الرد على السؤال رقم 17:جاء في سورة محمد 4 ..." فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا " ... وجاء في سورة التوبة 73 " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وبِئْسَ الْمَصِيرُ " ... ثم قال الناقد: لما كان محمدٌ بمكة كان يسالم جميع الناس ويحترم اليهود والنصارى والصابئين ويقول أن لهم الجنة (سورة المائدة 69) ... ولكن لما اشتدّ ساعده في المدينة بالأنصار أمر بقتل جميع غير المسلمين أو يدخلوا الإسلام أو يدفعوا الجزية ... وهذا يعني الاقتصار على الأخوّة الإسلامية وهدم أركان الأخوة العامة وقطع أواصر المحبة وحسن المعاملة بين طبقات البشر ... وهكذا حرم المسلمون الاستيطان في كل بلاد الحجاز على كل غير مسلم ...
أولاً: تفسير الآية رقم 4 من سورة محمد & الآية 73 من سورة التوبة:
1. تفسير الآية رقم 4 من سورة محمد:" فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا "
§ " فإذا لقيتم الذين كفروا في الحرب (فقط ... أي وليس عند أي لقاء معهم) فاضربوا رقابهم ... حتى إذا أضعفتموهم (أَثْخَنْتُمُوهُمْ) بكثرة القتل فيهم (لتحطيم قوة المعتدى وكسر شوكته) ... فاحكموا قيد الأسرى ... فإما أن تمنوا بعد انتهاء المعركة مناً (أي بإطلاق سراحهم دون مقابل أو عوض) ... وإمَّا أن تقبلوا أن يفتدوا بالمال أو بالأسرى من المسلمين ... وليكن هذا شأنكم مع الكافرين ... حتى تضع الحرب أثقالها وتنتهي ... فهذا حكم الله فيهم ... " تفسير المنتخب
§ إن هذه الآية تصف الحالة التي يجب أن يكون عليها المسلمون في ميدان المعركة ... فيجب أن يكونوا شديدي البأس على الكفار الذين بدأوا بالعداء والعدوان ... فهذه الآية لا تجمع كل الذين كفروا ... بل تخص الذين اعتدوا منهم دون غيرهم من الكفار المسالمين ...
§ إن الناقد عندما استدل بهذه الآية ركز فقط على أنها تدعو لقتل جميع غير المسلمين ... ولم يكمل الآية إلى نهايتها ... فنظر إلى قوله تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} وادعى أن هذه دعوة تحلل للمسلم قتل كل كافر يجده بالطريق ... لكنه إن أكمل الآية لعلم أن هذا الأمر يكون في حالة الحرب فقط ... لقوله تعالى: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} ... إذن فالآية ليست دعوة إلى قتل كل كافر يجده المسلم ... فللحرب في الإسلام مسوغاتها وآدابها ... وهي ليست حقدا ولا كرها ... إنما هي دفاعية.
§ ويؤكد ذلك المعنى أيضا ما ورد في تفسير ظلال القرآن ... " فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ " حيث ذكر أن اللقاء المقصود في الآية هنا هو اللقاء للحرب والقتال لا مجرد اللقاء ... كما ورد في "التفسير الواضح " ... " لَقِيتُمُ " المراد: لقيتموهم في الحرب.
§ كما وورد في تفسير السعدي ... {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} ... أي: حتى لا يبقى حرب ... وتبقون في المهادنة ... فإن لكل مقام مقالا ولكل حال حكما ... فالحال المتقدمة ... إنما هي إذا كان قتال وحرب ... فإذا كان في بعض الأوقات ... لا حرب فيه لسبب من الأسباب ... فلا قتل ولا أسر.
§ هذا وقد أوضحنا مراراً أن المسلمين لا يبدؤون بالعدوان والحرب على أحد أبدا ... ولكن الأمر كله لا يتعدى ضرورة ردهم على العدوان ... وأن المسلمين يقاتلون فقط من بدأ بقتالهم ... وأن القتال في الإسلام في حد ذاته وسيلة وليس غاية ... قال تعالى ... " وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَـعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " البقرة 190
2. تفسير الآية 73 من سورة التوبة: " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وبِئْسَ الْمَصِيرُ "
§ استدل الناقد بهذه الآية الكريمة على أنها تدعو لقتل جميع غير المسلمين !!! ولعدم التكرار ... وحتى لا يمل القارئ من هذه الادعاءات التي أفرغت من مضمونها ... لأنه أصبح مفهوما للجميع مبدأ المسلمين العام في علاقتهم بالغير وهو " وَلَا تَـعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " البقرة 190 ... إذن ... ألا يحق للمسلمين بعد ذلك دفع الأذى أو العدوان عليهم ... أم يطلب الناقد أن نعطى للمعتدى الخد الأيسر إذا ما ضربنا على خدنا الأيمن ... ثم نعطى بعد خدنا الأيسر ... ثم نعطى ...... و هكذا حتى نسعد المعتدى والناقد ... إن هذا الأسلوب الأخير يتعارض مع الفطرة السليمة و الطبيعية لأي إنسان يحمل قليلا من الكرامة أو عزة النفس ... وهذا الأمر هو الذي يميز البشر عن سائر الدواب ... و لكن لمن يفهم ذلك ... و هل يطلب الناقد منا عدم رد عدوان من يريد اغتصاب أرضنا أو أعراضنا أو أموالنا أو ... و هل سيادته سيصمت إذا تعرض لذلك !!!
