كان الطبيب مطرقاً برأسه وهو يستمع ..
ثم رفع رأسه وهو يقول:
لقد أحسنت إلى أبي ياعم .. لحق الوصية التي فرضها له الملك الديان ..
وبحق القرآن الذي آمنت به ..
وجعلته دليلي إلى طاعة خالقي الذي هداني ..
أو ليس قد جاء في القرآن قوله تعالى:
{وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ - وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }لقمان 14 -15
قال الشيخ: بلى .. وصدق الله العظيم ..
قال الطبيب: أو ليس قد جاء في الكتب المحكم قوله تعالى:
{وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }العنكبوت8
قال الشيخ: بلى .. وصدق الله العظيم ..
وساد الصمت بينهما برهة ..
تدبر كل منهما معاني الآيات الكريمة .. وأهدافها النبيلة ..
ثم ما لبث الطبيب أن قال:
إن هذه الآيات .. يتلوها كل مسلم .. ويؤمن بها كل مهتد ..
وما في ذلك من ريب ..
ولكن حدثني بربك يا عم ..
فأنت رجل علم وتجربة ..
ألست ترى أن هذه الآيات تأخذ بناصيتي وبناصية كل عبد هداه الله ..
من بين فئة كبيرة على الضلال ..
فلقد جاهداني .. وأشهد الله ..
ولعل أبي كان أشد قسوة ..
لكن أمي كانت تراقبني ..
وتجعل من يراقبني ..
وتغري بي أبي .. وإخواني وإخوتي ..
ظناً منها أن في هذه الملاحقة الخير لي ..
ثم فرضت الأيام بيننا الحجاب ..
وما أظنني على صواب فيما قد كان بيننا من قطيعة ..
لأن الله جل وعلا يقول : { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً }لقمان15
فأي معروف هذا ..
وأنا لم أصاحبهما ..بل كنت وكانوا يصرون على قطع ما بيني وبينهما ..
وأي صنيع سيء قد صنعت ..
لو أنني تركت أبي يعود من زيارته لي ..
ولم أنقذه على حين ظل المال راكداً في خزانتي ..
أتظن يا عم أن المال ..
هو الذي يصلح من شأن العيال .. بعد فقد عائلهم ..
أعتقد أنك تعلم أن الأمر على خلاف ذلك ..
أما الحق فهو ما أنبأنا به القرآن ..
حيث يقول سبحانه في سورة الكهف:
{ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً }الكهف82
ألا ترى معي يا عم ..
أن مجيء أبي إلى داري خاصة ..
بعدما سمع بمولد محمد ..
قد كان من جانبه .. كركوب أشد الأهوال وأقساها ..
الا ترى أن مجيئه إلى بيت ولده الذي عرف حقيقة أمره ..
هو نصر لي من عند الله ..
إنني لا أنكر أن التصرف الذي صدر عني قد مس حقوق ولدي وزوجتي ..
ولكن المغامرة .. كانت قضاء لا مفرمنه ..
ولكننا يا عم ..
إن يكتب الله لنا عمراً ..
فسننظر فيما تأتي به المقادير .. إن شاء الله تعالى ..
قال الطبيب ذلك وقد اعتزم في نفسه أمراً ..