أسباب النزول (موسوعة شاملة)
القول في أول ما نزل من القرآن
أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم المقري قال: أخبرنا عبد الله بن حامد الأصفهاني قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ قال: حدثني محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب الزهري قال: أخبرني عروة عن عائشة أنها قالت اول ما بديء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء فكان يأتي حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى فجأه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال: اقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقلت ما أنا بقارئ قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد فقال (اِقرَأ بِاِسمِ رَبِّكَ الَّذي خَلَقَ) حتى بلغ ما لم يعلم فرجع بها يرجف فؤاده حتى دخل على خديجة فقال: زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال: يا خديجة ما لي وأخبرها الخبر وقال: قد خشيت علي فقالت له: كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق رواه البخاري عن يحيى بن بكير ورواه مسلم عن محمد بن رافع كلاهما عن عبد الرزاق.
أخبرنا الشريف إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين الطبري قال: أخبرنا جدي أبو حامد أحمد بن الحسن الحافظ قال: حدثنا عبد الرحمن بن بشر قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: إن أول ما نزل من القرآن (اِقرَأ بِاِسمِ رَبِّكَ الَّذي خَلَقَ) رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن أبي بكر الصبغي عن بشر أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقري قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الجرجاني قال: حدثنا نصر بن محمد الحافظ قال: أخبرنا محمد بن مخلد أن محمد بن إسحاق حدثهم قال: حدثنا يعقوب الدورقي قال: حدثنا أحمد بن نصر بن زياد قال: حدثنا علي بن الحسين بن واقد قال: حدثني أبي قال: حدثني يزيد النحوي عن عكرمة والحسن قالا: أول ما نزل من القرآن (بِسمِ اللهِ الرَحمَنِ الرَحيمِ) فهو أول ما نزل من القرآن بمكة وأول سورة (اِقرَأ بِاِسمِ رَبِّكَ).
أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل التاجي قال: أخبرنا محمد بن محمد بن الحسن الحافظ قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو صالح قال: حدثني الليث قال: حدثني عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني محمد بن عباد بن جعفر المخزومي أنه سمع بعض علمائهم يقول: كان أول ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم (اِقرَأ بِاِسمِ رَبِّكَ الَّذي خَلَقَ خَلَقَ الِإنسانَ ِمن عَلَقٍٍ اِقرَأَ وَرَبُّكَ الأَكرَمُ الَّذي عَلَمَ بِالقَلَمِ عَلَّمَ الِإنسانَ ما لَم يَعلَم) قالوا هذا صدرها أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حراء ثم أنزل آخرها بعد ذلك بما شاء الله. فأما الحديث الصحيح الذي روى أن أول ما نزل سورة المدثر فهو ما أخبرناه الأستاذ أبو إسحاق الثعالبي قال: حدثنا عبد الله بن حامد قال: حدثنا محمد بن يعقوب قال: حدثنا أحمد بن عيسى بن زيد البينسي قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن الأوزاعي قال: حدثني يحيى بن أبي كثير قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن: أي القرآن أنزل قبل قال: يا أيها المدثر: قلت: أو اقرأ باسم ربك قال: سألت جابر بن عبد الله الأنصاري: أي القرآن أنزل قبل قال: يا أيها المدثر قال قلت: أو اقرأ باسم ربك. قال جابر: أحدثكم ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني جاورت بحراء شهراً فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي ثم نظرت إلى السماء فإذا هو على الفرش في الهواء يعني جبريل فأخذتني رجفة فأتيت خديجة فأمرتهم فدثروني ثم صبوا علي الماء فأنزل الله علي (يا أَيُّها المُدَّثِّرُ قُم فَأَنذِر) رواه مسلم عن زهير بن حرب عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي وهذا ليس بمخالف لما ذكرناه أولاً وذلك أن جابراً لما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم القصة الأخيرة ولم يسمع أولها فتوهم أن سورة المدثر أول ما نزل وليس كذلك ولكنها أول ما نزل عليه بعد سورة اقرأ.
والذي يدل على هذا ما أخبرنا أبو عبد الرحمن بن حامد قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في الحديث:
(فبينما أنا أمشي سمعت صوتاً من السماء فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالساً على كرسي بين السماء والأرض فجثثت منه رعباً فرجعت فقلت: زملوني زملوني فدثروني فأنزل الله يا أيها المدثر) رواه البخاري عن عبد الله بن محمد. ورواه مسلم عن محمد بن رافع كلاهما عن عبد الرزاق وبان بهذا الحديث أن الوحي كان قد فتر بعد نزول اقرأ باسم ربك ثم نزل يا أيها المدثر. والذي يوضح ما قلنا إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن الملك الذي جاء بحراء جالس فدل على أن هذه القصة إنما كانت بعد نزول اقرأ.
أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد المقري قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقري قال: حدثنا أبو الشيخ قال: حدثنا أحمد بن سليمان بن أيوب قال: حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن سفيان قال: حدثنا علي بن الحسين بن واقد قال: حدثني أبي قال: سمعت علي بن الحسين يقول: أول سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة: اقرأ باسم ربك وآخر سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة: المؤمنون ويقال العنكبوت وأول سورة نزلت بالمدينة: ويل للمطففين وآخر سورة نزلت في المدينة براءة وأول سورة علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة: والنجم وأشد آية على أهل النار (فَذوقوا فَلَن نَزيدَكُم إِلاعَذابا) وأرجى آية في القرآن لأهل التوحيد (إِنَّ اللهَ لايَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ ما دونَ ذَلِكَ) الآية. وآخر آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم (وَاِتَّقوا يَوماً تُرجَعونَ فيهِ إِلى اللهِ) وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعدها تسع ليال.
وقال النووي في قوله صلى الله عليه وسلم: (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر كقوله الله تعالى: (وَثَمانِيَةَ أَيّامٍ) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول:
صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا يتوقف فيه إلا جاهل غبي.
والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب.
الشيخ الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري
اسباب النزول (القول في آخر ما نزل من القرآن)
القول في آخر ما نزل من القرآن
أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ قال: حدثنا محمد قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال: أخبرنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي قال: حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا أبو إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب يقول: آخر آية نزلت (يَستَفتونَكَ قُلِ اللهُ يُفتيكُم في الكَلالَةِ) وآخر سورة أنزلت: براءة. رواه البخاري في التفسير عن سليمان بن حرب عن شعبة. ورواه في موضع آخر عن أبي الوليد. ورواه مسلم عن بندار عن غندر عن شعبة.
أخبرنا أبو بكر التميمي قال: أخبرنا أبو محمد الجياني قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا ابن المبارك عن جبير عن الضحاك عن ابن عباس قال: آخر آية نزلت (وَاِتَّقوا يَوماً تُرجَعونَ فيهِ إِلى اللهِ).
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن النحوي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن سنان المقري قال: أخبرنا أحمد بن علي الموصلي قال: حدثنا أحمد بن الأحمش قال: حدثنا محمد بن فضيلة قال: حدثنا الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله (وَاِتَّقوا يَوماً تُرجَعونَ فيهِ إِلى اللهِ) قال: ذكروا هذه الآية وآخر آية من سورة النساء نزلت آخر القرآن.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الصوفي قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب قال: حدثنا الحسن بن عبد الله العبدي قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا شعبة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس عن أبي بن كعب أنه قال: آخر آية نزلت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (لَقَد جاءَكُم رَسولُ مِّن أَنفُسِكُم) وقرأها إلى آخر السورة رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن الأصم عن بكار بن قتيبة عن أبي عامر العقدي عن شعبة.
أخبرني أبو عمرو محمد بن العزيز في كتابه أن محمد بن الحسين الحدادي أخبرهم عن محمد بن يزيد قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا وكيع عن شعبة عن علي بن يزيد عن يونس بن ماهك عن أبي بن كعب قال: أحدث القرآن بالله عهداً (لَقَد جاءَكُم رَسولٌ مِّن أَنفُسِكُم) الآية وأول يوم أنزل فيه يوم الإثنين أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن زكريا الشيباني قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي قال: حدثنا بن أبي خثيم قال: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا مهدي بن ميمون قال: حدثنا غيلان بن جرير عن عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة أن رجلاً قال: يا رسول الله أرأيت صوم يوم الإثنين قال فيه أنزل القرآن وأول شهر أنزل فيه القرآن شهر رمضان قال الله تعالى ذكره (شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أُنزِلَ فيهِ القُرآنُ) أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان النضروي قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن مياسر قال: حدثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله قال: حدثنا عبد الله بن جابر بن الهيثم الغداني قال: حدثنا عمران عن قتادة عن أبي المليح عن واثلة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان وأنزل التوراة لست مضين من رمضان وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان)
الشيخ الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري
اسباب النزول (القول في آية البسملة وبيان نزولها)
القول في آية البسملة وبيان نزولها
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقري قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الجرجاني قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الرحمن الجوهري قال: حدثنا محمد بن يحيى بن منده قال: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عثمان بن سعيد قال: حدثنا بشر بن عمار عن أبي رزق عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال: أول ما نزل به جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا محمد استعذ ثم قل بسم الله الرحمن الرحيم.
أخبرنا أبو عبد الله بن إسحاق قال: حدثنا إسماعيل بن أحمد الخلال قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن زيدان البجلي قال: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف ختم السورة حتى ينزل عليه (بِسمِ اللهِ الرَحمَنِ الرَحيمِ).
أخبرنا عبد القادر بن طاهر البغدادي قال: أخبرنا محمد بن جعفر بن مطر قال: أخبرنا إبراهيم بن علي الرملي قال: حدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا عمرو بن الحجاج العبدي عن عبد الله بن أبي حسين ذكر عن عبد الله بن مسعود قال: كنا لا نعلم فصل ما بين السورتين حتى نزل (بِسمِ اللهِ الرَحمَنِ الرَحيمِ).
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا جدي قال: أخبرنا أبو عمرو أحمد بن محمد الجرشي قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا محمد بن عيسى بن أبي فديك عن عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال: نزلت (بِسمِ اللهِ الرَحمَنِ الرَحيمِ) في كل سورة اختلفوا فيها فعند الأكثرين هي مكية من أوائل ما نزل من القرآن.
اسباب النزول (فاتحة الكتاب)
فاتحة الكتاب
حدثنا أبو عثمان سعيد بن أحمد بن محمد الزاهد قال: أخبرنا جدي قال: أخبرنا أبو عمرو الجبري قال: حدثنا إبراهيم بن الحارث وعلي بن سهل بن المغيرة قال: حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا برز سمع منادياً يناديه: يا محمد فإذا سمع الصوت انطلق هارباً فقال له ورقة بن نوفل: إذا سمعت النداء فاثبت حتى تسمع ما يقول لك قال: فلما برز سمع النداء: يا محمد فقال: لبيك قال: قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ثم قال: قل (الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ الرَحمَنِ الرَحيمِ مالِكِ يَومِ الدينِ) حتى فرغ من فاتحة الكتاب وهذا قول علي بن أبي طالب.
أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد المفسر قال: أخبرنا الحسن بن جعفر المفسر قال: أخبرنا أبو الحسن بن محمد بن محمود المروزي قال: حدثنا عبد الله بن محمود السعدي قال: حدثنا أبو يحيى القصري قال: حدثنا مروان بن معاوية عن الولاء بن المسيب عن الفضل بن عمر عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: (نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش). وبهذا الإسناد عن السعدي حدثنا عمرو بن صالح قال: حدثنا أبي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فقال: (بِسمِ اللهِ الرَحمَنِ الرَحيمِ الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ) فقالت قريش: رض الله فاك. ونحو هذا قاله الحسن: وقتادة. وعند مجاهد أن الفاتحة مدنية.
قال الحسين بن الفضل: لكل عالم هفوة وهذه بادرة من مجاهد لأنه تفرد بهذا القول والعلماء على خلافه. ومما يقطع به على أنها مكية قوله تعالى (وَلَقَد آتَيناكَ سَبعاً مِّن المَثاني وَالقُرآنَ العَظيمَ) يعني الفاتحة.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن النحوي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن علي الجبري قال: أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال: حدثنا يحيى بن أذين قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر قال: أخبرني العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ عليه أبي بن كعب أم القرآن فقال: (والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ولا الإنجيل ولا الزبور ولا في القرآن مثلها إنها لهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته).
وسورة الحجر مكية بلا خلاف ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة ثم ينزلها بالمدينة ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب هذا مما لا تقبله العقول.
a
اسباب النزول (سورة البقرة )
سورة البقرة
مدنية بلا خلاف أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم قال: أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف قال: حدثنا يعقوب بن سفيان الصغير قال: حدثنا يعقوب بن سفيان الكبير قال: حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا شعيب بن زريق عن عطاء الخراساني عن عكرمة قال: أول سورة نزلت بالمدينة سورة البقرة قوله عز وجل: (الَمَ ذَلِكَ الكِتابُ) أخبرنا أبو عثمان الزعفراني قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال: أخبرنا جعفر بن محمد بن الليث قال: أخبرنا أبو حذيفة قال: حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: أربع آيات من أول هذه السورة نزلت في المؤمنين وآيتان بعدها نزلتا في الكافرين وثلاث عشرة بعدها نزلت في المنافقين.
وقوله (إِنَ الَّذينَ كَفَروا) قال الضحاك: نزلت في أبي جهل وخمسة من أهل بيته وقال الكلبي: يعني اليهود.
وقوله تعالى (وَإِذا لَقوا الَّذينَ آَمَنوا) قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي وأصحابه وذلك أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلى عليه وسلم فقال عبد الله بن أبي انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم فذهب فأخذ بيد أبي بكر فقال: مرحباً بالصديق سيد بني تميم وشيخ الإسلام وثاني رسول الله في الغار الباذل نفسه وماله ثم أخذ بيد عمر فقال: مرحباً بسيد بني عدي بن كعب الفاروق القوي في دين الله الباذل نفسه وماله لرسول الله ثم أخذ بيد علي فقال: مرحباً بابن عم رسول الله وختنه سيد بني هاشم ما خلا رسول الله ثم افترقوا فقال عبد الله لأصحابه: كيف رأيتموني فعلت فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت فأثنوا عليه خيراً فرجع المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروه بذلك فأنزل الله هذه الآية.
قوله (يا أَيُّها الناسُ اُعبُدوا رَبَّكُم) أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد قال: أخبرنا أبو علي بن أحمد الفقيه قال: أخبرنا أبو ذر القهستاني قال: حدثنا عبد الرحمن بن بشر قال: حدثنا روح قال: حدثنا شعبة عن سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: كل شيء نزل فيه (يا أَيُّها الناسٌ) فهو مكي ويا أيها الذين آمنوا فهو مدني يعني أن يا أيها الناس خطاب أهل مكة و (يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا) خطاب أهل المدينة قوله (ياأَيُّها الناسُ اُعبُدوا رَبَّكُم) خطاب لمشركي مكة إلى قوله (وَبَشِّرِ الَّذينَ آمَنوا) وهذه الآية نازلة في المؤمنين وذلك أن الله تعالى لما ذكر جزاء الكافرين بقوله (النارُ الَّتي وَقودُها الناسُ وَالحِجارةُ أُعِدَت لِلكافِرينَ) ذكر جزاء المؤمنين.
قوله (إِنَّ اللهَ لا يَستَحيي أَن يَضرِبَ مَثَلاً) قال ابن عباس في رواية أبي صالح لما ضرب الله سبحانه هذين المثلين للمنافقين يعني قوله (مَثَلُهُم كَمَثَلِ الَّذي اِستَوقَدَ ناراً) وقوله (أَو كَصَيِّبٍ مِنَ السَماءِ) قالوا الله أجل وأعلى من أن يضرب الأمثال فأنزل الله هذه الآية وقال الحسن وقتادة: لما ذكر الله الذباب والعنكبوت في كتابه وضرب للمشركين المثل ضحكت اليهود وقالوا: ما يشبه هذا كلام الله فأنزل الله هذه الآية.
خبرنا أحمد بن عبد الله بن إسحاق الحافظ في كتابه قال: أخبرنا سليمان بن أيوب الطبراني قال: حدثنا عبد العزيز بن سعيد عن موسى بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله (إِنَّ اللهَ لا يَستَحيي أَن يَضرِبَ مَثَلاً) قال: وَذَلِكَ أن الله ذكر آلهة المشركين فقال (وَإِن يَسلِبهُمُ الذُبابُ شَيئاً) وذكر كيد الآلهة فجعله كبيت العنكبوت فقالوا ارايتم حيث ذكر الله الذباب والعنكبوت فيما أنزل من القرآن على محمد أي شيء يصنع بهذا فأنزل الله الآية.
قوله (أَتأمُرونَ الناسَ بِالبِرِ) قال ابن عباس في رواية الكلبي عن أبي حاتم بالإسناد الذي ذكر نزلت في يهود المدينة كان الرجل منهم يقول لصهره ولذوي قرابته ولمن بينهم وبينه رضاع من المسلمين اثبت على الدين الذي أنت عليه وما يأمرك به وهذا الرجل يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم فإن أمره حق فكانوا يأمرون الناس بذلك ولا يفعلونه.
وقوله (وَاِستَعينوا بِالصَبرِ وَالصَلاةِ) عند أكثر أهل العلم أن هذه الآية خطاب لأهل الكتاب وهو مع ذلك أدب لجميع العباد. وقال بعضهم: رجع بهذا الخطاب إلى خطاب المسلمين والقول الأول أظهر.
وقوله (إِنَّ الَّذينَ آَمَنوا وَالَّذينَ هادوا) الآية. أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد الحافظ قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان العسكري قال: حدثنا يحيى بن أبي زائدة قال: قال ابن جريج: عن عبد الله بن كثير عن مجاهد قال: لما قص سلمان على النبي صلى الله عليه وسلم قصة أصحاب الدير قال: هم في النار قال سلمان: فأظلمت علي الأرض فنزلت (إنَّ الَّذينَ آمَنوا وَالَّذينَ هادوا) إلى قوله (يَحزَنونَ) قال: فكأنما كشف عني جبل.
أخبرنا محمد بن عبد العزيز المروزي قال: أخبرنا محمد بن الحسين الحدادي قال: أخبرنا أبو فرقد قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا عمرو عن أسباط عن السدي (إِنَّ الَّذينَ آَمَنوا والَّذينَ هادوا) الآية قال: نزلت في أصحاب سلمان الفارسي لما قدم سلمان على رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يخبر عن عبادة أصحابه واجتهادهم وقال: يا رسول الله كانوا يصلون ويصومون ويؤمنون بك ويشهدون أنك تبعث نبياً فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا سلمان هم من أهل النار فأنزل الله (إِنَّ الَّذينَ آَمَنوا وَالَّذينَ هادوا) وتلا إلى قوله (وَلا هُم يَحزَنونَ).
أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن زكرياء قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي خيثمة قال: حدثنا عمرو بن حماد قال: حدثنا أسباط عن السدي عن أبي مالك عن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (إِِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَالَّذينَ هادوا) الآية نزلت هذه الآية في سلمان الفارسي وكان من أهل جندي سابور من أشرافهم وما بعد هذه الآية نازلة في اليهود.
وقوله (فَوَيلٌ لِلَّذينَ يَكتُبونَ الكِتابَ بِأَيديهِم) الآية نزلت في الذين غيروا صفة النبي صلى الله عليه وسلم وبدلوا نعته قال الكلبي بالإسناد الذي ذكرنا: إنهم غيروا صفة النبي صلى الله عليه وسلم في كتابهم وجعلوه آدم سبطاً طويلاً وكان ربعة أسمر صلى الله عليه وسلم وقالوا لأصحابهم وأتباعهم: انظروا إلى صفة النبي الذي يبعث في آخر الزمان ليس يشبه نعت هذا وكانت للأحبار والعلماء مأكلة من سائر اليهود فخافوا أن يذهبوا مأكلتهم إن بينوا الصفة فمن ثم غيروا.
قوله (وَقالوا لَن تَمَسَّنا النارُ إِلا أَيّاماً مَّعدودَةً) أخبرنا إسماعيل بن أبي القسم الصوفي قال: أخبرنا أبو الحسين العطار قال: أخبرنا أحمد بن الحسين بن عبد الجبار قال: حدثني أبو القسم عبد الله بن سعد الزهري قال: حدثني أبو عمرو قال: حدثنا أبي عن أبي إسحاق قال: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة عن ابن عباس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ويهود تقول: إنما هذه الدنيا سبعة آلاف سنة إنما يعذب الناس في النار لكل ألف سنة من أيام الدنيا يوم واحد في النار من أيام الآخرة وإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم (وَقالوا لَن تَمَسَّنا النارُ إِلا أَيّاماً مَّعدودَةً).
وقال ابن عباس في رواية الضحاك: وجد أهل الكتاب ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين قالوا: لن نعذب في النار إلا ما وجدنا في التوراة فإذا كان يوم القيامة اقتحموا في النار فساروا في العذاب حتى انتهوا إلى سقر وفيها شجرة الزقوم إلى آخر يوم من الأيام المعدودة فقال لهم خزنة النار: يا أعداء الله زعمتم أنكم لن تعذبوا في النار إلا أياماً معدودات فقد انقطع العدد وبقي الأمد.
قوله (اَفَتَطمَعونَ) الآية. قال ابن عباس ومقاتل: نزلت في السبعين الذين اختارهم موسى ليذهبوا معه إلى الله تعالى فلما ذهبوا معه سمعوا كلام الله تعالى وهو يأمر وينهى ثم رجعوا إلى قومهم فأما الصادقون فأدوا ما سمعوا. وقالت طائفة منهم: سمعنا الله من لفظ كلامه يقول: إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا وإن شئتم فلا تفعلوا ولا بأس وعند أكثر المفسرين نزلت الآية في الذين غيروا آية الرجم وصفة محمد صلى الله عليه وسلم.
قوله (وَكانوا مِن قَبلُ يَستَفتِحونَ عَلى الَّذينَ كَفَروا) وقال ابن عباس: كان يهود خيبر تقاتل غطفان فكلما التقوا هزمت يهود خيبر فعاذت اليهود بهذا الدعاء وقالت: اللهم إنا نسألك بحق النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم قال: فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به فأنزل الله تعالى (وَكانوا مِن قَبلُ يَستَفتِحونَ عَلى الَّذينَ كَفَروا) أي بك يا محمد إلى قوله (فَلَعنَةُ اَلله عَلى الكافِرينَ) وقال السدي: كانت العرب تمر بيهود فتلقى اليهود منهم أذى وكانت اليهود تجد نعت محمد في التوراة أن يبعثه الله فيقاتلون معه العرب فلما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم كفروا به حسداً وقالوا: إنما كانت الرسل من بني إسرائيل فما بال هذا من بني إسماعيل.
قوله (قُل مَن كانَ عَدوَّاً لِجِبريلَ) الآية. أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد قال: أخبرنا الحسن بن أحمد الشيباني قال: أخبرنا المؤمل بن الحسن قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن سالم قال: أخبرنا أبو نعيم قال: حدثنا عبد الله بن الوليد عن بكير عن ابن شهاب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أقبلت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم نسألك عن أشياء فإن أجبتنا فيها اتبعناك أخبرنا من الذي يأتيك من الملائكة فإنه ليس نبي إلا يأتيه ملك من عند ربه عز وجل بالرسالة بالوحي فمن صاحبك قال: جبريل قالوا: ذاك الذي ينزل بالحرب وبالقتال ذاك عدونا لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالمطر والرحمة اتبعناك فأنزل الله تعالى (قُل مَن كانَ عَدُوَّاً لِجِبريلَ فَإِنَّهُ نَزَلَهُ عَلى قَلبِكَ) إلِى قوله (فَإِنَ الَلهَ عَدُوٌّ لِّلكافِرينَ).
قوله (مَن كانَ عَدُوّاًً للهِ وَمَلائِكَتِهِ) الآية. أخبرنا أبو بكر الأصفهاني قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا علي بن مسهر عن داود عن الشعبي قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كنت آتي اليهود عند دراستهم التوراة فأعجب من موافقة القرآن التوراة وموافقة التوراة القرآن فقالوا يا عمر ما أحد أحب إلينا منك قلت ولم قالوا: لأنك تأتينا وتغشانا قلت: إنما أجيء لأعجب من تصديق كتاب الله بعضه بعضاً وموافقة التوراة القرآن وموافقة القرآن التوراة فبينما أنا عندهم ذات يوم إذ مر رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف ظهري فقالوا: إن هذا صاحبك فقم إليه فالتفت إليه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل خوخة من المدينة فأقبلت عليهم فقلت: أنشدكم بالله وما أنزل عليكم من كتاب أتعلمون أنه رسول الله فقال سيدهم: قد نشدكم الله فأخبروه فقالوا: أنت سيدنا فأخبره فقال سيدهم: إنا نعلم أنه رسول الله قال: فقلت فأنت أهلكهم إن كنتم تعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم تتبعوه قالوا: إن لنا عدواً من الملائكة وسلماً من الملائكة فقلت من عدوكم ومن سلمكم قالوا: عدونا جبريل وهو ملك الفظاظة والغلظة والإصار والتشديد قلت: ومن سلمكم قالوا: ميكائيل وهو ملك الرأفة واللين والتيسير قلت: فإني أشهدكم ما يحل لجبريل أنه يعادي سلم ميكائيل وما يحل لميكائيل أن يسالم عدو جبريل وإنهما جميعاً ومن معهما أعداء لمن عادوا وسلم لمن سالموا ثم قمت فدخلت الخوخة التي دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبلني فقال: يا ابن الخطاب ألا أقرؤك آيات نزلت علي من قبل قلت: بلى فقرأ (قًل مَن كانَ عَدُوّاً لِجِبريلَ فَإِنَّهُ) الآية حتى بلغ (وَما يَكفُرُ بِها إِلا الفاسِقونَ) قلت: والذي بعثك بالحق ما جئت إلا أخبرك بقول اليهود فإذا اللطيف الخبير قد سبقني بالخبر. قال عمر: فلقد رأيتني أشد في دين الله من حجر.
وقال ابن عباس: إن حبراً من أحبار اليهود من فدك يقال له عبد الله بن صوريا حاج النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن أشياء فلما اتجهت الحجة عليه قال: أي ملك يأتيك من السماء قال: جبريل ولم يبعث الله نبياً إلا وهو وليه قال: ذاك عدونا من الملائكة ولو كان ميكائيل لآمنا بك إن جبريل نزل بالعذاب والقتال والشدة فإنه عادانا مراراً كثيرة وكان أشد ذلك علينا أن الله أنزل على نبينا أن بيت المقدس سيخرب على يدي رجل يقال له بختنصر وأخبرنا بالحين الذي يخرب فيه فلما كان وقته بعثنا رجلاً من أقوياء بني إسرائيل في طلب بختنصر ليقتله فانطلق يطلبه حتى لقيه ببابل غلاماً مسكيناً ليست له قوة فأخذه صاحبنا ليقتله فدفع عنه جبريل وقال لصاحبنا: إن كان ربكم الذي أذن في هلاككم فلا تسلط عليه وإن لم يكن هذا فعلى أي حق تقتله فصدقه صاحبنا ورجع إلينا وكبر بختنصر وقوي وغزانا وخرب بيت المقدس فلهذا نتخذه عدواً فأنزل الله هذه الآية.
وقال مقاتل: قالت اليهود: كان جبريل عدونا أمر أن يجعل النبوة فينا فجعلها في غيرنا فأنزل الله هذه الآية.
قوله (وَلَقَد أَنزَلنا إِليكَ آياتٍ بَيِّناتٍ) قال ابن عباس: هذا جواب لابن صوريا حيث قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه وما أنزل عليك من آية بينة فنتبعك بها فأنزل الله هذه الآية.
قوله (وَاِتَّبَعوا ما تَتلو الشَياطينُ عَلى مُلكِ سُلَيمانَ) الآية. أخبرني محمد بن عبد العزيز القنطري قال: أخبرنا أبو الفضل الحدادي قال: أخبرنا أبو يزيد الخالدي قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا جدي قال: أخبرنا حصين بن عبد الرحمن عن عمران بن الحارث قال: بينما نحن عند ابن عباس إذ قال: إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء فيجيء أحدهم بكلمة حق فإذا جرب من أحدهم الصدق كذب معها سبعين كذبة فيشربها قلوب الناس فاطلع على ذلك سليمان فأخذها فدفنها تحت الكرسي فلما مات سليمان قام شيطان الطريق فقال: ألا أدلكم على كنز سليمان المنيع الذي لا كنز له مثله قالوا: نعم قال: تحت الكرسي فأخرجوه فقالوا: هذا سحر سليمان سحر به الأمم فأنزل الله عذر سليمان (وَاَتَّبَعوا ما تَتلو الشَياطينُ عَلى مُلكِ سُلَيمانَ وَما كَفَرَ سُليمانُ).
وقال الكلبي: إن الشياطين كتبوا السحر والنارنجيات على لسان آصف: هذا ما علم آصف بن برخيا سليمان الملك ثم دفنوها تحت مصلاه حين نزع الله ملكه ولم يشعر بذلك سليمان ولما مات سليمان استخرجوه من تحت مصلاه وقالوا للناس: إنما ملككم سليمان بهذا فتعلموه فلما علم علماء بني إسرائيل قالوا: معاذ الله أن يكون هذا علم سليمان وأما السفلة فقالوا: هذا علم سليمان وأقبلوا على تعلمه ورفضوا كتب أنبيائهم ففشت الملامة لسليمان فلم تزل هذه حالهم حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم وأنزل الله عذر سليمان على لسانه ونزل براءته مما رمي به فقال (وَاَتَّبَعوا ما تَتلو الشَياطينُ) الآية.
خبرنا سعيد بن العياش القرشي كتابة أن الفضل بن زكرياء حدثهم عن أحمد بن نجدة عن سعيد بن منصور عن عثمان بن بشير عن حصيفة قال: كان سليمان إذا نبتت الشجرة قال: لأي داء أنت فتقول: لكذا وكذا فلما نبتت شجرة الخروبة قال: لأي شيء أنت قالت: لخراب بيتك قال: تخربينه قالت: نعم قال: بئس الشجرة أنت فلم يلبث أن توفي فجعل الناس يقولون في مرضاهم: لو كان مثل سليمان فأخذت الشياطين فكتبوا كتاباً وجعلوه في مصلى سليمان وقالوا: نحن ندلكم على ما كان سليمان يداوي به فانطلقوا فاستخرجوا ذلك فإذا فيه سحر ورقي فأنزل الله تعالى (وَاَتَّبَعوا ما تَتلو الشَياطينُ عَلى مُلكِ سُلَيمانَ) إلى قوله (فَلا تَكفُر) قال السري: إن الناس في زمن سليمان كتبوا السحر فاشتغلوا بتعلمه فأخذ سليمان تلك الكتب فدفنها تحت كرسيه ونهاهم عن ذلك ولما مات سليمان وذهب به كانوا يعرفون دفن الكتب فتمثل شيطان على صورة إنسان فأتى نفراً من بني إسرائيل وقال: هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبداً قالوا نعم قال: فاحفروا تحت الكرسي فحفروا فوجدوا تلك الكتب فلما أخرجوها قال الشيطان: إن سليمان ضبط الجن والإنس والشياطين والطيور بهذا فأخذ بنو إسرائيل تلك الكتب فلذلك أكثر ما يوجد السحر في اليهود فبرأ الله عز وجل سليمان من ذلك وأنزل هذه الآية.
قوله تعالى (يَا أَيَّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَقولوا راعِنا) الآية. قال ابن عباس في رواية عطاء: وذلك أن العرب كانوا يتكلمون بها فلما سمعتهم اليهود يقولونها للنبي صلى الله عليه وسلم أعجبهم ذلك وكان راعنا في كلام اليهود سباً قبيحاً فقالوا: إنا كنا نسب محمداً سراً فالآن أعلنوا السب لمحمد فإنه من كلامه فكانوا يأتون نبي الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: يا محمد راعنا ويضحكون ففطن بها رجل من الأنصار وهو سعد بن عبادة وكان عارفاً بلغة اليهود وقال: يا أعداء الله عليكم لعنة الله والذي نفس محمد بيده لئن سمعتها من رجل منكم لأضربن عنقه فقالوا: ألستم تقولونها فأنزل الله تعالى (ياأَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَقولوا راعِنا) الآية.
قوله تعالى (ما يَوَدُّ الَّذينَ كَفَروا مَن أَهلِ الكِتابِ) الآية. قال المفسرون: إن المسلمين كانوا إذا قالوا لحلفائهم من اليهود: آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم قالوا: هذا الذي تدعوننا إليه ليس بخير مما نحن عليه ولوددنا لو كان خيراً فأنزل الله تعالى تكذيباً لهم.