§لقد ورد في " التفسير الوسيط للطنطاوي ... " وقوله سبحانه جاهِدِ من المجاهدة ... بمعنى بذل الجهد في دفع ما لا يرضى ... ونحن عند ما نقرأ السيرة النبوية ... نجد أنه صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة ... ظل فترة طويلة يلاين المنافقين ... ويغض الطرف عن رذائلهم ... ويصفح عن مسيئهم ... إلا أن هذه المعاملة الحسنة لهم زادتهم رجسا إلى رجسهم ... لذا جاءت هذه السورة ... وهي من أواخر ما نزل من القرآن ... لتقول للنبي صلى الله عليه وسلم لقد آن الأوان لإحلال الشدة والحزم ... محل اللين والرفق ... فإن للشدة مواضعها وللين مواضعه.
§ وجاء في تفسير الشعراوي ... ولكنه قال: {جاهد الكفار والمنافقين} ... أي: اصمد أمامهم في المعركة ... وجاءت الكثير من الآيات التي أمر فيها الله رسوله والمؤمنين بالصبر على الجهاد ... والجهاد يقتضي المواجهة.
§ وجهاد الكفار جاء على مراحل ... وليس على مرحلة واحدة ... وكانت أولى مراحل الجهاد هي الجهاد بالحُجّة ... لأن المؤمنين في أول الأمر كانوا قلة ضعيفة لا يملكون قوة يواجهون بها هذا المد الكبير من الكفار ... وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض قضايا الإيمان بالحجة لإقناع العقل ... لعل عقولهم تفيق فيؤمنون بمنهج الحق ...
§ فإن فشل جهاد الحُجّة ... يقول الحق سبحانه وتعالى: {وأغلظ عليهم} وبماذا يغلظ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ؟؟؟ إنه يغلظ لإيضاح المصير الذي ينتظرهم ... وكل كافر هو عابد للدنيا ويخاف أن تضيع منه الدنيا لأنه لا يؤمن بالآخرة ... فأنذره بالآخرة ... وانذره بالعذاب الذي ينتظره ... وقل له: أنت لست خالدا في الدنيا ... وما ينتظرك في الآخرة هول كبير ...
§ وهكذا نفهم قول الحق: {وأغلظ عليهم} ... أي: أنذرهم بالعذاب الرهيب الذي ينتظرهم علهم يفيقون ... فمن آمن بالمنطق آمن ... ومن لا يؤمن نقول له: دع كلمة الحق تعلن على الناس جميعا ... وأنت حر في أن تؤمن أو لا تؤمن ... وإن أردت الحياة في كنف الأمة الإسلامية فأهلا بك ... ولا يهم أن تؤمن أو لا تؤمن ... لأن الحق قال: " وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" الكهف 29
§ واعلم أنه يشترط في كل من يدخل الإسلام أن يكون مقتنعا بهذا الدين ... ومقتنعا أيضا بأنه الدين الحق ... والذي لا يؤمن يعيش في كنف الأمة الإسلامية وله حريته الكاملة في إتباع عقيدته ... ولكن منهج الحياة وحركتها لابد أن تسير وفقا لمنهج الله وما دام الإيمان هو الذي يسيطر على حركة الحياة ... " فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ " الكهف 29 ... انتهى تفسير الشعراوي
ثانياً: الرد على قول الناقد: لما كان محمدٌ بمكة كان يسالم جميع الناس ويحترم اليهود والنصارى والصابئين ويقول ان لهم الجنة (سورة المائدة 69) ... " إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ "
§ إن ما زعمه الناقد باطل ... ولماذا ؟؟؟ لأنه لم يكنْ في مكَّةَ وُجودٌ لليهودِ أَو النَّصارى أَو الصابئين ... لأَنَّ أَهلَ مكةَ كانوا من قريشٍ والعرب ... وكان فيها ثلاثةٌ أَو أَربعةٌ من النَّصارى ... فكيفَ يزعُمُ الناقد أَنه كان يحترمُ اليهودَ والنَّصارى والصابئين في مكة ؟؟؟ هذا فضلاً على أن الآية التي استدل بها الناقد لتأكيد كلامه والتي تفيد على حد قوله ان النبي أخبر وهو في مكة " أَنَّ اليهودَ والنَّصارى والصابئين لهم الجنة " ... هي آية من سورة المائدة ... وسورة المائدة هي سورة مدنية أي نزلت بالمدينة بعد هجرة النبي اليها من مكة ... أي انها لم تنزل اصلاً في مكة !!!
