سياحة الفراعنة الملعونين واثارهم
بدأ الصراع بين عبدة الدنيا وحضاراتها الزائفة المضللة .. وبين عبدة الله الواحد القهار ملك الملوك .. صراع بين اتباع الحياة الدنيا وماتهوى الانفس .. وبين المستمسكين بشريعة الله ومنهاجة كلممسك على قطعة جمر .. صراع بين امرأة العزيز ويوسف الكريم ..
لم ترى امرأة العزيز من يوسف الا وجاهته ومظهرة الفاتن الوسيم .. بهرها شبابه ورجولته .. زادته شهامته وخلقه الكريمة بهاءا وجاذبية مميزة لم تشهدها من قبل فى كل من احاط بها من رجال قومها او عبيدها المقربين لها .. ليوسف سحر خاص تملكها وهى تراه يكبر امامها وترصد بعينها سنواته منذ ان اتى به زوجها فتى صبيا .. والان قد اصبح شابا ترى فيه كل السعادة التى تغنيها عن كل متع الدنيا التى ألفتها وعن كل صحبة .. حاولت مرارا ان تتقرب اليه ان تجتذبه الى عالمها .. الى دنياتها بمباهجها .. الى عالم العشق والهوى .. ولكن هيهات لها كيف وهو الكريم يوسف ابن الكريم يعقوب حفيد الكريم ابراهيم خليل الله .. كيف تصرعه باهوائها ومبادئها وهو الذى نشأ على تقوى الله ومخافته .. كيف تضع الحياة الدنيا بقلبه وهو الذى امتلأ املا بالفوز بالحياه الاخرة .. بادىء الامر لم تفهم ولم تدرك اسباب عزوف يوسف عنها وهى التى يشتهي أوامرها كل عبيدها واكثرهم قوة ورجولة .. ولكن يوسف نوعية اخرى غير التى عرفتهم وعاشرتهم لا يدين بمبادئهم ولا يسجد لآلهتم وافكارهم وقناعاتهم .. ظنت ربما خوفه من سيد البيت او ان يراهما احد .. ارادت ان تطمئنه فغلقت الابواب ودعته اليها
يوسف (آية:23): ( وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الابواب وقالت هيت لك قال معاذ الله انه ربي احسن مثواي انه لا يفلح الظالمون )
وكانت الصدمة لها .. قال معاذ الله .. نعم هو فى بيتها وهى التى اكرمت مثواه واقامته .. نعم احسنت اليه فى المأكل والملبس والمشرب والرعايه بكل مفهومها .. هى سيدته وراعيته ومولاته .. هى صاحبة كل فضل ومنة عليه .. لكن ليس الى حد المعصية .. هنا يكون للمؤمن بالله موقفا آخر .. موقفا له مرجعية يعود فيها الى الله مسبب الاسباب .. مرجعية اساسها الشرع وتعاليم الله .. ليس باسم المنن والافضال ينساق العباد لاهواء اناس ضلوا واضلوا السبيل .. ليس باسم الحرج من اصحاب النعم والولاء والمنن يهوى المؤمن اسفل السافلين باطاعة هؤلاء مخالفا منهج الله ومتجاهلا شريعته ونواهيه واوامره .. لا سلطان لهوى ولا قناعة ولا مبادى ولا اصحاب منن ونعم على اى مؤمن اسلم نفسه وقلبه وجسده وكل كيانه لله رب العالمين .. لا عبودية خالصة الا لله الواحد الاحد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد .. ويستمر الصراع ..
سياحة الفراعنة الملعونين واثارهم
استمر الصراع كل منهما تحركه قناعاته الايمانيه ومع من يحب .. هى مثل قومها تحب التحرر وتهوى الدنيا والحياه بمفاتنها وتطمئن لها .. وهو لا شىء يطغى على حبه لله وامتثاله لاوامره وخوفه من معصيته .. واشتدت حده الصراع بينهما
يوسف (آية:24): ( ولقد همت به وهم بها لولا ان راى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين )
همت هى ان تستدرجه للمعصية وهم هو ان يبعدها عنه وقيل كاد ان يستجيب وتغلبه طبيعته كرجل .. ولكن الاستعاذة بالله واللجوء اليه فى تلك المواقف اقوى من كل افعال الشياطين لذا حفظه الله من امره وهكذا حال المؤمن عندما يلجأ الى الله فى كل اوقات المحن والشدائد
يوسف (آية:25): ( واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر والفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من اراد باهلك سوءا الا ان يسجن او عذاب اليم )