قوله تعالى (ما نَنسَخ مِن آيةٍ أَو نُنسِها نَأتِ بِخَيرٍ مِنها) قال المفسرون: إن المشركين قالوا: أترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه ويقول اليوم قولاً ويرجع عنه غداً ما هذا في القرآن إلا كلام محمد يقوله من تلقاء نفسه وهو كلام يناقض بعضه بعضاً فأنزل الله (إِِذا بَدَّلنا آيَةً مَكانَ آَيَةً) الآية وأنزل أيضاً (ما نَنسَخ مِن آَيَةٍ أَو نُنسِها نَأتِ بِخَيرٍ مِّنها) الآية.
قوله تعالى (أَم تُريدونَ أََن تَسئَلوا رَسُولَكُم) الآية. قال ابن عباس نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي كعب ورهط من قريش قالوا: يا محمد اجعل لنا الصفا ذهباً ووسع لنا أرض مكة وفجر الأنهار خلالها تفجيراً نؤمن بك فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال المفسرون: إن اليهود وغيرهم من المشركين تمنوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن قائل يقول: يأتينا بكتاب من السماء جملة كما أتى موسى بالتوراة ومن قائل يقول: وهو عبد الله بن أبي أمية المخزومي: ائتني بكتاب من السماء فيه من رب العالمين: إلى ابن أبي أمية اعلم أني قد أرسلت محمداً إلى الناس ومن قائل يقول: لن نؤمن لك أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله (وَدَّ كَثيرٌ مِن أَهلِ الكِتابِ) الآية. قال ابن عباس: نزلت في نفر من اليهود قالوا للمسلمين بعد وقعة بدر: ألم تروا إلى ما أصابكم ولو كنتم على الحق ما هزمتم فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم.
أخبرنا الحسين بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن المفضل قال: أخبرنا أحمد بن محمد قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعراً وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش في شعره وكان المشركون واليهود من المدينة حين قدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أشد الأذى فأمر الله تعالى نبيه بالصبر على ذلك والعفو عنهم وفيهم أنزلت (وَدَّ كَثيرُ مَن أَهلِ الكِتابِ) إلى قوله (فَاِعفوا وَاِصفَحوا).
قوله (وَقالَتِ اليَهودُ لَيسَتِ النَصارى عَلى شيءٍ) نزلت في يهود أهل المدينة ونصارى أهل نجران وذلك أن وفد نجران لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم أحبار اليهود فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم فقالت اليهود: ما أنتم على شيء من الدين وكفروا بعيسى والإنجيل وقالت لهم النصارى: ما أنتم على شيء من الدين فكفروا بموسى والتوراة فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله (وَمَن أَظلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَساجِدَ اللهِ) الآية نزلت في ططلوس الرومي وأصحابه من النصارى وذلك أنهم غزوا بني إسرائيل فقتلوا مقاتلهم وسبوا ذراريهم وحرقوا التوراة وخربوا بيت المقدس وقذفوا فيه الجيف. وهذا قول ابن عباس في رواية الكلبي. وقال قتادة: هو بختنصر وأصحابه غزوا اليهود وخربوا بيت المقدس وأعانتهم على ذلك النصارى من أهل الروم. وقال ابن عباس في رواية عطاء: نزلت في مشركي أهل مكة ومنعهم المسلمين من ذكر الله تعالى في المسجد الحرام.
قوله (وَللهِ المَشرِقُ وَالمَغرِبُ) اختلفوا في سبب نزولها فأخبرنا أبو منصور المنصوري قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال: حدثنا أبو محمد إسماعيل بن علي قال: حدثنا الحسن بن علي بن شبيب العمري قال: حدثنا أحمد بن عبيد الله العبدي قال: وجدت في كتاب أبي قال: حدثنا عبد الملك العرزمي قال: حدثنا عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية كنت فيها فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة فقالت طائفة منا: قد عرفنا القبلة هي ها هنا قبل الشمال فصلوا وخطوا خطوطاً وقال بعضنا: القبلة ها هنا قبل الجنوب وخطوا خطوطاً فلما أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة فلما وقفنا من سفرنا سألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فسكت فأنزل الله تعالى (وَللهِ المَشرِقُ وَالمَغرِبُ فَأَينَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجهُ اللهِ) أخبرنا أبو منصور قال: أخبرنا علي قال: أخبرنا يحيى بن صاعد قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمشي قال: حدثنا وكيع. قال: حدثنا أشعث السمان عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر عن ربيعة عن أبيه قال: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر في ليلة مظلمة فلم يدر كيف القبلة فصلى كل رجل منا على حاله فلما أصبحنا ذكرنا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت (فَأَينَما تُوَلوا فَثَمَّ وَجهُ اللهِ) ومذهب ابن عمر أن الآية نازلة في أخبرنا أبو القسم بن عبدان قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا محمد بن يعقوب قال: حدثنا أبو البختري بن عبد الله بن محمد بن شاكر قال: حدثنا أبو أسامة عن عبد الملك بن سليمان عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال: أنزلت (فَأَينَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجهُ اللهِ) أي صل حيث توجهت بك راحلتك في التطوع.
وقال ابن عباس في رواية عطاء: إن النجاشي لما توفي قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن النجاشي توفي فصل عليه فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يحضروا وصفهم ثم تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم: إن الله أمرني أن أصلي على النجاشي وقد توفي فصلوا عليه فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنفسهم: كيف نصلي على رجل مات وهو يصلي على غير قبلتنا وكان النجاشي يصلي إلى بيت المقدس حتى مات وقد صرفت القبلة إلى الكعبة فأنزل الله تعالى (فَأَينَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجهُ الله) ومذهب ابن عباس أن هذه منسوخة بقوله تعالى (وَحَيثُما كُنتُم فَوَلُّوا وجوهَكُم شَطرَهُ) فهذا قول ابن عباس عند عطاء الخراساني. وقال: أول ما نسخ من القرآن شيئان القبلة قال الله تعالى (فَأَينَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجهُ اللهِ) قال: فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق ثم صرفه الله تعالى إلى البيت العتيق.
وقال في رواية ابن أبي طلحة الوالبي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها بضعة عشر شهراً وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم فلما صرفه الله تعالى إليها ارتاب من ذلك اليهود وقالوا: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله تعالى (فَأَينَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجهُ اللهِ) وقوله (وَقالُوا اِتَّخَذَ الُلَّهُ وَلَدَاً) نزلت في اليهود حيث قالوا: عزير ابن الله وفي نصارى نجران حيث قالوا: المسيح ابن الله وفي مشركي العرب قالوا: الملائكة بنات الله.
قوله (وَلا تُسئَلُ عَن أَصحابِ الجَحيمِ) قال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: ليت شعري ما فعل أبواي فنزلت هذه الآية وهذا على قراءة من قرأ (وَلا تُسئَلُ عَن أَصحابِ الجَحيمِ) جزما وقال مقاتل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو أنزل الله بأسه باليهود لآمنوا فأنزل الله تعالى (وَلا تُسئَلُ عَن أَصحابِ الجَحيمِ).
قوله (وَلَن تَرضى عَنكَ اليَهودُ وَلا النَصارى) الآية. قال المفسرون: إنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم الهدنة ويطمعون أنهم إذا هادنوه وأمهلهم اتبعوه ووافقوه فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال ابن عباس هذا في القبلة وذلك أن يهود المدينة ونصارى نجران كانوا يرجون أن يصلي النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبلتهم فلما صرف الله القبلة إلى الكعبة شق ذلك عليهم فيئسوا منه أن يوافقهم على دينهم فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله (الَّذينَ آتَيناهُمُ الكِتابَ يَتلونَهُ حَقَ تِلاوَتِهِ) قال ابن عباس في رواية عطاء والكلبي: نزلت في أصحاب السفينة الذين أقبلوا مع جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة كانوا أربعين رجلاً من الحبشة وأهل الشام. وقال الضحاك: نزلت فيمن آمن من اليهود. وقال قتادة وعكرمة: نزلت في محمد صلى الله عليه وسلم.
قوله (أَم كُنتُم شُهَداءَ إِذ حَضَرَ يَعقوبَ المَوتَ) الآية. نزلت في اليهود حين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ألست تعلم أن يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية.
قوله (وَقالوا كونوا هودَاً أَو نَصارى تَهتَدوا) قال ابن عباس: نزلت في رؤوس يهود المدينة: كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف وأبي ياسر بن أخطب وفي نصارى أهل نجران وذلك أنهم خاصموا المسلمين في الدين كل فرقة تزعم أنها أحق بدين الله تعالى من غيرها فقالت اليهود: نبينا موسى أفضل الأنبياء وكتابنا التوراة أفضل الكتب وديننا أفضل الأديان وكفرت بعيسى والإنجيل ومحمد والقرآن وقالت النصارى: نبينا عيسى أفضل الأنبياء وكتابنا أفضل الكتب وديننا أفضل الأديان وكفرت بمحمد والقرآن. وقال كل واحد من الفريقين للمؤمنين: كونوا على قوله (صِبغَةَ اللهِ وَمَن أَحسَنُ مِنَ اللهِ صِبغَةً) قال ابن عباس: إن النصارى كان إذا ولد لأحدهم ولد فأتى عليه سبعة أيام صبغوه في ماء لهم يقال له المعمودي ليطهروه بذلك ويقولون هذا طهور مكان الختان فإذا فعلوا ذلك صار نصرانياً حقاً فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله (سَيَقولُ السُفَهاءُ مِنَ الناسِ) الآية. نزلت في تحويل القبلة.
أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا زاهر بن جعفر قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن مصعب قال: حدثنا يحيى بن حكيم قال: حدثنا عبد الله بن رجاء قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يتوجه نحو الكعبة فأنزل الله تعالى (قَد نَرى تَقَلُّبَ وَجهِكَ في السَماءِ) إلى آخر الآية فقال السفهاء من الناس وهم اليهود: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قال الله تعالى (قُل للهِ المَشرِقُ وَالمَغرِبُ) إلى آخر الآية رواه البخاري عن عبد الله بن رجاء. 0 قوله (وَما كانَ اللهُ لِيُضيعَ إِيمانَكُم) قال ابن عباس في رواية الكلبي: كان رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ماتوا على القبلة الأولى منهم أسعد بن زرارة وأبو أمامة أحد بني النجار والبراء بن معرور أحد بني سلمة وأناس آخرون جاءت عشائرهم فقالوا: يا رسول الله توفي إخواننا وهم يصلون إلى القبلة الأولى وقد صرفك الله تعالى إلى قبلة إبراهيم فكيف بإخواننا فأنزل الله (وَما كانَ الله ُلِيُضيعَ إِيمانَكُم) الآية ثم قال (قَد نَرى تَقَلُبَ وَجهِكَ في السَماءِ) وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام: وددت أن الله صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها وكان يريد الكعبة لأنها قبلة إبراهيم فقال له جبريل: إنما أنا عبد مثلك لا أملك شيئاً فسل ربك أن يحولك عنها إلى قبلة إبراهيم ثم ارتفع جبريل وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل بما سأله فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد المنصوري قال: أخبرنا علي عم الحافظ قال: حدثنا عبد الوهاب بن عيسى قال: حدثنا أبو هشام الرفاعي قال: حدثنا أبو بكر بن عياش قال: حدثنا أبو إسحاق عن البراء قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة سبعة عشر شهراً نحو بيت المقدس ثم علم الله عز وجل هوى نبيه صلى الله عليه وسلم فنزلت (قَد نَرى تَقَلُّبَ وَجهِكَ في السَماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبلَةً تَرضاها) الآية رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي الأحوص ورواه البخاري عن أبي نعيم عن زهير كلاهما عن أبي إسحاق.
قوله (الَّذينَ آَتَيناهُمُ الكِتابَ يَعرِفونَهُ كَما يَعرِفونَ أَبناءَهُم) الآية نزلت في مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه كانوا يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم بنعته وصفته وبعثه في كتابهم كما يعرف أحدهم ولده إذا رآه مع الغلمان قال عبد الله بن سلام: لأنا أشد معرفة برسول الله صلى الله عليه وسلم مني بأبي فقال له عمر بن الخطاب: وكيف ذاك يا ابن سلام قال: لأني أشهد أن محمداً رسول الله حقاً يقيناً وأنا لا أشهد بذلك على ابني لأني لا أدري ما أحدث النساء فقال عمر: وفقك الله يا ابن سلام.
قوله (وَلا تَقولوا لِمَن يُقتَلُ في سَبيلِ اللهِ أَمواتٌ) الآية. نزلت في قتلى بدر وكانوا بضعة عشر رجلاً ثمانية من الأنصار وستة من المهاجرين وذلك أن الناس كانوا يقولون للرجل يقتل في سبيل الله مات فلان وذهب عنه نعيم الدنيا ولذتها فأنزل الله هذه الآية.
قوله (إِنَّ الصَفا وَالمَروَةَ مِن شَعائِرِ اللهِ) الآية أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد قال: أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا مصعب بن عبد الله الدميري قال: حدثني مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: أنزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يحجون لمناة وكانت مناة حذو قدد وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك.
أخبرنا أبو بكر التميمي قال: أخبرنا أبو الشيخ والحافظ قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل العسكري قال: حدثنا يحيى بن عبد الرحمن عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: أنزلت هذه الآية في ناس من الأنصار كانوا إذا أهلوا لمناة في الجاهلية لم يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة فلما قدموا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحج ذكروا ذلك له فأنزل الله تعالى هذه الآية. رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة عن هشام.
وقال أنس بن مالك: كنا نكره الطواف بين الصفا والمروة لأنهما كانا من مشاعر قريش في الجاهلية فتركناه في الإسلام فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال عمرو بن الحسين: سألت ابن عمر عن هذه الآية فقال: انطلق إلى ابن عباس فسله فإنه أعلم من بقي بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم فأتيته فسألته فقال: كان على الصفا صنم على صورة رجل يقال له إساف وعلى المروة صنم على صورة امرأة تدعى نائلة فزعم أهل الكتاب أنهما زنيا في الكعبة فمسخهما الله تعالى حجرين ووضعهما على الصفا والمروة ليعتبر بهما فلما طالت المدة عبدا من دون الله تعالى فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بينهما مسحوا الوثنين فلما جاء الإسلام وكسرت الأصنام كره المسلمون الطواف لأجل الصنمين فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال السدي كان في الجاهلية تعزف الشياطين بالليل بين الصفا والمروة وكانت بينهما آلهة فلما ظهر الإسلام قال المسلمون: يا رسول الله لا نطوف بين الصفا والمروة فإنه شرك كنا نصنعه في الجاهلية فأنزل الله تعالى هذه الآية. أخبرنا منصور بن عبد الوهاب البزار قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن سنان قال: أخبرنا حامد بن محمد بن شعيب قال: أخبرنا محمد بن بكار قال: حدثنا إسماعيل بن زكريا عن عاصم عن أنس بن مالك قال: كانوا يمسكون عن الطواف بين الصفا والمروة وكانا من شعار الجاهلية وكنا نتقي الطواف بهما فأنزل الله تعالى (إِنَّ الصَفا وَالمَروَةَ مِن شَعائِرِ اللهِ) الآية. رواه البخاري عن أحمد بن محمد عن عبد الله بن عاصم. قوله (إِنَّ الَّذينَ يَكتُمونَ ما أَنزَلنا مِنَ البَيِّناتِ وَالهُدى) نزلت في علماء أهل الكتاب وكتمانهم آية الرجم وأمر محمد صلى الله عليه وسلم. قوله (إِنَّ في خَلقِِ السَمَواتِ وَالأَرضِ) الآية أخبرنا عبد العزيز بن طاهر التميمي قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال: قال أخبرنا أبو عبد الله الزيادي قال: حدثنا موسى بن مسعود النهدي قال: حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن عطاء قال: أنزلت بالمدينة على النبي صلى الله عليه وسلم (وَإِلهُكُم إِلَهٌ واحِدٌ لّا إِلَهَ إِلّا هُوَ الرَّحمَنُ الرَحيمُ) فقالت كفار قريش بمكة كيف يسع الناس إله واحد فأنزل الله تعالى (إِنَّ في خَلقِ السَمَواتِ وَالأَرضِ وَاِختِلافِ اللَيلِ وَالنَهارِ) حتى بلغ (لآياتٍ لِّقَومٍ يَعقِلونَ) أخبرنا أبو بكر الأصفهاني قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى الداري قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا أبو الأحوص عن سعيد بن مسروق عن أبي الضحى قال: لما نزلت هذه الآية (وَإِلهُكُم إِلَهٌ واحِدٌ) تعجب المشركون وقالوا: إله واحد إن كان صادقاً فليأتنا بآية فأنزل الله تعالى (إِِنَّ في خَلقِِ السَمَواتِ وَالأَرضِ) إلى آخر الآية. قوله (يا أَيُّها الناسُ كُلوا مِمّا في الأَرضِ حَلالاً طَيِّباً) قال الكلبي: نزلت في ثقيف وخزاعة وعامر بن صعصعة حرموا على أنفسهم من الحرث والأنعام وحرموا البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي. قوله (إِنَّ الَّذينَ يَكتُمونَ ما أَنزَلَ اللهُ مِنَ الكِتابِ) قال الكلبي عن ابن عباس: نزلت في رؤساء اليهود وعلمائهم كانوا يصيبون من سفلتهم الهدايا وكانوا يرجون أن يكون النبي المبعوث منهم فلما بعث من غيرهم خافوا ذهاب مأكلتهم وزوال رياستهم فعمدوا إلى صفة محمد صلى الله بن صرمة الأنصاري كان صائماً فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال: هل عندك طعام قالت لا ولكن أنطلق فأطلب لك وكان يومه يعمل فغلبته عيناه وجاءته امرأته فلما رأته قالت: خيبة لك فأصبح صائماً فلما انتصف النهار غشي عليه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية (أُحِلَّ لَكُم لَيلَةَ الصِيامِ الرَفَثُ إِلى نِسائِكُم) ففرحوا بها فرحاً شديداً رواه البخاري عن عبد الله بن موسى عن إسرائيل.
أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن الفضل قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا يحيى بن حمزة قال: حدثنا إسحاق بن أبي قدوة عن الزهري أنه حدثه عن القاسم بن محمد قال: إن بدء الصوم كان يصوم الرجل من عشاء إلى عشاء فإذا نام لم يصل إلى أهله بعد ذلك ولم يأكل ولم يشرب حتى جاء عمر إلى امرأته فقالت: إني قد نمت فوقع بها وأمسى صرمة بن أنس صائماً فنام قبل أن يفطر وكانوا إذا ناموا لم يأكلوا ولم يشربوا فأصبح صائماً وكاد الصوم يقتله فأنزل الله عز وجل الرخصة قال (فَتابَ عَلَيكُم وَعَفا عَنكُم) الآية.
اسباب النزول (سورة النساء )
سورة النساء
(بِسمِ اللهِ الرَحمَنِ الرَحيمِ) قوله عز وجل (وَآَتوا اليَتامى أََموالَهُم) الآية. قال مقاتل والكلبي: نزلت في رجل من غطفان كان عنده مال كثير لابن أخ له يتيم فلما بلغ اليتيم طلب المال فمنعه عمه فترافعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية فلما سمعها العم قال: أطعنا الله وأطعنا الرسول نعوذ بالله من الحوب الكبير فدفع إليه ماله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يوق شح نفسه ورجع به هكذا فإنه يحل داره يعني جنته فلما قبض الفتى ماله أنفقه في سبيل الله تعالى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ثبت الأجر وبقي الوزر فقالوا: يا رسول الله قد عرفنا أنه ثبت الأجر فكيف بقي الوزر وهو ينفق في سبيل الله فقال: ثبت الأجر للغلام وبقي الوزر على والده.
قوله (وإِن خِفتُم أَلّا تُقسِطوا في اليَتامى) الآية. أخبرنا أبو بكر التميمي أخبرنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا أبو يحيى قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا يحيى بن أبي زائدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قوله تعالى (وَإِن خِفتُم أَلّا تُقسِطوا) الآية. قالت: أنزلت هذه في الرجل يكون له اليتيمة وهو وليها ولها مال قال وليس لها أحد يخاصم دونها فلا ينكحها حباً لمالها ويضربها ويسيء صحبتها فقال الله تعالى (وَإِن خِفتُم أَلّا تُقسِطوا في اليَتامى فانكِحوا ما طابَ لَكُم مِّنَ النِساءِ) يقول: ما أحللت لك ودع هذه. رواه مسلم عن أبي كريب عن أبي أسامة عن هشام.
وقال سعيد بن جبير وقتادة والربيع والضحاك والسدي: كانوا يتحرجون عن أموال اليتامى ويترخصون في النساء ويتزوجون ما شاءوا فربما عدلوا وربما لم يعدلوا فلما سألوا عن اليتامى فنزلت آية اليتامى (وَآتُوا اليَتامى أَموالَهُم) الآية. أنزل الله تعالى أيضاً (وَإِن خِفتُم أَلاّ تُقسِطوا في اليَتامى) الآية. يقول: كما خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فكذلك فخافوا في النساء أن لا تعدلوا فيهن فلا تتزوجوا أكثر ما يمكنكم القيام بحقهن لأن النساء كاليتامى في الضعف والعجز وهذا قول ابن عباس في رواية الوالبي.
قوله تعالى (وَاِبتَلوا اليَتامى) الآية. نزلت في ثابت بن رفاعة وفي عمه وذلك أن رفاعة توفي وترك ابنه ثابتاً وهو صغير فأتى عم ثابت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابن أخي يتيم في حجري فما يحل لي من ماله ومتى أدفع إليه ماله فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (لِلرِجالِ نَصيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ وَالأَقرَبونَ) الآية. قال المفسرون: إن أوس بن ثابت الأنصاري توفي وترك امرأة يقال لها أم كحة وثلاث بنات له منها فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووصياه يقال لهما سويد وعرفجة فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته شيئاً ولا بناته وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكراً إنما يورثون الرجال الكبار وكانوا يقولون: لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الخيل وحاز الغنيمة فجاءت أم كحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أوس بن ثابت مات وترك علي بنات وأنا امرأة وليس عندي ما أنفق عليهن وقد ترك أبوهن مالاً حسناً وهو عند سويد وعرفجة لم يعطياني ولا بناته من المال شيئاً وهن في حجري ولا يطعماني ولا يسقياني ولا يرفعان لهن رأساً فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله ولدها لا يركب فرساً ولا يحمل كلاً ولا ينكى عدواً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انصرفوا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن فانصرفوا فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله (إِنَّ الَّذينَ يَأَكُلونَ أَموالَ اليَتامى ظُلماً) الآية. قال مقاتل بن حيان: نزلت في رجل من غطفان يقال له مرثد بن زيد ولي مال ابن أخيه وهو يتيم صغير فأكله فأنزل الله فيه هذه الآية.
قوله (يُوصِيكُمُ اللهُ في أَولادِكُم) الآية. أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا الحسن بن أحمد المخلدي قال: أخبرنا المؤمل بن الحسين بن عيسى قال: حدثنا الحسين بن محمد بن الصباح قال: حدثنا الحجاج عن ابن جريج قال: أخبرني ابن المنكدر عن جابر قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سلمة يمشيان فوجداني لا أعقل فدعا بماء فتوضأ ثم رش علي منه فأفقت فقلت: كيف أصنع في مالي يا رسول الله فنزلت (يُوصيكُمُ الله ُفي أَولادِكُم) الآية. رواه البخاري عن إبراهيم بن موسى عن هشام ورواه مسلم عن محمد بن حاتم عن صباح كلاهما عن ابن جريج.
أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد المنصوري قال: أخبرنا علي بن عمر بن المهدي قال: حدثنا يحيى بن صاعد قال: حدثنا أحمد بن المقدام قال: حدثنا بشر بن الفضل قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال: جاءت امرأة بابنتين لها فقالت: يا رسول الله هاتان بنتا ثابت بن قيس أو قالت سعد بن الربيع قتل معك يوم أحد وقد استفاء عمهما مالهما وميراثهما فلم يدع لهما مالاً إلا أخذه فما ترى يا رسول الله فوالله ما ينكحان أبداً إلا ولهما مال فقال: يقضي الله في ذلك فنزلت سورة النساء وفيها (يُوصيكُمُ اللهُ في أَولادِكُم لِلذَكَرِ مِثلُ حَظُ الأُنثَيَينِ) إلى آخر الآية فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع لي المرأة وصاحبها فقال لعمهما: أعطهما الثلثين وأعط أمهما الثمن وما بقي فلك.
قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا لا يَحِلُّ لَكُم أَن تَرِثُوا النِساءَ كَرهاً) الآية. أخبرنا أبو بكر الأصفهاني قال: حدثنا عبد الله بن محمد الأصفهاني قال: حدثنا أبو يحيى قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا أسباط بن محمد عن الشيباني عن عكرمة عن ابن عباس قال أبو إسحاق الشيباني وذكره عطاء بن الحسين السوائي ولا أظنه إلا ذكره عن ابن عباس هذه الآية (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا يَحِلُّ لَكُم أَن تَرِثُوا النِساءَ كَرهاً) قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاءوا زوجوها وإن شاءوا لم يزوجوها وهم أحق بها من أهلها فنزلت هذه الآية في ذلك. رواه البخاري في التفسير عن محمد بن مقاتل. ورواه في كتاب الإكراه عن حسين بن منصور كلاهما عن أسباط.
قال المفسرون: كان أهل المدينة في الجاهلية وفي أول الإسلام إذا مات الرجل وله امرأة جاء ابنه من غيرها أو قرابته من عصبته فألقى ثوبه على تلك المرأة فصار أحق بها من نفسها ومن غيره فإن شاء أن يتزوجها تزوجها بغير صداق إلا الصداق الذي أصدقها الميت وإن شاء زوجها غير وأخذ صداقها ولم يعطها شيئاً وإن شاء عضلها وضارها لتفتدي منه بما ورثت من الميت. أو تموت هي فيرثها فتوفي أبو قيس بن الأسلت الأنصاري وترك امرأة كبيشة بنت معن الأنصارية فقام ابن له من غيرها يقال له حصن وقال مقاتل: اسمه قيس بن أبي قيس فطرح ثوبه عليها فورث نكاحها ثم تركها فلم يقربها ولم ينفق عليها يضارها لتفتدي منه بمالها فأتت كبيشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أبا قيس توفي وورث ابنه نكاحي وقد أضرني وطول علي فلا هو ينفق علي ولا يدخل بي ولا هو يخلي سبيلي فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقعدي في بيتك حتى يأتي فيك أمر الله قال: فانصرفت وسمعت بذلك النساء في المدينة فأتين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن: ما نحن إلا كهيئة كبيشة غير أنه لم ينكحها الأبناء ونكحنا بنو العم فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله (وَلا تَنكِحوا ما نَكَحَ آَباؤُكُم مِّنَ النِساءِ) الآية. نزلت في حصن بن أبي قيس تزوج امرأة أبيه كبيشة بنت معن وفي الأسود بن خلف تزوج امرأة أبيه وصفوان بن أمية بن خلف تزوج امرأة أبيه فاختة بنت الأسود بن المطلب وفي منصور بن ماذن تزوج امرأة أبيه مليكة بنت خارجة.
وقال أشعث بن سوار توفي أبو قيس وكان من صالحي الأنصار فخطب ابنه قيس امرأة أبيه فقالت: إني أعدك ولداً ولكني آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أستأمره فأتته فأخبرته فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (وَالمُحصَناتُ مِنَ النِساءِ إِلّا ما مَلَكَت أَيمانُكُم) أخبرنا محمد بن عبد الرحمن البناني قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان قال: أخبرنا أبو يعلى قال: أخبرنا عمر الناقد قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا سفيان عن عثمان البتي عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري قال: أصبنا سبايا يوم أوطاس لهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن فسألنا النبي عليه الصلاة والسلام فنزلت (وَالمُحصَناتُ مِنَ النِساءِ إِلاّ ما مَلَكَت أَيمانُكُم) فاستحللناهن.
أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن الحارث قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: حدثنا أبو يحيى قال: حدثنا سهل بن عثمان وقال عبد الرحيم عن أشعث بن سوار عن عثمان البتي عن أبي الخليل عن أبي سعيد قال: لما سبا رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل أوطاس قلنا يا نبي الله كيف نقع على نساء قد عرفنا أنسابهن وأزواجهن فنزلت هذه الآية (وَالمُحصَناتُ مِنَ النِساءِ إِلاّ ما مَلَكَت أَيمانُكُم).
أخبرنا أبو مكي الفارسي أخبرنا محمد بن عيسى بن عمرويه حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان حدثنا مسلم بن الحجاج حدثني عبيد الله بن عمر القواريري حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد بن عروة عن قتادة عن صالح أبي خليل عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين بعث جيشاً إلى أوطاس ولقى عدواً فقاتلوهم فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا وكان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله في ذلك (وَالمُحصَناتُ مِنَ النِساءِ إِلاّ ما مَلَكَت أَيمانُكُم).
قوله (وَلا تَتَمَنَّوا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعضَكُم عَلى بَعضٍ) أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم الصوفي أخبرنا إسماعيل بن نجيد حدثنا جعفر بن محمد بن سوار أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله تغزو الرجال ولا نغزو وإنما لنا نصف الميراث فأنزل الله تعالى (وَلا تَتَمنوا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعضَكُم عَلى بَعضٍ).
أخبرنا محمد بن عبد العزيز أن محمد بن الحسين أخبرهم عن محمد بن يحيى بن يزيد أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عتاب بن بشير عن حصيف عن عكرمة أن النساء سألن الجهاد فقلن: وددنا أن الله جعل لنا الغزو فنصيب من الأجر ما يصيب الرجال فأنزل الله تعالى (وَلا تَتَمَنَّوا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعضَكُم عَلى بَعضٍ).
وقال قتادة والسدي: لما نزل قوله (لِلذَكَرِ مِثلُ حَظِ الأُنثَيَينِ) قال الرجال: إنا لنرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث فيكون أجرنا على الضعف من أجر النساء وقالت النساء: إنا لنرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال في الآخرة كما لنا الميراث على النصف من نصيبهم في الدنيا فأنزل الله تعالى (وَلا تَتَمَنَّوا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعضَكُم عَلى بَعضٍ).
قوله تعالى (وَلِكُلٍّ جَعَلنا مَوالِيَ) الآية. أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الفارسي قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن حمويه الهروي قال: أخبرنا محمد بن محمد الموافي قال: حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال: أخبرني شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال: قال سعيد بن المسيب: نزلت هذه الآية (وَلِكُلٍّ جَعَلنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأَقرَبونَ) في الذين كانوا يتبنون رجالاً غير أبنائهم ويورثونهم فأنزل الله تعالى فيهم أن يجعل لهم نصيب في الوصية ورد الله تعالى الميراث إلى الموالي من ذوي الرحم والعصبة وأبى أن يجعل للمدعين ميراث من ادعاهم ويتبناهم ولكن جعل نصيباً في الوصية.
قوله تعالى (الرِجالُ قَوّامونَ عَلى النِساءِ) الآية. قال مقاتل: نزلت هذه الآية في سعد بن الربيع وكان من النقباء وامرأته حبيبة بنت زيد بن أبي هريرة وهما من الأنصار وذلك أنها نشزت عليه فلطمها فانطلق أبوها معها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفرشته كريمتي فلطمها فقال النبي صلى الله عليه وسلم لتقتص من زوجها وانصرفت مع أبيها لتقتص منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ارجعوا هذا جبريل عليه السلام أتاني وأنزل الله تعالى هذه الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أردنا أمراً وأراد الله أمراً والذي أراد الله خير ورفع القصاص.
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد قال: أخبرنا زاهد بن أحمد قال: أخبرنا أحمد بن الحسين بن الجنيد قال: حدثنا زياد بن أيوب قال: حدثنا هشيم قال: حدثنا يونس عن الجهني أن رجلاً لطم امرأته فخاصمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجاء معها أهلها فقالوا: يا رسول الله إن فلاناً لطم صاحبتنا فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: القصاص القصاص ويقضي قضاء فنزلت هذه الآية (الرِجالُ قَوّامونَ عَلى النِساءِ) قال النبي صلى الله عليه وسلم: أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل العسكري قال: حدثنا علي بن هشام عن إسماعيل عن الحسن قال: لما نزلت آية القصاص بين المسلمين لطم رجل امرأته فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجي لطمني فالقصاص قال القصاص فبينا هو كذلك أنزل الله تعالى (الرِجالُ قَوّامونَ عَلى النِساءِ بِما فَضَّلَ الله ُبَعضَهُم عَلى بَعضٍ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أردنا أمراً فأبى الله تعالى خذ أيها الرجل بيد امرأتك.
