية من كتاب قصة الحضارة :لمؤرخ ول ديورانت - شهد شاهدآ من اهلها
الفصل التاسع
الحملة الصليبة الرابعة
1202-1204
أفلحت الحملة الصليبة الثالثة فى أخذ عكا ولكنها لك تفلح فى الأستيلاء على بيت المقدس , وكانت هذه نتيجة ضئيلة ميئسة لحملة أشترك فيها ملوك أوربا .وكان غرق بربرسا , وفرار فليب أغسطس
, وأخفاق رتشرد , ودسائس الفرسان المسيحيين فى الأرض المقدسة التى لم يرعوا فيها واجبا أو ضميرآ , والنزاع الذى قام بين فرسان المعبد وفرسان المستشفى ;وتجدد الحرب بين أنجلترا وفرنسا
,كل هذا قد حطم كبرياء أوربا , وأذلها , واضعف ثقة العالم المسيحى بها .ولكن موت صلاح الدين المبكر , وأنقسام دولته بعد وفاته ,بعث فى قلوب العالم المسيحى أمالا جديدة , فلم يكد
أنوسنت الثالث innocent 111 يجلس على عرش البابوية "1198 -1216 م ", حتى أخذ يطالب العالم المسييحى ببذل مجهود جديد , وقام فلك نويى fulk de neuilly
, وهو قس ساذج ,يدعو الملوك والسوقة الى الحرب صلييبة رابعة . وكانت نتيجة الدعوة سيئة ;فقد كان الامبراطور فرديرك الثانى طفلا فى سن الرابعة ;وكان فليب أغسطس يرى ان حملة صليبة
واحدة تكفيهم طوال حياته , ونسى رتشرد كلماته الاخيرة لصلاح الدين فأخذ يسخر من دعوة فلك , ويقول له " أنك تدعوننى الى التخلى عن بناتى الثلاث "الكبرياء , والبخل , والأنغماس فى الملاذ
, قدرتك هىلأجدر الناس بها : كبريائى لفرسان المعبد , وبخلى لرهبان سيتو citeaux , وأنغماسى فى الملاذ الى المطارنة <42>.
ولكن أنوسنت واصل دعوته , وقال ان حملة توجه الى مصر مقدر لها الفوز بفضل الله سيطرة الأيطالين على البحر المتوسط , ثم تتخذ مصر الغنية الخصبة قاعدة للزحف على بيت المقدس .ووافقت
البندقية بعد مساومات طويلة على ان تعد ما يلزم لنقل 4500 من الفرسان والخيول ,و 9000 من اتباعهم ,وعشرين الفا من المشاة , وما يكفى هذه القوة من المؤن تسعة شهور , كل هذا فى نظير
85,500 مارك من الفضة "نحو 85,500,000ريالا أمريكيا ".ورضيت أيضا أن تمدهم بخمسين سفينة حربية بشرط أن تخص جمهورية البندقية بنصف الغنائم الحربية <43>.
على أن البنادقة لم يكن فى عزمهم أن يهاجموا مصر , فقد كانوا يكسبون منها الملالين فى كل عام بما يصدرونه أليها من الاخشاب , والحديد , والسلاح ,وبأستيراد العبيد ;ولم يكونوا يريدون أن يخاطروا بضياع
هذه التجارة بالأشتراك فى الحرب , أو بأقتسماها مع بيزا وجنوى .ولهذا فأنهم وهم يفاوضون لجنة من الصلبيين عقدوا حلفا سريا مع سلطان مصر يضمنون بمقتضاه سلامة تلك البلاد
من الغزو"1201-1244".ويقول أرنول ernoul المؤرخ الاخبارى المعاصر أن البندقية حصلت على رشوة كبيرة نظير تحويل الحملة الصلبيية عن فلسطين .<45>.