* تنــبيـــه :-
ينقسم الواجب فى علم التجويد إلى قسمين : واجب شرعي ، و واجب صناعي .
القسم الأول ، الواجب الشرعيّ :-
وعرَّفه علماء أصول الفقه بأنه : " ما يُثابُ المُكلَّفُ على فعلِه – امتِثالاً – ويُلامُ على تركِه ويستحقُّ العقاب " .
والمراد به هنا المحافظة على جوهر الكلمات القرآنية ، وحروفها التي تتكون منها بِنيَتُها ، وعلى حركتها وسكونها ، وشدَّاتها ومداتها ، إلى غير ذلك من الأمور التى يُعدُّ تركُها من اللحن الجليّ ، فمن أدّى هذه الأمور على وجهها ؛ فقد استحقّ الأجر والمثوبة ، لقيامه بأداء واجبٍ شرعيٍّ ، ومن تركها أو تهاون فى أدائها فهو آثمٌ مُستحقٌّ للعقاب لتركه الواجب الشرعي أو تهاوُنِه فيه.
القسم الثانى ، الواجب الصناعي :-
وهو ما يحسُن فعلُه ويقبُح عند علماء التجويد تركه ؛ كإظهار ما حقه الإظهار وإدغام ما حقُّه الإدغام ، وإخفاء ما يجب إخفاؤه ، وتفخيم ما يجب تفخيمه ، وترقيق ما يلزم ترقيقه ، ومدّ ما يتعيّن مدُّه ، وقصر ما يتعين قصره إلى آخر ما وضعه علماء التجويد من قواعد ، وما اصطلح عليه أهلُ الأداء مِن أصول ، فمن راعى هذه القواعد فى قراءته فقد أحسن وأجاد واستحق من علماء الفن الثناء الحسن ، والذّكر الجميل وصار قُدوةً طيّبة ، ومثلاً يُحتذى به فى جودة القراءة وحسن التلاوة ، ومن أهمل هذه القواعد أو قصّر فى أدائها ؛ استحقّ من علماء هذا الفنّ التأنيب والتعنيف ، والتقريع والتعزير .
وهذا مذهب المتأخرين من أهل الأداء ، وذهب المتقدمون مـن الصدر الأول والسلف الراشد إلى أنّ مراعاة هذه القواعد من الواجب الشرعيّ الذى يثاب فاعله امتثالاً ويستحقُّ تاركه العقاب .
وأجمع المسلمون من سلف الأمة وخَـلَـفِها على أن المحافظة على جوهر اللفظ القرآني ومراعاة شكله من ضمٍّ أو فتحٍ أوكسرٍ أو سكونٍ أو تشديدٍ أو تخفيفٍ ، إلى غير ذلك ، هو من الواجب الشرعيّ ، وأنّ الإخلال بأيّة ناحية من هذه النواحي خطأٌ ظاهر ، ولحنٌ جلي يأثم فاعله ويستحق العقاب عليه .
أما المحافظة على ما وضعه أئمة القراء من أصول وقواعد وتطبيق هذه القواعد فى القراءة بإظهار المُظهر وإدغام المُدغَم ، وإخفاء المخفيّ ، وقصر المقصور ، ومد المدود ، وتفخيم المُفخّم ، وترقيق المُرقّق ، إلى آخر ما دوّنوه ، فقد وقع فيه خلاف بين المتقدمين والمتأخرين .
فالمتقدمون يرون أن المحافظة على هذه القواعد وتطبيقها فى القراءة واجبٌ شرعيٌّ أيضاً ، كالمحافظة على جوهر اللفظ وشكله ، يُثاب عليه فاعله ، وأن الإخلال بها من اللحن الجليّ والخطأ البيِّن الذى يُذمُّ فاعله ويستحق العقاب عليه.
وأما المتأخرون فيرون أن المحافظة على هذه القواعد وتطبيقه فى التلاوة واجب صناعي يحسُن فعله ، ويقبح تركه ، ولكن لا يستحق تاركه شيئاً من العقاب الأخرويّ ، وأن الإخلال بهذه القواعد لحنٌ خفيٌّ ، لأنه يختصُّ به القرّاء ؛ ولا يُدركه غيرهم ، واللحن الخفيّ لايُخلُّ بالقراءة الصحيحة ولا يقدح فى ضبط التلاوة وحُسنها ، وإنما يخل بكمال الضبط ونهاية الحسن والبلوغ بالقراءة إلى أسمى مراتب الإحسان والإتقان ، وعلى هذا لا يكون ارتكاب هذه الأشياء محرماً ولا مكروهاً ، بل يكون خلاف الأولى والأفضل والأكمل ، والله تعالى أعلم .
( أحكام قراءة القرآن الكريم للشيخ الحصري / بتصرف)
قلتُ (الأترجــــــة) :والدليل على ذلك قولُ النبيّ ( صلى الله عليه وسلم ) :- "الذي يقرأُ القرآن وهو ما هِرٌ به مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن وهو يتتعتعُ فيه وهو عليه شاقٌ ؛ له أجران " .
وقال الله عز وجل فى كتابه العزيز( فى أربعة مواضع ) :
" وَلَـقَـدْ يَـسَّـرْنَا الْقـُرْءَانَ لِـلذِّكـْرِ فَهَلْ مِن مُّـدَّكِرٍ"
( القمر 17 , 22 , 32 , 24 )
كما قال سبحانه :
" فَاقْرَؤُوا مَا تَـيَـسَّـرَ مِنَ الْقُرْءَانِ " .
( المُزمِّل : 20 )
وقال مخاطباً نبيَّـه ( صلى الله عليه وسلم ) :-
"فَإِنَّـما يَـسَّـرْنَاهُ بِلِسَـنِكَ لِـتُبَشِّـرَ بِهِ الْـمُتَّـقِيـنَ وَتُنذِرَ بِهِ قَـوْمـاً لُــدّاً " .
( مـريـم : 97 )
" فَإِنَّـمَا يَـسَّرْنَاهُ بِـلِسـَانِكَ لَـعَلَّهُمْ يَـتَـذَكَّـرُونَ " .
( الدُّخـان : 58 )
وأختمُ هذا البحث بدعـــاء موسى –عليه السلام – لمّا كَلَّمَهُ رَبـُّه وكلَّفَهُ بالرسالة والتبليغ :
" ...رَبِّ اشْـرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَـسِّـرْ لِي أَمْـــرِي (26) وَاحْـلُلْ عُـقْدَةً مِن لِّســـانـي (27) يَفْـقَـهُوا قَـــــوْلِي(28)"