قوله تعالى (الَّذينَ يَبخَلونَ وَيأَمُرونَ الناسَ بِالبُخلِ) قال أكثر المفسرين: نزلت في اليهود كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يبينوها للناس وهم يجدونها مكتوبة عندهم في كتبهم. وقال الكلبي: هم اليهود بخلوا أن يصدقوا من أتاهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته في كتابهم وقال مجاهد. الآيات الثلاث إلى قوله (عَليماً) نزلت في اليهود. وقال ابن عباس وابن زيد: نزلت في جماعة من اليهود كانوا يأتون رجالاً من الأنصار يخالطونهم وينصحونهم ويقولون لهم: لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر فأنزل الله تعالى (الَّذينَ يَبخَلونَ وَيأمُرونَ الناسَ بِالبُخلِ).
قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَقرَبوا الصَلاةَ وَأَنتُم سُكارى) الآية: نزلت في أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يشربون الخمر ويحضرون الصلاة وهم نشاوى أخبرنا أبو بكر الأصفهاني قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى قال حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا أبو عبد الرحمن الإفريقي قال: حدثنا عطاء عن أبي عبد الرحمن قال: صنع عبد الرحمن بن عوف طعاماً ودعا أناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فطعموا وشربوا وحضرت صلاة المغرب فتقدم بعض القوم فصلى بهم المغرب فقرأ (قُل يا أَيُّها الكافِرونَ) فلم يقمها فأنزل الله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَقرَبوا الصَلاةَ وَأَنتُم سُكارى حَتّى تَعلَموا ما تَقولونَ).
قوله تعالى (فَلَم تَجِدوا ماءً فَتَيَمَّموا صَعيداً طَيِّبا) أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق قال:
حدثنا أبو عمرو بن مطر قال: حدثنا إبراهيم بن علي الذهلي قال: حدثنا يحيى قال: قرأت على مالك بن أنس عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس إلى أبي بكر فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس معه وليس معهم ماء فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام فقال: أجلست رسول الله والناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء قالت: فعاتبني أبو بكر وقال: ما شاء الله أن يقول فجعل يطعن بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء فأنزل الله تعالى آية التيمم فتيمموا فقال أسيد بن حضير وهو أحد النقباء: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر قالت عائشة: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته. رواه البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى كلاهما عن مالك.
أخبرنا أبو محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسين الحافظ قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال: حدثنا أبي عن أبي صالح عن ابن شهاب قال: حدثني عبد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن عمار بن ياسر قال: عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الجيش ومعه عائشة زوجته فانقطع عقد لها من جذع أظفار فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر وليس معهم ماء فأنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم قصة التطهر بالصعيد الطيب فقام المسلمون فضربوا بأيديهم الأرض ثم رفعوا أيديهم فلم يقبضوا من التراب شيئاً فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب ومن بطون أيديهم إلى الآباط. قال الزهري: قوله تعالى (أَِلَم تَرَ إِلى الَّذينَ يُزَكّونَ أَنفُسَهُم) الآية. قال الكلبي: نزلت في رجال من اليهود أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأطفالهم وقالوا: يا محمد هل على أولادنا هؤلاء من ذنب قال: لا فقالوا: والذي نحلف به ما نحن إلا كهيئتهم ما من ذنب نعمله بالنهار إلا كفر عنا بالليل وما من ذنب نعمله بالليل إلا كفر عنا بالنهار فهذا الذي زكوا به أنفسهم.
قوله تعالى (أَلَم تَرَ إِلى الَّذينَ أَوُتوا نَصيباً مِنَ الكِتابِ يُؤمِنونَ بِالجِبتِ وَالطّاغوتِ) أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: أخبرنا والدي قال: حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي قال: حدثنا عبد الجبار بن العلاء قال: حدثنا سفيان عن عمرو عن عكرمة قال: جاء حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف إلى أهل مكة فقالوا لهم: أنتم أهل الكتاب وأهل العلم القديم فأخبرونا عنا وعن محمد فقالوا: ما أنتم وما محمد قالوا: نحن ننحر الكوماء ونسقي اللبن على الماء ونفك العاني ونصل الأرحام ونسقي الحجيج وديننا القديم ودين محمد الحديث قالا: بل أنتم خير منه وأهدى سبيلاً فأنزل الله تعالى (أَلَم تَرَ إِلى الَّذينَ أُوتوا نَصيباً مِنَ الكِتابِ) إلى قوله تعالى (وَمَن يَلعَنِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصيراً).
وقال المفسرون: خرج كعب بن الأشرف في سبعين راكباً من اليهود إلى مكة بعد وقعة أحد ليحالفوا قريشاً على غدر رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل كعب على أبي سفيان ونزلت اليهود في دور قريش فقال أهل مكة: إنكم أهل كتاب ومحمد صاحب كتاب ولا نأمن أن يكون هذا مكر منكم فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين وآمن بهما فذلك قوله (يُؤمِنونَ بِالجِبتِ وَالطّاغوتِ) ثم قال كعب لأهل مكة: ليجيء منكم ثلاثون ومنا ثلاثون فنلزق أكبادنا بالكعبة فنعاهد رب البيت لنجهدن على قتال محمد ففعلوا ذلك فلما فرغوا قال أبو سفيان لكعب: إنك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم ونحن أميون لا نعلم فأينا أهدى طريقاً وأقرب إلى الحق أنحن أم محمد فقال كعب: اعرضوا على دينكم فقال أبو سفيان: نحن ننحر للحجيج الكوماء ونسقيهم الماء ونقري الضيف ونفك العاني ونصل الرحم ونعمر بيت ربنا ونطوف به ونحن أهل الحرم ومحمد فارق دين آبائه وقطع الرحم وفارق الحرم وديننا القديم ودين محمد الحديث فقال كعب: أنتم والله أهدى سبيلاً مما هو عليه فأنزل الله تعالى (أَلَم تَرَ إِلى الَّذينَ أُوتوا نَصيباً من الكتاب) يعني كعباً وأصحابه الآية.
قوله تعالى (أُولَئِكَ لَعَنَهُمُ اللهُ) الآية. أخبرنا أحمد بن إبراهيم المقري قال: أخبرنا أبو سفيان بن محمد قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدثنا أبو الأزهر قال: حدثنا روح قال: حدثنا سعيد عن قتادة قال: نزلت هذه الآية في كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب رجلين من اليهود من بني النضر لقيا قريشاً بالموسم فقال لهما المشركون: أنحن أهدى أم محمد وأصحابه فإنا أهل السدانة والسقاية وأهل الحرم فقالا: بل أنتم أهدى من محمد فهما يعلمان أنهما كاذبان إنما حملهما على ذلك حسد محمد وأصحابه فأنزل الله تعالى (أُولَئِكَ الَّذينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَن يَلعَنِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصيراً) فلما رجعا إلى قومهما قال لهما قومهما: إن محمداً يزعم أنه قد نزل فيكما كذا وكذا فقالا: صدق والله ما حملنا على ذلك إلا بغضه وحسده.
قوله (إِنَّ اللهَ يَأمُرُكُم أَن تُؤَدُّوا الأَماناتِ إِلى أَهلِها) نزلت في عثمان بن طلحة الحجبي من بني عبد الدار كان سادن الكعبة فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح أغلق عثمان باب البيت وصعد السطح فطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم المفتاح فقيل: إنه مع عثمان فطلب منه فأبى وقال: لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه المفتاح فلوى علي بن أبي طالب يده وأخذ منه المفتاح وفتح الباب فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت وصلى فيه ركعتين فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح ليجمع له بين السقاية والسدانة فأنزل الله تعالى هذه الآية فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً أن يرد المفتاح إلى عثمان ويعتذر إليه ففعل ذلك علي فقال له عثمان: يا علي أكرهت وآذيت ثم جئت ترفق فقال: لقد أنزل الله تعالى في شأنك وقرأ عليه هذه الآية فقال عثمان: أشهد أن محمداً رسول الله وأسلم فجاء جبريل عليه السلام فقال: ما دام هذا البيت فإن المفتاح والسدانة في أولاد عثمان وهو اليوم في أيديهم.
أخبرنا أبو حسان المزكي قال: أخبرنا هارون بن محمد الاستراباذي قال: حدثنا أبو محمد الخزاعي قال: حدثنا أبو الوليد الأزرقي قال: حدثنا جدي عن سفيان عن سعيد بن سالم عن ابن جريج عن مجاهد في قول الله تعالى (إِنَّ اللهَ يَأمُرُكُم أَن تُؤَدُّوا الأَماناتِ إِلى أَهلِها) قال: نزلت في ابن طلحة قبض النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة فدخل الكعبة يوم الفتح فخرج وهو يتلو هذه الآية فدعا عثمان فدفع إليه المفتاح وقال: خذوها يا بني أبي طلحة بأمانة الله لا ينزعها منكم إلا ظالم.
أخبرنا أبو نصر المهرجاني قال: حدثنا عبيد الله بن محمد الزاهد قال: حدثنا أبو القاسم المقري قال: حدثني أحمد بن زهير قال: أخبرنا مصعب قال: حدثنا شيبة بن عثمان بن أبي طلحة قال: دفع النبي صلى الله عليه وسلم المفتاح إلي وإلى عثمان وقال: خذوها يا بني أبي طلحة خالدة تالدة لا يأخذها منكم إلا ظالم فبنوا أبي طلحة الذين يلون سدانة الكعبة دون بني عبد الدار.
قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا أَطيعوا اللهَ وَأَطيعوا الرَسولَ وَأُولي الأَمرِ مِنكُم) أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد العدل قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي زكريا الحافظ قال: أخبرنا أبو حامد بن الشرقي قال: حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا الحجاج بن محمد عن ابن جريج قال: أخبرني يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى (أَطيعوا اللهَ وَأَطيعوا الرَسولَ وَأُولي الأَمرِ مِنكُم) قال: نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية. رواه البخاري عن صدقة بن فضل ورواه مسلم عن زهير بن حرب كلاهما عن حجاج وقال ابن عباس في رواية بأذان بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في سرية إلى حي من أحياء العرب وكان معه عمار بن ياسر فسار خالد حتى إذا دنا من القوم عرض لكي يصبحهم فأتاهم النذير فهربوا عن رجل قد كان أسلم فأمر أهله أن يتأهبوا للمسير ثم انطلق حتى أتى عسكر خالد ودخل على عمار فقال: يا أبا اليقظان إني منكم وإن قومي لما سمعوا بكم هربوا وأقمت لإسلامي أفنافعي ذلك أو أهرب كما هرب قومي فقال: أقم فإن ذلك نافعك وانصرف الرجل إلى أهله وأمرهم بالمقام وأصبح خالد فغار على القوم فلم يجد غير ذلك الرجل فأخذه وأخذ ماله فأتاه عمار فقال: خل سبيل الرجل فإنه مسلم وقد كنت أمنته وأمرته بالمقام فقال خالد: أنت تجير علي وأنا الأمير فقال: نعم أنا أجير عليكم وأنت الأمير فكان في ذلك بينهما كلام فانصرفوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه خبر الرجل فأمنه النبي صلى الله عليه وسلم وأجاز أمان عمار ونهاه أن يجير بعد ذلك على أمير بغير إذنه. قال: واستب عمار وخالد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأغلظ عمار لخالد فغضب خالد وقال: يا رسول الله أتدع هذا العبد يشتمني فوالله لولا أنت ما شتمني وكان عمار مولى لهاشم بن المغيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا خالد كف عن عمار فإنه من يسب عماراً يسبه الله ومن يبغض عماراً يبغضه الله فقام عمار فتبعه خالد فأخذ بثوبه وسأله أن يرضى عنه فرضي عنه فأنزل الله تعالى هذه الآية وأمر بطاعة أولي الأمر.
قوله تعالى (أَلَم تَرَ إِلى الَّذينَ يَزعُمونَ أَنَّهُم آَمَنوا بِما أُنزِلَ إِليكَ وَما أُنزِلَ مِن قَبلِكَ يُريدونَ أَن يَتَحاكَموا إِلى الطّاغوتِ) الآية. أخبرنا سعيد بن محمد العدل قال: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال: أخبرنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: حدثنا أبو اليمان قال:
حدثنا صفوان بن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان أبو بردة الأسلمي كاهناً يقضي بين اليهود فيما يتنافرون إليه فتنافر إليه أناس من أسلم فأنزل الله تعالى (أَلَم تَرَ إِلى الَّذينَ يَزعُمونَ) إلى قوله (رَفيقاً).
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم قال: حدثنا أبو صالح بن شعيب بن محمد قال: حدثنا أبو حامد التميمي قال: حدثنا أبو الأزهر قال: حدثنا رويم قال: حدثنا سعيد عن قتادة قال: ذكر لنا أن هذه الآية أنزلت في رجل من الأنصار يقال له قيس وفي رجل من اليهود في مماراة كانت بينهما في حق تدارءا فيه فتنافرا إلى كاهن بالمدينة ليحكم بينهما وتركا نبي الله صلى الله عليه وسلم فعاب الله تعالى ذلك عليهما وكان اليهودي يدعوه إلى نبي الله وقد علم أنه لن يجور عليه وجعل الأنصاري يأبى عليه وهو يزعم أنه مسلم ويدعوه إلى الكاهن فأنزل الله تعالى ما تسمعون وعاب على الذي يزعم أنه مسلم وعلى اليهودي الذي هو من أهل الكتاب فقال (أَلَم تَرَ إِلى الَّذينَ يَزعُمونَ أَنَّهُم آَمَنوا بِما أُنزِلَ إِليكَ) إلى قوله (يَصُدونَ عَنكَ صُدوداً).
أخبرني محمد بن عبد العزيز المروزي في كتابه قال: أخبرنا محمد بن الحسين قال: أخبرنا محمد بن يحيى قال: أخبرنا إسحاق الحنظلي قال: أخبرنا المؤملي قال حدثنا يزيد بن زريع عن داود عن الشعبي قال: كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة فدعا اليهودي المنافق إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة ودعا المنافق اليهودي إلى حاكمهم لأنه علم أنهم يأخذون الرشوة في أحكامهم فلما اختلفا اجتمعا على أن يحكما كاهناً في جهينة فأنزل الله تعالى في ذلك (أَلَم تَرَ إِلى الَّذينَ يَزعُمونَ أَنَّهُم آَمَنوا بِما أُنزِلَ إِليكَ) يعني المنافق (وَما أُنزِلَ مِن قَبلِكَ) يعني اليهودي (يُريدونَ أَن يَتَحاكَموا إِلى الطّاغوتِ) إِلى قوله (وَيُسَلِموا تَسليماً).
وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: نزلت في رجل من المنافقين كان بينه وبين يهودي خصومه فقال اليهودي: انطلق بنا إلى محمد وقال المنافق: بل نأتي كعب بن الأشرف وهو الذي سماه الله تعالى الطاغوت فأبى اليهودي إلا أن يخاصمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى المنافق ذلك أتى معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختصما إليه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهودي فلما خرجا من عنده لزمه المنافق وقال: ننطلق إلى عمر بن الخطاب فأقبلا إلى عمر فقال اليهودي: اختصمنا أنا وهذا إلى محمد فقضى عليه فلم يرض بقضائه وزعم أنه مخاصم إليك وتعلق بي فجئت إليك معه فقال عمر للمنافق: أكذلك قال: نعم فقال لهما: رويداً حتى أخرج إليكما فدخل عمر وأخذ السيف فاشتمل عليه ثم خرج إليهما وضرب به المنافق حتى برد وقال: هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله وهرب اليهودي ونزلت هذه الآية وقال جبريل عليه السلام: إن عمر فرق بين الحق والباطل فسمي الفاروق.
وقال السدي: كان ناس من اليهود أسلموا ونافق بعضهم وكانت قريظة والنضير في الجاهلية إذا قتل رجل من بني قريظة رجلاً من بني النضير قتل به وأخذ ديته مائة وسق من تمر وإذا قتل رجل من بني النضير رجلاً من قريظة لم يقتل به وأعطى ديته ستين وسقاً من تمر وكانت النضير حلفاء الأوس وكانوا أكبر وأشرف من قريظة وهم حلفاء الخزرج فقتل رجل من بني النضير رجلاً من قريظة واختصموا في ذلك فقالت بنو النضير: إنا وأنتم اصطلحنا في الجاهلية على أن يقتل منكم ولا تقتلوا منا وعلى أن ديتكم ستون وسقاً والوسق ستون صاعاً وديتنا مائة وسق فنحن نعطيكم ذلك فقالت الخزرج: هذا شيء كنتم فعلتموه في الجاهلية لأنكم كثرتم وقللنا فقهرتمونا ونحن وأنتم اليوم أخوة وديننا ودينكم واحد وليس لكم علينا فضل فقال المنافقون: انطلقوا إلى أبي بردة الكاهن الأسلمي وقال المسلمون: لا بل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأبى المنافقون وانطلقوا إلى أبي بردة ليحكم بينهم فقال: أعظموا اللقمة: يعني الرشوة فقالوا: لك عشرة أوسق قال: لا بل مائة وسق ديتي فإني أخاف إن نفرت النضيري قتلتني قريظة وإن نفرت القريظي قتلتني النضير فأبوا أن يعطوه فوق عشرة أوسق وأبى أن يحكم بينهم فأنزل الله تعالى هذه الآية فدعا النبي صلى الله عليه وسلم كاهن أسلم إلى الإسلام فأبى فانصرف فقال النبي صلى الله عليه وسلم لابنيه: أدركا أباكما فإنه إن جاوز عقبة كذا لم يسلم أبداً فأدركاه فلم يزالا به حتى انصرف وأسلم وأمر النبي صلى الله عليه وسلم منادياً فنادى: ألا إن كاهن أسلم قد أسلم.
قوله تعالى (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنونَ حَتّى يُحَكِّموكَ فيما شَجرَ بَينَهُم) نزلت في الزبير بن العوام وخصمه حاطب بن أبي بلتعة وقيل هو ثعلبة بن حاطب.
أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن حمدان قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير عن أبيه أنه كان يحدث أنه خاصم رجلاً من الأنصار قد شهد بدراً إلى النبي صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة كانا يسقيان بها كلاهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم للزبير: اسق ثم أرسل إلى جارك فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله أن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال للزبير: اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر فاستوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير حقه وكان قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه سعة للأنصاري وله فلما أحفظ الأنصاري رسول الله استوفى للزبير حقه في صريح الحكم قال عروة: قال الزبير: والله ما أحسب هذه الآية أنزلت إلا في ذلك (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنونَ حَتّى يُحَكِّموكَ فيما شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدوا في أَنفُسِهِم حَرَجاً مِّمّا قَضَيتَ وَيُسَلِموا تَسليماً). رواه البخاري عن علي بن عبد الله عن محمد بن جعفر عن معمر. ورواه مسلم عن قتيبة عن الليث كلاهما عن الزهري.
اسباب النزول (سورة المائدة)
سورة المائدة
قوله تعالى (لا تُحِلّوا شَعائِرَ اللهِ) الآية. قال ابن عباس: نزلت في الخطيم واسمه شريح بن ضبيع الكندي أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من اليمامة إلى المدينة فخلف خيله خارج المدينة ودخل وحده على النبي عليه الصلاة والسلام فقال: إلام تدعو الناس قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة فقال: حسن إلا أن لي أمراء لا نقطع أمراً دونهم ولعلي أسلم وآتي بهم وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأصحابه: يدخل عليكم رجل يتكلم بلسان شيطان ثم خرج من عنده فلما خرج قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقبى غادر وما الرجل مسلم فمر بسرح المدينة فاستاقه فطلبوه فعجزوا عنه فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام القضية سمع تلبية حجاج اليمامة فقال لأصحابه: هذا الخطيم وأصحابه وكان قد قلد هدياً من سرح المدينة وأهدى إلى الكعبة فلما توجهوا في طلبه أنزل الله تعالى (يا أَيُّها الَذينَ آَمَنوا لا تُحِلّوا شَعائِرَ اللهِ) يريد ما أشعر لله وإن كانوا على غير دين الإسلام.
وقال زيد بن أسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه بالحديبية حين صدهم المشركون عن البيت وقد اشتد ذلك عليهم فمر بهم ناس من المشركين يريدون العمرة فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: نصد هؤلاء كما صدنا أصحابهم فأنزل الله تعالى (لا تُحِلّوا شَعائِرَ اللهِ وَلا الشَهرَ الحَرامَ وَلا الهَديَ وَلا القَلائِدَ وَلا آَمّينَ البَيتَ الحَرامَ) أي ولا تعتدوا على هؤلاء العمار إن صدكم أصحابهم.
قوله تعالى (اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دينَكُم) الآية. نزلت هذه الآية يوم الجمعة وكان يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع سنة عشر والنبي صلى الله عليه وسلم بعرفات على ناقته العضباء.
أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل قال: أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدثنا جعفر بن عون قال: أخبرني أبو عميس عن قيس بن حاتم عن طارق بن شهاب قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين إنكم تقرءون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً فقال: أي آية هي قال (اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتي) فقال عمر: والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشية يوم عرفة في يوم عرفة في يوم جمعة.
رواه البخاري عن الحسن بن صباح. ورواه مسلم عن عبد بن حميد كلاهما عن جعفر بن أخبرنا الحاكم أبو عبد الرحمن الشاذياخي قال: أخبرنا ناقد بن أحمد قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن مصعب قال: حدثنا يحيى بن حكيم قال: حدثنا أبو قتيبة قال: حدثنا حماد عن عباد بن أبي عمار قال: قرأ ابن عباس هذه الآية ومعه يهودي (اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ الِإسلامَ ديناً) فقال اليهودي: لو نزلت هذه علينا في يوم لاتخذناه عيداً فقال ابن عباس: فإنها نزلت في عيدين اتفقا في يوم واحد يوم جمعة وافق يوم عرفة.
قوله (يَسأَلونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُم) الآية. أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثني ابن أبي زائدة عن موسى بن عبيدة عن أبان بن صالح عن القعقاع بن الحكيم عن سلمى أم رافع عن أبي رافع قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب فقال الناس: يا رسول الله ما أحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها فأنزل الله تعالى هذه الآية وهي (يَسأَلونَكَ ماذا أُحلَِّ لَهُم قُل أُحِلَّ لَكُمُ الطَيِّباتُ وَما عَلَمتُم مِّنَ الجَوارِحِ مُكَلِّبينَ) رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن أبي بكرة بن بالويه عن محمد بن سادان عن يعلى بن منصور عن ابن زائدة. وذكر المفسرون شرح هذه القصة قالوا: قال أبو رافع جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم واستأذن عليه فأذن له فلم يدخل فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قد أذنا لك يا رسول الله فقال: أجل يا رسول الله ولكنا لا ندخل بيتاً فيه صورة ولا كلب فنظروا فإذا في بعض بيوتهم جرو قال أبو رافع: فأمرني أن لا أدع كلباً بالمدينة إلا قتلته حتى بلغت العوالي فإذا امرأة عندها كلب يحرسها فرحمتها فتركته فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأمرني بقتله فرجعت إلى الكلب فقتلته فلما أمر رسول الله بقتل الكلاب جاء ناس فقالوا: يا رسول الله ماذا يحل لنا من هذه الأمة التي تقتلها فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية فلما نزلت أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في اقتناء الكلاب التي ينتفع بها ونهى عن إمساك ما لا نفع فيه منها وأمر بقتل الكلب الكلب والعقور وما يضر ويؤذي ودفع القتل عما سواهما وما لا ضرر فيه.
وقال سعيد بن جبير: نزلت هذه الآية في عدي بن حاتم وزيد بن المهلهل الطائيين وهو زيد الخيل الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير فقالا: يا رسول الله إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة فإن كلاب آل درع وآل حورية تأخذ البقر والحمر والظباء والضب فمنه ما يدرك ذكاته ومنه ما يقتل فلا يدرك ذكاته وقد حرم الله الميتة فماذا يحل لنا منها فنزلت (يَسأَلونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُم قُل أُحِلَّ لَكُم الطَيِّباتُ) يعني الذبائح (وَما عَلَّمتُم مِّنَ الجَوارِحِ) يعني وصيد ما علمتم من الجوارح وهي الكواسب من الكلاب وسباع الطير.
قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا اُذكُروا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم إِذ هَمَّ قَومٌ أَن يَبسُطوا إِلَيكُم أَيدِيَهُم) الآية. أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر المؤذن قال: أخبرنا أبو علي الفقيه قال: أخبرنا أبو لبابة محمد بن المهدي الميهني قال: حدثنا عمار بن الحسن قال: حدثنا سلمة بن الفضل قال: حدثنا محمد بن إسحاق عن عمر بن عبيد عن الحسن البصري عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رجلاً من محارب يقال له غورث بن الحرث قال لقومه من غطفان ومحارب: ألا أقتل لكم محمداً قالوا: نعم وكيف تقتله قال: أفتك به قال: فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس وسيفه في حجره فقال: يا محمد أنظر إلى سيفك هذا قال: نعم فأخذه فاستله ثم جعل يهزه ويهم به فكبته الله عز وجل ثم قال: يا محمد ما تخافني قال: لا قال: ألا تخافني وفي يدي السيف قال: يمنعني الله منك ثم أغمد السيف ورده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى (اُذكُروا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم إِذ هَمَّ قَومٌ أَن يَبسُطوا إِلَيكُم أَيدِيَهُم).
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الثعلبي قال: أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل منزلاً وتفرق الناس في العضاه يستظلون تحتها فعلق النبي صلى الله عليه وسلم سلاحه على شجرة فجاء عرابي إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل عليه فقال: من يمنعك مني قال الله قال ذلك الأعرابي مرتين أو ثلاثاً والنبي صلى الله عليه وسلم يقول الله فشام الأعرابي السيف فدعا النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه فأخبرهم خبر الأعرابي وهو جالس إلى جنبه لم يعاقبه.
وقال مجاهد والكلبي وعكرمة: قتل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من بني سلم وبين النبي عليه الصلاة والسلام وبين قومهما موادعة فجاء قومهما يطلبون الدية فأتى النبي عليه الصلاة والسلام ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وعبد الرحمن بن عوف رضوان الله عليهم أجمعين فدخلوا على كعب بن الأشرف وبني النضير يستعينهم في عقلهما فقالوا: يا أبا القاسم قد آن لك أن تأتينا وتسألنا حاجة اجلس حتى نطعمك ونعطيك الذي تسألنا فجلس هو وأصحابه فجاء بعضهم ببعض وقالوا: إنكم لم تجدوا محمداً أقرب منه الآن فمن يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرة فيريحنا منه فقال عمر بن جحاش بن كعب أنا فجاء إلى رحا عظيمة ليطرحها عليه فأمسك الله تعالى يده وجاء جبريل عليه السلام وأخبره بذلك فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (إِنَّما جَزَاءُ الَّذينَ يُحارِبونَ اللهَ وَرَسولَهُ) أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبيد الله المخلدي قال: حدثنا أبو عمرو بن نجيد قال: أخبرنا مسلم قال: حدثنا عبد الرحمن بن حماد قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس أن رهطاً من عكل وعرينة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف فاستوخمنا المدينة فأمر لهم رسول الله عليه الصلاة والسلام بذود أن يخرجوا فيها فليشربوا من ألبانها وأبوالها فقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستاقوا الذود فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم فأتى بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وثمل أعينهم فتركوا في الحرة حتى ماتوا على حالهم. قال قتادة: ذكر لنا أن هذه الآية نزلت فيهم (إِنَّما جَزَاءُ الَّذينَ يُحارِبونَ اللهَ وَرَسولَهُ وَيَسعَونَ في الأَرضِ فَساداً) إلى آخر الآية. رواه مسلم عن عبيد الأعلى عن سعيد إلى قول قتادة.
قوله تعالى (وَالسارِقُ وَالسارِقَةُ فَاِقطَعوا أَيدِيَهُما) قال الكلبي: نزلت في طعمة بن أبيرق سارق الدرع وقد مضت قصته.
قوله تعالى (يا أَيُّها الرَسولُ لا يُحزُنكَ الَّذينَ يُسارِعونَ في الكُفرِ) الآيات. حدثنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري إملاء قال: أخبرنا أبو محمد حاجب بن أحمد الطوسي قال: حدثنا محمد بن حماد الأبيوردي قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء بن عازب قال: مر على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيهودي محمماً مجلوداً فدعاهم فقال: أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم قالوا: نعم قال: فدعا رجل من غلمانهم فقال: أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى عليه السلام هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم قال: لا ولولا أنك نشدتني لم أخبرك نجد حد الزاني في كتابنا الرجم ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الوضيع أقمنا عليه الحد فقلنا: تعالوا نجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع فاجتمعنا على التحميم والجلد مكان الرجم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه فأمر به فرجم فأنزل الله تعالى (يا أَيُّها الرَسولُ لا يَحزُنكَ الَّذينَ يُسارِعونَ في الكُفرِ) إلى قوله (إِن أُوتِيتُم هَذا فَخُذوهُ) يقولون ائتوا محمداً فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوا به وإن أفتاكم بالرجم (فَاِحذَروا) إلى قوله تعالى (وَمَن لَّم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُم ُالكَافِرونَ) قال في اليهود إلى قوله (وَمَن لَّم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللهَ فَأَولَئِكَ هُمُ الظَالِمونَ) قال في اليهود إلى قوله (وَمَن لَّم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقونَ) قال في الكفار كلها رواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن أبي معاوية.
أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق قال: أخبرنا أبو الهيثم أحمد بن محمد بن غوث الكندي قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رجم يهودياً ويهودية ثم قال (وَمَن لَّم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرونَ) (وَمَن لَّم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظالِمونَ) (وَمَن لَّم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقونَ) قال: نزلت كلها في الكفار رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة.
قوله تعالى (إِنّا أَنزَلنا التَوراةَ فيها هُدىً وَنورٌ) أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن الزهري: حدثني رجل من مزينة ونحن عند سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: زنى رجل من اليهود وامرأة قال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي مبعوث للتخفيف فإذا أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججناها عند الله وقلنا: فتيا نبي من أنبيائك فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد مع أصحابه فقالوا: يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة زنيا فلم يكلمهما حتى أتى بيت مدراسهم فقام على الباب فقال: أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن قالوا: يحمم ويجبه ويجلد والتجبيه: أن يحمل الزانيان على الحمار ويقابل أقفيتهما ويطاف بهما قال: وسكت شاب منهم فلما رآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم سكت ألح به في النشدة فقال: اللهم إذ أنشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم فقال النبي عليه الصلاة والسلام: فما أول ما أرخصتم أمر الله عز وجل قال: زنى رجل ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم ثم زنى رجل من سراة الناس فأراد رجمه فاحال قومه دونه فقالوا: لا يرجم صاحبنا حتى يجيء بصاحبكم فيرجمه فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإني أحكم بما في التوراة فأمر بهما فرجما. قال الزهري فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم (إِنّا أَنزَلنا التَوراةَ فيها هُدىً وَنورٌ يَحكُمُ بِها النَبِيّونَ الَّذينَ أَسلَموا) وكان النبي صلى الله عليه وسلم منهم. قال معمر: أخبرني الزهري عن سالم عن ابن عمر قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمر برجمهما فلما رجما رأيته يجنأ بيده عنها ليقيها الحجارة.
قوله عز وجل (وَأَنِ اِحكُم بَينَهُم بِما أَنزَلَ اللهُ) الآية. قال ابن عباس: إن جماعة من اليهود منهم كعب بن أسيد وعبد الله بن صوريا وشاس بن قيس قال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد عليه الصلاة والسلام لعلنا نفتنه عن دينه فأتوه فقالوا: يا محمد قد عرفت أنا أحبار اليهود وأشرافهم وأنا إن اتبعناك اتبعنا اليهود ولن يخالفونا وإن بيننا وبين قوم خصومة ونحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم ونحن نؤمن بك ونصدقك فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَتَّخِذوا اليَهودَ وَالنَصارى أَولِياءَ) قال عطية العوفي: جاء عبادة بن الصامت فقال: يا رسول الله إن لي موالي من اليهود كثير عددهم حاضر نصرهم وإني أبوء إلى الله ورسوله من ولاية اليهود وآوي إلى الله ورسوله فقال عبد الله بن أبي: إني رجل أخاف الدوائر ولا أبرأ من ولاية اليهود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا الحباب ما تجلب به من ولاية اليهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه فقال: قد قبلت فأنزل الله تعالى فيهما (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَتَّخِذوا اليَهودَ وَالنَصارى أَولِياءَ بَعضُهُم أَولِياءُ بَعضٍ) إلى قوله تعالى (فَتَرى الَّذينَ في قُلوبِهِم مَّرَضٌ) يعني عبد الله بن أبي (يُسارِعونَ فيهِم) وفي ولايتهم (يَقولونَ نَخشى أَن تُصيبنا دائِرةٌ) الآية.