§ ولقد كان محمد مسالماً لجميع الناس في كل مكان كان فيه ... في مكة وفى غير مكة فقد قال الله فيه " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ " الأنبياء 107 ... أما منهجه مع الآخرين هو المسالمة ... ولماذا ؟؟؟ قال تعالى " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين " الممتحنة 8
§ ولكن ما تفسير الآية التي استدل بها الناقد ... نذهب للتفسير الوسيط للطنطاوي لأية ... " إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " المائدة 69
§ الآية الكريمة تبين أن أساس النجاة يوم القيامة هو الإِيمان بالله واليوم الآخر، وما يستتبع ذلك من أفعال طيبة وأعمال صالحة ... وقد ذكر سبحانه في هذه الآية أربع فرق من الناس:
أما الفرقة الأولى:فهي فرقة المؤمنين، وهم الذين عبر عنهم سبحانه بقوله: {إِنَّ الذين آمَنُواْ} أي: آمنوا إيمانا صادقاً، بأن أذعنوا للحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم واتبعوه في كل ما جاء به.
والفرقة الثانية: فرقة الذين هادوا ... أي اليهود
والفرقة الثالثة:فرقة الصائبين جمع صابئ وهو الخارج من دين إلى دين.
وأما الفرقة الرابعة:فهي فرقة النصارى قيل سموا بذلك لأنهم أنصار عيسى عليه السلام وقيل سموا بذلك نسبة إلى قرية الناصرة التي ظهر بها عيسى عليه السلام واتبعه بعض أهلها.
§ والإِيمان المشار إليه في قوله:{مَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر} يفسره بعض العلماء بالنسبة لليهود والنصارى والصابئين بمعنى صدور الإِيمان منهم على النحو الذي قرره الإِسلام ... فمن لم تبلغه منهم دعوة الإِسلام ... وكان ينتمي إلى دين صحيح في أصله ... بحيث يؤمن بالله واليوم الآخر ويقوم بالعمل الصالح على الوجه الذي يرشده إليه دينه ... فله أجره على ذلك عند ربه.
§ أما الذين بلغتهم دعوة الإِسلام من تلك الفرق ولكنهم لم يقبلوها ... فإنهم لا يكونون ناجين من عذاب الله مهما ادعوا أنهم يؤمنون بغيرها ... لأن شريعة الإِسلام قد نسخت ما قبلها ... والرسول صلى الله عليه وسلم قال: " لَو أنَّ موسى حيًّا ما وسِعَهُ إلَّا اتِّباعي " موضوعات ابن الجوزي الصفحة أو الرقم: 1/322 ... انتهى تفسير الوسيط للطنطاوي ...
§ مما تقدم ... فإن الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ... والذين هادوا وهم من آمنوا بموسى عليه السلام، وماتوا على ذلك قبل بعثة عيسى عليه السلام، أو أدركوه وآمنوا به ... والنصارى وهم الذين آمنوا بعيسى عليه السلام وماتوا على ذلك قبل أن يدركوا محمداً صلى الله عليه وسلم أو أدركوه وآمنوا به ... والصابئون الذين فعلوا نفس ما ذكر ... هؤلاء جميعاً من آمن منهم بالله واليوم الآخر وصدق وآمن بآخر نبي بُعث إليه ومات على ذلك ... فله أجره عند ربه ...
§ أما من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ورفض رسالته ولم يؤمن به فإنه لا يُقبل منه غير الإسلام ... ولماذا ؟؟؟ لأن الإسلام هو رسالة السماء الأخيرة لأهل الأرض جميعاً والناسخة لما سبقها ... ولذلك لا يعقل تجاهلها والتمسك برسائل سابقة منسوخة -إذن فمن البديهي حينئذ أنه " وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ " آل عمران 85
§ أما الذين قد يوجدون اليوم على وجه الأرض ولم تبلغهم دعوة الإسلام الحق ... أو بَلَغَتْهُمْ دعوةُ الإسلام ولكنْ بَلَغتهم محرفةً عن أساسها وحقيقتها ... فهم على قسمين: قسم منهم على دين سابق وهم متمسكون وملتزمون به (لأنه لم يصلهم صحيح غيره) فعلى ذلك يسري عليهم قوله تعالى ... {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} ... وقسم انحرف عن هذا الدين السابق فسيحاسبه الله على انحرافه.
واللـــــــــــــه أعلم وأعظم
يتبع بإذن اللــــــــــــــه وفضله