سلامة الكتاب المقدس من التحريف
أولاً: قبل ظهور الإسلام:
(أ) جاء القرآن مصدقاً لما في الكتاب المقدس، وفي هذا شهادة ضمنية بسلامة الكتاب من التحريف. قال:
وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الّذي بَيْنَ يَدَيْهِ (سورة يونس 10: 37).
لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الّذي بَيْنَ يَدَيْهِ وتَفْصِيلَ كُلّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (سورة يوسف 12: 111) ,
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (سورة البقرة 2: 40 ، 41)
ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ (سورة آل عمران 3: 81)
قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ (سورة البقرة 2: 97)
وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ,,, نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الّذينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ (سورة البقرة 2: 89 ، 101) .
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ (سورة البقرة 2: 91)
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ (سورة آل عمران 3: 3 ، 4)
وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الّذي بَيْنَ يَدَيْهِ (سورة الأنعام 6: 92)
وَالّذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ (سورة فاطر 35: 31) .
يَا أَيُّهَا الّذينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ (سورة النساء 4: 47)
فهل بعد هذا يستطيع قائل أن يدّعي أنّ الكتاب المقدس قد حُرّف قبل ظهور الإسلام؟ فإن كابر وادّعى فهل يكون من المعقول أنّ نبي الإسلام يشهد كل هذه الشهادات القاطعة، وينعت بكل جميل كتاباً وقع فيه التحريف؟ وكيف يعقل أنّ الله - وهو في الاعتقاد الإسلامي مُنزل القرآن - يخدع الناس ويكذب عليهم ويؤيد باطلاً ويشهد لمحرَّف؟
حقاً أنه قبل ظهور الإسلام عظم الخلاف بين اليهود والنصارى، وكثر الشقاق بين الطوائف والمذاهب، ولكن لم يجسر أحد على مسّ الكتاب فهم لم يختلفوا في شيء منه، وإنما اختلفوا في تفسيره .
ولو كان الكتاب قد حُرِّف قبل ظهور الإسلام للزم أن يتحاشى القرآن ذكره بهذه التجلة وذلك التقديس، ولوجب ألا يغمض عينيه على هذا القذى، لاسيما وأن من الخير له أن يكشفه للناس، لينزل بالكتاب عن درجة حرمته وقداسته والثقة به إلى هوَّة الإنتهاك له، والسخرية به والشك فيه، وترويجاً لدعوة الإسلام.
أما وأنّ القرآن يصرّح أنه جاء مصدقاً لما بين يديه ويحرِّض على التمسك به والاحتكام إليه، ويدعو إلى الإيمان بما فيه. ويثني عليه الثناء العاطر الجميل، فلا مفرّ من التسليم بسلامة الكتاب من التحريف قبل ظهور الإسلام، وإلا لأضحى كلام القرآن عبثاً، لأنه يكون تصديقاً لمحرَّف، وهيمنةً على باطل.
(ب) الآيات التي تدل على بقاء الكتاب سليماً من كل تحريف. قال:
فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الّذينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ (سورة يونس 10: 94) .وقال البيضاوي في تفسيره: فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك من القصص على سبيل الفرض والتقدير فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك فإنه محقَّق عندهم ثابت في كتبهم على نحو ما ألقينا إليك، والمراد تحقيق ذلك، والإستشهاد بما في الكتب المتقدمة وأنّ القرآن مصدّق لما فيها. وفي تفسير الجلالين: فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك من القصص فرضاً فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك فإنه ثابت عندهم يخبروك بصدقه. فكيف يرضى نبي الإسلام لنفسه أن يسأل عن شكه قوماً حرَّفوا كتابهم، إن كان قد آنس في الكتاب أثر التحريف؟ والذين يقرأون الكتاب من قبله لا يؤدون عملاً، ولا يجيبون جواباً الّا مسنداً إلى هذا الكتاب؟
فالإحالة على أهل الكتاب، والقول بأنّ القرآن مصدِّق لما في الكتب الإلهية المقدسة، من غير ما تخصيص بفرقة خاصة منهم، ولا إرتكان على نصوص معينة من الكتاب، دليل كاف على صدقه وسلامته من التحريف وإلا ما اُتخذ شاهداً ومؤيداً ودليلاً.
