خامسا : لماذا لم يُسلم أمية بن أبي الصلت ؟ :
السبب الأول :
روى الطبراني في الكبير وابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق عروة بن الزبير عن معاوية بن أب سفيان رضي الله عنهما عن أبي سفيان بن حرب :
أن أمية بن أبي الصلت كان بغزة أو قال : بإيليا فلما قفلنا قال لي أمية : يا أبا سفيان إن نتقدم عن الرفقة فنتحدث ؟ قلت : نعم قال : ففعلنا فقال لي ياأبا سفيان إيهن عن عتبة بن ربيعة ؟ قلت : إيهن عن عتبة بن ربيعة ؟ قال : كريم الطرفين ويتجنب المظالم والمحارم ؟ قلت : نعم قال : وشريف مسن ؟ قلت : وشريف مسن قال : السن والشرف أزريا به فقلت له : كذبت ما ازداد سنا إلا ازداد شرفا قال : يا أبا سفيان إنها لكلمة ما سمعت أحدا يقولها لي منذ تنصرت لا تعجل علي حتى أخبرك قال : هات قال : إني كنت أجد في كتبي نبيا يبعث من حرتنا هذه فكنت أظن بل كنت لا أشك أني هو لما دارست أهل العلم إذا هو من بني عبد مناف فنظرت في بني عبد مناف فلم أجد أحدا يصلح لهذا الأمر غير عتبة بن ربيعة فلما أخبرتني بسنه عرفت أنه ليس به حين جاوز الأربعين ولم يوح إليه قال أبو سفيان : فضرب الدهر من ضربه وأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وخرجت في ركب قريش أريد اليمن في تجارة فمررت بأمية بن أبي الصلت فقلت له كالمستهزئ به : يا أمية قد خرج النبي الذي كنت تنتظر قال أما إنه حق فاتبعه قلت : ما يمنعك من اتباعه ؟ قال : ما يمنعني من اتباعه إلا الاستحياء من نسيات ثقيف إني كنت أحدثهن أني هو ثم يرينني تابعا لغلام من بني عبد مناف ثم قال أمية : وكأني يا أبا سفيان إن خالفته قد ربطت كما يربط الجدي حتى يؤتى بك إليه فيحكم فيك ما يريد .
وروي من طرق أخرى كما عند أبو نعيم في معرفة الصحابة وفي دلائل النبوة له والبيهقي في الدلائل النبوة من طريق إسماعيل بن طريح بن إسماعيل الثقفي عن أبيه عن مروان بن الحكم عن معاوية عن أبيه بمثله ولم يذكر أنه تنصر وهو الأشهر ..
وهذه القصة مشهورة وتناقلها أصحاب السير فذكرها ابن كثير في سيرته وابن القيم في هداية الحيارى وابن حجر في الإصابة وابن برهان الدين الحلبي في السيرة الحلبية والسيوطي في الخصائص الكبرى والسياق المذكور في السير أطول من ذلك فليراجعه من شاء .
السبب الثاني :
ذك ابن كثير في سيرته :
روى الحافظ ابن عساكر عن الزهري أنه قال : قال أمية بن أبي الصلت :
( ألا رسول لنا منا يخبرنا ... ما بعد غايتنا من رأس مجرانا )
قال : ثم خرج أمية بن أبي الصلت إلى البحرين و تنبأ رسول الله صلى الله عليه و سلم و أقام أمية بالبحرين ثماني سنين ثم قدم الطائف فقال لهم : ما يقول محمد بن عبد الله ؟ قالوا : يزعم أنه نبي هو الذي كنت تتمنى
قال : فخرج حتى قدم عليه مكة فلقيه فقال : يا ابن عبد المطلب ما هذا الذي تقول ؟ قال : [ أقول إني رسول الله و أن لا إله إلا هو ] قال : إني أريد أن أكملك فعدني غدا قال فموعدك غدا قال فتحب أن آتيك وحدي أو في جماعة من أصحابي و تأتيني وحدك أو في جماعة من أصحابك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أي ذلك شئت ] قال : فإني آتيك في جماعة فأت في جماعة
قال : فلما كان الغد غدا أمية في جماعة من قريش قال : و غدا رسول الله صلى الله عليه و سلم معه نفر من أصحابه حتى جلسوا في ظل الكعبة قال : فبدأ أمية فخطب ثم سجع ثم أنشد الشعر حتى إذا فرغ الشعر قال : أجبني يا ابن عبد المطلب فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ { بسم الله الرحمن الرحيم يس و القرآن الحكيم } ] حتى إذا فرغ منها وثب أمية يجر رجليه قال : فتبعته قريش يقولون : ما تقول يا أمية ؟ قال : أشهد أنه على الحق فقالوا : هل تتبعه ؟ قال : حتى أنظر في أمره .
قال : ثم خرج أمية إلى الشام و قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة فلما قتل أهل بدر قدم أمية من الشام حتى نزل بدرا ثم ترحل يريد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال قائل : يا أبا الصلت ما تريد ؟ قال : أريد محمدا قال : و ما تصنع ؟ قال : أومن به و ألقي إليه مقاليد هذا الأمر قال : أتدري من في القليب ؟ قال : لا قال : فيه عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و هما ابنا خالك ـ و أمه ربيعة بنت عبد شمس ـ قال : فجدع أذني ناقته و قطع ذنبها ثم وقف على القليب يقول :
( ما ذا ببدر فالعقنـ ... قل من مرازبة جحاجح )
القصيدة إلى آخرها كما سيأتي ذكرها بتمامها في قصة بدر إن شاء الله
ثم رجع إلى مكة و الطائف و ترك الإسلام . أ.هـ
فالسبب الأول أنه علم أن النبي عليه الصلاة ولسلام حق فلم يتبعه لأنه خشي مركزه وسمعته أمام قومه والسبب الثاني يوضح أنه كان ذاهبا إلى النبي عليه الصلاة والسلام مسلما فلما علم مقتل أقاربه في بدر غضب وعاد وترك الإسلام .
ويمكن الجمع بين السببين وأن السبب الأول كان في بدء الأمر لكنه عاد إلى رشده فلما أراد أن يسلم علم بمقتل أهله في بدر فترك الإسلام .
لم يبق اعتراض لصاحبة الشبهة إلا أنها لا تثق في مصادرنا الإسلامية وأقول معك عذرك فشارب الخمر لا يستطعم اللبن وشارب اللبن يكره الخمر .
ولكننا سنبين رأي علماء النصارى المستشرقين في هذا الأمر من كتبهم ولن يكون بعد ذلك مسلك لمتنطع ...
وهذا ما سأبينه في سادسا يتبع بفضل الله ....