قال البخاري : روى عنه ثمانمائة نفس، أو أكثر. (1)
وقال الحاكم: بلغ عدد من روى عن أبي هريرة من الصحابة ثمانية وعشرين رجلاً، فأما التابعون فليس فيهم أجل ولا أشهر ولا أشرف وأعلم من أصحاب أبي هريرة، وذكرهم في هذا الموضع يطول لكثرتهم.(2)
ولم يتوفر فيما أعلم لغيره من رواة الصحابة رضي الله عنهم، مثل هذا العدد من الرواة والناقلين لعلمهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومما لا شك فيه أن مثل هذا العدد الوفير قد ساعد كثيراً على نقل مروياته وإبقائها حية ومتداولة بين أكبر عدد من الرواة والنقلة، حتى دونت مع غيرها من الروايات الحديثة الأخرى في كتب الحديث وأسفاره، بخلاف غيره من الصحابة الذين قلت الرواية عنهم، لتقدم وفياتهم عنه نسبياً، أو لتحرج بعضهم عن الرواية، أو لغير ذلك مما أسلفنا من أسباب.
7- تعدد طرق رواياته: لقد أسهم طرق بعض رواياته إلى حد ما في زيادة عدد ما نسب إليه من روايات، ومن يطلع على رواياته في مسند الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، التي بلغ عددها بشرح الشيخ: أحمد محمد شاكر رحمه الله (3848) رواية يرى أن ما يقرب من ثلثها قد تكررت روايتها فيه، لزيادة راو أو تغير صيغة أداء في السند، أو زيادة لفظ في المتن، فأدى ذلك إلى عد الرواية الواحدة في الواقع: روايتين أو أكثر حسب عدد تكررها، وهذا ما فعله المرقمون لمسند أحمد، وهم معذورون في ذلك، لأسباب فنية حديثة معروفة لدى أهل هذا العلم.
__________________
(1) الذهبي: تذكرة الحفاظ 1/36، وابن حجر: الإصابة 4/205.
(2) الحاكم: المستدرك 3/513.
8 – مشاركة كثير من الصحابة له فيما روى من روايات:
إن من يطلع على كتب الحديث المعتمدة والمتداولة اليوم بين المسلمين، ويتتبع فيها روايات أبي هريرة رضي الله عنه، يجد أن أكثرها قد شاركه في روايتها صحابي أو أكثر، ولا سيما التي كانت مثار اعتراض أو طعن من قبل أهل الأهواء والبدع، وغيرهم ممن لا خبرة لهم بما تصح به الأحاديث، وما لا تصح.
9 – كثرة عدد الرواة عنه:
إن رواية الكثيرين عنه من الصحابة وثقات التابعين رضي الله عنهم، الذين زاد عددهم على ثمانمائة راو كما تقدم قريباً، واعتماد من بعدهم من علماء الأمة وفقهائها ومجتهديها على رواياته التي صحت نسبتها إليه إلى جانب ما صحت نسبتها إلى الصحابة الآخرين رضي الله عنهم من روايات، لأدل وخير شاهد على عدالته رضي الله عنه، وأمانته فيما روى ونقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومما تقدم يتضح لمن صفت سرائرهم واستنارت عقولهم، أن الكثرة النسبية لرواياته المسندة الصحيحة: كثرة طبيعية، أسهمت في تحقيقها وإبرازها العوامل التي أوردناها في الرد على هذه الشبهة وغيرها من العوامل المساعدة، التي صاحبت حياته واتسمت بها شخصيته من صحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى وفاته رضي الله عنه.
كما يتضح وبجلاء زيف هذه الشبهة، وأن منشأها إن لم يكن الجهل المجرد، فهو الهوى، أو هما معاً، ونعوذ بالله منهما.