فإن قيل إنّ بعض علماء الكتاب كانوا مقيمين على تعاليم مصونة عندهم لم يمسها التحريف، وإنّ الإحالة كانت مقصورة على هؤلاء، قلنا إنّ التاريخ - والقرآن نفسه أحد أركانه ومستنداته - ناطق بأن العلماء جميعاً كانوا أول معارضي الدين الجديد. على أن مقتضى الإحالة أن تكون عامة. كما هي في مورد النص لتثبت الحجة، ويقوم الدليل الذي لا مفر من التسليم به.
وقال في المائدة 5: 43: وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بَالْمُؤْمِنِينَ .وجاء في تفسير الجلالين لهذه الآية: وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله بالرجم. إستفهام تعجب. أي لم يقصدوا بذلك معرفة الحق، بل ما هو أهون عليهم. ومن هذا يتضح أنّ اليهود لم يمسّوا التوراة بالتحريف حتى فيما كان يخالف أهواءهم منها.
وقال في سورة الجمعة 62: 5مَثَلُ الّذينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً وقال البيضاوي في تفسيره: مثل الذين حملوا التوراة علموها وكُلفوا العمل بها ثم لم يحملوها، لم يعملوا بها أو لم ينتفعوا بما فيها، كمثل الحمار يحمل أسفاراً أي كتباً من العلم يتعب في حملها ولا يستفيد بها. وفي هذا إشارة إلى عدم مس التوراة بتحريف ما، بل دليل فقط على عدم فهمها والعمل بها، لأن الحمار إذا حمل أسفاراً لا يفهمها، لكنه لا يقدر أن يتعرض لها بتحريف أو تغيير.
وقال في سورة آل عمران 3: 93كُلّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ الّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ,,, قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ويقول البيضاوي: أمر بمحاجتهم بكتابهم وتبكيتهم بما فيه من أنه قد حرم عليهم بسبب ظلمهم ما لم يكن محرماً. فكيف يطالب القرآن اليهود بتلاوة التوراة لمعرفة الحق، وكيف يحكمهم ليسترشدوا بهديها إن كانت قد حُرفت؟
وحسبنا هذه الآيات في هذا الشأن. ومن أراد الزيادة فليقرأ سورة النساء والأعراف والرعد والأنبياء، ففيها نصوص عديدة تؤكد ما ذهبنا إليه.
..........يتبع بنعمة يسوع...
تابع الرد على سلامة الكتاب المقدس من التحريف
ثانياً: عدم حدوث التحريف بعد ظهور الإسلام
جاء في سورة المائدة 5: 48وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ .قال البيضاوي في تفسير هذه الآية: مهيمناً عليه رقيباً على سائر الكتب يحفظها من التغيير ويشهد لها بالصحة والثبات. فالقول بهيمنة القرآن على التوراة والإنجيل دليل على أنّ الإسلام يسلم بأنهما قد حُفظا - ويُحفظان سالمين لم تلعب بهما أيدي المحرفين.
