الفصل الأول
الاتفاق بين الوالدين على تحديد السلوك الجيد والسلوك السيء
الاختلاف بين الوالدين
يختلف كثير من الاباء على تحديد السلوك المرغوب فيه الذي يجب على الاولاد الالتزام به او تحديد السلوك غير المرغوب فيه الذي يجب على الأولاد البعد عنه. وينطلقون في اختلافاتهم هذه من منطلقات عدة منها العادات والتقاليد والرأي العام السائد، والانظمة والقوانين المعمول بها، وقد ينطلقون من خلال نظرتهم للحياة وتفسيرهم للخير والشر والحسن والقبح فيحكمون على الاشياء والافعال خيرا او شرا حسنا او قبحا من خلال حبهم او كراهيتهم لهذه الاشياء والافعال، فما يحبونه يصفونه بالجيد وما يكرهونه يصفونه بالقبيح.
او قد ينطلقون في احكامهم من خلال النفع والضرر الذي يصيبهم، فاذا عاد عليهم الشيء او الفعل بالفائدة حكموا عليه بالحسن والصلاح واذا عاد عليهم بالضرر وصفوه بالقبح والسوء. ومثل هذه الاحكام عرضة للاختلاف والتناقض والتفاوت والتأثر بالبيئة والظروف.
1- الاختلاف يتمثل في ان يحكم الاب على سلوك ما بانه جيد بينما تحكم الام عليه بانه سيء، كأن يرى الاب ان كثرة مشاكل ابنه مع ابناء الجيران دليل القوة والرجولة بينما ترى الام عكس ذلك.
2- التناقض نتيجة لنقص المعلومات عن موضوع ما، فقد يكون لدى الام معلومات عن انواع الطعام الصحي وكيفية تناوله اكثر مما لدى الاب، فاذا حاولت الام ان تفرض على الابناء نمطا معينا في الطعام والشراب قام الاب بنسفه.
3- التفاوت ويعني التفاوت في القدرة على ادراك الواقع بالربط بينه وبين المعلومات ،نتيجة الفروق الفردية بين الاباء في الذكاء وتحصيل المعلومات وسلامة الحواس والاعصاب وبالتالي تفاوت الاحكام الصادرة ، كأن ترى الام دراسة ابنها في الفرع الادبي هو الافضل له مستقبلا بينما يرى الاب ان دراسة ابنه في الفرع العلمي هو الافضل له في المستقبل والمناسب لقدراته في الحاضر.
4- التأثر بالبيئة والظروف ، تختلف الاحكام تبعا للبيئة التي نشأ فيها الآباء ، فقد يرى الاب ان لعب ابنته الصغيرة مع الاولاد في الشارع عيبا ومخالفا للأعراف والتقاليد، بينما ترى الام ان لعبها ضروري لبناء جسمها.
اثر هذه الخلافات
ومثل هذه الخلافات بين الاباء والامهات تؤثر على الاولاد سلبا، فمن الظلم ان يعاقب الطفل ويثاب على نفس السلوك. فاذا اختلف الابوان وخلت حياتهما من الوفاق والوئام في تربية الاولاد، فان اطفالهما يعانون من ذلك كثيرا ويميلون الى العدوانية والمشاكسة ويكثرون من النزاع والخصام، وهذا يغذي بدوره التوتر بين الابوين ويصبح جو المنزل ثقيلا ومملا بسبب المشاكل التي تحدث فيه، وتراكم الحقد والكراهية بين ابناء الاسرة الواحدة، خاصة عندما يصر كل منهم على موقفه المعتاد عليه. عندما تقول الام شيئا ويقول الاب شيئا آخر ينزعج الطفل لانه بحاجة الى ان ينال الاستحسان من كليهما، واذا حاول الانفصال عن احدهما للاقتراب من الاخر لارضائه شعر بالضياع والاضطراب لابتعاده عن احد والديه. ان الاتفاق بين الوالدين في اساليب معاملة الطفل وتحديد السلوك السيء والسلوك الجيد يقي الطفل من ازدواجية الشخصية ومن الصراع النفسي الذي لا لزوم له.
الخروج من دائرة الاختلاف.
من اجل ذلك لا بد ان يكون هناك مرجع واحد يرجع اليه الآباء في اصدار احكامهم وتقييمهم للسلوك، وهذا المرجع هو القرآن والسنة، فما اعتبره الاسلام سلوكا سيئا وجب على الوالدين اعتباره كذلك، وما اعتبره سلوكا جيدا وجب على الوالدين اعتباره كذلك ايضا، فالاسلام هو المحك الذي نرجع اليه في تقييمنا للسلوك. اذ لا يمكن تفجير طاقات ابنائنا الا باستخدام النظام الذي وضعه الخالق لنا، فان أي جهاز لا يمكنك تشغيله والاستفادة من كامل طاقاته الا اذا عرفت الكتالوج الخاص بتنظيم عمله وتطبيق التعليمات الواردة فيه بحذافيرها. وكذلك الانسان خلقه الله وانزل له كتابا سماويا( القرآن الكريم) لتنظيم شؤون حياته، فاذا طبقه اخرج طاقاته الكامنة جميعا ليعم الخير البشرية كلها، واذا تخلى عنه عطل طاقاته او اخرجها عن مسارها الصحيح.
يتبع بإذن الله