قوله تعالى (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسولُهُ وَالَّذينَ آَمَنوا) قال جابر بن عبد الله: جاء عبد الله بن سلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن قوماً من قريظة والنضير قد هاجرونا وفارقونا وأقسموا أن لا يجالسونا ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل وشكى ما يلقى من اليهود فنزلت هذه الآية فقرأها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين أولياء. ونحو هذا قال الكلبي وزاد أن آخر الآية في علي بن أبي طالب رضوان الله عليه لأنه أعطى خاتمه سائلاً وهو راكع في الصلاة.
أخبرنا أبو بكر التميمي قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: حدثنا الحسين بن محمد عن أبي هريرة قال: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال: حدثنا محمد الأسود عن محمد بن مروان عن محمد السائب عن أبي صالح عن ابن عباس قال: أقبل عبد الله بن سلام ومعه نفر من قومه قد آمنوا فقالوا: يا رسول الله إن منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدث وإن قومنا لما رأونا آمنا بالله ورسوله وصدقناه رفضونا وآلوا على أنفسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلمونا فشق ذلك علينا فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسولُهُ وَالَّذينَ آَمَنوا) الآية. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع فنظر سائلاً فقال: عل أعطاك أحد شيئاً قال: نعم خاتم من ذهب قال: من أعطاكه قال: ذلك القائم وأومأ بيده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: على أي حال أعطاك قال: أعطاني وهو راكع فكبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم قرأ (وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسولَهُ وَالَّذينَ آَمَنوا فَإِنَّ حِزبَ اللهِ هُمُ الغالِبونَ).
قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَتَّخِذوا الَّذينَ اِتَّخَذوا دينَكُم هُزُواً وَلَعِباً) قال ابن عباس: كان رفاعة بن زيد وسويد بن الحرث قد أظهرا الإسلام ثم نافقا وكان رجال من المسلمين يوادونهما فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (وَإِذا نادَيتُم إِلى الصَلاةِ اِتَّخَذوها هُزُواً وَلَعِباً) قال الكلبي: كان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نادى إلى الصلاة فقام المسلمون إليها قالت اليهود: قوموا صلوا اركعوا على طريق الاستهزاء والضحك فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال السدي: نزلت في رجل من نصارى المدينة كان إذا سمع المؤذن يقول: أشهد أن محمداً رسول الله قال: حرق الكاذب فدخل خادمه بنار ذات ليلة وهو نائم وأهله نيام فطارت منها شرارة في البيت فاحترق هو وأهله. وقال آخرون: إن الكفار لما سمعوا الأذان حضروا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون على ذلك وقالوا: يا محمد لقد أبدعت شيئاً لم نسمع به فيما مضى من الأمم فإن كنت تدعي النبوة فقد خالفت فيما أحدثت من هذا الأذان الأنبياء من قبلك ولو كان في هذا خير كان أولى الناس به الأنبياء والرسل من قبلك فمن أين لك صياح كصياح البعير فما أقبح من صوت ولا أسمج من كفر فأنزل الله تعالى هذه الآية وأنزل (وَمَن أَحسَنُ قَولاً مِّمَّن دَعا إِلى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً) الآية.
قوله تعالى (قُل هَل أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثوبَةً عِندَ اللهِ) الآية. قال ابن عباس: أتى نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عمن يؤمن به من الرسل فقال: أومن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل إلى قوله (وَنَحنُ لَهُ مُسلِمون) فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا: والله ما نعلم أهل دين أقل حظاً في الدنيا والآخرة منكم ولا ديناً شراً من دينكم فأنزل الله تعالى (قُل هَل أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِن ذَلِكَ مَثوبَةً) الآية.
قوله تعالى (يا أُيُّها الرَسولُ بَلِّغ ما أُنزِلَ إِليكَ مِن رَّبِّكَ) قال الحسن: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما بعثني الله تعالى برسالتي ضقت بها ذرعاً وعرفت أن من الناس من يكذبني وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهيب قريشاً واليهود والنصارى فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو سعيد محمد بن علي الصفار قال: أخبرنا الحسن بن أحمد المخلدي قال: أخبرنا محمد بن حمدون بن خالد قال: حدثنا محمد بن إبراهيم الخلوتي قال: حدثنا الحسن بن حماد سجادة قال: حدثنا علي بن عابس عن الأعمش وأبي حجاب عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية (يا أَيُّها الرَسولُ بَلِّغ ما أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَّبِّكَ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
قوله تعالى (وَاللهُ يَعصِمُكَ مِنَ الناسِ) قالت عائشة رضي الله عنها: سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقلت: يا رسول الله ما شأنك قال: ألا رجل صالح يحرسنا الليلة فقالت: بينما نحن في ذلك سمعت صوت السلاح فقال: من هذا قال: سعد وحذيفة جئنا نحرسك فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه ونزلت هذه الآية فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من قبة آدم وقال: انصرفوا يا أيها الناس فَقَد عَصَمَني الله.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ قال: حدثنا إسماعيل بن نجيد قال: حدثنا محمد بن الحسن بن الخليل بن محمد بن العلاء قال: حدثنا الجماني قال: حدثنا النضر عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس وكان يرسل معه أبو طالب رجالاً من بني هاشم يحرسونه حتى نزلت عليه هذه الآية (يا أَيُّها الرَسولُ بَلِّغ ما أُنزِلَ إِلَيكَ) إلى قوله (وَاللهُ يَعصِمُكَ مِنَ الناسِ) قال: فأراد عمه أن يرسل معه من يحرسه فقال: يا عم إن الله تعالى قد عصمني من الجن والإنس.
قوله تعالى (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ الناسِ عَداوَةً لِّلَّذينَ آَمَنوا اليَهودَ) الآيات إلى قوله (وَالَّذينَ كَفَروا وَكَذَبوا) نزلت في النجاشي وأصحابه. قال ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة يخاف على أصحابه من المشركين فبعث جعفر بن أبي طالب وابن مسعود في رهط من أصحابه إلى النجاشي وقال إنه ملك صالح لا يظلم ولا يظلم عنده أحد فاخرجوا إليه حتى يجعل الله للمسلمين فرجاً فلما وردوا عليه أكرمهم وقال لهم: تعرفون شيئاً مما أنزل عليكم قالوا: نعم قال: اقرءوا فقرءوا وحوله القسيسين والرهبان فكلما قرءوا آية انحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق قال الله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنهُم قِسّيسينَ وَرُهباناً وَأَنَّهُم لا يَستَكبِرونَ وَإِذا سَمِعوا ما أُنزِلَ إِلى الرَسولِ تَرى أَعيُنَهُم تَفيضُ مِنَ الدَمعِ) الآية.
اسباب النزول (سورة الانعام)
سورة الأنعام
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم قوله تعالى (وَلَو نَزَّلنا عَلَيكَ كِتاباً في قِرطاسٍ) الآية. قال الكلبي إن مشركي مكة قالوا: يا محمد والله لا نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ومعه أربعة من الملائكة يشهدون أنه من عند الله وأنك رسوله فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى (وَلَهُ ما سَكَنَ في اللَّيلِ وَالنَهارِ) الآية. قال الكلبي عن ابن عباس: إن كفار مكة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد إنا قد علمنا أنه إنما يحملك على ما تدعو إليه الحاجة فنحن نجعل لك نصيباً في أموالنا حتى تكون أغنانا رجلاً وترجع عما أنت عليه فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى (قُل أَيُّ شَيءٍ أَكبَرُ شَهادةً) الآية. قال الكلبي: إن رؤساء مكة قالوا: يا محمد ما نرى أحداً يصدقك بما تقول من أمر الرسالة ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أن ليس لك عندهم ذكر ولا صفة فأرنا من يشهد لك أنك رسول كما تزعم فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (وَمِنهُم مَن يَستَمِعُ إِلَيكَ) الآية. قال ابن عباس في رواية أبي صالح: إن أبا سفيان بن حرب والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وعتبة وشيبة ابني ربيعة وأمية وأبياً ابني خلف استمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا للنضر: يا أبا قتيلة ما يقول محمد قال: والذي جعلها بيته ما أدري ما يقول إلا أني أرى يحرك شفتيه يتكلم بشيء وما يقول إلا أساطير الأولين مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية وكان النضر كثير الحديث عن القرون الأول وكان يحدث قريشاً فيستملحون حديثه فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (وَهُم يَنهونَ عَنهُ وَينأَونَ عَنهُ) أخبرنا عبد الرحمن بن عبدان قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نعيم قال: حدثنا علي بن حمشاذ قال: حدثنا محمد بن منده الأصفهاني قال: حدثنا بكر بن بكار قال: حدثنا حمزة بن حبيب عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله (وَهُم يَنهونَ عَنهُ وَيَنأَونَ عَنهُ) قال: نزلت في أبي طالب كان ينهى المشركين أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتباعد عما جاء به وهذا قول عمرو بن دينار والقاسم بن مخيمر. قال مقاتل: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أبي طالب يدعوه إلى الإسلام فاجتمعت قريش إلى أبي طالب يردون سؤال النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو طالب:
وَاللهِ لا وَصَلـوا إِلَـيكَ بِـجَـمـعِـهِم
حَـتّـى أُوَسـدَ فـي الـتُرابِ دَفينا
وَعَـرَضـتَ دينـاً لا مَـحـــالَةَ أَنَّـهُ
مِـن خَــيرِ أَديانِ الــبَـرِيَّةِ دينا
لَـولا الـمَـلامَةُ أَو حِـذاري سُــبَّةً
لَـوَجَـدتَـني سَـمحاً بِـذاكَ مُبينا
فأنزل الله تعالى (وَهُم يَنهونَ عَنهُ) الآية.
وقال محمد بن الحنفية والسدي والضحاك: نزلت في كفار مكة كانوا ينهون الناس عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ويتباعدون بأنفسهم عنه وهو قول ابن عباس في رواية الوالبي.
قوله تعالى (إِنَّهُ لَيُحزُنُكَ الَّذي يَقولونَ) الآية. قال السدي: التقى الأخنس بن شريق وأبو جهل بن هشام فقال الأخنس لأبي جهل: يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب فإنه ليس هنا من يسمع كلامك غيري فقال أبو جهل: والله إن محمداً لصادق وما كذب محمد قط ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال أبو ميسرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بأبي جهل وأصحابه فقالوا: يا محمد إنا والله ما نكذبك وإنك عندنا لصادق ولكن نكذب ما جئت به فنزلت (فإِنَّهُم لا يُكَذِّبونَكَ وَلَكِنَّ الظالِمينَ بِآياتِ اللهِ يَجحَدونَ) وقال مقاتل: نزلت في الحرث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف بن قصي بن كلاب كان يكذب النبي صلى الله عليه وسلم في العلانية وإذا خلا مع أهل قوله تعالى (وَلا تَطرُدِ الَّذينَ يَدعونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ وَالعَشِيِّ يُريدونَ وَجهَهُ) الآية. أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا زاهر بن أحمد قال: أخبرنا الحسين بن محمد بن مصعب قال: حدثنا يحيى بن حكيم قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا قيس بن الربيع عن المقدام بن شريح عن أبيه عن سعد قال: نزلت هذه الآية فينا ستة في وفي ابن مسعود وصهيب وعمار والمقداد وبلال قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لا نرضى أن نكون أتباعاً لهؤلاء فاطردهم فدخل قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ما شاء الله أن يدخل فأنزل الله تعالى عليه (وَلا تَطرُدِ الَّذينَ يَدعونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ وَالعَشِيِّ يُريدونَ وَجهَهُ) الآية.
رواه مسلم عن زهير بن حرب عن عبد الرحمن عن سفيان عن المقدام.
أخبرنا أبو عبد الرحمن قال: أخبرنا أبو بكر بن زكريا الشيباني قال: أخبرنا أبو العباس محمد بن عبد الرحمن قال: حدثنا أبو صالح الحسين بن الفرج قال: حدثنا محمد بن مقاتل المروزي قال: حدثنا حكيم بن زيد قال: حدثنا السدي عن أبي سعيد عن أبي الكنود عن خباب بن الأرت قال: فينا نزلت كنا ضعفاء عند النبي صلى الله عليه وسلم بالغداة والعشي فعلمنا القرآن والخير وكان يخوفنا بالجنة والنار وما ينفعنا والموت والبعث فجاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري فقالا: إنا من أشراف قومنا وإنا نكره أن يرونا معهم فاطردهم إذا جالسناك قال: نعم قالوا: لا نرضى حتى تكتب بيننا كتاباً فأتى بأديم ودواة فنزلت هذه الآيات (وَلا تَطرُدِ الَّذينَ يَدعونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ وَالعَشِيِّ يُريدونَ وَجهَهُ) إلى قوله تعالى (فَتَنّا بَعضَهُم بِبَعضٍ).
أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو محمد بن حيان قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا أسباط بن محمد عن أشعث عن كركوس عن ابن مسعود قال: مر الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده خباب بن الأرت وصهيب وبلال وعمار قالوا: يا محمد رضيت بهؤلاء أتريد أن نكون تبعاً لهؤلاء فأنزل الله تعالى (وَلا تَطرُدِ الَّذينَ يَدعونَ رَبَّهُم) وبهذا الإسناد قال: حدثنا عبد الله عن جعفر عن الربيع قال: كان رجال يسبقون إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم بلال وصهيب وسلمان فيجيء أشراف قومه وسادتهم وقد أخذوا هؤلاء المجلس فيجلسون إليه فقالوا: صهيب رومي وسلمان فارسي وبلال حبشي يجلسون عنده ونحن نجيء ونجلس ناحية وذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: إنا سادة قومك وأشرافهم فلو أدنيتنا منك إذا جئنا فهم أن يفعل فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال عكرمة: جاء عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومطعم بن عدي والحرث بن نوفل في أشراف بني عبد مناف من أهل الكفر إلى أبي طالب فقالوا: لو أن ابن أخيك محمداً يطرد عنه موالينا وعبيدنا وعسفاءنا كان أعظم في صدورنا وأطوع له عندنا وأدنى لاتباعنا إياه وتصديقنا له فأتى أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه بالذي كلموه فقال عمر بن الخطاب: لو فعلت ذلك حتى ننظر ما الذي يريدون وإلام يصيرون من قولهم فأنزل الله تعالى هذه الآية فلما نزلت أقبل عمر بن الخطاب يعتذر من مقالته.
قوله تعالى (وَإِذا جاءَكَ الَّذينَ يُؤمِنونَ بِآَياتِنا فَقُل سَلامٌ عَلَيكُم) الآية. قال عكرمة نزلت في الذين نهى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن طردهم فكان إذا رآهم النبي صلى الله عليه وسلم بدأهم بالسلام وقال: الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أبدأهم بالسلام.
وقال ماهان الحنفي: أتى قوم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا أصبنا ذنوباً عظاماً فما إخاله رد عليهم بشيء فلما ذهبوا وتولوا نزلت هذه الآية (وَإِذا جاءَكَ الَّذينَ يُؤمِنونَ بِآَياتِنا).
قوله تعالى (قُل إِنيّ عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَّبّي) الآية. قال الكلبي: نزلت في النضر بن الحرث ورؤساء قريش كانوا يقولون: يا محمد ائتنا بالعذاب الذي تعدنا به استهزاء منهم فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى (وَما قَدَروا اللهَ حَقَّ قَدرِهِ إِذ قالُوا ما أَنزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِّن شَيءٍ) قال ابن عباس في رواية الوالبي: قالت اليهود: يا محمد أنزل الله عليك كتاباً قال: نعم قالوا: والله ما أنزل الله من السماء كتاباً فأنزل الله تعالى (قُل مَن أَنزَلَ الكِتابَ الَّذي جاءَ بِهِ موسى نُوراً وَهُدىً لِّلناسِ) وقال محمد بن كعب القرظي: أمر الله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يسأل أهل الكتاب عن أمره وكيف يجدونه في كتبهم فحملهم حسد محمد أن كفروا بكتاب الله ورسوله وقالوا: ما أنزل الله على بشر من شيء فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال سعيد بن جبير. جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف فخاصم النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى أما تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين وكان حبراً سميناً فغضب وقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء فقال له أصحابه الذين معه: ويحك ولا على موسى والله ما أنزل الله على بشر من شيء فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (وَمَن أَظلَمُ مِّمَّن اِفتَرى عَلى اللهِ كَذِباً أَو قالَ أُوُحِيَ إِليَّ) الآية. نزلت في مسيلمة الكذاب الحنفي كان يسجع ويتكهن ويدعي النبوة ويزعم أن الله أوحى إليه.
قوله تعالى (وَمَن قالَ سأُنزِلُ مِثلَ ما أَنزَلَ اللهُ) نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان قد تكلم بالإسلام فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم يكتب له شيئاً فلما نزلت الآية التي في المؤمنين (وَلَقَد خَلَقنا الإِنسانَ مِن سُلالَةٍ) أملاها عليه فلما انتهى إلى قوله (ثُمَّ أَنشأَناهُ خَلقاً آَخَرَ) عجب عبد الله في تفصيل خلق الإنسان فقال: تبارك الله أحسن الخالقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزلت علي فشك عبد الله حينئذ وقال: لئن كان محمد صادقاً لقد أوحي إلي كما أوحي إليه ولئن كان كاذباً لقد قلت كما قال وذلك قوله (وَمَن قالَ سأُنزِلُ مِثلَ ما أَنزَلَ اللهُ) وارتد عن الإسلام وهذا قول ابن عباس في رواية الكلبي.
أخبرنا عبد الرحمن بن عبدان قال: حدثنا محمد بن عبد الله قال: حدثني محمد بن يعقوب الأموي قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال: حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال: حدثني شرحبيل بن سعد قال: نزلت في عبد الله بن سعد بن سرح قال: سأنزل مثل ما أنزل الله وارتد عن الإسلام فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أتى به عثمان رسول الله عليه الصلاة والسلام فاستأمن له.
قوله تعالى (وَجَعَلوا للهِ شُرَكاءَ الجِنَّ) قال الكلبي: نزلت هذه الآية في الزنادقة قالوا: إن الله تعالى وإبليس إخوان والله خالق الناس والدواب وإبليس خالق الحيات والسباع والعقارب فذلك قوله تعالى (وَجَعَلوا للهِ شُركاءَ الجِنَّ).
قوله تعالى (وَلا تَسُبّوا الَّذينَ يَدعُونَ مِن دونِ اللهِ فَيَسُبّوا اللهَ عَدواً بِغَيرِ عِلمٍ) قال ابن عباس في رواية الوالبي: قالوا: يا محمد لتنتهين عن سبك آلهتنا أو لنهجون ربك فنهى الله أن يسبوا أوثانهم فيسبوا الله عدواً بغير علم. وقال قتادة: كان المسلمون يسبون أوثان الكفار فيردون ذلك عليهم فنهاهم الله تعالى أن يستسبوا لربهم قوماً جهلة لا علم لهم بالله.
وقال السدي: لما حضرت أبا طالب الوفاة قالت قريش: انطلقوا فلندخل على هذا الرجل فلنأمرنه أن ينهى عنا ابن أخيه فإنا نستحي أن نقتله بعد موته فتقول العرب: كان يمنعه فلما مات قتلوه فانطلق أبو سفيان وأبو جهل والنضر بن الحرث وأمية وأبي ابنا خلف وعقبة بن أبي معيط وعمرو بن العاص والأسود بن البختري إلى أبي طالب فقالوا: أنت كبيرنا وسيدنا وإن محمداً قد آذانا وآذى آلهتنا فنحب أن تدعوه فتنهاه عن ذكر آلهتنا ولندعه وإلهه فدعاه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أبو طالب: هؤلاء قومك وبنو عمك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا يريدون فقالوا: نريد أن تدعنا وآلهتنا وندعك وإلهك فقال أبو طالب: قد أنصفك قومك فاقبل منهم فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام. أرأيتم إن أعطيتكم هذا هل أنتم معطي كلمة إن تكلمتم بها ملكتم العرب ودانت لكم بها العجم قال أبو جهل: نعم وأبيك لنعطينكها وعشر أمثالها فما هي قال: قولوا: لا إله إلا الله فأبوا واشمأزوا فقال أبو طالب: قل غيرها يا ابن أخي فإن قومك قد فزعوا منها فقال: يا عم ما أنا بالذي أقول غيرها ولو أتوني بالشمس فوضعوها في يدي ما قلت غيرها فقالوا: لتكفن عن شتمك آلهتنا أو قوله تعالى (وَأَقسَموا بِاللهِ جَهدَ أَيمانِهِم لَئِن جاءَتهُم آَيَةٌ لَّيؤمِنُنَّ بِها) الآيات إلى قوله تعالى (وَلَكِنَّ أَكثَرُهُم يَجهَلونَ). أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل قال: حدثنا محمد بن يعقوب الأموي قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال: حدثنا يونس بن بكير عن أبي معشر عن محمد بن كعب قال: كلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم قريش فقالوا: يا محمد تخبرنا أن موسى عليه السلام كانت معه عصا ضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً وأن عيسى عليه السلام كان يحيي الموتى وأن ثمود كانت لهم ناقة فأتنا ببعض تلك الآيات حتى نصدقك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي شيء تحبون أن آتيكم به فقالوا: تجعل لنا الصفا ذهباً قال: فإن فعلت تصدقوني قالوا: نعم والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعين فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو فجاءه جبريل عليه السلام وقال: إن شئت أصبح الصفا ذهباً ولكني لم أرسل آية فلم يصدق بها إلا أنزلت العذاب وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتركهم حتى يتوب تائبهم فأنزل الله تعالى (وَأَقسَموا بِاللهِ جَهدَ أَيمانِهِم لَئِن جاءَتهُم آَيَةٌ لَّيُؤمِنُنَّ بِها). إلى قوله (ما كانوا لِيُؤمِنوا إِلّا أَن يَشاءَ اللهُ).
قوله تعالى (وَلا تَأكُلوا مِمّا لَم يُذكَرُ اِسمُ اللهِ عَلَيهِ) الآية. قال المشركون يا محمد أخبرنا عن الشاة إذا ماتت من قتلها قال: الله قتلها قالوا: فتزعم أن ما قتلت أنت وأصحابك حلال وما وقال عكرمة: إن المجوس من أهل فارس لما أنزل الله تعالى تحريم الميتة كتبوا إلى مشركي قريش وكانوا أولياءهم في الجاهلية وكانت بينهم مكاتبة أن محمداً وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله ثم يزعمون أن ما ذبحوا فهو حلال وما ذبح الله فهو حرام فوقع في أنفس ناس من المسلمين من ذلك شيء فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (أَوَمَن كانَ مَيِتاً فَأَحيَيناهُ) الآية. قال ابن عباس: يريد حمزة بن عبد المطلب وأبا جهل وذلك أن أبا جهل رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بفرث وحمزة لم يؤمن بعد فأخبر حمزة بما فعل أبو جهل وهو راجع من قنصه وبيده قوس فأقبل غضبان حتى علا أبا جهل بالقوس وهو يتضرع إليه ويقول: يا أبا يعلى أما ترى ما جاء به سفه عقولنا وسب آلهتنا وخالف آباءنا قال حمزة: ومن أسفه منكم تعبدون الحجارة من دون الله أشهد أن لا إله إلا الله لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو محمد بن حيان قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب والوليد بن أبان قالا: حدثنا أبو حاتم قال: حدثنا أبو تقي قال: حدثنا بقية بن الوليد قال: حدثنا ميسر بن عقيل عن زيد بن أسلم في قوله عز وجل (أَوَمَن كانَ مَيتاً فَأحيَيناهُ وَجَعَلنا لَهُ نُوراً يَمشي بِهِ في الناسِ) قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (كَمَن مَّثَلُهُ في الظُلُماتِ لَيسَ بِخارِجٍ
اسباب النزول (سورة الاعراف)
سورة الأعراف
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم قوله تعالى (يا بَنِي آَدَمَ خُذوا زينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ) أخبرنا سعيد بن محمد العدل قال: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال: أخبرنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا الحسن بن حماد الوراق قال: أخبرنا أبو يحيى الحماني عن نصر بن الحسن عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان ناس من الأعراب يطوفون بالبيت عراة حتى أن كانت المرأة لتطوف بالبيت وهي عريانة فتعلق على سفلاها سيوراً مثل هذه السيور التي تكون على وجوه الحمر من الذباب وهي تقول:
الـيومُ يَبـدو بَـعـضُـهُ أَو كُلُهُ
وَمـا بَـدا مِـنـهُ فَـلا أُحِـلُهُ
فأنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم (يا بَني آَدَمَ خُذوا زينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ) فأمروا بلبس الثياب.
أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد العطار قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا محمد بن يعقوب المعقلي قال: حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال: حدثنا أبو داود الطيالسي قال: حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل قال: مسلم البطين يحدث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:
وَمـا بَـدا مِـنـهُ فَــلا أُحِـــلُـــهُ الـيَومُ يَبـدو بَـعـضُـهُ أَو كُـلُـهُ
فنزلت (خُذوا زينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ) ونزلت (قُل مَن حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ) الآيتان. رواه مسلم عن بندار عن غندر عن شعبة.
أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال: أخبرنا أحمد بن الحسن الحافظ قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن محمد بن أبي عتيق عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: كانوا إذا حجوا فأفاضوا من منى لا يصلح لأحد منهم في دينهم الذي أشرعوا أن يطوف في ثوبيه فأيهم طاف ألقاهما حتى يقضي طوافه وكان عارياً فأنزل الله تعالى فيهم (يا بَني آَدَمَ خُذوا زينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ) إلى قوله تعالى (يَعلَمونَ) أنزلت في شأن الذين يطوفون بالبيت عراة.
قال الكلبي: كان أهل الجاهلية لا يأكلون من الطعام إلا قوتاً ولا يأكلون دسماً في أيام حجهم يعظمون بذلك حجهم فقال المسلمون: يا رسول الله نحن أحق بذلك فأنزل الله تعالى (وَكُلوا) أي اللحم والدسم (وَاِشرَبوا).
قوله تعالى (وَاِتلُ عَلَيهِم نَبأَ الَّذي آَتَيناهُ آَياتِنا فَاِنسَلَخَ مِنها) الآية. قال ابن مسعود: نزلت في بلعم بن باعورا رجل من بني إسرائيل. وقال ابن عباس وغيره من المفسرين: هو بلعم بن باعورا.
وقال الوالبي: هو رجل من مدينة الجبارين يقال له بلعم وكان يعلم اسم الله الأعظم فلما نزل بهم موسى عليه السلام أتاه بنو عمه وقومه وقالوا: إن موسى رجل حديد ومعه جنود كثيرة وإنه إن يظهر علينا يهلكنا فادع الله أن يرد عنا موسى ومن معه قال: إني إن دعوت الله أن يرد موسى ومن معه ذهبت دنياي وآخرتي فلم يزالوا به حتى دعا عليهم فسلخه مما كان عليه فذلك قوله تعالى (فَاِنسَلَخَ مِنها).
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص وزيد بن أسلم: نزلت في أمية بن أبي الصلت الثقفي وكان قد قرأ الكتب وعلم أن الله مرسل رسول في ذلك الوقت ورجا أن يكون هو ذلك الرسول فلما أرسل محمد صلى الله عليه وآله وسلم حسده وكفر به.
وروى عكرمة عن ابن عباس في هذه الآية قال: هو رجل أعطي ثلاث دعوات يستجاب له فيها وكانت له امرأة يقال لها البسوس وكان له منها ولد وكانت له محبة فقالت: اجعل لي منها دعوة واحدة قال: لك واحدة فماذا تأمرين قالت: ادع الله أن يجعلني أجمل امرأة في بني إسرائيل فلما علمت أن ليس فيهم مثلها رغبت عنه وأرادت شيئاً آخر فدعا الله عليها أن يجعلها كلبة نباحة فذهبت فيها دعوتان وجاء بنوها فقالوا: ليس لنا على هذا قرار قد صارت أمنا كلبة نباحة يعيرنا بها الناس فادع الله أن يردها إلى الحال التي كانت عليها فدعا الله فعادت كما كانت وذهبت الدعوات الثلاث وهي البسوس وبها يضرب المثل في الشؤم فيقال: أشأم من البسوس.
قوله تعالى (يَسأَلُونَكَ عَنِ الساعَةِ أَيّانَ مُرساها) قال ابن عباس: قال جبل بن أبي قشير وشموال بن زيد من اليهود: يا محمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبياً فإنا نعلم متى هي فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال قتادة: قالت قريش لمحمد إن بيننا وبينك قرابة فأسر إلينا متى تكون الساعة فأنزل الله تعالى (يَسأَلُونَكَ عَنِ الساعَةِ).
أخبرنا أبو سعيد بن أبي بكر الوراق. قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان قال: حدثنا أبو يعلى قال: حدثنا عقبة بن مكرم قال: حدثنا يونس قال: حدثنا عبد الغفار بن القاسم عن أبان بن لقيط عن قرظة بن حسان قال: سمعت أبا موسى في يوم جمعة على منبر البصرة يقول: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة وأنا شاهد فقال: لا يعلمها إلا الله لا يجليها لوقتها إلا هو ولكن سأحدثكم بأشراطها وما بين يديها إن بين يديها ردماً من الفتن وهرجاً فقيل: وما الهرج يا رسول الله قال: هو بلسان الحبشة القتل وأن تحصر قلوب الناس وأن يلقى بينهم التناكر فلا يكاد أحداً يعرف أحداً ويرفع ذوو الحجى وتبقى رجاجة من الناس لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً.
قوله تعالى (قُل لّا أَملِكُ لِنَفسي نَفعاً وَلا ضَرّاً) الآية. قال الكلبي: إن أهل مكة قالوا: يا محمد ألا يخبرك ربك بالسعر الرخيص قبل أن يغلو فتشتري فتربح وبالأرض التي يريد أن تجدب فترحل عنها إلى ما قد أخصب فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (هُوَ الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ واحِدةٍ) إلى قوله تعالى (وَهُم يُخلَقونَ) قال مجاهد: كان لا يعيش لآدم وامرأته ولد فقال لهما الشيطان: إذا ولد لكما ولد فسمياه عبد الحرث وكان اسم الشيطان قبل ذلك الحرث ففعلا فذلك قوله تعالى (فَلَمّا أَتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُركاءَ) الآية.
قوله تعالى (وَإذا قُريءَ القُرآَنُ فَاِستَمِعوا لَهُ وَأَنصِتوا). أخبرنا أبو منصور المنصوري قال: أخبرنا عبد الله بن عامر قال: حدثني زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة في هذه الآية (وإِذا قُريءَ القُرآَنُ) قال: نزلت في رفع الأصوات وهم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة.
وقال قتادة: كانوا يتكلمون في صلاتهم في أول ما فرضت كان الرجل يجيء فيقول لصاحبه: كم صليتم فيقول كذا وكذا فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الزهري: نزلت في فتى من الأنصار كان رسول الله عليه الصلاة والسلام كلما قرأ شيئاً قرأ هو فنزلت هذه الآية.
وقال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة المكتوبة وقرأ أصحابه وراءه رافعين أصواتهم فخلطوا عليه فنزلت هذه الآية.
وقال سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وعمرو بن دينار وجماعة: نزلت في الإنصات للإمام في الخطبة يوم الجمعة.
اسباب النزول (سورة الانفال)
سورة الأنفال
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم قوله تعالى (يَسئَلونَكَ عَنِ الأَنفالِ قُلِ الأَنفالُ للهِ وَالرَسولِ) الآية. أخبرنا أبو سعد النضروي قال: أخبرنا أبو بكر القطيعي قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا أبو إسحاق الشيباني عن محمد بن عبد الله الثقفي عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم بدر قتل أخي عمير وقتل سعيد بن العاص وأخذت سيفه وكان يسمى ذا الكثيفة فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم قال: اذهب فاطرحه في القبض قال: فرجعت وبي مالا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي فما جاوزت إلا قريباً حتى نزلت سورة الأنفال فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. اذهب فخذ سيفك.
وقال عكرمة عن ابن عباس: لما كان يوم بدر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من فعل كذا وكذا فله كذا وكذا فذهب شباب الرجال وجلس الشيوخ تحت الرايات فلما كانت الغنيمة جاء الشباب يطلبون نفلهم فقال الشيوخ: لا تستأثروا علينا فإنا كنا تحت الرايات ولو انهزمتم كنا لكم ردءاً فأنزل الله تعالى (يَسأَلونَكَ عَنِ الأَنفالِ) فقسمها بينهما بالسواء.