فدعوى أن التحريف قد وقع بعد ظهور الإسلام دعوى باطلة، وليس في التاريخ إشارة ما إلى وقوع مثل هذا الحادث الجلل،كما أنّ وقوعه أمر مستحيل، كما بينّا في كلامنا السابق. فالكتاب الذي نتداوله اليوم نحن المسيحيين هو هو ذات الكتاب الذي كان بين أيدينا وقت ظهور الإسلام، هو هو نفس الكتاب الذي أوحي به إلى موسى والنبيين من ربهم، هو هو عين الكتاب الذي صدر عن الرسل. دليلنا على ذلك أنّ عقيدتنا اليوم هي ذات عقيدتنا يوم ظهر الإسلام،ثم أن المسيحية وقت ظهور الإسلام كانت منتشرة في كثير من ممالك الدنيا كتركيا والشام ومصر واليونان والهند والعجم وإيطاليا وألمانيا وفرنسا وإنجلترا، فهل يا ترى يسلم العقل أن المسيحيين الموجودين في كل هذه البلاد المتباعدة يجتمعون ويتفقون على تحريف كتابهم الذي يقدسونه إلى اليوم، ويجودون بالأموال والأرواح في سبيل الذود عنه وحمايته من كل عدوان؟
...يتبع بنعمة يسوع...
تابع الرد على سلامة الكتاب المقدس من التحريف
ثالثاً: استحالة التحريف قبل ظهور الإسلام وبعده
جاء في سورة الحجر 15: 9إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ وفي تفسير الجلالين لهذه الآية: إنه يحفظ ما أنزله من التبديل والتحريف والزيادة والنقص. والتوراة والإنجيل كتابان إلهيان أنزلهما الله، كما أثبتنا ذلك في البحث الأول من هذا الباب، وقد نعتهما القرآن بالذكر كما جاء في سورة الأنبياء 21: 7 و48 و105 فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ - وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ - وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ .
فما دام الله قد وعد بحفظ الذكر، والله غير مخلف وعده، فتحتم إستحالة تغيير الكتاب بالتحريف والتبديل لأنّ الله أنزله، وهو له حافظ، وعليه رقيب.
وجاء في سورة الكهف 18: 27لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ، وفي سورة يونس 10: 64: لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ .وفي سورة الأنعام 6: 34 ، 115لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ .وأيضاً: لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وفي سورة الفتح 48: 23: وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّهِ تَبْدِيلاً .والتوراة والإنجيل كلام الله، ولا يمكن أن يدخل شيء من التبديل أو التحريف على كلامه جلّ شأنه.
ولا يعقل أن يغيرها اليهود قبل المسيح لأن المسيح صادق على التوراة التي كانت معهم، بل أن كتبة العهد الجديد اقتبسوا منها في مئات المواضع ما طبقوه على النظام المسيحي ولا يعقل أن يصير التحريف من اليهود بعد زمن المسيح ورسله لأن التوراة منذ ذلك الوقت فصاعدا كانت موجودة بين أيدي المسيحيين، كما أنها كانت موجودة بين أيدي اليهود. فلا يعقل أن اليهود يتجاسرون على تحريف التوراة وهم يعلمون بوجودها عند المسيحيين، ولا أن يقوم بذلك المسيحيين وهم يعلمون بوجودها عند اليهود. فكل من الفريقين ما كان ليسكت على هذا التحريف للفريق الآخر فيما لو كان ذلك التحريف المزعوم حقيقة واقعة!!
ومع ذلك فإن التوراة لا زالت باقية عند الفريقين إلى الآن بذات اللغة العبرية التي كتبت بها وصارت مقابلتهما مع بعضهما بواسطة علماء كثيرين فوجدتا في غاية الاتفاق. ولا يعقل أن يتفق اليهود والمسيحيين على تحريف التوراة لأنهما امتان متضادتان.
أما إذا كان التحريف قد صار من المسيحيين في الإنجيل فمتى حدث هذا؟ هل قبل القرآن أم بعده؟ لأن القرآن نفسه يشهد بأنه نزل مهيمناً ومصدقاً على التوراة والإنجيل، وهذا يسلتزم احتفاظهما بما فيهما من حقائق إلهيّة...! بل لقد أمر القرآن الذين آمنوا ألاّ يفرقوا بين قرآنهم وبين الذي أُنزل من قبل!
