حوار مع المعارضين لمشاركة المرأة حول أدلة تساق لحظر المشاركة واللقاء 5
حديث أم حميد : أنها جاءت إلي رسول الله فقالت : يا رسول الله إني أحب الصلاة معك , قال : قد علمت وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك , وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك , وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك , وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجد الجماعة. (أخرجه أحمد والطبراني)
البيت : الغرفة الخاصة بالمرأة وفيها تنام
الحجرة : الغرفة في أسفل الدار
الدار : المحل يجمع البناء والساحة
وجوابنا من وجوه:
( أ ) الأحاديث التي تأمرنا بالسماح للنساء في الصلاة جماعة في المسجد :
1- روى أبو داود بسند صحيح عن إبن عمر قال رسول الله ( لا تمنعوا نسائكم المساجـد )
2- روى البخاري ومسلم من طريق حنظلة قال رسول الله : إذا استأذنكم نساءكم بالليل إلى المساجد فأذنوا لهن
3- روى مسلم والنسائي من طريق بسر بن سعيد عن زينب الثقفية قال رسول الله ( إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تتطيب تلك الليلة ) .
4- روى البخاري عن عائشة أنه ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس .
5- روى البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة من حديث أم سلمة كان النبي صلي الله عليه وسلم ين يقضي تسلمه ويمكث هو في مقامه يسراً قبل أن يقوم .
6- روى البخاري عن عبدالله بن عمر قول رسول ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) .
7- روى مسلم عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله يقول ( لا تمنعوا نساءكم المساجد فقال بلال والله لنمنعهن فأقبل عليه ابن عمر فسبه سباً ما سمعت مثل ذلك وقال أخبرك عن رسول الله وتقول لتمنعهن) .
8- أخرج البخاري في صحيحه عن عائشة قالت : « كان رسول الله يصلي الصبح فينصرف بنساء مؤمنات متلفعات بمروطهن ولا يعرف بعضهن بعضاً من الغلس » .
9- حديث أم عطية «أمرنا رسول الله أن نخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين» رواه مسلم .
10- حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لو تركنا هذا الباب للنساء وهذا أثر صحيح وفي رواية كان عمر ينهي أن يدخل من باب النساء .
وعندما نوازن بين الأحاديث نجد أن الأحاديث التي تسمح للمرأة الذهاب للمسجد وتحث الرجال على السماح للمرأة بالصلاة في المسجد صحيحة وكثيرة وكذلك انتقل الرسول إلى جوار ربه والنساء يحضرن الصلاة جماعة في المسجد وكذلك الصحابة والتابعين .
أما الأحاديث التي تفضل الصلاة للمرأة في البيت سنجد حديث واحد حسن ,حديث أم حميد .
(ب) أن حديث أم حميد ينص : " صلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك , وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك " وفي العادة يكون في الحجرة والدار نساء أو رجال محارم أما الرجال الأجانب فوجودهم قليل أو نادر.وإذا قيل إن هذا القليل النادر هو علة تفضيل البيت علي الحجرة والحجرة علي الدار , قلنا إنه يعني أن الرجال الأجانب يرون المرأة في الحجرة والدار في غير حال الصلاة دون حرج وإنما الحرج فقط أن يروها وهي تصلي.إذن المقصود هو إخفاء الصلاة وليس إخفاء شخص المرأة عن أعين الرجال.
(ج) لو كان المقصود إبعاد المرأة عن لقاء الرجال وإن كان اللقاء في احتشام ووقار, لما كان مندوبا لها الصلاة معه صلي الله عليه وسلم في مسجده من يوم قدومه المدينة وحتي وفاته صلي الله عليه وسلم , ولا الاعتكاف في المسجد ولا صلاة الجنازة ولا صلاة الكسوف ولا صلاة العيد ولا حضور مجالس العلم .وكان الأفضل لها ألا تزور المعتكف وألا تسعي للقاء المؤمنات في المسجد وألا تتطوع بإقامة نفسها لخدمة المسجد فتنظفه.ولو كان الأمر كذلك ما أمرالشارع بإلحاح علي حضور النساء صلاة العيد حتي الأبكار المخدرات وحتي الحيض,وما حض الشارع علي تكرار المرأة الحج,أي حج النافلة بعد الفريضة.وفي الحج ما فيه من لقاء الرجال بل من مزاحمة الرجال اضطراراً.
(د) لو كانت أفضلية صلاة البيت مطلقة لكان كرائم الصحابيات أولي بمراعاة هذه الأفضلية وتطبيقها ,ولكان الأولي بالرسول أن يلفت نظر المرأة التي تصحب ولدها للمسجد , ويتجوز الرسول في صلاته التي كان ينوي إطالتها حين يسمع بكاءه.إذ كيف يقبل أن يتجاوز عن فضل إطالة الصلاة من أجل أمر مفضول وهو حضور المرأة الجماعة؟ ولكان الأولي بالرسول أن يلفت نظر النساء اللاتي يحرصن علي صلاة العشاء,إذ كيف يعجل الرسول بإقامتها وهو يري الفضل في تأخيرها حين يقول عمر:"نام النساء والصبيان" أي كيف يتجاوز عن فضل تأخير العشاء من أجل أمر مفضول وهو حضور النساء المسجد؟
إن وقائع حضور النساء في المسجد النبوي لها دلالات كثيرة منها :
1- إقرار الرسول النساء علي الصلاة معه في مسجده من يوم قدومه المدينة وحتي وفاته صلي الله عليه وسلم.