أخبرنا أبو بكر الحارث قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: حدثنا أبو يحيى قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا يحيى بن زائدة عن ابن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحرث عن سليمان بن موسى الأشدق عن ابن مكحول عن أبي سلام الباهلي عن أبي أمامة الباهلي عن عبادة بن الصامت قال: لما هزم العدو يوم بدر واتبعتهم طائفة يقتلونهم وأحدقت طائفة برسول الله عليه الصلاة والسلام واستولت طائفة على العسكر والنهب فلما نفى الله العدو ورجع الذين طلبوهم وقالوا: لنا النفل بحسن طلبنا العدو وبنا نفاهم وهزمهم وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: والله ما أنتم بأحق به منا نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينال العدو منه غرة فهو لنا وقال الذين استولوا على العسكر والنهب: والله ما أنتم بأحق به منا نحن أخذناه واستولينا عليه فهو لنا فأنزل الله تعالى (يَسأَلونَكَ عَنِ الأَنفالِ) فقسمه رسول الله عليه الصلاة والسلام بالسوية.
قوله تعالى (وَما رَمَيتَ إِذ رَمَيتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمى) أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد العطار قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد البياع قال: أخبرني إسماعيل بن محمد بن الفضل الشعراني قال: حدثني جدي قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال: حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: أقبل أبي بن خلف يوم أحد إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريده فاعترض له رجال من المؤمنين فأمرهم رسول الله عليه الصلاة والسلام فخلوا سبيله فاسقبله مصعب بن عمير أحد بني عبد الدار ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترقوة أبي من فرجة بين سابغة البيضة والدرع فطعنه بحربته فسقط أبي عن فرسه ولم يخرج من طعنته دم وكسر ضلعاً من أضلاعه فأتاه أصحابه وهو يخور خوار الثور فقالوا له: ما أعجزك إنما هو خدش فقال: والذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين فمات أبي إلى النار فسحقاً لأصحاب السعير قبل أن يقدم مكة فأنزل الله تعالى ذلك (وَما رَمَيتَ إِذ رَمَيتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمى).
وروى صفوان بن عمرو عن عبد العزيز بن جبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر دعا بقوس فأتى بقوس طويلة فقال: جيئوني بقوس غيرها فجاءوه بقوس كبداء فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحصن فأقبل السهم يهوي حتى قتل كنانة بن أبي الحقيق وهو على فراشه فأنزل الله تعالى (وَما رَمَيتَ إِذ رَمَيتَ وَلَكِنّ اللهَ رَمى).
وأكثر أهل التفسير أن الآية نزلت في رمي النبي عليه الصلاة والسلام القبضة من حصباء الوادي يوم بدر حين قال للمشركين: شاهت الوجوه ورماهم بتلك القبضة فلم يبق عين مشرك إلا دخلها منه شيء.
قال حكيم بن حزام: لما كان يوم بدر سمعنا صوتاً وقع من السماء إلى الأرض كأنه صوت حصاة وقعت في طست ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الحصاة فانهزمنا فذلك قوله تعالى (وَما رَمَيتَ إِذ رَمَيتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمى).
قوله تعالى (إِن تَستَفتِحوا فَقَد جاءَكُمُ الفَتحُ) أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل التاجر قال: أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ قال: حدثنا محمد بن يحيى: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال: حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب قال:
حدثني عبد الله بن ثعلبة بن صغير قال: كان المستفتح أبا جهل وإنه قال حين التقى بالقوم: اللهم أينا كان أقطع للرحم وأتانا بما لم نعرف فافتح له الغداة وكان ذلك استفتاحه فأنزل الله تعالى (إِن تَستَفتِحوا فَقَد جاءَكُم) إلى قوله (وَإِنَّ اللهَ مَعَ المُؤمِنينَ) رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن القطيعي عن ابن حنبل عن أبيه عن يعقوب.
قال السدي والكلبي: كان المشركون حين خرجوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من مكة أخذوا بأستار الكعبة وقالوا: اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين وأفضل الدينين فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال عكرمة: قال المشركون: اللهم لا نعرف ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام فافتح بيننا وبينه بالحق فأنزل الله تعالى (إِن تَستَفتِحوا) الآية.
قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لّا تَخونوا اللهَ وَالرَسولَ) الآية. نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاري وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر يهود قريظة - إحدى وعشرين ليلة فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح على ما صالح عليه إخوانهم من بني النضير على أن يسيروا إلى إخوانهم بأذرعات وأريحا من أرض الشام فأبى أن يعطيهم ذلك إلى أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ فأبوا وقالوا: أرسل إلينا أبا لبابة وكان مناصحاً لهم لأن عياله وماله وولده كانت عندهم فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم فقالوا: يا أبا لبابة ما ترى أننزل على حكم سعد بن معاذ فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه أنه الذبح فلا تفعلوا قال أبو لبابة: والله ما زالت قدماي حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله فنزلت فيه هذه الآية فلما نزلت شد نفسه على سارية من سواري المسجد وقال: والله لا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى أموت أو يتوب الله علي فمكث سبعة أيام لا يذوق فيها طعاماً حتى خر مغشياً عليه ثم تاب الله عليه فقيل له: يا أبا لبابة قد تيب عليك لا والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني فجاءه فحله بيده ثم قال أبو لبابة: إن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من مالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجزيك الثلث أن تتصدق به.
قوله تعالى (وَإِذ قالُوا اَللَّهُمَّ إِن كانَ هَذا هُوَ الحَقَّ) الآية. قال أهل التفسير: نزلت في النضر بن الحارث وهو الذي قال: إن كان ما يقوله محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء.
أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: حدثنا محمد بن يعقوب الشيباني قال: حدثنا أحمد بن النضر بن عبد الوهاب قال: حدثنا عبيد الله بن معاذ قال: حدثنا أبي قال: حدثنا شعبة عن عبد الحميد صاحب الزيادي سمع أنس بن مالك يقول: قال أبو جهل: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فنزل (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فيهِم) الآية. ورواه البخاري عن أحمد بن قوله تعالى (وَما كانَ صَلاتُهُم عِندَ البَيتِ) أخبرنا أبو إسماعيل بن أبي عمرو النيسابوري قال: أخبرنا حمزة بن شبيب المعمري قال: أخبرنا عبيد الله بن إبراهيم بن بالويه قال: حدثنا أبو المنبيء معاذ بن المنبيء قال: حدثنا عمرو قال: وحدثنا أبي قال: حدثنا قرة عن عطية عن ابن عمرو قال: كانوا يطوفون بالبيت ويصفقون ووصف الصفق بيده ويصفقون ووصف صفيرهم ويضعون خدودهم بالأرض فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى (إِنَّ الَّذينَ كَفَروا يُنفِقونَ أَموالَهُم لِيَصُدّوا عَن سَبيلِ اللهِ) الآية. قال مقاتل. والكلبي: نزلت في المطعمين يوم بدر وكانوا اثني عشر رجلاً أبو جهل بن هشام وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ونبيه ومنبه ابنا حجاج وأبو البحتري بن هشام والنضر بن الحارث وحكيم بن حزام وأبي بن خلف وزمعة بن الأسود والحرث بن عامر بن نوفل والعباس بن عبد المطلب وكلهم من قريش وكان يطعم كل واحد منهم كل يوم عشرة جزور.
وقال سعيد بن جبير وابن بزى: نزلت في أبي سفيان بن حرب استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش يقاتل بهم النبي صلى الله عليه وسلم سوى من استجاب له من العرب وفيهم يقول كعب بن مالك:
فَجِئنا إِلى مَـوجٍ مِـنَ الـبَحرِ وَسطَهُ
أَحابـيشُ مِـنـهُم حـاسِرٌ وَمُقَنَعُ
وقال الحكم بن عتبة: أنفق أبو سفيان على المشركين يوم أحد أربعين أوقية فنزلت فيه الآية.
وقال محمد بن إسحاق عن رجاله: لما أصيب قريش يوم بدر فرجع فلهم إلى مكة ورجع أبو سفيان بعيره مشى عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية في رجال من قريش أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير تجارة فقالوا: يا معشر قريش إن محمداً قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال الذي أفلت على حربه لعلنا ندرك منه ثأراً بمن أصيب منا ففعلوا فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
قوله تعالى (يا أَيُّها النَبِيُّ حَسبُكَ اللهُ وَمَن اِتَبَعكَ مِنَ المُؤمِنينَ) أخبرنا أبو بكر بن الحرث قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق قال: حدثنا صفوان بن المغلس قال: حدثنا إسحاق بن بشر قال: حدثنا خلف بن خليفة عن ابن هشام الزماني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وثلاثون رجلاً ثم إن عمر أسلم فصاروا أربعين فنزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى (يا أَيُّها النَبِيُّ حَسبُكَ اللهُ وَمَن اِتَبَعَكَ مِنَ المُؤمِنينَ).
قوله تعالى (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكونَ لَهُ أَسرى حَتّى يُثخِنَ في الأَرضِ) الآية. قال مجاهد: كان عمر بن الخطاب يرى الرأي فيوافق رأيه ما يجيء من السماء وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار في أسارى بدر فقال: المسلمون بنو عمك أفدهم قال عمر: لا يا رسول الله اقتلهم قال: فنزلت هذه الآية (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكونَ لَهُ أَسرى).
وقال ابن عمر: استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأسارى أبا بكر فقال: قومك وعشيرتك خل سبيلهم واستشار عمر فقال: اقتلهم ففاداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكونَ لَهُ أَسرى حَتّى يُثخِنَ في الأَرضِ) إلى قوله تعالى (فَكُلوا مِمّا غَنِمتُم حَلالاً طَيِّباً) قال: فلقي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كاد أن يصيبنا في خلافك بلاء.
أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري قال: أخبرنا حاجب بن أحمد قال: حدثنا محمد بن حماد قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: لما كان يوم بدر وجيء بالأسرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تقولون في هؤلاء الأسرى فقال أبو بكر: يا رسول الله قومك وأصلك استبقهم واستأن بهم لعل الله عز وجل يتوب عليهم وقال عمر كذبوك وأخرجوك فقدمهم فاضرب أعناقهم وقال عبد الله بن رواحة: انظر وادياً كثير الحطب فأدخلهم فيه ثم اضرم عليهم ناراً فقال العباس: قطعت رحمك فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجبهم ثم دخل فقال ناس: يأخذ بقول أبي بكر وقال ناس: يأخذ بقول عمر وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله ثم خرج عليهم فقال: إن الله عز وجل ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن وإن الله عز وجل ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة وأن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال (مَن تَبِعَني فَإِنَّهُ مِني وَمَن عَصاني فَإِنَّكَ غَفورٌ رَحيمٌ) وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال (إِن تُعَذِّبهُم فَإِنَّهُم عِبادُكُ وَإِن تَغفِر لَهُم فَإِنَّكَ أَنتَ العَزيزُ الحَكيمُ) وإن مثلك يا عمر كمثل موسى قال (رَبَّنا اِطمِس عَلى أَموالِهِم وَاِشدُد عَلى قُلُوبِهِم) ومثلك يا عمر كمثل نوح قال (رَّبِّ لا تَذَر عَلى الأَرضِ مِنَ الكافِرينَ دَيّاراً) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتم اليوم عالة أنتم اليوم عالة فلا ينقلبن منهم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق قال: فأنزل الله عز وجل (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكونَ لَهُ أَسرى حَتّى يُثخِنَ في الأَرضِ) إلى آخر الآيات الثلاث.
أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدثنا أبو نوح قراد قال: حدثنا عكرمة بن عمار قال: حدثنا سماك الحنفي أبو زميل قال: حدثني ابن عباس قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر والتقوا فهزم الله المشركين وقتل منهم سبعون رجلاً وأسر سبعون رجلاً استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعلياً فقال أبو بكر: يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضداً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ترى يا ابن الخطاب قال: قلت والله ما أرى ما رأى أبو بكر ولكن أن تمكنني من فلان قريب لعمر فأضرب عنقه وتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه حتى يعلم الله عز وجل أنه ليس في قلوبنا موادة للمشركين هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت فأخذ منهم الفداء فلما كان من الغد قال عمر: غدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو قاعد وأبو بكر الصديق وإذا هما يبكيان فقلت: يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبكي للذي عرض على أصحابك من الفداء لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة وأنزل الله عز وجل (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكونَ لَهُ أَسرى حَتّى يُثخِنَ في الأَرضِ) إلى قوله (لَّولا كِتابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَكُم فيما أَخَذتُم) - من الفداء - (عَذابٌ عَظيمٌ). رواه مسلم في الصحيح عن هناد بن السري عن ابن المبارك عن عكرمة بن عمارة. قوله تعالى (يا أَيُّها النَبِيُّ قُل لِّمَن في أَيدِيَكُم مِّنَ الأَسرى) الآية. قال الكلبي: نزلت في العباس بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحرث وكان العباس أسر يوم بدر ومعه عشرون أوقية من الذهب كان خرج بها معه إلى بدر ليطعم بها الناس وكان أحد العشرة الذين ضمنوا إطعام أهل بدر ولم يكن بلغته النوبة حتى أسر فأخذت معه وأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم منه قال: فكلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لي العشرين الأوقية الذهب التي أخذها مني من فدائي فأبى علي وقال: إما شيء خرجت تستعين به علينا فلا وكفلني فداء ابن أخي عقيل بن أبي طالب عشرين أوقية من فضة فقلت له: تركتني والله أسال قريشاً بكفي والناس ما بقيت قال: فأين الذهب الذي دفعته إلى أم الفضل مخرجك إلى بدر وقلت لها: إن حدث بي حدث في وجهي هذا فهو لك ولعبد الله والفضل وقثم قال: قلت وما يدريك قال: أخبرني الله بذلك قال: أشهد أنك لصادق وإني قد دفعت إليها ذهباً ولم يطلع عليها أحد إلا الله فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله قال العباس: فأعطاني الله خيراً مما أخذ مني كما قال: عشرين عبداً كلهم يضرب بمال كبير مكان العشرين أوقية وأنا أرجو المغفرة من ربي
اسباب النزول (سورة التوبة )
سورة التوبة
قوله تعالى (وَإِن نَكَثوا أَيمانَهُم مِن بَعدِ عَهدِهِم وَطَعَنوا في دينِكُم فَقاتِلوا أَئَّمَةَ الكُفرِ) قال ابن عباس: نزلت في أبي سفيان بن حرب والحرث بن هشام وسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل وسائر رؤساء قريش الذين نقضوا العهد وهم الذين هموا بإخراج الرسول.
قوله تعالى (ما كانَ لِلمُشرِكينَ أَن يَعمُروا مَساجِدَ اللهِ) قال المفسرون لما أسر العباس يوم بدر أقبل عليه المسلمون فعيروه بكفره وقطيعة الرحم وأغلظ علي له القول فقال العباس: ما لكم تذكرون مساوينا ولا تذكرون محاسننا فقال له علي: ألكم محاسن قال: نعم إنا لنعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونسقي الحاج ونفك العاني فأنزل الله عز وجل رداً على العباس (ما كانَ لِلمُشرِكينَ أَن يَعمُروا) الآية.
قوله تعالى \" أَجَعَلتُم سِقايَةِ الحاجِّ) الآية. أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي رحمه الله قال: أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله المنادي قال: أخبرنا أبو داود سليمان بن الأشعث قال: حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي قال: حدثنا معاوية بن سلام عن زيد بن سلام عن أبي سلام قال: حدثنا معمر بن بشير قال: كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد أن أسقي الحاج وقال الآخر: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد أن أعمر المسجد الحرام وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوم الجمعة ولكني إذا صليت دخلت فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اختلفتم فيه ففعل فأنزل الله تعالى (أَجَعَلتُم سِقايَةَ الحاجِّ وَعِمارَةِ المَسجِدِ الحَرامِ) إلى قوله تعالى (وَاللهُ لا يَهدي القَومَ الظالِمينَ). رواه مسلم عن الحسن بن علي الحلواني عن أبي توبة.
وقال ابن عباس في رواية الوالبي: قال العباس بن عبد المطلب حين أسر يوم بدر: لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقي الحاج ونفك العاني فأنزل الله تعالى (أَجَعَلتُم سِقايَةَ الحاجِّ وَعِمارَةَ المَسجِدِ الحَرامِ) الآية.
وقال الحسن والشعبي والقرظي: نزلت الآية في علي والعباس وطلحة بن شيبة وذلك أنهم افتخروا فقال طلحة: أنا صاحب البيت بيدي مفتاحه وإلي ثياب بيته وقال العباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها وقال علي ما أدري ما تقولان لقد صليت ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال ابن سيرين ومرة الهمذاني: قال علي للعباس: ألا تهاجر ألا تلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألست في أفضل من الهجرة ألست أسقي حاج بيت الله وأعمر المسجد الحرام فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى (يا أُيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَتَّخِذوا آَباءَكُم وَإِخوانَكُم) الآية قال الكلبي: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة جعل الرجل يقول لأبيه وأخيه وامرأته: إنا قد أمرنا بالهجرة فمنهم من يسرع إلى ذلك ويعجبه ومنهم من يتعلق به زوجته وعياله وولده فيقولون: نشدناك الله أن تدعنا إلى غير شيء فنضيع فيرق فيجلس معهم ويدع الهجرة فنزلت يعاتبهم (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَتَّخِذوا آَباءَكُم وَإِخوانَكُم) الآية. ونزلت في الذين تخلفوا بمكة ولم يهاجروا قوله تعالى (قُل إِن كانَ آَباؤُكُم وَأَبناؤُكُم) إلى قوله (فَتَرَبَّصوا حَتّى يَأَتِيَ اللهُ بِأَمرِهِ) يعني القتال وفتح مكة.
قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا إِن كَثيراً مِنَ الأَحبارِ وَالرُهبانِ لَيَأَكُلونَ أَموالَ الناسِ بِالباطِلِ) نزلت في العلماء والقراء من أهل الكتاب كانوا يأخذون الرشا من سفلتهم وهي المأكل التي كانوا يصيبونها من عوامهم.
قوله تعالى (وَالَّذينَ يَكنِزونَ الذَهَبَ وَالفِضَّة وَلا يُنفِقونَها في سَبيلِ اللهِ) الآية. أخبرنا أبو إسحاق المقري قال: أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم قال: حدثنا محمد بن نصير قال: حدثنا عمرو بن زرارة قال: حدثنا هشيم قال: حدثنا حصين عن زيد بن وهب قال: مررت بالزبدة فإذا أنا بأبي ذر فقلت له: ما أنزلك هذا قال: كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية (وَالَّذينَ يَكنِزونَ الذَهبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنفِقونَها في سَبيلِ اللهِ) فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب فقلت: نزلت فينا وفيهم وكان بيني وبينه كلام في ذلك وكتب إلى عثمان يشكو مني وكتب إلي عثمان أن أقدم المدينة فقدمتها وكثر الناس علي حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك فذكرت ذلك لعثمان فقال إن شئت تنحيت وكنت قريباً فذلك الذي أنزلني هذا المنزل ولو أمروا علي حبشياً لسمعت وأطعت رواه البخاري عن قيس عن جرير عن حصين. ورواه أيضاً عن علي عن هشيم.
والمفسرون أيضاً مختلفون فعند بعضهم أنها في أهل الكتاب خاصة. وقال السدي: هي في أهل القبلة. وقال الضحاك: هي عامة في أهل الكتاب والمسلمين. قال وقال عطاء ابن عباس في قوله تعالى (وَالَّذينَ يَكنِزونَ الذَهَبَ وَالفِضَّةَ) قال: يريد من المؤمنين.
أخبرنا أبو الحسين أحمد بن إبراهيم النجار قال: حدثنا سليمان بن أيوب الطبراني قال: حدثنا محمد بن داود بن صدقة قال: حدثنا عبد الله بن معافى قال: حدثنا شريك عن محمد بن عبد الله المرادي عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي جعدة عن ثوبان قال: لما نزلت (وَالَّذينَ يَكنِزونَ الذَهَبَ وَالفِضَّةَ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تباً للذهب والفضة قالوا: يا رسول الله فأي المال نكنز قال: قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً وزوجة صالحة.
قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا ما لَكُم إِذا قيلَ لَكُم اِنفِروا) الآية. نزلت في الحث على غزوة تبوك وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من الطائف وغزوة حنين أمر بالجهاد لغزو الروم وذلك في زمان عسرة من البأس وجدب من البلاد وشدة من الحر حين أخرقت النخل وطابت الثمار فعظم على الناس غزو الروم وأحبوا الظلال والمقام في المساكن والمال وشق عليهم الخروج إلى القتال فلما علم الله تثاقل الناس أنزل هذه الآية.
قوله تعالى (اِنفِروا خِفافاً وَثِقالاً) نزلت في الذين اعتذروا بالضيعة والشغل وانتشار الأمر فأبى الله أن يعذرهم دون أن ينفروا على ما كان منهم.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال: حدثنا إبراهيم بن علي قال: حدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن جدعان عن أنس قال: قرأ أبو طلحة (اِنفِروا خِفافاً وَثِقالاً) فقال: ما أسمع الله عذر أحداً فخرج مجاهداً إلى الشام حتى مات.
وقال السدي: جاء المقداد بن الأسود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عظيماً ثميناً فشكا إليه وسأله أن يأذن له فنزلت فيه (اِنفِروا خِفافاً وَثِقالاً) فلما نزلت هذه الآية اشتد شأنها على الناس فنسخها الله تعالى وأنزل (لَّيسَ عَلى الضُعفاءِ وَلا عَلى المَرضى) الآية ثم أنزل في المتخلفين عن غزوة تبوك من المنافقين قوله تعالى (لَو كانَ عَرَضاً قَريباً) الآية. وقوله تعالى (لَو خَرَجوا فيكُم مّا زادُوكُم إِلا خَبالاً) وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج عسكره على ثنية الوداع وضرب عبد الله بن أبي عسكره على ذي حده أسفل من ثنية الوداع ولم يكن بأقل العسكرين فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عنه عبد الله بن أبي بمن تخلف من المنافقين وأهل الريب فأنزل الله تعالى يعزي نبيه (لَو خَرَجوا فيكُم مّا زادُوكُم إِلّا خَبالاً) الآية.
قوله تعالى (وَمِنهُم مَّن يَقُولُ اِئذَن لّي) الآية. نزلت في جد بن قيس المنافق وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تجهز لغزوة تبوك قال له: يا أبا وهب هل لك في جلاد بني الأصفر تتخذ منهم سراري ووصفاء فقال: يا رسول الله لقد عرف قومي أني رجل مغرم بالنساء وأني خشيت إن رأيت بنات الأصفر أن لا أصبر عنهن فلا تفتني بهن وائذن لي في القعود عنك وأعينك بمالي فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: قد أذنت لك فأنزل الله هذه الآية فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني سلمة وكان الجد منهم: من سيدكم يا بني سلمة قالوا: الجد بن قيس غير أنه بخيل جبان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وأي داء أدوأ من البخل بل سيدكم الأبيض الفتى الجعد بشر بن البراء بن معرور فقال
وَقـالَ رَسـولُ الـلـهِ وَالحَقُّ لاحِقٌ
بِـمَّـن قالَ مِنا مَن تَعُدّونَ سَيّدا
فَقُلنا لَـهُ جَـدُّ ِبـنُ قَـيسٍ عَلى الَّذي
نُـبَـخِّـلُهُ فينا وَإِن كانَ أَنكَدا
فَـقـالَ وَأَيُّ الـداءِ أَدوى مِنَ الَّـذي
رَمَـيتُم بِهِ جَـدّاً وَعالى بِها يَدا
وَسُـوِّدَ بِـشـرُ ِبـنُ الـبَـراءِ بِـجُودِهِ
وُحُـقَّ لِـبِـشـرٍ ذِى الـنَدا أَن يُسَوَّدا
وَقالَ خُـذوهُ إِنَّـهُ عــائِدٌ غَــدا إِذا مـا أَتـاهُ الـوَفـدُ أَنـهَـبَ مـالَهُ
وما بعد هذه الآية كلها للمنافقين إلى قوله تعالى (إِنَّما الصَدَقاتُ لِلفُقراءِ) الآية.
قوله تعالى (وَمِنهُم مَن يَلمِزُكَ في الصَدَقاتِ) الآية. أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي قال: حدثنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم قسماً إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التميمي وهو حرقوص بن زهير أصل الخوارج فقال أعدل فينا يا رسول الله فقال: ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل فنزلت (وَمِنهُم مَن يَلمِزُكَ في الصَدَقاتِ) الآية. رواه البخاري عن عبيد بن محمد عن هشام عن معمر.
وقال الكلبي: نزلت في المؤلفة قلوبهم وهم المنافقون قال رجل يقال له أبو الخواصر للنبي عليه قوله تعالى (وَمِنهُم الَّذينَ يُؤذونَ النَبِيَّ وَيَقولونَ هُوَ أُذُنٌ) الآية. نزلت في جماعة من المنافقين كانوا يؤذون الرسول ويقولون ما لا ينبغي قال بعضهم: لا تفعلوا فإنا نخاف أن يبلغه ما تقولون فيقع بنا فقال الجلاس بن سويد نقول ما شئنا ثم نأتيه فيصدقنا بما نقول فإنما محمد أذن سامعة فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال محمد بن إسحاق بن يسار وغيره نزلت في رجل من المنافقين يقال نبتل بن الحارث وكان رجلاً أذلم أحمر العينين أسفع الخدين مشوه الخلقة وهو الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أراد أن ينظر الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث وكان ينم حديث النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنافقين فقيل له: لا تفعل فقال: إنما محمد أذن من حدثه شيئاً صدقه نقول ما شئنا ثم نأتيه فنحلف له فيصدقنا فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال السدي: اجتمع ناس من المنافقين فيهم جلاس بن سويد بن الصامت ووديعة بن ثابت فأرادوا أن يقعوا في النبي صلى الله عليه وسلم وعندهم غلام من الأنصار يدعى عامر بن قيس فحقروه فتكلموا وقالوا: لئن كان ما يقوله محمداً حقاً لنحن أشر من الحمير ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فدعاهم فسألهم فحلفوا أن عامراً كاذب وحلف عامر أنهم كذبة وقال: اللهم لا تفرق بيننا حتى تبين صدق الصادق من كذب الكاذب فنزلت فيهم (وَمِنهُم الَّذينَ يُؤذونَ النَبِيَّ) ونزل قوله (يَحلِفونَ بِاللهِ لَكُم لِيُرضوكُم).
قوله تعالى (يَحذَرُ المُنافِقونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيهِم سُورةً تُنَبِّئُهُم) الآية. قال السدي: قال بعض المنافقين: والله لوددت أني قدمت فجلدت مائة جلدة ولا ينزل فينا شيء يفضحنا فأنزل الله هذه الآية. وقال مجاهد: كانوا يقولون القول بينهم ثم يقولون عسى الله أن لا يفشي علينا سرنا.
قوله تعالى (وَلَئِن سأَلتَهُم لَيَقولُنَّ إِنَّما كُنّا نَخوضُ وَنَلعَبُ) قال قتادة: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وبين يديه ناس من المنافقين إذ قالوا: يرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها هيهات له ذلك فأطلع الله نبيه على ذلك فقال نبي الله: اجلسوا على الركب فأتاهم فقال: قلتم كذا وكذا فقالوا: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال زيد بن أسلم ومحمد بن وهب: قال رجل من المنافقين في غزوة تبوك: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال عوف بن مالك: كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب عوف ليخبره فوجد القرآن قد سبقه فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته فقال: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ونتحدث بحديث الركب نقطع به عنا الطريق.
أخبرنا أبو نصير محمد بن عبد الله الجوزقي أخبرنا بشر بن أحمد بن بشر حدثنا أبو جعفر محمد بن موسى الحلواني حدثنا محمد بن ميمون الخياط حدثنا إسماعيل بن داود المهرجاني حدثنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال: رأيت عبد الله بن أبي يسر قدام النبي صلى الله عليه وسلم والحجارة تنكته وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون.
قوله تعالى (يَحلِفونَ بِاللهِ ما قالُوا) الآية. قال الضحاك: خرج المنافقون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك وكانوا إذا خلا بعضهم ببعض سبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وطعنوا في الدين فنقل ما قالوا حذيفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أهل النفاق ما هذا الذي بلغني عنكم فحلفوا ما قالوا شيئاً من ذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية كذاباً لهم.
وقال قتادة ذكر لنا أن رجلين اقتتلا رجلاً من جهينة ورجلاً من غفار فظهر الغفاري على الجهيني فنادى عبد الله بن أبي يا بني الأوس انصروا أخاكم فوالله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك فوالله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فسمع بها رجل من المسلمين فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فأرسل إليه فجعل قوله تعالى (وَهَمُّوا بِما لَم يَنالوا) قال الضحاك: هموا أن يدفعوا ليلة العقبة وكانوا قوماً قد أجمعوا على أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم معه يلتمسون غرته حتى أخذ في عقبة فتقدم بعضهم وتأخر بعضهم وذلك كان ليلاً قالوا: إذا أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي وكان قائده في تلك الليلة عمار بن ياسر وسائقه حذيفة فسمع حذيفة وقع أخفاف الإبل فالتفت فإذا هو بقوم متلثمين فقال: إليكم يا أعداء الله فأمسكوا ومضى النبي عليه الصلاة والسلام حتى نزل منزله الذي أراد فأنزل الله تعالى قوله (وَهَمُّوا بِما لَم يَنالوا).
