إحياء شبهة التناقض في قصة موسى
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مجادل بالحسنى
حل الاشكال
حتى لا أطيل عليكم فاننى سأعلن الآن الحل النهائى مباشرة ، ثم أستعرض البراهين والأدلة على صدقه
يعتمد هذا الحل على ثلاثة عناصر :
العنصر الأول : أن الفعل ( قال ) أو ( قالوا ) قد يأتى مرة واحدة لقائلين مختلفين دون الحاجة الى تكريره
وسوف أقدم على هذا برهانا من القرآن ، هو غير البرهان الذى ذكره أخى ذو الفقار ، والذى أخذه من آية سورة يوسف رقم 52
عزيزي ..
إن أساس العنصر الأول للحل قد جاء للأسف خاطئاً تماماً ، والسبب أن ما يحدد دلالة (قال) في الآيتين هو سياق الآيتين نفسه ، وهنا ببساطة أقول :
من القائل هنا؟
وهل هو عائد على الجمع أم المفرد؟
قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ
لا أظن أن هناك خلافاً على أن القائل هو مفرد ، وهو فرعون وحده.
بينما من القائل هنا؟
وهل فعل (قال) عائد على الجمع أم المفرد؟
" قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ"
لا أظن أحداً يمكنه أن يقول بأن القائل هنا مفرد ، وهو فرعون ، وإنما هم جماعة من الناس ، وفرعون بالتأكيد ليس واحداً منهم.
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مجادل بالحسنى
البرهان الأول
قد نجد فى القرآن الكريم أقوالا متعددة لقائلين متعددين ، ومع ذلك يجمع بينها جميعا فعل قول واحد ، واليكم البرهان من كتاب الله :
حكى الله عز وجل فى الآية الخامسة من سورة الأنبياء افتراءات عديدة افتراها المشركين على رسول الله :salla-y: ، ومع ذلك لم يذكر لها الا فعل قول واحد برغم تعدد طوائف القائلين ، وتلك هى الآية :
" بل
قالوا أضغاث أحلام ، بل افتراه ، بل هو شاعر ، فليأتنا بآية كما أرسل الأولون "
فتلك ثلاثة مزاعم مختلفة او ثلاث دعاوى مفتراة على رسول الله :salla-y: ، وقد صدرت عن ثلاث طوائف من المشركين ، ومع ذلك جمع بينها جميعا فعل قول واحد هو ( قالوا ) ، وهذا ما يؤكده أيضا ابن جرير الطبرى فى تفسيره لتلك الآية ، حيث قال :
"
قال بعضهم : هو أهاويل رؤيا رآها فى النوم ،
وقال بعضهم : هو فرية واختلاق افتراه على الله واختلقه من قبل نفسه ،
وقال بعضهم : بل محمد شاعر ، وهذا الذى جاء به شعر "
فهنا نجد الامام الطبرى يؤكد على أن القائلين هم ثلاث طوائف من المشركين تعددت أقوالهم ، ونجده يستخدم فعل ( قال ) ثلاث مرات ليفسر الآية ، بينما لم يرد فعل القول فى الآية الا مرة واحدة فحسب بلفظ ( قالوا )
وليس الطبرى وحده هو الذى ذهب هذا المذهب فى تفسير الآية ، وانما ذكرناه على سبيل المثال لا الحصر
فاذا كان الأمر كذلك ، فما الذى يمنع أن يكون فعل ( قال ) فى آية الأعراف رقم 109 شاملا ملأ فرعون بالاضافة الى فرعون نفسه بوصفه كبير هذا الملأ ورئيسهم وسيدهم والمقدم فيهم ، ما المانع ؟
( يتبع ان شاء الله )
أما استنادك إلى الآية التالية :
" بل قالوا أضغاث أحلام ، بل افتراه ، بل هو شاعر ، فليأتنا بآية كما أرسل الأولون "
الأنبياء : 5
ومحاولة تدعيمه بتفسير الطبري بقولك :
"فتلك ثلاثة مزاعم مختلفة او ثلاث دعاوى مفتراة على رسول الله ، وقد صدرت عن ثلاث طوائف من المشركين ، ومع ذلك جمع بينها جميعا فعل قول واحد هو ( قالوا ) ، وهذا ما يؤكده أيضا ابن جرير الطبرى فى تفسيره لتلك الآية ، حيث قال :
" قال بعضهم : هو أهاويل رؤيا رآها فى النوم ، وقال بعضهم : هو فرية واختلاق افتراه على الله واختلقه من قبل نفسه ، وقال بعضهم : بل محمد شاعر ، وهذا الذى جاء به شعر "
فهنا نجد الامام الطبرى يؤكد على أن القائلين هم ثلاث طوائف من المشركين تعددت أقوالهم ، ونجده يستخدم فعل ( قال ) ثلاث مرات ليفسر الآية ، بينما لم يرد فعل القول فى الآية الا مرة واحدة فحسب بلفظ ( قالوا)
فهنا أقول بأنه للأسف لا الآية ولا تفسيرها يخدم ما تقول، لأن الآية واضحة تتحدث عن مجموعة من الناس قالت عدة أقوال ، موجهة عدة تهم إلى الرسول الواحدة تلو الأخرى.
