وهذا لا يعني أن العقل هو المقدم على الشرع،
ولكن يعني أن الشرع إن جاء بطريق ظني، فإنه لا يجوز أن يتناقض مع الحس،
وبذا ننفي تخريصات النصارى من تجسد اللاهوت بالناسوت، وننفي تهويمات الملحدين بنفي قدرة الله تعالى عن أشياء افترضوها تتناقض مع الألوهية،
قال العلامة تقي الدين رحمه الله في كتاب نظام الاسلام:
"نعم إن الإيمان بالخالق المدبر فطري في كل إنسان، إلا أن هذا الإيمان الفطري يأتي عن طريق الوجدان، وهو طريق غير مأمون العاقبة، وغير موصل إلى تركيز إذا ترك وحده، فالوجدان كثيراً ما يضفي على ما يؤمن به أشياء لا حقائق لها، ولكن الوجدان تخيلها صفات لازمة لما آمن به، فوقع في الكفر أو الضلال؛ وما عبادة الأوثان، وما الخرافات والترهات إلا نتيجة لخطأ الوجدان؛ ولهذا لم يترك الإسلام الوجدان وحده طريقة للإيمان، حتى لا يجعل لله صفات تتناقض مع الألوهية، أو يجعله ممكن التجسد في أشياء مادية، أو يتصور إمكان التقرب إليه بعبادة أشياء مادية، فيؤدي إما إلى الكفر أو الإشراك، وإما إلى الأوهام والخرافات التي يأباها الإيمان الصادق؛ ولذلك حتم الإسلام استعمال العقل مع الوجدان، وأوجب على المسلم استعمال عقله حين يؤمن بالله تعالى، ونهى عن التقليد في العقيدة ولذلك جعل العقل حكماً في الإيمان بالله تعالى. قال تعالى: ﴿ إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ﴾ ولهذا كان واجباً على كل مسلم أن يجعل إيمانه صادراً عن تفكير وبحث ونظر، وأن يحكم العقل تحكيماً مطلقاً في الإيمان بالله تعالى. ...
ورغم وجوب استعمال الإنسان العقل في الوصول إلى الإيمان بالله تعالى فإنه لا يمكنه إدراك ما هو فوق حسه وفوق عقله، وذلك لأن العقل الإنساني محدود، ومحدودة قوته مهما سمت ونمت بحدود لا تتعداها، ولذلك كان محدود الإدراك، ومن هنا كان لا بد أن يقصر العقل دون إدراك ذات الله، وأن يعجز عن إدراك حقيقته، لأن الله وراء الكون والإنسان والحياة، والعقل في الإنسان لا يدرك حقيقة ما وراء الإنسان، ولذلك كان عاجزاً عن إدراك ذات الله. |
نظام الاسلام الطبعة السابعة فصل: طريق الايمان
خلاصة هذه الفقرة:
١) العقل لا يقدم على الشرع، لكن الشرع لا يتناقض مع الحس
٢) الايمان الفطري عن طريق الوجدان غير مأمون العاقبة
٣) حتم الاسلام استعمال العقل مع الوجدان للوصول للاعتقاد
٤) العقيدة الاسلامية عقلية موافقة للفطرة
٥) يقصر العقل عن إدراك ذات الله وصفاته تبارك وتعالى لأنه محدود