قوله تعالى (وَمِنهُم مَّن عاهَدَ اللهَ) الآية. أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن الفضل حدثنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر قال: حدثنا أبو عمران موسى بن سهل الحوني قال: حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا محمد بن شعيب قال: حدثنا معاذ بن رفاعة السلمي عن أبي عبد الملك علي بن يزيد أنه أخبره عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة الباهلي أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه ثم قال مرة أخرى: أما ترضى أن تكون مثل نبي الله فوالذي نفسي بيده لو شئت أن تسيل معي الجبال فضة وذهباً لسالت فقال: والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله أن يرزقني مالاً لأوتين كل ذي حق حقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم ارزق ثعلبة مالاً فاتخذ غنماً فنمت كما ينمو الدود فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها فنزل وادياً من أوديتها حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة ويترك ما سواهما ثم نميت وكثرت حتى ترك الصلاة إلى الجمعة وهي تنمو كما ينمو الدود حتى ترك الجمعة فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما فعل ثعلبة فقالوا: اتخذ غنماً وضاقت عليه المدينة وأخبروه بخبره فقال: يا ويح ثعلبة ثلاثاً وأنزل الله عز وجل (خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةٌ تُطَهِرَهُم وَتُزكيهِم بِها) وأنزل فرائض الصدقة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين على الصدقة رجلاً من جهينة ورجلاً من بني سليم وكتب لهما كيف يأخذان الصدقة وقال لهما: مرا بثعلبة وبفلان رجل من بني سليم فخذا صدقاتهما فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدقة وأقرآه كتاب رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: ما هذه إلا جزية ما هذه إلا أخت الجزية ما أدري ما هذا انطلقا حتى تفرغا ثم عودا إلي فانطلقا وأخبرا السلمي فنظر إلى خيار أسنان إبله فعزلها للصدقة ثم استقبلهم بها فلما رأوها قالوا: ما يجب هذا عليك وما نريد أن نأخذه منك قال: بلى خذوه فإن نفسي بذلك طيبة وإنما هي إبلي فأخذوها منه فلما فرغا من صدقتهما رجعا حتى مرا بثعلبة فقال أروني كتابكما أنظر فيه فقال: ما هذه إلا أخت الجزية انطلقا حتى أرى رأيي فانطلقا حتى أتيا النبي عليه الصلاة والسلام فلما رآهما قال: يا ويح ثعلبة قبل أن يكلمهما ودعا للسلمي بالبركة وأخبروه بالذي صنع ثعلبة والذي صنع السلمي فأنزل الله عز وجل (وَمِنهُم مَن عاهَدَ اللهَ لَئِن آَتانا مِن فَضلِهِ لَنَصَّدَقَنَّ) إلى قوله تعالى (وَبِما كانوا يَكذِبونَ) وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة فسمع ذلك فخرج حتى أتى ثعلبة فقال: ويحك يا ثعلبة قد أنزل الله فيك كذا وكذا فخرج ثعلبة حتى أتى النبي عليه الصلاة والسلام فسأله أن يقبل منه صدقته فقال: إن الله قد منعني أن أقبل صدقتك فجعل يحثو التراب على رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا عملك قد أمرتك فلم تطعني فلما أبى أن يقبل منه شيئاً رجع إلى منزله وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبل منه شيئاً ثم أتى أبا بكر رضي الله عنه حين استخلف فقال: قد علمت منزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضعي من الأنصار فاقبل صدقتي فقال: لم يقبلها رسول الله وأنا أقبلها فقبض أبو بكر وأبى أن يقبلها فلما ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتاه فقال: يا أمير المؤمنين اقبل صدقتي فقال: لم يقبلها رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا أبو بكر أنا أقبلها منك فلم يقبضها وقبض عمر رضي الله عنه ثم ولي عثمان رضي الله عنه فأتاه فسأله أن يقبل صدقته فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبلها ولا أبو بكر ولا عمر وأنا أقبلها فلم يقبلها عثمان فهلك ثعلبة قوله تعالى (الَّذينَ يَلمِزونَ المُطَّوِّعينَ مِنَ المُؤمِنينَ في الصَدَقاتِ) الآية. أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر أخبرنا أبو علي الفقيه أخبرنا أبو علي محمد بن سليمان المالكي قال: حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله العجلي حدثنا شعبة عن سليمان عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: لما نزلت آية الصدقة جاء رجل فتصدق بصاع فقالوا: إن الله لغني عن صاع هذا فنزلت (الَّذينَ يَلمِزونَ المُطَّوِّعينَ مِنَ المُؤمِنينَ في الصَدَقاتِ وَالَّذينَ لا يَجِدونَ إِلّا جُهدَهُم) رواه البخاري عن أبي قدامة عبيد الله بن سعيد عن أبي النعمان. وقال قتادة وغيره: حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم وقال: يا رسول الله مالي ثمانية آلاف جئتك بنصفها فاجعلها في سبيل الله وأمسكت نصفها لعيالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت فبارك الله في مال عبد الرحمن حتى أنه خلف امرأتين يوم مات فبلغ ثمن ماله لهما مائة وستين ألف درهم وتصدق يومئذ عاصم بن عدي بن العجلان بمائة وسق من تمر وجاء أبو عقيل الأنصاري بصاع من تمر وقال: يا رسول الله بت ليلتي أجر بالجرير أحبلاً حتى نلت صاعين من تمر فأمسكت أحدهما لأهلي وأتيتك بالآخر فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينثره في الصدقات فلمزهم المنافقون وقالوا: ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلا رياء وإن كان الله ورسوله غنيين عن صاع أبي عقيل ولكنه أحب أن يزكي نفسه فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحدٍ مِّنهُم مّاتَ أَبَداً). حدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد الواعظ إملاء أخبرنا يوسف بن عاصم الرازي حدثنا العباس بن الوليد النرسي حدثنا يحيى بن سعيد القطان حدثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى رسول الله صلوات الله عليه وقال: أعطني قميصك حتى أكفنه فيه وصل عليه واستغفر له فأعطاه قميصه ثم قال: آذني حتى أصلي عليه فآذنه فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر بن الخطاب وقال: أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين فقال: أنا بين خيرتين أستغفر لهم أو لا أستغفر ثم نزلت عليه هذه الآية (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِّنهُم مّات أَبَداً وَلا تُقِم عَلى قَبرِهِ) فترك الصلاة عليهم رواه البخاري عن مسدد ورواه مسلم عن أبي قدامة عبيد الله بن أبي سعيد كلاهما عن يحيى بن سعيد.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصراباذي أخبرنا أبو بكر بن مالك القطيعي حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي عن محمد بن إسحاق حدثني الزهري عن عبد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: لما توفي عبد الله بن أبي دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه فقام إليه فلما وقف عليه يريد الصلاة عليه تحولت حتى قمت في صدره فقلت: يا رسول الله أعلى عدو الله عبد الله بن أبي القائل يوم كذا وكذا كذا أعدد أيامه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم حتى إذا كثرت عليه قال: أخر عني يا عمر إني خيرت فاخترت قد قيل لي (اِستَغفِر لَهُم أَو لا تَستَغفِر لَهُم إِن تَستَغفِر لَهُم سَبعينَ مَرَّةً فَلَن يَغفِرَ اللهُ لَهُم) لو علمت أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت قال: صلى صلى الله عليه وسلم ومشى معه فقام على قبره حتى فرغ منه قال: فعجبت لي وجراءتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ورسوله أعلم. قال: فوالله ما كان إلا يسيراً حتى نزل (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِّنهُم مّاتَ أَبَداً وَلا تُقِم عَلى قَبرِهِ) الآية. فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق ولا قام على قبره حتى قبضه الله تعالى. قال المفسرون: وكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما فعل بعبد الله بن أبي فقال: وما يغني عنه قميصي وصلاتي من الله والله إني كنت أرجو أن يسلم به ألف من قومه.
قوله تعالى (وَلا عَلى الَّذينَ إِذا ما أَتَوكَ لِتَحمِلَهُم) نزلت في البكائين وكانوا سبعة معقل بن يسار وصخر بن خنيس وعبد الله بن كعب الأنصاري وسالم بن عمير وثعلبة بن غنمة وعبد الله بن مغفل أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا نبي الله إن الله عز وجل قد ندبنا للخروج معك فاحملنا على الخفاف المرفوعة والنعال المخصوفة نغزو معك فقال: لا أجد ما أحملكم عليه فتولوا وهم يبكون. وقال مجاهد: نزلت في بني مقرن معقل وسويد والنعمان.
قوله تعالى (الأَعرابُ أَشَدُّ كُفراً وَنِفاقاً) نزلت في أعاريب من أسد وغطفان وأعاريب من أعاريب حاضري المدينة.
قوله تعالى (وَمِمَّن حَولَكُم مِّنَ الأَعرابِ مُنافِقونَ) قال الكلبي: نزلت في جهينة ومزينة وأشجع وأسلم وغفار من أهل المدينة يعني عبد الله بن أبي وجد بن قيس ومعتب بن بشير والجلاس بن سويد وأبي عامر الراهب.
قوله تعالى (وَآَخَرونَ اِعتَرَفوا بِذُنوبِهِم) قال ابن عباس في رواية ابن الوالبي: نزلت في قوم كانوا قد تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ثم ندموا على ذلك وقالوا: نكون في الكن والظلال مع النساء ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الجهاد والله لنوثقن أنفسنا بالسواري فلا نطلقها حتى يكون الرسول هو يطلقها ويعذرنا وأوثقوا أنفسهم بسواري المسجد فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بهم فرآهم فقال: من هؤلاء قالوا: هؤلاء تخلفوا عنك فعاهدوا الله أن لا يطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت الذي تطلقهم وترضى عنهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى أؤمر بإطلاقهم رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين فأنزل الله تعالى هذه الآية فلما نزلت أرسل إليهم النبي صلوات الله عليه وأطلقهم وعذرهم فلما أطلقهم قالوا: يا رسول الله هذه أموالنا التي خلفتنا عنك فتصدق بها عنا وطهرنا واستغفر لنا فقال: ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئاً فأنزل الله عز وجل (خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم) الآية. وقال ابن عباس: كانوا عشرة رهط.
قوله تعالى (وَآَخَرونَ مُرجونَ لأَمرِ اللهِ) الآية. نزلت في كعب بن مالك ومرارة بن الربيع أحد بني عمرو بن عوف وهلال بن أمية من بني واقف تخلفوا عن غزوة تبوك وهم الذين ذكروا في قوله تعالى (وَعَلى الثَلاثَةِ الَّذينَ خُلِّفوا) الآية.
قوله تعالى (وَالَّذينَ اِتَّخَذوا مَسجِداً ضِراراً وَكُفراً) قال المفسرون: إن بني عمرو بن عوف اتخذوا مسجد قباء وبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم فأتاهم فصلى فيه فحسدهم إخوتهم بنو عمرو بن عوف وقالوا: نبني مسجداً ونرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي فيه كما يصلي في مسجد إخواننا وليصل فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام وكان أبو عامر قد ترهب في الجاهلية وتنصر ولبس المسوح وأنكر دين الحنيفية لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعاداه وسماه النبي عليه الصلاة والسلام أبا عامر الفاسق وخرج إلى الشام وأرسل إلى المنافقين أن استعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح وابنوا لي مسجداً فإني ذاهب إلى قيصر فآتي بجند الروم فأخرج محمداً وأصحابه فبنوا مسجداً إلى جنب مسجد قباء وكان الذي بنوه اثني عشر رجلاً حزام بن خالد ومن داره أخرج إلى المسجد وثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشير وأبو حبيبة بن الأرعد وعباد بن حنيف وحارثة وجارية وابناه مجمع وزيد ونبتل بن حارث ولحاد بن عثمان ووديعة بن ثابت فلما فرغوا منه أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه فدعا بقميصه ليلبسه فيأتيهم فنزل عليه القرآن وأخبر الله عز وجل خبر مسجد الضرار وما هموا به فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم ومعن بن عدي وعامر بن يشكر والوحشي قاتل حمزة وقال لهم: انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه واحرقوه فخرجوا وانطلق مالك وأخذ سعفاً من النخل فأشعل فيه ناراً ثم دخلوا المسجد وفيه أهله فحرقوه وهدموه وتفرق عنه أهله وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ ذلك كناسة تلقى فيها الجيف والنتن والقمامة ومات أبو عامر بالشام وحيداً غريباً.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى حدثنا العباس بن إسماعيل بن عبد الله بن ميكال أخبرنا عبد الله بن أحمد بن موسى الأهوازي أخبرنا إسماعيل بن زكريا حدثنا داود بن الزبرقان عن صخر بن جويرية عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص عن أبيها قال: إن المنافقين عرضوا بمسجد يبنونه يضاهون به مسجد قباء وهو قريب منه لأبي عامر الراهب يرصدونه إذا قدم ليكون إمامهم فيه فلما فرغوا من بنائه أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا بنينا مسجداً فصل فيه حتى نتخذه مصلى فأخذ ثوبه ليقوم معهم فنزلت هذه الآية (لا تَقُم فيهِ أَبَداً).
قوله تعالى (إِنَّ اللهَ اِشتَرى مِنَ المُؤمِنينَ أَنفُسَهُم وَأَموالَهُم) الآية. قال محمد بن كعب القرظي: لما بايعت الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة بمكة وهم سبعون نفساً قال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت فقال: أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم قالوا: فإذا فعلنا ذلك فماذا لنا قال: الجنة قالوا ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذينَ آَمَنوا أَن يَستَغفِروا لِلمُشرِكينَ) أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشيرازي أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن حميرويه الهروي أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الخزاعي حدثنا أبو اليمان قال: أخبرني شعيب عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضر أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال: أي عم قل معي لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله فقال أبو جهل وابن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء كلمهم به على ملة عبد المطلب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأستغفرن لك ما لم أنه عنه فنزلت (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذينَ آَمَنوا أَن يَستَغفِروا لِلمُشرِكينَ وَلَو كانوا أُولِى قُربى مِن بَعدِ ما تَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُم أَصحابُ الجَحيمِ) رواه البخاري عن إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري. ورواه مسلم عن حرملة عن ابن وهب عن يونس كلاهما عن الزهري.
أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو النيسابوري أخبرنا الحسن بن علي بن مؤمل أخبرنا عمرو بن عبد الله البصري أخبرنا موسى بن عبيدة قال: أخبرنا محمد بن كعب القرظي حدثنا محمد بن عبد الوهاب أخبرنا جعفر بن عون قال: بلغني أنه لما اشتكى أبو طالب شكواه التي قبض فيها قالت له قريش: يا أبا طالب أرسل إلى ابن أخيك فيرسل إليك من هذه الجنة التي ذكرها تكون لك شفاء فخرج الرسول حتى وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر جالساً معه فقال: يا محمد إن عمك يقول إني كبير ضعيف سقيم فأرسل إلي من جنتك هذه التي تذكر من طعامها وشرابها شيئاً يكون لي فيه شفاء فقال أبو بكر إن الله حرمها على الكافرين فرجع إليهم الرسول فقال: بلغت محمداً الذي أرسلتموني به فلم يحر إلى شيئاً. وقال أبو بكر: إن الله حرمها على الكافرين فحملوا أنفسهم عليه حتى أرسل رسولاً من عنده فوجد الرسول في مجلسه فقال له مثل ذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله حرم على الكافرين طعامها وشرابها ثم قام في إثر الرسول حتى دخل معه بيت أبي طالب فوجده مملوءاً رجالاً فقال: خلوا بيني وبين عمي فقالوا: ما نحن بفاعلين ما أنت أحق به منا إن كانت لك قرابة فلنا قرابة مثل قرابتك فجلس إليه فقال: يا عم جزيت عني خيراً يا عم أعني على نفسك بكلمة واحدة أشفع لك بها عند الله يوم القيامة قال: وما هي يا ابن أخي قال: قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له فقال: إنك لي ناصح والله لولا أن تعير بها فيقال: جزع عمك من الموت لأقررت بها عينك قال: فصاح القوم: يا أبا طالب أنت رأس الحنيفية ملة الأشياخ فقال: لا تحدث نساء قريش أن عمك جزع عند الموت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أزال أستغفر لك ربي حتى يردني فاستغفر له بعد ما مات فقال المسلمون ما يمنعنا أن نستغفر لآبائنا ولذوي قراباتنا قد استغفر إبراهيم لأبيه وهذا محمد صلى الله عليه وسلم يستغفر لعمه فاستغفروا للمشركين حتى نزل (ما كانَ لِلنَّبيِّ وَالَّذينَ آَمَنوا أَن يَستَغفِروا لِلمُشرِكينَ وَلَو كانوا أُولِى قُربى).
أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد الحراني حدثنا محمد بن عبد الله بن نعيم حدثنا محمد بن يعقوب الأموي حدثنا الحر بن نصير حدثنا ابن وهب أخبرنا ابن جريج عن أيوب بن هانيء عن مسروق بن الأجدع عن عبد الله بن مسعود قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر في المقابر وخرجنا معه فأخذنا مجلسنا ثم تخطى القبور حتى انتهى إلى قبر منها فناجاه طويلاً ثم ارتفع وجئنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم باك فبكينا لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إنه أقبل إلينا فتلقاه عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله ما الذي أبكاك فقد أبكانا وأفزعنا فجاء فجلس إلينا فقال: أفزعكم بكائي فقلنا: نعم فقال: إن القبر الذي رأيتموني أناجي فيه قبر آمنة بنت وهب وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي فيها واستأذنت ربي في الاستغفار لها فلم يأذن لي فيه ونزل (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذينَ آَمَنوا أَن يَستَغفِروا لِلمُشرِكينَ) حتى ختم الآية. (وَما كانَ اِستِغفارُ إِبراهيمَ لأَِبيهِ إِلّا عَن مَّوعِدَةٍ وَعَدَها إِيّاهُ) - فأخذني ما يأخذ الولد للوالدة من الرقة فذلك الذي أبكاني.
قوله تعالى (وَما كانَ المُؤمِنونَ لِيَنفُروا كافَّةً) قال ابن عباس في رواية الكلبي: لما أنزل الله تعالى عيوب المنافقين لتخلفهم عن الجهاد قال المؤمنون: والله لا نتخلف عن غزوة يغزوها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا سرية أبداً فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسرايا إلى العدو نفر المسلمون جميعاً وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده بالمدينة فأنزل الله تعالى هذه الآية.
ا
اسباب النزول (سورة يونس )
سورة يونس
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم قوله تعالى (أَكانَ لِلناسِ عَجَباً أَن أَوحَينا إِلى رَجُلٍ مِّنهُم أَن أَنذِرِ الناسَ) الآية. قال ابن عباس: لما بعث الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم رسولاً أنكرت الكفار وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً مثل محمد فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (وَإِذا تُتلى عَلَيهُم آَياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذينَ لا يَرجونَ لِقاءَنا) الآية. قال مجاهد: نزلت في مشركي مكة. قال مقاتل: وهم خمسة نفر عبد الله بن أبي أمية المخزومي والوليد بن المغيرة ومكرز بن حفص وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري والعاص بن عامر قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ائت بقرآن ليس فيه ترك عبادة اللات والعزى. وقال الكلبي: نزلت في المستهزئين قالوا: يا محمد ائت بقرآن غير هذا فيه ما نسألك.
اسباب النزول (سورة يوسف )
سورة يوسف
بسم الِلَّهِ الرحمن الرحيم قوله تعالى (نَحنُ نَقُصُّ عَلَيكَ أَحسَنَ القَصَصِ) الآية. أخبرنا عبد القاهر بن طاهر قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال: أخبرنا جعفر بن محمد بن الحسن القاص قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: حدثنا عمرو بن محمد القرشي قال: حدثنا خلاد بن مسلم الصفار عن عمرو بن قيس الملائي عن عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص في قوله عز وجل (نَحنُ نَقُصُّ عَلَيكَ أَحسَنَ القَصَصِ) قال: أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاه عليهم زماناً فقالوا: يا رسول الله لو قصصت فأنزل الله تعالى (الَرَ تِلكَ آَياتُ الكِتابِ المُبينِ) إلى قوله (نَحنُ نَقُصُّ عَلَيكَ أَحسَنَ القَصَصِ) الآية فتلاه عليهم زماناً فقالوا: يا رسول الله لو حدثتنا فأنزل الله تعالى (اللهُ نَزَّلَ أَحسَنَ الحَديثِ كِتاباً مُّتَشابِهاً) قال: كل ذلك ليؤمنوا بالقرآن. رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن أبي بكر العنبري عن محمد بن عبد السلام عن إسحاق بن إبراهيم.
وقال عون بن عبد الله: مل أصحاب رسول الله ملة فقالوا: يا رسول الله حدثنا فأنزل الله تعالى (اللهُ نَزَّلَ أَحسَنَ الحَديثِ) الآية قال: ثم إنهم ملوا ملة أخرى فقالوا: يا رسول الله فوق الحديث ودون القرآن يعنون القصص فأنزل الله تعالى (نَحنُ نَقُّصُّ عَلَيكَ أَحسَنَ القَصَصِ) فأرادوا الحديث فدلهم على أحسن الحديث وأرادوا القصص فدلهم على أحسن القصص.
اسباب النزول (سورة الرعد )
سورة الرعد
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم قوله تعالى (وَيُرسِلُ الصَواعِقَ فَيُصيبُ بِها مَن يَشاءُ) أخبرنا نصر بن أبي نصر الواعظ قال: أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن محمد بن نصر قال: أخبرنا محمد بن أيوب الرازي قال: أخبرنا عبد الله بن عبد الوهاب قال: حدثنا علي بن أبي سارة الشيباني قال: حدثنا ثابت عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً مرة إلى رجل من فراعنة العرب فقال: اذهب فادعه لي فقال: يا رسول الله إنه أعتى من ذلك قال: اذهب فادعه لي قال: فذهب إليه فقال: يدعوك رسول الله قال وما الله أمن ذهب هو أو من فضة أو من نحاس قال: فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره وقال: وقد أخبرتك أنه أعتى من ذلك فقال لي كذا وكذا فقال: ارجع إليه الثانية فادعه فرجع إليه فعاد عليه مثل الكلام الأول فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: ارجع إليه فرجع الثالثة فأعاد عليه ذلك الكلام فبينا هو يكلمني إذ بعثت إليه سحابة حيال رأسه فرعدت فوقعت منها صاعقة فذهبت بقحف رأسه فأنزل الله تعالى (وَيُرسِلُ الصَواعِقَ فَيُصيبُ بِها مَن يَشاءُ وَهُم يُجادِلونَ في اللهِ وَهوَ شَديدُ المِحالِ).
وقال ابن عباس في رواية أبي صالح وابن جريج وابن زيد: نزلت هذه الآية والتي قبلها في عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة وذلك أنهما أقبلا يريدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله هذا عامر بن طفيل قد أقبل نحوك فقال دعه فإن يرد الله به خيراً يهده فأقبل حتى قام عليه فقال: يا محمد ما لي إن أسلمت قال: لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم قال: تجعل لي الأمر بعدك قال لا ليس ذلك إلي إنما ذلك إلى الله يجعله حيث يشاء قال: فتجعلني على الوبر وأنت على المدر قال: لا قال: فماذا تجعل لي قال: أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها قال: أوليس ذلك إلي اليوم وكان أوصى أربد بن ربيعة إذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه واضربه بالسيف فجعل يخاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويراجعه فدار أربد خلف النبي صلى الله عليه وسلم ليضربه فاخترط من سيفه شبراً ثم حبسه الله تعالى فلم يقدر على سله وجعل عامر يومئ إليه فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أربد وما يصنع بسيفه فقال: اللهم اكفنيهما بما شئت فأرسل الله تعالى على أربد صاعقة في يوم صائف صاح فأحرقته وولى عامر هارباً وقال: يا محمد دعوت ربك فقتل أربد والله لأملأنها عليك خيلاً جرداً وفتياناً مرداً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يمنعك الله تعالى من ذلك وابنا قيلة يريد الأوس والخزرج فنزل عامر بيت امرأة سلولية فلما أصبح ضم عليه سلاحه فخرج وهو يقول: واللات لئن أصحر محمد إلي وصاحبه يعني ملك الموت لأنفذنهما برمحي فلما رأى الله تعالى ذلك منه أرسل ملكاً فلطمه بجناحيه فأذراه في التراب وخرجت على ركبته غدة في الوقت كغدة البعير فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول: غدة كغدة البعير وموت في بيت السلولية ثم مات على ظهر فرسه وأنزل الله تعالى فيه هذه القصة (سَواءٌ مِّنكُم من أَسَرَّ القَولَ وَمَن جَهَرَ بِهِ) حتى بلغ (وَما دُعاءُ الكافِرينَ إِلّا في ضَلالٍ).
قوله تعالى (وَهُم يَكفُرونَ بِالرَحمَنِ) قال أهل التفسير: نزلت في صلح الحديبية حين أرادوا كتاب الصلح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتب بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم فقال سهيل بن عمرو والمشركون: ما نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة يعنون مسيلمة الكذاب اكتب باسمك اللهم وهكذا كانت الجاهلية يكتبون فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
وقال ابن عباس في رواية الضحاك: نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: اسجدوا للرحمن قالوا: وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا الآية. فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال: قل لهم إن الرحمن الذي أنكرتم معرفته هو ربي لا إله إلا هو.
قوله تعالى (وَلَو أَنَّ قُرآَناً سُيِّرَت بِهِ الجِبالُ) الآية. أخبرنا محمد بن عبد الرحمن النحوي قال: أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري قال: أخبرنا أبو يعلى قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن ثملة الأنصاري حدثنا خلف بن تميم عن عبد الجبار بن عمر الأبلى عن عبد الله بن عطاء عن جدته أم عطاء مولاة الزبير قالت: سمعت الزبير بن العوام يقول: قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: تزعم أنك نبي يوحى إليك وأن سليمان سخر له الريح وأن موسى سخر له البحر وأن عيسى كان يحيي الموتى فادع الله تعالى أن يسير عنا هذه الجبال ويفجر لنا في الأرض أنهاراً فنتخذها محارث ومزارع ونأكل وإلا فادع أن يحيي لنا موتانا فنكلمهم ويكلمونا وإلا فادع الله أن يصير هذه الصخرة التي تحتك ذهباً فننحت منها وتغنينا عن رحلة الشتاء والصيف فإنك تزعم أنك كهيئتهم فبينا نحن حوله إذ نزل عليه الوحي فلما سري عنه قال: والذي نفسي بيده لقد أعطاني ما سألتم ولو شئت لكان ولكنه خيرني بين أن تدخلوا في باب الرحمة فيؤمن مؤمنكم وبين أن يكلكم إلى ما اخترتم لأنفسكم فتضلوا عن باب الرحمة فاخترت باب الرحمة وأخبرني إن أعطاكم ذلك ثم كفرتم أنه معذبكم عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين فنزلت (وَما مَنَعَنا أَن نُّرسِلَ بِالآَياتِ إِلّا أَن كَذَّبَ بِها الأَوَّلونَ) ونزلت (وَلَو أَنَّ قُرآَناً سُيِّرَت بِهِ الجِبالُ) الآية.
قوله تعالى (وَلَقَد أَرسَلنا رُسُلاً مِن قَبلِكَ وَجَعَلنا لَهُم أَزواجاً) قال الكلبي: عيرت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: ما نرى لهذا الرجل مهمة إلا النساء والنكاح ولو كان نبياً كما زعم لشغله أمر النبوة عن النساء فأنزل الله تعالى هذه الآية.
اسباب النزول (سورة الحجر)
سورة الحجر
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم قوله تعالى (وَلَقَد عَلِمنا المُستَقدِمينَ مِنكُم وَلَقَد عَلِمنا المُستَأَخِرينَ) أخبرنا نصر بن أبي نصر الواعظ قال: أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن محمد بن نصير الرازي قال: أخبرنا سعيد بن منصور قال: حدثنا نوح بن قيس الطائي قال: حدثنا عمر بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال: كانت تصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم امرأة حسناء في آخر النساء وكان بعضهم يتقدم إلى الصف الأول لئلا يراها وكان بعضهم يتأخر في الصف الآخر فإذا ركع قال هكذا ونظر من تحت إبطه فنزلت (وَلَقَد عَلِمنا المُستَقدِمينَ مِنكُم وَلَقَد عَلِمنا المُستَأَخِرينَ).
وقال الربيع بن أنس: حرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصف الأول في الصلاة فازدحم الناس عليه وكان بنو عذرة دورهم قاصية عن المسجد فقالوا نبيع دورنا ونشتري دوراً قريبة من المسجد فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (وَنَزَعنا ما في صُدورِهِم) أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني محمد بن سليمان بن خالد الفحام قال: حدثنا علي بن هاشم عن كثير النوا قال: قلت لأبي جعفر: إن فلاناً حدثني عن علي بن الحسين رضي الله عنهما أن هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم (وَنَزَعنا ما في صُدورِهِم مِّن غِلٍّ إِخواناً عَلى سُرُرٍ مُّتَقابِلينَ) قال: والله إنها لفيهم نزلت وفيهم نزلت الآية قلت: وأي غل هو قال: غل الجاهلية إن بني تيم وعدي وبني هاشم كان بينهم في الجاهلية فلما أسلم هؤلاء القوم وأجابوا أخذ أبا بكر الخاصرة فجعل علي رضي الله عنه يسخن يده فيضمخ بها خاصرة أبي بكر فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى (نَبِّيء عِبادي أَنِّي أَنا الغَفورُ الرَحيمُ) روى ابن المبارك بإسناده عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: طلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الباب الذي دخل منه بنو شيبة ونحن نضحك فقال: لا أراكم تضحكون ثم أدبر حتى إذا كان عند الحجر رجع إلينا القهقرى فقال: إني لما خرجت جاء جبريل عليه السلام فقال: يا محمد يقول الله تعالى عز وجل: لم تقنط عبادي (نَبِّيء عِبادي أَنِّي أَنا الغَفورُ الرَحيمُ).
قوله تعالى (وَلَقَد آَتَيناكَ سَبعاً مِّنَ المَثاني وَالقُرآَنَ العَظيمَ) قال الحسين بن الفضل: إن سبع قوافل وافت من بصرى وأذرعات وليهود قريظة والنضير في يوم واحد فيها أنواع من البز وأوعية الطيب والجواهر وأمتعة البحر فقال المسلمون: لو كانت هذه الأموال لنا لتقوينا بها فأنفقناها في سبيل الله فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال: لقد أعطيتكم سبع آيات هي خير لكم من هذه السبع القوافل ويدل على صحة هذا قوله على أثرها (لا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ) الآية.
اسباب النزول (سورة النحل)
سورة النحل
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم قوله تعالى (أَتى أَمرُ اللهِ) الآية. قال ابن عباس لما أنزل الله تعالى (اِقتَرَبَتِ الساعَةُ وَاِنشَقَّ القَمَر) قال الكافر بعضهم لبعض: إن هذا يزعم أن القيامة: قد قربت فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى ننظر ما هو كائن فلما رأوا أنه لا ينزل شيء قالوا: ما نرى شيئاً فأنزل الله تعالى (اِِقتَرَبَ لِلناسِ حِسابُهُم وَهُم في غَفلَةٍ مُّعرِضونَ) فأشفقوا وانتظروا قرب الساعة فلما امتدت الأيام قالوا: يا محمد ما نرى شيئاً مما تخوفنا به فأنزل الله تعالى (أَتَى أَمرُ اللهِ) فوثب النبي صلى الله عليه وسلم ورفع الناس رءوسهم فنزل (فَلا تَستَعجِلوهُ) فاطمأنوا فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بإصبعه إن كادت لتسبقني وقال الآخرون: الأمر ها هنا العذاب بالسيف وهذا جواب للنضر بن الحرث حين قال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء يستعجل العذاب فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (خَلَقَ الِإنسانَ مِن نُطفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصيمٌ مُّبينٌ) نزلت الآية في أبي بن خلف الجمحي حين جاء بعظم رميم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أترى الله يحيي هذا بعد ما قد رم نظيرة هذه الآية قوله تعالى في سورة يس (أَوَلَم يَرَ الِإنسانُ أَنَّا خَلَقناهُ مِن نُّطفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصيمٌ مُّبينٌ) إلى آخر السورة نازلة في هذه القصة.
قوله عز وجل (وَأَقسَموا بِاللهِ جَهدَ أَيمانِهِم لا يَبعَثُ اللهُ مَن يَموتُ) الآية. قال الربيع بن أنس عن أبي العالية: كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين فأتاه يتقاضاه فكان فيما تكلم به والذي أرجوه بعد الموت فقال المشرك: وإنك لتزعم أنك لتبعث بعد الموت فأقسم بالله لا يبعث الله من يموت فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله عز وجل (وَالَّذينَ هاجَروا في اللهِ مِن بَعدِ ما ظُلِموا) الآية. نزلت في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بلال وصهيب وخباب وعامر وجندل بن صهيب أخذهم المشركون بمكة فعذبوهم وآذوهم فبوأهم الله تعالى بعد ذلك المدينة.
قوله عز وجل (وَما أَرسَلنا مِن قَبلِكَ إِلا رِجالاً نُّوحِيَ إِلَيهِم) الآية. نزلت في مشركي مكة أنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً فهلا بعث إلينا ملكاً.
قوله تعالى (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبداً مَّملوكاً) الآية. أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: أخبرنا أبو بكر الأنباري قال: حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر قال: حدثنا عفان قال: حدثنا وهيب قال: حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن إبراهيم عن عكرمة عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية (ضَرَبَ اللهُ مَثلاً عَبداً مَّملوكاً لا يَقدِرُ عَلى شَيءٍ) في هشام بن عمرو وهو الذي ينفق ماله سراً وجهراً ومولاه أبو الجوزاء الذي كان ينهاه فنزلت (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَينِ أَحَدَهُما أَبكَمُ لا يَقدِرُ عَلى شَيءٍ) فالأبكم منهما الكل - على مولاه - هذا السيد أسد بن أبي العيص والذي يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم هو عثمان بن عفان رضي الله عنه.
قوله عز وجل (إِنَّ اللهَ يَأَمُرُ بِالعَدلِ وَالِإحسانِ) الآية. أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم قال: أخبرنا شعيب بن محمد البيهقي قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدثنا أبو الأزهر قال: حدثنا روح بن عبادة عن عبد الحميد بن بهرام قال: حدثنا شهر بن حوشب قال: حدثنا عبد الله بن عباس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء بيته بمكة جالساً إذ مر به عثمان بن مظعون فكشر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ألا تجلس فقال: بلى فجلس إليه مستقبله فبينما هو يحدثه إذ شخص بصره إلى السماء فنظر ساعة وأخذ يضع بصره حتى وضع على عتبة في الأرض ثم تحرف عن جليسه عثمان إلى حيث وضع بصره فأخذ ينغض رأسه كأنه يستنقه ما يقال له ثم شخص بصره إلى السماء كما شخص أول مرة فأتبعه بصره حتى توارى في السماء وأقبل على عثمان كجلسته الأولى فقال: يا محمد فيما كنت أجالسك وآتيك ما رأيتك تفعل فعلتك الغداة قال: ما رأيتني فعلت قال: رأيتك شخص بصرك إلى السماء ثم وضعته حتى وضعته على يمينك فتحرفت إليه وتركتني فأخذت تنغض رأسك كأنك تستنقه شيئاً يقال لك قال أوفطنت إلى ذلك قال عثمان نعم قال: أتاني رسول الله جبريل عليه السلام وسلم آنفاً وأنت جالس قال: فماذا قال لك قال: قال لي (إِنَّ اللهَ يَأَمُرُ بِالعَدلِ وَالِإحسانِ وَإِيتاءِ ذي القُربى وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَكُم تَذَكَّرونَ) فذاك حين استقر الإيمان في قلبي وأحببت محمداً صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى (وَإِذا بَدَّلنا آَيَةً مَّكانَ آَيَةٍ) نزلت حين قال المشركون: إن محمداً عليه الصلاة والسلام سخر بأصحابه يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غداً أو يأتيهم بما هو أهون عليهم وما هو إلا مفترى يقوله من تلقاء نفسه فأنزل الله تعالى هذه الآية - والتي بعدها.