أما تفسير الطبري ، فهو مجرد اجتهاد منه بحيث لا يمكن الارتكاز عليه كدليل قاطع ، وحتى أثبت لك ذلك دعني أسوق لك ما قاله القرطبي بالحرف:
"بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ثُمَّ اِنْتَقَلُوا عَنْ ذَلِكَ فَقَالُوا : " بَلْ هُوَ شَاعِر " أَيْ هُمْ مُتَحَيِّرُونَ لَا يَسْتَقِرُّونَ عَلَى شَيْء قَالُوا مَرَّة سِحْر , وَمَرَّة أَضْغَاث أَحْلَام , وَمَرَّة اِفْتَرَاهُ , وَمَرَّة شَاعِر . وَقِيلَ : أَيْ قَالَ فَرِيق إِنَّهُ سَاحِر , وَفَرِيق إِنَّهُ أَضْغَاث أَحْلَام ; وَفَرِيق إِنَّهُ اِفْتَرَاهُ , وَفَرِيق إِنَّهُ شَاعِر . وَالِافْتِرَاء الِاخْتِلَاق ; وَقَدْ تَقَدَّمَ ."
لاحظ كلمة (قيل) !
وماذا يقول ابن كثير؟
"وَقَوْله " بَلْ قَالُوا أَضْغَاث أَحْلَام بَلْ اِفْتَرَاهُ " هَذَا إِخْبَار عَنْ تَعَنُّت الْكُفَّار وَإِلْحَادهمْ وَاخْتِلَافهمْ فِيمَا يَصِفُونَ بِهِ الْقُرْآن وَحِيرَتهمْ فِيهِ وَضَلَالهمْ عَنْهُ فَتَارَة يَجْعَلُونَهُ سِحْرًا وَتَارَة يَجْعَلُونَهُ شِعْرًا وَتَارَة يَجْعَلُونَهُ أَضْغَاث أَحْلَام وَتَارَة يَجْعَلُونَهُ مُفْتَرًى"
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مجادل بالحسنى
البرهان الثانى
من دقيق البيان القرآنى المعجز أنه قد فرق بين ( قوم فرعون ) و ( آل فرعون ) و (ملأ فرعون ) ، فما هى الفروق بينهم ؟
جاء فى ( معجم ألفاظ القرآن الكريم ) الصادر عن ( مجمع اللغة العربية بمصر ) ما يلى :
قوم النبى : من بعث اليهم
أما قوم الملك : رعيته وشعبه
آل الرجل : أهله
الملأ : أشراف القوم ووجوههم
ومن دقيق التعبير فى آية الأعراف 109 أنه قال : "
الملأ من قوم فرعون " ولم يقل " ملأ فرعون " ، فما الفرق ؟
لو أنه قال " ملأ فرعون " فلن يدخل فيهم فرعون باعتبار أن " ملأ فرعون " هم الأشراف المقربون من فرعون نفسه ، ومن البديهى أن المقربين غير المقرب منه عقلا ومنطقا
أما "
الملأ من قوم فرعون " فتعنى : الأشراف من شعب فرعون ، وشعب فرعون هم أهل مصر ، فهى تعنى بذلك أشراف ووجهاء شعب مصر ، وبالتالى يدخل فيهم فرعون نفسه دخولا أوليا باعتباره على رأس أشراف شعبه[/CENTER]
سأختصر الرد بقولي لو قلنا أن قوم الملك = رعيته وشعبه، فقوم فرعون = رعيته وشعبه
وإذا قلنا الملأ = أشراف القوم ووجوههم ، فإن الملأ من قوم فرعون = الأشراف والوجهاء من رعية فرعون وشعبه ..!!