نعم استبقا الباب .. هو يريد ان يهرب من اغوائها له ومراودتها له عن نفسه خوفا من الانزلاق فى المعصيه ... وهى تريد ان تغلق عليه ابواب النجاه لترغمه على المثول لها وطاعتها والاستسلام لرغباتها .. وهكذا دائما الصراع بين المؤمن ودعاة الفتن والمفاسد .. المؤمن يبذل الجهد والمشقة ليقاوم كل مسالك الاغواء التى تحيطه تاركا كل الاغواءات وراء ظهره وغالقا ابواب الفتن والاغراءات ورائه وخارجا من ضيق المعاصى التى تحبس فيه نفسه الى السعة والرحب واللجوء الى الله عالقا بدوام ذكره والاستعاذة به من شرور الحياة ومتشبثا بشريعته ومنهاجه.. هكذا يجب ان يكون اصرار وتصميم المؤمن ان يبذل قصارى جهده وكل ما اوتى من قوة لينأى بنفسه عن ذرائع ومزالق الفتن والاغراءات .. ولكن ابليس واولياؤه دائما على اصرار للايقاع بالمؤمن طيلة حياتة .. (وقدت قميصه من دبر ) .. بكل غيظ ورغبة شيطانية تملكتها لم تكن لتتركه دون الايقاع به فى المعصية وماتهوى الانفس .. لم تفهم دوافعه ولا من هو الله الذى يستعيذ يوسف به وما دخله بما هم فيه.. احست بجرح فى كبريائها كيف يرفضها وهى التى يتمناها من هم افضل منه .. وهم بالخروج واذا بزوجها وبعض من اهلها لدى الباب .. كان زوجها على علم بشغف زوجته بيوسف واراد احراجها بحضور اهلها لعلها تنتهى .. ليس هناك خوف من الله ولا وازع دينى ولا ايمان ولا عقيدة تحكم هؤلاء الفراعنة .. اراد ان يحرج زوجته اجتماعيا وايضا حفاظا على مكانته الاجتماعية .. الخوف من القيل والقال والمظهر والناس اهم من الخوف والخضوع لاى اله او دين .. وتوضح الايات الحالة الاجتماعية للفراعنة وهى التى تشابه الى حد كبير حالة المجتمعات الغربية المشركة .. وبادرت الزوجة بالقاء التهم على يوسف .. غلبتها طبيعتها كأنثى وغلبها ضعفها فلجأت الى الكيد به لازاحة التهمة عنها
(قالت ما جزاء من اراد باهلك سوءا الا ان يسجن او عذاب اليم )
لم تستطع وهى فى اشد اوقاتها حرجا و انكسارا وغيظا ان تتمنى له الموت .. فضحت عبارتها عن كم الحب والعشق الذى تكنه ليوسف .. حالها كما فى المجتمعات المتحررة الديمقراطية التى تدين بحريه الجسد والنفس واعطائهما الاولويه عن اى انتماءات او قيود عقائدية تحد من تصرفات الانسان او اى شرائع ملزمة له ولعواطفه واهوائه .. وتفضح الايات منهج مجتمع الفراعنة كلهم .. وتنتهى المسأله ببساطة واذا بزوجها يطلب منها الاعتذار عن ذنبها بعد ان اثبت ادانتها .. على وزن say sorry ) .. لم يكن الامر بكل تلك البساطة بالنسبة ليوسف والذى يعى بفطرته الايمانية معنى المعصية ويأبى ان يزج به فى تلك الامور المشينة والتى يحرمها الله .. وقد وضعه هذا الموقف فى حرج شديد من احتمال اساءة رب القصر وسيده الظن به او ان يكون هذا الحدث قد ترك بنفس الزوج جرحا ليس ليوسف يدا فيه . واذا بالزوج على الطريقة الاشبه بالامريكية والغربية يتوجه الى يوسف بهدوء مخففا عنه طالبا منه ان ينسى الامر ويعرض عنه .. الموضوع عادى ومنه كثير .. ولن يكون الاول ولا الاخير
يوسف (آية:29): ( يوسف اعرض عن هذا واستغفري لذنبك انك كنت من الخاطئين )
بكل تلك البساطة التى يعبر عنها اولياء الدنيا والشياطين والقيم المنحلة بالمجتمعات التى تسمى راقية .. هكذا التعامل مع مقدمات الزنا بل وافعاله .. كان بوسع الزوج وهو يعلم بمدى تعلق زوجته بيوسف ان ينهى الموضوع ويبعد يوسف خارج القصر ببلد اخرى ولكن الزوج لا يعنيه وقوع زوجته بالزنا او حبها وعشقها لاحد رجاله وعبيده بقدر مظهره الاجتماعى .. ثم الامر مألوف فى مجتمع لا يدين لاخلاقيات دينية .. لمجتمع اخرج ابراهيم من ارضه حتى لا يسلم لرب العالمين ولشرائعه ومنهاجه .. والزوج على يقين ان زوجته لم تكن لتكتفى بزوجها طيله تلك السنوات الماضية وهى على علم بحالته .. واستبدالها بزوجة اخرى لن يكون حلا بل سيبقى الحال كما هو عليه .. ويكفيها انها اعرف الناس به وفهما له لا حاجة فى طردها او استبدالها او ان يغضبها ويبعد يوسف عنها .. هكذا احوال البلاد المتقدمة والحضارات الراقية وتعاملها مع الامور وموازنتها بالمصالح والافضلية .. ويظل يوسف بالقصر .. وامرأة العزيز على حبها وولعها به ...