ولا يعقل أن يكون بالكتاب تحريف بعد الإسلام لشهرة الكتاب الفائقة الحد وانتشاره في كل العالم بكل اللغات، ولتعدد الطوائف المسيحية، واحتمال المسيحيين كل أنواع العذاب في سبيل تمسكهم بدينهم، فكيف يرتضون بتحريف إنجيلهم؟ وما هو الباعث لهم على ذلك؟ وهل يكون هذا الباعث أفضل من سعادتهم الأبدية التي سوف يخسرونها بتحريفهم الإنجيل؟ فهل يمكن أن يسلم العقل السليم بإجتماع المسيحيين الموجودين في كل بقاع العالم المختلفة. بما لهم من لغات متعددة. بل يجهلون لغات بعضهم البعض. كما أنهم كانوا في ذلك الوقت منقسمين الى طوائف ولا زالوا على هذا الخلاف الى يومنا هذا- وكل مذهب منهم ضد الآخر. ومع كل ذلك فإن كل مذهب يثبت آرائه من الكتاب المقدس ذاته، فهل ينتظر أن هذه الطوائف المختلفة تتفق على التحريف؟ أم أن كل واحدة حرفت لصالحها وأخدت الآيات التي تتفق مع عقيدتها فقط؟ والإنجيل هو هو أمسا واليوم و إلى الأبد.
فهل يستطيع القائلون بالتحريف أن يدلونا على مؤرخ ذكر شيئا ولو عابرا عن مؤتمر أو مجمع ضم أجناس البشر من جميع القارات. من يهود ومسيحيين رغم عداوتهم و إختلاف لغاتهم لتحريف الكتاب المقدس- التوراة و الإنجيل؟ وفي أي مكان حدث ذلك؟
إن توجيه اتهام كهذا قبل أن نتهم فيه اليهود أو المسيحيين نتهم فيه أولا الله عز وجل بالتقصير والعجز عن حفظ كلامه من التغيير.
أخي العزيز، الكتاب المقدس هو كلام الله، وهو سبحانه وتعالى يخلق ويحي ويميت بكلمته فكيف يسمح بأن يعبث بكلامه عابث حاشا لله. و يحذر الله سبحانه وتعالى تحذيرا مخيفا كل من تسول له نفسه التفكير في تغيير كلمته وورد في الإنجيل الشريف "إني أحذر كل من يزيد يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب . وإن كان أحد يحدف من أقوال هذه النبوة يحدف الله نصيبه من سفر الحياة......."
و في القرآن أيضا تحذيرا لمن يحاول تغيير كلمة الله وقد ورد بوضوح لا غبار عليه، أن الله قوي، وكلمته غير قابلة للتغيير أو التبديل. جاء في سورة الأنعام آية 115 _" وََتمَتْ كَلِمَةُ رَبِّك صِدْقًا وَعَدْلًا ولاَ مُبَّدِلُُ لِكَلِمَتِه ِو هُوَ السَمِيعُ العَلِيم."
ولما كان من غير الممكن تبديل كلمة الله كما جاء في التوراة و الإنجيل والزبور على حدِّ ما جاء في القرآن ، سورة المائدة. فلو كان مستلم الوحي الأول(أو الكتب المقدسة) قد أفسد متن هذا الوحي، لكان ذكر في القرآن . لذا، فمن الواضح الجلي أن الكتب المقدسة السابقة لفترة تدوين القرآن ، تعتبر كمرشد أمين، جدير بالثقة، يعول عليه كثيرا و كليا ككلمة الله. فلقد كان عمر الإنجيل ستمائة سنة، وعمر التوراة حوالي ألفي سنة. إن المخطوطات القديمة والمتداولة قبيل زمن رسول المسلمين _محمد_ تؤيد الرسالة الحالية الموجودة في الكتب المقدسة. ولقد حفضت هذه الكتب من غير تحريف أو تبديل، بقوة الله وسلطانه الأبدي. وحفضت مخطوطات كتب الله بلغاتها الأصلية في مختلف المتاحف وخزائن الكتب إلى يومنا هذا . وثم أكثر من خمسة آلاف مخطوط إلى جانب ترجمات معروضة في أشهر المكتبات ليراها الجميع فحمدا لله لأنه صان الكتب التي أوحى بها فقد دونت قبل الهجرة بمئآت السنين .