والنتيجة المنطقية ، والوحيدة هي أن فرعون ليس من ضمن الملأ وإنما هو خارج الملأ .
لذا فمحاولة التفريق بين (ملأ فرعون) و (الملأ من قوم فرعون) لا جدوى منها.
وهنا يسقط البرهان الثاني
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مجادل بالحسنى
البرهان الثالث
قلنا من قبل أن فرعون ( رئيس الملأ ) هو الذى قال ما جاء بالآية 110 من سورة الأعراف ، وهو :
"
يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون "
وذكرنا أنه ليس من اللازم أن تنص الآية على فعل ( قال ) مرة ثانية ، ولا على أن القائل هو فرعون لأنه يدخل فى زمرة الملأ المذكورين قبلا
ولكن لا زلنا نريد دليلا ايجابيا قاطعا على أن هذا القول صدر عن فرعون تحديدا
وقد أعثرنا الله على هذا الدليل وله الحمد ، واليكم اياه :
اذا أنعمنا النظر فى الآية لوجدنا أن القائل يخاطب جماعة من الناس بقوله :
"
يريد أن يخرجكم "محددا لهم الهدف السياسى من وراء دعوة موسى ، وهذا بحد ذاته يؤكد أن القائل هنا يجب أن يكون مهتما بأمور السياسة أو مشتغلا بها ، أو بصريح العبارة هو الحاكم ذاته
ولكن ليس هذا هو البرهان الكبير الذى أعنيه ، وانما هو فى المفاجأة المدهشة التالية :
بتدبر القرآن الكريم جيدا نجد أن جميع السور التى ذكرت هذه الحلقة من قصة موسى تتفق جميعا على أن فرعون تحديدا هو من كان يشير دوما الى مسألة الخروج من المدينة أو من الأرض ليبرر بها دعوة موسى ومعجزاته !!
ففى نفس هذه السورة ( الأعراف ) نجد الحديث يتكرر فى قصة موسى عن ( الخروج ) وعلى لسان فرعون تحديدا وبلا أدنى لبس ، وذلك فى الآية 123 فى سياق خطاب فرعون للسحرة بعد أن أعلنوا ايمانهم برب موسى وهارون ، تقول الآية :
"
قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم ، ان هذا لمكر مكرتموه فى المدينة لتخرجوا منها أهلها ، فسوف تعلمون "
وهذا بدوره يؤكد أن المتكلم فى الآية 110 هو كذلك فرعون لمجىء التعبير المماثل "
يريد أن يخرجكم من أرضكم "
انه نفس التبرير والتفسير لنفس المعجزة أيضا ( انقلاب العصا حية ) مما يؤكد أن الذى برر هذه المعجزة فى المرة الثانية هو من بررها هى ذاتها فى المرة الأولى وبنفس المبرر أيضا
وحتى اذا ما تركنا سورة الأعراف فسوف نجد الأمر نفسه يتكرر !!
ففى سورة ( طه ) تقول الآية 57 على لسان فرعون :
" قال أجئتنا
لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى "
يا الهى !! ، انه نفس المنطق ونفس الفكر السياسى الذى يليق بحاكم مستبد
ثم للمرة الثالثة نجد الأمر ذاته يتكرر فى سورة ثالثة هى سورة الشعراء ، ففى الآيتين 34 و 35 نجد فرعون هو المتكلم ، ونجد من ضمن كلامه العبارة ذاتها :
" يريد أن
يخرجكم من أرضكم بسحره ، فماذا تأمرون "
وهكذا يتبين لنا أن فكرة
الخروج من الأرض أو المدينةهى فكرة خاصة بفرعون تحديدا ومن بنات أفكاره ، لأنها هى المسألة الأساسية التى تؤرق فكر أى حاكم يرى عرشه مهددا ، وأنه استغل هذه الفكرة ( الاخراج من الأرض ) ليبرر بها معجزة موسى عليه السلام
إن قول فرعون " .. إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ" ، وقول ما يشابه ذلك في مكان آخر لا ينفي أن قائل هذه العبارة " .. إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ " هم مجموعة أخرى لا شأن لفرعون بها، وهو ليس من ضمنها أصلاً.
فحتى لو كانت فكرة الخروج من الأرض أو المدينة فكرة خاصة بفرعون، فإن هذا لا يعني أن الملأ من قوم فرعون لم يقولوها أيضاً.