قوله تعالى (وَلَقَد نَعلَمُ أَنَّهُم يَقولونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) الآية. أخبرنا أبو نصر أحمد بن إبراهيم قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن حمدان الزاهد قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا أبو هاشم الرفاعي قال: حدثنا أبو فضيل قال: حدثنا حصين عن عبيد الله بن مسلم قال: كان لنا غلامان نصرانيان من أهل عين التمر اسم أحدهما يسار والآخر خير وكانا يقرآن كتباً لهم بلسانهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بهما فيسمع قراءتهما وكان المشركون يقولون يتعلم منهما فأنزل الله تعالى فأكذبهم (لِسانُ الَّذي يُلحِدونَ إِلَيهِ أَعجَميٌّ وَهَذا قوله عز وجل (مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعدِ إِيمانِهِ) الآية. قال ابن عباس: نزلت في عمار بن ياسر وذلك أن المشركين أخذوه وأباه ياسراً وأمه سمية وصهيباً وبلالاً وخباباً وسالماً فأما سمية فإنها ربطت بين بعيرين ووجيء قبلها بحربة وقيل لها: إنك أسلمت من أجل الرجال فقتلت وقتل زوجها ياسر وهما أول قتيلين قتلا في الإسلام. وأما عمار فإنه أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرهاً فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن عماراً كفر فقال: كلا إن عماراً مليء إيماناً من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه فأتى عمار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فجعل رسول الله عليه الصلاة والسلام يمسح عينيه وقال: إن عادوا لك فعد لهم بما قلت فأنزل الله هذه الآية.
وقال مجاهد: نزلت في ناس من أهل مكة آمنوا فكتب إليهم المسلمون المدينة أن هاجروا فإنا لا نراكم منا حتى تهاجروا إلينا فخرجوا يريدون المدينة فأدركتهم قريش بالطريق ففتنوهم مكرهين وفيهم نزلت هذه الآية.
قوله تعالى (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذينَ هاجَروا مِن بَعدِ ما فُتِنوا) الآية. قال قتادة: ذكر لنا أنه لما أنزل الله تعالى قبل هذه الآية أن أهل مكة لا يقبل منهم إسلام حتى يهاجروا كتب بها أهل المدينة إلى أصحابهم من أهل مكة فلما جاءهم ذلك خرجوا فلحقهم المشركون فردوهم فنزلت (اَلَم أَحَسِبَ الناسُ أَن يُترَكوا أَن يَقولوا آَمَنا وَهُم لا يُفتَنونَ) فكتبوا بها إليهم فتبايعوا بينهم على أن يخرجوا فإن لحقهم المشركون من أهل مكة قاتلوهم حتى ينجو ويلحقوا بالله فأدركهم المشركون فقاتلوهم فمنهم من قتل ومنهم من نجا فأنزل الله عز وجل (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذينَ هاجَروا مِن بَعدِ ما فُتِنوا ثُمَّ جاهَدوا وَصَبَروا).
قوله عز وجل (اُدعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ) الآية. أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد المنصوري قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا الحكم بن موسى قال: حدثنا إسماعيل بن عباس عن عبد الملك بن أبي عيينة عن الحكم بن عيينة عن مجاهد عن ابن عباس قال: لما انصرف المشركون عن قتلى أحد انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى منظراً ساءه ورأى حمزة قد شق بطنه واصطلم أنفه وجدعت أذناه فقال: لولا أن يحزن النساء أو يكون سنة بعدي لتركته حتى يبعثه الله تعالى من بطون السباع والطير لأقتلن مكانه سبعين رجلاً منهم ثم دعا ببردة فغطى بها وجهه فخرجت رجلاه فجعل على رجليه شيئاً من الإذخر ثم قدمه وكبر عليه عشراً ثم جعل يجاء بالرجل فيوضع وحمزة مكانه حتى صلى عليه سبعين صلاة وكان القتلى سبعين فلما دفنوا وفرغ منهم نزلت هذه الآية (اُدعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ) إلى قوله (وَاِصبِر وَما صَبرُكَ إِلّا أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن عيسى الحافظ قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا يعقوب الوليد الكندي قال: حدثنا صالح المري قال: حدثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة قال: أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة فرآه صريعاً فلم ير شيئاً كان أوجع لقلبه منه وقال: والله لأقتلن بك سبعين منهم فنزلت (وَإِن عاقَبتُم فَعاقِبوا بِمِثلِ ما عُوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِّلصابِرينَ) أخبرنا أبو حسان المزكي قال: أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال: حدثنا قيس عن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قتل حمزة ومثل به: لئن ظفرت بقريش لأمثلن بسبعين رجلاً منهم فأنزل الله عز وجل (وَإِن عاقَبتُم فَعاقِبوا بِمِثلِ ما عُوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِّلصابِرينَ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل نصبر يا رب.
قال المفسرون: إن المسلمين لما رأوا ما فعل المشركون بقتلاهم يوم أحد من تبقير البطون وقطع المذاكير والمثلة السيئة قالوا حين رأوا ذلك: لئن ظفرنا الله سبحانه وتعالى عليهم لنزيدن على صنيعهم ولنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط ولنفعلن ولنفعلن ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمه حمزة وقد جدعوا أنفه وقطعوا مذاكيره وبقروا بطنه وأخذت هند بنت عتبة قطعة من كبده فمضغتها ثم استرطتها لتأكلها فلم تلبث في بطنها حتى رمت بها فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما إنها لو أكلته لم تدخل لنار أبداً حمزة أكرم على الله من أن يدخل شيئاً من جسده النار فلما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمزة نظر إلى شيء لم ينظر إلى شيء كان أوجع لقلبه منه فقال رحمة الله عليك: إنك ما علمت كنت وصولاً للرحم فعالاً للخيرات ولولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أدعك حتى تحشر من أجواف شتى أما والله لئن أظفرني الله تعالى بهم لأمثلن بسبعين منهم مكانك فأنزل الله تعالى (وَإِن عاقَبتُم فَعاقِبوا بِمِثلِ ما عُوقِبتُم بِهِ) الآية. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بلى نصبر وأمسك عما أراد وكفر عن يمينه.
قال الشيخ الإمام الأوحد أبو الحسن: ونحتاج أن نذكر ههنا مقتل حمزة. أخبرنا عمرو بن أبي عمرو المزكي قال: أخبرنا محمد بن مكي قال: أخبرنا محمد بن يوسف قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الجعفي قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن عبد الله حدثنا حجين بن المثنى قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة وأخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: أخبرنا والدي قال: أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي قال: حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال: حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق حدثنا عبد الله بن الفضل بن عياش بن ربيعة عن سليمان بن يسار عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري قال: خرجت أنا وعبيد الله بن عدي بن الخيار فمررنا بحمص فلما قدمناها قال لي عبيد الله بن عدي: هل لك أن نأتي وحشياً نسأله كيف كان قتل حمزة قلت له: إن شئت فقال لنا رجل: أما إنكما ستجدانه بفناء داره وهو رجل قد غلب عليه الخمر فإن تجداه صاحياً تجدا رجلاً عربياً عنده بعض ما تريدان فلما انتهينا إليه سلمنا عليه فرفع رأسه قلنا: جئناك لتحدثنا عن قتلك حمزة رحمة الله عليه فقال: أما إني سأحدثكما كما حدثت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألني عن ذلك كنت غلاماً لجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل وكان عمه طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر فلما سارت قريش إلى أحد قال جبير بن مطعم: إن قتلت حمزة عم محمد عليه الصلاة والسلام بعمي طعيمة فأنت عتيق قال: فخرجت وكنت حبشياً أقذف بالحربة قذف الحبشة قلما أخطيء بها شيئاً فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة رحمة الله عليه حتى رأيته في عرض الجيش مثل الجمل الأورق يهد الناس بسيفه هداً ما يقوم له شيء فوالله إني لأتهيأ له وأستتر منه بحجر أو شجر ليدنو مني إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى فلما رآه حمزة رحمة الله عليه قال: ها يا ابن مقطعة البظور قال: ثم ضربه فوالله ما أخطأ رأسه وهززت حربتي حتى إذ رضيت منها دفعتها إليه فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه فذهب لينافحني فغلب فتركته حتى مات رضي الله عنه ثم أتيته فأخذت حربتي ثم رجعت إلى الناس فقعدت في العسكر ولم يكن لي بغيره حاجة إنما قتلته لأعتق فلما قدمت مكة عتقت فأقمت بها حتى نشأ فيها الإسلام ثم خرجت إلى الطائف فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالاً وقيل لي: إن محمداً عليه الصلاة والسلام لا يهيج الرسل قال: فخرجت معهم حتى قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآني قال: أنت وحشي قلت: نعم قال: أنت قتلت حمزة قلت: قد كان من الأمر ما قد بلغك قال: فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني قال: فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج الناس إلى مسيلمة الكذاب قلت: لأخرجن إلى مسيلمة الكذاب لعلي أقتله فأكافئ به حمزة فخرجت مع الناس فكان من أمره ما كان.
اسباب النزول (سورة الاسراء)
سورة الإسراء
بسم الِلَّهِ الرحمن الرحيم. قوله عز وجل (وَلا تَجعَل يَدَكَ مَغلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) الآية. أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الله بن علي بن عمران قال: أخبرنا أبو علي أحمد الفقيه قال: أخبرنا أبو عبيد القاسم بن إسماعيل المحاملي. قال: حدثنا زكرياء بن يحيى الضرير قال: حدثنا سليمان بن سفيان الجهني قال: حدثنا قيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: جاء غلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي تسألك كذا وكذا فقال: ما عندنا اليوم شيء قال: فتقول لك اكسني قميصك قال: فخلع قميصه فدفعه إليه وجلس في البيت حاسراً فأنزل الله سبحانه وتعالى (وَلا تَجعَل يَدَكَ مَغلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبسُطها كُلَّ البَسطِ) الآية.
وقال جابر بن عبد الله: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاعداً فيما بين أصحابه أتاه صبي فقال: يا رسول الله إن أمي تستكسيك درعاً ولم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قميصه فقال للصبي من ساعة إلى ساعة يظهر يعد وقتاً آخر فعاد إلى أمه فقالت له: إن أمي تستكسيك القميص الذي عليك فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم داره ونزع قميصه وأعطاه وقعد عرياناً فأذن بلال للصلاة فانتظروه فلم يخرج فشغل قلوب الصحابة فدخل عليه بعضهم فرآه عرياناً فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية.
قوله عز وجل (وَقُل لِّعِبادي يَقولُوا الَّتي هِيَ أَحسَنُ) نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذلك أن رجلاً من العرب شتمه فأمره الله تعالى بالعفو. وقال الكلبي: كان المشركون يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقول والفعل فشكو ذلك إلى رسول الله صلى الله قوله تعالى (وَما مَنَعَنا أَن نُّرسِلَ بِالآَياتِ) الآية. أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا زاهر بن أحمد قال: أخبرنا أبو القاسم البغوي قال عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد عن الأعمش عن جعفر بن ياسر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً وأن ينحي عنهم الجبال فيزرعون فقيل له: إن شئت أن تستأني بهم لعلنا نجتبي منهم وإن شئت نؤتهم الذي سألوا فإن كفروا أهلكوا كما أهلك من قبلهم قال: لا بل أستأني بهم فأنزل الله عز وجل (وَما مَنَعَنا أَن نُّرسِلَ بِالآَياتِ إِلّا أَن كَذَّبَ بِها الأَوَّلونَ).
وروينا قول الزبير بن العوام في سبب نزول هذه الآية عند قوله (وَلَو أَنَّ قُرآَناً سُيِّرَت بِهِ الجِبالُ).
قوله عز وجل (وَالشَجَرَةَ المَلعونَةَ في القُرآَنِ) الآية. أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد الواعظ قال: أخبرنا محمد بن محمد الفقيه قال: أخبرنا محمد بن الحسين القطان قال: حدثنا إسحاق بن عبد الله بن زريق قال: حدثنا حفص بن عبد الرحمن عن محمد بن إسحاق عن حكيم بن عباد بن حنيف عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: لما ذكر الله تعالى الزقوم خوف به هذا الحي من قريش فقال أبو جهل: هل تدرون ما هذا الزقوم الذي يخوفكم به محمد عليه الصلاة والسلام قالوا: لا قال: الثريد بالزبد أما والله لئن أمكننا منها لنتزقمنها تزقماً فأنزل الله تبارك وتعالى (وَالشَجَرَةَ المَلعونَةَ في القُرآَنِ) يقول المذمومة (وَنُخَوِّفُهُم فَما يَزيدَهُم إِلّا طُغياناً كَبيراً).
قوله تعالى (وَإِن كادُوا لَيَفتِنونَكَ عَنِ الَّذي أَوحَينا إِلَيكَ) الآية. قال عطاء عن ابن عباس: نزلت في وفد ثقيف أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوا شططاً وقالوا: متعنا باللات سنة وحرم وادينا كما حرمت مكة شجرها وطيرها ووحشها فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجبهم فأقبلوا يكثرون مسألتهم وقالوا: إنا نحب أن تعرف العرب فضلنا عليهم فإن كرهت ما نقول وخشيت أن تقول العرب أعطيتهم ما لم تعطنا فقل الله أمرني بذلك فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وداخلهم الطمع فصاح عليهم عمر: أما ترون رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عن جوابكم كراهية لما تجيئون به وقد هم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم ذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال سعيد بن جبير: قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: لا نكف عنك إلا أن تلم بآلهتنا ولو بطرف أصابعك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما علي لو فعلت والله يعلم أني بار فأنزل الله تعالى هذه الآية (وَإِن كادُوا لَيَفتِنونَكَ عَنِ الَّذي أَوحَينا إِلَيكَ) إلى قوله (نَصيراً).
وقال قتادة: ذكر لنا أن قريشاً خلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة إلى الصبح يكلمونه ويفخمونه ويسودونه ويقاربونه فقالوا: إنك تأتي بشيء لا يأتي به أحد من الناس وأنت سيدنا يا سيدنا وما زالوا به حتى كاد يقاربهم في بعض ما يريدون ثم عصمه الله تعالى عن ذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (وَإِن كادُوا لَيستَفِزّونَكَ مِنَ الأَرضِ) الآية. قال ابن عباس: حسدت اليهود مقام النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقالوا: إن الأنبياء إنما بعثوا بالشام فإن كنت نبياً فالحق بها فإنك إن خرجت إليها صدقناك وآمنا بك فوقع ذلك في قلبه لما يحب من الإسلام فرحل من المدينة على مرحلة فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال عثمان: إن اليهود أتوا نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن كنت صادقاً أنك نبي فالحق بالشام فإن الشام أرض المحشر والمنشر وأرض الأنبياء فصدق ما قالوا وغزا غزوة تبوك لا يريد بذلك إلا الشام فلما بلغ تبوك أنزل الله تعالى: (وَإِن كادُوا لِيَستَفِزّونَكَ مِنَ الأَرضِ).
وقال مجاهد وقتادة والحسن: هم أهل مكة بإخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة فأمره الله تعالى بالخروج وأنزل عليه هذه الآية إخباراً عما هموا به.
قوله تعالى (وَقُل رَّبِّ أَدخِلني مُدخَلَ صِدقٍ) الآية. قال الحسن: إن كفار قريش لما أرادوا أن يوثقوا النبي صلى الله عليه وسلم ويخرجوه من مكة أراد الله تعالى بقاء أهل مكة وأمر نبيه أن يخرج مهاجراً إلى المدينة ونزل قوله تعالى (وَقُل رَّبِّ أَدخِلني مُدخَلَ صِدقٍ وَأَخرِجني مُخرَجَ صِدقٍ).
قوله تعالى (وَيَسئَلونَكَ عَنِ الروحِ) الآية. أخبرنا محمد بن عبد الرحمن النحوي قال: أخبرنا محمد بن بشر بن العباس قال: أخبرنا أبو لبيد محمد بن أحمد بن بشر قال: حدثنا سويد عن سعيد قال: حدثنا علي بن مسهر عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: إني مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث بالمدينة وهو متكيء على عسيب فمر بنا ناس من اليهود فقالوا: سلوه عن الروح فقال بعضهم: لا تسألوه فيستقبلكم بما تكرهون فأتاه نفر منهم فقالوا: يا أبا القاسم ما تقول في الروح فسكت ثم ماج فأمسكت بيدي على جبهته فعرفت أنه ينزل عليه فأنزل الله عليه (وَيَسئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِن أَمرِ رَبي وَما أُوتِيتُم مِنَ العِلمِ إِلّا قَليلاً) رواه البخاري ومسلم جميعاً عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه عن الأعمش.
وقال عكرمة عن ابن عباس: قالت قريش لليهود: أعطونا شيئاً نسأل عنه هذا الرجل فقالوا: سلوه عن الروح فنزلت هذه الآية.
وقال المفسرون: إن اليهود اجتمعوا فقالوا لقريش حين سألوهم عن شأن محمد وحاله: سلوا محمداً عن الروح وعن فتية فقدوا في أول الزمان وعن رجل بلغ شرق الأرض وغربها فإن أصاب في ذلك كله فليس بنبي وإن لم يجب في ذلك فليس نبياً وإن أجاب في بعض ذلك وأمسك عن بعضه فهو نبي فسألوه عنها فأنزل الله تعالى في شأن الفتية (أَم حَسِبتَ أَن أَصحابَ الكَهفِ) إلى آخر القصة ونزل في الروح قوله تعالى (وَيَسئَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ).
قوله تعالى (وَقالوا لَن نُؤمِنَ لَكَ حَتّى تَفجُرَ لَنا مِنَ الأَرضِ يَنبوعاً) الآية.
روى عكرمة عن ابن عباس أن عتبة وشيبة وأبا سفيان والنضر بن الحرث وأبا البختري والوليد بن المغيرة وأبا جهل وعبد الله بن أبي أمية وأمية بن خلف ورؤساء قريش اجتمعوا على ظهر الكعبة فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه حتى تعذروا به فبعثوا إليه إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك فجاءهم سريعاً وهو يظن أنه بدا في أمره بداء وكان عليهم حريصاً يحب رشدهم ويعز عليه تعنتهم حتى جلس إليهم فقالوا: يا محمد إنا والله لا نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك لقد شتمت الآباء وعبت الدين وسفهت الأحلام وشتمت الآلهة وفرقت الجماعة وما بقي أمر قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك فإن كنت أن ما جئت به لتطلب به مالاً جعلنا لك من أموالنا ما تكون به أكثرنا مالاً وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سودناك علينا وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا وإن كان هذا الرئى الذي يأتيك تراه قد غلب عليك وكانوا يسمون التابع من الجن الرئى بذلنا أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه أو نعذر فيك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بي ما تقولون ما جئتكم بما جئتكم به لطلب أموالكم ولا للشرف فيكم ولا الملك عليكم ولكن الله عز وجل بعثني إليكم رسولاً وأنزل علي كتاباً وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً فبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم بيني وبينكم قالوا: يا محمد فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا فقد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلاداً ولا أقل مالاً ولا أشد عيشاً منا سل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك فليسير عنا هذه الجبال التي ضيقت علينا ويبسط لنا بلادنا ويجر فيها أنهاراً كأنهار الشام والعراق وأن يبعث لنا من مضى من آبائنا وليكن ممن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب فإنه كان شيخاً صدوقاً فنسألهم عما تقول حق هو فإن صنعت ما سألناك صدقناك وعرفنا به منزلتك عند الله وأنه بعثك رسولاً كما تقول فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بهذا بعثت إنما جئتكم من عند الله سبحانه بما بعثني به فقد بلغتكم ما أرسلت به فإن تقبلوا فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه أصبر لأمر الله قالوا: فإن لم تفعل هذا فسل ربك أن يبعث لنا ملكاً يصدقك وسله فيجعل لك جناناً وكنوزاً وقصوراً من ذهب وفضة ويغنيك بها عما نراك فإنك تقوم في الأسواق وتلتمس المعاش فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنا بالذي يسأل ربه هذا وما بعثت بهذا إليكم ولكن الله تعالى بعثني بشيراً ونذيراً. قالوا: فأسقط علينا كسفاً من السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل فقال قائل منهم: لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلاً وقال عبد الله بن أمية المخزومي وهو ابن عاتكة بنت عبد المطلب ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم: لا أؤمن بك أبداً حتى تتخذ إلى السماء سلماً وترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها وتأتي بنسخة منشورة معك ونفر من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله حزيناً بما فاته من متابعة قومه ولما رأى من مباعدتهم منه فأنزل الله تعالى (وَقالُوا لَن نُؤمِنَ لَكَ حَتّى تَفجَرَ لَنا مِنَ الأَرضِ يَنبوعاً) الآيات.
أخبرنا سعيد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه قال: أخبرنا أحمد بن الحسين بن الجنيد قال: حدثنا زياد بن أيوب قال: حدثنا هشام عن عبد الملك بن عمير عن سعيد بن جبير قال: قلت له قوله (لَن نُؤمِنَ لَكَ حَتّى تَفجُرَ لَنا مِنَ الأَرضِ يَنبوعاً) أنزلت في عبد الله بن أبي أمية قال: زعموا ذلك.
قوله تعالى (قُلِ اِدعوا اللهَ أَو اِدعوا الرَحمَنَ) الآية. قال ابن عباس: تهجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة بمكة فجعل يقول في سجوده: يا رحمن يا رحيم فقال المشركون: كان محمد يدعو إلهاً واحداً فهو الآن يدعو إلهين اثنين الله والرحمن ما نعرف الرحمن إلا رحمن وقال ميمون بن مهران: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب في أول ما يوحى إليه: باسمك اللهم حتى نزلت هذه الآية (إِنَّهُ مِن سُلَيمانَ وَإِنَّهُ بِسمِ اللهِ الرَحمَنِ الرَحيمِ) فكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال مشركو العرب: هذا الرحيم نعرفه فما الرحمن فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الضحاك: قال أهل التفسير: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله عز وجل (وَلا تَجهَر بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِت بِها) الآية. أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي قال: حدثنا عبد الله بن مطيع وأحمد بن منيع قالا: حدثنا هشيم قال: حدثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى (وَلا تَجهَر بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِت بِها) قال: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة وكانوا إذا سمعوا القرآن سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به فقال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم (وَلا تَجهَر بِصَلاتِكَ) أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن (وَلا تُخافِت بِها) عن أصحابك فلا يسمعون (وَاِبتَغِ بَينَ ذَلِكَ سَبيلاً). رواه البخاري عن مسدد. ورواه مسلم عن عمرو الناقد كلاهما عن هشيم.
وقالت عائشة رضي الله عنها: نزلت هذه الآية في التشهد كان الأعرابي يجهر فيقول: التحيات لله والصلوات الطيبات يرفع بها صوته فنزلت هذه الآية.
وقال عبد الله بن شداد: كان أعراب بني تميم إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته قالوا: اللهم ارزقنا مالاً وولداً ويجهرون فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا أبو علي الفقيه قال: أخبرنا علي بن عبد الله بن مبشر الواسطي قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن حرب قال: حدثنا مروان يحيى بن أبي زكريا الغساني عن هشام بن عروة عن عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى (وَلا تَجهَر بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِت بِها) قالت: إنها نزلت في الدعاء.
اسباب النزول (سورة الكهف)
سورة الكهف
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم. قوله تعالى (وَاِصبِر نَفسَكَ) الآية. حدثنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري إملاء في دار السنة يوم الجمعة بعد الصلاة في شهور سنة عشر وأربعمائة قال: أخبرنا أبو الحسن بن عيسى بن عبد ربه الحيري قال: حدثنا محمد بن إبراهيم البوشنجي قال: حدثنا الوليد بن عبد الملك بن مسرح الحراني قال: حدثنا سليمان بن عطاء الحراني عن مسلمة بن عبد الله الجهني عن عمه ابن مشجعة بن ربعي الجهني عن سلمان الفارسي قال: جاءت المؤلفة القلوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وذووهم فقالوا: يا رسول الله إنك لو جلست في صدر المجلس ونحيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم يعنون سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين وكانت عليهم جباب الصوف لم يكن عليهم غيرها جلسنا إليك وحادثناك وأخذنا عنك فأنزل الله تعالى (وَاِتلُ ما أَوحِيَ إِلَيكَ مِن كِتابِ رَبِّكَ لامُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلتَحَداً. وَاِصبِر نَفسَكَ مَعَ الَّذينَ يَدعُونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ وَالعَشِيِّ يُريدونَ وَجهَهُ) حَتّى بلغ (إِنّا أَعتَدنا لِلظّالِمينَ ناراً) يتهددهم بالنار فقام النبي صلى الله عليه وسلم يلتمسهم حتى إذا أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله تعالى قال: الحمد الله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي معكم المحيا ومعكم الممات.
قوله تعالى (وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن ذِكرِنا) الآية. أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا أبو مالك عن جوهر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى (وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن ذِكرِنا) قال: نزلت في أمية بن خلف الجمحي وذلك أنه دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمر كرهه من تحرد الفقراء عنه وتقريب صناديد أهل مكة فأنزل الله تعالى (وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن قوله تعالى (وَيَسئَلُونَكَ عَن ذي القَرنَينِ) الآية. قال قتادة: إن اليهود سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (قُل لَّو كانَ البَحرُ مِداداً لِّكَلِماتِ رَبّي) الآية. قال ابن عباس: قالت اليهود لما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً كيف وقد أوتينا التوراة ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيراً كثيراً فنزلت (قُل لَّو كانَ البَحرُ مِداداً لِّكَلِماتِ رَبّي) الآية.
قوله تعالى (فَمَن كانَ يَرجو لِقاءَ رَبِّهِ) الآية. قال ابن عباس: نزلت في جندب بن زهير الغامدي
وذلك أنه قال: إني أعمل العمل لله فإذا اطلع عليه سرني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً ولا يقبل ما روئي فيه فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال طاوس: قال رجل: يا نبي الله إني أحب الجهاد في سبيل الله وأحب أن يرى مكاني فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مجاهد: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أتصدق وأصل الرحم ولا أصنع ذلك إلا لله سبحانه وتعالى فيذكر ذلك مني وأحمد عليه فيسرني ذلك وأعجب به فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً صالحاً فأنزل الله تعالى (فَمَن كانَ يَرجو لِقاءَ رَبِّهِ فَليَعمَل عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشرِك بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)
اسباب النزول (سورة مريم )
سورة مريم
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم. قوله عز وجل (وَما نَتَنَزَّلُ إِلّا بِأَمرِ رَبِّكَ) الآية. أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن حمويه قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن معمر الشامي قال: أخبرنا إسحاق بن محمد بن إسحاق الرسغي قال: حدثني جدي قال: حدثنا المغيرة قال: حدثنا عمر بن ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا قال: فنزلت (وَما نَتَنَزَّلُ إِلّا بِأَمرِ رَبِّكَ) الآية كلها. قال: كان هذا الجواب لمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري عن أبي نعيم عن ذر.
وقال مجاهد: أبطأ الملك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتاه فقال لعلي: أبطأت قال: قد فعلت قال: ولم لا أفعل وأنتم لا تتسوكون ولا تقصون أظفاركم ولا تنقون براجمكم قال: وما نتنزل إلا بأمر ربك قال مجاهد: فنزلت هذه الآية.
وقال عكرمة والضحاك وقتادة ومقاتل والكلبي: احتبس جبريل عليه السلام حين سأله قومه عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين والروح فلم يدر ما يجيبهم ورجا أن يأتيه جبريل عليه السلام بجواب فسألوه فأبطأ عليه فشق على رسول الله صلى الله عليه وسلم مشقة شديدة فلما نزل جبريل عليه السلام قال له أبطأت علي حتى ساء ظني واشتقت إليك فقال جبريل عليه السلام: إني كنت إليك أشوق ولكني عبد مأمور إذا بعثت نزلت وإذا حبست احتبست فأنزل قوله تعالى (وَيَقولُ الِإنسانُ أَئِذا ما مِتُّ لَسَوفَ أُخرَجُ حَيّاً) الآية.
قال الكلبي: نزلت في أبي بن خلف حين أخذ عظاماً بالية يفتها بيده ويقول: زعم لكم محمد أنا نبعث بعد ما نموت.
قوله تعالى (أَفَرَأَيتَ الَّذي كَفَرَ بِآَياتِنا) الآية. أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي قال: أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدثنا عبد الله بن هاشم قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن خباب بن الأرت قال: كان لي دين على العاص بن وائل فأتيته أتقاضاه فقال: لا والله حتى تكفر بمحمد قلت: لا والله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث قال: إني إذا مت ثم بعثت جئتني وسيكون لي ثم مال وولد فأعطيك فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو نصر أحمد بن إبراهيم قال: أخبرنا عبيد الله بن محمد الزاهد قال: أخبرنا البغوي قال: حدثنا أبو خيثمة وعلي بن مسلم قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن خباب قال: كنت رجلاً قيناً وكان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه فقال: لا أقضيك حتى تكفر بمحمد عليه الصلاة والسلام فقلت: لا أكفر حتى تموت وتبعث فقال: وإني لمبعوث بعد الموت فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مالي قال: فنزلت فيه (أَفَرَأَيتَ الَّذي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً) رواه البخاري عن الحميدي عن سفيان ورواه وقال الكلبي ومقاتل: كان خباب بن الأرث قيناً وكان يعمل للعاص بن وائل السهمي وكان العاص يؤخر حقه فأتاه يتقاضاه فقال العاص: ما عندي اليوم ما أقضيك فقال: لست بمفارقك حتى تقضيني فقال العاص: يا خباب مالك ما كنت هكذا وإن كنت لتحسن الطلب فقال خباب: ذاك أني كنت على دينك فأما اليوم فأنا على الإسلام مفارق لدينك قال: أولستم تزعمون أن في الجنة ذهباً وفضة وحريراً قال خباب: بلى قال: فأخرني حتى أقضيك في الجنة استهزاء فوالله لئن كان ما تقول حقاً إني لأفضل فيها نصيباً منك فأنزل الله تعالى (أَفَرَأَيتَ الَّذي كَفَرَ بِآياتِنا) يعني العاص الآيات.
اسباب النزول (سورة الانبياء)
سورة الأنبياء
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم قوله تعالى (إِنَّ الَّذينَ سَبَقَت لَهُم مِّنّا الحُسنى) أخبرنا عمر بن أحمد بن عمر الأوردي قال: أخبرنا عبد الله بن محمد نصير الرازي قال: أخبرنا محمد بن أيوب قال: أخبرنا علي بن المديني قال: أخبرنا يحيى بن نوح قال: أخبرنا أبو بكر بن عياش عن عاصم قال: أخبرني أبو زرين عن يحيى عن ابن عباس قال: آية لا يسألني الناس عنها لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها أو جهلوها فلا يسألون عنها قال: وما هي قال: لما نزلت (إِنَكُم وَما تَعبُدونَ مِن دونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُم لَها وَارِدونَ) شق على قريش فقالوا: أيشتم آلهتنا فجاء ابن الزبعري فقال: ما لكم قالوا يشتم آلهتنا قال فما قال قالوا قال: (إِنَكُم وَما تَعبُدونَ مِن دونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُم لَها وارِدونَ) قال: ادعوه لي فلما دعي النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا محمد هذا شيء لآلهتنا خاصة أو لكل من عبد من دون الله قال: بل لكل من عبد من دون الله فقال ابن الزبعري: خصمت ورب هذه البنية يعني الكعبة ألست تزعم أن الملائكة عباد صالحون وأن عيسى عبد صالح وهذه بنو مليح يعبدون الملائكة وهذه النصارى يعبدون عيسى عليه السلام وهذه اليهود يعبدون عزيراً قال: فصاح أهل مكة فأنزل الله تعالى (إِنَّ الَّذينَ سَبَقَت لَهُم مِّنّا الحُسنى) الملائكة وعيسى وعزير عليهم السلام (أُولَئِكَ عَنها مُّبعَدونَ).
اسباب النزول (سورة المؤمنون)
سورة المؤمنون
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم. قوله عز وجل (قَد أَفلَحَ المُؤمِنونَ) الآية. أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري إملاء قال: أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي قال: أخبرنا محمد بن حماد الأبيوردي قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا يونس بن سليمان قال: أملى يونس الإيلي عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: كان إذا أنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع عند وجهه دوي كدوي النحل فمكثنا ساعة فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال: اللهم زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنا وأعطنا ولا تحرمنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وارض عنا ثم قال: لقد أنزلت علينا عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم قرأ (قَد أَفلَحَ المُؤمِنونَ) إلى عشر آيات رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن أبي بكر القطيعي عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه عن عبد الرزاق.