لقد رأينا أن الكتاب المقدس معدود في القرآن ورأينا في أكثر من موضع من القرآن أيضاً أن كلام الله غير قابل للتبديل والتغيير, فإذا كانت هاتان المقدمتان صحيحتين كانت النتيجة ضرورة هي عدم تحريف الكتاب المقدس?لا قبل محمد ولا بعده,
إلا أن هاتين المقدمتين تؤديان بنا إلى تصفُّح القرآن لنرى ماذا يقول في هذا الصدد? وكيف فسر أقواله المفسرون المعتبرون?مع العلم بأنهم لم يتفقوا على رأي واحد في هذه المسألة? وإنما لا يؤيدون الرأي العام الذي وُضع عند جهال المسلمين,
ورد في سورة الكهف 18 :27 وَا تْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ لا شك أن كلمة كتاب تشير إلى القرآن? ولكن قوله - لكلماته - تشمل الكتاب المقدس لأنه كلام الله, وبناءً عليه لا يكون مبدل لكلمات الكتاب المقدس, وهاك تفسير البيضاوي قال : لا مبدل لكلماته لا أحد يقدر على تبديلها أو تغييرها غيره ,
وورد في سورة يونس 10 :64 لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ قال البيضاوي أي لا تغيير لأقواله ولا اختلاف لمواعيده , وورد في سورة الأنعام 6 :34 العبارة عينها - لا مبدل لكلمات الله - وجاءت مرة أخرى في آية 115 نعم قد ذكر البيضاوي على الآية الأخيرة أن الكتاب المقدس محرف? ولكن لم يقصد التحريف الذي يقوله عامة المسلمين كما سترى في ما بعد,
لما فحص علماء المسلمين في الهند هذه المسألة اقتنعوا في الوقت الحاضر بأن أسفار العهدين ليست بمبدلة ولا بمغيرة ولا محرفة حسب فهم العامة, ولعلهم بنو آراءهم على تفسير الإمام فخر الدين الرازي لأنه في تفسيره آل عمران 3 :78 يجيب معترضاً يسأل كيف يمكن إدخال التحريف في التوراة مع شهرتها العظيمة بين الناس فيجيب أولاً على سبيل التخمين : لعله صدر هذا العمل عن نفر قليل يجوز عليهم التواطؤ على التحريف? ثم أنهم عرضوا ذلك المحرف على بعض العوام, وعلى هذا التقدير يكون التحريف ممكناً , فنجيب أولاً أن هذ اليس رأي المفسر? بل يفرضه فرضاً, وأما رأيه فهو هكذا إن الآيات الدالة على نبوة محمد كان يحتاج فيها إلى تدقيق النظر وتأمل القلب? والقوم كانوا يوردون عليها الأسئلة المشوشة والاعتراضات المظلمة? فكانت تصير تلك الدلائل مشتبهة على السامعين, واليهود كانوا يقولون مراد الله من هذه الآيات ما ذكرناه لا ما ذكرتم? فكان هذا هو المراد بالتحريف وبليّ الألسنة - الرازي المجلد 2 - وانظر تفسيره على - سورة النساء 4 :45 مجلد 3 - حيث يعيد هذين الرأيين ويضيف عليها رأياً آخر خلاصته أن قوماً من اليهود اعتادوا أن يدخلوا على محمد يسألونه المسألة فيجيبهم عليها? ومتى خرجوا من عنده يحرفون كلامه, وبناء على هذا الرأي لا يكون اليهود حرفوا كتابهم بل حرفوا جواب محمد على سؤالهم, وعلى كل حال عني الرازي بالتحريف الواقع من اليهود تحريف الشروح بالآيات الكتابية لا الآيات نفسها? وهو التحريف المعنوي لا اللفظي,
...يتبع بنعمة يسوع...