2- اطراد صلاة النساء مع الجماعة حتي في مساجد الأحياء خارج المدينة أي لم يقتصر الأمر علي مسجد رسول الله.
3- نهي الرسول الرجال عن منع النساء حظوظهن من المساجد.
4- شهود الصحابيات الكريمات لصلاة الجماعة في المسجد أمثال أسماء بنت أبي بكر وأم الفضل وفاطمة بنت قيس وزينب امرأة ابن مسعود وأم الدرداء وعاتكة بنت زيد امرأة عمر بن الخطاب والربيع بنت مهوّذ.
5- كثرة عدد النساء اللاتي كن يشهدن جماعة المسجد حتي يتم النساء أكثر من صف خلف صفوف الرجال.
6- تعدد الأغراض التي كان من أجلها يذهب النساء إلي المسجد ومنها الفريضة الجهرية (الفجر والمغرب والعشاء) , صلاة الجمعة , صلاة النافلة (قيام الليل) , صلاة الكسوف , الاعتكاف , زيارة المعتكف , حضور اجتماع عام مع ولي الأمر, تنظيف المسجد , تمضية الوقت مع المؤمنات.
نحسب أن هذه الدلالات مجتمعة تصلح مسوغا لتخصيص أفضلية البيت لصلاة المرأة بحال تكلفها الجماعة وما يترتب علي ذلك من تضييع بعض مصالح بيتها. وبتعبير آخر حال وجود حاجة لرعاية المرأة بيتها وقت صلاة الجماعة في المسجد.وهذا التخصيص يشبه تخصيص فضل رعاية المرأة بيتها وولدها علي الخروج للجهاد وذلك حال وجود حاجة لهذه الرعاية , فعن أنس قال: أتت النساء رسول الله فقلن : يا رسول الله ذهب الرجال بالفضل , بالجهاد في سبيل الله , فما لنا عمل ندرك به عمل الجهاد في سبيل الله؟ فقال : مهنة إحداكن في بيتها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله . أما إذا لم توجد هذه الحاجة وفرغت المرأة من مسؤليتها عن البيت فلها أن تخرج للجهاد متطوعة طالبه للشهادة كما في حديث أم حرام بنت ملحان حيث دعا لها الرسول بالجهاد والشهادة فركبت البحر زمن معاوية بن أبي سفيان فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت.
(و) في موضوع أفضلية صلاة المرأة في بيتها يقول ابن حزم :
((فنظرنا في ذلك فوجدنا خروجهن إلي المسجد والمصلي عملا زائدا علي الصلاة وكلفة في الأسحار والظلمة والزحمة والهواجر الحارة , وفي المطر والبرد , فلو كان فضل هذا العمل الزائد منسوخا لم يحل ضرورة من أحد وجهين لا ثالث لهما : إما أن تكون صلاتها في المسجد والمصلي مساوية لصلاتها في بيتها , فيكون هذا العمل كله لغوا وباطلا , وتكلفا وعناء ولا يمكن غير ذلك أصلا, ... أو تكون صلاتها في المساجد والمصلي منحطة الفضل عن صلاتها في بيتها كما يقول المخالفون , فيكون العمل المذكور كله إثما حاطا من الفضل ولابد. إذ لايحط من الفضل في صلاة ما عن تلك الصلاة بعينها عمل زائد إلا وهو محرم , ولا يمكن غير هذا. وليس هذا من باب ترك أعمال مستحبة في الصلاة , فيحط ذلك من الأجر لو عملها , فهذا لم يأت بإثم لكن ترك أعمال بر , وأما من عمل عملا تكلفه في صلاته فأتلف بعض أجره الذي كان يتحصل له لو لم يعمله , وأحبط بعض عمله , فهذا عمل محرم بلا شك, لا يمكن غير هذا. وليس في الكراهة إثم أصلا ولا إحباط عمل بل فيه عدم الأجر والوزر معا , وإنما الإثم وإحباط العمل في الحرام فقط. وقد اتفق جميع أهل الأرض أن رسول الله لم يمنع النساء قط الصلاة معه في مسجده إلي أن مات عليه السلام , ولا الخلفاء الراشدون بعده , فصح أنه عمل غير منسوخ , فإذ لا شك في هذا فهو عمل بر , ولولا ذلك ما أقره عليه السلام , ولا تركهن يتكلفنه بلا منفعة بل بمضرة))
(ه) لو فرضنا أن المرأة حين تقصد مطلق الصلاة تكون صلاتها في بيتها أفضل , فنحسب أنه حين تقصد سماع القرآن من إمام مطيل للقراءة مجيد للتلاوة أو تقصد سماع العلم بعد الصلاة , أو سماع خطبة الجمعة أو تقصد لقاء المؤمنات للتعاون علي خير , وبخاصة أنها كثيرا ما تحرم من هذه المقاصد الحسنة بسبب ما يشغلها في معظم الأحيان من حمل ورضاعة وحضانة وأعمال البيت , نحسب أنه حين تقصد أمرا من هذه الأمور فهي وما قصدت من خير وما ابتغت من فضل وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم "من أتي المسجد لشيء فهو حظه" رواه أبو داود.