قوله عز وجل (الَّذينَ هُم في صَلاتِهِم خاشِعونَ) الآية. أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد العطار قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن نعيم قال: حدثني أحمد بن يعقوب الثقفي قال: أخبرنا أبو شعيب الحراني قال: أخبرنا إسماعيل بن علية عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء فنزل (الَّذينَ هُم في صَلاتِهِم خاشِعونَ).
قوله تعالى (فَتَبارَكَ اللهُ أَحسَنُ الخالِقينَ) الآية. أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن حيان قال: أخبرنا محمد بن سليمان قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن سويد بن منجوف قال: أخبرنا أبو داود عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: وافقت ربي في أربع قلت: يا رسول الله لو صلينا خلف المقام فأنزل الله تعالى (وَاِتَّخِذوا مِن مَّقامِ إِبراهيمَ مُصَلّى) وقلت: يا رسول الله لو اتخذت على نسائك حجاباً فإنه يدخل عليك البر والفاجر فأنزل الله تعالى (وَإِذا سَأَلتُموهُنَّ مَتاعاً فاسأَلُوهُنَّ مِن وَراءِ حِجابٍ) وقلت لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لتنتهن أو ليبدلنه الله سبحانه أزواجاً خيراً منكن فأنزل الله (عَسى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبدِلَهُ أَزواجاً خَيراً مِّنكُنَّ) الآية ونزلت (وَلَقَد خَلَقنا الإِنسانَ مِّن سُلالَةٍ مِّن طينٍ) إلى قوله تعالى (ثُمَّ أَنشَأناهُ خَلقاً آَخَرَ) فقلت: (فَتَبارَكَ اللهُ أَحسَنُ الخالِقينَ).
قوله تعالى (وَلَقَد أَخَذناهُم بِالعَذابِ فَما اِستَكانوا لِرَبِّهِم) الآية. أخبرنا أبو القاسم بن عبدان قال: أخبرنا محمد بن عبيد الله بن محمد الضني قال: أخبرنا أبو العباس السياري قال: أخبرنا محمد بن موسى بن حاتم قال: أخبرنا علي بن الحسن بن شقيق قال: أخبرنا الحسين بن واقد قال: حدثني يزيد النحوي أن عكرمة حدثه عن ابن عباس قال: جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد ننشدك الله والرحم لقد أكلنا العلهز يعني الوبر بالدم فأنزل الله تعالى (وَلَقَد أَخَذناهُم بِالعَذابِ فَما اِستَكانوا لِرَبِّهِم وَما يَتَضَرَعونَ) قال ابن عباس: لما أتى ثمامة بن أثال الحنفي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وهو أسير فخلي سبيله فلحق باليمامة فحال بين أهل مكة وبين الميرة من يمامة وأخذ الله تعالى قريشاً بسني الجدب حتى أكلوا العلهز فجاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنشدك الله والرحم إنك تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين قال: بلى فقال: قد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع فأنزل الله تعالى هذه الآية.
اسباب النزول (سورة النور)
سورة النور
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم. قوله عز وجل (الزاني لا يَنكِحُ إِلّا زانِيَةً أَو مُشرِكَةً) الآية. قال المفسرون: قدم المهاجرون إلى المدينة وفيهم فقراء ليست لهم أموال وبالمدينة نساء بغايا مسافحات يكرين أنفسهن وهن يومئذ أخصب أهل المدينة فرغب في كسبهن ناس من فقراء المهاجرين فقالوا: لو أنا تزوجنا منهن فعشنا معهن إلى أن يغنينا الله تعالى عنهن فاستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فنزلت هذه الآية وحرم فيها نكاح الزانية صيانة للمؤمنين عن ذلك.
وقال عكرمة: نزلت الآية في نساء بغايا متعالجات بمكة والمدينة وكن كثيرات ومنهن تسع صواحب رايات لهن رايات كرايات البيطار يعرفونها: أم مهدون جارية السائب بن أبي السائب المخزومي وأم غليظ جارية صفوان بن أمية وحية القبطية جارية العاص بن وائل ومرية جارية ابن مالك بن عمثلة بن السباق وجلالة جارية سهيل بن عمرو وأم سويد جارية عمرو بن عثمان المخزومي وشريفة جارية زمعة بن الأسود وقرينة جارية هشام بن ربيعة وفرتنا جارية هلال بن أنس وكانت بيوتهن تسمى في الجاهلية المواخير لا يدخل عليهن ولا يأتيهن إلا زان من أهل القبلة أو مشرك من أهل الأوثان فأراد ناس من المسلمين نكاحهن ليتخذوهن مأكلة فأنزل الله تعالى هذه الآية ونهى المؤمنين عن ذلك وحرمه عليهم.
أخبرنا أبو صالح منصور بن عبد الوهاب البزاز قال: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال: أخبرنا ابن الحسن بن عبد الجبار قال: أخبرنا إبراهيم بن عروة بن معتم عن أبيه عن الحضرمي عن القاسم بن محمد عن عبد الله بن عمر أن امرأة يقال لها أم مهدون كانت تسافح وكانت تشترط للذي يتزوجها أن تكفيه النفقة وأن رجلاً من المسلمين أراد أن يتزوجها فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية (الزَانيةُ لا يَنكِحُها إِلّا زانً).
قوله تعالى (وَالَّذينَ يَرمونَ أَزواجَهُم) الآية. أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد بن المؤذن قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن علي الحيري قال: أخبرنا الحسن بن سفيان قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت (وَالَّذينَ يَرمونَ المُحصَناتِ ثُمَّ لَم يَأَتوا بِأَربَعَةِ شُهَداءَ) إلى قوله تعالى (الفاسِقونَ) قال سعد بن عبادة وهو سيد الأنصار: أهكذا أنزلت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تسمعون يا معشر الأنصار إلى ما يقول سيدكم قالوا: يا رسول الله إنه رجل غيور والله ما تزوج امرأة قط إلا بكراً وما امرأة قط فاجترأ رجل منا على أن يتزوجها من شدة غيرته فقال سعد: والله يا رسول الله إني لأعلم أنها حق وأنها من عند الله ولكن قد تعجبت أن لو وجدت لكاع قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء فوالله إني لا آتي بهم حتى يقضي حاجته فما لبثوا إلا يسيراً حتى جاء هلال بن أمية من أرضه عشياً فوجد عند أهله رجلاً فرأى بعينه وسمع بأذنه فلم يهيجه حتى أصبح وغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله فقال إني جئت أهلي عشياً فوجدت عندها رجلاً فرأيت بعيني وسمعت بأذني فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به واشتد عليه فقال سعد بن عبادة: الآن يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال بن أمية ويبطل شهادته في المسلمين فقال هلال: إني والله لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجاً فقال هلال: يا رسول الله إني قد أرى ما قد اشتد عليك مما جئتك به والله يعلم إني لصادق فوالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه إذ نزل الوحي وكان إذا نزل عليه عرفوا ذلك في تربد جلده فأمسكوا عنه حتى فرغ من الوحي فنزلت (وَالَّذينَ يَرمونَ أَزواجَهُم وَلَم يَكُن لَهُم شُهَداءَ إِلا أَنفُسَهُم) الآيات كلها فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجاً ومخرجاً فقال هلال: قد كنت أرجو ذاك من ربي وذكر باقي الحديث.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن محمد الفقيه قال: أخبرنا محمد بن محمد بن سنان المقري قال: أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال: أخبرنا أبو خيثمة قال: أخبرنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: أنا ليلة الجمعة في المسجد إذ دخل رجل من الأنصار فقال: لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فإن تكلم جلدتموه وإن قتل قتلتموه وإن سكت سكت على غيظ والله لأسألن عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان من الغد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فتكلم جلدتموه أو قتل قتلتموه أو سكت سكت على غيظ فقال: اللهم افتح وجعل يدعو فنزلت آية اللعان (وَالَّذينَ يَرمونَ أَزواجَهُم وَلَم يَكُن لَّهُم شُهَداءَ إِلّا أَنفُسُهُم) الآية. فابتلي به الرجل من بين الناس فجاَء هو وامرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاعنا فشهد الرجل أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ثم لعن الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فذهبت لتلتعن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مه فلعنت فلما أدبرت قال: لعلها أن تجيء به أسوداً جعداً فجاءت به أسود جعداً رواه مسلم عن أبي خيثمة.
قوله تعالى (إِنَّ الَّذينَ جاءُوا بِالإِفكِ عُصبَةٌ مِنكُم) الآيات. أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقري قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن علي المقري قال: أخبرنا أبو يعلى قال: أخبرنا أبو الوسيع الزهراني قال: أخبرنا فليح بن سليمان المدني عن الزهري عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة زوج النبي عليه الصلاة والسلام حين قال فيها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله تعالى منه. قال الزهري: وكلهم حدثني طائفة من حديثها وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأتيت اقتصاصاً ووعيت عن كل واحد الحديث الذي حدثني. وبعض حديثهم يصدق بعضاً. ذكروا أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه قالت عائشة رضي الله عنها: فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما نزلت آية الحجاب فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه مسيرنا حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته وقفل ودنونا من المدينة أذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل ومشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه قالت عائشة: وكانت النساء إذ ذاك خفافاً لم يهبلن ولم يغشهن اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فتيممت منزلي الذي كنت فيه وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعوا إلي فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيناي فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي الذكواني قد عرس من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب علي الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني.
فخمرت وجهي بجلبابي والله ما كلمني بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطيء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة وهلك من هلك في وكان الذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبي بن سلول فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمتها شهراً والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك ويريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول: كيف تيكم فذلك يحزنني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا ولا نخرج إلا ليلاً إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريباً من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن عبد المطلب بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن عبد المطلب فأقبلت أنا وابنة أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت:
تعس مسطح فقلت لها: بئسما قلت أتسبين رجلاً قد شهد بدراً قالت: أي هنتاه أولم تسمعي ما قال قلت: وماذا قال فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضاً إلى مرضي فلما رجعت إلى بيتي ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: كيف تيكم قلت: تأذن لي أن آتي أبوي قالت: وأنا أريد حينئذ أن أتيقن الخبر من قبلهما فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أبوي فقلت: يا أماه ما يتحدث الناس قالت: يا بنية هوني عليك فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل ولها ضرائر إلا أكثرن عليها قالت: فقلت سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله فأما أسامة بن زيد فأَشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال: يا رسول الله هم أهلك وما نعلم إلا خيراً وأما علي بن أبي طالب فقال: لم يضيق الله تعالى عليك والنساء سواها كثير وإن تسأل الجارية تصدقك قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال: يا بريرة هل رأيت شيئاً يريبك من عائشة قالت بريرة: والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمراً قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله فقالت: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول فقال وهو على المنبر: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً وما كان يدخل على أهلي إلا معي فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه إن كان من الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك قال: فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحمية.
فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر قتله فقام أسيد بن الحضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه إنك منافق تجادل عن المنافقين فثار الحيان من الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا وسكت قالت: وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي قالت: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها وجلست تبكي معي قالت: فبينا نحن على ذلك إذ دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني شيء قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال: أما بعد يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال قال والله ما أدري ما أقول لرسول الله فقلت لأمي: أجيبي رسول الله فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله فقلت: وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن: والله لقد عرفت أنكم سمعتم هذا وقد استقر في نفوسكم فصدقتم به ولئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا ما قال أبو يوسف (فَصَبرٌ جَميلٌ وَاللهُ المُستَعانُ عَلى ما تَصِفونَ) قالت: ثم تحولت واضطجعت على فراشي قالت: وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله تعالى في بأمر يتلى ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤية يبرئني الله تعالى بها قالت: فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم منزله ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله تعالى على نبيه عليه الصلاة والسلام وأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه قالت: فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سري عنه وهو يضحك وكان أول كلمة تكلم بها أن قال: البشرى يا عائشة أما والله لقد برأك الله فقالت لي أمي: قومي إليه فقلت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله سبحانه تعالى هو الذي برأني قالت: فأنزل الله سبحانه وتعالى (إِنَّ الَّذينَ جاءُوا بِالِإفكِ عُصبَةٌ مِنكُم) العشر آيات. فلما أنزل الله تعالى هذه الآية في براءتي قال الصديق وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره: والله لا أنفق عليه شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة ما قال فأنزل الله تعالى (وَلا يَأَتَلِ أُولُوا الفَضلِ مِنكُم وَالسِعَةِ أَن يُؤتوا أُولي القُربى) إلى قوله (أَلا تُحِبّونَ أَن يَغفِرَ اللهُ لَكُم) فقال أبو بكر: والله إني أحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كانت عليه وقال: لا أنزعها منه أبداً رواه البخاري ومسلم كلاهما عن أبي الربيع الزهراني.
قوله تعالى (وَلَولا إِذ سَمِعتُمُوهُ قُلتُم مّا يَكونُ لَنا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذا) الآية. أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد العدل قال: أخبرنا أبو بكر بن زكريا قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي خيثمة قال: أخبرنا الهيثم بن خارجة قال: أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: سمعت عطاء الخراساني عن الزهري عن عروة أن عائشة رضي الله عنها حدثته بحديث الإفك وقالت له: وكان أبو أيوب الأنصاري حين أخبرته امرأته وقالت: يا أبا أيوب ألم تسمع بما تحدث الناس قال: وما يتحدثون فأخبرته بقول أهل الإفك فقال: ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم قالت: فأنزل الله عز وجل (وَلَولا إِذ سَمِعتُموهُ قُلتُم مّا يَكونُ لَنا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذا سُبحانَكَ هَذا بُهتانٌ عَظيمٌ).
أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن حمدان قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن مالك قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي مليكة عن ذكوان مولى عائشة أنه استأذن لابن عباس على عائشة وهي تموت وعندها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن فقال: هذا ابن عباس يستأذن عليك وهو من خير بنيك فقالت: دعني من ابن عباس ومن تزكيته فقال لها عبد الله بن عبد الرحمن: إنه قاريء لكتاب الله عز وجل فقيه في دين الله سبحانه فأذني له فليسلم عليك وليودعك فقالت: فأذن له إن شئت فأذن له فدخل ابن عباس ثم سلم وجلس فقال: البشرى يا أم المؤمنين ما بينك وبين أن يذهب عنك كل أذى ونصب أو قال وصب فتلقي الأحبة محمداً عليه الصلاة والسلام وحزبه أو قال وأصحابه إلا أن يفارق الروح جسده كنت أحب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ولم يكن يحب إلا طيباً فأنزل الله تعالى براءتك من فوق سبع سموات فليس في الأرض مسجد إلا وهو يتلى فيه آناء الليل والنهار وسقطت قلادتك ليلة الأبواء فاحتبس النبي صلى الله عليه وسلم في المنزل والناس معه في ابتغائها أو قال طلبها حتى أصبح الناس على غير ماء فأنزل الله تعالى (فَتَيَمَموا صَعيداً) الآية. فكان في ذلك رخصة للناس عامة في سببك فوالله إنك لمباركة فقالت: دعني يا ابن عباس من هذا فوالله لوددت أني كنت نسياً منسياً.
قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَدخُلوا بُيوتاً غَيرَ بُيوتِكُم) الآية. أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي قال: أخبرنا الحسين بن محمد الدينوري قال: أخبرنا عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك قال: أخبرنا الحسين بن سحتويه قال: أخبرنا عمرة بن ثور وإبراهيم بن سفيان قالا: حدثنا محمد بن يوسف الفريابي قال: حدثنا قيس عن أشعث بن سوار عن ابن ثابت قال: جاءت امرأة من الأنصار فقالت: يا رسول الله إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد لا والد ولا ولد فيأتي الأب فيدخل علي وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحال فكيف أصنع فنزلت هذه الآية (لا تَدخُلوا بُيوتاً غَيرَ بُيوتِكُم حَتّى تَستَأنِسوا وَتُسَلِموا عَلى أَهلِها) الآية. قال المفسرون: فلما نزلت هذه الآية قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله أفرأيت الخانات والمساكن في طرق الشام ليس فيها ساكن فأنزل الله تعالى (لَيسَ عَلَيكُم جُناحٌ أَن تَدخُلوا بُيوتاً غَيرَ مَسكونَةٍ) الآية.
قوله تعالى (وَالَّذينَ يَبتَغونَ الكِتابِ مِمّا مَلَكَت أَيمانُكُم فَكاتِبوهُم) الآية. نزلت في غلام لحويطب بن عبد العزى يقال له صبيح سأل مولاه أن يكاتبه فأبى عليه فأنزل الله تعالى هذه الآية وكاتبه حويطب على مائة دينار ووهب له منها ديناراً فأداها وقتل يوم حنين في الحرب.
قوله تعالى (وَلا تُكرِهوا فَتَياتِكُم عَلى البِغاءِ) الآية. أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي قال: أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي قال: أخبرنا محمد بن حمدان قال: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: كان عبد الله بن أبي يقول لجارية له: اذهبي فابغينا شيئاً فأنزل الله عز وجل (وَلا تُكرِهوا فَتياتِكُم عَلى البِغاءِ) إلى قوله (غَفورٌ رَّحيمٌ) رواه مسلم عن أبي كريب عن أبي معاوية.
أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال: أخبرنا أحمد بن الحسن الحافظ قال: أخبرنا محمد بن يحيى قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي أويس قال: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عمر بن ثابت أن هذه الآية (وَلا تُكرِهوا فَتَياتِكُم عَلى البِغاءِ) نزلت في معاذة جارية عبد الله بن أبي ابن سلول. وبهذا الإسناد عن محمد بن يحيى قال: أخبرنا عباس بن الوليد قال: أخبرنا عبد الأعلى قال: أخبرنا أحمد بن إسحاق قال: حدثني الزهري عن عمر بن ثابت قال: كانت معاذة جارية لعبد الله بن أبي وكانت مسلمة وكان يستكرهها على البغاء فأنزل الله تعالى (وَلا تُكرِهوا فَتَياتِكُم عَلى البِغاءِ) إلى آخر الآية.
أخبرنا سعيد بن محمد المؤذن قال: أخبرنا أبو علي الفقيه قال: أخبرنا أبو القاسم البغوي قال: أخبرنا داود بن عمرو قال: أخبرنا منصور بن الأسود عن الأعمش عن أبي نضرة عن جابر قال: كان لعبد الله بن أبي جارية يقال لها مسيكة فكان يكرهها على البغاء فأنزل الله عز وجل (وَلا تُكرِهوا فَتَياتِكُم عَلى البِغاءِ) إلى آخر الآية.
وقال المفسرون: نزلت في معاذة ومسيكة جاريتي عبد الله بن أبي المنافق كان يكرههما على الزنا لضريبة يأخذها منهما وكذلك كانوا يفعلون في الجاهلية يؤاجرون إماءهم فلما جاء الإسلام قالت معاذة لمسيكة: إن هذا الأمر الذي نحن فيه لا يخلو من وجهين فإن يك خيراً فقد استكثرنا منه وإن يك شراً فقد آن لنا أن ندعه فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مقاتل نزلت في ست جوار لعبد الله بن أبي كان يكرههن على الزنا ويأخذ أجورهن وهن: معاذة ومسيكة وأميمة وعمرة وأروى وقتيلة فجاءت إحداهن ذات يوم بدينار وجاءت أخرى بدونه فقال لهما ارجعا فازنيا فقالتا والله لا نفعل قد جاءنا الله بالإسلام وحرم الزنا أخبرنا الحاكم أبو عمرو محمد بن عبد العزيز فيما كتب إلي أن أحمد بن الفضل الحواري أخبرهم عن محمد بن يحيى قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري أن رجلاً من قريش أسر يوم بدر وكان عند عبد الله بن أبي أسيراً وكانت لعبد الله جارية يقال لها معاذة وكان القرشي الأسير يراودها عن نفسها وكانت تمتنع منه لإسلامها وكان ابن أبي يكرهها على ذلك ويضربها لأجل أن تحمل من القرشي فيطلب فداء ولده فقال الله تعالى (وَلا تُكرِهوا فَتَياتِكُم عَلى البِغاءِ إِن أَردنَ تَحَصُّناً) إلى قوله (غَفورٌ رَّحيمٌ) قال أغفر لهن ما أكرهن عليه.
قوله تعالى (وَإِذا دُعُوا إِلى اللهِ وَرَسولِهِ) الآية. قال المفسرون: هذه الآية والتي بعدها في بشر المنافق وخصمه اليهودي حين اختصما في أرض فجعل اليهودي يجره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهما وجعل المنافق يجره إلى كعب بن الأشرف ويقول: إن محمداً يحيف علينا وقد مضت هذه القصة عند قوله (يُريدونَ أَن يَتَحاكَموا إِلى الطّاغوتِ) في سورة النساء.
قوله تعالى (وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آَمَنوا مِنكُم وَعَمِلوا الصالِحاتِ) الآية. روى الربيع بن أنس عن أبي العالية في هذه الآية قال: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين بعد ما أوحى الله إليه خائفاً هو وأصحابه يدعون إلى الله سبحانه سراً وعلانية ثم أمر بالهجرة إلى المدينة
وكانوا بها خائفين يصبحون في السلاح ويمسون في السلاح فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله ما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن تلبثوا إلا يسيراً حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محبياً ليست فيهم حديدة وأنزل الله تعالى (وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آَمَنوا مِنكُم وَعَمِلوا الصالِحاتِ) إلى آخر الآية فأظهر الله تعالى نبيه على جزيرة العرب فوضعوا السلاح وأمنوا ثم قبض الله تعالى نبيه فكانوا آمنين كذلك في إمارة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم حتى وقعوا فيما وقعوا فيه وكفروا النعمة فأدخل الله عليهم الخوف وغيروا فغير الله بهم.
أخبرنا إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين النقيب قال: أخبرنا جدي قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن الحسن النصراباذي قال: أخبرنا أحمد بن سعيد الدارمي قال: أخبرنا علي بن الحسين بن واقد قال: أخبرنا أبي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب قال: لما قدم النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحد فكانوا لا يبيتون إلا في السلاح ولا يصبحون إلا في لأمتهم فقالوا: ترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله عز وجل فأنزل الله تعالى لنبيه (وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آَمَنوا مِنكُم وَعَمِلوا الصالِحاتِ) إلى قوله (وَمَن كَفَرَ بَعدَ ذَلِكَ فَأُلَئِكَ هُمُ الفاسِقونَ) يعني بالنعمة. رواه الحاكم في صحيحه عن قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لِيَستَأذِنَكُمُ الَّذينَ مَلَكَت أَيمانُكُم) الآية. قال ابن عباس: وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً من الأنصار يقال له مدلج بن عمرو إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقت الظهيرة ليدعوه فدخل فرأى عمر بحالة كره عمر رؤيته ذلك فقال: يا رسول الله وددت لو أن الله تعالى أمرنا ونهانا في حال الاستئذان فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مقاتل: نزلت في أسماء بنت مرثد كان لها غلام كبير فدخل عليها في وقت كرهته فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية.
قوله تعالى (لَيسَ عَلى الأَعمى حَرَجٌ) الآية. قال ابن عباس: لما أنزل الله تبارك وتعالى (لا تَأَكُلوا أَموالَكُم بَينَكُم بِالباطِلِ) تحرج المسلمون عن مؤاكلة المرضى والزمنى والعرج وقالوا: الطعام أفضل الأموال وقد نهى الله تعالى عن أكل المال بالباطل والأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب والمريض لا يستوفي الطعام فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال سعيد بن جبير والضحاك كان العرجان والعميان يتنزهون عن مؤاكلة الأصحاء لأن الناس يتقذرونهم ويكرهون مؤاكلتهم وكان أهل المدينة لا يخالطهم في طعامهم أعمى ولا أعرج ولا مريض تقذراً فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مجاهد: نزلت هذه الآية ترخيصاً للمرضى والزمنى في الأكل من بيوت من سمى الله تعالى في هذه الآية وذلك أن قوماً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا لم يكن عندهم ما يطعمونهم ذهبوا بهم إلى بيوت آبائهم وأمهاتهم أو بعض من سمى الله تعالى في هذه الآية. وكان أهل الزمانة يتحرجون من أن يطعموا ذلك الطعام لأنه أطعمهم غير مالكيه ويقولون إنما يذهبون بنا إلى بيوت غيرهم فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل التاجر قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ قال: أخبرنا محمد بن يحيى قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول في هذه الآية: أنزلت في أناس كانوا إذا خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وضعوا مفاتيح بيوتهم عند الأعمى والأعرج والمريض وعند أقاربهم وكانوا يأمرونهم أن يأكلوا مما في بيوتهم إذا احتاجوا إلى ذلك وكانوا يتقون أن يأكلوا منها ويقولون: نخشى أن لا تكون أنفسهم بذلك طيبة فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (لَيسَ عَلَيكُم جُناحٌ أَن تَأكُلوا جَميعاً أَو أَشتاتاً) الآية. قال قتادة والضحاك: نزلت في حي من كنانة يقال لهم بنو ليث بن عمرو وكانوا يتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده فربما قعد الرجل والطعام بين يديه من الصباح إلى الرواح والشول حفل والأحوال منتظمة تحرجاً من أن وقال عكرمة: نزلت في قوم من الأنصار كانوا لا يأكلون إذا نزل بهم ضيف إلا مع ضيفهم فرخص لهم أن يأكلوا كيف شاءوا جميعاً متحلقين أو أشتاتاً متفرقين.
اسباب النزول (سورة الفرقان)
سورة الفرقان
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم. قوله تعالى (تَبارَكَ الَّذي إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيراً مِّن ذَلِكَ) الآية.
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقرئ قال: أخبرنا أحمد بن أبي الفرات قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن يعقوب البخاري قال: أخبرنا محمد بن حميد بن فرقد قال: أخبرنا إسحاق بن بشر قال: أخبرنا جوهر عن الضحاك عن ابن عباس قال: لما عير المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفاقة قالوا: ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل جبريل عليه السلام من عند ربه معزياً له فقال: السلام عليك يا رسول الله رب العزة يقرئك السلام ويقول لك (وَما أَرسَلنا قَبلَكَ مِنَ المُرسَلينَ إِلا إِنَّهُم لَيَأكُلونَ الطَعامَ وَيَمشونَ في الأَسواقِ) أي يبتغون المعاش في الدنيا. قال: فبينا جبريل عليه السلام والنبي صلى الله عليه وسلم يتحدثان إذ ذاب جبريل عليه السلام حتى صار مثل الهدرة قيل: يا رسول الله وما الهدرة قال: العدسة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لك ذبت حتى صرت مثل الهدرة قال: يا محمد فتح باب من أبواب السماء ولم يكن فتح قبل ذلك اليوم وإني أخاف أن يعذب قومك عند تعييرهم إياك بالفاقة وأقبل النبي وجبريل عليهما السلام يبكيان إذ عاد جبريل عليه السلام إلى حاله فقال: أبشر يا محمد هذا رضوان خازن الجنة قد أتاك بالرضا من ربك فأقبل رضوان حتى سلم ثم قال: يا محمد رب العزة يقرئك السلام ومعه سفط من نور يتلألأ ويقول لك ربك: هذه مفاتيح خزائن الدنيا مع مالا ينتقص لك مما عنده في الآخرة مثل جناح بعوضة فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل عليه السلام كالمستشير به فضرب جبريل بيده إلى الأرض فقال: تواضع لله فقال: يا رضوان لا حاجة لي فيها الفقر أحب إلي وأن أكون عبداً صابراً شكوراً فقال رضوان عليه السلام: أصبت أصاب الله بك وجاء نداء من السماء فرفع جبريل عليه السلام رأسه فإذا السموات قد فتحت أبوابها إلى العرش وأوحى الله تعالى إلى جنة عدن أن تدلي غصناً من أغصانها عليه عذق عليه غرفة من زبرجدة خضراء لها سبعون ألف باب من ياقوتة حمراء فقال جبريل عليه السلام: يا محمد ارفع بصرك فرفع فرأى منازل الأنبياء وغرفهم فإذا منازله فوق منازل الأنبياء فضلاً له خاصة ومناد ينادي: أرضيت يا محمد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: رضيت فاجعل ما أردت أن تعطيني في الدنيا ذخيرة عندك في الشفاعة يوم القيامة. ويرون أن هذه الآية أنزلها رضوان (تَبارَكَ الَّذي إِن شاءَ)
قوله تعالى (وَيومَ يَعَضُّ الظالِمُ عَلى يَدَيهِ) الآية. قال ابن عباس في رواية عطاء الخراساني: كان أبي بن خلف يحضر النبي صلى الله عليه وسلم ويجالسه ويستمع إلى كلامه من غير أن يؤمن به فزجره عقبة بن أبي معيط عن ذلك فنزلت هذه الآية. وقال الشعبي: وكان عقبة خليلاً لأمية بن خلف فأسلم عقبة فقال أمية: وجهي من وجهك حرام إن تابعت محمداً عليه الصلاة والسلام وكفر وارتد لرضا أمية فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية.
وقال آخرون: إن أبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط كانا متحالفين وكان عقبة لا يقدم من سفر إلا صنع طعاماً فدعا إليه أشراف قومه وكان يكثر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم فقدم من سفره ذات يوم فصنع طعاماً فدعا الناس ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعامه فلما قرب الطعام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنا بآكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فقال عقبة: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من طعامه وكان أبي بن خلف غائباً فلما أخبر بقصته قال: صبأت يا عقبة فقال: والله ما صبأت ولكن دخل علي رجل فأبى أن يطعم من طعامي إلا أن أشهد له فاستحيت أن يخرج من بيتي ولم يطعم فشهدت فطعم فقال أبي: ما أنا بالذي رضي منك أبداً إلا أن تأتيه فتبزق في وجهه وتطأ عنقه ففعل ذلك عقبة فأخذ رحم دابة فألقاها بين كتفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ألقاك خارجاً من مكة إلا علوت رأسك بالسيف فقتل عقبة يوم بدر صبراً وأما أبي بن خلف فقتله النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد في المبارزة فأنزل الله تعالى فيهما هذه الآية. وقال الضحاك: لما بزق عقبة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد بزاقه في وجهه فتشعب شعبتين فأحرق خديه وكان أثر ذلك فيه حتى الموت.
قوله تعالى (وَالَّذينَ لا يَدعونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آَخَرَ) إلى آخر الآيات. أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي قال: أخبرنا الحسن بن أحمد المخلدي قال: أخبرنا المؤمل بن الحسن بن عيسى قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني قال: أخبرنا حجاج عن ابن جريج قال: أخبرني يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير سمعه يحدث عن ابن عباس أن ناساً من أهل الشرك قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا ثم أتوا محمداً عليه الصلاة والسلام فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أنا لما عملنا كفارة فنزلت (وَالَّذينَ لا يَدعونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آَخَرَ) الآيات إلى قوله (غَفوراً رَّحيماً) رواه مسلم عن إبراهيم بن دينار عن حجاج.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن حجي قال: أخبرنا والدي قال: أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي قال: أخبرنا إبراهيم الحنظلي ومحمد بن صباح قالا: حدثنا جرير عن منصور والأعمش عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن أبي ميسرة عن عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك قال: قلت ثم أي قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قال: قلت ثم أي قال: أن تزاني حليلة جارك فأنزل الله تعالى تصديقاً لذلك (وَالَّذينَ لا يَدعونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آَخَرَ وَلا يَقتُلونَ النَفسَ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلّا بِالحَقِّ وَلا يَزنونَ) رواه البخاري ومسلم عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير.
أخبرنا أبو بكر بن الحرث قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم قال: أخبرنا إسماعيل بن إسحاق قال: أخبرنا الحرث بن الزبير قال: أخبرنا أبو راشد مولى المهرس عن سعد بن سالم القداح عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: أتى وحشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أتيتك مستجيراً فأجرني حتى أسمع كلام الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد كنت أحب أن أراك على غير جوار فأما إذ أتيتني مستجيراً فأنت في جواري حتى تسمع كلام الله قال: فإني أشركت بالله وقتلت النفس التي حرم الله تعالى وزنيت هل يقبل الله مني توبة فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل (وَالَّذينَ لا يَدعونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آَخَرَ وَلا يَقتُلونَ النَفسَ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلّا بِالحَقِّ وَلا يَزنونَ) إلى آخر الآية فتلاها عليه فقال: أرى شرطاً فلعلي لا أعمل صالحاً أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله فنزلت (إِنَّ اللهَ لا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ ما دونَ ذَلِكَ لَمَن يَشاءُ) فدعا به فتلاها عليه فقال: ولعلي ممن لا يشاء أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله فنزلت (قُل يا عِبادِيَ الَّذينَ أَسرَفوا عَلى أَنفُسِهِم لا تَقنَطوا مِن رَّحمَةِ اللهِ) فقال: الآن لا أرى شرطاً فأسلم.